وصايا الإمام الباقر ع

وصايا الإمام الباقر (ع)

* ابن شعبة الحراني‏ في تحف العقول, روي عن أبي جعفر (ع) أنه قال لجابر بن يزيد الجعفي: يا جابر اغتنم من أهل زمانك خمسا: إن حضرت لم تعرف, وإن غبت لم تفتقد, وإن شهدت لم تشاور, وإن قلت لم يقبل قولك, وإن خطبت لم تزوج. وأوصيك بخمس: إن ظلمت فلا تظلم, وإن خانوك فلا تخن, وإن كذبت فلا تغضب, وإن مدحت فلا تفرح, وإن ذممت فلا تجزع. وفكر فيما قيل فيك, فإن عرفت من نفسك ما قيل فيك فسقوطك من عين الله جل وعز عند غضبك من الحق أعظم عليك مصيبة مما خفت من سقوطك من أعين الناس, وإن كنت على خلاف ما قيل فيك فثواب اكتسبته من غير أن يتعب بدنك. واعلم بأنك لا تكون لنا وليا حتى لو اجتمع عليك أهل مصرك وقالوا إنك رجل سوء لم يحزنك ذلك, ولو قالوا إنك رجل صالح لم يسرك ذلك, ولكن اعرض نفسك على كتاب الله فإن كنت سالكا سبيله زاهدا في تزهيده راغبا في ترغيبه خائفا من تخويفه فاثبت وأبشر فإنه لا يضرك ما قيل فيك, وإن كنت مباينا للقرآن فما ذا الذي يغرك من نفسك, إن المؤمن معني بمجاهدة نفسه ليغلبها على هواها فمرة يقيم أودها ويخالف هواها في محبة الله, ومرة تصرعه نفسه فيتبع هواها فينعشه الله‏ فينتعش ويقيل الله عثرته فيتذكر ويفزع إلى التوبة والمخافة فيزداد بصيرة ومعرفة لما زيد فيه من الخوف, وذلك بأن الله يقول {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون‏ؤ. يا جابر, استكثر لنفسك من الله قليل الرزق تخلصا إلى الشكر, واستقلل من نفسك كثير الطاعة لله إزراء على النفس *(عابها وعاتبها)* وتعرضا للعفو, وادفع عن نفسك حاضر الشر بحاضر العلم, واستعمل حاضر العلم بخالص العمل, وتحرز في خالص العمل من عظيم الغفلة بشدة التيقظ, واستجلب شدة التيقظ بصدق الخوف, واحذر خفي التزين بحاضر الحياة, وتوق مجازفة الهوى بدلالة العقل, وقف عند غلبة الهوى باسترشاد العلم, واستبق خالص الأعمال ليوم الجزاء, وانزل ساحة القناعة باتقاء الحرص, وادفع عظيم الحرص بإيثار القناعة, واستجلب حلاوة الزهادة بقصر الأمل, واقطع أسباب الطمع ببرد اليأس, وسد سبيل العجب بمعرفة النفس, وتخلص إلى راحة النفس بصحة التفويض, واطلب راحة البدن بإجمام القلب, وتخلص إلى إجمام القلب بقلة الخطإ, وتعرض لرقة القلب بكثرة الذكر في الخلوات, واستجلب نور القلب بدوام الحزن, وتحرز من إبليس بالخوف الصادق, وإياك والرجاء الكاذب فإنه يوقعك في الخوف الصادق, وتزين لله عز وجل بالصدق في الأعمال, وتحبب إليه بتعجيل الانتقال, وإياك والتسويف فإنه بحر يغرق فيه الهلكى, وإياك والغفلة ففيها تكون قساوة القلب, وإياك والتواني فيما لا عذر لك فيه فإليه يلجأ النادمون, واسترجع سالف الذنوب بشدة الندم وكثرة الاستغفار, وتعرض‏ للرحمة وعفو الله بحسن المراجعة, واستعن على حسن المراجعة بخالص الدعاء والمناجاة في الظلم, وتخلص إلى عظيم الشكر باستكثار قليل الرزق واستقلال كثير الطاعة, واستجلب زيادة النعم بعظيم الشكر, والتوسل إلى عظيم الشكر بخوف زوال النعم, واطلب بقاء العز بإماتة الطمع, وادفع ذل الطمع بعز اليأس, واستجلب عز اليأس ببعد الهمة, وتزود من الدنيا بقصر الأمل, وبادر بانتهاز البغية عند إمكان الفرصة, ولا إمكان كالأيام الخالية مع صحة الأبدان, وإياك والثقة بغير المأمون فإن للشر ضراوة كضراوة الغذاء. واعلم أنه لا علم كطلب السلامة, ولا سلامة كسلامة القلب, ولا عقل كمخالفة الهوى, ولا خوف كخوف حاجز, ولا رجاء كرجاء معين, ولا فقر كفقر القلب, ولا غنى كغنى النفس, ولا قوة كغلبة الهوى, ولا نور كنور اليقين, ولا يقين كاستصغارك الدنيا, ولا معرفة كمعرفتك بنفسك, ولا نعمة كالعافية, ولا عافية كمساعدة التوفيق, ولا شرف كبعد الهمة, ولا زهد كقصر الأمل, ولا حرص كالمنافسة في الدرجات‏, ولا عدل كالإنصاف, ولا تعدي كالجور, ولا جور كموافقة الهوى, ولا طاعة كأداء الفرائض, ولا خوف كالحزن, ولا مصيبة كعدم العقل, ولا عدم عقل كقلة اليقين, ولا قلة يقين كفقد الخوف, ولا فقد خوف كقلة الحزن على فقد الخوف, ولا مصيبة كاستهانتك بالذنب ورضاك بالحالة التي أنت عليها, ولا فضيلة كالجهاد, ولا جهاد كمجاهدة الهوى, ولا قوة كرد الغضب, ولا معصية كحب البقاء, ولا ذل كذل الطمع, وإياك والتفريط عند إمكان الفرصة فإنه ميدان يجري لأهله بالخسران. 

.

* ابن شعبة الحراني‏ في تحف العقول, خرج الإمام الباقر (ع) يوما وهو يقول: أصبحت والله يا جابر محزونا مشغول القلب, فقلت:‏ جعلت فداك ما حزنك وشغل قلبك, كل هذا على الدنيا؟ فقال (ع): لا يا جابر, ولكن حزن هم الآخرة. يا جابر, من دخل قلبه خالص حقيقة الإيمان شغل عما في الدنيا من زينتها, إن زينة زهرة الدنيا إنما هو لعب ولهو {وإن الدار الآخرة لهي الحيوان}.‏ يا جابر, إن المؤمن لا ينبغي له أن يركن ويطمئن إلى زهرة الحياة الدنيا, واعلم أن أبناء الدنيا هم أهل غفلة وغرور وجهالة, وأن أبناء الآخرة هم المؤمنون العاملون الزاهدون أهل العلم والفقه وأهل فكرة واعتبار واختبار لا يملون من ذكر الله. واعلم يا جابر أن أهل التقوى هم الأغنياء أغناهم القليل من الدنيا فمئونتهم يسيرة, إن نسيت الخير ذكروك وإن عملت به أعانوك, أخروا شهواتهم ولذاتهم خلفهم وقدموا طاعة ربهم أمامهم, ونظروا إلى سبيل الخير وإلى ولاية أحباء الله فأحبوهم وتولوهم واتبعوهم, فأنزل نفسك من الدنيا كمثل منزل نزلته ساعة ثم ارتحلت عنه, أو كمثل مال استفدته في منامك ففرحت به وسررت ثم انتبهت من رقدتك وليس في يدك شي‏ء, وإني إنما ضربت لك مثلا لتعقل وتعمل به إن وفقك الله له فاحفظ يا جابر ما أستودعك‏ من دين الله وحكمته, وانصح لنفسك وانظر ما الله عندك في حياتك فكذلك يكون لك العهد عنده في مرجعك, وانظر فإن تكن الدنيا عندك على غير ما وصفت لك فتحول عنها إلى دار المستعتب اليوم‏, فلرب حريص على أمر من أمور الدنيا قد ناله فلما ناله كان عليه وبالا وشقي به, ولرب كاره لأمر من أمور الآخرة قد ناله فسعد به. 

.

* الشيخ الكليني في الكافي, محمد بن يحيى, عن أحمد بن محمد بن عيسى‏, عن علي بن الحكم, عن أبي عبد الله المؤمن, عن جابر قال: دخلت على أبي جعفر (ع) فقال: يا جابر والله إني لمحزون‏ وإني‏ لمشغول‏ القلب, قلت: جعلت فداك وما شغلك وما حزن قلبك؟ فقال: يا جابر, إنه من دخل قلبه صافي‏ خالص دين الله شغل قلبه عما سواه. يا جابر, ما الدنيا وما عسى أن تكون الدنيا؟ هل هي إلا طعام أكلته, أو ثوب لبسته ,أو امرأة أصبتها؟ يا جابر, إن المؤمنين لم يطمئنوا إلى الدنيا ببقائهم فيها ولم يأمنوا قدومهم الآخرة. يا جابر, الآخرة دار قرار والدنيا دار فناء وزوال, ولكن أهل الدنيا أهل غفلة, وكأن المؤمنين هم الفقهاء أهل فكرة وعبرة لم يصمهم عن ذكر الله جل اسمه ما سمعوا بآذانهم, ولم يعمهم عن ذكر الله ما رأوا من الزينة بأعينهم, ففازوا بثواب الآخرة كما فازوا بذلك العلم. واعلم يا جابر أن أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مئونة وأكثرهم لك معونة, تذكر فيعينونك وإن نسيت ذكروك, قوالون بأمر الله, قوامون على أمر الله, قطعوا محبتهم بمحبة ربهم, ووحشوا الدنيا لطاعة مليكهم, ونظروا إلى الله عز وجل وإلى محبته بقلوبهم وعلموا أن ذلك هو المنظور إليه لعظيم شأنه, فأنزل الدنيا كمنزل نزلته ثم ارتحلت عنه, أو كمال وجدته في منامك فاستيقظت وليس معك منه شي‏ء, إني إنما ضربت لك هذا مثلا لأنها عند أهل اللب والعلم بالله كفي‏ء الظلال. يا جابر, فاحفظ ما استرعاك الله‏ جل وعز من دينه وحكمته, ولا تسألن عما لك عنده إلا ما له عند نفسك, فإن تكن الدنيا على غير ما وصفت لك فتحول إلى دار المستعتب‏, فلعمري لرب حريص على أمر قد شقي به حين أتاه ولرب كاره لأمر قد سعد به حين أتاه, وذلك قول الله عز وجل‏ {وليمحص الله‏ الذين آمنوا ويمحق‏ الكافرين}. 

.

* الشيخ الطوسي في الأمالي, أخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمد قال: أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد قال: حدثنا محمد بن يعقوب قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن‏ أبيه، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عمرو بن شمر، عن جابر، قال: دخلنا على أبي جعفر محمد بن علي (ع) ونحن جماعة بعد ما قضينا نسكنا، فودعناه وقلنا له: أوصنا يا ابن‏ رسول‏ الله‏, فقال: ليعن قويكم ضعيفكم، وليعطف غنيكم على فقيركم، ولينصح الرجل أخاه كنصيحته لنفسه، واكتموا أسرارنا ولا تحملوا الناس على أعناقنا، وانظروا أمرنا وما جاءكم عنا، فإن وجدتموه للقرآن موافقا فخذوا به، وإن لم تجدوه موافقا فردوه، وإن اشتبه الأمر عليكم فيه فقفوا عنده وردوه إلينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا، وإذا كنتم كما أوصيناكم، لم تعدوا إلى غيره، فمات منكم ميت قبل أن يخرج قائمنا كان شهيدا، ومن أدرك منكم قائمنا فقتل معه كان له أجر شهيدين، ومن قتل بين يديه عدوا لنا كان له أجر عشرين شهيدا. 

.

* الشيخ الطوسي في الأمالي, أبو محمد الفحام قال: حدثني عمي قال: حدثني محمد بن جعفر قال: حدثنا محمد بن المثنى، عن أبيه، عن عثمان بن زيد، عن جابر بن يزيد الجعفي قال: خدمت سيدنا الإمام أبا جعفر محمد بن علي (ع) ثماني عشرة سنة، فلما أردت الخروج ودعته، وقلت: أفدني, فقال: بعد ثماني عشرة سنة، يا جابر؟ قلت: نعم, إنكم بحر لا ينزف ولا يبلغ قعره, فقال: يا جابر، بلغ شيعتي عني السلام، وأعلمهم أنه لا قرابة بيننا وبين الله عز وجل، ولا يتقرب إليه إلا بالطاعة له. يا جابر، من أطاع الله وأحبنا فهو ولينا، ومن عصى الله لم ينفعه حبنا. يا جابر، من هذا الذي يسأل الله فلم يعطه، أو توكل عليه فلم يكفه، أو وثق به فلم ينجه. يا جابر، أنزل الدنيا منك كمنزل نزلته تريد التحويل عنه، وهل الدنيا إلا دابة ركبتها في منامك فاستيقظت وأنت على فراشك غير راكب ولا آخذ بعنانها، أو كثوب لبسته أو كجارية وطئتها. يا جابر، الدنيا عند ذوي الألباب كفي‏ء الظلال، لا إله إلا الله إعزاز لأهل دعوته، الصلاة تثبيت للإخلاص وتنزيه عن الكبر، والزكاة تزيد في الرزق، والصيام والحج تسكين القلوب، القصاص والحدود حقن الدماء، وحبنا أهل البيت نظام الدين، وجعلنا الله وإياكم من {الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون}. 

.

* محمد بن أحمد بن إدريس في السرائر, حمران بن أعين قال: دخلت على أبي جعفر (ع) فقلت له: أوصني, فقال: أوصيك بتقوى الله, وإياك والمزاح فإنه يذهب هيبة الرجل وماء وجهه, وعليك بالدعاء لإخوانك بظهر الغيب فإنه يهيل الرزق, يقولها ثلاثا. 

.

* الشيخ الكليني في الكافي, محمد بن يحيى, عن أحمد بن محمد بن عيسى, عن علي بن النعمان, عن ابن مسكان, عن خيثمة قال: دخلت على أبي جعفر (ع) أودعه فقال: يا خيثمة أبلغ من ترى من موالينا السلام، وأوصهم بتقوى الله العظيم، وأن يعود غنيهم على فقيرهم، وقويهم على ضعيفهم، وأن يشهد حيهم جنازة ميتهم وأن يتلاقوا في بيوتهم، فإن لقيا بعضهم بعضا حياة لأمرنا، رحم الله عبدا أحيا أمرنا.  يا خيثمة أبلغ موالينا، أنا لا نغني عنهم من الله شيئا إلابعمل، وأنهم لن ينالوا ولايتنا إلابالورع، وأن أشد الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلا ثم خالفه إلى غيره. 

.

* فرات بن إبراهيم الكوفي في تفسيره, حدثني جعفر بن محمد الفزاري معنعنا, عن خيثمة الجعفي قال: دخلت على أبي جعفر (ع) فقال لي: يا خيثمة أبلغ موالينا منا السلام, وأعلمهم أنهم لن ينالوا ما عند الله إلا بالعمل, ولن ينالوا ولايتنا إلا بالورع. يا خيثمة, ليس ينتفع من ليس معه ولايتنا ولا معرفتنا أهل البيت, والله إن الدابة لتخرج فتكلم الناس مؤمن وكافر وإنها تخرج من بيت الله الحرام فليس يمر بها أحد من الخلق إلا قال مؤمن أو كافر, وإنما كفروا بولايتنا لا يوقنون. يا خيثمة, كانوا بآياتنا لا يقرون. يا خيثمة, الله الإيمان وهو قوله {المؤمن المهيمن} ونحن أهله وفينا مسكنه يعني الإيمان, ومنا يشعب ومنا عرف الإيمان, ونحن الإسلام ومنا عرف شرائع الإسلام وبنا تشعب. يا خيثمة, من عرف الإيمان واتصل به لم ينجسه الذنوب, كما أن المصباح يضي‏ء وينفذ النور وليس ينقص من ضوئه شي‏ء كذلك من عرفنا وأقر بولايتنا غفر الله له ذنوبه. 

.

* محمد بن إبراهيم النعماني في الغيبة, حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد, عن بعض رجاله, عن علي بن عمارة الكناني قال: حدثنا محمد بن سنان, عن أبي الجارود, عن أبي جعفر (ع), قال: قلت له (ع): أوصني, فقال: أوصيك بتقوى الله, وأن تلزم بيتك, وتقعد في دهماء هؤلاء الناس, وإياك والخوارج منا فإنهم ليسوا على شي‏ء ولا إلى شي‏ء, واعلم أن لبني أمية ملكا لا يستطيع الناس أن تردعه, وأن لأهل الحق دولة إذا جاءت ولاها الله لمن يشاء منا أهل البيت, فمن أدركها منكم كان عندنا في السنام الأعلى وإن قبضه الله قبل ذلك خار له, واعلم أنه لا تقوم عصابة تدفع ضيما أو تعز دينا إلا صرعتهم المنية والبلية, حتى تقوم عصابة شهدوا بدرا مع رسول الله (ص) لا يوارى قتيلهم ويرفع صريعهم  ولا يداوى جريحهم, قلت: من هم؟ قال: الملائكة.

.

* الشيخ المفيد في الأمالي, حدثني أحمد بن محمد, عن أبيه محمد بن الحسن بن الوليد القمي, عن محمد بن الحسن الصفار, عن العباس بن معروف, عن علي بن مهزيار, عن علي بن حديد, عن علي بن النعمان, عن إسحاق بن عمار, عن أبي النعمان العجلي قال: قال أبو جعفر محمد بن علي (ع): يا أبا النعمان, لا تحققن علينا كذبا فتسلب الحنيفية. يا أبا النعمان, لا تستأكل بنا الناس فلا يزيدك الله بذلك‏ إلا فقرا. يا أبا النعمان, لا ترأس فتكون ذنبا. يا أبا النعمان, إنك موقوف ومسئول لا محالة فإن صدقت صدقناك وإن كذبت كذبناك.  يا أبا النعمان, لا يغرك الناس عن نفسك فإن الأمر يصل إليك دونهم, ولا تقطعن نهارك بكذا وكذا, فإن معك من يحفظ عليك وأحسن فلم أر شيئا أسرع دركا ولا أشد طلبا من حسنة لذنب قديم. 

.

* القاضي نعمان المغربي في دعائم الإسلام, عن أبي جعفر محمد بن علي (ع) أنه أوصى بعض شيعته فقال: يا معشر شيعتنا، اسمعوا وافهموا وصايانا وعهدنا إلى أوليائنا، اصدقوا في قولكم وبروا في أيمانكم لأوليائكم وأعدائكم، وتواسوا بأموالكم، وتحابوا بقلوبكم، وتصدقوا على فقرائكم، واجتمعوا على أمركم، ولا تدخلوا غشا ولا خيانة على أحد، ولا تشكوا بعد اليقين ولا ترجعوا بعد الإقدام جبنا، ولا يول أحد منكم أهل مودته قفاه، ولا تكونن شهوتكم في مودة غيركم، ولا مودتكم فيما سواكم، ولا عملكم لغير ربكم، ولا إيمانكم وقصدكم لغير نبيكم. واستعينوا بالله واصبروا، إن الأرض لله، يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، وإن الأرض لله يورثها عباده الصالحين. ثم قال: إن أولياء الله وأولياء رسوله من شيعتنا، من إذا قال صدق، وإذا وعد وفى، وإذا ائتمن أدى، وإذا حمل في الحق احتمل، وإذا سئل الواجب أعطى، وإذا أمر بالحق فعل. شيعتنا من لا يعدو علمه سمعه. شيعتنا من لا يمدح لنا معيبا، ولا يواصل لنا مبغضا، ولا يجالس لنا قاليا، إن لقي مؤمنا أكرمه، وإن لقي جاهلا هجره. شيعتنا من لا يهر هرير الكلب، ولا يطمع طمع الغراب، ولا يسأل أحدا إلامن إخوانه وإن مات جوعا. شيعتنا من قال بقولنا، وفارق أحبته فينا، وأدنى البعداء في حبنا، وأبعد القرباء في بغضنا. فقال له رجل ممن شهد: جعلت فداك، أين يوجد مثل هؤلاء؟ فقال: في أطراف الأرضين، أولئك الخفيض عيشهم، القريرة أعينهم، إن شهدوا لم يعرفوا، وإن غابوا لم يفتقدوا، وإن مرضوا لم يعادوا، وإن خطبوا لم يزوجوا، وإن وردوا طريقا تنكبوا، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، ويبيتون لربهم سجدا وقياما. قال: يا ابن رسول الله، فكيف بالمتشيعين بألسنتهم وقلوبهم على خلاف ذلك؟ فقال: التمحيص يأتي عليهم بسنين تفنيهم، وضغائن تبيدهم، واختلاف يقتلهم، أما والذي نصرنا بأيدي ملائكته، لا يقتلهم الله إلابأيديهم، فعليكم بالإقرار إذا حدثتم، وبالتصديق إذا رأيتم، وترك الخصومة فإنها تقصيكم، وإياكم أن يبعثكم قبل وقت الأجل فتطل دماؤكم، وتذهب أنفسكم، ويذمكم من يأتي بعدكم، وتصيروا عبرة للناظرين. وإن أحسن الناس فعلا من فارق أهل الدنيا من والد وولد، ووالى ووازر وناصح وكافا إخوانه في الله وإن كان حبشيا أو زنجيا، وإن كان لا يبعث من المؤمنين أسود، بل يرجعون كأنهم البرد قد غسلوا بماء الجنان، وأصابوا النعيم المقيم، وجالسوا الملائكة المقربين، ورافقوا الأنبياء المرسلين. وليس من عبد أكرم على الله من عبد شرد وطرد في الله حتى يلقى الله على ذلك. شيعتنا المنذرون في الأرض، سرج وعلامات ونور لمن طلب ما طلبوا، وقادة لأهل طاعة الله، شهداء على من خالفهم ممن ادعى دعواهم، سكن لمن أتاهم، لطفاء بمن والاهم، سمحاء، أعفاء، رحماء، فذلك صفتهم في التوراة والإنجيل والقرآن العظيم. إن الرجل العالم من شيعتنا إذا حفظ لسانه وطاب نفسا بطاعة أوليائه، وأضمر المكايدة لعدوه بقلبه، ويغدو حين يغدو وهو عارف بعيوبهم، ولا يبدي ما في نفسه لهم، ينظر بعينه إلى أعمالهم الردية، ويسمع بأذنه مساويهم، ويدعو بلسانه عليهم، مبغضوهم أولياؤه ومحبوهم أعداؤه. فقال له رجل: بأبي أنت وأمي، فما ثواب من وصفت إذا كان يصبح آمنا ويمسي آمنا ويبيت محفوظا، فما منزلته وثوابه؟ فقال: تؤمر السماء بإظلاله والأرض بإكرامه والنور ببرهانه. قال: فما صفته في دنياه؟ قال: إن سأل أعطي، وإن دعا أجيب، وإن طلب أدرك، وإن نصر مظلوما عز. 

.

* الشهيد الثاني في منية المريد, عن محمد بن مسلم قال: دخل رجل من أهل الجبل على أبي جعفر (ع) فقال له عند الوداع: أوصني, فقال (ع): عليك بتقوى الله, وبر أخاك المؤمن, وأحب له كما تحب لنفسك, واكره له ما تكره لنفسك, وإن سألك فأعطه, وإن كف عنك فاعرض عليه, ولا تمله خيرا وإنه لا يمل لك, كن له عضدا وإنه لك عضد, وإن وجد عليك فلا تفارقه حتى تسل‏ سخيمته, وإن غاب فاحفظه في غيبته, وإن شهد فاكفه واعضده وآزره وأكرمه والطفه فإنه منك وأنت منه. 

.

* الشيخ الكليني في الكافي, حميد بن زياد, عن الحسن بن محمد بن سماعة, عن بعض أصحابه, عن أبان, عن عمرو بن خالد, عن أبي جعفر (ع) قال: يا معشر الشيعة, شيعة آل محمد, كونوا النمرقة الوسطى يرجع إليكم الغالي ويلحق بكم التالي, فقال له رجل من الأنصار يقال له سعد: جعلت فداك ما الغالي؟ قال: قوم يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا, فليس أولئك منا ولسنا منهم, قال: فما التالي, قال: المرتاد, يريد الخير يبلغه الخير يؤجر عليه, ثم أقبل علينا فقال: والله ما معنا من الله براءة, ولا بيننا وبين الله قرابة, ولا لنا على الله حجة, ولا نتقرب إلى الله إلا بالطاعة, فمن كان منكم مطيعا لله تنفعه‏ ولايتنا, ومن كان منكم عاصيا لله لم تنفعه ولايتنا, ويحكم لا تغتروا, ويحكم لا تغتروا. 

.

* العلامة المجلسي في البحار, قال الإمام الباقر (ع) لبعض شيعته وقد أراد سفرا, فقال له: أوصني, فقال (ع): لا تسيرن سيرا وأنت حاف‏, ولا تنزلن عن دابتك ليلا إلا ورجلاك في خف, ولا تبولن في نفق, ولا تذوقن بقلة ولا تشمها حتى تعلم ما هي, ولا تشرب من سقاء حتى تعرف ما فيه, ولا تسيرن إلا مع من تعرف واحذر من لا تعرف. 

.

* الشيخ الكليني في الكافي, محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (ع) قال: لما حضرت أبي (ع) الوفاة قال: يا جعفر، أوصيك بأصحابي خيرا, قلت: جعلت فداك، والله لأدعنهم، والرجل منهم يكون في المصر فلا يسأل أحدا. 

.

* الشيخ الطوسي في التهذيب, علي بن محمد، عن بعض أصحابه، عن الوشاء، عن أبي خيثمة، عن‏أبي عبد الله (ع) قال: إن أبي أمرني أن أغسله إذا توفي، وقال لي: اكتب يا بني، ثم قال: إنهم يأمرونك بخلاف ما تصنع، فقل لهم: هذا كتاب أبي ولست أعدو قوله، ثم قال: تبدأ فتغسل يديه، ثم توضيه وضوء الصلاة، ثم تأخذ ماء وسدرا. 

.

* الشيخ الكليني في الكافي, علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (ع) قال: كتب أبي في وصيته أن أكفنه في ثلاثة أثواب: أحدها رداء له حبرة كان يصلي فيه يوم الجمعة، وثوب آخر، وقميص. فقلت لأبي: لم تكتب هذا؟ فقال: أخاف أن يغلبك الناس، وإن قالوا: كفنه في أربعة أو خمسة فلا تفعل، وعممني بعمامة، وليس تعد العمامة من الكفن، إنما يعد ما يلف به الجسد. 

.

* الشيخ الكليني في الكافي, عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن الحلبي، قال: قال أبو عبد الله (ع): إن أبي كتب في وصيته أن أكفنه في ثلاثة أثواب؛ أحدها رداء له حبرة، وثوب آخر، وقميص. قلت: ولم كتب هذا؟ قال: مخافة قول الناس، وعصبناه بعد ذلك بعمامة، وشققنا له الأرض من أجل أنه كان بادنا، وأمرني أن أرفع القبر من الأرض أربع أصابع مفرجات، وذكر أن رش القبر بالماء حسن. 

.

* الشيخ عبد الله البحراني في العوالم, قال الإمام الباقر (ع) لرجل: اوصيك بتقوى الله، واتخذ الكبير أبا، والصغير ولدا، والرجل أخا. 

.

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية