وصايا أمير المؤمنين (ع) العامة
* نهج البلاغة, من عهد أمير المؤمنين (ع) إلى بعض عماله وقد بعثه على الصدقة: أمره بتقوى الله في سرائر أمره، وخفيات عمله حيث لا شهيد غيره، ولا وكيل دونه. وأمره ألا يعمل بشيء من طاعة الله فيما ظهر فيخالف إلى غيره فيما أسر، ومن لم يختلف سره وعلانيته وفعله ومقالته، فقد أدى الأمانة، وأخلص العبادة. وأمره ألا يجبههم، ولا يعضههم، ولا يرغب عنهم، تفضلا بالإمارة عليهم فإنهم الإخوان في الدين، والأعوان على استخراج الحقوق، وإن لك في هذه الصدقة نصيبا مفروضا، وحقا معلوما، وشركاء أهل مسكنة، وضعفاء ذوي فاقة، وإنا موفوك حقك، فوفهم حقوقهم، وإلا تفعل فإنك من أكثر الناس خصوما يوم القيامة، وبؤسى لمن خصمه عند الله الفقراء والمساكين والسائلون والمدفوعون والغارمون وابن السبيل ومن استهان بالأمانة، ورتع في الخيانة، ولم ينزه نفسه ودينه عنها، فقد أحل بنفسه الذل والخزي في الدنيا، وهو في الآخرة أذل وأخزى، وإن أعظم الخيانة خيانة الأمة، وأفظع الغش غش الأئمة، والسلام.
.
* القاضي نعمان المغربي في دعائم الإسلام, عن علي (ع) أنه أوصى مخنف بن سليم الأزدي، وقد بعثه على الصدقة بوصية طويلة، أمره فيها بتقوى الله ربه في سرائر أموره وخفيات أعماله، وأن يلقاهم ببسط الوجه، ولين الجانب، وأمره أن يلزم التواضع، ويجتنب التكبر، فإن الله يرفع المتواضعين، ويضع المتكبرين، ثم قال له: يا مخنف بن سليم، إن لك في هذه الصدقة نصيبا وحقا مفروضا، ولك فيها شركاء فقراء ومساكين وغارمين ومجاهدين وأبناء سبيل، ومملوكين ومتألفين. وإنا موفوك حقك فوفهم حقوقهم، وإلا فإنك من أكثر الناس يوم القيامة خصماء، وبؤسا لامرئ أن يكون خصمه مثل هؤلاء.
.
* نهج البلاغة, من وصية أمير المؤمنين (ع) كان يكتبها لمن يستعمله على الصدقات: انطلق على تقوى الله وحده لا شريك له، ولا تروعن مسلما، ولا تجتازن عليه كارها، ولا تأخذن منه أكثر من حق الله في ماله، فإذا قدمت على الحي فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم، ثم امض إليهم بالسكينة والوقار حتى تقوم بينهم، فتسلم عليهم، ولا تخدج بالتحية لهم، ثم تقول: عباد الله أرسلني إليكم ولي الله وخليفته لآخذ منكم حق الله في أموالكم، فهل لله في أموالكم من حق فتؤدوه إلى وليه، فإن قال قائل لا فلا تراجعه، وإن أنعم لك منعم فانطلق معه من غير أن تخيفه، أو توعده، أو تعسفه، أو ترهقه، فخذ ما أعطاك من ذهب أو فضة، فإن كان له ماشية أو إبل فلا تدخلها إلابإذنه، فإن أكثرها له، فإذا أتيتها فلا تدخل عليها دخول متسلط عليه، ولا عنيف به، ولا تنفرن بهيمة، ولا تفزعنها، وتسوأن صاحبها فيها، واصدع المال صدعين، ثم خيره فإذا اختار فلا تعرضن لما اختاره، ثم اصدع الباقي صدعين، ثم خيره، فإذا اختار فلا تعرضن لما اختاره، فلا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق الله في ماله فاقبض حق الله منه، فإن استقالك فأقله ثم اخلطهما، ثم اصنع مثل الذي صنعت أولا حتى تأخذ حق الله في ماله، ولا تأخذن عودا، ولا هرمة، ولا مكسورة، ولا مهلوسة، ولا ذات عوار، ولا تأمنن عليها إلامن تثق بدينه رافقا بمال المسلمين حتى يوصله إلى وليهم فيقسمه بينهم، ولا توكل بها إلاناصحا شفيقا وأمينا حفيظا غير معنف ولا مجحف ولا ملغب ولا متعب، ثم احدر إلينا ما اجتمع عندك نصيره حيث أمر الله به، فإذا أخذها أمينك فأوعز إليه ألا يحول بين ناقة وبين فصيلها، ولا يمصر لبنها فيضر ذلك بولدها؛ ولا يجهدنها ركوبا، وليعدل بين صواحباتها في ذلك وبينها، وليرفه على اللاغب، وليستأن بالنقب والظالع، وليوردها ما تمر به من الغدر، ولا يعدل بها عن نبت الأرض إلى جواد الطرق، وليروحها في الساعات، وليمهلها عند النطاف والأعشاب، حتى تأتينا بإذن الله، بدنا منقيات غير متعبات، ولا مجهودات لنقسمها على كتاب الله وسنة نبيه (ص)، فإن ذلك أعظم لأجرك وأقرب لرشدك إن شاء الله.
.
* ابن شعبة الحراني في تحف العقول, قال الإمام الكاظم (ع): كان أمير المؤمنين (ع) يوصي أصحابه يقول: أوصيكم بالخشية من الله في السر والعلانية, والعدل في الرضا والغضب, والاكتساب في الفقر والغنى, وأن تصلوا من قطعكم, وتعفوا عمن ظلمكم, وتعطفوا على من حرمكم, وليكن نظركم عبرا, وصمتكم فكرا, وقولكم ذكرا, وإياكم والبخل, وعليكم بالسخاء فإنه لا يدخل الجنة بخيل ولا يدخل النار سخي.
.
* نهج البلاغة, قال أمير المؤمنين (ع): أوصيكم عباد الله بتقوى الله فإنها الزمام والقوام, فتمسكوا بوثائقها واعتصموا بحقائقها تئول بكم إلى أكنان الدعة, وأوطان السعة, ومعاقل الحرز, ومنازل العز في يوم تشخص فيه الأبصار, وتظلم له الأقطار, ويعطل فيه صروم العشار, وينفخ في الصور فتزهق كل مهجة, وتبكم كل لهجة, وتذل الشم الشوامخ, والصم الرواسخ, فيصير صلدها سرابا رقرقا, ومعهدها قاعا سملقا, فلا شفيع يشفع, ولا حميم ينفع, ولا معذرة تدفع.
.
* ورام بن أبي فارس في مجمعته, محمد بن إسماعيل الهمداني, عن أبي الحسن موسى (ع) قال: كان أمير المؤمنين (ع) يوصي أصحابه ويقول: أوصيكم بتقوى الله فإنها غبطة للطالب الراجي, واستشعروا التقوى شعارا باطنا, واذكروا الله ذكرا خالصا, تحيوا به أفضل الحياة, وتسلكوا به طريق النجاة, انظروا في الدنيا نظر الزاهد المفارق لها فإنها تزيل الثاوي الساكن, وتفجع المترف الآمن, لا يرجى منها ما تولى وأدبر, ولا يدرى ما هو آت فينتظر, وصل الرخاء منها بالبلاء, والبقاء منها إلى فناء, فسرورها مشوب بالحزن فيها إلى الضعف والوهن, فهي كروضة اعتم مرعاها فأعجبت من يراها, عذب شربها طيبة تربتها يبهج عروقها الثرى وينظف فروعها الندى, حتى إذا بلغ العشب إبانه واستوى نباته هاجت ريح تحت الورق وتفرق ما اتسق, فأصبحت كما قال الله عز وجل {هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا} انظروا في الدنيا في كثرة ما يعجبكم وقلة ما ينفعكم.
.
* الشيخ الطوسي في الأمالي, أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل قال: حدثنا الفضل بن محمد بن المسيب أبو محمد البيهقي الشعراني بجرجان قال: حدثنا هارون بن عمرو بن عبد العزيز بن محمد أبو موسى المجاشعي قال: حدثنا محمد بن جعفر بن محمد (ع) قال: حدثنا أبي أبو عبد الله (ع).
قال المجاشعي: وحدثناه الرضا علي بن موسى، عن أبيه موسى، عن أبيه أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن آبائه، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: لا تتركوا حج بيت ربكم، لا يخل منكم ما بقيتم، فإنكم إن تركتموه لم تنظروا، وإن أدنى ما يرجع به من أتاه أن يغفر له ما سلف. وأوصيكم بالصلاة وحفظها فإنها خير العمل وهي عمود دينكم، وبالزكاة فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: الزكاة قنطرة الإسلام, فمن أداها جاز القنطرة ومن منعها احتبس دونها، وهي تطفئ غضب الرب. وعليكم بصيام شهر رمضان فإن صيامه جنة حصينة من النار، وفقراء المسلمين أشركوهم في معيشتكم، والجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم فإنما يجاهد في سبيل الله رجلان: إمام هدى أو مطيع له مقتد بهداه. وذرية نبيكم (ص) لا يظلمون بين أظهركم وأنتم تقدرون على الدفع عنهم. وأوصيكم بأصحاب نبيكم، لا تسبوهم، وهم الذين لم يحدثوا بعده حدثا، ولم يأتوا محدثا، فإن رسول الله (ص) أوصى بهم. وأوصيكم بنسائكم وما ملكت أيمانكم، ولا يأخذنكم في الله لومة لائم، يكفكم الله من أرادكم وبغى عليكم، وقولوا للناس حسنا كما أمركم الله عز وجل، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيولي الله أموركم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم، وعليكم بالتواضع والتباذل، وإياكم والتقاطع والتدابر والتفرق، وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، واتقوا الله إن الله شديد العقاب.
.
* الشيخ الطوسي في مصباج المتهجد, روى أبو مخنف, عن عبد الرحمن بن جندب, عن أبيه: أن عليا (ع) خطب يوم الأضحى فكبر وقال: الله أكبر الله أكبر, لا إله إلا الله, والله أكبر الله أكبر ولله الحمد, الحمد لله على ما هدانا, وله الشكر على ما أبلانا, والحمد لله على ما رزقنا من بهيمة الأنعام, الله أكبر زنة عرشه, ورضا نفسه, ومداد كلماته, وعدد قطر سماواته, ونطف بحوره, له الأسماء الحسنى, وله الحمد في الآخرة والأولى حتى يرضى وبعد الرضا إنه هو العلي الكبير, الله أكبر كبيرا متكبرا, وإلها عزيزا متعززا, ورحيما عطوفا متحننا, يقبل التوبة ويقيل العثرة ويعفو بعد القدرة, ولا يقنط من رحمة الله إلا القوم الضالون, الله أكبر كبيرا, ولا إله إلا الله مخلصا, وسبحان الله بكرة وأصيلا, والحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأن محمدا (ص) عبده ورسوله, من يطع الله ورسوله فقد اهتدى وفاز فوزا عظيما, ومن يعصهما فقد ضل ضلالا بعيدا. أوصيكم عباد الله بتقوى الله وكثرة ذكر الموت. وأحذركم الدنيا التي لم يمتع بها أحد قبلكم ولا تبقى لأحد بعدكم, فسبيل من فيها سبيل الماضين من أهلها, ألا وإنها قد تصرمت وآذنت بانقضاء وتنكر معروفها وأصبحت مدبرة مولية, فهي تهتف بالفناء وتصرخ بالموت قد أمر منها ما كان حلوا, وكدر منها ما كان صفوا, فلم يبق منها إلا شفافة كشفافة الإناء, وجرعة كجرعة الإداوة, لو تمززها الصديان, لم تنقع غلته, فأزمعوا عباد الله على الرحيل عنها وأجمعوا متاركتها, فما من حي يطمع في بقاء ولا نفس إلا وقد أذعنت للمنون, ولا يغلبنكم الأمل ولا يطل عليكم الأمد فتقسو قلوبكم, ولا تغتروا بالمنى وخدع الشيطان وتسويفه فإن الشيطان عدوكم حريص على إهلاككم. تعبدوا لله عباد الله أيام الحياة, فو الله لو حننتم حنين الواله المعجال, ودعوتم دعاء الحمام, وجاءرتم جؤار مبتلى الرهبان, وخرجتم إلى الله عز وجل من الأموال والأولاد التماس القربة إليه في ارتفاع درجة وغفران سيئة أحصتها كتبته وحفظتها رسله لكان قليلا فيما ترجون من ثوابه وتخشون من عقابه, وتالله لو انماثت قلوبكم انمياثا وسالت من رهبة الله عيونكم دما, ثم عمرتم عمر الدنيا على أفضل اجتهاد وعمل ما جزت أعمالكم حق نعمة الله عليكم ولا استحققتم الجنة بسوى رحمة الله ومنه عليكم, جعلنا الله وإياكم من المقسطين التائبين الأوابين, ألا وإن هذا اليوم يوم حرمته عظيمة وبركته مأمولة والمغفرة فيه مرجوة, فأكثروا ذكر الله وتعرضوا لثوابه بالتوبة والإنابة والخضوع والتضرع فإنه {يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات} وهو الرحيم الودود.
.
* الشيخ الصدوق في الفقيه, خطب أمير المؤمنين (ع) في الجمعة فقال: أوصيكم عباد الله بتقوى الله واغتنام ما استطعتم عملا به من طاعته في هذه الأيام الخالية, وبالرفض لهذه الدنيا التاركة لكم, وإن لم تكونوا تحبون تركها والمبلية لكم, وإن كنتم تحبون تجديدها فإنما مثلكم ومثلها كركب سلكوا سبيلا فكان قد قطعوه وأفضوا إلى علم فكان قد بلغوه وكم عسى المجرى إلى الغاية أن يجري إليها حتى يبلغها, وكم عسى أن يكون بقاء من له يوم لا يعدوه, وطالب حثيث في الدنيا يحدوه, حتى يفارقها فلا تتنافسوا في عز الدنيا وفخرها, ولا تعجبوا بزينتها ونعيمها, ولا تجزعوا من ضرائها وبؤسها فإن عز الدنيا وفخرها إلى انقطاع, وإن زينتها ونعيمها إلى زوال, وإن ضرها وبؤسها إلى نفاد, وكل مدة منها إلى منتهى, وكل حي منها إلى فناء وبلاء, أوليس لكم في آثار الأولين وفي آبائكم الماضين معتبر وتبصرة إن كنتم تعقلون, ألم تروا إلى الماضين منكم لا يرجعون؟ وإلى الخلف الباقين منكم لا يقفون؟ قال الله {وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون} وقال: {كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} أولستم ترون إلى أهل الدنيا وهم يصبحون ويمسون على أحوال شتى؟ فميت يبكي, وآخر يعزى, وصريع يتلوى, وعائد ومعود, وآخر بنفسه ويجود, وطالب الدنيا والموت يطلبه, وغافل وليس بمغفول عنه, وعلى أثر الماضين يمضي الباقين. والحمد لله رب العالمين رب السماوات السبع, ورب الأرضين السبع, ورب العرش العظيم, الذي يبقى ويفنى ما سواه وإليه يئول الخلق ويرجع الأمر, ألا إن هذا اليوم يوم جعله الله لكم عيدا وهو سيد أيامكم, وأفضل أعيادكم, وقد أمركم الله في كتابه بالسعي فيه إلى ذكره, فلتعظم رغبتكم فيه, ولتخلص نيتكم فيه, وأكثروا فيه التضرع والدعاء ومسألة الرحمة والغفران, فإن الله عز وجل يستجيب لكل من دعاه, ويورد النار من عصاه وكل مستكبر عن عبادته, قال الله عز وجل {ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} وفيه ساعة مباركة لا يسأل الله عبد مؤمن فيها شيئا إلا أعطاه, والجمعة واجبة على كل مؤمن إلا على الصبي والمريض والمجنون والشيخ الكبير والأعمى والمسافر والمرأة والعبد المملوك ومن كان على رأس فرسخين, غفر الله لي ولكم سالف ذنوبنا فيما خلا من أعمارنا, وعصمنا وإياكم من اقتراف الآثام بقية أيام دهرنا, إن أحسن الحديث وأبلغ المواعظ كتاب الله عز وجل.
.
* نهج البلاغة, قال أمير المؤمنين (ع): أوصيكم عباد الله بتقوى الله, وأحذركم الدنيا فإنها دار شخوص, ومحلة تنغيص ساكنها ظاعن وقاطنها بائن, تميد بأهلها ميدان السفينة, تعصفها العواصف في لجج البحار, فمنهم الغرق الوبق ومنهم الناجي على متون الأمواج, تحفزه الرياح بأذيالها, وتحمله على أهوالها, فما غرق منها فليس بمستدرك, وما نجا منها فإلى مهلك. عباد الله الآن فاعملوا والألسن مطلقة, والأبدان صحيحة, والأعضاء لدنة, والمتقلب فسيح, والمجال عريض, قبل إرهاق الفوت, وحلول الموت, فحققوا عليكم نزوله, ولا تنتظروا قدومه.
.
* ابن شعبة الحراني في تحف العقول, قال رجل لأمير المؤمنين (ع): أوصني, فقال (ع): أوصيك أن لا يكونن لعمل الخير عندك غاية في الكثرة, ولا لعمل الإثم عندك غاية في القلة.
قال له آخر: أوصني, فقال (ع): لا تحدث نفسك بفقر ولا طول عمر.
.
* الشيخ الكليني في الكافي, عدة من أصحابنا, عن سهل بن زياد وأحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم, عن أبيه جميعا, عن ابن محبوب, عن عمرو بن أبي المقدام, عن جابر, عن أبي جعفر (ع) قال: كان أمير المؤمنين (ع) بالكوفة عندكم يغتدي كل يوم بكرة من القصر, فيطوف في أسواق الكوفة سوقا سوقا ومعه الدرة على عاتقه, وكان لها طرفان وكانت تسمى السبيبة, فيقف على أهل كل سوق فينادي: يا معشر التجار اتقوا الله عز وجل, فإذا سمعوا صوته (ع) ألقوا ما بأيديهم وأرعوا إليه بقلوبهم وسمعوا بآذانهم فيقول (ع): قدموا الاستخارة, وتبركوا بالسهولة, واقتربوا من المبتاعين, وتزينوا بالحلم, وتناهوا عن اليمين, وجانبوا الكذب, وتجافوا عن الظلم, وأنصفوا المظلومين, ولا تقربوا الربا, وأوفوا {الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم} {ولا تعثوا في الأرض مفسدين}, فيطوف (ع) في جميع أسواق الكوفة ثم يرجع فيقعد للناس.
.
* الشيخ الكليني في الكافي, علي بن إبراهيم, عن محمد بن عيسى, عن يونس, عن أبي جميلة قال: قال أبو عبد الله (ع): كتب أمير المؤمنين (ع) إلى بعض أصحابه يعظه: أوصيك ونفسي بتقوى من لا تحل معصيته، ولا يرجى غيره، ولا الغنى إلا به، فإن من اتقى الله جل وعز وقوي، وشبع وروي، ورفع عقله عن أهل الدنيا، فبدنه مع أهل الدنيا، وقلبه وعقله معاين الآخرة، فأطفأ بضوء قلبه ما أبصرت عيناه من حب الدنيا، فقذر حرامها، وجانب شبهاتها، وأضر والله، بالحلال الصافي إلا ما لا بد له منه، من كسرة منه يشد بها صلبه، وثوب يواري به عورته من أغلظ ما يجد وأخشنه، ولم يكن له فيما لا بد له منه ثقة ولا رجاء، فوقعت ثقته ورجاؤه على خالق الأشياء، فجد واجتهد، وأتعب بدنه حتى بدت الأضلاع، وغارت العينان، فأبدل الله له من ذلك قوة في بدنه، وشدة في عقله، وما ذخر له في الآخرة أكثر. فارفض الدنيا، فإن حب الدنيا يعمي ويصم، ويبكم ويذل الرقاب، فتدارك ما بقي من عمرك، ولا تقل غدا أو بعد غد، فإنما هلك من كان قبلك بإقامتهم على الأماني والتسويف، حتى أتاهم أمر الله بغتة وهم غافلون، فنقلوا على أعوادهم إلى قبورهم المظلمة الضيقة، وقد أسلمهم الأولاد والأهلون. فانقطع إلى الله بقلب منيب من رفض الدنيا، وعزم ليس فيه انكسار، ولا انخزال، أعاننا الله وإياك على طاعته، ووفقنا الله وإياك لمرضاته.
.
* نهج البلاغة, قال أمير المؤمنين (ع): أما بعد, فإني أوصيكم بتقوى الله الذي ابتدأ خلقكم, وإليه يكون معادكم, وبه نجاح طلبتكم, وإليه منتهى رغبتكم, ونحوه قصد سبيلكم, وإليه مرامي مفزعكم, فإن تقوى الله دواء داء قلوبكم, وبصر عمى أفئدتكم, وشفاء مرض أجسادكم, وصلاح فساد صدوركم, وطهور دنس أنفسكم, وجلاء غشاء أبصاركم, وأمن فزع جأشكم, وضياء سواد ظلمتكم, فاجعلوا طاعة الله شعارا دون دثاركم, ودخيلا دون شعاركم, ولطيفا بين أضلاعكم, وأميرا فوق أموركم, ومنهلا لحين ورودكم, وشفيعا لدرك طلبتكم, وجنة ليوم فزعكم, ومصابيح لبطون قبوركم, وسكنا لطول وحشتكم, ونفسا لكرب مواطنكم, فإن طاعة الله حرز من متالف مكتنفة, ومخاوف متوقعة, وأوار نيران موقدة, فمن أخذ بالتقوى عزبت عنه الشدائد بعد دنوها, واحلولت له الأمور بعد مرارتها, وانفرجت عنه الأمواج بعد تراكمها, وأسهلت له الصعاب بعد إنصابها, وهطلت عليه الكرامة بعد قحوطها, وتحدبت عليه الرحمة بعد نفورها, وتفجرت عليه النعم بعد نضوبها, ووبلت عليه البركة بعد إرذاذها, فاتقوا الله الذي نفعكم بموعظته, ووعظكم برسالته, وامتن عليكم بنعمته, فعبدوا أنفسكم لعبادته, واخرجوا إليه من حق طاعته.
.
* العلامة المجلسي في البحار, كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي بإسناده عن الأصبغ بن نباتة قال: خطب علي (ع) فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبي (ص) فصلى عليه, ثم قال: أما بعد, فإني أوصيكم بتقوى الله الذي بطاعته ينفع أولياءه, وبمعصيته يضر أعداءه, وإنه ليس لهالك هلك من يعذره في تعمد ضلالة حسبها هدى, ولا ترك حق حسبه ضلالة, وإن أحق ما يتعاهد الراعي من رعيته أن يتعاهدهم بالذي لله عليهم في وظائف دينهم, وإنما علينا أن نأمركم بما أمركم الله به, وأن ننهاكم عما نهاكم الله عنه, وأن نقيم أمر الله في قريب الناس وبعيدهم, لا نبالي بمن جاء الحق عليه, وقد علمت أن أقوى ما يتمنون في دينهم الأماني ويقولون: "نحن نصلي مع المصلين, ونجاهد مع المجاهدين, ونهجر الهجرة, ونقتل العدو," وكل ذلك يفعله أقوام, ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني, الصلاة لها وقت فرضه رسول الله (ص) لا تصلح إلا به, فوقت صلاة الفجر حين تزايل المرء ليله ويحرم على الصائم طعامه وشرابه, ووقت صلاة الظهر إذا كان القيظ حين يكون ظلك مثلك وإذا كان الشتاء حين تزول الشمس من الفلك, وذلك حين تكون على حاجبك الأيمن مع شروط الله في الركوع والسجود, ووقت العصر والشمس بيضاء نقية قدر ما يسلك الرجل على الجمل الثقيل فرسخين قبل غروبها, ووقت صلاة المغرب إذا غربت الشمس وأفطر الصائم, ووقت صلاة العشاء الآخرة حين غسق الليل وتذهب حمرة الأفق إلى ثلث الليل, فمن نام عند ذلك فلا أنام الله عينه, فهذه مواقيت الصلاة {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} ويقول الرجل: "هاجرت," ولم يهاجر, إنما المهاجرون الذين يهجرون السيئات ولم يأتوا بها, ويقول الرجل: "جاهدت," ولم يجاهد, إنما الجهاد اجتناب المحارم ومجاهدة العدو, وقد يقاتل أقوام فيحبون القتال لا يريدون إلا الذكر والأجر, وإن الرجل ليقاتل بطبعه من الشجاعة فيحمي من يعرف ومن لا يعرف, ويجبن بطبيعته من الجبن فيسلم أباه وأمه إلى العدو, وإنما المثال حتف من الحتوف, وكل امرئ على ما قاتل عليه وإن الكلب ليقاتل دون أهله, والصيام اجتناب المحارم كما يمتنع الرجل من الطعام والشراب والزكاة التي فرضها النبي (ص) طيبة بها نفسك لا تسنوا عليها سنيها فافهموا ما توعظون, فإن الحريب من حرب دينه, والسعيد من وعظ بغيره, ألا وقد وعظتكم فنصحتكم ولا حجة لكم على الله, أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
.
* نصر بن مزاحم في وقعة صفين, قال عمر, عن أبي زهير العبسي, عن النضر بن صالح قال: كنت مع شريح بن هاني في غزوة سجستان، فحدثني ان عليا (ع) أوصاه بكلمات إلى عمرو بن العاص وقال له: قل لعمرو إذا لقيته: ان عليا يقول لك: إن أفضل الخلق عند الله من كان العمل بالحق أحب إليه وإن نقصه، وإن أبعد الخلق من الله من كان العمل بالباطل أحب إليه وإن زاده، والله يا عمرو إنك لتعلم أين موضع الحق فلم تتجاهل؟ ابأن أوتيت طمعا يسيرا صرت لله ولأوليائه عدوا؟ فكأن ما أوتيت قد زال عنك، فلا تكن للخائنين خصيما، ولا للظالمين ظهيرا، أما إني أعلم أن يومك الذي أنت فيه نادم هو يوم وفاتك، وسوف تتمنى أنك لم تظهر لي عداوة، ولم تأخذ على حكم الله رشوة.
.
* العلامة المجلسي في البحار, من وصاياه (ع): أخبرنا عبد الوهاب بن عبد الله المقري, أخبرنا محمد بن ناصر, أخبرنا عبد القادر بن يوسف, أخبرنا أبو إسحاق البرمكي, حدثنا إسحاق بن سعد بن الحسن بن سفيان النسوي, حدثنا جدي الحسن بن سفيان, حدثنا حرملة بن يحيى, عن ابن وهب عن سفيان, عن السري بن إسماعيل, عن عامر الشعبي قال: قال أمير المؤمنين (ع): يا أيها الناس, خذوا عني هذه الكلمات فلو ركبتم المطي حتى تنضوها ما أصبتم مثلها: لا يرجون عبد إلا ربه, و لا يخافن إلا ذنبه, و لا يستحي إذا لم يعلم أن يتعلم, ولا يستحي إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: لا أعلم, و اعلم أن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد, ولا خير في جسد لا رأس له, وقد بلغني أن الله تعالى أوحى إلى نبي من أنبيائه أنه: ليس من أهل بيت ولا أهل دار ولا أهل قرية يكونون لي على ما أحب فيتحولون إلى ما أكره إلا تحولت لهم مما يحبون إلى ما يكرهون, ليس من أهل دار ولا قرية يكونون لي على ما أكره فيتحولون إلى ما أحب إلا تحولت لهم مما يكرهون إلى ما يحبون.
.
* العلامة المجلسي في البحار, كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي بإسناده عن الكلبي ولوط بن يحيى, لما خرج جارية بن قدامة ودعه أمير المؤمنين (ع) وقال له: إتق الله الذي إليه تصير، ولا تحتقر مسلما ولا معاهدا ولا تغصبن مالا ولا ولدا ولا دابة، وإن حفيت وترجلت وصل الصلاة لوقتها.
.
* الحميري في قرب الإسناد, أبو البختري، عن جعفر، عن أبيه (ع): أن عليا (ع) قال لرجل وهو يوصيه: خذ مني خمسا: لا يرجون أحدكم إلا ربه، ولا يخاف إلا ذنبه، ولا يستحيي أن يتعلم ما لم يعلم، ولا يستحيي إذا سئل عما لم يعلم أن يقول: لا أعلم، و اعلموا أن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد.
.
* الشيخ الكليني في الكافي, علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، عن أبي جميلة قال: قال أبو عبد الله (ع): كان في وصية أمير المؤمنين (ع) لأصحابه: إعلموا أن القرآن هدى الليل والنهار، ونور الليل المظلم، على ما كان من جهد وفاقة، فإذا حضرت بلية فاجعلوا أموالكم دون أنفسكم، وإذا نزلت نازلة فاجعلوا أنفسكم دون دينكم. واعلموا أن الهالك من هلك دينه، والحريب من حرب دينه، ألا وإنه لا فقر بعد الجنة، ألا وإنه لا غنى بعد النار، لا يفك أسيرها، ولا يبرأ ضريرها.
.
وصاياه (ع) لما ضربه ابن ملجم عليه لعنة الله
* الشيخ الكليني في الكافي, الحسين بن الحسن الحسني رفعه ومحمد بن الحسن، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمري رفعه قال: لما ضرب أمير المؤمنين (ع) حف به العواد وقيل له: يا أمير المؤمنين أوص, فقال: اثنوا لي وسادة, ثم قال: الحمد لله حق قدره متبعين أمره وأحمده كما أحب، ولا إله إلا الله الواحد الاحد الصمد كما انتسب، أيها الناس كل امرء لاق في فراره ما منه يفر، والأجل مساق النفس إليه، والهرب منه موافاته، كم اطردت الأيام أبحثها عن مكنون هذا الامر فأبى الله عز ذكره إلا إخفاءه، هيهات علم مكنون، أما وصيتي فأن لا تشركوا بالله جل ثناؤه شيئا ومحمدا (ص) فلا تضيعوا سنته، أقيموا هذين العودين وأوقدوا هذين المصباحين، وخلاكم ذم ما لم تشردوا حمل كل امرئ مجهوده، وخفف عن الجهلة، رب رحيم، وإمام عليم، ودين قويم. أنا بالأمس صاحبكم وأنا اليوم عبرة لكم، وغدا مفارقكم، إن تثبت الوطأة في هذه المزلة فذاك المراد، وإن تدحض القدم، فإنا كنا في أفياء أغصان وذرى رياح، وتحت ظل غمامة اضمحل في الجو متلفقها، وعفا في الأرض محطها، وإنما كنت جارا جاوركم بدني أياما وستعقبون مني جثة خلاء، ساكنة بعد حركة، وكاظمة بعد نطق، ليعظكم هدوي وخفوف إطراقي، وسكون أطرافي، فإنه أوعظ لكم من الناطق البليغ، ودعتكم وداع مرصد للتلاقي، غدا ترون أيامي، ويكشف الله عز وجل عن سرائري، وتعرفوني بعد خلو مكاني، وقيام غيري مقامي، إن أبق فأنا ولي دمي، وإن أفن فالفناء ميعادي, وإن أعف فالعفو لي قربة، ولكم حسنة، فاعفوا واصفحوا، ألا تحبون أن يعفو الله لكم، فيالها حسرة على كل ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجة أو تؤديه أيامه إلى شقوة، جعلنا الله وإياكم ممن لا يقصر به عن طاعة الله رغبة، أو تحل به بعد الموت نقمة، فإنما نحن له وبه، ثم أقبل على الحسن (ع) فقال: يا بني ضربة مكان ضربة ولا تأثم.
.
* نهج البلاغة, من كلام لأمير المؤمنين (ع) قاله قبل موته على سبيل الوصية لما ضربه ابن ملجم لعنه الله: وصيتي لكم ألا تشركوا بالله شيئا, ومحمد (ص) فلا تضيعوا سنته, أقيموا هذين العمودين وأوقدوا هذين المصباحين وخلاكم ذم, أنا بالأمس صاحبكم واليوم عبرة لكم وغدا مفارقكم, إن أبق فأنا ولي دمي وإن أفن فالفناء ميعادي, وإن أعف فالعفو لي قربة وهو لكم حسنة, فاعفوا {ألا تحبون أن يغفر الله لكم} والله ما فجأني من الموت وارد كرهته, ولا طالع أنكرته, وما كنت إلا كقارب ورد وطالب وجد, وما عند الله خير للأبرار.
.
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية