حديث المفضل عن الظهور والرجعة

عن المفضل بن عمر قال: سألت سيدي أبا عبد الله الصادق (ع)، قال: حاش لله أن يوقت له وقت [وقتا] أو توقت شيعتنا، قال: قلت يا مولاي ولم ذلك قال لأنه هو الساعة التي قال الله تعالى فيها: {يسئلونك عن الساعة أيان مرساها} وقوله: {قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسئلونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون‏ وقوله: عنده علم الساعة} ولم يقل أحد دونه وقوله: {فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم‏} وقوله: {اقتربت الساعة وانشق القمر} وقوله: {وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا} {يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد} قلت: يا مولاي ما معنى: يمارون‏ قال: يقولون: متى ولد؟ ومن رآه؟ وأين هو؟ وأين يكون؟ ومتى يظهر؟ كل‏ ذلك استعجالا لأمر الله وشكا في‏ قضائه‏ وقدرته: أولئك الذين خسروا أنفسهم في الدنيا والآخرة وإن للكافرين لشر مآب. قال المفضل: يا مولاي فلا يوقت له وقت؟ قال: يا مفضل لا توقت فمن وقت لمهدينا وقتا فقد شارك الله في علمه وادعى أنه يظهره على أمره وما لله سر إلا وقد وقع إلى هذا الخلق المنكوس الضال عن الله الراغب عن أولياء الله وما لله خزانة هي أحصن سرا عندهم أكبر من جهلهم به وإنما ألقي قوله إليهم لتكون لله الحجة عليهم. قال المفضل: يا سيدي فكيف بدو ظهور المهدي إليه التسليم؟ قال: يا مفضل يظهر في سنة يكشف لستر أمره ويعلو ذكره وينادى باسمه وكنيته ونسبه ويكثر ذلك في أفواه المحقين والمبطلين والموافقين والمخالفين لتلزمهم الحجة لمعرفتهم به على أننا نصصنا ودللنا عليه ونسبناه وسميناه وكنيناه سمي جده رسول الله (ص) وكنيته، لئلا يقول الناس ما عرفنا اسمه ولا كناه ولا نسبه والله ليحقن الإفصاح به وباسمه وكنيته على ألسنتهم حتى يكون كتسمية بعضهم لبعض كل ذلك للزوم الحجة عليهم ثم يظهر الله كما وعد جده رسول الله (ص) في قوله عز من قائل: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} قال المفضل: قلت: وما تأويل قوله: {ليظهره على الدين كله} قال: هو قول الله تعالى: {قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله‏ }كما قال الله عز وجل: {إن الدين عند الله الإسلام‏} {ومن يبتغ‏ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}‏ قال المفضل: فقلت يا سيدي والدين الذي أتى به آدم ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد هو الإسلام، قال: نعم، يا مفضل هو الإسلام لا غير قلت فنجده في كتاب الله قال: نعم من أوله إلى آخره وهذه الآية منه: {إن الدين عند الله الإسلام}‏ وقوله عز وجل: {ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل‏} وفي قصة إبراهيم وإسماعيل: {واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك}‏ وقوله في قصة فرعون: {حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين}‏ وفي قصة سليمان وبلقيس قالت: {وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين}‏ وقول عيسى للحواريين: {من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون‏} وقوله تعالى: {وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون}‏ وقوله في قصة لوط: {فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين‏} ولوط قبل إبراهيم وقوله: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا} وإلى قوله‏ {لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون}‏ وقوله: {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت}‏ إلى قوله‏ {إلها واحدا ونحن له مسلمون‏} قال المفضل: يا مولاي كم الملل؟ قال: يا مفضل الملل أربعة، وهي الشرائع. قال المفضل: يا سيدي المجوس لم سموا مجوسا؟ قال لأنهم تمجسوا في السريانية، وادعوا على آدم وابنه شيث هبة الله أنه أطلق لهم نكاح الأمهات والأخوات والعمات والخالات والبنات والمحرمات من النساء وأنه أمرهم أن يصلوا للشمس حيث وقفت من السماء ولم يجعلوا لصلاتهم وقتا وإنما هو افتراء على الله الكذب وعلى آدم وشيث. قال المفضل: يا سيدي فلم سموا قوم موسى اليهود، قال: لقول الله عنهم‏ {هدنا إليك‏} أي أهديتنا إليك، قال والنصارى لم سموا نصارى، قال: لقول عيسى يا بني إسرائيل‏ {من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله} فتسموا نصارى لنصرة دين الله.قال المفضل: ولم سموا الصابئون قال لأنهم صبوا إلى تعطيل الأنبياء والرسل والملل والشرائع وقالوا كل ما جاء به هؤلاء باطل وجحدوا توحيد الله ونبوة الأنبياء والرسل والأوصياء فهم بلا شريعة ولا كتاب ولا رسول وهم معطلة العالم. قال المفضل: يا سيدي ففي أي بقعة يظهر المهدي، قال الصادق (ع) لا تراه عين بوقت ظهوره ولا رأته كل عين فمن قال لكم غير هذا فكذبوه. قال المفضل: يا سيدي وفي أي وقت ولادته قال بلى وبل والله لا يرى من ساعة ولادته إلى ساعة وفاة أبيه سنتين وسبعة أشهر أولها وقت الفجر من ليلة يوم الجمعة لثمان ليال خلت من شهر شعبان لثمان ليال خلت من شهر ربيع الأول من سنة ستين ومائتين ثم يرى بالمدينة التي تبنى بشاطئ الدجلة بناها المتكبر الجبار المسمى باسم جعفر العيار المتلقب المتوكل وهو المتأكل لعنه الله يدعو [يدعى‏] مدينة سامرا ستة سنين يرى شخصه المؤمن المحق ولا يرى شخصه المشك [الشاك‏] المرتاب وينفذ فيها أمره ونهيه ويغيب عنها ويظهر بالقصر بصاريا بجانب حرم مدينة جده رسول الله (ص) فيلقاه هناك المؤمن بالقصر وبعده لا تراه كل عين. قال المفضل: يا سيدي فمن يخاطبه ولمن يخاطب قال الصادق محمد بن‏ نصير في يوم غيبته بصاريا ثم يظهر بمكة والله يا مفضل كأني أنظر إليه وهو داخل مكة وعليه بردة جده رسول الله (ص) وعلى رأسه عمامة صفراء وفي رجله نعل رسول الله المخصوفة وفي يده هراوة يسوق بين يديه عنوزا عجافا حتى يقبل بها نحو البيت وليس أحد يوقته ويظهر وهو شاب غرنوق فقال له المفضل: يا سيدي يعود شابا ويظهر في شيعته قال سبحان الله وهل يغرب عليك يظهر كيف شاء وبأي صورة إذا جاءه الأمر من الله جل ذكره قال المفضل: يا سيدي فيمن يظهر وكيف يظهر قال يا مفضل: يظهر وحده ويأتي البيت وحده فإذا نامت العيون ووسق الليل نزل جبرائيل وميكائيل والملائكة صفوفا فيقول له جبريل يا سيدي قولك مقبول وأمرك جائز ويمسح يده على وجهه ويقول‏ {الحمد لله الذي صدقنا وعده، وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين} ثم يقف بين الركن والمقام ويصرخ صرخة ويقول معاشر نقبائي وأهل خاصتي ومن ذخرهم الله لظهوري على وجه الأرض ائتوني طائعين فتورد صيحته عليهم وهم في محاريبهم وعلى فرشهم وهم في شرق الأرض وغربها فيسمعوا صيحة واحدة في أذن رجل واحد فيجيئوا نحوه ولا يمضي لهم‏ {إلا كلمح البصر} حتى يكونوا بين يديه بين الركن والمقام فيأمر الله النور أن يصير عمودا من الأرض إلى السماء فيستضي‏ء به كل مؤمن على وجه الأرض ويدخل عليه نوره في بيته فتفرح نفوس المؤمنين بذلك النور وهم لا يعلمون بظهور قائمنا القائم (ع) ثم تصبح نقباؤه بين يديه وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر نفرا بعدد أصحاب رسول الله (ص) بيوم بدر. قال المفضل: قلت يا سيدي والاثنان وسبعون رجلا أصحاب أبي عبد الله الحسين بن علي (ع) يظهرون معهم قال يظهر معهم الحسين بن علي باثني عشر ألف صديق من شيعته وعليه عمامة سوداء. فقال المفضل: يا سيدي فنقباء القائم إليه التسليم بايعوه قبل قيامه قال: يا مفضل كل بيعة قبل ظهور القائم فهي كفر ونفاق وخديعة لعن الله المبايع لها بل يا مفضل يسند القائم ظهره إلى كعبة البيت الحرام ويمد يده المباركة فترى‏ {بيضاء من غير سوء} فيقول هذه يد الله وعن الله وبأمر الله ثم يتلو هذه الآية: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما} وأول من يقبل يده جبريل (ع) ثم يبايعه وتبايعه الملائكة ونقباء الحق ثم النجباء ويصبح الناس بمكة فيقولون من هذا الذي بجانب الكعبة وما هذا الخلق الذي معه وما هذه الآية التي رأيناها بهذه الليلة ولم نر مثلها فيقول بعضهم لبعض انظروا هل تعرفون أحدا ممن معه فيقولون لا نعرف منهم إلا أربعة من أهل مكة وأربعة من أهل المدينة وهم فلان وفلان يعدونهم بأسمائهم ويكون ذلك اليوم أول طلوع الشمس بيضاء نقية فإذا طلعت وابيضت صاح صائح بالخلائق من عين الشمس‏ {بلسان عربي مبين}‏ يسمعه من في السماوات والأرض يا معاشر الخلائق هذا مهدي آل محمد ويسميه باسم جده رسول الله (ص) ويكنيه بكنيته وينسبه إلى أبيه الحسن الحادي عشر فاتبعوه تهتدوا ولا تخالفوه فتضلوا فأول من يلبي نداءه الملائكة ثم الجن ثم النقباء ويقولون‏ {سمعنا وأطعنا} ولم يبق ذو أذن إلا سمع ذلك النداء وتقبل الخلق من البدو والحضر والبر والبحر يحدث بعضهم بعضا ويفهم بعضهم بعضا ما سمعوه في نهارهم بذلك اليوم فإذا زالت الشمس للغروب صرخ صارخ من مغاربها يا معاشر الخلائق لقد ظهر ربكم من الوادي اليابس من أرض فلسطين وهو عثمان بن عنبسة الأموي من ولد يزيد بن معاوية لعنهم الله فاتبعوه تهتدوا ولا تخالفوه فتضلوا فترد عليه الجن والنقباء قوله ويكذبونه ويقولون‏ {سمعنا وعصينا} ولا يبقى ذو شك ولا مرتاب ولا منافق ولا كافر الأصل في النداء الثاني ويسند القائم ظهره إلى الكعبة ويقول معاشر الخلائق ألا من أراد أن ينظر إلى إبراهيم وإسماعيل فها أنا إبراهيم ومن أراد أن ينظر إلى موسى‏ ويوشع فها أنا موسى ومن أراد أن ينظر إلى عيسى وشمعون فها أنا عيسى ومن أراد أن ينظر إلى محمد (ص) وأمير المؤمنين آليا فها أنا محمد ومن أراد أن ينظر إلى الأئمة من ولد الحسين فها أنا هم واحدا بعد واحد فها أنا هم فلينظر إلي ويسألني فإني نبي بما نبؤوا به وما لم ينبؤوا ألا من كان يقرأ الصحف والكتب فليسمع إلي ثم يبتدء بالصحف التي أنزلها الله على آدم وشيث فيقرأها فتقول أمة آدم هذه والله الصحف حقا ولقد قرأ ما لم نكن نعلمه منها وما أخفي عنا وما كان أسقط وبدل وحرف ويقرأ صحف نوح وصحف إبراهيم والتوراة والإنجيل والزبور فتقول أمتهم هذه والله كما نزلت والتوراة الجامعة والزبور التام والإنجيل الكامل وإنها أضعاف ما قرأنا ثم يتلو القرآن فيقول المسلمون هذا والله القرآن حقا الذي أنزله الله على محمد فما أسقط ولا بدل ولا حرف ولعن الله من أسقطه وبدله وحرفه ثم تظهر الدابة بين الركن والمقام فتكتب في وجه المؤمن مؤمن وفي وجه الكافر كافر ثم يقبل على القائم رجل وجهه إلى قفاه وقفاه إلى صدره ويقف بين يديه فيقول أنا وأخي بشير أمرني ملك من الملائكة أن ألحق بك وأبشرك بهلاك السفياني بالبيداء فيقول له القائم بين قصتك وقصة أخيك نذير فيقول الرجل كنت وأخي نذير في جيش السفياني فخربنا الدنيا من دمشق إلى الزوراء وتركناهم حمما وخربنا الكوفة وخربنا المدينة وروثت أبغالنا في مسجد رسول الله وخرجنا منها نريد مكة وعددنا ثلاثمائة ألف رجل نريد مكة والمدينة وخراب البيت العتيق وقتل أهله فلما صرنا بالبيداء عرسنا بها فصاح صائح يا بيداء بيدي بالقوم الكافرين فانفجرت الأرض وابتلعت ذلك الجيش فو الله ما بقي على الأرض عقال ناقة ولا سواه غيري وأخي نذير فإذا بملك قد ضرب وجوهنا إلى وراء كما ترانا وقال لأخي ويلك يا نذير أنذر الملعون بدمشق بظهور مهدي آل محمد وإن الله قد أهلك جيشه بالبيداء وقال لي يا بشير الحق بالمهدي بمكة فبشره بهلاك السفياني وتب على يده فإنه يقبل توبتك فيمر القائم يده على وجهه فيرده سويا كما كان ويبايعه‏ ويسير معه. قال المفضل: يا سيدي وتظهر الملائكة والجن للناس قال إي والله يا مفضل ويخالطونهم كما يكون الرجل مع جماعته وأهله قلت يا سيدي ويسيرون معه قال إي والله ولينزلن أرض الهجرة ما بين الكوفة والنجف وعدد أصحابه ستة وأربعون ألفا من الملائكة وستة آلاف من الجن بهم ينصره الله ويفتح على يده. قال المفضل: يا سيدي فما يصنع بأهل مكة قال: يدعوهم بالحكم والموعظة الحسنة فيطيعونه ويستخلف فيهم من أهل بيته ويخرج يريد المدينة قال المفضل: يا سيدي فما يصنع بالبيت قال ينقضه ولا يدع منه إلا القواعد التي هي‏ {أول بيت وضع للناس}‏ ببكة في عهد آدم والذي رفعه إبراهيم وإسماعيل وإن الذي بنا بعدهم لا بناه نبي ولا وصي ثم يبنيه كما يشاء ويغير آثار الظلمة بمكة والمدينة والعراق وسائر الأقاليم وليهدمن مسجد الكوفة ويبنيه على بنائه الأول وليهدمن القصر العتيق ملعون من بناه. قال المفضل: يا سيدي يقيم بمكة قال لا بل يستخلف فيها رجلا من أهله فإذا سار منها وثبوا عليه وقتلوه فيرجع إليهم فيأتوا {مهطعين مقنعي رؤسهم}‏ يبكون ويتضرعون ويقولون يا مهدي آل محمد التوبة فيعظهم وينذرهم ويحذرهم ثم يستخلف فيهم خليفة ويسير عنهم فيثبون عليه بعده ويقتلونه فيرجع إليهم فيخرجون إليه مجززين النواصي ويضجون ويبكون ويقولون يا مهدي آل محمد {غلبت علينا شقوتنا} فاقبل منا توبتنا يا أهل بيت الرحمة فيعظهم ويحذرهم ويستخلف فيهم خليفة ويسير فيثبون عليه بعده ويقتلونه فيرد إليهم أنصاره من الجن والنقباء فيقول ارجعوا إليهم لا تبقوا منهم أحدا إلا من وسم وجهه بالإيمان فلو لا رحمة الله‏ {وسعت كل شي‏ء} وأنا تلك الرحمة لرجعت اليهم معكم فقد قطعوا الإعذار والإنذار بين الله وبيني وبينهم فيرجعون إليهم فو الله لا يسلم من المائة منهم واحد والله ولا من الألف واحد. قال المفضل: قلت يا سيدي فأين يكون دار المهدي ومجمع المؤمنين قال يكون ملكه بالكوفة ومجلس حكمه جامعها وبيت ماله، مقسم غنائم المسلمين مسجد السهلة وموضع خلوته الذكوات البيض من الغريين. قال المفضل: وتكون المؤمنون بالكوفة قال إي والله يا مفضل لا يبقى مؤمن إلا كان فيها وجرى إليها وليبلغن مربط مجال فرس ألف درهم والله ومربط شاة ألف درهم والله وليودن كثير من الناس أنهم يشترون شبرا من أرض السبيع بواحد ذهب والسبيع خطة من خطط همدان ولتصيرن الكوفة أربعة وخمسين ميلا ولتخافن قصورها كربلا ولتصيرن كربلا معقلا ومقاما تعكف فيه الملائكة والمنون وليكونن شأن عظيم ويكون فيها البركات ما لو وقف فيها مؤمن ودعا ربه بدعوة واحدة لأعطاه مثل ملك الدنيا ألف مرة ثم تنفس أبو عبد الله وقال: يا مفضل إن بقاع الأرض تفاخرت ففخرت كعبة البيت الحرام على البقعة بكربلاء فأوحى الله اسكتي يا كعبة البيت الحرام فلا تفخري عليها فإنها البقعة المباركة التي نودي موسى منها من الشجرة وإنها الربوة التي أوت إليها مريم والمسيح وإنها الدالية التي غسل فيها رأس الحسين وفيها غسلت مريم لعيسى واغتسلت من ولادتها وإنها آخر بقعة يخرج الرسول منها في وقت غيبته وليكونن لشيعتنا فيها حياة لظهور قائمنا. قال المفضل: يا سيدي إلى أين يسير المهدي قال إلى مدينة جده رسول الله (ص) فإذا وردها كان له فيها مقام عجيب يظهر سرور المؤمنين وحزن الكافرين. قال المفضل: يا سيدي ما هو ذلك قال يرد قبر جده رسول الله (ص) ويقول يا معاشر الخلائق هذا قبر جدي رسول الله (ص) فيقولون نعم يا مهدي آل محمد فيقول من معه في القبر فيقولون ضجيعاه وصاحباه أبو بكر وعمر فيقول وهو أعلم بهم من الخلق جميعا ومن أبو بكر وعمر وكيف دفنا من دون كل الخلق مع جدي رسول الله فعسى المدفون غيرهما فيقولون يا مهدي آل محمد ما هاهنا غيرهما وإنما دفنا لأنهما خليفتاه وأبوا زوجتيه فيقول للخلق بعد ثلاثة أيام أخرجوهما فيخرجا غضين طريين لم تتغير خلقتهما ولم تشحب ألوانهما فيقول هل فيكم رجل يعرفهما فيقولون نعرفهما بالصفة ونشبههم لأن ليس هنا غيرهم فيقول هل فيكم أحد يقول غير هذا ويشك فيهما فيقولون لا فيؤخر إخراجهما ثلاثة أيام ثم ينتشر الخبر في الناس فيفتتن من والاهما بذلك الحديث ويجتمع الناس ويحضر المهدي ويكشف الجدار عن القبرين ويقول للنقباء ابحثوا عنهما وانبشوهما فيبحثون بأيديهم إلى أن يصلوا إليهما فيخرجاهما قال كهيئتهما في الدنيا فتكشف عنهما أكفانهما ويأمر برفعهما على دوحة يابسة ناخرة ويصلبان عليها فتحيى الشجرة وتنبع وتورق ويطول فرعها فيقول المرتابون من أهل شيعتهما هذا والله الشرف العظيم الباذخ حقا ولقد فزنا بمحبتهما ويخسر من أخفى في نفسه مقياس حبة من محبتهما فيحضرونهما ويرونهما ويفتتنون بهما وينادي منادي المهدي كل من أحب صاحبي رسول الله (ص) وضجيعيه فلينفرد فيجتاز الخلق حزبين موال لهما ومتبرئ منهما فيعرض المهدي عليهم البراءة منهما فيقولون يا مهدي آل محمد نحن لا نتبرأ منهما ولم نعلم أن لهما عند الله وعندك هذه المنزلة وهذا الذي قد بدا لنا من فضلهما نتبرأ الساعة منهما وقد رأينا منهما ما رأينا في هذا الوقت من طراوتهما وغضاضتهما وحياة هذه الشجرة بهما بلى والله نتبرأ منك لنبشك لهما وصلبك إياهما فيأمر ريحا سوداء فتهب عليهم فتجعلهم كأعجاز نخل خاوية ثم يأمر بإنزالهما فينزلان إليه فيحييان ويأمر الخلائق بالاجتماع ثم يقص عليهم قصص أفعالهما في كل كور ودور حتى يقص‏ عليهم قتل هابيل بن آدم وجمع النار لإبراهيم وطرح يوسف في الجب وحبس يونس ببطن الحوت وقتل يحيى وصلب عيسى وحرق جرجيس ودانيال وضرب سلمان الفارسي وإشعال النار على باب أمير المؤمنين وسم الحسن وضرب الصديقة فاطمة بسوط قنفذ ورفسه في بطنها وإسقاطها محسنا وقتل الحسين وذبح أطفاله وبني عمه وأنصاره وسبي ذراري رسول الله (ص) وإهراق دماء آل الرسول ودم كل مؤمن ومؤمنة ونكاح كل فرج حرام وأكل كل سحت وفاحشة وإثم وظلم وجور من عهد آدم إلى وقت قائمنا، كله يعده عليهم ويلزمهم إياه فيعترفان به ثم يأمر بهما فيقتص منهما في ذلك الوقت بمظالم من حضر ثم يصلبهما على الشجرة ويأمر نارا تخرج من الأرض تحرقهما ثم يأمر ريحا تنسفهما {في اليم نسفا} قال المفضل: يا سيدي وذلك هو آخر عذابهم قال هيهات يا مفضل والله ليردان ويحضر السيد محمد الأكبر رسول الله والصديق الأعظم أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمة إمام بعد إمام وكل من محض الإيمان محضا ومحض الكفر محضا وليقتصن منهم بجميع المظالم حتى إنهما ليقتلان كل يوم ألف قتلة ويردان إلى ما شاء الله من عذابهما ثم يسير المهدي إلى الكوفة وينزل ما بينها وبين النجف وعدد أصحابه في ذلك اليوم ستة وأربعون ألفا من الملائكة وستة آلاف من الجن والنقباء ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا. قال المفضل: يا سيدي كيف تكون دار الفاسقين الزوراء في ذلك اليوم والوقت قال: في لعنة الله وسخطه وبطشه تحرقهم الفتن وتتركهم حمما الويل لها ولمن بها كل الويل من الرايات الصفر ومن رايات الغرب ومن كلب الجزيرة ومن الراية التي تسير إليها من كل قريب وبعيد والله لينزلن فيها من صنوف العذاب ما لا عين رأت ولا أذن سمعت بمثله ولا يكون طوفان أهلها إلا السيف، الويل عند ذلك كل الويل لمن اتخذها مسكنا فإن المقيم بها لشقائه والخارج منها يرحمه الله والله يا مفضل ليتنافس أمرها في الدنيا يعني الكوفة حتى يقال إنها هي الدنيا وإن دورها وقصورها هي الجنة وإن نساءها هي الحور العين وإن ولدانها الولدان وليظن الناس أن الله لم يقسم رزق العباد إلا بها ولتظهر بغداد الزور والافتراء على الله ورسوله والحكم بغير كتاب وشهادة الزور وشرب الخمر وركوب الفسق والفجور وأكل السحت وسفك الدماء ما لم يكن في الدنيا إلا دونه ثم يخربها الله بتلك الفتن والرايات حتى ليمر عليها المار فيقول هاهنا كانت الزوراء. قال المفضل: ثم ما ذا يا سيدي قال: ثم يخرج الحسني الفتى الصبيح من نحو الديلم يصيح بصوت فصيح يا آل أحمد أجيبوا الملهوف والمنادي من حول الضريح فتجيبه كنوز الله بالطاقات كنوزا وأي كنوز ليست من فضة ولا من ذهب بل هي رجال كزبر الحديد كأني أنظر إليهم على البراذين الشهب في أيديهم الحراب يتعاوون شوقا للحرب كما تتعاوى الذئاب أميرهم رجل من تميم يقال له شعيب بن صالح فيقبل الحسني إليهم وجهه كدارة البدر يريع الناس جمالا أنيقا فيعفي على أثر الظلمة فيأخذ بسيفه الكبير والصغير والعظيم والرضيع ثم يسير بتلك الرايات كلها حتى يرد الكوفة وقد صفا أكثر الأرض فيجعلها معقلا ويتصل به وبأصحابه خبر المهدي (ع) فيقولون يا ابن رسول الله من هذا الذي نزل بساحتنا فيقول اخرجوا بنا إليه حتى ننظره من هو وما يريد والله ويعلم أنه المهدي وأنه يعرفه وأنه لم يرد بذلك الأمر إلا له فيخرج الحسني في أمر عظيم بين يديه أربعة آلاف رجل وفي أعناقهم المصاحف وعلى ظهورهم المسوح الشعر يقال لهم الزيدية فيقبل الحسني حتى ينزل بالقرب من المهدي ثم يقول الرجل لأصحابه اسألوا عن هذا الرجل من هو وما يريد فيخرج بعض أصحاب الحسني إلى عسكر المهدي ويقول يا أيها العسكر الجميل من أنتم حياكم الله ومن صاحبكم هذا وما تريدون فيقول له أصحاب المهدي هذا ولي الله مهدي آل محمد ونحن أنصاره من الملائكة والإنس والجن فيقول أصحاب الحسني يا سيدنا ما تسمع ما يقول هؤلاء في صاحبهم‏ فيقول الحسني خلوا بيني وبين القوم فأنا هل أتيت على هذا حتى أنظر وينظروا فيخرج الحسني من عسكره ويخرج المهدي (ع) ويقفان بين العسكرين فيقول له الحسني إن كنت مهدي آل محمد فأين هراوة جدك رسول الله (ص) وخاتمه وبردته ودرعه الفاضل وعمامته السحاب وفرسه البرقوع وناقته العضباء وبغلته الدلدل وحماره اليعفور ونجيبه البراق وتاجه السني والمصحف الذي جمعه أمير المؤمنين (ع) بغير تبديل ولا تغيير. قال المفضل: يا سيدي فهذا كله في السفط قال: يا مفضل وتركات جميع النبيين حتى عصاة آدم وآلة نوح وتركة هود وصالح ومجمع إبراهيم وصاع يوسف ومكائيل شعيب وميراثه وعصا موسى وتابوت الذي فيه‏ {بقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة} ودرع داود وعصاته وخاتم سليمان وتاجه وإنجيل عيسى وميراث النبيين والمرسلين في ذلك السفط فيقول الحسني هذا بعض ما قد رأيت وأنا أسألك أن تغرس هراوة جدك رسول الله (ص) في هذا الحجر الصفا وتسأل الله أن ينبتها فيها وهو لا يريد بذلك إلا أن يري أصحابه فضل المهدي إليه التسليم حتى يطيعوه ويبايعوه فيأخذ المهدي الهراوة بيده ويغرسها في الحجر فتنبت فيه وتعلو وتفرغ [تفرع‏] وتورق حتى تظل عسكر المهدي والحسني فيقول الحسني الله أكبر مد يدك يا ابن رسول الله حتى أبايعك فيمد يده فيبايعه ويبايعه سائر عسكر الحسني إلا الأربعة آلاف أصحاب المصاحف والمسوح الشعر المعروفين بالزيدية فيقولون ما هذا إلا سحر عظيم فتختلط العسكران ويقبل المهدي على الطائفة المنحرفة فيعظهم ويدعيهم [يدعوهم‏] ثلاثة أيام فلم يزدادوا إلا طغيانا وكفرا فيأمر بقتلهم كأني أنظر إليهم وقد ذبحوا على مصاحفهم وتمرغوا بدمائهم فيقبل بعض أصحاب المهدي لأخذ تلك المصاحف فيقول لهم المهدي دعوها تكن عليهم حسرة كما بدلوها وغيروها ولم يعملوا بما فيها. قال المفضل ثم ما ذا يا سيدي قال: ثم تثور رجاله إلى سرايا السفياني بدمشق فيأخذونه ويذبحونه على الصخرة ثم يظهر الحسين (ع) في اثني عشر ألف صديق واثنين وسبعين رجاله بكربلاء فيا لك عندها من كرة زهراء ورجعة بيضاء ثم يخرج الصديق الأكبر أمير المؤمنين إليه التسليم وتنصب له القبة على النجف وتقام أركانها ركن بهجر وركن بصنعاء اليمن وركن بطيبة وهي مدينة النبي (ص) فكأني أنظر إليها ومصابيحها تشرق بالسماء والأرض أضوى من الشمس والقمر فعندها {تبلى السرائر وتذهل كل مرضعة عما أرضعت}‏ إلى آخر الآية ثم يظهر الصديق الأكبر الأجل السيد محمد (ص) في أنصاره إليه ومن آمن به وصدق واستشهد معه ويحضر مكذبوه والشاكون فيه أنه ساحر وكاهن ومجنون ومعلم وشاعر وناعق عن هذا ومن حاربه وقاتله حتى يقتص منهم بالحق ويجاوزوا [يجازوا] بأفعالهم من وقت رسول الله (ص) إلى ظهور المهدي مع إمام إمام ووقت وقت ويحق تأويل هذه الآية: {و نمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان}‏ قال ضلال ووبال لعنهما الله فينبشا ويحييا. قال المفضل قلت يا سيدي فرسول الله أين يكون؟ وأمير المؤمنين؟ قال: إن رسول الله وأمير المؤمنين لا بد أن يطئا الأرض والله حتى يورثاها إي والله ما في الظلمات ولا في قعر البحار حتى لا يبقى موضع قدم إلا وطئاه وأقاما فيه الدين الواصب والله فكأني أنظر إلينا يا مفضل معاشر الأئمة ونحن بين يدي جدنا رسول الله (ص) نشكوا إليه ما نزل بنا من الأمة بعده وما نالنا من التكذيب والرد علينا وسبنا ولعننا وتخويفنا بالقتل وقصد طواغيتهم الولاة لأمورهم إيانا من دون الأمة وترحيلنا عن حرمه إلى ديار ملكهم وقتلهم إيانا بالحبس وبالسم وبالكيد العظيم فيبكي رسول الله (ص) ويقول يا بني ما نزل بكم إلا ما نزل بجدكم قبلكم ولو علمت طواغيتهم وولاتهم أن الحق والهدى والإيمان‏ والوصية والإمامة في غيركم لطلبوه. ثم تبتدئ فاطمة (ع) بشكوى ما نالها من أبي بكر وعمر من أخذ فدك منها ومشيها إليهم في مجمع الأنصار والمهاجرين وخطابها إلى أبي بكر في أمر فدك وما رد عليها من قوله إن الأنبياء لا وارث لهم واحتجاجها عليه بقول الله عز وجل بقصة زكريا ويحيى: {فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا} وقوله بقصة داود وسليمان: {وورث سليمان داود} وقول عمر لها هاتي صحيفتك التي ذكرت أن أباك كتبها لك على فدك وإخراجها الصحيفة وأخذ عمر إياها منها ونشره لها على رؤوس الأشهاد من قريش والمهاجرين والأنصار وسائر العرب وتفله فيها وعركه لها وتمزيقه إياها وبكاءها ورجوعها إلى قبر أبيها (ص) باكية تمشي على رمضاء وقد أقلقتها واستغاثتها بأبيها وتمثلها بقول رقية بنت صفية:

قد كان بعدك أنباء وهينمة .. لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب‏

إنا فقدناك فقد الأرض وابلها ... واختل أهلك واختلت بها الريب‏

أبدى رجال لنا ما في صدورهم ... لما نأيت وحالت دونك الحجب‏

لكل قوم لهم قربى ومنزلة ... عند الإله عن الأدنين مقترب‏

يا ليت بعدك كان الموت حل بنا ... أملوا أناس ففازوا بالذي طلبوا

و تقص عليه قصة أبي بكر وإنفاذ خالد بن الوليد وقنفذ وعمر جميعا لإخراج أمير المؤمنين (ع) من بيته إلى البيعة في سقيفة بني ساعدة واشتغال أمير المؤمنين وضم أزواج رسول الله وتعزيتهن وجمع القرآن وتأليفه وإنجاز عداته وهي ثمانون ألف درهم باع فيها تالده وطارفه وقضاها عنه وقول عمر له اخرج يا علي إلى ما أجمع عليه المسلمون من البيعة لأمر أبي بكر فما لك أن تخرج عما اجتمعنا عليه فإن لم تفعل قتلناك وقول فضة جارية فاطمة (ع) إن أمير المؤمنين عنكم مشغول والحق له لو أنصفتموه واتقيتم الله ورسوله وسب عمر لها وجمع الحطب الجزل على النار لإحراق أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وزينب ورقية وأم كلثوم وفضة وإضرامهم النار على الباب وخروج فاطمة (ع) وخطابها لهم من وراء الباب وقولها ويحك يا عمر ما هذه الجرأة على الله ورسوله تريد أن تقطع نسله من الدنيا وتفنيه وتطفئ نور الله‏ والله متم نوره‏ وانتهاره لها وقوله كفي يا فاطمة فلو أن محمدا حاضر والملائكة تأتيه بالأمر والنهي والوحي من الله وما علي إلا كأحد المسلمين فاختاري إن شئت خروجه إلى بيعة أبي بكر وإلا أحرقكم بالنار جميعا وقولها له يا شقي عدي هذا رسول الله لم يبل له جبين في قبره ولا مس الثرى أكفانه ثم قالت وهي باكية اللهم إليك نشكو فقد نبيك ورسولك وصفيك وارتداد أمته ومنعهم إيانا حقنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيك بلسانه وانتهار عمر لها وخالد بن الوليد وقولهم دعي عنك يا فاطمة حماقة النساء فكم يجمع الله لكم النبوة والرسالة [الخلافة] وأخذ النار في خشب الباب وأدخل قنفذ لعنه الله يده يروم فتح الباب وضرب عمر لها بسوط أبي بكر على عضدها حتى صار كالدملج الأسود المحترق وأنينها من ذلك وبكاها وركل عمر الباب برجله حتى أصاب بطنها وهي حاملة بمحسن لستة أشهر وإسقاطها وصرختها عند رجوع الباب وهجوم عمر وقنفذ وخالد وصفقة عمر على خدها حتى أبرى قرطها تحت خمارها فانتثر وهي تجهر بالبكاء تقول يا أبتاه يا رسول الله ابنتك فاطمة تضرب ويقتل جنين في بطنها وتصفق يا أبتاه ويسقف خد لما لها كنت تصونه من ضيم الهوان يصل إليه من فوق الخمار وضربها بيدها على الخمار لتكشفه ورفعها ناصيتها إلى السماء تدعو إلى الله وخروج أمير المؤمنين من داخل البيت محمر العينين دائر الحدقتين حاسرا حتى ألقى ملاءته عليها وضمها لصدره وقال يا ابنة رسول الله قد علمتي أن الله بعث أباكي رحمة للعالمين فالله الله أن تكشفي أو ترفعي ناصيتك فو الله يا فاطمة لئن فعلتي ذلك لا يبقي الله على الأرض من يشهد أن محمدا رسول الله ولا موسى ولا عيسى ولا إبراهيم ولا نوح [نوحا] ولا آدم ولا دابة تمشي على وجه الأرض ولا طائرا يطير في السماء إلا هلك ثم قال إلى ابن الخطاب لك الويل كل الويل بالكيل من يومك هذا وما بعده وما يليه اخرج قبل أن أخرج سيفي ذا الفقار فأفني غابر الأمة فخرج عمر وخالد بن الوليد وقنفذ وعبد الرحمن بن أبي بكر وصاروا من خارج الدار فصاح أمير المؤمنين بفضة إليكي مولاتك فاقبلي منها ما يقبل النساء وقد جاءها المخاض من الرفسة ورده [رد] الباب فسقطت [فأسقطت‏] محسنا عليه قتيلا وعرفت أمير المؤمنين إليه التسليم فقال لها: يا فضة لقد عرفه رسول الله (ص) وعرفني وعرف فاطمة وعرف الحسن وعرف الحسين اليوم بهذا الفعل ونحن في نور الأظلة أنوار عن يمين العرش فواريه بقعر البيت فإنه لاحق بجده رسول الله (ص) وتشكو حمل أمير المؤمنين لها في سواد الليل والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم إلى دور المهاجرين والأنصار يذكره بالله ورسوله وعهده الذي بايعوا الله ورسوله عليه في أربع مواطن في حياة رسول الله (ص) وتسليمهم عليه بإمرة المؤمنين جميعهم فكل يعده النصرة ليومه المقبل فلما أصبح قعد جمعهم عنده ثم يشكو إليه أمير المؤمنين المحن السبعة التي امتحن بها بعده ونقض المهاجرين والأنصار قولهم لما تنازعت قريش في الإمامة والخلافة قد منع لصاحب هذا الأمر حقه فإذا منع فنحن أولى به من قريش الذين قتلوا رسول الله (ص) وكبسوه في فراشه حتى خرج منهم هاربا إلى الغار إلى المدينة فآويناه ونصرناه وهاجرنا إليه فقالت الأنصار حتى قال من الحزبين منا أمير ومنكم أمير فأقام عمر أربعين شاهدا قسامة شهدوا على رسول الله زورا وبهتانا أن رسول الله (ص) قال الأئمة من قريش فأطيعوهم ما أطاعوا الله فإن عصوا فالحوهم لحي هذا القضيب ورمي القضيب من يده فكانت أول قسامة زور شهدت في الإسلام على رسول الله (ص) وإن رقبوا الأمر إلى أبي بكر وجاءوا يدعوني إلى بيعته فامتنعت إذ لا ناصر لي وقد علم الله ورسوله أن لو نصرني سبعة من سائر المسلمين لما وسعني القعود فوثبوا علي وفعلوا بابنتك يا رسول الله ما شكيته إليك وأنت أعلم به ثم جاؤوا بي فأخرجوني من داري مكرها وثلبوني وكان من قصتي فيهم مثل قصة هارون مع بني إسرائيل وقولي كقوله لموسى‏ {ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين}‏ وقوله‏ {يا بن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي}‏ فصبرت محتسبا راضيا وكانت الحجة عليهم في خلافي ونقض عهدي الذي عاهدتهم عليه يا رسول الله واحتملت ما لم يحتمل وصي من نبي من سائر الأنبياء والأوصياء في الأمم حتى قتلوني بضربة عبد الرحمن بن ملجم وكان الله الرقيب عليهم في نقضهم بيعتي وخروج طلحة والزبير بعائشة إلى مكة يظهران الحج والعمرة وسيرهم بها ناقضين لبيعتي إلى البصرة وخروجي إليهم وتخويفي إياهم بما جئت به يا رسول الله من كتاب الله ومقامهم على حربي وقتالي وصبري عليهم وإعذاري وإنذاري وهم يأبون إلا السيف فحاكمتهم إلى الله بعد أن ألزمتهم الحجة فنصرني الله عليهم بعد أن قتل أكابر المهاجرين والأنصار والتابعين بالإحسان وهرقت دماء عشرين ألف [ألفا] من المسلمين وقطعت سبعون كفا على زمام الجمل من سبعين رئيسا كلما قطعت كف قبض عليه آخر ثم لقيت من ابن هند معاوية بن صخر أدهى وأمر مما لقيت في غزواتك يا رسول الله بعدك من أصحاب الجمل على أن حرب الجمل كان أشنع الحرب التي لقيتها وأهولها وأعظمها فسرت من دار هجرتي الكوفة إلى حرب معاوية ومعي سبعمائة من أنصارك يا رسول الله وأربعة من دونه في ديوانك ولها ستين [ستون‏] ألف رجل من أهل العراقين الكوفة والبصرة وأخلاط الناس فكان بعون الله وعلمك يا رسول الله جهادي بهم وصبري عليهم حتى إذا وهنوا وتنازعوا وتفاشلوا مكر بأصحابي ابن هند وشانئك الأبتر عمرو ورفع المصاحف على الأسنة ونادى يا إخواننا من الإسلام ندعوكم إلى كتاب الله وإلى الحكومة ونصون دماءنا ودماءكم وأصغى أهل الشبهات والشكوك والظنون ومن في قلبه مرض من أصحابي إلى ذلك وقالوا بأجمعهم لا يحل لنا قتال من دعانا إلى كتاب الله وقلت لهم ما قد علمته وأنت يا رسول الله علمتني إياه من علم الله أن القوم لم يرفعوا المصاحف إلا عند رهبهم وظهورنا عليهم فأبى المنافقون من أصحابي إلا الكف عنهم وترك قتالهم فوعظتهم وحرضتهم وحفظتهم وبينت لهم أمرهم وأنها حيلة عليهم فرموا أسلحتهم واجتمعوا أصحاب معاوية في زهاء عشرين ألفا وقالوا لي كلمة رجل واحد: دعنا نحاكم القوم إلى كتاب الله فقلت لهم على أنني أحكم به منكم ومن معاوية فقال معاوية: لا يحكم علي ولا أحكم به فإنه لا يرضى ولا أرضى ولا يسلم إلي ولا أسلم إليه فقلت إلى ابني الحسن الصر لا شككت في نفسي وفضلت ابني علي فقالوا لي: ابنك أنت وأنت ابنك فقلت عبد الله بن العباس فقالوا: لا يحكم بيننا مضري واختاروا علي ولي الاختيار عليهم وتحكموا وأنا الحاكم وقالوا إن لم ترض نحكم من نشاء أخذنا الذي فيه عيناك ثم اختاروا أن يحكموا يكتبوا إلى عبد الله بن قيس الأشعري وهو منعزل عنا فسيروه وقدموه وتركوا معاوية قد حكم عمرا ورضوا هم بعبد الله بن قيس الأشعري وحكموا بما أرادوا ووصفوا عبد الله بن قيس بالفضل والجبلة عباء عن مكر عمرو ما كانت إلا مواطأة وخدعة أظهرها عمرو [و] عبد الله فزعموا أن عبد الله عزلني وأن عمرا أثبت معاوية وألزموني عند قعود جمعهم عني واجتماعهم وأهل الشام وإن كتبت بيني وبين معاوية إلى أجل معلوم وانكفأت معصيا غير مطاع إلى الكوفة أظهر لعني معاوية على منابر الشام وسائر أعماله ولعنت أنا وابناك يا رسول الله الحسن والحسين وعبد الله بن العباس وعمار بن ياسر ومالك الأشتر شهد أيام بني أمية كلهم على المنابر وفي جوامع الصلاة ومساجدها وفي الأسواق وعلى الطرق والمسالك جهرا لا سرا وخرج علي المارقون من أصحابي المطالبون لي بالتحكيم يوم المصاحف فقالوا: قد غيرت وكفرت وبدلت وخالفت الله في تركنا ورأينا وإجابتك لنا إلى أن حكمنا عليك الرجال فكان لي ولهم بحروراء موقف دفعت لهم فيه عن قتالهم وأنظرتهم حولا كاملا ثم خرجت بعد انقضاء الهدنة أريد معاوية بمن أطاعني من المسلمين فخرج أصحابي‏ المارقون علي بالنهروان فلقوا رجلا من صلحاء المسلمين وعبادهم ومن قاتل معي يوم الجمل وصفين يقال له عبد الله بن خباب وذبحوه وزوجته وطفلا له على دم خنزير وقالوا ما ذبحنا هؤلاء وهذا الخنزير إلا واحد وهذا فعلنا بعلي وسائر أصحابه حتى يقر أنه قد كفر وغير وبدل ثم يتوب ونقبل توبته فعدلت إليهم وخاطبتهم بالنهروان فاحتجوا علي واحتججت عليهم فكان احتجاجهم باطلا وكان احتجاجي حقا. قال الصادق (ع) للمفضل، قال: يقول أمير المؤمنين (ع) والله يا رسول الله ما رضوا بتكذيبي ونقض بيعتي والخلاف علي وقتالي واستحلال دمي ولعني قروا فإني أمرت الأمة بما أمرتني به من تربيع الأظافير ونهيتهم عن تدويرها فذكروا أني إنما ربعتها لأني أتسلق على مشارب أزواجك يا رسول الله فآتي منهن الفاحشة وكنت أبيع الخمر بعهدك وبعدك وكنت أغل الفي‏ء في جميع غزواتك وأستبد به دونك ودون المسلمين ولم يبقوا عضيهة ولا شبهة ولا فاحشة إلا نسبوها إلي وزعموا أني لو استحقيت الخلافة لما قدمت علي في حياتك أبا بكر في الصلاة ولقد علمت يا رسول الله أن عائشة أمرت بلالا وأنت في وعك مرضك وقد نادى بلال في الصلاة فأسرعت كاذبة عليك يا رسول الله فقالت إن رسول الله يأمرك أن تقدم أبا بكر فراجع بذلك بلال وكل يقول له مثل قولها فرجع بلال إلى المسجد فقال إن مخبرا أخبرني عن رسول الله (ص) أنه أمر بتقديمك يا أبا بكر في الصلاة ورجعت عائشة من الباب نكرت وقلت لها يا رسول الله، ويلك يا حميراء ما الذي جنيت أمرت عني بتقديم أبيك في الصلاة فقالت قد كان بعض ذلك يا رسول الله فقمت ويدك اليمنى علي واليسرى على الفضل بن العباس معجلا لا تستقر قدماك على الأرض حتى دخلت المسجد ولحقت أبا بكر قد قام مقامك في الصلاة فأخرجته وصليت بالناس فوالله لقد تكلم المنافقون بفضل أبي بكر حتى تقدم للصلاة بعهدك يا رسول الله فاحتججت عليهم لما أظهروا ذلك بعد وفاتك فلم أدع لهم فيها اعتلالا ولا مذهبا ولا حجة ينقلون بها وثنيت وقلت: إن زعمتم أن رسول الله (ص) من تقديم أبي بكر في الصلاة لأنه أفضل الأمة عنده فلما خرجه عن فضل ندبه إليه وإن زعمتم أن رسول الله أمر بذلك وهو مثقل عن النهضة فلما وجد الحق فسارع فلم يسعه القعود فالحجة عليك في إسقاط أبي بكر وإن زعمتم أن رسول الله (ص) أوقفه عن يمينه دون الصفوف فقد كان رسول الله (ص) وأبو بكر إمام المسلمين في تلك الصلاة فهذا لا يكون وإن زعمتم أنه أوقفه عن شماله فقد كان أبو بكر إمام رسول الله لأن الإمام إذا صلى برجل واحد فمقامه عن يمينه لا عن شماله وإن زعمتم أنه أوقفه بينه وبين الصف الأول فقد كان رسول الله إمام أبي بكر وأبو بكر إمام المسلمين وهذا الأمر لا يكون ولا يقوم رجل واحد في الصلاة إلا إمام الصلاة وإن زعمتم أنه أقامه في الصف الأول فما فضله على جميع الصف الأول وإن زعمتم أن رسول الله أقامه في الصف الأول مسمعا فيه التكبير في الصلاة لأنه كان في حال ضيقه من العلة لا يسمع سائر من في المسجد فقد كفرتم أبا بكر وحبطتم عمله لأن الله عز وجل يقول‏ يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون‏ والله ما ذاك يا رسول الله إلا أنني لم أجد ناصرا من المسلمين على نصرة دين الله ولقد دعوتهم كما أخبرتكم الموفقة فاطمة أننى حملتها وذريتها إلى دور المهاجرين والأنصار أذكرهم بأيام الله وما أخذته عليهم يا رسول الله بأمر الله من العهد والميثاق لي في أربعة مواطن وتسليمهم علي بإمرة المؤمنين بعهدك فيعدوني النصرة ليلا ويقعدون عني نهارا حتى إذا جاءني ثقات‏ أصحابك باكين استنهضوني ويقولون على أنهم أنصاري على إظهار دين الله امتحنتهم بحلق رؤوسهم وإشهار سيوفهم على عواتقهم ومسيرهم إلى باب داري فتأخر جمعهم عني فما صح لي منهم إلا ثلاث نفر وآخر لم يتم حلق رأسه ولا أشهر سيفه وهم والله أحبابك وأنجابك وأصحابك وهم سلمان والمقداد وأبو ذر وعمار الذي لم يتم حلق رأسه ولا أشهر سيفه ولأخرجت مكرها إلى سقيفة بني ساعدة أقاد إليها كما تقاد صعبة الإبل فلم أر لي ولا ناصرا إلا الزبير بن العوام فإنه شهر سيفه في أوساطهم وعض على نواجذه وقال والله لا غمدته أو تقطع يدي اما ترضون أن غصبتم عليا حقه ونقضتم عهده وعهد الله ومبايعتكم له حتى جئتم به يبايعكم فوثب عمر وخالد وتمام أربعين رجلا كلا يجتهد في أخذ السيف من يده وطرحوه إلى الأرض صريعا وأخذوا السيف من يده فلما انتهوا بي إلى عتيق وردت على مورد لم يسعني معه السكوت بعد أن كظمت غيظي وحفظت نفسي وربطت جأشي وقلت للناس جميعا إنما أنا فريضة فرضها الله طاعتي ورسوله (ص) على الأمة فإذا نقضوا عهد الله ورسوله وخالفتني الأمة لم يكن علي أن أدعوهم إلى طاعتي ثانية وما لي فيهم ناصر ولا معين وصبرت كما أدبني الله بما أدبك يا رسول الله في قوله جل من قائل‏ {فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل}‏ الآية وقوله: {واصبر وما صبرك إلا بالله}‏ وحق يا رسول الله تأويل هذه الآية التي أنزلها في الأمة من بعدك في قوله عز من قائل: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل افإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين}‏ قال المفضل: يا سيدي فما تأويل هذه الآية: {أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم}‏ فإن كثيرا من الناس يقولون إن الله لا يعلم بموت عبد ولا بقتل وبعضهم يقول: افإن مات محمد أو قتل بما يموت به العالم على ثبت. قال الصادق (ع): لو ردوا ما لا يعلمونه إلينا ولم يفتروا فيه الكذب ولم يتأولوه من عند أنفسهم لبينا لهم الحق فيه يا مفضل إن الله عالم لا بعلم وإنما تأويل الآية إن مات أو قتل بما يموت به العالم فإنهما ميتتان لا ثالثة لهما الموت بلا قتل والقتل بالسيف وبما يقتل به من سائر الأشياء أما ترى أن الأمة ارتدت ونقضت وغيرت وبدلت بين موت رسول الله (ص) وقتل أمير المؤمنين (ع) ثم جرى الآخرون كما جرى الأولون. قال الصادق (ع): قال ويقوم الحسن إلى جده رسول الله (ص) ويقول يا جداه كنت مع أمير المؤمنين بالكوفة في دار هجرته حتى استشهد بضربة عبد الرحمن بن ملجم فوصاني بما وصيته به يا جداه وبلغ معاوية قتل أبي فأنفذ الدعي عبيد الله بن زياد إلى الكوفة في مائة وخمسين ألف مقاتل وأمره بالقبض علي وعلى أخي الحسين وسائر إخوتي وأهل بيتي وشيعتي وموالينا وأن يأخذ علينا جميعا البيعة لمعاوية فمن تأبى منا ضرب عنقه ويسير إلى معاوية رأسه فلما علمت ذلك من فعل معاوية خرجت من داري ودخلت جامع الصلاة ورقيت المنبر واجتمع الناس حتى لم يبق موضع قدم في المسجد وتكاتفوا حتى ركب بعضهم بعضا فحمدت الله وأثنيت عليه، وقلت معاشر الناس عفت الديار ومحيت الآثار وقل الاصطبار فلا إقرار على همزات الشياطين والخائنين الساعة وضحت البراهين وتفصلت الآيات وبانت المشكلات ولقد كنا نتوقع إتمام هذه الآية بتأويلها {و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل افإن مات أو قتل انقلبتم}‏ إلى‏ آخر الآية فقد مات والله جدي رسول الله وأبي (ع) وصاح الوسواس الخناس ودخل الشك في قلوب الناس ونعق ناعق الفتنة وخالفتهم السنة فيا لها من فتنة صماء بكماء عمياء لا يسمع لداعيها ولا يجاب مناديها ولا يخالف واليها ظهرت ظلمة النفاق وسيرت آيات أهل الشقاق وتكاملت جيوش أهل العراق المراق بين الشام والعراق هلموا رحمكم الله إلى الإصباح والنور الوضاح والعالم الجحجاح إلى النور الذي لا يطفى والحق الذي لا يخفى يا أيها الناس تيقظوا من رقدة الغفلة ومن برهة الوسنة وتكاثف الظلمة ومن نقصان الهمة فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة وتردى بالعظمة لئن قام لي منكم عصبة بقلوب صافية ونيات مخلصة لا يكون فيها شوب ولا نفاق ولا نية فراق لجاهدنا بالسيف قدما قدما ولأصفن من السيف جوانبها ومن الرماح أطرافها ومن الخيل سنابكها فتكلموا رحمكم الله فكأنما ألجموا بلجام الصمت ابن الصرد وبنو الجارود ثلاثة وعمرو بن الحمق الخزاعي وحجر بن عدي الكندي والطرماح بن عطارد السعدي وهاني بن عروة السدوسي والمختار بن أبي عبيد الثقفي وشداد بن عباد الكاهلي، ومحمد بن عطارد الباهلي، وتمام العشرين من همدان، فقالوا لي: يا ابن رسول الله ما نملك غير أنفسنا وسيوفنا وها نحن بين يديك لأمرك طائعين وعن رأيك صادرين مرنا بما شئت فنظرت يمنة ويسرة فلم أر أحدا غيرهم فقلت لهم لي أسوة بجدي رسول الله (ص) حين عبد الله سرا وهو يومئذ في تسعة وثلاثين رجلا فلما أكمل الله له أربعين صاروا في عدة فأظهر أمر الله فلو كان معي عدتهم جاهدت‏ {في الله حق جهاده‏} ثم رفعت رأسي نحو السماء وقلت: اللهم إني قد دعوت وأنذرت وصوبت ونبهت فكانوا عن إجابة الداعي غافلين وعن نصرته قاعدين وعن طاعته مقصرين ولأعدائه ناصرين اللهم فأنزل عليهم رجزك وبأسك الذي لا يرد عن القوم الظالمين ونزلت عن المنبر وأمرت أوليائي وأهل بيتي فشدوا رواحلكم وخرجت من الكوفة راحلا إلى المدينة هذا يا جداه بعد أن دعوت سائر الأمة وخاطبتهم بعد قتل أمير المؤمنين إلى ما دعاهم إليه هو وخاطبهم بعدك يا رسول الله جاريا على سنتك ومنهاجك وسنن أمير المؤمنين ومنهاجه في الموعظة الحسنة والترفق والخطاب الجميل والتخويف بالله والتحذير من سخطه وعذابه والترغيب في رحمته ورضوانه وصفحه وغفرانه لمن وفى‏ {بما عاهد عليه الله‏} ورغبتهم في نصرة الدين وموافقة الحق والوقوف بين أمر الله ونهيه فرأيت أنفسهم مريضة وقلوبهم نائبة فاسدة قد غلب الران عليها فجاؤوني يقولون إن معاوية قد سير سراياه إلى نحو الأنبار والكوفة وشنت غاراته على المسلمين وقتل منهم من لم يقاتله وقتل النساء والأطفال فأعلمتهم أنه لا وفاء لهم ولا نصر فيهم وأنهم قد أسروا الدعوة وأخلدوا الرفاهة وأحبوا الدنيا وتناسوا الآخرة فقالوا معاذ الله يا ابن رسول الله أن نكون كما ذكرت فادع لنا الله بالسداد والرشاد فأنفذت معهم رجالا وجيوشا وعرفتهم أنهم يجيبون إلى معاوية وينقضون عهدي وبيعتي ويبيعوني بالخطر اليسير ويقبلون منهم الرشى والتقليدات فزعموا أنهم لا يفعلون فما مضى منهم أحد إلا فعل ما أخبرتهم به من أخذ رشى معاوية وتقليده ونفذ إليه عاديا فأقضى مخالفا فلما كثرت غارات معاوية في أطراف العراق فجاؤوني فعاهدوني عهدا مجددا وبيعة مجددة وسرت معهم من الكوفة إلى المدائن بشاطئ الدجلة فدس معاوية إلى زيد بن سنان أخي جرير بن عبد الله مالا ورشاه إياه على قتلي فخرج إلي ليلا وأنا في فسطاط لي أصلي والناس نيام فرماني بحربة فأثبتها بجسدي فنبهت العسكر ورأوا الحربة تهتز في أعضائي وأمرت بطلب زيد لعنه الله فخرج إلى الشام هاربا إلى معاوية فرجعت جريحا وخرجت عند قعود الأمة عني إلى المدينة إلى حرمك يا جداه فلقيت من معاوية وسائر بني أمية وعراتهم فأسأل الله أن لا يضيع لي أجره ولا يحرمني ثوابه ثم دس معاوية إلى جعدة ابنة محمد بن الأشعث بن قيس الكندي لعنهم الله فبذل لها مائة ألف درهم وضمن لها إقطاع عشر قرى وأنفذ إليها سما سمتني‏ به فمت. ثم يقوم الحسين (ع) مخضبا بدمائه فيقبل في اثني عشر ألف صديق كلهم شهداء وقتلوا في سبيل الله من ذرية رسول الله (ص) ومن شيعتهم ومواليهم وأنصارهم وكلهم مضرجون بدمائهم فإذا رآه رسول الله (ص) فبكت أهل السماوات والأرض ومن عليها ويقف أمير المؤمنين والحسن عن يمينه وفاطمة عن شماله ويقبل الحسين ويضمه رسول الله إلى صدره ويقول يا حسين فديتك قرت عيناك وعيناي فيك وعن يمين الحسين حمزة بن عبد المطلب وعن شماله جعفر بن أبي طالب وأمامه أبو عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ويأتي محسن مخضبا بدمه تحمله خديجة ابنة خويلد وفاطمة ابنة أسد وهما جدتاه وجمانة عمته ابنة أبي طالب وأسماء ابنة عميس صارخات وأيديهن على خدودهن ونواصيهن منتشرة والملائكة تسترهن بأجنحتها وأمه فاطمة تصيح وتقول هذا يومكم الذي كنتم به توعدون وجبرائيل يصيح ويقول: مظلوم فانتصر فيأخذ رسول الله (ص) محسن [محسنا] على يده ويرفعه إلى السماء وهو يقول إلهي صبرنا في الدنيا احتسابا وهذا اليوم: {تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا} قال: ثم بكى الصادق وقال: يا مفضل لو قلت عينا بكت ما في الدموع من ثواب وإنما نرجو إن بكينا الدماء أن ثاب به فبكى المفضل طويلا، ثم قال يا ابن رسول الله إن يومكم في القصاص لأعظم من يوم محنتكم فقال له الصادق: ولا كيوم محنتنا بكربلا وإن كان كيوم السقيفة وإحراق الباب على أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم وفضة وقتل محسن بالرفسة لأعظم وأمر لأنه أصل يوم الفراش. قال المفضل: يا مولاي أسأل قال: اسأل قال: يا مولاي‏ {وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت}‏ قال: يا مفضل تقول العامة إنها في كل‏ جنين من أولاد الناس يقتل مظلوما قال المفضل: نعم، يا مولاي هكذا يقول أكثرهم قال: ويلهم من أين لهم هذه الآية هي لنا خاصة في الكتاب وهي محسن (ع) لأنه منا وقال الله تعالى: {قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى}‏ وإنما هي من أسماء المودة فمن أين إلى كل جنين من أولاد الناس وهل في المودة والقربى غيرنا يا مفضل قال صدقت يا مولاي ثم ما ذا قال فتضرب سيدة نساء العالمين فاطمة يدها إلى ناصيتها وتقول اللهم أنجز وعدك وموعدك فيمن ظلمني وضربني وجرعني ثكل أولادي ثم تلبيها ملائكة السماء السبع وحملة العرش وسكان الهواء ومن في الدنيا وبين أطباق الثرى صائحين صارخين بصيحتها وصراخها إلى الله فلا يبقى أحد ممن قاتلنا ولا أحب قتالنا وظلمنا ورضي بغضبنا وبهضمنا ومنعنا حقنا الذي جعله الله لنا إلا قتل في ذلك اليوم كل واحد ألف قتلة ويذوق في كل قتلة من العذاب ما ذاقه من ألم القتل سائر من قتل من أهل الدنيا من دون من قتل في سبيل الله فإنه لا يذوق الموت وهو كما قال الله عز وجل: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون}‏ قال المفضل يا سيدي فإن من يستبشرون [من‏] شيعتكم من لا يقر بالرجعة وأنكم لا تكرون بعد الموت ولا يكر أعداؤكم حتى تقتصوا منهم بالحق فقال ويلهم ما سمعوا قول جدنا رسول الله (ص) وجميع الأئمة (ع) ونحن نقول من لم يثبت إمامتنا ويحل متعتنا ويقول [يقل‏] برجعتنا فليس منا وما سمعوا قول الله تعالى‏ {ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون}‏، قال المفضل: يا مولاي ما العذاب الأدنى وما العذاب الأكبر قال (ع) العذاب الأدنى عذاب الرجعة والعذاب الأكبر عذاب يوم القيامة الذي يبدل فيه‏ {الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار} قال المفضل يا مولاي‏ فإمامتكم ثابتة عند شيعتكم ونحن نعلم أنكم اختيار الله في قوله‏ {نرفع درجات من نشاء} وقوله‏ {الله أعلم حيث يجعل رسالته‏} وقوله‏ {إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم}‏ قال: يا مفضل فأين نحن من هذه الآية قال يا مفضل قول الله تعالى: {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين‏ وقوله: ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل}‏ وقول إبراهيم: رب‏ {اجنبني وبني أن نعبد الأصنام}‏ وقد علمنا أن رسول الله (ص) وأمير المؤمنين (ع) ما عبدا صنما ولا وثنا ولا أشركا بالله طرفة عين وقوله: {إذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين}‏ والعهد هو الإمامة. قال المفضل: يا مولاي لا تمتحني ولا تختبرني ولا تبتليني فمن علمكم علمت ومن فضل الله عليكم أخذت قال صدقت يا مفضل لو لا اعترافك بنعمة الله عليك في ذلك لما كنت باب الهدى فأين يا مفضل الآيات من القرآن فيه أن الكافر ظالم قال: نعم، يا مولاي قوله: {الكافرون هم الظالمون}‏ وقوله: الكافرون هم الفاسقون ومن كفر وفسق وظلم لا يجعله الله للناس إماما. قال: أحسنت يا مفضل فمن أين قلت برجعتنا ومقصرة شيعتنا إن معنى الرجعة أن يرد الله إلينا ملك الدنيا فيجعله للمهدي ويحهم متى سلبنا الملك حتى يرد إلينا. قال المفضل لا والله يا مولاي ما سلبتموه ولا سلبوه لأنه ملك النبوة والرسالة والوصية والإمامة. قال الصادق (ع): يا مفضل لو تدبر القرآن شيعتنا لما شكوا في فضلنا اما سمعوا قول الله جل من قائل: {وإذ قال إبراهيم رب أرني‏ كيف تحي الموتى، قال اولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم‏} فأخذ إبراهيم أربعة أطيار فذبحها وقطعها وأخلط [خلط] لحومها وريشها حتى صارت قبضة واحدة ثم قسمها أربعة أجزاء وجعلها على أربعة أجبال ودعاها فأجابته وأقرت وأيقنت بوحدانية وبرسالة إبراهيم بصورها الأولية ومثل قوله في كتابه العزيز {أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شي‏ء قدير} وقوله في طوائف من بني إسرائيل: {الذين خرجوا من ديارهم}‏ هاربين‏ {حذر الموت‏} إلى البراري والمغاور فحظروا على أنفسهم حظائر وقالوا قد حرزنا أنفسنا من الموت وهم زهاء ثلاثين ألف رجل وامرأة وطفل: {فقال لهم الله موتوا} فماتوا كهيئة نفس واحدة وصاروا رفاتا فمر عليهم حزقيل ابن العجوز فتأمل أمرهم وناجى ربه في أمرهم وقص عليه قصتهم وقال إلهي وسيدي قد أريتهم قدرتك أنك أمتهم وجعلتهم رفاتا فأرهم قدرتك وأن تحييهم حتى أدعوهم إليك ووفقهم للإيمان بك وتصديقي فأوحى الله إليه يا حزقيل هذا يوم شريف عظيم القدر وقد آليت به أن لا يسألني مؤمن حاجة إلا قضيتها له وهو يوم نوروز فخذ الماء ورشه عليهم فإنهم يحيون بإذني فرش عليهم الماء فأحياهم الله بأسرهم فأقبلوا إلى حزقيل مؤمنين بالله مصدقين وهم الذين قال الله فيهم: {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم}‏ وقوله في قصة عيسى: {أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم‏} هذا يا مفضل ما أقمنا به الشاهد من كتاب الله لشيعتنا مما يعرفونه في الكتاب ولا يجهلونه ولئلا يقولوا ألا إن الله لا يحيي الموتى في الدنيا ويردهم إلينا ولزمهم الحجة من الله إذا أعطى أنبياءه ورسله الصالحين من عباده فنحن بفضله علينا أولى فأعطانا ما أعطوا ويزاد عليه وما سمعوا ويحهم قول الله تعالى: {فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا} قال المفضل: يا مولاي فما تأويل: {فإذا جاء وعد أولاهما} قال والله الرجعة الأولى ويوم القيامة العظمى يا مفضل وما سمعوا قوله تعالى: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين}‏ الآية والله يا مفضل إن تأويل هذه الآية فينا: {إن فرعون وهامان وجنودهما} هم أبو بكر وعمر وشيعتهم. قال المفضل: يا مولاي فالمتعة حلال مطلق والشاهد بها قوله تعالى في النساء المزوجات بالولادة والشهود: {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا} أي مشهودا والمعروف هو المستشهد بالولاء والشهود وإنما احتاج إلى الولي والشهود في النكاح ليثبت النسل ويصح النسب ويستحق الميراث، وقوله: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شي‏ء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} وجعل الطلاق لا للرجال في المتعة للنساء المزوجات لعلة النساء على غير جائز إلا بشاهدين عادلين ذوي عدل من المسلمين وقال في سائر الشهادات على الدماء والفروج والأموال والأملاك: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء} وبين الطلاق عز ذكره‏ فقال تعالى: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم}‏ ولو كانت المطلقة تبين بثلاث تطليقات يجمعها كلمة واحدة وأكثر منها وأقل كما قال الله تعالى: {وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم}‏ إلى قوله‏ {وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر} وقوله عز وجل: {لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا} هو نكر يقع بين الزوج والزوجة فتطلق التطليقة الأولى بشهادة ذوي عدل وحرر وقت التطليق وهو آخر القروء والقروء هو الحيض والطلاق يجب عند آخر النطفة تنزل بيضاء بعد الحمرة والصفرة أول التطليقة الثانية والثالثة وما يحدث الله بينهما عطفا وذلك ما كرهاه وقوله: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم}‏ هذا يقوله تعالى أن المبعولة [للبعولة] مراجعة النساء من تطليقة إلى تطليقة إن أرادوا إصلاحا وللنساء مراجعة للرجال في مثل ذلك ثم بين تبارك وتعالى فقال: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}‏ في الثالثة فإن طلق الثالثة وبانت فهو قوله‏ {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره‏} ثم يكون كسائر الخطاب والمتعة التي حللها الله في كتابه وأطلقها الرسول عن الله لسائر المسلمين فهي قوله: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما} والفرق بين المزوجة والممتعة أن‏ للمزوجة صداقا وللممتعة أجرة فتمتع سائر المسلمين في عهد رسول الله (ص) في الحج وغيره وأيام أبي بكر وأربع سنين من أيام عمر حتى دخل على أخته عفراء فوجد في حجرها طفلا ترضعه من ثديها فقال يا أختي ما هذا فقالت له ابني من أحشائي ولم تكن متبعلة فقال لها من أين ذلك فقالت: تمتعت فكشفت عن ثديها فنظر إلى درة اللبن في في الطفل فاغتضب فكشف عن ثديها وأرعد واربد لونه وأخذ الطفل على يده مغضبا وخرج ومشى حتى أتى المسجد فرقي المنبر وقال نادوا في الناس في غير وقت الصلاة فعلم المسلمون أن ذلك لأمر يريده عمر فحضروا فقال معاشر الناس من المهاجرين والأنصار وأولاد قحطان من منكم يحب أن يرى المحرمات من النساء كهذا الطفل قد خرج من بطن أمه وسقته لبنها وهي غير متبعلة فقال بعض القوم ما يحب هذا يا أمير المؤمنين، فقال: الستم تعلمون أن أختي عفراء من حنتمة أمي وأبي الخطاب أنها غير متبعلة قالوا: بلى يا أمير المؤمنين قال: فإني دخلت الساعة فوجدت هذا الطفل في حجرها فناشدتها من أين لك هذا قالت ابني من أحشائي ورأيت در اللبن من ثديها فقلت: من أين لك هذا فقالت تمتعت فاعلموا معاشر الناس أن هذه المتعة كانت حلالا في عهد رسول الله (ص) وبعده وقد رأيت تحريمها فمن أتاها ضربت جنبيه بالسوط ولم يكن في القوم منكر لقوله ولا راد عليه ولا قائل أي رسول بعد رسول الله وأي كتاب بعد كتاب الله عز وجل ولا يقبل خلافك على الله ورسوله وكتابه بل سلموا ورضوا. قال المفضل: يا مولاي فما شرائطها؟ قال: يا مفضل سبعون شرطا من خالف منها شرطا واحدا أظلم نفسه قال: فقلت يا سيدي فأعرض عليك ما علمته منكم فيها. قال الصادق (ع) قل يا مفضل على أنك قد علمت الفرق‏ بين المزوجة والممتعة بها مما تلوته عليك قال المزوجة لها صداق ونحلة والمتمتعة أجرة فهذا فرق بينهما. قال المفضل نعم يا مولاي قد علمت ذلك فقال: قل يا مفضل قال يا مولاي قد أمرتمونا لا نتمتع بباغية ولا مشهورة بالفساد ولا مجنونة أن تدعو المتعة إلى الفاحشة فإن أجابت قد حرم الاستمتاع بها تسأل افارغة هي أم مشغولة ببعل أم بحمل أم بعدة، فإن شغلت بواحدة من هذه الثلاثة فلا تحل وإن حلت فتقول لها متعيني نفسك على كتاب الله وسنة نبيه نكاحا غير مسافح أجلا معلوما بأجرة معلومة وهي ساعة أو يوم أو يومان أو شهر أو سنة أو ما دون ذلك أو ما أكثر والأجرة ما تراضيا عليه من حلقة خاتم أو شسع نعال أو شق ثمرة [تمرة] أو إلى ما فوق ذلك من الدراهم والدنانير أو غرض [عرض‏] ترضى به فإن وهبت حلت له كالصداق الموهوب من النساء المزوجات التي قال الله فيهن: {فإن طبن لكم عن شي‏ء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} رجع الحديث إلى تمام الخطبة بالقول على أن لا ترثني [ترثيني‏] ولا أرثك وعلى أن الماء مائي أضعه حيث شئت وعليك الاستبراء أربعون يوما أو محيض أو أجد ما كان من عدد الأيام فإذا قالت: نعم، أعدت القول ثانية وعقد النكاح به فإنما أحببت وهي أحبت الاستزادة في الأجل وفيه ما رويناه عنكم قولكم لإخراجنا فرج [فرجا] من حرام إلى حرام حلال أحب إلينا من تركه على الحرام ومن قولكم إذا كانت تعقل قولها فعليها ما تولت من الأخيار [الإخبار] عن نفسها ولا جناح عليك وقول أمير المؤمنين لعن الله ابن الخطاب فلولاه ما زنى إلا شقي أو شقية لأنه كان يكون للمسلمين غنى في عمل المتعة عن الزنى وروينا عنكم أنكم قلتم أن الفرق بين الزوجة والممتع بها أن للمتمتع أن يعتزل عن المتعة وليس للمزوج أن يعزل عن الزوجة إن الله قال‏ {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله‏ لا يحب الفساد} إن في كتاب الله لكفارة عنكم أن من عزل نطفة من رحم مزوجه فدية النطفة عشر دنانير كفارة، وإن في شرط المتعة، أن المال يضعه حيث يشاء من المتمتع بها فإن وضعت في الرحم فخلق منه ولد كان لاحقا بأبيه. قال الصادق (ع) يا مفضل حدثني أبي عن أبيه عن جده رسول الله (ص) قال: إن الله أخذ الميثاق على ماء أوليائه المؤمنون [المؤمنين‏] لا يعلق منه فرج من متعة وأنه أحد محن المؤمن الذي تبين إيمانه من كفره إذا علق منه فرج من متعة. وقال رسول الله (ص) ولد المتعة حرام وإن الأحرى للمؤمن لا يضيع النطفة في فرج المتعة. قال المفضل يا مولاي فإن عبد الله بن الزبير سب عبد الله بن العباس سبا كان فيه قوله اما ترون رجلا قد أعمى الله قلبه كما أعمى عينه ويفتي في المتعة ويقول إنها حلال فسمعه عبد الله بن العباس قال لقائده قف بي على الجماعة التي فيها عبد الله بن الزبير فأوقفه وقال له: يا ابن الزبير سل أسماء بنت أبي بكر فإنها تنبئك أن أباك عوسجة الأسدي استمتع بها ببردتين يمانيتين فحملت بك فأنت أول مولود في الإسلام من المتعة وقد قال النبي (ص) لا ولد المتعة حرام. فقال الصادق (ع): والله يا مفضل لقد صدق عبد الله بن العباس في قوله لعبد الله بن الزبير. قال المفضل قد روى بعض شيعتكم أنكم قلتم إن حدود المتعة أشهر من راية البيطار وأنكم قلتم لأهل المدينة هبوا لنا التمتع بالمدينة. قال الصادق: يا مفضل إنما قلنا هبوا لنا التمتع بالمدينة وتمتعوا حيث شئتم من الأرض لا خوفا عليكم من شيعة ابن الخطاب أن يضربوا جنوبهم بالسياط فحرزناها باستيائها بها منهم بالمدينة. قال المفضل: وروت شيعتكم عنكم أن محمد بن سنان الأسدي تمتع بامرأة فلما تمطاها وجد في أحشائها تركلا فرفع نفسه عنها وقام قلقا ودخل على جدك علي بن الحسين (ع) وقال له: يا مولاي تمتعت بامرأة وكان من قصتي وقصتها كيت وكيت قلت ما هذا التركل فجعلت رجلها بصدري وقالت لي قم، فما أنت بأديب ولا بعالم اما سمعت قول الله تعالى: {لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم‏} قال الصادق (ع): هذا سرف من شيعتنا علينا ومن يكذب علينا فليس منا والله ما أرسل رسوله إلا بالحق ولا جاء إلا بالصدق ولا يحكي إلا عن الله ومن عند الله وبكتاب الله فلا تتبعوا أهواءكم ولا ترخصوا لأنفسكم فيحرم عليكم ما أحل لكم والله يا مفضل ما هو إلا دين الحق وما شرائط المتعة إلا ما قدمت ذكره لك فذر الغاوين وازجر نفسك عن هواها. قال المفضل: ثم ما ذا يا مولاي قال ثم يقوم زين العابدين علي بن الحسين ومحمد الباقر (ع) فيشكوان إلى جدنا رسول الله (ص) ما نالهما من بني أمية وما روعا به من القتل ثم أقوم أنا فأشكو إلى جدي رسول الله ما جرى علي من طاغية الأمة الملقب بالمنصور حيث أفضت الخلافة إليه فإنه عرضني على الموت والقتل ولقد دخلت عليه وقد رحلني عن المدينة إلى دار ملكه بالكوفة مغسلا مكفنا مرارا فأراه من قدرته ما ردعه عني ومنعه من قتلي. قال الصادق (ع): قال ثم يقوم ابني موسى يشكو إلى جده رسول الله ما لقيه من الضليل هارون الرشيد وتسييره من المدينة إلى طريق البصرة متجنبا طريق الكوفة لأنه قال أهل الكوفة شيعة آل محمد وأهل البصرة أعداؤهم وقد صدق لعنه الله. وحدثني الباقر عن أبيه علي بن الحسين، يرفعه إلى جده رسول الله (ص) قال طينة أمتي من مدينتي وطينة شيعتنا من الكوفة وطينة أعدائنا من البصرة ويقص فعله وحبسه إياه في دار السندي بن شاهك صاحب شرطته بالزوراء وما يعرض عليه من القتل، وقد تقدم ذكره، وما فعل الرشيد به إلى أن مات. ورجع الحديث إلى الصادق (ع) قال: ويقوم علي بن موسى (ع) فيشكو إلى جده رسول الله (ص) ما نزل به وتسيير المأمون إياه من المدينة إلى طوس بخراسان من طريق البصرة من الأهواز ويقص عليه قصته إلى أن قتله بالسم وقد تقدم ذكره وما فعل به. وعاد الحديث إلى الصادق (ع) قال: ويقوم محمد بن علي بن موسى (ع) ويشكو إلى جده رسول الله (ص) ما نزل به من المأمون إلى أن قتله بالغلمان، كما جاء ذكره وعاد الحديث إلى الصادق (ع) قال: ويقوم علي بن محمد فيشكو إلى جده رسول الله (ص) تسيير جعفر المتوكل إياه وابنه الحسن من المدينة إلى مدينة بناها على الدجلة تدعى بسامرا وما جرى عليه منه إلى أن قتل المتوكل ومات علي بن محمد، قال: ويقوم الحسن بن علي الحادي عشر من الأئمة (ع) ويشكو إلى جده رسول الله (ص) وما لقيه من المعتز وهو الزبير بن جعفر المتوكل ومن أحمد بن فتيان وهو المعتمد إلى أن مات الحسن. ويقوم الخامس بعد السابع وهو المهدي يشكو إلى جده رسول الله (ص) وكنيته محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن‏ موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) وعليه قميص رسول الله بدم رسول الله يوم كسر رباعيته والملائكة تحفه حتى يقف بين يدي جده رسول الله (ص) فيقول له: يا جداه نصصت علي ودللت ونسبتني وسميتني فجحدتني الأمة أمة الكفر وتمارت في وقالوا ما ولد ولا كان وأين هو ومتى كان وأين يكون وقد مات وهلك ولم يعقب أبوه واستعجلوا ما أخره الله إلى هذا الوقت المعلوم فصبرت محتسبا وقد أذن الله لي يا جداه فيما أمر فيقول رسول الله (ص) {الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين}‏ ويقول قد {جاء نصر الله والفتح}‏ وحق قوله تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} ويقرأ: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} فقال الصادق (ع): إن الله تعالى‏ {علم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال الم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون}‏ وكذلك يا مفضل لما أخذ الله‏ {من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم الست بربكم‏} عرضوا تلك الذرية على جدنا رسول الله وعلينا إمام بعد إمام إلى مهدينا الثاني عشر من أمير المؤمنين سمي جده وكنيه محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى ابني وعرض علينا أعمالهم فرأينا لهم ذنوبا وخطايا فبكى جدنا رسول الله (ص) وبكينا رحمة لشيعتنا أن يدعو لنا بنا ولهم ذنوب مشهورة بين الخلائق إلى يوم القيامة فقال رسول الله (ص): اللهم اغفر ذنوب شيعة أخي وأولاده الأوصياء منه وما تقدم منها وما تأخر ليوم القيامة ولا تفضحني بين النبيين والمرسلين في شيعتنا فحمله الله إياها وغفرها جميعا وهذا تأويل: {إنا فتحنا لك}‏ الآية. قال المفضل: فبكيت بكاء طويلا وقلت يا سيدي هذا بفضل الله وفضلكم قال الصادق (ع) هذا بفضل الله علينا فيكم يا مفضل وهل علمت من شيعتنا قال المفضل من تقول فقال والله ما هم إلا أنت وأمثالك ولا تحدث بهذا الحديث أصحاب الرخص من شيعتنا فيتكلموا على هذا الفضل ويتركوا العمل به فلا يغني عنهم من الله شيئا لأننا كما قال الله تعالى: {لا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون}‏ قال المفضل: يا مولاي بقي لي‏ {ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} ما كان رسول الله يظهر على الدين كله قال: يا مفضل ظهر عليه علما ولم يظهر علمه عليه ولو كان ظهر عليه ما كانت مجوسية ولا يهودية ولا جاهلية ولا عبدت الأصنام والأوثان ولا صابئة ولا نصرانية ولا فرقة ولا خلافة ولا شك ولا شرك ولا أولوا العزة ولا عبد الشمس والقمر والنجوم ولا النار ولا الحجارة وإنما قوله: {ليظهره على الدين كله} في هذا اليوم وهذا المهدي وهذه الرجعة وقوله: {قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}‏ قال المفضل: ثم ما ذا؟ قال الصادق (ع) يقول رسول الله (ص) لأمير المؤمنين فديتك يا أبا الحسن أنت ضربتهم بسيف الله عن هذا الدين فاضربهم الآن عليه عودا ويسير في هذه الدنيا يسير جبالها وأقدار أرضها ويطأها قدما قدما حتى يصفي الأرض من القوم الظالمين ويقول للمهدي سر بالملائكة وخلصاء الجن والإنس ونقبائك المختارين ومن سمع وأطاع الله لنا فاحمل خيلك في الهواء فإنها تركض كما تركض على الأرض واحملها على وجه الماء في البحار والأمصار فإنها تركض بحوافرها عليه فلا يبل لها حافر وإنها تسير مع الطير وتسبق كل شي‏ء فخذ بثأرك وثأرنا واقتص بمظالمنا منهم وأظهر حقنا وأزهق الباطل فإنها دولة لا ليل فيه ولا ظلمة ولا قتام ومن‏ تضعه أهل الجنة في الجنة يقول لفاطمة والحسن والحسين وسائر الأئمة فينا انظروا إلى ما فضلكم الله به وجعل لكم عقبى الدار فأكثروا من شكره واشفعوا لشيعتكم فإنكم لا تزالون ترون هذه الأرض في هذه الرجعة منكرة مقشعرة إلى أن لا يبقى عليها شاك ولا مرتاب ولا مشرك ولا راد ولا مخالف ولا متكبر ولا جاحد إلا طاهر مطهر ويقعد الملك والشرائع ويصير الدين لله واصبا فإذا صفت جرت أنهارها بالماء واللبن والعسل والخمر بغير بلاء ولا غائلة وتفتح أبواب السماء بالبر وتمطر السماء خيرها وتخرج الأرض كنوزها وتعظم البرة حتى تصير حمل بعير ويجتمع الإنسان والسبع والطير والحية وسائر من يدب في بقعة واحدة فلا يوحش بعضهم بعضا بل يؤنسه ونحادثه ويشرب الذئب والشاة من مورد واحد ويصدران كما يصدر الرجلان المتواخيان في الله من وردهم وتخرج الفتاة العاتق والعجوز العاقر وعلى رأسها مكيال من دقيق أو بر أو سويق وتبلغ حيث شاءت من الأرض ولا يمسها نصب ولا لغوب وترتفع الأمراض والأسقام ويستغني المؤمن عن قص شعره وتقليم أظافره وغسل أثوابه وعن حمام وحجام وعن طب وطبيب ويفصح عن كل ذي نطق من البشر والدواب والطير والهوام والدبيب وتفقد جميع اللغات ولم يبق إلا اللغة العربية بإفصاح لسان واحد ولا يخرج المؤمن من الدنيا حتى يرى من صلبه ألف ولد ذكر مؤمن موحد تقي. قال المفضل: يا مولاي فما ذا يصنع أمير المؤمنين بدوا قال يصنع والله ما قاله بخطبته وأيام لا تكون الدنيا إلى شاب غرنوق ولأقفن في كل موقف كان لي وعلي ولأتركن ظالمي وناصبي شقي تيم وعدي للمهدي من ولدي حتى يتولى نبشهما وعذابهما وإحراقهما ونسفهما {في اليم نسفا} ولأركضن برجلي في رحبة جامع الكوفة فأخرج منها اثني عشر ألف صديق من شيعتي مكتوب على تلك البيض أسماؤهم وأنسابهم وقبائلهم وعشائرهم ولأسيرن من دار هجرتي الكوفة حتى أفني العالم قدما قدما بسيفي ذي الفقار حتى آتي جبل الديلم فأصعده وأستهل طريقه وأقطع خبره ولآتين بلقاء الهند وبيضاء الصين التي كلتا جواريها حور العين ولآتين مصر وأعقد على نيلها جسرا ولأنصبن على مجراها منبرا ولأخطبن عليه خطبة طوبى لمن عرفني فيها ولم يشك في والويل والعويل والنار والثبور لمن جهل أو تجاهل أو نسي أو تناسى أو أنكر أو تناكر ولآتين جابلقا وجابرصا ولأنصبن رحى الحرب وأطحن بها العالم طحن الرحى لباب البر ولآتين كورا ولأسبكن الخلق فيها سبك خالص التبر، وحرق اللجين ولألقطنهم على وجه الأرض وشواهق الجبال وبطون الأودية والمغارات وأطباق الثرى التقاط الديك سمين الحب من يابسه وعجفه ولأقتلن الروم والصقالب والقبط والحبش والعراق والكرد والأرمن والقلف والهمج والغلف والأعابد والبزغز والزغزغ والقردة والخنازير وعبدة الطاغوت فهم الشراة والناصبة والمرجية والبترية والجهمية والمقصرة والمرتفعة. قال المفضل قلت للصادق (ع) يا مولاي من المقصرة والمرتفعة قال: يا مفضل المقصرة هم الذين هداهم الله إلى فضل علمنا وأفضى إليهم سرنا فشكوا فينا وأنكروا فضلنا وقالوا: لم يكن الله ليعطيهم سلطانه ومعرفته. وأما المرتفعة: هم الذين يرتفعون بمحبتنا وولايتنا أهل البيت وأظهروه بغير حقيقة وليس هم منا ولا نحن منهم ولا أئمتهم أولئك يعذبون بعذاب الأمم الطاغية حتى لا يبقى نوع من العذاب إلا وعذبوا به. قال المفضل: يا مولاي اليس قد روينا عنكم أنكم قلتم الغالي نرده إلينا والتالي نلحقه بنا قال: يا مفضل ظننت أن التالي هم المقصرة، قال: كذا ظننت يا سيدي، قال: كلا، التالي هم من خيار شيعتنا القائلين بفضلنا المستمسكين بحبل الله وحبلنا الذين يزدادون بفضلنا علما وإذا ورد على أحدهم خبر قبله وعمل به ولم يشك فيه فإن لم يطقه رده إلينا ولم يرد علينا فذلك هو التالي وأما الغالي فليس فقد اتخذنا {أربابا من دون الله} وإنما اقتدى بقولنا إذ جعلونا عبيدا مربوبين مرزوقين فقولوا بفضلنا ما شئتم فلن تدركوه. قال المفضل: يا مولاي إن الغالي من ذكر أنكم أربابا [أرباب‏] عند الشيعة من دون الله قال ويحك يا مفضل: ما قال: أحد فينا إلا عبد الله بن سبإ وأصحابه العشرة الذين حرقهم أمير المؤمنين في النار بالكوفة وموضع إحراقهم يعرف بصحراء الأخدود وكذا عذبهم أمير المؤمنين بعذاب الله وهو النار عاجلا وهي لهم آجلا ويحك يا مفضل إن الغالي في محبتنا نرده إلينا ويثبت ويستجيب ولا يرجع والمقصرة تدعوه إلى الإلحاق بنا والإقرار بما فضلنا الله به فلا يثبت ولا يستجيب ولا يلحق بنا لأنهم لما رأونا نفعل أفعال النبيين قبلنا مما ذكرهم الله في كتابه وقص قصصهم وما فرض إليهم من قدرته وسلطانه حتى خلقوا وأحيوا ورزقوا وأبرؤوا الأكمه والأبرص ونبؤوا الناس بما يأكلون ويشربون ويدخرون في بيوتهم ويعلمون ما كان وما يكون إلى يوم القيامة بإذن الله وسلموا إلى النبيين أفعالهم وما وصفهم الله وأقروا لهم بذلك وجحدوا بغيا علينا وحسدا لنا على ما جعله الله لنا وفينا وما أعطاه الله لسائر النبيين والمرسلين والصالحين وازدادنا من فضله ما لم يعطهم إياه وقالوا ما أعطي النبيون هذه القدرة التي أظهرها إنما صدقناها وأنزل بها لأن الله أنزلها بكتابه ولو علموا ويحهم أن الله ما أعطاه من فضله شيئا إلا أنزله بسائر كتبه وصفنا به ولكن أعداؤنا لا يعلموه وإذا سمعوا فضلنا أنكروه وصدوا عنه واستكبروا وهم لا يشكون في آدم (ع) لما رأوا [رأى‏] أسماءنا مكتوبة على سرادق العرش قال إلهي وسيدي خلقت خلقا قبلي وهو أحب إليك مني، قال الله يا آدم نعم، لو لا هؤلاء الأسماء المكتوبة على سرادق العرش ما خلقت سماء مبنية ولا أرضا مدحية ولا ملكا مقرب [مقربا] ولا نبيا مرسلا ولا خلقتك يا آدم قال إلهي ما هؤلاء قال هؤلاء ذريتك يا آدم فاستبشر وأكثر من حمد الله وشكره وقال بحقهم يا رب اغفر خطيئتي فكنا والله الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فاجتباه وتاب عليه وهداه وإنهم‏ ليروون أن الله خلقنا نورا واحدا قبل أن يخلق خلقا ودنيا وآخرة وجنة ونارا بأربعة آلاف عام نسبح الله ونقدسه ونهلله ونكبره. قال المفضل: يا سيدي هل بذلك شاهد من كتاب الله قال: نعم، هو قوله تعالى: {له من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار} إلى قوله‏ {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين‏} ويحك يا مفضل، الستم تعلمون أن من في السماوات هم الملائكة ومن في الأرض هم الجان والبشر وكل ذي حركة فمن الذين فيهم ومن عنده الذين قد خرجوا من جملة الملائكة. قال المفضل: من تقول: يا مولاي قال: يا مفضل ومن نحن الذين كنا عنده ولا كون قبلنا ولا حدوث سماء ولا أرض ولا ملك ولا نبي ولا رسول قال المفضل: فبكيت وقلت: يا ابن رسول الله هذا والله الحق المبين وهل نجد في كلامكم والأخبار المروية عنكم شاهدا بما وجدتني [أوجدتني‏] في كتاب الله قال: نعم في خطبة أمير المؤمنين (ع) يوم ضرب سلمان بالمدينة وخروجه إلى الجبانة وخروج أمير المؤمنين إليه التسليم إليه وقوله اسأل يا سلسل سبيلك لا تجهل اسألني يا سلمان أنبئك البيان أوضحك البرهان، فقال سلمان، يا أمير المؤمنين أودعني الحياة وأهلي [أهلني‏] الخطوة [الحظوة] إن للرشاد [الرشاد] إذا بلغ نزح بغزيته وهذا اليوم مواضي ختم المقادير ثم تنفس أمير المؤمنين صعدا وقال: الحمد لله مدهر الدهور وقاضي الأمور ومالك يوم النشور الذي كنا بكينونيته قبل الحلول في التمكين وقبل مواقع صفات التمكين في التكوين كائنين غير مكونين ناسبين غير متناسبين أزليين لا موجودين ولا محدودين منه بدونا وإليه نعود لأن الدهر فينا قسمت حدوده ولنا أخذت عهوده وإلينا ترد شهوده فإذا استدارت ألوف الأدوار وتطاول‏ الليل والنهار وقامت العلامة الوفرة والسامة والقامة الأسمر الأضخم والعالم غير معلم والخبير أيضا يعلم قد ساقتهم الفسقات واستوغلت بهم الحيرات ولبتهم الضلالات وتشتتت بهم الطرقات فلا يجير مناص إلا إلى حرم الله سيؤخذ لنا بالقصاص من عرف غيبتنا ثم شهدنا نحن أشبه بمشابيهنا والأعلون، موالينا كالصخرة من الجبال المتهابة نحن القدرة ونحن الجانب ونحن العروة الوثقى محمد العرش عرش الله على الخلائق ونحن الكرسي وأصول العلم ألا لعن الله السالف والتالف وفسقة الجزيرة ومن أواها ينبوعا أنا باب المقام وحجة الخصام ودابة الأرض وفصل القضا وصاحب العصا وسدرة المنتهى وسفينة النجاة من ركبها نجا ومن تخلف عنها ضل وهوى الم يقيم [يقم‏] الدعائم في تخوم أقطار الأكناف ولا من أغمد فساطيط أصحاب الأعلى كواهل أنوارنا نحن العمل ومحبتنا الثواب وولايتنا فصل الخطاب ونحن حجبة الحجاب فإذا استدار الفلك قلتم بأي واد سلك قلتم مات أو هلك أو في أي واد سلك فنادى إلى الله تتخذ الروم النجاة ومنجدة لأن المطيع هو السامع والسامع العامل والعامل هو العالم والعالم هو الساتر والساتر هو الكاتم والمولى هو الحاسد {فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين‏ وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون}‏ من طرفي الحبل المتين إلى قرار ذات المعين إلى سبطة التمكين إلى وراء بيضاء الصين إلى مصارع مطارح قبور الطالقانيين إلى قرن ياسر وأصحاب سنين الأعلين العالمين الأعظمين إلى كتمة أسرار طواسين إلى البيداء الغبرة التي حدها الثرى التي قواعدها جوانبها إلى ثرى الأرض السابعة السفلى كذا الخالق لما يشاء {سبحانه وتعالى عما يشركون} قال المفضل: إن هذا الكلام عظيم يا سيدي تحار فيه العقول فثبتني ثبتك الله وعرفني ما معنى قول أمير المؤمنين الذي كنا بكينونيته في التمكين قال الصادق: نعم، يا مفضل الذي كنا بكينونيته في القدم والأزل هو المكون ونحن المكان وهو المنشئ ونحن الشي‏ء وهو الخالق ونحن المخلوقون‏ وهو الرب ونحن المربوبون وهو المعنى ونحن أسماؤه المعاني وهو المحتجب ونحن حجبه قبل الحلول في التمكين ممكنين لا نحول ولا نزول وقبل مواضع صفات تمكين التكوين قبل أن نوصف بالبشرية والصور والأجسام والأشخاص ممكن مكون كائنين لا مكونين كائنين عنده أنوارا لا مكونين أجسام وصور ناسلين لا متناسلين محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف إلى آدم والحسن والحسين من أمير المؤمنين وفاطمة من محمد، وعلي من الحسين ومحمد من علي وجعفر من محمد وموسى من جعفر وعلي من موسى ومحمد من علي وعلي من محمد والحسن من علي ومحمد من الحسن بهذا النسب لا متناسلين ذوات أجسام ولا صور ولا مثال إلا أنوار نسمع الله ربنا ونطيع يسبح نفسه فنسبحه ويهللها فنهلله ويكبرها فنكبره ويقدسها فنقدسه ويمجدها فنمجده في ستة أكوان منها ما شاء من المدة وقوله أزليين لا موجودين وكنا أزليين قبل الخلق لا موجودين أجساما ولا صورا. قال المفضل: يا سيدي ومتى هذه الأكوان قال: يا مفضل أما الكون الأول نوراني لا غير ونحن فيه والكون الثاني جوهري لا غير ونحن فيه، والكون الثالث هوائي لا غير ونحن فيه، والكون الرابع مائي لا غير ونحن فيه، والكون الخامس ناري لا غير ونحن فيه، والكون السادس ترابي لا غير فأظله ودور ثم سماء مبنية وأرض مدحية فيها الجان الذي خلقه الله‏ {من مارج من نار} إلى أن خلق الله آدم من التراب. قال المفضل يا سيدي: فهل كان في هذه الأكوان خلقا [خلق‏] منها في كل كون قال نعم، يا مفضل. قال المفضل: يا سيدي فهل نجد الخلق الذي كان فيها ونعرفهم قال نعم ما من كون إلا وفيه نوري وجوهري وهوائي ومائي وناري وترابي يا مفضل، تحب أن أقرب عليك وأريك أن فيك من هذه الستة أكوان اعلم‏ أنه خلقك وخلق هذه البشر وكل ذي حركة من لحم ودم، قال: يا سيدي أين ذلك قال: يا مفضل الذي من الكون النوراني نور في ناظريك وناظرك بمقدار حبة عدس ثم ترى بها ما دركاه من السماء والهوام والأرض ومن عليها وفيك من الكون الجوهري يحسن ويعقل وينظر وهو ملك الجسد وفيك من الكون الهوائي الهواء الذي منه نفسك وحركاتك وأنفاسك المترددة في جسدك وفيك من الكون المائي رطوبة ريقك ودموع عينيك وما يخرج من نفسك والسبيلين اللذين هما منك وفيك من الكون الناري النار التي في تراكيب جسدك وهو المنضج المنفذ مأكلك ومشاربك وما يرد إلى معدتك وهو الذي إذا حكت بعض ببعض كدت أن تقدح نارا وبتلك الحرارة تمت حركاتك ولو لا الحرارة لكنت جمادا وفيك من الكون الترابي عظمك ولحمك ودمك وجلدك وعروقك ومفاصلك وعصبك وتمام كمية جسمك. قال المفضل: يا مولاي إني لأحسب أن شيعتك لو غلت كل الغلو فيكم تهتدي إلى وصف يسير مما فضلكم الله به من هذا العلم الجليل. قال الصادق (ع): ما لك يا مفضل لا تسأل عن تفصيل الأكوان الستة قلت يا مولاي بهرني والله عظيم ما سمعته من السؤال. قال الصادق: نحن كنا في الكون النوراني لا غير، وفي الجوهري لا غير، وفي الهوائي خلق وهم جيل من الملائكة اما سمعت قول جدي رسول الله (ص) يقول لا يوقعن أحدكم بوله من عالي جبل ولا من سطح بيت ولا من رأس رابية ولا في ماء فإن للهواء سكانا وللماء سكانا. قال المفضل: نعم يا مولاي مما خلق أهل الماء قال: خلقهم بصور وأجسام نطقوا بثلاث وعشرين لغة وقامت فيهم النذر والرسل والأمر والنهي وصارت فيهم ولادات ونسل وكونهم الذي يقول‏ {وكان عرشه على الماء} قال المفضل نعم يا مولاي: فالجان قال الصادق (ع): لما خلق الله السموات والأرض أسكن خلق الماء في البحار والأنهار والينابيع ومناقع الماء حيث كانت من الأرض وأسكن الجان الذي خلقه‏ {من مارج من نار} فقامت فيهم النذر والرسل ونطقوا بأربعة وعشرين لغة وأمر إبليس بالسجود لآدم والسجود هو الطاعة لا الصلاة ف {أبى واستكبر} وقال لا أسجد لبشر {خلقتني من نار وخلقته من طين} فافتخر على آدم وعصى الله وقاس ويله النار بالنور وظن أن النار أفضل ولو علم أن النور الذي في آدم وهو الروح التي نفخها الله فيه كان أفضل من النار التي خلق منها إبليس لفسد قياسه. قال المفضل يا مولاي: اوليس يقال إن إبليس من الملائكة، قال بلى يا مفضل هو من الملائكة، لا الروحانية ولا النورانية، ولا سكان السماوات، ومعنى ملائكة هو اسم واحد فيصرف فهو ملك ومالك ومملوك هذا كله اسم واحد وكان أملاك الأرض اما سمعت قول الله تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه}‏ وقوله تعالى: {والجان خلقناه من قبل من نار السموم}‏ وقال: {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان}‏ وقوله: {قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا} قال المفضل: نعم يا سيدي علمت وفهمت، فكيف كانت الأظلة قال: اما سمعت قول الله تعالى: {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا. ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا} يا مفضل إن الله (سبحانه وتعالى) أول ما خلق، النور الظلي، قلت: ومما خلقه؟ قال: خلقه من‏ مشيئته ثم قسمه أظلة الم تسمع قول الله (تعالى): {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا} خلقه قبل أن يخلق سماء وأرضا وعرشا وماء ثم قسمه أظلة فنظرت الأظلة بعضها إلى بعض فرأت نفسها فعرفت أنهم كونوا بعد أن لم يكونوا وألهموا من المعرفة هذا المقدار ولم يلهموا معرفة شي‏ء سواه من الخير والشر ثم إن الله أدبهم، قال: كيف أدبهم؟ قال: سبح نفسه فسبحوه وحمد نفسه فحمدوه ولو لا ذلك لم يكن أحد يعرفه ولا يدري كيف يثني عليه ويشكره فلم تزل الأظلة تحمده وتهلله، فمكثوا على ذلك سبعة آلاف سنة فنشكر الله ذلك لهم فخلق من تسبيحهم السماء السابعة. ثم خلق الأظلة أشباحا وجعلها لباسا للأظلة وخلق من تسبيح نفسه الحجاب الأعلى ثم تلا {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب} الوحي يعني الأظلة أو من وراء حجاب يعني الأشباح التي خلقت من تسبيح الأظلة ثم خلق لهم الجنة السابعة والسماء السابعة وهي أعلى الجنان ثم خلق آدم الأول وأخذ عليه الميثاق وعلى ذريته، فقال لهم: من ربكم‏ {قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا} فقال: للحجاب الذي خلقه من تسبيح نفسه‏ {أنبئهم بأسمائهم}‏ ومن أي شي‏ء خلقوا فأنبأهم الحجاب في ذلك فكان الحجاب الأول يعلمهم فمن هناك وجبت الحجة على الخلق. ثم إن الله خلق على مثال ذلك سبعة آدم وخلق لكل آدم سماء وجنة فجعل الأول من أجاب لأخذ الميثاق الأول ثم الثاني واحدا بعد واحد يفضل‏ الأول في الأول، وخلق النور الثاني أفضل من الثالث، وخلق الأظلة من إرادته على ما شاء، ثم أدبهم على مثال الأول وخلق لهم السماء الثانية والجنة الثانية وقال: {أنبئوني بأسماء هؤلاء} {قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا} فقال للحجاب الثاني أنبئهم بأسمائهم ومن أي شي‏ء خلقوا وأخذ من أهل السماء الثانية الميثاق للحجاب الثاني، ثم قرأ: {وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور} وهو الحجاب الأول ثم تلا {وأتوا البيوت من أبوابها} ثم خلق النور الثالث على مثال ما خلق النور الأول والثاني من الأظلة والأشباح والسماء والجنة وخلق الحجاب الثالث ورأسه كما رأس الحجاب الثاني وأخذ ميثاقهم له وأنبأهم كما أنبأ أهل السماء الثانية فأجابوا على ما أجابوا وكذلك بقية الأنوار والسموات وأضعفهم السابع وإن ذلك أنه أقلهم نورا وأرقهم إيمانا ويقينا. وخلق السموات كلها من سبعة أنوار وجعل كل نور متقدم أفضل من صاحبه لسابقته في الإجابة وذلك مقدار ذلك خمسين ألف سنة وخلق في كل سماء جنة وعينا وإنما احتملت كل سماء أهلها وصارت قطبا لهم لأن الله خلقها من أعمالهم والعيون السبعة التي في الجنان فإنها خلقت من علوم أهلها ثم خلق سبعة أيام لكل سماء يوما ثم خلق للأرواح أبدانا من نور.

---------------

الهداية الكبرى ص 392, جميعا نحوه وبعضه: حلية الأبرار ج 5 ص 371, بحار الأنوار ج 53 ص 1, رياض الأبرار ج 3 ص 213, محتصر البصائر ص 433

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية