وصايا الإمام الصادق ع الى اولاده وخواص اصحابه

وصايا الإمام الصادق (ع) لأولاده وخواص اصحابه

* علي بن عيسى‏ الإربلي‏ في كشف الغمة, ذكر بعض أصحاب الإمام الصادق (ع)‏ قال: دخلت على جعفر وموسى (ع) ولده بين يديه وهو يوصيه بهذه الوصية, فكان مما حفظت منه أن قال: يا بني, اقبل وصيتي‏ واحفظ مقالتي, فإنك إن حفظتها تعش سعيدا وتمت حميدا. يا بني, إنه من قنع بما قسم الله له استغنى, ومن مد عينيه إلى ما في يد غيره مات فقيرا, ومن لم يرض بما قسم الله عز وجل اتهم الله تعالى في قضائه, ومن استصغر زلة نفسه استعظم زلة غيره, ومن استصغر زلة غيره استعظم زلة نفسه. يا بني, من كشف حجاب غيره انكشفت عورات نفسه, ومن سل سيف البغي قتل به, ومن حفر لأخيه بئرا سقط فيها, ومن دخل مداخل السفهاء حقر, ومن خالط العلماء وقر, ومن دخل مداخل السوء اتهم. يا بني, قل الحق لك وعليك, وإياك والنميمة فإنها تزرع الشحناء في قلوب الرجال. يا بني, إذا طلبت الجود فعليك بمعادنه, فإن للجود معادن, وللمعادن أصولا, وللأصول فروعا, وللفروع ثمرا, ولا يطيب ثمر إلا بفرع, ولا فرع إلا بأصل, ولا أصل إلا بمعدن طيب. يا بني, إذا زرت فزر الأخيار ولا تزر الفجار, فإنهم صخرة لا ينفجر ماؤها, وشجرة لا يخضر ورقها, وأرض لا يظهر عشبها. قال علي بن موسى (ع) فما ترك أبي هذه الوصية إلى أن مات. 

.

* الشيخ الكليني في الكافي, علي بن إبراهيم, عن أبيه, عن ابن فضال, عن علي بن عقبة, عن مهدي, عن أبي الحسن موسى (ع) قال: السخي الحسن الخلق في كنف الله لا يستخلي الله منه حتى يدخله الجنة, وما بعث الله عز وجل نبيا ولا وصيا إلا سخيا, وما كان أحد من الصالحين إلا سخيا, وما زال أبي (ع) يوصيني بالسخاء حتى مضى‏. 

.

* الشيخ الصدوق في ثواب الأعمال, حدثني محمد بن علي ماجيلويه, عن عمه عن محمد بن علي القرشي, عن ابن فضال, عن الميثمي, عن أبي بصير قال: دخلت على أم حميدة أعزيها بأبي عبد الله (ع) فبكت وبكيت لبكائها, ثم قالت: يا أبا محمد, لو رأيت أبا عبد الله عند الموت لرأيت عجبا, فتح عينه ثم قال: اجمعوا لي كل من بيني وبينه قرابة, قالت: فلم نترك أحدا إلا جمعناه, قال: فنظر إليهم ثم قال: إن شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلاة. 

.

* ابن شعبة الحراني‏ في تحف العقول, وصيته (ع) لعبد الله بن جندب‏: روي أن الإمام الصادق (ع) قال‏: يا عبد الله, لقد نصب إبليس حبائله في دار الغرور فما يقصد فيها إلا أولياءنا, ولقد جلت الآخرة في أعينهم حتى ما يريدون بها بدلا, ثم قال: آه آه على قلوب حشيت نورا, وإنما كانت الدنيا عندهم بمنزلة الشجاع الأرقم,‏ والعدو الأعجم, أنسوا بالله واستوحشوا مما به استأنس المترفون, أولئك أوليائي حقا وبهم تكشف كل فتنة وترفع كل بلية. يا ابن جندب, حق على كل مسلم يعرفنا أن يعرض عمله في كل يوم وليلة على نفسه فيكون محاسب نفسه, فإن رأى حسنة استزاد منها وإن رأى سيئة استغفر منها لئلا يخزى يوم القيامة, طوبى لعبد لم يغبط الخاطئين على ما أوتوا من نعيم الدنيا وزهرتها, طوبى لعبد طلب الآخرة وسعى لها, طوبى لمن لم تلهه الأماني الكاذبة. ثم قال (ع): رحم الله قوما كانوا سراجا ومنارا, كانوا دعاة إلينا بأعمالهم ومجهود طاقتهم, ليس كمن يذيع أسرارنا. يا ابن جندب‏, {إنما المؤمنون الذين}‏ يخافون الله ويشفقون أن يسلبوا ما أعطوا من الهدى, فإذا ذكروا الله ونعماءه وجلوا وأشفقوا {وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا} مما أظهره من نفاذ قدرته {وعلى ربهم يتوكلون}.‏ يا ابن جندب, قديما عمر الجهل وقوي أساسه, وذلك لاتخاذهم دين الله لعبا حتى‏ لقد كان المتقرب منهم إلى الله بعلمه يريد سواه‏ {أولئك هم الظالمون}.‏ يا ابن جندب, لو أن شيعتنا استقاموا لصافحتهم الملائكة, ولأظلهم الغمام, ولأشرقوا نهارا, {ولأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم}‏ ولما سألوا الله شيئا إلا أعطاهم. يا ابن جندب, لا تقل في المذنبين من أهل دعوتكم إلا خيرا, واستكينوا إلى الله في توفيقهم, وسلوا التوبة لهم, فكل من قصدنا ووالانا ولم يوال عدونا وقال ما يعلم وسكت عما لا يعلم أو أشكل عليه فهو في الجنة. يا ابن جندب, يهلك المتكل على عمله, ولا ينجو المجترئ على الذنوب الواثق برحمة الله, قلت: فمن ينجو؟ قال: الذين هم بين الرجاء والخوف, كأن قلوبهم في مخلب طائر شوقا إلى الثواب وخوفا من العذاب. يا ابن جندب, من سره أن يزوجه الله الحور العين ويتوجه بالنور فليدخل على أخيه المؤمن السرور. يا ابن جندب, أقل النوم بالليل والكلام بالنهار, فما في الجسد شي‏ء أقل شكرا من العين واللسان, فإن أم سليمان قالت لسليمان (ع): "يا بني, إياك والنوم فإنه يفقرك يوم يحتاج الناس إلى أعمالهم." يا ابن جندب, إن للشيطان مصائد يصطاد بها فتحاموا شباكه‏ ومصائده, قلت: يا ابن رسول الله وما هي؟ قال: أما مصائده فصد عن بر الإخوان, وأما شباكه فنوم عن قضاء الصلوات التي فرضها الله, أما إنه ما يعبد الله بمثل نقل الأقدام إلى بر الإخوان وزيارتهم, ويل للساهين عن الصلوات النائمين في الخلوات المستهزءين بالله وآياته في الفترات,‏ أولئك الذين‏ { لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم‏}‏. يا ابن جندب, من أصبح مهموما لسوى فكاك رقبته فقد هون عليه‏ الجليل ورغب‏ من ربه في الربح الحقير, ومن غش أخاه وحقره وناوأه‏ جعل الله النار مأواه, ومن حسد مؤمنا انماث الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء. يا ابن جندب, الماشي في حاجة أخيه كالساعي بين الصفا والمروة, وقاضي حاجته كالمتشحط بدمه في سبيل الله يوم بدر وأحد, وما عذب الله أمة إلا عند استهانتهم بحقوق فقراء إخوانهم. يا ابن جندب, بلغ معاشر شيعتنا وقل لهم: "لا تذهبن بكم المذاهب, فو الله لا تنال ولايتنا إلا بالورع والاجتهاد في الدنيا ومواساة الإخوان في الله, وليس من شيعتنا من يظلم الناس." يا ابن جندب, إنما شيعتنا يعرفون بخصال شتى: بالسخاء, والبذل للإخوان, وبأن يصلوا الخمسين ليلا ونهارا, شيعتنا لا يهرون هرير الكلب, ولا يطمعون طمع الغراب, ولا يجاورون لنا عدوا, ولا يسألون لنا مبغضا ولو ماتوا جوعا, شيعتنا لا يأكلون الجري‏, ولا يمسحون على الخفين, ويحافظون على الزوال, ولا يشربون مسكرا, قلت: جعلت فداك فأين أطلبهم؟ قال (ع): على رءوس الجبال وأطراف المدن, وإذا دخلت مدينة فسل‏ عمن لا يجاورهم ولا يجاورونه فذلك مؤمن كما قال الله {وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى}‏ والله لقد كان حبيب النجار وحده. يا ابن جندب, كل الذنوب مغفورة سوى عقوق أهل دعوتك, وكل البر مقبول إلا ما كان رئاء. يا ابن جندب, أحبب في الله واستمسك‏ بالعروة الوثقى‏ واعتصم بالهدى يقبل عملك, فإن الله يقول‏ {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى‏}‏ فلا يقبل إلا الإيمان, ولا إيمان إلا بعمل, ولا عمل إلا بيقين, ولا يقين إلا بالخشوع, وملاكها كلها الهدى, فمن اهتدى يقبل عمله وصعد إلى الملكوت متقبلا {والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم‏}. يا ابن جندب, إن أحببت أن تجاور الجليل في داره, وتسكن الفردوس في جواره, فلتهن عليك الدنيا واجعل الموت نصب عينك, ولا تدخر شيئا لغد, واعلم أن لك ما قدمت وعليك ما أخرت. يا ابن جندب, من حرم نفسه كسبه فإنما يجمع لغيره, ومن أطاع هواه فقد أطاع عدوه, من يثق بالله يكفه ما أهمه من أمر دنياه وآخرته, ويحفظ له ما غاب عنه, وقد عجز من لم يعد لكل بلاء صبرا, ولكل نعمة شكرا, ولكل عسر يسرا, صبر نفسك عند كل بلية في ولد أو مال أو رزية, فإنما يقبض عاريته ويأخذ هبته ليبلو فيهما صبرك وشكرك, وارج الله رجاء لا يجريك على معصيته, وخفه خوفا لا يؤيسك من رحمته, ولا تغتر بقول الجاهل ولا بمدحه فتكبر وتجبر وتعجب بعملك, فإن أفضل العمل العبادة والتواضع, فلا تضيع مالك وتصلح مال غيرك ما خلفته وراء ظهرك, واقنع بما قسمه الله لك, ولا تنظر إلا إلى ما عندك, ولا تتمن ما لست تناله, فإن من قنع شبع ومن لم يقنع لم يشبع, وخذ حظك من آخرتك, ولا تكن بطرا في الغنى ولا جزعا في الفقر, ولا تكن فظا غليظا يكره الناس قربك, ولا تكن واهنا يحقرك من عرفك, ولا تشار من فوقك, ولا تسخر بمن هو دونك, ولا تنازع الأمر أهله, ولا تطع السفهاء, ولا تكن مهينا تحت كل أحد, ولا تتكلن على كفاية أحد, وقف عند كل أمر حتى تعرف مدخله من مخرجه قبل أن تقع فيه فتندم, واجعل قلبك قريبا تشاركه,‏ واجعل عملك والدا تتبعه, واجعل نفسك عدوا تجاهده وعارية تردها, فإنك قد جعلت طبيب نفسك وعرفت آية الصحة وبين لك الداء ودللت على الدواء فانظر قيامك على نفسك, وإن كانت لك يد عند إنسان فلا تفسدها بكثرة المن والذكر لها ولكن أتبعها بأفضل منها, فإن ذلك أجمل بك في أخلاقك وأوجب للثواب في آخرتك, وعليك بالصمت تعد حليما جاهلا كنت أو عالما, فإن الصمت زين لك عند العلماء, وستر لك عند الجهال. يا ابن جندب, إن عيسى ابن مريم (ع) قال لأصحابه: "أرأيتم لو أن أحدكم مر بأخيه فرأى ثوبه قد انكشف عن بعض عورته, أكان كاشفا عنها كلها أم يرد عليها ما انكشف منها؟" قالوا: "بل نرد عليها," قال: "كلا بل تكشفون عنها كلها," فعرفوا أنه مثل ضربه لهم, فقيل: "يا روح الله وكيف ذلك؟" قال: "الرجل منكم يطلع على العورة من أخيه فلا يسترها, بحق أقول لكم إنكم لا تصيبون ما تريدون إلا بترك ما تشتهون, ولا تنالون ما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون, إياكم والنظرة فإنها تزرع في القلب الشهوة وكفى بها لصاحبها فتنة, طوبى لمن جعل بصره في قلبه ولم يجعل بصره في عينه, لا تنظروا في عيوب الناس كالأرباب وانظروا في عيوبكم كهيئة العبيد, إنما الناس رجلان مبتلى ومعافى, فارحموا المبتلى واحمدوا الله على العافية." يا ابن جندب, صل من قطعك, وأعط من حرمك, وأحسن إلى من أساء إليك, وسلم على من سبك, وأنصف من خاصمك, واعف عمن ظلمك كما أنك تحب أن يعفى عنك فاعتبر بعفو الله عنك, ألا ترى أن شمسه أشرقت على الأبرار والفجار, وأن مطره ينزل على الصالحين والخاطئين. يا ابن جندب, لا تتصدق على أعين الناس ليزكوك, فإنك إن فعلت ذلك فقد استوفيت أجرك, ولكن إذا أعطيت بيمينك فلا تطلع عليها شمالك, فإن الذي تتصدق له سرا يجزيك علانية على رءوس الأشهاد في اليوم الذي لا يضرك أن لا يطلع الناس على صدقتك, واخفض الصوت إن ربك الذي‏ {يعلم ما تسرون وما تعلنون}‏ قد علم ما تريدون قبل أن تسألوه, وإذا صمت فلا تغتب أحدا ولا تلبسوا صيامكم بظلم, ولا تكن كالذي يصوم رئاء الناس, مغبرة وجوههم, شعثة رؤوسهم, يابسة أفواههم لكي يعلم الناس أنهم صيامى. يا ابن جندب, الخير كله أمامك وإن الشر كله أمامك, ولن ترى الخير والشر إلا بعد الآخرة, لأن الله جل وعز جعل الخير كله في الجنة والشر كله في النار لأنهما الباقيان, والواجب على من وهب الله له الهدى وأكرمه بالإيمان وألهمه رشده وركب فيه عقلا يتعرف به نعمه وآتاه علما وحكما يدبر به أمر دينه ودنياه‏ أن يوجب على نفسه أن يشكر الله ولا يكفره, وأن يذكر الله ولا ينساه, وأن يطيع الله ولا يعصيه للقديم الذي تفرد له بحسن النظر, وللحديث الذي أنعم عليه بعد إذ أنشأه مخلوقا, وللجزيل الذي وعده, والفضل الذي لم يكلفه من طاعته فوق طاقته, وما يعجز عن القيام به, وضمن له العون على تيسير ما حمله من ذلك وندبه إلى الاستعانة على قليل ما كلفه وهو معرض‏ عما أمره وعاجز عنه, قد لبس ثوب الاستهانة فيما بينه وبين ربه, متقلدا لهواه ماضيا في شهواته مؤثرا لدنياه على آخرته, وهو في ذلك يتمنى جنان الفردوس وما ينبغي لأحد أن يطمع أن ينزل بعمل الفجار منازل الأبرار, أما إنه لو وقعت الواقعة, وقامت القيامة, وجاءت الطامة, ونصب الجبار الموازين لفصل القضاء, وبرز الخلائق ليوم الحساب, أيقنت عند ذلك لمن تكون الرفعة والكرامة, وبمن تحل الحسرة والندامة, فاعمل اليوم في الدنيا بما ترجو به الفوز في الآخرة. يا ابن جندب, قال الله جل وعز في بعض ما أوحى: "إنما أقبل الصلاة ممن يتواضع لعظمتي, ويكف نفسه عن الشهوات من أجلي, ويقطع نهاره بذكري, ولا يتعظم على خلقي, ويطعم الجائع, ويكسو العاري, ويرحم المصاب, ويؤوي الغريب,‏ فذلك يشرق نوره مثل الشمس, أجعل له في الظلمة نورا وفي الجهالة حلما, أكلؤه‏ بعزتي وأستحفظه ملائكتي, يدعوني فألبيه ويسألني فأعطيه, فمثل ذلك العبد عندي كمثل جنات الفردوس لا يسبق أثمارها ولا تتغير عن حالها." يا ابن جندب, الإسلام عريان, فلباسه الحياء, وزينته الوقار, ومروءته العمل الصالح, وعماده الورع, ولكل شي‏ء أساس وأساس الإسلام حبنا أهل البيت. يا ابن جندب, إن لله تبارك وتعالى سورا من نور محفوفا بالزبرجد والحرير, منجدا بالسندس‏ والديباج, يضرب هذا السور بين أوليائنا وبين أعدائنا, فإذا غلى الدماغ‏ {وبلغت القلوب الحناجر}, ونضجت الأكباد من طول الموقف, أدخل في هذا السور أولياء الله, فكانوا في أمن الله وحرزه, لهم فيها ما تشتهي‏ {الأنفس وتلذ الأعين},‏ وأعداء الله قد ألجمهم العرق, وقطعهم الفرق, وهم ينظرون إلى ما أعد الله لهم, فيقولون‏ {ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار} فينظر إليهم أولياء الله فيضحكون منهم, فذلك قوله عز وجل {أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار} وقوله‏ {فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون}‏ فلا يبقى أحد ممن أعان مؤمنا من أوليائنا بكلمة إلا أدخله الله الجنة بغير حساب. 

.

* ابن شعبة الحراني‏ في تحف العقول, وصيته (ع) لأبي جعفر محمد بن النعمان الأحول‏, قال أبو جعفر: قال لي الصادق (ع) إن الله جل وعز عير أقواما في القرآن بالإذاعة, فقلت له: جعلت فداك أين؟ قال: قال (ع): قوله‏ {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به‏} ثم قال (ع): المذيع علينا سرنا كالشاهر بسيفه علينا, رحم الله عبدا سمع بمكنون علمنا فدفنه تحت قدميه, والله إني لأعلم بشراركم من البيطار بالدواب, شراركم الذين لا يقرءون القرآن إلا هجرا, ولا يأتون الصلاة إلا دبرا, ولا يحفظون ألسنتهم,‏ اعلم أن الحسن بن علي (ع) لما طعن واختلف الناس عليه سلم الأمر لمعاوية, فسلمت عليه الشيعة: "عليك السلام يا مذل المؤمنين," فقال (ع): "ما أنا بمذل المؤمنين ولكني معز المؤمنين, إني لما رأيتكم ليس بكم عليهم قوة سلمت الأمر لأبقى أنا وأنتم بين أظهرهم, كما عاب العالم السفينة لتبقى لأصحابها, وكذلك نفسي وأنتم لنبقى بينهم." يا ابن النعمان, إني لأحدث الرجل منكم بحديث فيتحدث به عني فأستحل بذلك لعنته والبراءة منه, فإن أبي (ع) كان يقول: وأي شي‏ء أقر للعين من التقية, إن التقية جنة المؤمن,‏ ولو لا التقية ما عبد الله, وقال الله عز وجل {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شي‏ء إلا أن تتقوا منهم تقاة}. يا ابن النعمان, إياك والمراء فإنه يحبط عملك, وإياك والجدال فإنه يوبقك, وإياك وكثرة الخصومات فإنها تبعدك من الله, ثم قال: إن من كان قبلكم كانوا يتعلمون الصمت وأنتم تتعلمون الكلام, كان أحدهما إذا أراد التعبد يتعلم الصمت قبل ذلك بعشر سنين, فإن كان يحسنه ويصبر عليه تعبد, وإلا قال: "ما أنا لما أروم بأهل,"‏ إنما ينجو من أطال الصمت عن الفحشاء, وصبر في دولة الباطل على الأذى, أولئك النجباء الأصفياء الأولياء حقا وهم المؤمنون, إن أبغضكم إلي المتراسون‏ المشاءون بالنمائم الحسدة لإخوانهم, ليسوا مني ولا أنا منهم, إنما أوليائي الذين سلموا لأمرنا واتبعوا آثارنا, واقتدوا بنا في كل أمورنا, ثم قال: والله لو قدم أحدكم مل‏ء الأرض ذهبا على الله ثم حسد مؤمنا لكان ذلك الذهب مما يكوى به في النار. يا ابن النعمان, إن المذيع ليس كقاتلنا بسيفه بل هو أعظم وزرا, بل هو أعظم وزرا, بل هو أعظم وزرا. يا ابن النعمان, إنه من روى علينا حديثا فهو ممن قتلنا عمدا ولم يقتلنا خطأ. يا ابن النعمان, إذا كانت دولة الظلم فامش واستقبل من تتقيه بالتحية, فإن المتعرض للدولة قاتل نفسه‏ وموبقها, إن الله يقول‏ {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}. يا ابن النعمان, إنا أهل بيت لا يزال الشيطان يدخل فينا من ليس منا ولا من‏ أهل ديننا, فإذا رفعه ونظر إليه الناس أمره الشيطان فيكذب علينا, وكلما ذهب واحد جاء آخر. يا ابن النعمان, من سئل عن علم فقال: "لا أدري" فقد ناصف العلم, والمؤمن يحقد ما دام في مجلسه, فإذا قام ذهب عنه الحقد. يا ابن النعمان, إن العالم لا يقدر أن يخبرك بكل ما يعلم, لأنه سر الله الذي أسره إلى جبرئيل (ع), وأسره جبرئيل إلى محمد (ص), وأسره محمد (ص) إلى علي (ع), وأسره علي إلى الحسن (ع), وأسره الحسن إلى الحسين (ع), وأسره الحسين إلى علي (ع), وأسره علي إلى محمد (ع), وأسره محمد(ع) إلى من أسره, فلا تعجلوا, فو الله لقد قرب هذا الأمر ثلاث مرات فأذعتموه فأخره الله, والله ما لكم سر إلا وعدوكم أعلم به منكم. يا ابن النعمان, ابق على نفسك فقد عصيتني, لا تذع سري فإن المغيرة بن سعيد كذب على أبي وأذاع سره فأذاقه الله حر الحديد, وإن أبا الخطاب كذب‏ علي وأذاع سري فأذاقه الله حر الحديد, ومن كتم أمرنا زينه الله به في الدنيا والآخرة, وأعطاه حظه ووقاه حر الحديد وضيق المحابس, إن بني إسرائيل قحطوا حتى هلكت المواشي والنسل, فدعا الله موسى بن عمران (ع) فقال: "يا موسى إنهم أظهروا الزنا والربا وعمروا الكنائس وأضاعوا الزكاة," فقال: "إلهي تحنن برحمتك‏ عليهم فإنهم‏ لا يعقلون," فأوحى الله إليه: "أني مرسل قطر السماء ومختبرهم بعد أربعين يوما," فأذاعوا ذلك وأفشوه فحبس عنهم القطر أربعين سنة, وأنتم قد قرب أمركم فأذعتموه في مجالسكم. يا أبا جعفر, ما لكم وللناس, كفوا عن الناس ولا تدعوا أحدا إلى هذا الأمر, فو الله لو أن أهل السماوات والأرض اجتمعوا على أن يضلوا عبدا يريد الله هداه ما استطاعوا أن يضلوه, كفوا عن الناس ولا يقل أحدكم أخي وعمي وجاري, فإن الله جل وعز إذا أراد بعبد خيرا طيب روحه, فلا يسمع معروفا إلا عرفه ولا منكرا إلا أنكره, ثم قذف الله في قلبه كلمة يجمع بها أمره. يا ابن النعمان, إن أردت أن يصفو لك ود أخيك فلا تمازحنه, ولا تمارينه, ولا تباهينه‏, ولا تشارنه, ولا تطلع صديقك من سرك إلا على ما لو اطلع عليه عدوك لم يضرك, فإن الصديق قد يكون عدوك يوما. يا ابن النعمان, لا يكون العبد مؤمنا حتى يكون فيه ثلاث سنن: سنة من الله, وسنة من رسوله, وسنة من الإمام, فأما السنة من الله جل وعز فهو أن يكون كتوما للأسرار, يقول الله جل ذكره {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه‏ أحدا}, وأما التي من رسول الله (ص) فهو أن يداري الناس ويعاملهم بالأخلاق الحنيفية, وأما التي من الإمام فالصبر في البأساء والضراء حتى يأتيه الله بالفرج. يا ابن النعمان, ليست البلاغة بحدة اللسان ولا بكثرة الهذيان, ولكنها إصابة المعنى وقصد الحجة. يا ابن النعمان, من قعد إلى ساب‏ أولياء الله فقد عصى الله, ومن كظم غيظا فينا لا يقدر على إمضائه كان معنا في السنام الأعلى,‏ ومن استفتح نهاره بإذاعة سرنا سلط الله عليه حر الحديد وضيق المحابس. يا ابن النعمان, لا تطلب العلم لثلاث: لترائي به, ولا لتباهي به, ولا لتماري, ولا تدعه لثلاث: رغبة في الجهل, وزهادة في العلم, واستحياء من الناس, والعلم المصون كالسراج المطبق عليه. يا ابن النعمان, إن الله جل وعز إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة بيضاء فجال القلب يطلب الحق, ثم هو إلى أمركم أسرع من الطير إلى وكره‏. يا ابن النعمان, إن حبنا أهل البيت ينزله الله من السماء من خزائن تحت العرش كخزائن الذهب والفضة, ولا ينزله إلا بقدر, ولا يعطيه إلا خير الخلق, وإن له غمامة كغمامة القطر, فإذا أراد الله أن يخص به من أحب من خلقه أذن لتلك الغمامة فتهطلت كما تهطلت السحاب‏ فتصيب الجنين في بطن أمه. 

.

* ابن شعبة الحراني‏ في تحف العقول, قال الإمام الصادق (ع) للمفضل:‏ أوصيك بست خصال تبلغهن شيعتي, قلت: وما هن يا سيدي؟ قال (ع): أداء الأمانة إلى من ائتمنك, وأن ترضى لأخيك ما ترضى لنفسك, واعلم أن للأمور أواخر فاحذر العواقب, وأن للأمور بغتات‏ فكن على حذر, وإياك ومرتقى جبل سهل إذا كان المنحدر وعرا, ولا تعدن أخاك وعدا ليس في يدك وفاؤه. 

.

* محمد بن الحسن الصفار في بصائر الدرجات, حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم قال: حدثنا القاسم بن الربيع الوراق, عن محمد بن سنان, عن صباح المدائني, عن المفضل أنه كتب إلى أبي عبد الله (ع) فجاءه هذا الجواب من أبي عبد الله (ع): أما بعد فإني أوصيك ونفسي بتقوى الله وطاعته, فإن من التقوى الطاعة والورع والتواضع لله والطمأنينة والاجتهاد, والأخذ بأمره والنصيحة لرسله, والمسارعة في مرضاته, واجتناب ما نهى عنه, فإنه من يتق فقد أحرز نفسه من النار بإذن الله وأصاب الخير كله في الدنيا والآخرة, ومن أمر بالتقوى فقد أفلح الموعظة, جعلنا الله من المتقين برحمته‏ - وذكر الرسالة. 

.

* أحمد بن محمد بن خالد البرقي في المحاسن, ابن محبوب, عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: أوصيكم بتقوى الله, ولا تحملوا الناس على أكتافكم فتذلوا, إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه {وقولوا للناس حسنا} ثم قال: عودوا مرضاهم, واشهدوا جنائزهم, واشهدوا لهم وعليهم, وصلوا معهم في مساجدهم,  ثم قال: أي شي‏ء أشد على قوم يزعمون أنهم يأتمون بقوم فيأمرونهم وينهونهم فلا يقبلون منهم, ويذيعون حديثهم عند عدوهم, فيأتي عدوهم إلينا فيقولون لنا: إن قوما يقولون ويروون عنكم كذا وكذا, فنحن نقول: إنا برآء ممن يقول هذا, فيقع عليهم البراءة. 

.

* الشيخ الكليني في الكافي, عدة من أصحابنا, عن أحمد بن محمد بن خالد, عن أبيه, عن عبد الله بن يحيى, عن حريز, عن معلى بن خنيس قال: قال أبو عبد الله (ع): يا معلى, اكتم أمرنا ولا تذعه, فإنه من كتم أمرنا ولم يذعه أعزه الله به في الدنيا وجعله نورا بين عينيه في الآخرة يقوده إلى الجنة.  يا معلى, من أذاع أمرنا ولم يكتمه أذله الله به في الدنيا, ونزع النور من بين عينيه في الآخرة وجعله ظلمة تقوده إلى النار. يا معلى, إن التقية من ديني ودين آبائي, ولا دين لمن لا تقية له. يا معلى, إن الله يحب أن يعبد في السر كما يحب أن يعبد في العلانية. يا معلى, إن المذيع لأمرنا كالجاحد له. 

.

* الشيخ الكليني في الكافي, عدة من أصحابنا, عن سهل بن زياد وعلي بن إبراهيم, عن أبيه, جميعا عن ابن محبوب, عن هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول لحمران بن أعين: يا حمران, انظر إلى من هو دونك في المقدرة ولا تنظر إلى من هو فوقك في المقدرة فإن ذلك أقنع لك بما قسم لك, وأحرى أن تستوجب الزيادة من ربك. واعلم أن العمل الدائم القليل على اليقين أفضل عند الله جل ذكره من العمل الكثير على غير يقين, واعلم أنه لا ورع أنفع من تجنب محارم الله والكف عن أذى المؤمنين واغتيابهم, ولا عيش أهنأ من حسن الخلق, ولا مال أنفع من القنوع باليسير المجزي, ولا جهل أضر من العجب. 

.

* الشيخ الكليني في الكافي, محمد بن يحيى‏, عن أحمد بن محمد, عن محمد بن خالد, عن فضالة بن أيوب, عن عمر بن أبان وسيف بن عميرة, عن فضيل بن يسار قال: دخلت على أبي عبد الله (ع) في مرضة مرضها لم يبق منه إلا رأسه‏ فقال: "يا فضيل إنني كثيرا ما أقول: ما على رجل عرفه الله هذا الأمر لو كان في رأس جبل حتى يأتيه الموت." يا فضيل بن يسار, إن الناس أخذوا يمينا وشمالا وإنا وشيعتنا هدينا الصراط المستقيم. يا فضيل بن يسار, إن المؤمن لو أصبح له ما بين المشرق والمغرب كان ذلك خيرا له, ولو أصبح مقطعا أعضاؤه كان ذلك خيرا له. يا فضيل بن يسار, إن الله لا يفعل بالمؤمن إلا ما هو خير له. يا فضيل بن يسار, لو عدلت الدنيا عند الله عز وجل جناح بعوضة ما سقى عدوه منها شربة ماء. يا فضيل بن يسار, إنه من كان همه هما واحدا كفاه الله همه، ومن كان همه في كل واد لم يبال الله‏ بأي واد هلك. 

.

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية