وصايا الأنبياء ع

وصايا الأنبياء عليهم السلام

وصايا النبي آدم (ع):

* محمد بن مسعود العياشي في تفسيره, عن هشام بن سالم, عن حبيب السجستاني, عن أبي جعفر (ع) قال: لما قرب ابنا آدم (ع) القربان {فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر} قال: تقبل من هابيل ولم يتقبل من قابيل، ادخله من ذلك حسد شديد، وبغى على هابيل فلم يزل يرصده ويتبع خلوته حتى ظفر به متنحيا عن آدم، فوثب عليه فقتله، فكان من قصتهما ما قد أنبأ الله في كتابه مما كان بينهما من المحاورة قبل أن يقتله، قال: فلما علم آدم بقتل هابيل جزع عليه جزعا شديدا ودخله حزن شديد قال: فشكى إلى الله ذلك فأوحى الله إليه: انى واهب لك ذكرا يكون خلفا لك من هابيل، قال: فولدت حواء غلاما زكيا مباركا، فلما كان يوم السابع سماه آدم شيث، فأوحى الله إلى آدم: إنما هذا الغلام هبة منى لك فسمه هبة الله, قال: فسماه هبة الله. قال: فلما دنا أجل آدم أوحى الله إليه أن: يا آدم انى متوفيك ورافع روحك إلى يوم كذا وكذا فأوص إلى خير ولدك وهو هبتي الذي وهبته لك، فأوص إليه وسلم إليه ما علمناك من الأسماء والاسم الأعظم، فاجعل ذلك في تابوت فانى أحب ان لا يخلو أرضى من عالم يعلم علمي ويقضى بحكمي أجعله حجتي على خلقي, قال: فجمع آدم (ع) إليه جميع ولده من الرجال والنساء فقال لهم: يا ولدى ان الله أوحى إلى أنه رافع إليه روحي وأمرني ان أوصى إلى خير ولدى وانه هبة الله، فان الله اختاره لي ولكم من بعدي اسمعوا له وأطيعوا أمره، فإنه وصيي وخليفتي عليكم فقالوا جميعا: نسمع له ونطيع أمره ولا نخالفه قال: فأمر بالتابوت فعمل ثم جعل فيه علمه والأسماء والوصية ثم دفعها إلى هبة الله، وتقدم إليه في ذلك وقال له: انظر يا هبة الله إذا انا مت فاغسلني وكفني وصل على وأدخلني في حفرتي، فإذا مضى بعد وفاتي أربعون يوما فاخرج عظامي كلها من حفرتي فاجمعها جميعا ثم اجعلها في التابوت واحتفظ به ولا تأمنن عليه أحدا غيرك، فإذا حضرت وفاتك وأحسست بذلك من نفسك فالتمس خير ولدك وألزمهم لك صحبة وأفضلهم عندك قبل ذلك فأوص إليه بمثل ما أوصيت به إليك ولا تدعن الأرض بغير عالم منا أهل البيت. يا بنى ان الله تبارك وتعالى أهبطني إلى الأرض وجعلني خليفته فيها، حجة له على خلقه، فقد أوصيت إليك بأمر الله وجعلتك حجة لله على خلقه في أرضه بعدي، فلا تخرج من الدنيا حتى تدع لله حجة ووصيا وتسلم إليه التابوت وما فيه كما سلمته إليك، وأعلمه انه سيكون من ذريتي رجل اسمه نوح يكون في نبوته الطوفان والغرق، فمن ركب في فلكه نجا ومن تخلف عن فلكه غرق، وأوص وصيك ان يحفظ بالتابوت وبما فيه، فإذا حضرت وفاته أن يوصى إلى خير ولده وألزمهم له وأفضلهم عنده، وسلم إليه التابوت وما فيه، وليضع كل وصى وصيته في التابوت وليوص بذلك بعضهم إلى بعض، فمن أدرك نبوة نوح (ع) فليركب معه وليحمل التابوت وجميع ما فيه في فلكه ولا يتخلف عنه أحد. ويا هبة الله وأنتم يا ولدى إياكم الملعون قابيل وولده, فقد رأيتم ما فعل بأخيكم هابيل فاحذروه وولده، ولا تناكحوهم ولا تخالطوهم، وكن أنت يا هبة الله وإخوتك وأخواتك في أعلى الجبل واعزله وولده ودع الملعون قابيل وولده في أسفل الجبل. قال: فلما كان اليوم الذي أخبر الله انه متوفيه فيه تهيأ آدم (ع) للموت واذعن به قال: وهبط عليه ملك الموت فقال آدم (ع): دعني يا ملك الموت حتى أتشهد وأثنى على ربى بما صنع عندي من قبل أن تقبض روحي. فقال آدم: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, واشهد أنى عبد الله وخليفته في أرضه ابتدأني باحسانه وخلقني بيده ولم يخلق خلقا بيده سواي ونفخ في من روحه، ثم أجمل صورتي ولم يخلق على خلقي أحدا قبلي، ثم أسجد لي ملائكته وعلمني الأسماء كلها ولم يعلمها ملائكته ثم أسكنني جنته ولم يكن يجعلها دار قرار ولا منزل استيطان، وإنما خلقني ليسكنني الأرض للذي أراد من التقدير والتدبير وقدر ذلك كله من قبل أن يخلقني، فمضيت في قدره وقضائه ونافذ امره، ثم نهاني ان آكل من الشجرة فعصيته وأكلت منها، فأقالني عثرتي وصفح لي عن جرمي، فله الحمد على جميع نعمه عندي حمدا يكمل به رضاه عنى. قال: فقبض ملك الموت روحه (ع)، فقال أبو جعفر (ع): ان جبرئيل نزل بكفن آدم وبحنوطه والمسحاة معه قال: ونزل مع جبرئيل سبعون الف ملك ليحضروا جنازة آدم (ع) قال: فغسله هبة الله وجبرئيل كفنه وحنطه، ثم قال: يا هبة الله تقدم فصل على أبيك وكبر عليه خمسا وعشرين تكبيرة، فوضع سرير آدم ثم قدم هبة الله وقام جبرئيل عن يمينه والملائكة خلفهما، فصلى عليه وكبر عليه خمسا وعشرين تكبيرة وانصرف جبرئيل والملائكة، فحفروا له بالمسحاة ثم أدخلوه في حفرته، ثم قال جبرئيل (ع): يا هبة الله هكذا فافعلوا بموتاكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت. فقال أبو جعفر (ع): فقام هبة الله في ولد أبيه بطاعة الله وبما أوصاه أبوه، فاعتزل ولد الملعون قابيل فلما حضرت وفات هبة الله أوصى إلى ابنه قينان وسلم إليه التابوت وما فيه وعظام آدم ووصية آدم وقال له: ان أنت أدركت نبوة نوح فاتبعه واحمل التابوت معك في فلكه ولا تخلفن عنه فان في نبوته يكون الطوفان والغرق، فمن ركب في فلكه نجا ومن تخلف عنه غرق. قال فقام قينان بوصية هبة الله في اخوته وولد أبيه بطاعة الله قال: فلما حضرت قينان الوفاة أوصى إلى ابنه مهلائيل وسلم إليه التابوت وما فيه والوصية، فقام مهلائيل بوصية قينان وسار بسيرته فلما حضرت مهلائيل الوفاة أوصى إلى ابنه يرد، فسلم إليه التابوت وجميع ما فيه والوصية، فتقدم إليه في نبوة نوح، فلما حضرت وفاة يرد أوصي إلى ابنه أخنوخ وهو إدريس فسلم إليه التابوت وجميع ما فيه والوصية، فقام أخنوخ بوصية يرد، فلما قرب أجله أوحى الله إليه انى رافعك إلى السماء وقابض روحك في السماء فأوص إلى ابنك خرقا سيل فقام خرقا سيل بوصية أخنوخ، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ابنه نوح، وسلم إليه التابوت وجميع ما فيه والوصية. قال: فلم يزل التابوت عند نوح حتى حمله معه في فلكه فلما حضرت النوح الوفاة أوصى إلى ابنه سام، وسلم التابوت وجميع ما فيه والوصية. قال حبيب السجستاني ثم انقطع حديث أبي جعفر (ع) عندها. 

.

* العلامة المجلسي في البحار, قصص الأنبياء عليهم السلام, بالإسناد إلى الصدوق بإسناده إلى وهب قال: لما حضر آدم (ع) الوفاة أوصى إلى شيث, وحفر لآدم في غار في أبي قيس يقال له: غار الكنز, فلم يزل آدم (ع) في ذلك الغار حتى كان زمن الغرق استخرجه نوح (ع) في تابوت وجعله معه في السفينة.  

.

 

وصية النبي نوح (ع):

* الشيخ الكليني في الكافي, محمد بن أبي عبد الله عن محمد بن الحسين, عن محمد بن سنان, عن إسماعيل بن جابر وعبد الكريم بن عمرو وعبد الحميد بن أبي الديلم, عن أبي عبد الله (ع) قال: عاش نوح (ع) بعد الطوفان خمسمائة سنة, ثم أتاه جبرئيل (ع) فقال: يا نوح, إنه قد انقضت نبوتك واستكملت أيامك فانظر إلى الاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة التي معك فادفعها إلى ابنك سام, فإني لا أترك الأرض إلا وفيها عالم تعرف به طاعتي ويعرف به هداي ويكون نجاة فيما بين مقبض النبي ومبعث النبي الآخر, ولم أكن أترك الناس بغير حجة لي وداع إلي وهاد إلى سبيلي وعارف بأمري, فإني قد قضيت أن أجعل لكل قوم هاديا أهدي به السعداء ويكون حجة لي على الأشقياء, قال: فدفع نوح (ع) الاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة إلى سام, وأما حام ويافث فلم يكن عندهما علم ينتفعان به, قال: وبشرهم نوح بهود (ع) وأمرهم باتباعه, وأمرهم أن يفتحوا الوصية في كل عام وينظروا فيها ويكون عيدا لهم. 

.

 

وصية النبي إبراهيم (ع):

* فتال النيشابوري في روضة الواعظين, عن الصادق (ع) في حديث طويل ان النبي إبراهيم (ع) قال لرسول الله (ص) في المعراج: يا محمد، أقرئ‏ أمتك‏ مني‏ السلام‏، وأخبرهم أن الجنة ماؤها عذب، وتربتها طيبة، فيها قيعان بيض، غرسها::سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم؛" فمر أمتك فليكثروا من غرسها. 

.

 

وصايا النبي يعقوب (ع):

* الشيخ الكليني في الكافي, علي بن إبراهيم, عن محمد بن عيسى, عن يونس بن عبد الرحمن‏, عن عبد الأعلى، عن أبي عبد الله (ع) قال: إن أبي (ع) إستودعني ما هناك فلما حضرته الوفاة، قال: ادع لي شهودا، فدعوت له أربعة من قريش، فيهم نافع مولى عبد الله بن عمر، فقال: اكتب هذا ما أوصى به يعقوب (ع) بنيه‏ {يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون‏}. 

.

* الشيخ الكليني في الكافي, محمد بن يحيى, عن أحمد بن محمد, عن ابن فضال, عن عبد الله بن ميمون القداح, عن أبي عبد الله (ع) قال: قال يعقوب (ع) لابنه: يا بني لا تزن, فإن الطائر لو زنى لتناثر ريشه. 

.

 

وصايا النبي موسى (ع):

* الشيخ الصدوق في التوحيد, حدثنا أبو محمد جعفر بن علي بن أحمد الفقيه القمي ثم الإيلاقي قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن علي بن صدقة القمي قال: حدثني أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الأنصاري الكجي قال: حدثني من سمع الحسن بن محمد النوفلي ثم الهاشمي‏, عن علي بن موسى (ع), عن رسول الله (ص) في حديث طويل أنه قال: يا يهودي, إن موسى (ع) أوصى بني إسرائيل فقال لهم: إنه سيأتيكم نبي من إخوانكم فبه فصدقوا ومنه فاسمعو. 

.

* السيد با طاووس في فرج المهموم, أن موسى بن عمران (ع) أوصى‏ بني‏ إسرائيل‏ فقال: "احفظوا شرائع التوراة واعملوا بوصاياها, فإن الله يستجيب دعاءكم, ويرخص أسعاركم, ويخصب بلادكم, ويكثر أموالكم وأولادكم, ويكف عنكم أعداءكم, ومتى خفتم حوادث الدهر ومصائب الأيام فتوبوا إلى الله واستغفروا وصلوا وادعوه أن يصرف عنكم ما تخافون, ويدفع عنكم شر ما تحذرون, ويكشف عنكم شر ما يكون من محن الدنيا ومصائبها وحوادث الأيام ونواكبها."

وعلى هذا المقال كانت وصية عيسى (ع) لصحابته, ووصية سيدنا محمد (ص) لأمته. 

.

* الشيخ الكليني في الكافي, محمد بن الحسين وغيره, عن سهل, عن محمد بن عيسى ومحمد بن يحيى ومحمد بن الحسين جميعا, عن محمد بن سنان, عن إسماعيل بن جابر وعبد الكريم بن عمرو, عن عبد الحميد بن أبي الديلم, عن أبي عبد الله (ع) قال: أوصى موسى (ع) إلى يوشع بن نون, وأوصى يوشع بن نون إلى ولد هارون ولم يوص إلى ولده ولا إلى ولد موسى, إن الله تعالى له الخيرة يختار من يشاء ممن يشاء. 

.

 

وصايا الخضر (ع):

* الشيخ الصدوق في الخصال, حدثنا أبي قال: حدثنا سعد بن عبد الله, عن القاسم بن محمد الأصبهاني, عن سليمان بن داود المنقري, عن سفيان بن عيينة, عن الزهري, عن علي بن الحسين (ع) قال: كان آخر ما أوصى به الخضر موسى بن عمران (ع) أن قال له: لا تعيرن‏ أحدا بذنب‏, وإن أحب الأمور إلى الله عز وجل ثلاثة: القصد في الجدة, والعفو في المقدرة, والرفق بعباد الله, وما رفق أحد بأحد في الدنيا إلا رفق الله عز وجل به يوم القيامة, ورأس الحكمة مخافة الله تبارك و تعالى. 

.

* الشيخ الصدوق في الأمالي, حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي قال: حدثنا أبي, عن جده أحمد بن أبي عبد الله, عن الحسن بن علي بن فضال, عن إبراهيم بن محمد الأشعري, عن أبان بن عبد الملك, عن الصادق جعفر بن محمد (ع) قال: إن موسى بن عمران (ع) حين‏ أراد أن‏ يفارق‏ الخضر (ع) قال له: أوصني, فكان مما أوصاه أن قال له: إياك واللجاجة, أو أن تمشي في غير حاجة, أو أن تضحك من غير عجب, واذكر خطيئتك وإياك وخطايا الناس. 

.

 

وصايا لقمان (ع):

سورة لقمان آية 13 {وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم‏}

سورة لقمان آية 16 – 19 {يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير}

.

* علي بن إبراهيم القمي في تفسيره, حدثني‏ أبي, عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري, عن حماد, عن أبي عبد الله (ع) في حديث طويل في قول الله‏ {وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم}‏ قال: فوعظ لقمان ابنه بآثار حتى تفطر وانشق, وكان فيما وعظه به يا حماد, أن قال: يا بني, إنك منذ سقطت إلى الدنيا استدبرتها واستقبلت الآخرة, فدار أنت إليها تسير أقرب إليك من دار أنت عنها متباعد. يا بني, جالس العلماء وازحمهم بركبتيك ولا تجادلهم فيمنعوك, وخذ من الدنيا بلاغا ولا ترفضها فتكون عيالا على الناس, ولا تدخل فيها دخولا يضر بآخرتك, وصم صوما يقطع شهوتك ولا تصم صياما يمنعك من الصلاة فإن الصلاة أحب إلى الله من الصيام. يا بني, إن الدنيا بحر عميق قد هلك فيها عالم كثير فاجعل سفينتك فيها الإيمان, واجعل شراعها التوكل, واجعل زادك فيها تقوى الله, فإن نجوت فبرحمة الله وإن هلكت فبذنوبك. يا بني, إن تأدبت صغيرا انتفعت به كبيرا, ومن عنى بالأدب اهتم به, ومن اهتم به تكلف علمه, ومن تكلف علمه اشتد له طلبه, ومن اشتد له طلبه أدرك منفعته, فاتخذه عادة, فإنك تخلف في سلفك, وتنفع به من خلفك, ويرتجيك فيه راغب, ويخشى صولتك راهب, وإياك والكسل عنه بالطلب لغيره, فإن غلبت على الدنيا فلا تغلبن على الآخرة, فإذا فاتك طلب العلم في مظانه فقد غلبت على الآخرة, واجعل في أيامك ولياليك وساعاتك لنفسك نصيبا في طلب العلم, فإنك لم تجد له تضييعا أشد من تركه,‏ ولا تمارين فيه لجوجا, ولا تجادلن فقيها, ولا تعادين سلطانا, ولا تماشين ظلوما ولا تصادقنه, ولا تؤاخين فاسقا, ولا تصاحبن متهما, واخزن علمك كما تخزن ورقك. يا بني, خف الله خوفا لو أتيت يوم القيامة ببر الثقلين خفت أن يعذبك, وارج الله رجاء لو وافيت القيامة بإثم الثقلين رجوت أن يغفر الله لك. فقال له ابنه: يا أبت وكيف أطيق هذا, وإنما لي قلب واحد؟ فقال له لقمان (ع): يا بني, لو استخرج قلب المؤمن فشق لوجد فيه نوران: نور للخوف ونور للرجاء, لو وزنا ما رجح‏ أحدهما على الآخر بمثقال ذرة, فمن يؤمن بالله يصدق ما قال الله, ومن يصدق ما قال الله يفعل ما أمر الله, ومن لم يفعل ما أمر الله لم يصدق ما قال الله, فإن هذه الأخلاق يشهد بعضها لبعض, فمن يؤمن بالله إيمانا صادقا يعمل لله خالصا ناصحا, ومن يعمل لله خالصا ناصحا فقد آمن بالله صادقا, ومن أطاع الله خافه‏, ومن خافه فقد أحبه, ومن أحبه اتبع أمره, ومن اتبع أمره استوجب جنته ومرضاته, ومن لم يتبع رضوان الله فقد هان سخطه, نعوذ بالله من سخط الله. يا بني, لا تركن إلى الدنيا ولا تشغل قلبك بها, فما خلق الله خلقا هو أهون عليه منها, ألا ترى أنه لم يجعل نعيمها ثوابا للمطيعين, ولم يجعل بلاءها عقوبة للعاصين‏.

.

* الكراكجي في كنز الفوائد, مما روي عن لقمان (ع) من حكمته ووصيته لابنه:‏ {يا بني أقم الصلاة} فإنما مثلها في دين الله كمثل عمد فسطاط, فإن العمود إذا استقام‏ نفعت‏ الأطناب‏ والأوتاد والظلال وإن لم يستقم لم ينفع وتد ولا طنب ولا ظلال. أي بني, صاحب العلماء وجالسهم وزرهم في بيوتهم لعلك أن تشبههم فتكون منهم. اعلم يا بني أني ذقت الصبر وأنواع المر فلم أر أمر من الفقر, فإن افتقرت يوما فاجعل فقرك بينك وبين الله ولا تحدث الناس بفقرك فتهون عليهم, ثم سل في الناس: هل من أحد دعا الله فلم يجبه؟ أو سأله فلم يعطه؟ يا بني, ثق بالله عز وجل ثم سل في الناس: هل من أحد وثق بالله فلم ينجه؟ يا بني, توكل على الله ثم سل في الناس: من ذا الذي توكل على الله فلم يكفه؟ يا بني, أحسن الظن بالله ثم سل في الناس: من ذا الذي أحسن الظن بالله فلم يكن عند حسن ظنه به؟ يا بني, من يرد رضوان الله يسخط نفسه كثيرا, ومن لا يسخط نفسه لا يرض ربه, ومن لا يكتم غيظه يشمت عدوه. يا بني, تعلم الحكمة تشرف فإن الحكمة تدل على الدين, وتشرف العبد على الحر, وترفع المسكين على الغني, وتقدم الصغير على الكبير, وتجلس المسكين مجالس الملوك, وتزيد الشريف شرفا والسيد سؤددا والغني مجدا, وكيف يتهيأ له أمر دينه ومعيشته بغير حكمة ولن يهيئ الله عز وجل أمر الدنيا والآخرة إلا بالحكمة, ومثل الحكمة بغير طاعة مثل الجسد بلا نفس, أو مثل الصعيد بلا ماء, ولا صلاح للجسد بلا نفس ولا للصعيد بغير ماء, ولا للحكمة بغير طاعة. 

.

* الشيخ الصدوق في الأمالي, حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل قال: حدثنا علي بن الحسين السعدآبادي قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي قال: حدثنا علي بن محمد القاساني, عن سليمان بن داود المنقري, عن حماد بن عيسى, عن الصادق جعفر بن محمد (ع) قال: كان فيما أوصى به لقمان (ع) ابنه ناتان أن قال له: يا بني,‏ ليكن‏ مما تتسلح به على عدوك فتصرعه المماسحة, وإعلان الرضا عنه, ولا تزاوله بالمجانبة فيبدو له ما في نفسك فيتأهب لك. يا بني, خف الله خوفا لو وافيته ببر الثقلين خفت أن يعذبك الله, وارج الله رجاء لو وافيته بذنوب الثقلين رجوت أن يغفر الله لك. يا بني, حملت الجندل والحديد وكل حمل ثقيل فلم أحمل شيئا أثقل من جار السوء, وذقت المرارات كلها فلم أذق شيئا أمر من الفقر. 

.

* الشيخ الصدوق في الخصال, حدثنا أبي قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثني القاسم بن محمد, عن سليمان بن داود قال: حدثني حماد بن عيسى, عن أبي عبد الله (ع) قال: قال لقمان (ع) لابنه: يا بني, لكل شي‏ء علامة يعرف بها ويشهد عليها, وإن للدين ثلاث علامات: العلم والإيمان والعمل به, وللإيمان ثلاث علامات: الإيمان بالله وكتبه ورسله, وللعالم ثلاث علامات: العلم بالله وبما يحب وبما يكره, وللعامل ثلاث علامات: الصلاة والصيام والزكاة, وللمتكلف ثلاث علامات: ينازع من فوقه ويقول ما لا يعلم ويتعاطى ما لا ينال, وللظالم ثلاث علامات: يظلم من فوقه بالمعصية ومن دونه بالغلبة ويعين الظلمة, وللمنافق ثلاث علامات: يخالف لسانه قلبه وقلبه فعله وعلانيته سريرته, وللآثم ثلاث علامات: يخون ويكذب ويخالف ما يقول, وللمرائي ثلاث علامات: يكسل إذا كان وحده وينشط إذا كان الناس عنده ويتعرض في كل أمر للمحمدة, وللحاسد ثلاث علامات: يغتاب إذا غاب ويتملق إذا شهد ويشمت بالمصيبة, وللمسرف ثلاث علامات: يشتري ما ليس له ويلبس ما ليس له ويأكل ما ليس له, وللكسلان‏ ثلاث علامات: يتوانى حتى يفرط ويفرط حتى يضيع ويضيع حتى يأثم, وللغافل ثلاث علامات: السهو واللهو والنسيان. قال حماد بن عيسى: قال أبو عبد الله (ع): ولكل واحدة من هذه العلامات شعب يبلغ العلم بها أكثر من ألف باب وألف باب وألف باب, فكن يا حماد طالبا للعلم في آناء الليل وأطراف النهار, فإن أردت أن تقر عينك وتنال خير الدنيا والآخرة فاقطع الطمع مما في أيدي الناس, وعد نفسك في الموتى, ولا تحدثن نفسك أنك فوق أحد من الناس, واخزن لسانك كما تخزن مالك. 

.

* قطب الدين الراوندي في قصص الأنبياء عليهم السلام, ابن بابويه, عن أبيه: حدثنا سعد بن عبد الله: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى, عن أبيه, عن درست, عن إبراهيم بن عبد الحميد, عن أبي الحسن (ع) قال: كان لقمان (ع) يقول لابنه: يا بني, إن الدنيا بحر وقد غرق فيها جيل كثير, فلتكن سفينتك فيها تقوى الله تعالى, وليكن جسرك إيمانا بالله, وليكن شراعها التوكل, لعلك يا بني تنجو وما أظنك ناجيا. يا بني, كيف لا يخاف الناس ما يوعدون وهم ينتقصون في كل يوم, وكيف لا يعد لما يوعد من كان له أجل ينفد. يا بني, خذ من الدنيا بلغة ولا تدخل فيها دخولا يضر بآخرتك, ولا ترفضها فتكون عيالا على الناس, وصم صياما يقطع شهوتك ولا تصم صياما يمنعك من الصلاة فإن الصلاة أعظم عند الله من الصوم. يا بني, لا تتعلم العلم لتباهي به العلماء وتماري به السفهاء أو ترائي به في المجالس, ولا تترك العلم زهادة فيه ورغبة في الجهالة. يا بني, اختر المجالس على عينك, فإن رأيت قوما يذكرون الله فاجلس إليهم, فإنك إن تكن عالما ينفعك علمك ويزيدوك علما, وإن تكن جاهلا يعلموك ولعل الله تعالى أن يظلهم برحمة فتعمك معهم, وقال: قيل للقمان (ع): ما يجمع من حكمتك؟ قال: لا أسأل عما كفيته, ولا أتكلف ما لا يعنيني. 

.

* قطب الدين الراوندي في قصص الأنبياء عليهم السلام, ابن بابويه, عن أبيه, عن سعد بن عبد الله, عن القاسم بن محمد الأصفهاني, عن‏ سليمان بن داود المنقري: حدثنا حماد بن عيسى قال: قال أبو عبد الله (ع): قال لقمان (ع) لابنه: يا بني, إياك والضجر وسوء الخلق وقلة الصبر فلا يستقيم على هذه الخصال صاحب, وألزم نفسك التؤدة في أمورك, وصبر على مئونات الإخوان نفسك, وحسن مع جميع الناس خلقك. يا بني, إن عدمك ما تصل به قرابتك, وتتفضل به على إخوتك, فلا يعدمنك حسن الخلق وبسط البشر, فإنه من أحسن خلقه أحبه الأخيار وجانبه الفجار, واقنع بقسم الله لك يصف عيشك, فإن أردت أن تجمع عز الدنيا فاقطع طمعك مما في أيدي الناس, فإنما بلغ الأنبياء والصديقون ما بلغوا بقطع طمعهم‏. 

.

* قطب الدين الراوندي في قصص الأنبياء عليهم السلام, قال الصادق (ع): قال لقمان (ع) لابنه: يا بنى, ان احتجت إلى السلطان فلا تكثر الالحاح عليه، ولا تطلب حاجتك منه الا في مواضع الطلب، وذلك حين الرضا وطيب النفس، ولا تضجرن بطلب حاجه، فان قضاءها بيد الله ولها أوقات، ولكن ارغب إلى الله وسله وحرك أصابعك إليه. يا بنى, ان الدنيا قليل وعمرك قصير. يا بنى, احذر الحسد، فلا يكونن من شأنك، واجتنب سوء الخلق، فلا يكونن من طبعك، فإنك لا تضر بهما الا نفسك، وإذا كنت أنت الضار لنفسك كفيت عدوك امرك، لان عداوتك لنفسك أضر عليك من عداوة غيرك. يا بنى, اجعل معروفك في أهله، وكن فيه طالبا لثواب الله، وكن مقتصدا ولا تمسكه تقتيرا ولا تعطه تبذيرا. يا بنى, سيد أخلاق الحكمة دين الله تعالى، ومثل الدين كمثل الشجرة الثابتة فالايمان بالله ماؤها، والصلاة عروقها، والزكاة جذعها، والتآخي في الله شعبها، والأخلاق الحسنة ورقها، والخروج عن معاصي الله ثمرها، ولا تكمل الشجرة الا بثمره طيبه، كذلك الدين لا يكمل الا بالخروج عن المحارم. يا بنى, لكل شئ علامه يعرف بها وان للدين ثلاث علامات: العفة والعلم والحلم. 

.

* الشيخ الكليني في الكافي, علي بن إبراهيم, عن أبيه, عن بعض أصحابه, عن إبراهيم بن أبي البلاد, عمن ذكره قال: قال لقمان (ع) لابنه: يا بني, لا تقترب فتكون أبعد لك, ولا تبعد فتهان كل دابة تحب مثلها, وإن ابن آدم يحب مثله, ولا تنشر بزك إلا عند باغيه كما ليس بين الذئب والكبش خلة كذلك ليس بين البار والفاجر خلة, من يقترب من الزفت يعلق به بعضه كذلك من يشارك الفاجر يتعلم من طرقه, من يحب المراء يشتم, ومن يدخل مداخل السوء يتهم, ومن يقارن قرين السوء لا يسلم, ومن لا يملك لسانه يندم. 

.

* الشيخ الصدوق في معاني الأخبار, أبي قال: حدثنا سعد بن عبد الله, عن أحمد بن أبي عبد الله, عن بعض أصحابنا رفعه قال: قال لقمان (ع) لابنه: يا بني, صاحب مائة ولا تعاد واحدا. يا بني, إنما هو خلاقك وخلقك, فخلاقك دينك وخلقك بينك وبين الناس, فلا تتبغض إليهم وتعلم محاسن الأخلاق. يا بني, كن عبدا للأخيار ولا تكن ولدا للأشرار. يا بني, أد الأمانة تسلم لك دنياك وآخرتك, وكن أمينا تكن غنيا. 

.

* قطب الدين الراوندي في قصص الأنبياء عليهم السلام, ابن بابويه, عن أبيه, عن سعد بن عبد الله, عن القاسم بن محمد الأصفهاني, عن‏ سليمان بن داود المنقري: حدثنا حماد بن عيسى, عن الصادق (ع) قال: قال لقمان (ع) لابنه: ان تأدبت صغيرا انتفعت به كبيرا, ومن عنى بالأدب اهتم، ومن اهتم به تكلف علمه، ومن تكلف علمه اشتد له طلبه، ومن اشتد له طلبه أدرك به منفعه فاتخذه عاده. وإياك والكسل منه والطلب بغيره، وان غلبت على الدنيا فلا تغلبن على الآخرة، وانه ان فاتك طلب العلم فإنك لن تجد تضييعا أشد من تركه، يا بنى, استصلح الاهلين والإخوان من أهل العلم ان استقاموا لك على الوفاء، واحذرهم عند انصراف الحال بهم عنك، فان عداوتهم أشد مضرة من عداوة الأباعد بتصديق الناس إياهم لاطلاعهم عليك.  وإذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم، وأكثر التبسم في وجوههم، فإذا دعوك فأجبهم، فإذا استعانوك فأعنهم، وأغلبهم بطول الصمت وكثرة البر والصلاة وسخاء النفس بما معك من دابة أو مال أو زاد، وإذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم، وإذا رايتهم يعملون فاعمل معهم، واسمع ممن هو أكبر منك سنا وان تحيرتم في طريقكم فانزلوا، وان شككتم في القصد فقفوا وتآمروا، إذا قربت من المنزل فأنزل عن دابتك، ثم ابدا بعلفها قبل نفسك فإنها نفسك، وان استطعت ان لا تأكل من الطعام حتى تتصدق منه فافعل، وعليك بقراءة كتاب الله ما دمت راكبا، والتسبيح ما دمت عاملا، وبالدعاء ما دمت خاليا. 

.

* الشيخ الكليني في الكافي, علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري، عن حماد، عن أبي عبد الله (ع) قال: قال لقمان (ع) لابنه: إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتك إياهم في أمرك وأمورهم, وأكثر التبسم في وجوههم وكن كريما على زادك, وإذا دعوك فأجبهم وإذا استعانوا بك فأعنهم, وأغلبهم بثلاث: بطول الصمت, وكثرة الصلاة, وسخاء النفس بما معك من دابة أو مال أو زاد, وإذا استشهدوك على الحق فاشهد لهم, واجهد رأيك لهم إذا استشاروك, ثم لا تعزم حتى تثبت وتنظر ولا تجب في مشورة حتى تقوم فيها وتقعد وتنام وتأكل وتصلي وأنت مستعمل فكرك وحكمتك في مشورته, فإن من لم يمحض النصيحة لمن استشاره سلبه الله تبارك وتعالى رأيه ونزع عنه الأمانة, وإذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم, وإذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم, وإذا تصدقوا وأعطوا قرضا فأعط معهم, واسمع لمن هو أكبر منك سنا, وإذا أمروك بأمر وسألوك فقل: نعم, ولا تقل: لا، فإن لا عي ولؤم, وإذا تحيرتم في طريقكم فأنزلوا, وإذا شككتم في القصد فقفوا وتؤامروا  وإذا رأيتم شخصا واحدا فلا تسألوه عن طريقكم ولا تسترشدون فإن الشخص الواحد في الفلاة مريب لعله أن يكون عينا للصوص أو يكون هو الشيطان الذي حيركم، واحذروا الشخصين أيضا إلا أن تروا ما لا أرى فإن العاقل إذا أبصر بعينه شيئا عرف الحق منه والشاهد يرى ما لا يرى الغائب. يا بني, وإذا جاء وقت صلاة فلا تؤخرها لشئ وصلها واسترح منها فإنها دين, وصل في جماعة ولو على رأس زج, ولا تنامن على دابتك فإن ذلك سريع في دبرها وليس ذلك من فعل الحكماء إلا أن تكون في محمل يمكنك التمدد لاسترخاء المفاصل, وإذا قربت من المنزل فأنزل عن دابتك وابدأ بعلفها قبل نفسك, وإذا أردت النزول فعليك من بقاع الأرض بأحسنها لونا وألينها تربة وأكثرها عشبا, وإذا نزلت فصل ركعتين قبل أن تجلس, وإذا أردت قضاء حاجة فابعد المذهب في الأرض, وإذا ارتحلت فصل ركعتين وودع الأرض التي حللت بها وسلم عليها وعلى أهلها فإن لكل بقعة أهلا من الملائكة, وإن استطعت أن لا تأكل طعاما حتى تبدأ فتتصدق منه فافعل, وعليك بقراءة كتاب الله عز وجل ما دمت راكبا, وعليك بالتسبيح ما دمت عاملا, وعليك بالدعاء ما دمت خاليا, وإياك والسير من أول الليل, وعليك بالتعريس والدلجة من لدن نصف الليل إلى آخره, وإياك ورفع الصوت في مسيرك. 

.

* قطب الدين الراوندي في قصص الأنبياء عليهم السلام, عن سليمان بن داود المنقري، عن ابن عيينة عن الزهري, عن علي بن الحسين (ع) قال: قال لقمان (ع) لابنه: يا بنى, ان أشد العدم عدم القلب, وان أعظم المصائب مصيبة الدين, وأسنى المرزئة مرزئته, وأنفع الغنى غنى القلب، فتلبث في كل ذلك والزم القناعة والرضا بما قسم الله، وان السارق إذا سرق حبسه الله من رزقه وكان عليه إثمه، ولو صبر لنال ذلك وجاءه من وجهه. يا بنى, أخلص طاعة الله حتى لا يخالطها شئ من المعاصي ثم زين الطاعة باتباع أهل الحق، فان طاعتهم متصلة بطاعة الله، وزين ذلك بالعلم وحصن علمك بحلم لا يخالطه حمق واخزنه بلين لا يخالطه جهل، وشدده بحزم لا يخالطه الضياع, وامزج حزمك برفق لا يخالطه العنف. 

.

* قطب الدين الراوندي في قصص الأنبياء عليهم السلام, عن سليمان بن داود، حدثنا يحيى بن سعيد القطان، قال: سمعت الصادق (ع) يقول: قال لقمان (ع): حملت الجندل والحديد وكل حمل ثقيل، فلم احمل شيئا أثقل من جار السوء، وذقت المرارات كلها، فما ذقت شيئا امر من الفقر، يا بنى لا تتخذ الجاهل رسولا، فان لم تصب عاقلا حكيما يكون رسولك، فكن أنت رسول نفسك. يا بنى اعتزل الشر، يعتزلك. 

.

* ورام بن أبي فراس‏ في مجموعته, قال لقمان (ع) لابنه: يا بني, كذب من قال إن الشر يطفئ الشر, فإن كان صادقا فليوقد نارين ثم لينظر هل يطفئ إحداهما الأخرى, وإنما يطفئ الخير الشر كما يطفئ الماء النار. 

.

* ورام بن أبي فراس‏ في مجموعته, قال لقمان (ع): يا بني لا تؤخر التوبة فإن الموت يأتي بغتة.

وقال (ع): يا بني, الشر لا يطفى بالشر كالنار لا تطفى بالنار, ولكنه يطفى بالخير كالنار تطفى بالماء. يا بني, لا تشمت بالموت, ولا تسخر بالمبتلى, ولا تمنع المعروف. يا بني, كن أمينا تعش غنيا. يا بني, إنك سقطت من بطن أمك استدبرت الدنيا واستقبلت الآخرة, وأنت كل يوم إلى ما استقبلت أسرع منك وأدنى إلى ما استدبرت. يا بني, اتخذ تقوى الله تجارة تأتك الأرباح من غير بضاعة, فإذا أخطأت خطيئة فابعث في أثرها صدقة تطفيها. يا بني, إن الموعظة تشق على السفيه كما يشق الصعود على الشيخ الكبير. يا بني لا ترث  لمن ظلمته ولكن ارث لسوء ما جنيته على نفسك, وإذا دعتك القدرة إلى ظلم الناس فاذكر قدرة الله عليك. يا بني, تعلم من العلماء ما جهلت وعلم الناس ما علمت. 

.

* السيد ابن طاووس في فتح الأبواب, قد روي أن لقمان الحكيم (ع) قال لولده في وصيته: لا تعلق قلبك برضا الناس ومدحهم وذمهم، فإن ذلك لا يحصل، ولو بالغ الانسان في تحصيله بغاية قدرته. فقال له ولده ما معناه: أحب أن أرى لذلك مثلا أو فعالا أو مقالا. فقال له: أخرج أنا وأنت. فخرجا ومعهما بهيم، فركبه لقمان وترك ولده يمشي خلفه، فاجتازا على قوم، فقالوا: هذا شيخ قاسي القلب، قليل الرحمة، يركب هو الدابة، وهو أقوى من هذا الصبي، ويترك هذا الصبي يمشي وراءه، إن هذا بئس التدبير. فقال (ع) لولده: سمعت قولهم وإنكارهم لركوبي ومشيك؟ فقال: نعم، فقال: إركب أنت يا ولدي حتى أمشي أنا. فركب ولده ومشى لقمان، فاجتاز على جماعة أخرى، فقالوا: هذا بئس الوالد، وهذا بئس الولد، أما أبوه، فإنه ما أدب هذا الصبي حتى ركب الدابة، وترك والده يمشي وراءه، والوالد أحق بالاحترام والركوب، وأما الولد، فإنه قد عق والده بهذه الحال، فكلاهما أساء في الفعال. فقال لقمان (ع) لولده: سمعت؟ فقال: نعم. فقال: نركب معا الدابة، فركبا معا، فاجتاز على جماعة، فقالوا: ما في قلب هذين الراكبين رحمة، ولا عندهم من الله خير، يركبان معا الدابة، يقطعان ظهرها، ويحملانها مالا تطيق، لو كان قد ركب واجد، ومشى واحد، كان أصلح وأجود. فقال: سمعت؟ قال: نعم. فقال: هات حتى نترك الدابة تمشي خالية من ركوبنا، فساقا الدابة بين أيديهما وهما يمشيان، فاجتازا على جماعة، فقالوا: هذا عجيب من هذين الشخصين، يتركان دابة فارغة تمشي بغير راكب، ويمشيان، وذموهما على ذلك كما ذموهما على كل ما كان. فقال لولده: ترى في تحصيل رضاهم حيلة لمحتال؟ فلا تلتفت إليهم، واشتغل يرضى الله جل جلاله، ففيه شغل شاغل، وسعادة وإقبال في الدنيا ويوم الحساب والسؤال. 

.

* قطب الدين الراوندي في قصص الأنبياء عليهم السلام, ابن بابويه, عن أبيه: حدثنا سعد بن عبد الله‏, عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سيف بن عميره النخعي، عن أخيه على، عن أبيهما، عن عمرو بن شمر، عن جابر عن أبي جعفر (ع) قال: كان فيما وعظ به لقمان (ع) ابنه ان قال: يا بنى, ان تك في شك من الموت، فارفع عن نفسك النوم ولن تستطيع ذلك. وان كنت في شك من البعث، فادفع عن نفسك الانتباه ولن تستطيع ذلك، فإنك إذا فكرت علمت أن نفسك بيد غيرك، وانما النوم بمنزله الموت وانما اليقظة بعد النوم بمنزله البعث بعد الموت.

وقال (ع): قال لقمان (ع): يا بنى, لا تقترب فيكون أبعد لك, ولا تبعد فتهان, كل دابة تحب مثلها وابن آدم لا يحب مثله؟ لا تنشر برك الا عند باغيه، وكما ليس بين الكبش والذئب خله، كذلك ليس بين البار والفاجر خله، من يقترب من الرفث يعلق به بعضه كذلك من يشارك الفاجر يتعلم من طرقه، من يحب المراء يشتم ومن يدخل مدخل السوء يتهم ومن يقارن قرين السوء لا يسلم ومن لا يملك لسانه يندم.

وقال (ع): يا بنى, صاحب مائه ولا تعاد واحدا، يا بنى انما هو خلافك وخلقك فخلاقك دينك وخلقك بينك وبين الناس فلا ينقصن, تعلم محاسن الأخلاق. ويا بنى, كن عبدا للأخيار ولا تكن ولدا للأشرار. يا بنى, عليك بأداء الأمانة تسلم دنياك وآخرتك، وكن أمينا فان الله تعالى لا يحب الخائنين. يا بنى, لا تر الناس انك تخشى الله وقلبك فاجر. 

.

* الشيخ الكليني في الكافي, عدة من أصحابنا, عن أحمد بن محمد, عن علي بن حديد, عن منصور بن يونس, عن الحارث بن المغيرة أو أبيه, عن أبي عبد الله (ع), قال: قلت له: ما كان في وصية لقمان؟ قال (ع): كان فيها الأعاجيب, وكان أعجب ما كان فيها أن قال لابنه: خف الله عز وجل خيفة لو جئته ببر الثقلين لعذبك, وارج الله رجاء لو جئته‏ بذنوب‏ الثقلين لرحمك‏. ثم قال أبو عبد الله (ع): كان أبي (ع) يقول: إنه ليس من عبد مؤمن إلا وفي قلبه نوران: نور خيفة ونور رجاء, لو وزن هذا لم يزد على هذا ولو وزن هذا لم يزد على هذا. 

.

* الشيخ الصدوق في الأمالي, حدثنا أبي قال: حدثنا الحسين بن موسى, عن محمد بن الحسن الصفار ولم يحفظ الحسن الإسناد قال: قال لقمان (ع) لابنه: يا بني, اتخذ ألف صديق وألف قليل, ولا تتخذ عدوا واحدا والواحد كثير, فقال أمير المؤمنين‏ (ع):

تكثر من الإخوان ما استطعت إنهم ... عماد إذا ما استنجدوا وظهور

وليس كثيرا ألف خل وصاحب ... وإن عدوا واحدا لكثير 

.

* ورام بن أبي فراس‏ في مجموعته, لقمان (ع): يا بني, كما تنام كذلك تموت, وكما تستيقظ كذلك تبعث‏. 

.

* ورام بن أبي فراس‏ في مجموعته, قال لقمان (ع) لابنه: يا بني, بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا, ولا تبع آخرتك بدنياك تخسرهما جميعا. 

.

* الديلمي في إرشاد القلوب, من وصية لقمان (ع) لابنه قال: يا بني, لا يكن الديك أكيس منك وأكثر محافظة على الصلوات ألا تراه عند كل صلاة يؤذن لها وبالأسحار يعلن بصوته وأنت نائم؟ وقال: يا بني, من لا يملك لسانه يندم, ومن يكثر المراء يشتم, ومن يدخل مداخل السوء يتهم, ومن يصاحب صاحب السوء لا يسلم, ومن يجالس العلماء يغنم. يا بني, لا تؤخر التوبة فإن الموت يأتي بغتة. يا بني, اجعل غناك في قلبك, وإذا افتقرت فلا تحدث الناس بفقرك فتهون عليهم, ولكن اسأل الله من فضله. يا بني,‏ كذب‏ من‏ يقول الشر يقطع بالشر, ألا ترى أن النار لا تطفأ بالنار ولكن بالماء, وكذلك الشر لا يطفأ إلا بالخير. يا بني, لا تشمت بالمصاب, ولا تعير المبتلى, ولا تمنع المعروف, فإنه ذخيرة لك في الدنيا والآخرة. يا بني, ثلاثة تجب مداراتهم: المريض والسلطان والمرأة, وكن قنعا تعش غنيا, وكن متقيا تكن عزيزا. يا بني, من حين سقطت من بطن أمك استدبرت الدنيا واستقبلت الآخرة وأنت في كل يوم إلى ما استقبلت أقرب منك إلى ما استدبرت فتزود لدار أنت مستقبلها, وعليك بالتقوى فإنه أربح التجارات, وإذا أحدثت ذنبا فأتبعه بالاستغفار والندم والعزم على ترك العود لمثله, واجعل الموت نصب عينيك والوقوف بين يدي خالقك, وتمثل شهادة جوارحك عليك بعملك, والملائكة الموكلين بك تستحي منهم ومن ربك الذي هو مشاهدك, وعليك بالموعظة فاعمل بها فإنها عند العاقل أحلى من العسل الشهد, وهي على السفيه أشق من صعود الدرجة على الشيخ الكبير, ولا تسمع الملاهي فإنها تنسيك الآخرة, ولكن احضر الجنائز وزر المقابر وتذكر الموت وما بعده من الأهوال فتأخذ حذرك. يا بني, استعذ بالله من شرار النساء وكن من خيارهن على حذر. يا بني, لا تفرح على ظلم أحد بل احزن على ظلم من ظلمته. يا بني, الظلم ظلمات ويوم القيامة حسرات, وإذا دعتك القدرة على ظلم من هو دونك فاذكر قدرة الله عليك. يا بني, تعلم من العلماء ما جهلت وعلم الناس ما علمت تذكر بذلك في الملكوت. يا بني, أغنى الناس من قنع بما في يديه, وأفقرهم من مد عينيه إلى ما في أيدي الناس, وعليك يا بني باليأس عما في أيدي الناس والوثوق بوعد الله, واسع فيما فرض عليك ودع السعي فيما ضمن لك, وتوكل على الله في كل أمورك يكفيك, وإذا صليت فصل صلاة مودع تظن أن لا تبقى بعدها أبدا, وإياك ما تعتذر منه فإنه لا يعتذر من خير, وأحب للناس ما تحب لنفسك واكره لهم ما تكره لنفسك, ولا تقل ما لم تعلم, واجهد أن يكون اليوم خيرا لك من أمس وغدا خيرا لك من اليوم, فإنه من استوى يوماه فهو مغبون, ومن كان يومه شرا من أمسه فهو ملعون, وارض بما قسم الله لك فإنه سبحانه يقول: أعظم عبادي ذنبا من لم يرض بقضائي ولم يشكر نعمائي ولم يصبر على بلائي.

.

* الشيخ الصدوق في الخصال, حدثنا أبي قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود قال: حدثني حماد بن عيسى، عن أبي عبد الله (ع) قال: قال أمير المؤمنين (ع): كان فيما وعظ به لقمان (ع) ابنه أن قال له: يا بني, ليعتبر من قصر يقينه وضعفت نيته في طلب الرزق، إن الله تبارك وتعالى خلقه في ثلاثة أحوال: من أمره، وآتاه رزقه، ولم يكن له في واحدة منها كسب ولا حيلة: إن الله تبارك وتعالى سيرزقه في الحال الرابعة، أما أول ذلك فإنه كان في رحم أمه يرزقه هناك في قرار مكين حيث لا يؤذيه حر ولا برد، ثم أخرجه من ذلك وأجرى له رزقا من لبن أمه يكفيه به ويربيه وينعشه من غير حول به ولا قوة، ثم فطم من ذلك فأجرى له رزقا من كسب أبويه برأفة ورحمة له من قلوبهما لا يملكان غير ذلك حتى أنهما يؤثرانه على أنفسهما في أحوال كثيرة حتى إذا كبر وعقل واكتسب لنفسه ضاق به أمره وظن الظنون بربه وجحد الحقوق في ماله وقتر على نفسه وعياله مخافة اقتار رزق وسوء يقين بالخلف من الله تبارك وتعالى في العاجل والآجل، فبئس العبد هذا يا بني. 

.

* الشيخ المفيد في الأمالي, أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه قال: حدثني الحسين بن محمد بن عامر, عن القاسم بن محمد الأصفهاني, عن سليمان بن داود المنقري, عن حماد بن عيسى, عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (ع) قال: كان فيما وعظ لقمان (ع) ابنه أن قال له: يا بني, اجعل في أيامك ولياليك وساعاتك‏ نصيبا لك في طلب العلم, فإنك لن تجد له تضييعا مثل تركه.

.

* قطب الدين الراوندي في قصص الأنبياء عليهم السلام, ابن بابويه, عن أبيه‏, عن سعد بن عبد الله, عن القاسم بن محمد الأصفهاني, عن‏ سليمان بن داود المنقري: حدثنا حماد بن عيسى‏, عن جعفر بن محمد الصادق (ع) انه قال: لما وعظ لقمان (ع) ابنه فقال: انا منذ سقطت إلى الدنيا استدبرت واستقبلت الآخرة، فدار أنت إليها تسير أقرب من دار أنت منها متباعد. يا بنى, لا تطلب من الامر مدبرا ولا ترفض منه مقبلا، فان ذلك يضل الرأي ويزري بالعقل. يا بنى, ليكن ما تستظهر به على عدوك، الورع عن المحارم، والفضل في دينك، والصيانة لمروتك، والاكرام لنفسك ان لا تدنسها بمعاصي الرحمن ومساوئ الأخلاق وقبيح الافعال، واكتم سرك، وأحسن سريرتك، فإنك إذا فعلت ذلك آمنت بستر الله ان يصيب عدوك منكم عوره أو يقدر منك على زله، ولا تأمنن مكره فيصيب منك غره في بعض حالاتك، فإذا استمكن منك وثب عليك ولم يقلك عثرة. وليكن مما تتسلح به على عدوك اعلان الرضا عنه واستصغر الكثير في طلب المنفعة واستعظم الصغير في ركوب المضرة. يا بنى, لا تجالس الناس بغير طريقتهم، ولا تحملن عليهم فوق طاقتهم، فلا يزال جليسك عنك نافرا والمحمول عليه فوق طاقته مجانبا لك، فإذا أنت فرد لا صاحب لك يؤنسك ولا أخ لك يعضدك، فإذا بقيت وحيدا كنت مخذولا وصرت ذليلا، ولا تعتذر إلى من لا يحب ان يقبل منك عذرا ولا يرى لك حقا، ولا تستعن في أمورك الا بمن يحب ان يتخذ في قضاء حاجتك اجرا، فإنه إذا كان كذلك طلب قضاء حاجتك لك كطلبه لنفسه، لأنه بعد نجاحها لك كان ربحا في الدنيا الفانية وحظا وذخرا له في الدار الباقية فيجتهد في قضائها لك، وليكن إخوانك وأصحابك الذين تستخلصهم وتستعين بهم على أمورك أهل المروة والكفاف والثروة، والعقل والعفاف الذين ان نفعتهم شكروك، وان غبت عن جيرتهم ذكروك. 

.

* الشيخ الكليني في الكافي, علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يحيى بن عقبة الأزدي، عن أبي عبد الله (ع) قال: كان فيما وعظ به لقمان (ع) ابنه: يا بني, إن الناس قد جمعوا قبلك لأولادهم فلم يبق ما جمعوا ولم يبق من جمعوا له، وإنما أنت عبد مستأجر قد أمرت بعمل ووعدت عليه أجرا فأوف عملك واستوف أجرك, ولا تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاة وقعت في ذرع أخضر فأكلت حتى سمن فكان حتفها عند سمنها ولكن اجعل الدنيا بمنزلة قنطرة على نهر جزت عليها وتركتها ولم ترجع إليها آخر الدهر, أخربها ولا تعمرها، فإنك لم تؤمر بعمارتها, واعلم أنك ستسأل غدا إذا وقفت بين يدي الله عز وجل عن أربع: شبابك فيما أبليته, وعمرك فيما أفنيته، ومالك مما اكتسبته, وفيما أنفقته، فتأهب لذلك وأعد له جوابا، ولا تأس على ما فاتك من الدنيا، فإن قليل الدنيا لا يدوم بقاؤه, وكثيرها لا يؤمن بلاؤه، فخذ حذرك، وجد في أمرك، واكشف الغطاء عن وجهك وتعرض لمعروف ربك, وجدد التوبة في قلبك واكمش في فراغك قبل أن يقصد قصدك ويقضى قضاؤك ويحال بينك وبين ما تريد. 

.

* الكراكجي في كنز افوائد, أخبرني الشريف أبو منصور أحمد بن حمزة الحسيني العريضي بالرملة وأبو العباس أحمد بن إسماعيل بن عنان بحلب وأبو المرجى محمد بن علي بن طالب البلدي بالقاهرة قالوا جميعا: أخبرنا أبو المفضل محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني الكوفي قال: حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن عمار الثقفي قال: حدثنا محمد بن علي بن خلف العطار قال: حدثنا موسى بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال: حدثنا عبد المهيمن بن عباس الأنصاري الساعدي, عن أبيه العباس بن سهل, عن أبيه سهل بن سعيد, عن أبي ذر قال: سمعت رسول الله (ص) نبيكم يقول‏: إن لقمان الحكيم (ع) قال لابنه وهو يعظه: يا بني من الذي ابتغى الله عز وجل فلم‏ يجده‏؟ ومن‏ ذا الذي لجأ إلى الله فلم يدافع عنه؟ أمن ذا الذي توكل على الله فلم يكفه‏؟ 

.

* الشيخ المفيد في الإختصاص, عن الأوزاعي أن لقمان الحكيم (ع) لما خرج من بلاده نزل بقرية بالموصل يقال لها: كومليس, قال: فلما ضاق بها ذرعه واشتد بها غمه ولم يكن بها أحد يعينه على أمره، أغلق الباب وأدخل ابنه يعظه فقال: يا بني, إن الدنيا بحر عميق هلك فيها بشر كثير، تزود من عملها واتخذ سفينة حشوها تقوى الله ثم اركب لجج الفلك تنجو وإني لخائف أن لا تنجو. يا بني السفينة إيمان وشراعها التوكل وسكانها الصبر ومجاذيفها الصوم والصلاة والزكاة. يا بني, من ركب البحر من غير سفينة غرق. يا بني, أقل الكلام واذكر الله عز وجل في كل مكان فإنه قد أنذرك وحذرك وبصرك وعلمك. يا بني, اتعظ بالناس قبل أن يتعظ الناس بك. يا بني, اتعظ بالصغير قبل أن ينزل بك الكبير. يا بني, أملك نفسك عند الغضب حتى لا تكون لجهنم حطبا. يا بني, الفقر خير من أن تظلم وتطغى. يا بني, إياك أن تستدين فتخون من الدين. يا بني, إياك أن تستذل فتخزي. يا بني, إياك أن تخرج من الدنيا فقيرا وتدع أمرك وأموالك عند غيرك قيما، فتصيره أميرا. يا بني, إن الله تعالى رهن الناس بأعمالهم فويل لهم مما كسبت أيديهم وأفئدتهم. يا بني, لا تأمن الدنيا والذنوب والشيطان فيها. يا بني, إنه قد افتتن الصالحون من الأولين فكيف ينجو منه الآخرون. يا بني, اجعل الدنيا سجنك فتكون الآخرة جنتك. يا بني, إنك لم تكلف أن تشيل الجبال ولم تكلف ما لا تطيقه، فلا تحمل البلاء على كتفك ولا تذبح نفسك بيدك. يا بني, إنك كما تزرع تحصد وكما تعمل تجد. يا بني, لا تجاورن الملوك فيقتلوك ولا تطيعهم فتكفر. يا بني, جاور المساكين واخصص الفقراء والمساكين من المسلمين. يا بني, كن لليتيم كالأب الرحيم وللأرملة كالزوج العطوف. يا بني, إنه ليس كل من قال: "اغفر لي" غفر له، إنه لا يغفر إلا لمن عمل بطاعة ربه. يا بني, الجار ثم الدار. يا بني, الرفيق ثم الطريق. يا بني, لو كانت البيوت على العجل ما جاور رجل سوء أبدا. يا بني, الوحدة خير من صاحب السوء. يا بني, الصاحب الصالح خير من الوحدة. يا بني, نقل الحجارة والحديد خير من قرين السوء. يا بني, إني نقلت الحجارة والحديد فلم أجد شيئا أثقل من قرين السوء. يا بني, إنه من يصحب قرين السوء لا يسلم، ومن يدخل مداخل السوء يتهم. يا بني, من لا يكف لسانه يندم. يا بني, المحسن تكافي بإحسانه والمسيئ يكفيك مساويه، لو جهدت أن تفعل به أكثر مما يفعله بنفسه ما قدرت عليه. يا بني, من ذا الذي عبد الله فخذله؟ ومن ذا الذي ابتغاه فلم يجده؟ يا بني, ومن ذا الذي ذكره فلم يذكره؟ ومن ذا الذي توكل على الله فوكله إلى غير؟ ومن ذا الذي تضرع إليه جل ذكره فلم يرحمه؟ يا بني, شاور الكبير ولا تستحيي من مشاورة الصغير. يا بني, إياك ومصاحبة الفساق، هم كالكلاب إن وجدوا عندك شيئا أكلوه وإلا ذموك وفضحوك، وإنما حبهم بينهم ساعة. يا بني, معاداة المؤمنين خير من مصادقة الفاسق. يا بني, المؤمن تظلمه ولا يظلمك، وتطلب عليه فيرضى عنك، والفاسق لا يراقب الله فكيف يراقبك. يا بني, استكثر من الأصدقاء ولا تأمن من الأعداء فإن الغل في صدورهم مثل الماء تحت الرماد. يا بني, إبدء الناس بالسلام والمصافحة قبل الكلام. يا بني, لا تكالب الناس فيمقتوك، ولا تكن مهينا فيذلوك، ولا تكن حلوا فيأكلوك، ولا تكن مرا فيلفظوك، - ويروى ولا تكن حلوا فتبلع ولا مرا فترمى. - يا بني, لا تخاصم في علم الله فإن علم الله لا يدرك ولا يحصى. يا بني, خف الله مخافة لا تيأس من رحمته وارجه رجاء لا تأمن من مكره. يا بني, انه النفس عن هواها فإنك إن لم تنه النفس عن هواها لم تدخل الجنة ولم ترها. - ويروى انه نفسك عن هواها فإن في هواها رداها. - يا بني, إنك منذ يوم هبطت من بطن أمك استقبلت الآخرة واستدبرت الدنيا, فإنك إن نلت مستقبلها أولى بك أن تستدبرها. يا بني, إياك والتجبر والتكبر والفخر فتجاور إبليس في داره. يا بني, دع عنك التجبر والكبر ودع عنك الفخر، واعلم أنك ساكن القبور. يا بني, اعلم أنه من جاور إبليس وقع في دار الهوان، لا يموت فيها ولا يحيى. يا بني, ويل لمن تجبر وتكبر، كيف يتعظم من خلق من طين, وإلى طين يعود؟ ثم لا يدري إلى ماذا يصير, إلى الجنة فقد فاز، أو إلى النار فقد خسر خسرانا مبينا وخاب، - ويروى كيف يتجبر من قد جرى في مجرى البول مرتين. - يا بني, كيف ينام ابن آدم والموت يطلبه؟ وكيف يغفل ولا يغفل عنه؟ يا بني, إنه قد مات أصفياء الله عز وجل وأحباؤه وأنبياؤه صلوات الله عليهم فمن ذا بعد هم يخلد فيترك؟ يا بني, لا تطأ أمتك ولو أعجبتك وانه نفسك عنها وزوجها. يا بني, لا تفشين سرك إلى امرأتك ولا تجعل مجلسك على باب دارك. يا بني, إن المرأة خلقت من ضلع أعوج إن أقمتها كسرتها وإن تركتها تعوجت، ألزمهن البيوت فإن أحسن فاقبل إحسانهن, وإن أسئن فاصبر إن ذلك من عزم الأمور. يا بني, النساء أربعة: ثنتان صالحتان وثنتان ملعونتان, فأما إحدى الصالحتين: فهي الشريفة في قومها الذليلة في نفسها، التي إن أعطيت شكرت وإن ابتليت صبرت، القليل في يديها كثير الصالحة في بيتها، والثانية: الودود الولود، تعود بخير على زوجها، هي كالأم الرحيم تعطف على كبيرهم وترحم صغيرهم, وتحب ولد زوجها وإن كانوا من غيرها، جامعة الشمل، مرضية البعل، مصلحة في النفس، والأهل والمال والولد، فهي كالذهب الأحمر طوبى لمن رزقها، إن شهد زوجها أعانته وإن غاب عنها حفظته. وأما إحدى الملعونتين: فهي العظيمة في نفسها، الذليلة في قومها، التي إن أعطيت سخطت وإن منعت عتبت وغضبت، فزوجها منها في بلاء وجيرانها منها في عناء، فهي كالأسد إن جاورته أكلك وإن هربت منه قتلك، والملعونة الثانية: فهي عند زوجها وميلها في جيرانها، فهي سريعة السخطة، سريعة الدمعة, إن شهد زوجها لم تنفعه وإن غاب عنها فضحته، فهي بمنزلة الأرض النشاشة إن أسقيت أفاضت الماء وغرقت، وإن تركتها عطشت، وإن رزقت منها ولدا لم تنتفع به. يا بني, لا تتزوج بأمة فيباع ولدك بين يديك وهو فعلك بنفسك. يا بني, لو كانت النساء تذاق كما تذاق الخمر ما تزوج رجل امرأة سوء أبدا. يا بني, أحسن إلى من أساء إليك ولا تكثر من الدنيا فإنك على غفلة منها وانظر إلى ما تصير منها. يا نبي, لا تأكل مال اليتيم فتفتضح يوم القيامة وتكلف أن ترده إليه. يا بني, إنه إن أغنى أحد عن أحد لأغنى الولد عن والده. يا بني, إن النار تحيط بالعالمين كلهم فلا ينجو منها أحد إلا من رحمه الله وقربه منه. يا بني, لا يغرنك خبيث اللسان فإنه يختم على قلبه وتتكلم جوارحه وتشهد عليه. يا بني, لا تشتم الناس فتكون أنت الذي شتمت أبويك. يا بني, لا يعجبك إحسانك, ولا تتعظمن بعملك الصالح فتهلك. يا بني, أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور. يا بني, لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم. يا بني, ولا تمشي في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا. يا بني, إن كل يوم يأتيك يوم جديد، يشهد عليك عند رب كريم. يا بني, إنك مدرج في أكفانك ومحل قبرك ومعاين عملك كله. يا بني, كيف تسكن دار من قد أسخطته؟ أم كيف تجاور من قد عصيته؟ يا بني, عليك بما يعنيك ودع عنك ما لا يعنيك, فإن القليل منها يكفيك والكثير منها لا يعنيك. يا بني, لا تؤثرون على نفسك سواها، ولا تورث مالك أعدائك. يا بني, إنه قد أحصى الحلال الصغير فكيف بالحرام الكثير؟ يا بني, اتق النظر إلى ما لا تملكه, وأطل التفكر في ملكوت السماوات والأرض والجبال وما خلق الله فكفى بهذا واعظا لقلبك. يا بني, أقبل وصية الوالد الشفيق. يا بني, بادر بعلمك قبل أن يحضر أجلك وقبل أن تسير الجبال سيرا، وتجمع الشمس والقمر. يا بني, إنه حين تتفطر السماء وتطوى وتنزل الملائكة صفوفا خائفين حافين مشفقين وتكلف أن تجاوز الصراط وتعاين حينئذ عملك وتوضع الموازين وتنشر الدواوين.

في حكم لقمان (ع) فيما أوصى به ابنه أنه قال: يا بني, تعلمت بسبعة آلاف من الحكمة فاحفظ منها أربعة ومر معي إلى الجنة: أحكم سفينتك فإن بحرك عميق، وخفف حملك فإن العقبة كؤود، وأكثر الزاد فإن السفر بعيد، وأخلص العمل فإن الناقد بصير. 

.

 

وصايا النبي داود (ع):

* الحميري في قرب الإسناد, هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة قال: حدثني جعفر بن محمد، عن أبيه (ع): أن داود قال لسليمان (ع)‏:يا بني، إياك‏ وكثرة الضحك‏، فإن كثرة الضحك تترك العبد حقيرا يوم القيامة. يا بني، عليك بطول الصمت إلا من خير، فإن الندامة على طول الصمت مرة واحدة خير من الندامة على كثرة الكلام مرات. يا بني، لو أن الكلام كان من فضة كان ينبغي للصمت أن يكون من ذهب. 

.

* ورام بن أبي فراس‏ في مجموعته, مكتوب في حكمة آل داود (ع): على العاقل أن لا يغفل عن أربع ساعات: فساعة فيها يناجي ربه, وساعة فيها يحاسب نفسه, وساعة يفضي إلى إخوانه الذين يصدفونه عن عيوب نفسه, وساعة يخلي بين نفسه وبين لذتها فيما يحل ويجمل فإن هذه الساعة عون لتلك الساعات‏. 

.

* الشيخ الكليني في الكافي, أبو علي الأشعري, عن الحسن بن علي الكوفي, عن عثمان بن عيسى, عن سعيد بن يسار, عن منصور بن يونس, عن أبي عبد الله (ع) قال: في حكمة آل داود (ع): على العاقل أن يكون عارفا بزمانه, مقبلا على شأنه, حافظا للسانه. 

.

 

وصية النبي سليمان (ع):

* ورام بن أبي فراس‏ في مجموعته, قال سليمان بن داود (ع) لابنه: يا بني إياك والمراء, فإنه ليست فيه منفعة, وهو يهيج بين الإخوان العداوة. 

.

وصايا النبي عيسى (ع):

* الشيخ الصدوق في الأمالي, حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس قال: حدثنا أبي قال: حدثنا محمد بن عبد الجبار، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن سيف بن عميرة، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال: كان عيسى بن مريم (ع)، يقول لأصحابه: يا بني آدم، اهربوا من الدنيا إلى الله، وأخرجوا قلوبكم عنها، فإنكم لا تصلحون لها ولا تصلح لكم، ولا تبقون فيها ولا تبقى لكم، هي الخداعة الفجاعة، المغرور من اغتر بها، المغبون من اطمأن إليها، الهالك من أحبها وأرادها، فتوبوا إلى بارئكم، واتقوا ربكم، واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده، ولا مولود هو جاز عن والده شيئا. أين آباؤكم، أين أمهاتكم، أين إخوتكم، أين أخواتكم، أين أولادكم؟ دعوا فأجابوا، واستودعوا الثرى، وجاوروا الموتى، وصاروا في الهلكى، وخرجوا عن الدنيا، وفارقوا الأحبة، واحتاجوا إلى ما قدموا، واستغنوا عما خلفوا، فكم توعظون، وكم تزجرون، وأنتم لاهون ساهون, مثلكم في الدنيا مثل البهائم، همتكم بطونكم وفروجكم، أما تستحيون ممن خلقكم؟ وقد وعد من عصاه النار ولستم ممن يقوى على النار، ووعد من أطاعه الجنة ومجاورته في الفردوس الأعلى، فتنافسوا فيه وكونوا من أهله، وأنصفوا من أنفسكم، وتعطفوا على ضعفائكم وأهل الحاجة منكم، وتوبوا إلى الله توبة نصوحا، وكونوا عبيدا أبرارا، ولا تكونوا ملوكا جبابرة ولا من العتاة الفراعنة المتمردين على من قهرهم بالموت، جبار الجبابرة رب السماوات ورب الأرضين، وإله الأولين والآخرين، مالك يوم الدين، شديد العقاب، أليم العذاب، لا ينجو منه ظالم، ولا يفوته شئ، ولا يعزب عنه شئ، ولا يتوارى منه شئ أحصى كل شئ علمه، وأنزله منزلته في جنة أو نار. ابن آدم الضعيف، أين تهرب ممن يطلبك في سواد ليلك وبياض نهارك وفي كل حال من حالاتك، قد أبلغ من وعظ، وأفلح من اتعظ. 

.

* الشيخ المفيد في الأمالي, حدثني أحمد بن محمد, عن أبيه محمد بن الحسن بن الوليد القمي, عن محمد بن الحسن الصفار, عن العباس بن معروف,‏ عن علي بن مهزيار، عن واصل بن سليمان، عن ابن سنان قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: كان المسيح (ع) يقول لأصحابه: إن كنتم أحبائي وإخواني فوطنوا أنفسكم على العداوة والبغضاء من الناس، فإن لم تفعلوا فلستم بإخواني، إنما أعلمكم لتعملوا، ولا أعلمكم لتعجبوا. إنكم لن تنالوا ما تريدون إلا بترك ما تشتهون وبصبركم على ما تكرهون. وإياكم والنظرة فإنها تزرع في قلب صاحبها الشهوة، وكفى بها لصاحبها فتنة. يا طوبى لمن يرى بعينيه الشهوات، ولم يعمل بقلبه المعاصي. ما أبعد ما قد فات، وأدنى ما هو آت, ويل للمغترين لو قد أزفهم ما يكرهون، وفارقهم ما يحبون، وجاءهم ما يوعدون، في خلق هذا الليل والنهار معتبر. ويل لمن كانت الدنيا همه والخطايا عمله كيف يفتضح غدا عند ربه؟ ولا تكثروا الكلام في غير ذكر الله، فإن الذين يكثرون الكلام في غير ذكر الله قاسية قلوبهم ولكن لا يعلمون. لا تنظروا إلى عيوب الناس كأنكم رئايا عليهم، ولكن انظروا في خلاص أنفسكم، فإنما أنتم عبيد مملوكون. إلى كم يسيل الماء على الجبل لا يلين؟ إلى كم تدرسون الحكمة لا يلين عليها قلوبكم؟ عبيد السوء فلا عبيد أتقياء، ولا أحرار كرام، إنما مثلكم كمثل الدفلى يعجب بزهرها من يراها، ويقتل من طعمها، والسلام. 

.

* الشيخ الصدوق في الأمالي, حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان, عن الحسين بن سعيد, عن الحسن بن علي بن الخزاز قال: سمعت أبا الحسن الرضا (ع) يقول: قال عيسى بن مريم (ع) للحواريين: يا بني إسرائيل, لا تأسوا على ما فاتكم‏ من دنياكم إذا سلم دينكم, كما لا يأسى أهل الدنيا على ما فاتهم من دينهم إذا سلمت دنياهم. 

.

* الشيخ الصدوق في الخصال, حدثنا أبي قال: حدثنا سعد بن عبد الله, عن القاسم بن محمد الأصبهاني, عن سليمان بن داود المنقري, عن سفيان بن عيينة, عن الزهري قال: سمعت علي بن الحسين (ع) يقول‏: قال المسيح عيسى (ع) للحواريين: إنما الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها. 

.

* الشيخ الصدوق في الخصال, حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري, عن إبراهيم بن هاشم, عن عبد الله بن ميمون, عن جعفر بن محمد, عن أبيه, عن آبائه, عن علي عليهم السلام قال: قال عيسى بن مريم (ع): طوبى لمن كان صمته فكرا, ونظره عبرا, ووسعه بيته, وبكى على خطيئته, وسلم الناس من يده ولسانه. 

.

* الشيخ الطوسي في الأمالي, أخبرنا محمد بن محمد قال: أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسن، عن أبيه، عن محمد بن الحسن الصفار، عن علي بن محمد القاساني، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد (ع) يقول: قال عيسى ابن مريم (ع) لأصحابه: تعملون للدنيا وأنتم ترزقون فيها بغير عمل، ولا تعملون للآخرة وأنتم لا ترزقون فيها إلا بعمل؟ ويلكم علماء السوء، الأجرة تأخذون والعمل لا تصنعون, يوشك رب العمل أن يطلب عمله، ويوشك أن يخرجوا من الدنيا إلى ظلمة القبر، كيف يكون من أهل العلم من مصيره إلى آخرته وهو مقبل على دنياه، وما يضره أشهى إليه مما ينفعه. 

.

* ابن فهد الحلي في عدة الداعي, قال عيسى (ع): بحق أقول لكم, كما ينظر المريض إلى الطعام فلا يلتذ به من شدة الوجع كذلك صاحب الدنيا لا يلتذ بالعبادة ولا يجد حلاوتها مع ما يجد من حلاوة الدنيا. وبحق أقول لكم, كما أن الدابة إذا لم تركب تمتهن وتصعب وتغير خلقها كذلك القلوب إذا لم ترق بذكر الموت ونصب العبادة تقسو وتغلظ. وبحق أقول لكم, إن الزق إذا لم ينخرق يوشك أن يكون وعاء العسل كذلك القلوب إذا لم تخرقها الشهوات أو يدنسها الطمع أو يقسها النعم فسوف تكون أوعية الحكمة. 

.

* الشيخ الكليني في الكافي, حميد بن زياد عن الخشاب, عن ابن بقاح, عن معاذ بن ثابت, عن عمرو بن جميع, عن أبي عبد الله (ع) قال: كان المسيح (ع) يقول: لا تكثروا الكلام في غير ذكر الله فإن الذين يكثرون الكلام في غير ذكر الله قاسية قلوبهم ولكن لا يعلمون. 

.

* الشيخ الصدوق في معاني الأخبار, حدثنا أبي قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار قال: حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثني أحمد بن سهل الأزدي العابد قال: سمعت أبا فروة الأنصاري وكان من السائحين يقول: قال عيسى ابن مريم (ع): يا معشر الحواريين بحق أقول لكم, إن الناس يقولون إن البناء بأساسه وأنا لا أقول لكم كذلك, قالوا: فما ذا تقول يا روح الله؟ قال: بحق أقول لكم إن آخر حجر يضعه العامل هو الأساس, قال أبو فروة: إنما أراد خاتمة الأمر. 

.

* الشيخ الصدوق في الأمالي, حدثنا علي بن عبد الله الوراق قال: حدثنا سعد بن عبد الله, عن إبراهيم بن مهزيار, عن أخيه علي, عن الحسين بن سعيد, عن الحارث بن محمد بن النعمان الأحول صاحب الطاق, عن جميل بن صالح, عن أبي عبد الله الصادق, عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله (ص): إن عيسى بن مريم (ع) قام في بني إسرائيل فقال: يا بني إسرائيل, لا تحدثوا بالحكمة الجهال فتظلموها, ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم, ولا تعينوا الظالم على ظلمه فيبطل فضلكم,  الأمور ثلاثة: أمر تبين لك رشده فاتبعه, وأمر تبين لك غيه فاجتنبه, وأمر اختلف فيه فرده إلى الله عز وجل. 

.

* السيد با طاووس في فرج المهموم, أن موسى بن عمران (ع) أوصى‏ بني‏ إسرائيل‏ فقال: "احفظوا شرائع التوراة واعملوا بوصاياها, فإن الله يستجيب دعاءكم, ويرخص أسعاركم, ويخصب بلادكم, ويكثر أموالكم وأولادكم, ويكف عنكم أعداءكم, ومتى خفتم حوادث الدهر ومصائب الأيام فتوبوا إلى الله واستغفروا وصلوا وادعوه أن يصرف عنكم ما تخافون, ويدفع عنكم شر ما تحذرون, ويكشف عنكم شر ما يكون من محن الدنيا ومصائبها وحوادث الأيام ونواكبها."

وعلى هذا المقال كانت وصية عيسى (ع) لصحابته, ووصية سيدنا محمد (ص) لأمته. 

.

* الشيخ الكليني في الكافي, علي بن إبراهيم, عن أبيه. وعدة من أصحابنا, عن أحمد بن محمد, عن أبي العباس الكوفي جميعا, عن عمرو بن عثمان, عن عبد الله بن سنان, عن أبي عبد الله (ع) قال: اجتمع الحواريون إلى عيسى (ع) فقالوا له: يا معلم الخير أرشدنا, فقال لهم: إن موسى كليم الله (ع) أمركم أن لا تحلفوا بالله تبارك وتعالى كاذبين, وأنا آمركم أن لا تحلفوا بالله كاذبين ولا صادقين, قالوا: يا روح الله زدنا, فقال: إن موسى نبي الله (ع) أمركم أن لا تزنوا, وأنا آمركم أن لا تحدثوا أنفسكم بالزنا فضلا عن أن تزنوا, فإن من حدث نفسه بالزنا كان كمن أوقد في بيت مزوق فأفسد التزاويق الدخان وإن لم يحترق البيت. 

.

* الشيخ الطوسي في الأمالي, أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل قال: حدثنا غياث بن مصعب بن عبدة أبو العباس الخجندي الرياشي قال: حدثنا محمد بن حماد الشاشي، عن حاتم الأصم، عن شقيق بن إبراهيم البلخي، عمن أخبره من أهل العلم، قال: قيل لعيسى ابن مريم (ع): كيف أصبحت يا روح الله؟ قال: أصبحت وربي من فوقي، والنار أمامي، والموت في طلبي، لا أملك ما أرجو، ولا أطيق دفع ما أكره، فأي فقير أفقر مني. 

.

* الشيخ الصدوق في الخصال, حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل قال: حدثنا علي بن الحسين السعدآبادي قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي, عن أبيه, عن محمد بن سنان, عن زياد بن المنذر, عن سعد بن طريف, عن الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين (ع): قال عيسى ابن مريم (ع): الدينار داء الدين والعالم طبيب الدين, فإذا رأيتم الطبيب يجر الداء إلى نفسه فاتهموه واعلموا أنه غير ناصح لغيره. 

.

* ورام بن أبي فراس‏ في مجموعته, قال عيسى (ع): من ذا الذي يبني على موج البحر دارا؟ تلكم الدنيا فلا تتخذوها قرارا. 

.

* ابن فهد الحلي في عدة الداعي, قال عيسى (ع) للحواريين: ارضوا بدني الدنيا مع سلامة دينكم كما رضي أهل الدنيا بدني الدين مع سلامة دنياهم‏. 

.

* الشيخ الصدوق في الأمالي, حدثنا أبي قال: حدثنا سعد بن عبد الله, عن إبراهيم بن هاشم, عن عبيد الله بن عبد الله الدهقان, عن درست بن أبي منصور, عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله الصادق (ع): كان المسيح (ع) يقول: من كثر همه سقم بدنه, ومن ساء خلقه عذب نفسه, ومن كثر كلامه كثر سقطه, ومن كثر كذبه ذهب بهاؤه, ومن لاحى الرجال ذهبت مروته. 

.

* ابن شعبة الحراني‏ في تحف العقول, وصية الإمام الكاظم (ع) لهشام: إن المسيح (ع) قال للحواريين: يا عبيد السوء, يهولكم طول النخلة وتذكرون شوكها ومئونة مراقيها وتنسون طيب ثمرها ومرافقها, كذلك تذكرون مئونة عمل الآخرة فيطول عليكم أمده‏ وتنسون ما تفضون إليه من نعيمها ونورها وثمرها. يا عبيد السوء, نقوا القمح وطيبوه وأدقوا طحنه تجدوا طعمه ويهنئكم أكله, كذلك فأخلصوا الإيمان وأكملوه تجدوا حلاوته وينفعكم غبه,‏ بحق أقول لكم لو وجدتم سراجا يتوقد بالقطران‏ في ليلة مظلمة لاستضأتم به ولم يمنعكم منه ريح نتنه, كذلك ينبغي لكم أن تأخذوا الحكمة ممن وجدتموها معه ولا يمنعكم منه سوء رغبته فيها. يا عبيد الدنيا بحق أقول لكم, لا تدركون شرف الآخرة إلا بترك ما تحبون, فلا تنظروا بالتوبة غدا فإن دون غد يوما وليلة, وقضاء الله فيهما يغدو ويروح. بحق أقول لكم, إن من ليس عليه دين من الناس أروح وأقل هما ممن عليه الدين وإن أحسن القضاء, وكذلك من لم يعمل الخطيئة أروح هما ممن عمل الخطيئة وإن أخلص التوبة وأناب, وإن صغار الذنوب ومحقراتها من مكايد إبليس, يحقرها لكم ويصغرها في أعينكم فتجتمع وتكثر فتحيط بكم. بحق أقول لكم, إن الناس في الحكمة رجلان: فرجل أتقنها بقوله وصدقها بفعله, ورجل أتقنها بقوله وضيعها بسوء فعله, فشتان بينهما, فطوبى للعلماء بالفعل وويل للعلماء بالقول. يا عبيد السوء اتخذوا مساجد ربكم سجونا لأجسادكم وجباهكم, واجعلوا قلوبكم بيوتا للتقوى ولا تجعلوا قلوبكم مأوى للشهوات, إن أجزعكم عند البلاء لأشدكم حبا للدنيا, وإن أصبركم على البلاء لأزهدكم في الدنيا. يا عبيد السوء لا تكونوا شبيها بالحداء الخاطفة, ولا بالثعالب الخادعة, ولا بالذئاب الغادرة, ولا بالأسد العاتية, كما تفعل بالفرائس‏ كذلك تفعلون بالناس, فريقا تخطفون وفريقا تخدعون وفريقا تغدرون بهم.‏ بحق أقول لكم, لا يغني عن الجسد أن يكون ظاهره صحيحا وباطنه فاسدا, كذلك لا تغني أجسادكم التي قد أعجبتكم وقد فسدت قلوبكم وما يغني عنكم أن تنقوا جلودكم وقلوبكم دنسة, لا تكونوا كالمنخل‏ يخرج منه الدقيق الطيب ويمسك النخالة, كذلك أنتم تخرجون الحكمة من أفواهكم ويبقى الغل في صدوركم. يا عبيد الدنيا, إنما مثلكم مثل السراج يضي‏ء للناس ويحرق نفسه. يا بني إسرائيل, زاحموا العلماء في مجالسهم ولو جثوا على الركب,‏ فإن الله يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر. 

.

* ورام بن أبي فراس‏ في مجموعته, قال عيسى (ع) لأصحابه: استكثروا من الشي‏ء الذي لا تأكله النار, قالوا: وما هو؟ قال: المعروف‏. 

.

* الشيخ الصدوق في الأمالي, حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري, عن أبيه, عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب, عن علي بن أسباط, عن عمه يعقوب بن سالم, عن الصادق جعفر بن محمد (ع) قال: قال عيسى بن مريم (ع) لبعض أصحابه: ما لا تحب أن يفعل بك فلا تفعله بأحد, وإن لطم أحد خدك الأيمن فأعط الأيسر. 

.

* السيد ابن طاووس في سعد السعود, عن عيسى (ع) باللفظ: سمعتهم ما قال للأولين: لا تزنوا, وأنا أقول لكم: إن من نظر إلى امرأة فاشتهاها فقد زنى بها في قلبه, إن خانتك عينك اليمنى فاقلعها وألقها عنك لأنه خير لك أن تهلك أحد أعضائك ولا تلقي جسدك كله في نار جهنم, وإن شككتك يدك اليمنى فاقطعها وألقها عنك فإنه خير لك أن تهلك أحد أعضائك من أن يذهب كل جسدك في نار جهنم‏. 

.

* الحسين بن سعيد في الزهد, فضالة عن إسماعيل, ‏عن أبي عبد الله (ع) قال: كان عيسى ابن مريم (ع) يقول: هول لا تدري  متى يلقاك ما يمنعك أن تستعد له قبل أن يفجأك‏. 

.

* السيد ابن طاووس في سعد السعود, من كلام عيسى (ع) باللفظ: أقول لكم: لا تهتموا لأنفسكم ما ذا تأكلون ولا ما ذا تشربون ولا لأجسادكم ما تلبس, أليس النفس أفضل من المأكل؟ والجسد أفضل من اللباس؟ انظروا إلى طيور السماء التي لا تزرع ولا تحصد ولا تحزن في الهواء وربكم السماوي يقوتها, أليس أنتم أفضل منهم؟ من منكم يهتم فيقدر أن يزيد على قامته ذراعا واحدا, فلم تهتمون باللباس؟ اعتبروا بزهر الحقل كيف ينمو ولا يتعب ولا يعمل. 

.

* السيد ابن طاووس في سعد السعود, عن عيسى (ع): ولا تهتموا لغد فإن غدا يهتم لشأنه فيكفي كل يوم شره, ولا تذنبوا أبدا لأنه كما تدينوا تدانوا, وبالكيل الذي تكيلون يكال لكم. 

.

* السيد ابن طاووس في سعد السعود, عن عيسى (ع): أي إنسان منكم يسأله ابنه خمرا فيعطيه جمرا؟ ويسأله شملة فيعطيه حية؟ فإذا كنتم أنتم الأشرار تعرفون تعطون العطايا الصالحة لأبنائكم فكان الأحرى بربكم أن يعطي الخيرات لمن يسأله‏. 

.

* ورام بن أبي فراس‏ في مجموعته, كان عيسى (ع) يقول: يا ابن آدم الضعيف اتق ربك, واتق طمعك, وكن في الدنيا ضعيفا, وعن شهواتك عفيفا, عود جسمك الصبر, وقلبك الفكر, ولا تحبس لغد رزقا فإنها خطيئة عليك, وأكثر حمد الله على الفقر فإن من العصمة أن لا تقدر على ما تريد. 

.

* ورام بن أبي فراس‏ في مجموعته, قال عيسى (ع): لا يستقيم حب الدنيا والآخرة في قلب مؤمن كما لا يستقيم الماء والنار في إناء واحد. 

.

* الشيخ الصدوق في علل الشرائع, حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى العلوي الحسيني قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن أسباط قال: حدثنا أحمد بن محمد بن زياد القطان قال: حدثني أبو الطيب أحمد بن محمد بن عبد الله قال: حدثني عيسى بن جعفر العلوي العمري, عن آبائه, عن عمر بن علي, عن أبيه علي بن أبي طالب, عن رسول الله (ص) في حديث أن النبي عيسى (ع) قال لإمرأة: عيسى (ع) لإمرأة: إذا أكلت فإياك أن تشبعي‏, لأن الطعام إذا تكاثر على الصدر فزاد في القدر ذهب ماء الوجه. 

.

* الشيخ الصدوق في معاني الأخبار, أبي قال: حدثنا سعد بن عبد الله, عن أحمد بن محمد بن خالد, عن علي بن حديد, عمن ذكره, عن أبي عبد الله (ع) قال: قال عيسى ابن مريم (ع) في خطبة قام بها في بني إسرائيل: أصبحت فيكم وإدامي الجوع, وطعامي ما تنبت الأرض للوحوش والأنعام, وسراجي القمر, وفراشي التراب, ووسادتي الحجر, ليس لي بيت يخرب ولا مال يتلف ولا ولد يموت ولا امرأة تحزن, أصبحت وليس لي شي‏ء وأمسيت وليس لي شي‏ء, وأنا أغنى ولد آدم.

.

* ورام بن أبي فراس‏ في مجموعته, قال عيسى (ع):‏ طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعود غائب لم يره‏. 

.

* أحمد بن محمد البرقي في المحاسن, يعقوب بن يزيد, عن محمد بن أبي عمير, عن عمر بن أذينة, عن زرارة, عن أبي جعفر (ع) قال: قال المسيح (ع):‏ يا معشر الحواريين,‏ ما يضركم من نتن القطران إذا أصابكم سراجه, خذوا العلم ممن عنده ولا تنظروا إلى عمله. 

.

* ابن شعبة الحراني‏ في تحف العقول, قال رسول الله (ص): قال عيسى ابن مريم (ع) للحواريين: تحببوا إلى الله وتقربوا إليه, قالوا: يا روح الله بما ذا نتحبب إلى الله ونتقرب؟ قال: ببغض أهل المعاصي, والتمسوا رضا الله بسخطهم, قالوا: يا روح الله فمن نجالس إذا؟ قال: من يذكركم الله رؤيته, ويزيد في علمكم منطقه, ويرغبكم في الآخرة عمله. 

.

* ورام بن أبي فراس‏ في مجموعته, قال عيسى (ع): لا تتخذوا الدنيا ربا فتتخذكم عبيدا, اكنزوا كنزكم عند من لا يضيعه, فإن صاحب كنز الدنيا يخاف عليه الآفة وصاحب كنز الله لا يخاف عليه الآفة.

وقال (ع) أيضا: يا معشر الحواريين, إني قد أكببت‏ لكم الدنيا على وجهها فلا تنعشوها بعدي, فإن من‏ خبث‏ الدنيا أن‏ عصي الله فيها, وإن من‏ خبث‏ الدنيا أن‏ الآخرة لا تنال ولا تدرك‏ إلا بتركها, فاعبروا الدنيا ولا تعمروها, واعلموا أن أصل كل خطيئة حب الدنيا, ورب شهوة أورثت أهلها حزنا طويلا.

وقال (ع) أيضا: إن بطحت لكم الدنيا وجلستم على ظهرها فلا ينازعنكم فيها إلا الملوك والنساء, فأما الملوك فلا تنازعوهم للدنيا فإنهم لم يعرضوا لكم ما تركتم دنياهم, وأما النساء فاتقوهن بالصوم والصلاة. 

وقال (ع) أيضا: الدنيا طالبة ومطلوبة, فطالب الآخرة تطلبه الدنيا حتى يستكمل فيها رزقه, وطالب الدنيا تطلبه الآخرة حتى يجي‏ء الموت فيأخذ بعنقه‏. 

.

* ورام بن أبي فراس‏ في مجموعته, قال عيسى (ع):‏ ويل لصاحب الدنيا كيف يموت ويتركها, ويأمنها وتغره, ويثق بها وتخذله, ويل للمغترين كيف رهقهم ما يكرهون, وفارقهم ما يحبون, وجاءهم ما يوعدون, وويل لمن الدنيا همه, والخطايا أمله, كيف يفتضح غدا عند الله‏. 

.

* ابن فهد الحلي في عدة الداعي, قال المسيح (ع):‏ يا معشر الحواريين,‏ كم من سراج أطفأته‏ الريح؟ وكم من عابد أفسده‏ العجب(ص)؟ 

.

* ورام بن أبي فراس‏ في مجموعته, قال عيسى (ع):‏ يا طالب الدنيا لتبر، تركك الدنيا أبر. 

.

* ابن شعبة الحراني‏ في تحف العقول, مواعظ المسيح (ع) في الإنجيل وغيره, ومن حكمه: طوبى للمتراحمين أولئك هم المرحومون يوم القيامة, طوبى للمصلحين بين الناس أولئك هم المقربون يوم القيامة, طوبى للمطهرة قلوبهم أولئك يزورون الله يوم القيامة, طوبى للمتواضعين في الدنيا أولئك يرثون منابر الملك يوم القيامة, طوبى للمساكين ولهم ملكوت السماء, طوبى للمحزونين هم الذين يسرون, طوبى للذين يجوعون ويظمئون خشوعا هم الذين يسقون, طوبى للذين يعملون الخير أصفياء الله يدعون, طوبى للمسبوبين من أجل الطهارة, فإن لهم ملكوت السماء, طوبى لكم إذا حسدتم وشتمتم وقيل فيكم كل كلمة قبيحة كاذبة حينئذ فافرحوا وابتهجوا، فإن أجركم قد كثر في السماء.

وقال (ع): يا عبيد السوء, تلومون الناس على الظن ولا تلومون أنفسكم على اليقين. يا عبيد الدنيا, تحبون أن يقال فيكم ما ليس فيكم، وأن يشار إليكم بالأصابع. يا عبيد الدنيا, تحلقون رؤوسكم وتقصرون قمصكم وتنكسون رؤوسكم ولا تنزعون الغل من قلوبكم. يا عبيد الدنيا, مثلكم كمثل القبور المشيدة يعجب الناظر ظهرها وداخلها عظام الموتى مملوة خطايا. يا عبيد الدنيا, إنما مثلكم كمثل السراج يضيئ للناس ويحرق نفسه. يا بني إسرائيل, زاحموا العلماء في مجالسهم ولو حبوا على الركب، فإن الله يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر. يا بني إسرائيل, قلة المنطق حكم عظيم فعليكم بالصمت، فإنه دعة حسنة وقلة وزر وخفة من الذنوب فحصنوا باب العلم، فإن بابه الصبر. وإن الله يبغض الضحاك من غير عجب، والمشاء إلى غير أدب، ويجب الوالي الذي يكون كالراعي لا يغفل عن رعيته. فاستحيوا الله في سرائركم كما تستحيون الناس في علانيتكم. واعلموا أن كلمة الحكمة ضالة المؤمن فعليكم بها قبل أن ترفع، ورفعها أن تذهب رواتها. يا صاحب العلم عظم العلماء لعلمهم ودع منازعتهم، وصغر الجهال لجهلهم ولا تطردهم ولكن قربهم وعلمهم. يا صاحب العلم, اعلم أن كل نعمة عجزت عن شكرها بمنزلة سيئة تؤاخذ عليها. يا صاحب العلم, اعلم أن كل معصية عجزت عن توبتها بمنزلة تعاقب بها. يا صاحب العلم, كرب لا تدري متى تغشاك فاستعد لها قبل أن تفجأك.

وقال (ع) لأصحابه: أرأيتم لو أن أحدا مر بأخيه فرأى ثوبه قد انكشف عن عورته، أكان كاشفا عنها أم يرد على ما انكشف منها؟ قالوا: بل يرد على ما انكشف منها، قال: كلا بل تكشفون عنها، فعرفوا أنه مثل ضربه لهم، فقالوا: يا روح الله وكيف ذاك؟ قال: ذاك الرجل منكم يطلع على العورة من أخيه فلا يسترها. بحق أقول لكم, أعلمكم لتعلموا ولا أعلمكم لتعجبوا بأنفسكم, إنكم لن تنالوا ما تريدون إلا بترك ما تشتهون, ولن تظفروا بما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون, إياكم والنظرة، فإنها تزرع في القلوب الشهوة وكفى بها لصاحبها فتنة. طوبى لمن جعل بصره في قلبه ولم يجعل قلبه في نظر عينه, لا تنظروا في عيوب الناس كالأرباب وانظروا في عيوبهم كهيئة عبيد الناس, إنما الناس رجلان: مبتلى ومعافى، فارحموا المبتلى واحمدوا الله على العافية. يا بني إسرائيل, أما تستحيون من الله، إن أحدكم لا يسوغ له شرابه حتى يصفيه من القذى, ولا يبالي أن يبلغ أمثال الفيلة من الحرام. ألم تسمعوا أنه قيل لكم في التورية: "صلوا أرحامكم وكافئوا أرحامكم" وأنا أقول لكم: صلوا من قطعكم, وأعطوا من منعكم, وأحسنوا إلى من أساء إليكم, وسلموا على من سبكم, وأنصفوا من خاصمكم, واعفوا عمن ظلمكم, كما أنكم تحبون أن يعفى عن إساءتكم، فاعتبروا بعفو الله عنكم، ألا ترون أن شمسه أشرقت على الأبرار والفجار منكم, وأن مطره ينزل على الصالحين والخاطئين منكم، فإن كنتم لا تحبون إلا من أحبكم, ولا تحسنون إلا إلى من أحسن إليكم, ولا تكافئون إلا من أعطاكم, فما فضلكم إذا على غيركم؟ وقد يصنع هذا السفهاء الذين ليست عندهم فضول ولا لهم أحلام, ولكن إن أردتم أن تكونوا أحباء الله وأصفياء الله فأحسنوا إلى من أساء إليكم, واعفوا عمن ظلمكم, وسلموا على من أعرض عنكم، اسمعوا قولي واحفظوا وصيتي وارعوا عهدي كيما تكونوا علماء فقهاء. بحق أقول لكم, إن قلوبكم بحيث تكون كنوزكم, ولذلك الناس يحبون أموالهم وتتوق إليها أنفسهم, فضعوا كنوزكم في السماء حيث لا يأكلها السوس ولا ينالها اللصوص. بحق أقول لكم, إن العبد لا يقدر على أن يخدم ربين ولا محالة أنه يؤثر أحدهما على الآخر وإن جهد، كذلك لا يجتمع لكم حب الله وحب الدنيا. بحق أقول لكم, إن شر الناس لرجل عالم آثر دنياه على علمه, فأحبها وطلبها وجهد عليها حتى لو استطاع أن يجعل الناس في حيرة لفعل، وماذا يغني عن الأعمى سعة نور الشمس وهو لا يبصرها، كذلك لا يغني عن العالم علمه إذ هو لم يعمل به, ما أكثر ثمار الشجر وليس كلها ينفع ويؤكل, وما أكثر العلماء وليس كلهم ينتفع بما علم, وما أوسع الأرض وليس كلها تسكن, وما أكثر المتكلمين وليس كل كلامهم يصدق، فاحتفظوا من العلماء الكذبة الذين عليهم ثياب الصوف منكسي رؤوسهم إلى الأرض يزورون به الخطايا يرمقون من تحت حواجبهم كما ترمق الذئاب وقولهم يخالف فعلهم، وهل يجتني من العوسج العنب ومن الحنظل التين، وكذلك لا يؤثر قول العالم الكاذب إلا زورا وليس كل من يقول يصدق. بحق أقول لكم, إن الزرع ينبت في السهل ولا ينبت في الصفا وكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع ولا تعمر في قلب المتكبر الجبار، ألم تعلموا أنه من شمخ برأسه إلى السقف شجه، ومن خفض برأسه عنه استظل تحته وأكنه، وكذلك من لم يتواضع لله خفضه ومن تواضع لله رفعه. إنه ليس على كل حال يصلح العسل في الزقاق وكذلك القلوب ليس على كل حال تعمر الحكمة فيها، إن الزق ما لم ينخرق أو يقحل أو يتفل فسوف يكون للعسل وعاء وكذلك القلوب ما لم تخرقها الشهوات ويدنسها الطمع ويقسها النعيم فسوف تكون أوعية للحكمة. بحق أقول لكم, إن الحريق ليقع في البيت الواحد فلا يزال ينتقل من بيت إلى بيت حتى تحترق بيوت كثيرة إلا أن يستدرك البيت الأول فيهدم من قواعده فلا تجد فيه النار معملا وكذلك الظالم الأول لو يؤخذ على يديه لم يوجد من بعده إمام ظالم فيأتمون به كما لو لم تجد النار في البيت الأول خشبا وألواحا لم تحرق شيئا. بحق أقول لكم, من نظر إلى الحية تؤم أخاه لتلدغه ولم يحذره حتى قتلته فلا يأمن أن يكون قد شرك في دمه وكذلك من نظر إلى أخيه يعمل الخطيئة ولم يحذره عاقبتها حتى أحاطت به فلا يأمن أن يكون قد شرك في إثمه. ومن قدر على أن يغير الظالم ثم لم يغيره فهو كفاعله، وكيف يهاب الظالم وقد أمن بين أظهركم لا ينهى ولا يغير عليه ولا يؤخذ على يديه فمن أين يقصر الظالمون أم كيف لا يغترون، فحسب أن يقول أحدكم: لا أظلم ومن شاء فليظلم, ويرى الظلم فلا يغيره, فلو كان الامر على ما تقولون لم تعاقبوا مع الظالمين الذين لم تعملوا بأعمالهم حين تنزل بهم العثرة في الدنيا. ويلكم يا عبيد السوء, كيف ترجون أن يؤمنكم الله من فزع يوم القيامة وأنتم تخافون الناس في طاعة الله, وتطيعونهم في معصيته, وتفون لهم بالعهود الناقضة لعهده. بحق أقول لكم, لا يؤمن الله من فزع ذلك اليوم من اتخذ العباد أربابا من دونه. ويلكم يا عبيد السوء, من أجل دنيا دنية وشهوة ردية تفرطون في ملك الجنة وتنسون هول يوم القيامة. ويلكم يا عبيد الدنيا, من أجل نعمة زائلة وحياة منقطعة تفرون من الله وتكرهون لقاءه، فكيف يحب الله لقاءكم وأنتم تكرهون لقاءه، فإنما يحب الله لقاء من يحب لقاءه ويكره لقاء من يكره لقاءه. وكيف تزعمون أنكم أولياء الله من دون الناس وأنتم تفرون من الموت وتعتصمون بالدنيا؟ فماذا يغني عن الميت طيب ريح حنوطه وبياض أكفانه وكل ذلك يكون في التراب؟ كذلك لا يغني عنكم بهجة دنياكم التي زينت لكم وكل ذلك إلى سلب وزوال. ماذا يغني عنكم نقاء أجسادكم وصفاء ألوانكم وإلى الموت تصيرون وفي التراب تنسون وفي ظلمة القبر تغمرون؟ ويلكم يا عبيد الدنيا, تحملون السراج في ضوء الشمس وضوؤها كان يكفيكم وتدعون أن تستضيئوا بها في الظلم ومن أجل ذلك سخرت لكم، كذلك استضأتم بنور العلم لأمر الدنيا وقد كفيتموه وتركتم أن تستضيئوا به لأمر الآخرة ومن أجل ذلك أعطيتموه. تقولون: إن الآخرة حق, وأنتم تمهدون الدنيا. وتقولون: إن الموت حق, وأنتم تفرون منه. وتقولون: إن الله يسمع ويرى, ولا تخافون إحصاءه عليكم. وكيف يصدقكم من سمعكم؟ فإن من كذب من غير علم أعذر ممن كذب على علم, وإن كان لا عذر في شئ من الكذب. بحق أقول لكم: إن الدابة إذا لم ترتكب ولم تمتهن وتستعمل لتصعب ويتغير خلقها, وكذلك القلوب إذا لم ترفق بذكر الموت وتتعبها دؤوب العبادة تقسو وتغلظ. ماذا يغني عن البيت المظلم أن يوضع السراج فوق ظهره وجوفه وحش مظلم، كذلك لا يغني عنكم أن يكون نور العلم بأفواهكم وأجوافكم منه وحشة معطلة، فأسرعوا إلى بيوتكم المظلمة فأنيروا فيها، كذلك فأسرعوا إلى قلوبكم القاسية بالحكمة قبل أن ترين عليها الخطايا فتكون أقسى من الحجارة، كيف يطيق حمل الأثقال من لا يستعين على حملها؟ أم كيف تحط أوزار من لا يستغفر الله منها، أم كيف تنقى ثياب من لا يغسلها؟ وكيف يبرأ من الخطايا من لا يكفرها؟ أم كيف ينجو من غرق البحر من يعبر بغير سفينة؟ وكيف ينجو من فتن الدنيا من لم يداوها بالجد والاجتهاد؟ وكيف يبلغ من يسافر بغير دليل، وكيف يصير إلى الجنة من لا يبصر معالم الدين؟ وكيف ينال مرضات الله من لا يطيعه؟ وكيف يبصر عيب وجهه من لا ينظر في المرآة؟ وكيف يستكمل حب خليله من لا يبذل له بعض ما عنده؟ وكيف يستكمل حب ربه من لا يقرضه بعض ما رزقه؟ بحق أقول لكم, إنه كما لا ينقص البحر أن تغرق فيه السفينة ولا يضره ذلك شيئا كذلك لا تنقصون الله بمعاصيكم شيئا ولا تضرونه بل أنفسكم تضرون وإياها تنقصون، وكما لا تنقص نور الشمس كثرة من يتقلب فيها بل به يعيش ويحيى كذلك لا ينقص الله كثرة ما يعطيكم ويرزقكم بل برزقه تعيشون وبه تحيون، يزيد من شكره، إنه شاكر عليم. ويلكم يا اجراء السوء، الاجر تستوفون والرزق تأكلون والكسوة تلبسون والمنازل تبنون وعمل من استأجركم تفسدون، يوشك رب هذا العمل أن يطالبكم فينظر في عمله الذي أفسدتم فينزل بكم ما يخزيكم، ويأمر برقابكم فتجذ من أصولها ويأمر بأيديكم فتقطع من مفاصلها، ثم يأمر بجثثكم فتجر على بطونها حتى توضع على قوارع الطريق حتى تكونوا عظة للمتقين ونكالا للظالمين. ويلكم يا علماء السوء, لا تحدثوا أنفسكم أن آجالكم تستأخر من أجل أن الموت لم ينزل بكم فكأنه قد حل بكم فأظعنكم، فمن الآن فاجعلوا الدعوة في آذانكم، ومن الآن فنوحوا على أنفسكم، ومن الآن فابكوا على خطاياكم، ومن الآن فتجهزوا وخذوا أهبتكم وبادروا التوبة إلى ربكم. بحق أقول لكم, إنه كما ينظر المريض إلى طيب الطعام فلا يلتذه مع ما يجده من شدة الوجع، كذلك صاحب الدنيا لا يلتذ بالعبادة ولا يجد حلاوتها مع ما يجد من حب المال. وكما يلتذ المريض نعت الطبيب العالم بما يرجو فيه من الشفاء، فإذا ذكر مرارة الدواء وطعمه كدر عليه الشفاء، كذلك أهل الدنيا يلتذون ببهجتها وأنواع ما فيها فإذا ذكروا فجأة الموت كدرها عليهم وأفسدها. بحق أقول لكم, إن كل الناس يبصر النجوم ولكن لا يهتدي بها إلا من يعرف مجاريها ومنازلها وكذلك تدرسون الحكمة ولكن لا يهتدي لها منكم إلا من عمل بها. ويلكم يا عبيد الدنيا, نقوا القمح وطيبوه وأدقوا طحنه تجدوا طعمه يهنئكم أكله، كذلك فأخلصوا الايمان تجدوا حلاوته وينفعكم غبه. بحق أقول لكم, لو وجدتم سراجا يتوقد بالقطران في ليلة مظلمة لاستضأتم به ولم يمنعكم منه ريح قطرانه كذلك ينبغي لكم أن تأخذوا الحكمة ممن وجدتموها معه ولا يمنعكم منه سوء رغبته فيها. ويلكم يا عبيد الدنيا, لا كحكماء تعقلون ولا كحلماء تفقهون ولا كعلماء تعلمون ولا كعبيد أتقياء ولا كأحرار كرام توشك الدنيا أن تقتلعكم من أصولكم فتقلبكم على وجوهكم ثم تكبكم على مناخركم ثم تأخذ خطاياكم بنواصيكم ويدفعكم العلم من خلفكم حتى يسلماكم إلى الملك الديان عراة فرادى فيجزيكم بسوء أعمالكم. ويلكم يا عبيد الدنيا, أليس بالعلم أعطيتم السلطان على جميع الخلائق فنبذتموه فلم تعملوا به، وأقبلتم على الدنيا فبها تحكمون ولها تمهدون وإياها تؤثرون وتعمرون، فحتى متى أنتم للدنيا، ليس لله فيكم نصيب؟ بحق أقول لكم, لا تدركون شرف الآخرة إلا بترك ما تحبون, فلا تنتظروا بالتوبة غدا، فإن دون غد يوما وليلة قضاء الله فيهما يغدو ويروح. بحق أقول لكم, إن صغار الخطايا ومحقراتها لمن مكايد إبليس, يحقرها لكم ويصغرها في أعينكم فتجتمع فتكثر وتحيط بكم. بحق أقول لكم, إن المدحة بالكذب والتزكية في الدين لمن رأس الشرور المعلومة, وإن حب الدنيا لرأس كل خطيئة. بحق أقول لكم, ليس شئ أبلغ في شرف الآخرة وأعون على حوادث الدنيا من الصلاة الدائمة، وليس شئ أقرب إلى الرحمن منها فدوموا عليها واستكثروا منها، وكل عمل صالح يقرب إلى الله فالصلاة أقرب إليه وآثر عنده. بحق أقول لكم, إن كل عمل المظلوم الذي لم ينتصر بقول ولا فعل ولا حقد هو في ملكوت السماء عظيم. أيكم رأى نورا اسمه ظلمة؟ أو ظلمة اسمها نور؟ كذلك لا يجتمع للعبد أن يكون مؤمنا كافرا, ولا مؤثرا للدنيا راغبا في الآخرة. وهل زارع شعير يحصد قمحا؟ أو زارع قمح يحصد شعيرا؟ كذلك يحصد كل عبد في الآخرة ما زرع ويجزى بما عمل. بحق أقول لكم, إن الناس في الحكمة رجلان: فرجل أتقنها بقوله وضيعها بسوء فعله. ورجل أتقنها بقوله وصدقها بفعله، وشتان بينهما، فطوبى للعلماء بالفعل وويل للعلماء بالقول. بحق أقول لكم, من لا ينقي من زرعه الحشيش يكثر فيه حتى يغمره فيفسده وكذلك من لا يخرج من قلبه حب الدنيا يغمره حتى لا يجد لحب الآخرة طعما. ويلكم يا عبيد الدنيا, اتخذوا مساجد ربكم سجونا لأجسادكم واجعلوا قلوبكم بيوتا للتقوى ولا تجعلوا قلوبكم مأوى للشهوات. بحق أقول لكم, إن أجزعكم على البلاء لأشدكم حبا للدنيا, وإن أصبركم على البلاء لأزهدكم في الدنيا. ويلكم يا علماء السوء, ألم تكونوا أمواتا فأحياكم فلما أحياكم متم ويلكم ألم تكونوا أميين فعلمكم، فلما علمكم نسيتم. ويلكم ألم تكونوا جفاة ففقهكم الله، فلما فقهكم جهلتم. ويلكم ألم تكونوا ضلالا فهداكم، فلما هداكم ضللتم. ويلكم ألم تكونوا عميا فبصركم، فلما بصركم عميتم. ويلكم ألم تكونوا صما فأسمعكم فلما أسمعكم صممتم. ويلكم ألم تكونوا بكما فأنطقكم، فلما أنطقكم بكمتم. ويلكم ألم تستفتحوا، فلما فتح لكم نكصتم على أعقابكم. ويلكم ألم تكونوا أذلة فأعزكم، فلما عززتم قهرتم واعتديتم وعصيتم، ويلكم ألم تكونوا مستضعفين في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فنصركم وأيدكم، فلما نصركم استكبرتم وتجبرتم. فيا ويلكم من ذل يوم القيامة كيف يهينكم ويصغركم. ويا ويلكم يا علماء السوء إنكم لتعملون عمل الملحدين وتأملون أمل الوارثين وتطمئنون بطمأنينة الآمنين، وليس أمر الله على ما تتمنون وتتخيرون بل للموت تتوالدون وللخراب تبنون وتعمرون وللوارثين تمهدون. بحق أقول لكم, إن موسى (ع) كان يأمركم أن لا تحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين ولكن قولوا: لا ونعم. يا بني إسرائيل, عليكم بالبقل البري وخبز الشعير، وإياكم وخبز البر، فإني أخاف عليكم أن لا تقوموا بشكره. بحق أقول لكم, إن الناس معافى ومبتلى, فاحمدوا الله على العافية وارحموا أهل البلاء. بحق أقول لكم, إن كل كلمة سيئة تقولون بها تعطون جوابها يوم القيامة. يا عبيد السوء, إذا قرب أحدكم قربانه ليذبحه فذكر أن أخاه واجد عليه فليترك قربانه وليذهب إلى أخيه فليرضه ثم ليرجع إلى قربانه فليذبحه. يا عبيد السوء, إن اخذ قميص أحدكم فليعط رداءه معه, ومن لطم خده منكم فليمكن من خده الآخر, ومن سخر منكم ميلا فليذهب ميلا آخر معه. بحق أقول لكم, ماذا يغني عن الجسد إذا كان ظاهره صحيحا وباطنه فاسدا؟ وما تغني عنكم أجسادكم إذا أعجبتكم وقد فسدت قلوبكم؟ وما يغني عنكم أن تنقوا جلودكم وقلوبكم دنسة؟ بحق أقول لكم, لا تكونوا كالمنخل يخرج الدقيق الطيب ويمسك النخالة, كذلك أنتم تخرجون الحكمة من أفواهكم ويبقى الغل في صدوركم. بحق أقول لكم, ابدؤوا بالشر فاتركوه ثم اطلبوا الخير ينفعكم، فإنكم إذا جمعتم الخير مع الشر لم ينفعكم الخير. بحق أقول لكم, إن الذي يخوض النهر لابد أن يصيب ثوبه الماء وإن جهد أن لا يصيبه كذلك من يحب الدنيا لا ينجو من الخطايا. بحق أقول لكم, طوبى للذين يتهجدون من الليل أولئك الذين يرثون النور الدائم من أجل أنهم قاموا في ظلمة الليل على أرجلهم في مساجدهم، يتضرعون إلى ربهم رجاء أن ينجيهم في الشدة غدا. بحق أقول لكم, إن الدنيا خلقت مزرعة تزرع فيها العباد الحلو والمر والشر والخير، والخير له مغبة نافعة يوم الحساب والشر له عناء وشقاء يوم الحصاد. بحق أقول لكم, إن الحكيم يعتبر بالجاهل، والجاهل يعتبر بهواه. أوصيكم أن تختموا على أفواهكم بالصمت حتى لا يخرج منها ما لا يحل لكم. بحق أقول لكم, إنكم لا تدركون ما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون، ولا تبتغون ما تريدون إلا بترك ما تشتهون. بحق أقول لكم, يا عبيد الدنيا كيف يدرك الآخرة من لا تنقص شهوته من الدنيا ولا تنقطع منها رغبته؟ بحق أقول لكم, يا عبيد الدنيا ما الدنيا تحبون ولا الآخرة ترجون، لو كنتم تحبون الدنيا أكرمتم العمل الذي به أدركتموها ولو كنتم تريدون الآخرة عملتم عمل من يرجوها. بحق أقول لكم, يا عبيد الدنيا إن أحدكم يبغض صاحبه على الظن ولا يبغض نفسه على اليقين. بحق أقول لكم, إن أحدكم ليغضب إذا ذكر له بعض عيوبه وهي حق، ويفرح إذا مدح بما ليس فيه. بحق أقول لكم, إن أرواح الشياطين ما عمرت في شئ ما عمرت في قلوبكم, فإنما أعطاكم الله الدنيا لتعملوا فيها للآخرة ولم يعطكموها لتشغلكم عن الآخرة, وإنما بسطها لكم لتعلموا أنه أعانكم بها على العبادة ولم يعنكم بها على الخطايا, وإنما أمركم فيها بطاعته ولم يأمركم فيها بمعصيته، وإنما أعانكم بها على الحلال ولم يحل لكم بها الحرام، وإنما وسعها لكم لتواصلوا فيها ولم يوسعها لكم لتقاطعوا فيها. بحق أقول لكم, إن الاجر محروص عليه ولا يدركه إلا من عمل له. بحق أقول لكم, إن الشجرة لا تكمل إلا بثمرة طيبة، كذلك لا يكمل الدين إلا بالتحرج عن المحارم. بحق أقول لكم, إن الزرع لا يصلح إلا بالماء والتراب، كذلك الايمان لا يصلح إلا بالعلم والعمل. بحق أقول لكم, إن الماء يطفئ النار، كذلك الحلم يطفئ الغضب. بحق أقول لكم, لا يجتمع الماء والنار في إناء واحد، كذلك لا يجتمع الفقه والعمى في قلب واحد. بحق أقول لكم, إنه لا يكون مطر بغير سحاب، كذلك لا يكون عمل في مرضات الرب إلا بقلب نقي. بحق أقول لكم, إن الشمس نور كل شئ وإن الحكمة نور كل قلب، والتقوى رأس كل حكمة، والحق باب كل خير، ورحمة الله باب كل حق، ومفاتيح ذلك الدعاء والتضرع والعمل، وكيف يفتح باب بغير مفتاح. بحق أقول لكم, إن الرجل الحكيم لا يغرس شجرة إلا شجرة يرضاها ولا يحمل على خيله إلا فرسا يرضاه، كذلك المؤمن العالم لا يعمل إلا عملا يرضاه ربه. بحق أقول لكم, إن الصقالة تصلح السيف وتجلوه، كذلك الحكمة للقلب تصقله وتجلوه، وهي في قلب الحكيم مثل الماء في الأرض الميتة تحيي قلبه كما يحيي الماء الأرض الميتة، وهي في قلب الحكيم مثل النور في الظلمة يمشي بها في الناس. بحق أقول لكم, إن نقل الحجارة من رؤوس الجبال أفضل من أن تحدث من لا يعقل عنك حديثك، كمثل الذي ينقع الحجارة لتلين وكمثل الذي يصنع الطعام لأهل القبور. طوبى لمن حبس الفضل من قوله الذي يخاف عليه المقت من ربه ولا يحدث حديثا إلا يفهم ولا يغبط امرءا في قوله حتى يستبين له فعله. طوبى لمن تعلم من العلماء ما جهل, وعلم الجاهل مما علم. طوبى لمن عظم العلماء لعلمهم وترك منازعتهم, وصغر الجهال لجهلهم ولا يطردهم ولكن يقربهم ويعلمهم. بحق أقول لكم, يا معشر الحواريين إنكم اليوم في الناس كالاحياء من الموتى, فلا تموتوا بموت الاحياء.

وقال المسيح (ع): يقول الله تبارك وتعالى يحزن عبدي المؤمن أن أصرف عنه الدنيا وذلك أحب ما يكون إلي وأقرب ما يكون مني، ويفرح أن أوسع عليه في الدنيا وذلك أبغض ما يكون إلي وأبعد ما يكون منى. 

.

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية