عن أحمد بن علي الأنصاري، قال: سألت أبا الصلت الهروي فقلت له: كيف طابت نفس المأمون بقتل الرضا (ع) مع إكرامه ومحبته له، وما جعل له من ولاية العهد من بعده؟ فقال: إن المأمون إنما كان يكرمه ويحبه لمعرفته بفضله، وجعل له ولاية العهد من بعده ليرى الناس أنه راغب في الدنيا فيسقط محله من نفوسهم، فلما لم يظهر منه في ذلك للناس إلا ما إزداد به فضلا عندهم ومحلا في نفوسهم جلب عليه المتكلمين من البلدان طمعا في أن يقطعه واحد منهم فيسقط محله عند العلماء ويشتهر نقصه عند العامة. فكان لا يكلمه خصم من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين والبراهمة والملحدين والدهرية، ولا خصم من فرق المسلمين المخالفين له إلا قطعة وألزمه الحجه، وكان الناس يقولون: والله إنه أولى بالخلافة من المأمون، وكان اصحاب الأخبار يرفعون ذلك إليه فيغتاظ من ذلك ويشتد جسده له، وكان الرضا (ع) لا يحابي المأمون من حق وكان يجيبه بما يكره في أكثر احواله فيغيظه ذلك ويحقده عليه، ولا يظهره له فلما أعيته الحيلة في أمره إغتاله فقتله بالسم.
--------------
عيون أخبار الرضا (ع) ج 2 ص 239, حلية الأبرار ج 4 ص 457, بحار الأنوار ج 49 ص 290, رياض الأبرار ج 2 ص 418, العوالم ج 22 ص 485
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
عن مخول السجستاني، قال: لما ورد البريد بإشخاص الرضا (ع) إلى خراسان، كنت أنا بالمدينة، فدخل المسجد ليودع رسول الله (ص) فودعه مرارا, كل ذلك يرجع إلى القبر ويعلو صوته بالبكاء والنحيب، فتقدمت إليه وسلمت عليه فرد السلام وهنأته، فقال: زرني، فإني أخرج من جوار جدي (ص), فأموت في غربة وأدفن في جنب هارون.
--------
عيون أخبار الرضا (ع) ج2 ص217, بحار الأنوار ج49 ص117, إثبات الهداة ج 4 ص 332, مدينة المعاجز ج 7 ص 79, العوالم ج 22 ص 226
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
عن الحسن بن علي الوشاء، قال: قال لي الرضا (ع): إنّي حيث أرادوا الخروج بي من المدينة، جمعت عيالي، فأمرتهم أن يبكوا عليّ حتى أسمع، ثم فرّقت فيهم اثني عشر ألف دينار، ثم قلت: أما إنّي لا أرجع إلى عيالي أبداً.
-------------
عيون أخبار الرضا (ع) ج2 ص217, دلائل الإمامة ص 349, إعلام الورى ص325، الخرائج ج 1 ص 363, مناقب آشوب ج 4 ص 340, كشف الغمة ج 2 ص 305, الدر النظيم ص 378, إثبات الهداة ج 4 ص 332, مدينة المعاجز ج 7 ص 81, بحار الأنوار ج 49 ص 117, رياض الأبرار ج 2 ص 341, العوالم ج 22 ص 226
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
الشيخ الصدوق في الأمالي, حدثنا محمد بن علي ماجيلويه، قال: حدثني علي بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن أبي الصلت الهروي، قال: بينا أنا واقف بين يدي أبي الحسن علي بن موسى الرضا (ع) إذ قال لي: يا أبا الصلت، ادخل هذه القبة التي فيها قبر هارون فأتني بتراب من أربع جوانبها، قال: فمضيت فأتيت به، فلما مثلت بين يديه قال لي: ناولني من هذا التراب، وهو من عند الباب، فناولته، فأخذه وشمه، ثم رمى به، ثم قال: سيحفر لي ها هنا قبر، وتظهر صخرة، لو جمع عليها كل معول بخراسان لم يتهيأ قلعها، ثم قال: في الذي عند الرجل والذي عند الرأس مثل ذلك، ثم قال: ناولني هذا التراب، فهو من تربتي، ثم قال: سيحفر لي في هذا الموضع، فتأمرهم أن يحفروا لي سبع مراقي إلى أسفل، وأن يشق لي ضريحة، فإن أبوا إلا أن يلحدوا، فتأمرهم أن يجعلوا اللحد ذراعين وشبراً، فإن الله عز وجل سيوسعه لي ما شاء، فإذا فعلوا ذلك فإنك ترى عند رأسي نداوة، فتكلم بالكلام الذي أعلمك، فإنه ينبع الماء حتى يمتلئ اللحد، وترى فيه حيتاناً صغاراً فتفت لها الخبز الذي أعطيك فإنها تلتقطه، فإذا لم يبق منه شيء خرجت منه حوتة كبيرة فالتقطت الحيتان الصغار حتى لا يبقى منها شيء ثم تغيب، فإذا غابت فضع يدك على الماء، وتكلم بالكلام الذي أعلمك، فإنه ينضب ولا يبقى منه شيء ولا تفعل ذلك إلا بحضرة المأمون.
ثم قال (ع): يا أبا الصلت، غداً أدخل إلى هذا الفاجر، فإن أنا خرجت وأنا مكشوف الرأس فتكلم أكلمك، وإن خرجت وأنا مغطى الرأس فلا تكلمني، قال أبو الصلت: فلما أصبحنا من الغد لبس ثيابه وجلس في محرابه ينتظر، فبينا هو كذلك إذ دخل عليه غلام المأمون، فقال له: أجب أمير المؤمنين، فلبس نعله ورداءه وقام يمشي وأنا أتبعه، حتى دخل على المأمون وبين يديه طبق عليه عنب، وأطباق فاكهة بين يديه، وبيده عنقود عنب قد أكل بعضه وبقي بعضه، فلما أبصر بالرضا صلوات الله عليه وثب إليه وعانقه، وقبَّل ما بين عينيه، وأجلسه معه، ثم ناوله العنقود وقال: يا بن رسول الله، هل رأيت عنباً أحسن من هذا، فقال له: الرضا (ع): ربما كان عنباً حسناً يكون من الجنة، فقال له: كل منه، فقال له الرضا (ع): أو تعفيني منه؟ فقال: لا بد من ذلك، ما يمنعك منه، لعلك تتهمنا بشيء؟ فتناول العنقود فأكل منه، ثم ناوله فأكل منه الرضا (ع) ثلاث حبات ثم رمى به وقام، فقال له المأمون: إلى أين؟ قال: إلى حيث وجهتني، وخرج (ع) مغطى الرأس، فلم أكلمه حتى دخل الدار، فأمر أن يغلق الباب فأغلق، ثم نام على فراشه، فمكثت واقفاً في صحن الدار مهموماً محزوناً، فبينا أنا كذلك إذ دخل عليَّ شاب حسن الوجه قطط (حسن الجعودة) الشعر، أشبه الناس بالرضا (ع)، فبادرت إليه فقلت له: من أين دخلت والباب مغلق؟ فقال لي: الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت، هو الذي أدخلني الدار والباب مغلق، فقلت له: ومن أنت؟ فقال لي: أنا حجة الله عليك يا أبا الصلت، أنا محمد بن علي، ثم مضى نحو أبيه (ع)، فدخل وأمرني بالدخول معه، فلما نظر إليه الرضا (ع) وثب إليه وعانقه وضمه إلى صدره وقبل ما بين عينيه، ثم سحبه سحباً إلى فراشه، وأكب عليه محمد بن علي (ع) يقبله ويساره بشيء لم أفهمه، ورأيت على شفتي الرضا (ع) زبداً أشد بياضاً من الثلج، ورأيت أبا جعفر يلحسه بلسانه، ثم أدخل يده بين ثوبه وصدره، فاستخرج منه شيئاً شبيهاً بالعصفور، فابتلعه أبو جعفر (ع)، ومضى الرضا (ع)، فقال أبو جعفر (ع): قم يا أبا الصلت فأتني بالمغتسل والماء من الخزانة، فقلت: ما في الخزانة مغتسل ولا ماء! فقال: ائتمر بما آمرك به، فدخلت الخزانة فإذا فيها مغتسل وماء، فأخرجته وشمرت ثيابي لاغسله معه، فقال لي: تنح يا أبا الصلت، فإن لي من يعينني غيرك، فغَسله، ثم قال لي: ادخل الخزانة فأخرج إليّ السفط الذي فيه كفنه وحنوطه، فدخلت فإذا أنا بسفط لم أره في تلك الخزانة، فحملته إليه، فكفنه وصلى عليه، ثم قال: أئتني بالتابوت، فقلت: أمضي إلى النجار حتى يصلح تابوتاً، قال: قم فإن في الخزانة تابوتاً، فدخلت الخزانة فإذا تابوت لم أره قط، فأتيته به، فأخذ الرضا (ع)، بعد أن كان صلى عليه، فوضعه في التابوت وصف قدميه، وصلى ركعتين لم يفرغ منهما حتى علا التابوت وانشق السقف، فخرج منه التابوت ومضى، فقلت: يا بن رسول الله، الساعة يجيئنا المأمون فيطالبني بالرضا (ع) فما أصنع؟
فقال: اسكت، فإنه سيعود، يا أبا الصلت، ما من نبي يموت في المشرق ويموت وصيه بالمغرب إلا جمع الله عز وجل بين أرواحهما وأجسادهما، فما تم الحديث حتى انشق السقف ونزل التابوت، فقام (ع) فاستخرج الرضا (ع) من التابوت، ووضعه على فراشه، كأنه لم يغسل ولم يكفن، وقال: يا أبا الصلت، قم فافتح الباب للمأمون، ففتحت الباب، فإذا المأمون والغلمان بالباب، فدخل باكياً حزيناً قد شق جيبه، ولطم رأسه، وهو يقول: يا سيداه، فجعت بك يا سيدي، ثم دخل وجلس عند رأسه، وقال: خذوا في تجهيزه، فمر بحفر القبر، فحضرت الموضع، وظهر كل شيء على ما وصفه الرضا (ع)، فقال بعض جلسائه: ألست تزعم أنه إمام؟ قال: نعم، لا يكون الامام إلا مقدم الرأس، فأمر أن يحفر له في القبلة، فقلت: أمرني أن أحفر له سبع مراقي، وأن أشق له ضريحة، فقال: انتهوا إلى ما يأمركم به أبو الصلت سوى الضريحة، ولكن يحفر له ويلحد، فلما رأى ما ظهر من النداوة والحيتان وغير ذلك، قال المأمون: لم يزل الرضا (ع) يرينا عجائبه في حياته حتى أراناها بعد وفاته، فقال له وزير كان معه، أتدري ما أخبرك به الرضا؟ قال: لا، قال: إنه أخبرك أن ملككم بني العباس مع كثرتكم وطول مدتكم مثل هذه الحيتان، حتى إذا فنيت آجالكم، وانقطعت آثاركم، وذهبت دولتكم سلط الله تبارك وتعالى عليكم رَجلاً منا فأفناكم عن آخركم، قال له: صدقت، ثم قال لي: يا أبا الصلت، علمني الكلام الذي تكلمت به، قلت: والله لقد نسيت الكلام من ساعتي، وقد كنت صدقت، فأمر بحبسي، ودفن الرضا (ع)، فحبست سنة، وضاق علي الحبس، وسهرت الليل، فدعوت الله عز وجل بدعاء ذكرت فيه محمداً وآل محمد (ص)، وسألت الله بحقهم أن يفرج عني، فلم أستتم الدعاء حتى دخل علي محمد بن علي (ع)، فقال لي: يا أبا الصلت، ضاق صدرك؟ فقلت: إي والله! قال: قم فاخرج، ثم ضرب يده إلى القيود التي كانت علي ففكها، وأخذ بيدي، وأخرجني من الدار، والحرسة والغلمة يرونني، فلم يستطيعوا أن يكلموني، وخرجت من باب الدار، ثم قال: امض في ودائع الله، فإنك لن تصل إليه، ولا يصل إليك أبداً، قال أبو الصلت: فلم ألتق مع المأمون إلى هذا الوقت.
-----------
عيون أخبار الرضا (ع) ج 2 ص 242، الأمالي الصدوق ص 661، روضة الواعظين ج 1 ص 229، إعلام الورى ص 340, مدينة المعاجز ج 7 ص 158، بحار الأنوار ج 49 ص 300، العوالم ج 22 ص 494
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية