أبو طالب ع

* فضل أبي طالب عليه السلام

{والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم} الأنفال: 74

 

عن الحسن: {وأما بنعمة ربك فحدث} يا محمد, حدث العباد بمنن أبي طالب عليك, وحدثهم بفضائل علي × في كتاب الله, لكي يعتقدوا ولايته. [1]

 

عن المفضل بن عمر, عن أبي عبد الله, عن أبائه, عن أمير المؤمنين × قال: كان ذات يوم جالسا بالرحبة والناس حوله مجتمعون, فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين, إنك بالمكان الذي أنزلك الله به, وأبوك يعذب بالنار! فقال له: مه, فض الله فاك! والذي بعث محمدا بالحق نبيا, لو شفع أبي في كل مذنب على وجه الارض لشفعه الله تعالى فيهم, أبي يعذب بالنار وابنه قسيم النار. ثم قال: والذي بعث محمدا بالحق نبيا, إن نور أبي طالب يوم القيامة ليطفئ أنوار الخلق إلا خمسة أنوار: نور محمد |, ونوري, ونور فاطمة, ونوري الحسن والحسين ومن ولده من الأئمة, لأن نوره من نورنا الي خلقه الله عز وجل من قبل خلق آدم بألفي عام. [2]

 

عن أبي بصير ليث المرادي قال: قلت لأبي جعفر ×:‏ سيدي إن الناس يقولون إن أبا طالب في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه, فقال ×: كذبوا والله, إن الحجة على الذاهب لو وضع في كفة ميزان, وإيمان هذا الخلق في كفة ميزان, لرجح الحجة على الذاهب على إيمانهم, ثم قال: كان والله أمير المؤمنين × يأمر أن يحج عن أب النبي وأمه, وعن أبي طالب في حياته, ولقد أوصى في وصيته بالحج عنهم بعد مماته. [3]

 

عن عبد الرحمن بن كثير قال: قلت لأبي عبد الله × إن الناس يزعمون أن أبا طالب‏ × في ضحضاح من نار, فقال: كذبوا ما بها نزل جبرئيل على النبي |, قلت: وبما نزل؟ قال: أتى جبرئيل × في بعض ما كان عليه فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول لك: إن أصحاب الكهف أسروا الإيمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرتين, وإن أبا طالب × أسر الإيمان وأظهر الشرك فآتاه الله أجره مرتين, وما خرج من الدنيا حتى أتته البشارة من الله تعالى بالجنة, ثم قال: كيف يصفونه بها الملاعين وقد نزل جبرئيل × ليلة مات أبو طالب × فقال: يا محمد اخرج من مكة فما لك بها ناصر بعد أبي طالب ×. [4]

 

عن الأئمة الراشدين من آل محمد | أنهم سئلوا عن قول النبي‏ |: أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة, فقالوا: أراد بكافل اليتيم عمه أبا طالب. [5]

 

عن محمد بن علي بن بابويه بإسناد له: أن عبد العظيم بن عبد الله العلوي – المعروف بشاه عبد العظيم - كان مريضا, فكتب إلى أبي الحسن الرضا ×: عرفني يا ابن رسول الله عن الخبر المروي أن أبا طالب في ضحضاح من نا يغلي منه دماغه. فكتب إليه الرضا ×: بسم الله الرحمن الرحيم, أما بعد فإنك إن شككت في الحجة على الذاهب كان مصيرك إلى النار. [6]

 

عن أبي عبد الله × قال: نزل جبرئيل × على النبي | فقال: يا محمد, إن ربك يقرئك السلام ويقول: إني قد حرمت النار على صلب أنزلك, وبطن حملك, وحجر كفلك. فالصلب صلب أبيك عبد الله بن عبد المطلب, والبطن الذي حملك فآمنة بنت وهب, وأما حجر كفلك فحجر أبي طالب. [7]

 

عن أبي عبد الله ×: هبط جبرئيل × على النبي | فقال: يا محمد, إن الله يقرئك السلام ويقول: إني قد حرمت النار على صلب أنزلك, وبطن حملك, وحجر كفلك. [8]

 

عن رسول الله |: هبط علي جبرئيل فقال لي: يا محمد, إن الله عز وجل شفعك في ستة: بطن حملتك آمنة بنت وهب, وصلب أنزلك عبد الله بن عبد المطلب, وحجر كفلك أبو [أبي‏] طالب, وبيت آواك عبد المطلب, وأخ كان لك في الجاهلية, قيل: يا رسول الله, وما كان فعله؟ قال |: كان سخيا يطعم الطعام, ويجود بالنوال, وثدي أرضعتك حليمة بنت أبي ذؤيب. [9]

 

عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنين × يقول: والله ما عبد أبي‏ ولا جدي عبد المطلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنما قط, قيل له: فما كانوا يعبدون؟ قال: كانوا يصلون إلى البيت على دين إبراهيم × متمسكين به. [10]

 

عن محمد بن يونس, عن أبيه, عن أبي عبد الله × أنه قال: يا يونس, ما تقول الناس في أبي طالب؟ قلت: جعلت فداك, يقولون هو في ضحضاح من نار وفي رجليه نعلان من نار تغلي منهما أم رأسه, فقال: كذب أعداء الله, إن أبا طالب من رفقاء {النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا}.[11]

 

عن العباس بن عبد المطلب أنه سأل رسول الله | فقال: ما ترجو لأبي‏ طالب؟ فقال: كل خير أرجو من ربي عز وجل. [12]

 

عن أمير المؤمنين علي × قال: كان والله أبو طالب عبد مناف بن عبد المطلب مؤمنا مسلما يكتم إيمانه مخافة على بني هاشم أن تنابذها قريش. [13]

 

عن علي بن الحسين × أنه سئل عن أبي طالب × أكان مؤمنا؟ فقال ×: نعم, فقيل له: إن هاهنا قوما يزعمون أنه كافر, فقال ×: واعجبا كل العجب, أيطعنون على أبي طالب أو على رسول الله | وقد نهاه الله تعالى أن يقر مؤمنة مع كافر في غير آية من القرآن, ولا يشك أحد أن فاطمة بنت أسد من المؤمنات السابقات, فإنها لم تزل تحت أبي طالب حتى مات أبو طالب ×. [14]

 

عن عبد الله بن عباس, عن أبيه قال: قال أبو طالب للنبي | بمحضر من قريش ليريهم فضله: يا ابن أخي الله أرسلك؟ قال: نعم, قال: إن للأنبياء معجزا وخرق عادة فأرنا آية, قال: ادع تلك الشجرة وقل لها: يقول لك محمد بن عبد الله: أقبلي بإذن الله, فدعاها فأقبلت حتى سجدت بين يديه, ثم أمرها بالانصراف فانصرفت, فقال أبو طالب ×: أشهد أنك صادق, ثم قال لابنه علي ×: يا بني الزم ابن عمك. [15]

 

عن الحسن بن علي العسكري, عن آبائه × في حديث طويل يذكر فيه: أن الله تبارك وتعالى أوحى إلى رسوله | أني قد أيدتك بشيعتين: شيعة تنصرك سرا, وشيعة تنصرك علانية, فأما التي تنصرك سرا: فسيدهم وأفضلهم عمك أبو طالب ×, وأما التي تنصرك علانية: فسيدهم وأفضلهم ابنه علي بن أبي طالب ×, ثم قال: وإن أبا طالب كمؤمن آل فرعون يكتم إيمانه. [16]

 

عن عبد الله بن الفضل الهاشمي, عن الصادق جعفر بن محمد × أنه قال: مثل أبي طالب مثل أهل الكهف حين أسروا الإيمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرتين. [17]

 

عن عبد الرحمن بن سابط قال: كان النبي | يقول لعقيل: إني لأحبك يا عقيل حبين, حبا لك وحبا لحب أبي طالب لك. [18]

 

عن داود الرقي قال: دخلت على أبي عبد الله × ولي على رجل مال قد خفت تواه, فشكوت إليه ذلك, فقال لي: إذا صرت بمكة فطف عن عبد المطلب طوافا وصل ركعتين عنه, وطف عن أبي طالب طوافا وصل عنه ركعتين, وطف عن عبد الله طوافا وصل عنه ركعتين, وطف عن آمنة طوافا وصل عنها ركعتين, وطف عن فاطمة بنت أسد طوافا وصل عنها ركعتين, ثم ادع أن يرد عليك مالك, قال: ففعلت ذلك, ثم خرجت من باب الصفا وإذا غريمي واقف يقول: يا داود حبستني, تعال اقبض مالك. [19]

 

عن أبي رافع قال: سمعت أبا طالب بن عبد المطلب × يقول: حدثني محمد |: أن ربه بعثه بصلة الرحم, وأن يعبد الله وحده ولا يعبد معه غيره, ومحمد عندي الصادق الأمين. [20]

 

عن رسول الله | أنه قال لعقيل بن أبي طالب: أنا أحبك يا عقيل حبين, حبا لك وحبا لأبي طالب, لأنه كان يحبك. [21]

 

عن درست بن أبي منصور, أنه سأل أبا الحسن الأول ×: أكان رسول الله | محجوجا بأبي طالب؟ فقال ×: لا, ولكن كان مستودعا للوصايا فدفعها إليه | قال: قلت: فدفع إليه الوصايا على أنه محجوج به؟ فقال ×: لو كان محجوجا به, ما دفع إليه الوصية, قال: فقلت: فما كان حال أبي طالب؟ قال ×: أقر بالنبي |, وبما جاء به, ودفع إليه الوصايا, ومات من يومه. [22]


 

* حماية أبي طالب × لرسول الله |

عن أبي عبد الله × أنه قال: إن عبد المطلب حجة، وأبو طالب × وصيه. [23]

 

عن ابن عباس في حديث عن حسن تعامل عبد المطلب × مع رسول الله |: وكانت هذه حاله حتى أدركت عبد المطلب × الوفاة, فبعث إلى أبي طالب ومحمد على صدره وهو في غمرات الموت وهو يبكي ويلتفت إلى أبي طالب ويقول: يا أبا طالب انظر أن تكون حافظا لهذا الوحيد الذي لم يشم رائحة أبيه ولا ذاق شفقة أمه, انظر يا أبا طالب أن يكون من جسدك بمنزلة كبدك فإني قد تركت بني كلهم وأوصيتك به لأنك من أم أبيه, يا أبا طالب إن أدركت أيامه فاعلم أني كنت من أبصر الناس وأعلم الناس به, فإن استطعت أن تتبعه فافعل وانصره بلسانك ويدك ومالك, فإنه والله سيسودكم ويملك ما لم يملك أحد من بني آبائي, يا أبا طالب ما أعلم أحدا من آبائك مات عنه أبوه على حال أبيه ولا أمه على حال أمه فاحفظه لوحدته, هل قبلت وصيتي فيه؟ فقال ×: نعم قد قبلت والله علي بذلك شهيد, فقال عبد المطلب ×: فمد يدك إلي, فمد يده إليه فضرب يده على يده ثم قال عبد المطلب: الآن خفف علي الموت, ثم لم يزل يقبله ويقول: أشهد أني لم أقبل أحدا من ولدي أطيب ريحا منك ولا أحسن وجها منك, ويتمنى أن يكون قد بقي حتى يدرك زمانه, فمات عبد المطلب × وهو ابن ثمان سنين فضمه أبو طالب × إلى نفسه لا يفارقه ساعة من ليل ولا نهار, وكان ينام معه حتى لا يأتمن عليه أحدا. [24]

 

عن رسول اله | أنه قال: إن أبي هلك وأنا صغير. فأخذتني هي – فاطمة بنت أسد – وزوجها, فكانا يوسعان علي ويؤثراني على أولادهما. [25]

 

عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر وأبا عبد الله × يقولان: حج رسول الله | عشرين حجة مستسرا, منها عشرة حجج - أو قال: سبعة الوهم من الراوي - قبل النبوة, وقد كان صلى قبل ذلك وهو ابن أربع سنين, وهو مع أبي طالب × في أرض بصرى, وهو موضع كانت قريش تتجر إليه من مكة. [26]

 

عن أبي طالب ×: لقد كنت كثيرا ما أسمع منه - من رسول الله | - إذا ذهب من الليل كلاما يعجبني، وكنا لا نسمي على الطعام ولا على الشراب حتى سمعته يقول: بسم الله الأحد، ثم يأكل، فإذا فرغ من طعامه قال: الحمد لله كثيرا، فتعجبت منه، وكنت ربما أتيت غفلة فأرى من لدن رأسه نورا ممدودا قد بلغ السماء، ثم لم أر منه كذبة قط، ولا جاهلية قط، ولا رأيته يضحك في موضع الضحك، ولا وقف مع صبيان في لعب، ولا التفت إليهم، وكان الوحدة أحب إليه والتواضع. وكان النبي | ابن سبع سنين فقالت اليهود: وجدنا في كتبنا أن محمدا يجنبه ربه من الحرام والشبهات فجربوه، فقدموا إلى أبي طالب دجاجة مسمنة، فكانت قريش يأكلون منها، والرسول تعدل يده عنها، فقالوا: مالك؟ قال: أراها حراما يصونني ربي عنها، فقالوا: هي حلال فنلقمك، قال: فافعلوا إن قدرتم، فكانت أيديهم يعدل بها إلى الجهات، فجاؤوه بدجاجة أخرى قد أخذوها لجار لهم غائب على أن يؤدوا ثمنها إذا جاء، فتناول منها لقمة فسقطت من يده، فقال ×: وما أراها إلا من شبهة يصونني ربي عنها، فقالوا: نلقمك منها، فكلما تناولوا منها ثقلت في أيديهم، فقالوا: لهذا شأن عظيم. ولما ظهر أمره | عاداه أبو جهل، وجمع صبيان بني مخزوم وقال: أنا أميركم، وانعقد صبيان بني هاشم وبني عبد المطلب على النبي وقالوا: أنت الأمير، قالت أم علي ×: وكان في صحن داري شجرة قد يبست وخاست، ولها زمان يابسة، فأتى النبي | يوما إلى الشجرة فمسها بكفه فصارت من وقتها وساعتها خضراء، وحملت الرطب، فكنت في كل يوم أجمع له الرطب في دوخلة، فإذا كانت وقت ضاحي النهار يدخل يقول: يا أماه أعطيني ديوان العسكر، وكان يأخذ الدوخلة ثم يخرج ويقسم الرطب على صبيان بني هاشم، فلما كان بعض الأيام دخل وقال: يا أماه أعطيني ديوان العسكر، فقلت: يا ولدي اعلم أن النخلة ما أعطتنا اليوم شيئا، قالت: فوحق نور وجهه لقد رأيته وقد تقدم نحو النخلة وتكلم بكلمات وإذا بالنخلة قد أنحنت حتى صار رأسها عنده، فأخذ من الرطب ما أراد، ثم عادت النخلة إلى ما كانت. [27]

 

عن أبي طالب ×: كنا لا نسمي على الطعام ولا على الشراب ولا ندري ما هو حتى ضممت محمدا | إلي, فأول ما سمعته يقول: بسم الله الأحد, ثم يأكل فإذا فرغ من طعامه قال: الحمد لله كثيرا, فتعجبنا منه وكان يقول: ما رأيت جسد محمد | قط, وكان لا يفارقني الليل والنهار, وكان ينام معي في فراشي فأفقده من فراشه فإذا قمت لأطلبه بادرني من فراشه فيقول: ها أنا يا عم ارجع إلى مكانك, ولقد رأيت ذئبا يوما قد جاءه وشمه وبصبص حوله ثم ربض بين يديه ثم انصرف عنه, ولقد دخل ليلا البيت فأضاء ما حوله ولم أر منه نجوا قط, ولا رأيته يضحك في غير موضع الضحك, ولا وقف مع صبيان في لعب ولا التفت إليهم, وكان الوحدة أحب إليه والتواضع, ولقد كنت أرى أحيانا رجلا أحسن الناس وجها يجي‏ء حتى‏ يمسح على رأسه ويدعو له ثم يغيب. ولقد رأيت رؤيا في أمره ما رأيتها قط, رأيته وكان الدنيا قد سيقت إليه وجميع الناس يذكرونه, ورأيته وقد رفع فوق الناس كلهم وهو يدخل في السماء. ولقد غاب عني يوما فذهبت في طلبه فإذا أنا به يجي‏ء ومعه رجل لم أر مثله قط, فقلت له: يا بني أليس قد نهيتك أن تفارقني؟ فقال الرجل: إذا فارقك كنت أنا معه أحفظه, فلم أر منه في كل يوم إلا ما أحب حتى شب وخرج يدعو إلى الدين. [28]

 

عن أبي عبد الله × قال: لما أراد رسول الله | أن يتزوج خديجة بنت خويلد, أقبل أبو طالب في أهل بيته ومعه نفر من قريش حتى دخل على ورقة بن نوفل عم خديجة, فابتدأ أبو طالب × بالكلام فقال: الحمد لرب هذا البيت الذي جعلنا من زرع إبراهيم وذرية إسماعيل, وأنزلنا حرما آمنا وجعلنا الحكام على الناس, وبارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه, ثم إن ابن أخي هذا - يعني رسول الله | - ممن لا يوزن برجل من قريش إلا رجح به, ولا يقاس به رجل إلا عظم عنه ولا عدل له في الخلق, وإن كان مقلا في المال فإن المال رفد جار وظل زائل, وله في خديجة رغبة ولها فيه رغبة, وقد جئناك لنخطبها إليك برضاها وأمرها, والمهر علي في مالي الذي سألتموه عاجله وآجله, وله ورب هذا البيت حظ عظيم ودين شائع ورأي كامل. ثم سكت أبو طالب × فتكلم عمها وتلجلج وقصر عن جواب أبي طالب, وأدركه القطع والبهر وكان رجلا من القسيسين, فقالت خديجة مبتدئة: يا عماه إنك وإن كنت أولى بنفسي مني في الشهود فلست أولى بي من نفسي, قد زوجتك يا محمد نفسي والمهر علي في مالي, فأمر عمك فلينحر ناقة فليولم بها وادخل على أهلك, قال أبو طالب ×: اشهدوا عليها بقبولها محمدا وضمانها المهر في مالها, فقال بعض قريش: يا عجباه المهر على النساء للرجال؟ فغضب أبو طالب × غضبا شديدا وقام على قدميه, وكان ممن يهابه الرجال ويكره غضبه فقال: إذا كانوا مثل ابن أخي هذا طلبت الرجال بأغلى الأثمان وأعظم المهر, وإذا كانوا أمثالكم لم يزوجوا إلا بالمهر الغالي. ونحر أبو طالب × ناقة ودخل رسول الله | بأهله, فقال رجل من قريش يقال له عبد الله بن غنم‏:

هنيئا مريئا يا خديجة قد جرت ... لك الطير فيما كان منك بأسعد

تزوجت خير البرية كلها ... ومن ذا الذي في الناس مثل محمد

وبشر به البران عيسى ابن مريم ... وموسى بن عمران فيا قرب موعد

أقرت به الكتاب قدما بأنه ... رسول من البطحاء هاد ومهتد[29]

 

أوصى عبد المطلب × إلى ابنه إلى أبي طالب × برسول الله | وسقاية زمزم, وقال له: قد خلفت في أيديكم الشرف العظيم الذي تطأون به رقاب العرب. وقال لأبي طالب ×:

أوصيك يا عبد مناف بعدي ... بمفرد بعد أبيه فرد

فارقه وهو ضجيع المهد ... فكنت كالأم له في الوجد

تدنيه من أحشائها والكبد ... فأنت من أرجى بني عندي

لدفع ضيم أو لشد عقد

وتوفي عبد المطلب × ولرسول الله | ثماني سنين ولعبد المطلب المطلب مائة وعشرون سنة، وقيل: مائة وأربعون سنة. وأعظمت قريش موته، وغسل بالماء والسدر. وكانت قريش أول من غسل الموتى بالسدر، ولف في حلتين من حلل اليمن قيمتهما ألف مثقال ذهب، وطرح عليه المسك حتى سترة، وحمل على أيدي الرجال عدة أيام إعظاما وإكراما وإكبارا لتغييبه في التراب. واحتبى ابنه بفناء الكعبة لما غيب عبد المطلب واحتبى ابن جدعان التيمي من ناحية والوليد بن ربيعة

المخزومي، فادعى كل واحد الرئاسة. وروي عن رسول الله | أنه قال: إن الله يبعث جدي عبد المطلب أمة واحدة في هيئة الأنبياء وزي الملوك. فكفل رسول الله | بعد وفاة عبد المطلب أبو طالب عمه، فكان خير كافل. [30]

 

عن علي بن الحسين ×: كان أبو طالب × يضرب عن رسول الله | بسيفه ويقيه بنفسه‏.[31]

 

عن الإمام زين العابدين ×: أنه اجتمعت قريش إلى أبي طالب ورسول الله | عنده فقالوا: نسألك من ابن أخيك النصف, قال: وما النصف منه؟ قالوا: يكف عنا ونكف عنه, فلا يكلمنا ولا نكلمه ولا يقاتلنا ولا نقاتله, إلا أن هذه الدعوة قد باعدت بين القلوب وزرعت الشحناء وأنبتت البغضاء, فقال: يا ابن أخي, أسمعت؟ قال: يا عم لو أنصفني بنو عمي لأجابوا دعوتي وقبلوا نصيحتي, إن الله تعالى أمرني أن أدعو إلى دينه الحنيفية ملة إبراهيم, فمن أجابني فله عند الله الرضوان والخلود في الجنان, ومن عصاني قاتلته {حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين}, فقالوا: قل له: يكف عن شتم آلهتنا فلا يذكروها بسوء, فنزل {قل أفغير الله تأمروني أعبد} قالوا: إن كان صادقا فليخبرنا من يؤمن منا ومن يكفر, فإن وجدناه صادقا آمنا به, فنزل {ما كان الله ليذر المؤمنين} قالوا: والله لنشتمنك وإلهك, فنزل {وانطلق الملأ منهم} قالوا: قل له: فليعبد ما نعبد ونعبد ما يعبد, فنزلت سورة الكافرين, فقالوا: قل له: أرسله الله إلينا خاصة أم إلى الناس كافة؟ قال: بل إلى الناس أرسلت كافة إلى الأبيض والأسود, ومن على رءوس الجبال ومن في لجج البحار, ولأدعون السنة فارس والروم, {يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا} فتجبرت قريش واستكبرت وقالت: والله لو سمعت بهذا فارس والروم لاختطفتنا من أرضنا, ولقلعت الكعبة حجرا حجرا, فنزل {وقالوا إن نتبع الهدى معك} وقوله {ألم تر كيف فعل ربك} فقال مطعم بن عدي: والله يا با طالب لقد أنصفك قومك وجهدوا على أن يتخلصوا مما تكرهه, فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئا, فقال أبو طالب ×: والله ما أنصفوني ولكنك قد اجتمعت على خذلاني ومظاهرة القوم علي فاصنع ما بدا لك, فوثب كل قبيلة على ما فيها من المسلمين يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم والاستهزاء بالنبي |, ومنع الله رسوله بعمه أبي طالب منهم, وقد قام أبو طالب × حين رأى قريشا تصنع ما تصنع في بني هاشم فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول الله والقيام دونه إلا أبا لهب. [32]

 

الواقدي قال: كان أبو طالب بن عبد المطلب لا يغب صباح النبي | ولا مساءه, ويحرسه من أعدائه, ويخاف أن يغتالوه, فلما كان ذات يوم‏ فقده فلم يره, وجاء المساء فلم يره, وأصبح الصباح ‏فطلبه في مظانه فلم يجده, فلزم أحشاءه وقال: واولداه, وجمع عبيده ومن يلزمه في نفسه, فقال لهم: إن محمدا قد فقدته في أمسنا ويومنا هذا, ولا أظن إلا أن قريشا قد اغتالته وكادته, وقد بقي هذا الوجه ما جئته وبعيد أن يكون فيه, واختار من عبيده عشرين رجلا فقال: امضوا وأعدوا سكاكين, وليمض كل رجل منكم وليجلس إلى جنب سيد من سادات قريش, فإن أتيت ومحمد معي فلا تحدثن أمرا وكونوا على رسلكم حتى أقف عليكم, وإن جئت وما محمد معي فليضرب كل رجل منكم الرجل الذي إلى جانبه من سادات قريش, فمضوا وشحذوا سكاكينهم حتى رضوها ومضى أبو طالب في الوجه الذي أراده ومعه رهطه من قومه, فوجده في أسفل مكة قائما يصلي إلى جنب صخرة, فوقع عليه وقبله وأخذ بيده وقال: يا ابن أخ قد كدت أن تأتي على قومك, سر معي, فأخذ بيده وجاء إلى المسجد وقريش في ناديهم جلوس عند الكعبة, فلما رأوه قد جاء ويده في يد النبي | قالوا: هذا أبو طالب قد جاءكم بمحمد, إن له لشأنا, فلما وقف عليهم والغضب في وجهه قال لعبيده: أبرزوا ما في أيديكم, فأبرز كل واحد منهم ما في يده, فلما رأوا السكاكين قالوا: ما هذا يا أبا طالب؟ قال: ما ترون, إني طلبت محمدا فلم أره منذ يومين فخفت أن تكونوا كدتموه ببعض شأنكم, فأمرت هؤلاء أن يجلسوا حيث ترون, وقلت لهم: إن‏ جئت وليس محمد معي فليضرب كل منكم صاحبه الذي إلى جنبه ولا يستأذني فيه ولو كان هاشميا, فقالوا: وهل كنت فاعلا؟ فقال: إي ورب هذه, وأومأ إلى الكعبة فقال له المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف وكان من أحلافه: لقد كدت تأتي على قومك, قال: هو ذاك, ومضى به وهو يقول:

اذهب بني فما عليك غضاضة ... اذهب وقر بذاك منك عيونا

والله لن يصلوا إليك بجمعهم ... حتى أوسد في التراب دفينا

ودعوتني وعلمت أنك ناصحي ... ولقد صدقت وكنت قبل أمينا

وذكرت دينا لا محالة إنه ... من خير أديان البرية دينا[33]

 

عن الأصبغ بن نباتة قال سمعت أمير المؤمنين عليا × يقول: مر رسول الله | بنفر من قريش وقد نحروا جزورا وكانوا يسمونها الظهيرة ويذبحونها على النصب فلم يسلم عليهم, فلما انتهى إلى دار الندوة قالوا: يمر بنا يتيم أبي طالب فلا يسلم علينا, فأيكم يأتيه فيفسد عليه مصلاه؟ فقال: عبد الله بن الزبعرى السهمي: أنا أفعل, فأخذ الفرث والدم فانتهى به إلى النبي | وهو ساجد فملأ به ثيابه ومظاهره, فانصرف النبي | حتى أتى عمه أبا طالب × فقال: يا عم من أنا؟ فقال: ولم‏ يا ابن أخ؟ فقص عليه القصة فقال: وأين تركتهم؟ فقال: بالأبطح, فنادى في قومه: يا آل عبد المطلب, يا آل هاشم, يا آل عبد مناف, فأقبلوا إليه من كل مكان ملبين فقال: كم أنتم؟ قالوا: نحن أربعون, قال: خذوا سلاحكم, فأخذوا سلاحهم وانطلق بهم حتى انتهى إلى أولئك النفر, فلما رأوه أرادوا أن يتفرقوا فقال لهم: ورب هذه البنية لا يقومن منكم أحد إلا جللته بالسيف, ثم أتى إلى صفاة كانت بالأبطح, فضربها ثلاث ضربات حتى قطعها ثلاثة أفهار, ثم قال: يا محمد, سألتني من أنت, ثم أنشأ يقول ويومئ بيده إلى النبي |‏

أنت النبي محمد ... قرم أغر مسود

ثم قال: يا محمد, أيهم الفاعل بك؟ فأشار النبي | إلى عبد الله بن الزبعرى السهمي الشاعر, فدعاه أبو طالب فوجأ أنفه حتى أدماها, ثم أمر بالفرث والدم, فأمر على رءوس الملإ كلهم ثم قال: يا ابن أخ أرضيت؟ ثم قال: سألتني من أنت, أنت محمد بن عبد الله - ثم نسبه إلى آدم - ثم قال: أنت والله أشرفهم حسبا, وأرفعهم منصبا, يا معشر قريش من شاء منكم يتحرك فليفعل, أنا الذي تعرفوني, فأنزل الله تعالى صدرا من سورة الأنعام {ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا}.[34]

 

عن أمير المؤمنين ×: أن الموت عندي بمنزلة الشربة الباردة في اليوم الشديد الحر من ذي العطش الصدى, ولقد كنت عاهدت الله عز وجل ورسوله | أنا وعمي حمزة, وأخي جعفر, وابن عمي عبيدة, على أمر وفينا به لله عز وجل ولرسوله, فتقدمني أصحابي وتخلفت بعدهم لما أراد الله عز وجل, فأنزل الله فينا {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا} حمزة وجعفر وعبيدة وأنا والله المنتظر. [35]

 

عن أبي بي ضوء بن صلصال بن الدلهمس قال: كنت أنصر النبي | مع أبي طالب × قبل إسلامي, فإني يوما لجالس بالقرب من منزل أبي طالب × في شدة القيظ إذ خرج أبو طالب إلي شبيها بالملهوف, فقال لي: يا أبا الغضنفر, هل رأيت هذين الغلامين - يعني النبي | وعليا × - فقلت: ما رأيتهما مذ جلست, فقال: قم بنا في الطلب فلست آمن قريشا أن تكون اغتالتهما, قال: فمضينا حتى خرجنا من أبيات مكة ثم صرنا إلى جبل من جبالها, فاسترخينا إلى قلة فإذا النبي | وعلي × عن يمينه وهما قائمان بإزاء عين الشمس يركعان ويسجدان, قال: فقال أبو طالب لجعفر ابنه: صل جناح ابن عمك, فقام‏ إلى جنب علي × فأحس بها النبي | فتقدمهما وأقبلوا على أمرهم حتى فرغوا, مما كانوا فيه ثم أقبلوا نحونا فرأيت السرور يتردد في وجه أبي طالب × ثم انبعث يقول‏:

إن عليا وجعفرا ثقتي... عند مهم الأمور والكرب‏

لا تخذلا وانصرا ابن عمكما... أخي لأمي من بينهم وأبي‏

والله لا يخذل النبي ولا... يخذله من بني ذو حسب[36]

 

 

* حماية أبي طالب × لرسول الله | بمصادر العامة

وكان أبو طالب هو الذي يلي أمر رسول الله | بعد جده فكان إليه ومعه. [37]

 

عن ابن عباس في قول الله تعالى {كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين}: هم الذين اقتسموا طرق مكة يصدون الناس عن الإيمان برسول الله |، ويقرب عددهم من أربعين. وقال مقاتل بن سليمان: كانوا ستة عشر رجلاً بعثهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم، فاقتسموا عقبات مكة وطرقها يقولون لمن يسلكها لا تغتروا بالخارج منا، والمدعي للنبوة فإنه مجنون، وكانوا ينفرون الناس عنه بأنه ساحر أو كاهن أو شاعر، فأنزل الله تعالى بهم خزياً فماتوا شر ميتة. [38]

 

قال أبو طالب × حين رأى قريشا تصنع ما تضع في بني هاشم وبني المطلب, دعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول الله | والقيام دونه, فاجتمعوا اليه وقاموا معه وأجابوا إلى ما دعاهم اليه من دفع عن رسول الله | إلا ما كان من أبي لهب وهو يحرض بني هاشم, وانما كانت بنو المطلب تدعى لهاشم إذا دعوا بالحلف الذي كان بين بني هاشم وبني المطلب دون بني عبد مناف فقال:

حتى متى نحن على فتنة ... يا هاشم والقوم في محفل

يدعون بالخيل على رقبة ... منا لدى الخوف وفي معزل

كالرحبة السوادء يعلو بها ... سرعانها في سبسب مجفل

عليهم الترك على رعله ... مثل القطا الشارب المهمل

يا قوم ذودوا عن حماكم ... بكل مفصال على مسبل

وقد شهدت الحرب في ... فتية عند الوغا في عثير القسطل

فلما اجتمعت بنو هاشم وبنو المطلب معه ورأى أن قد أمتنع بهم وأن قريشا يعادوه معهم, قال أبو طالب × وبادا قومه بالعداوة ونصب لهم الحرب فقال:

منعت الرسول رسول المليك ... ببيض تلألأ كلمع البريق

بضرب يزبر دون التهاب ... جذار البوادر كالجنفقيق

أذب وأحمي رسول المليك ... حماية يحام عليه شفيق

وما أن أدب لأعدائه ... دبيب البكار حذار الفنيق

ولكن أزير لهم ساميا ... كما زأر ليث بغيل مضيق

فلما رأى أبو طالب × من قومه ما سره من حدهم معه وحد بهم عليه جعل يمدحهم ويذكر قديمهم ويذكر فضل رسول الله | فيهم ومكانه منهم ليشتد لهم رأيهم فيه وليحدبوا معه على أمرهم, فقال أبو طالب ×:

إذا اجتمعت يوما قريش لمفخر ... فبعد مناف سرها وصميمها

وان حطت أشراف عبد منافا ... ففي هاشم أشرافها وقديمها

وان فخرت يوما فان محمدا ... هو المصطفى من سرها وكريمها

تداعت قريش غثها وسمينها ... علينا فلم تظفر وطاشت حلومها

وكنا قديما لا نقر ظلامة ... إذا ما ثنوا صعر الخدود نقيمها

ونحمي حماها كل يوم كريهة ... ونضرب عن أعجازها من يرومها[39]

 

إن قريشا حين عرفت أن أبا طالب أبى خذلان رسول الله | واسلامه واجماعه لفراقهم في ذلك وعدواتهم مشوا اليه ومعهم عمارة ابن الوليد بن المغيرة فقالوا له فيما بلغنا: يا أبا طالب قد جئناك بفتى قريش عمارة بن الوليد جمالا وشبابا ونهادة, فهو لك نصره وعقله فاتخذه ولدا لا تنازع فيه, وخل بيننا وبين ابن أخيك هذا الذي فارق دينك ودين آبائك, وفرق جماعة قومه وسفه أحلامهم, فإنما رجل كرجل لنقتله فان ذلك أجمع للعشيرة وأفضل في عواقب الأمور مغبة, فقال لهم أبو طالب ×: والله ما أنصفتموني, تعطوني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابن أخي تقتلونه, هذا والله لا يكون أبدا, أفلا تعلمون أن الناقة إذا فقدت ولدها لم تحن إلى غيرة؟ فقال له المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف: لقد أنصفك قومك يا أبا طالب وما أراك تريد أن تقبل ذلك منهم, فقال أبو طالب × للمطعم بن عدي: والله ما أنصفتموني ولكنك قد أجمعت على خذلاني ومظاهرة القوم علي فاصنع ما بدالك, أو كما قال أبو طالب ×, فحقب الأمر عند ذلك وجمعت للحرب وتنادى القوم ونادى بعضهم بعضا, فقال أبو طالب × عند ذلك وأنه يعرض بالمطعم ويعم من خذله من بني عبد مناف ومن عاداه من قبائل قريش ويذكر ما سألوه فيما طلبوا منه وما تباعد من أمرهم:

ألا قل لعمرو والوليد ومطعم ... ألا ليت حظي من حياطتكم بكر

من الخور حبحاب كثير رغاؤه ... يرش على الساقين من بوله قطر

تخلف خلف الورد ليس بلاحق ... إذا ما على الفيفاء تحسبه وبر

أرى أخوينا من أبينا وأمنا ... إذا سئلا قالا إلى غيرنا الأمر

يلي لهما أمر ولكن تجرجما كما جرجمت ... من رأس ذي العلق الصخر

هما أغمزا للقوم في أخويهما ... وقد أصبحا منهم أكفهما صفر

أخص خصوصا عبد شمس ونوفلا ... هما نبذانا مثل ما نبذ الجمر

فأقسمت لا ينفك منهم مجاور ... يجاورنا ما دام من نسلنا شفر

هما اشتركا في المجد من لا أخاله ... من الناس الا أن يرس له ذكر

وليدا أبوه كان عبدا لجدنا ... إلى علجة زرقاءجاش بها البحر

وتيم ومخزوم وزهرة منهم ... وكانوا لنا مولى إذا ابتغى النصر

فقد سفهت أحلامهم وعقولهم ... وكانوا كجفر شرها جهلت جفر[40]

 

ان أبا طالب رأى النبي | وعليا يصليان وعلي على يمينه, فقال: لجعفر: صل جناح ابن عمك, فصلى عن يساره, وكان إسلام جعفر بعد إسلام أخيه علي بقليل. [41]

 

قال عقيل بن أبي طالب: جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا: إن ابن أخيك يؤذينا في نادينا وفي كعبتنا وفي ديارنا ويسمعنا ما نكره، فإن رأيت أن تكفه عنا فافعل. فقال لي: يا عقيل التمس لي أبن عمك. فأخرجته من كبس من كباس أبي طالب. فجاء يمشي معي يطلب الفئ يطأ فيه لا يقدر عليه، حتى انتهى إلى أبي طالب فقال: يا بن أخي والله لقد كنت لي مطيعا جاء قومك يزعمون أنك

تأتيهم في كعبتهم وفي ناديهم فتؤذيهم وتسمعهم ما يكرهون، فإن رأيت أن تكف عنهم. فحلق بصره إلى السماء وقال: والله ما أنا بقادر أن أرد ما بعثني به ربي، ولو أن يشعل أحدهم من هذه الشمس نار. فقال أبو طالب: والله ما كذب قط، فارجعوا راشدين. [42]


 

* شعر أبي طالب ×

عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق × أنه قال: كان أمير المؤمنين × يعجبه أن يروى شعر أبي طالب × وأن يدون وقال: تعلموه وعلموه أولادكم, فإنه كان على دين الله, وفيه علم كثير. [43]

 

عن الباقر × أنه قال: مات أبو طالب بن عبد المطلب مسلما مؤمنا، وشعره في ديوانه يدل على إيمانه، ثم محبته وتربيته ونصرته ومعاداة أعداء رسول الله | وموالاة أوليائه وتصديقه إياه بما جاء به من ربه، وأمره لولديه علي وجعفر × بأن يسلما ويؤمنا بما يدعو إليه, وأنه خير الخلق, وأنه يدعو إلى الحق والمنهاج المستقيم, وأنه رسول الله رب العالمين, فثبت ذلك في قلوبهما. [44]

 

عن محمد بن عمر الجرجاني قال: قال الصادق جعفر بن محمد ×: أول جماعة كانت أن رسول الله | كان يصلي وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب × معه, إذ مر أبو طالب به وجعفر معه قال: يا بني صل جناح ابن عمك, فلما أحسه رسول الله | تقدمهما وانصرف أبو طالب مسرورا وهو يقول:

إن عليا وجعفرا ثقتي ... عند ملم الزمان والكرب‏

والله لا أخذل النبي ولا ... يخذله من بني ذو حسب‏

لا تخذلا وانصرا ابن عمكما ... أخي لأمي من بينهم وأبي‏

 قال: فكانت أول جماعة جمعت ذلك اليوم[45]

 

من أشعار أبي طالب × ‏قوله‏:

ألا من لهم آخر الليل معتم‏ ... ‏طواني وأخرى النجم لم يتقحم‏

طواني وقد نامت عيون كثيرة ... ‏وسامر أخرى ساهر لم ينوم‏

لأحلام قوم قد أرادوا محمدا ... ‏بظلم ومن لا يتقي البغي يظلم‏

سعوا سفها واقتادهم سوء أمرهم‏  على خائل من رأيهم غير محكم‏

رجاء أمور لم ينالوا انتظامها ... ‏ولو حشدوا في كل بدو وموسم‏

يرجون منه خطة دون نيلها ... ‏ضراب وطعن بالوشيج المقوم‏

يرجون أن نسخى بقتل محمد ... ‏ولم تختضب سمر العوالي من الدم‏

كذبتم وبيت الله حتى تفلقوا ... ‏جماجم تلقى بالحطيم وزمزم‏

وتقطع أرحام وتنسى حليلة ... ‏حليلا ويغشى محرم بعد محرم‏

هم الأسد أسد الزأرتين إذا غدت‏ على حنق لم تخش إعلام معلم‏

فيا لبني فهر أفيقوا ولم تقم‏ ... ‏نوائح قتلي تدعى بالتندم‏

على ما مضى من بغيكم وعقوقكم‏      وإتيانكم في أمركم كل مأثم‏

وظلم نبي جاء يدعو إلى الهدى‏  وأمر آتى من عند ذي العرش قيم‏

فلا تحسبونا مسلميه ومثله‏ ... ‏إذا كان في قوم فليس بمسلم‏

فهذي معاذير وتقدمة لكم‏ ... ‏لئلا تكون الحرب قبل التقدم‏.[46]

 

من شعر أبي طالب ×‏:

ألا أبلغا عني على ذات بينها ... ‏لؤيا وخصا من لؤي بني كعب‏

ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا ... ‏نبيا كموسى خط في أول الكتب‏

وأن عليه في العباد محبة ... ‏ولا حيف فيمن خصه الله بالحب‏

وأن الذي لفقتم في كتابكم‏ ... ‏يكون لكم يوما كراغية السقب‏

أفيقوا أفيقوا قبل أن تحفر الزبى‏ ... ويصبح من لم يجن ذنبا كذي الذنب

ولا تتبعوا أمر الغواة وتقطعوا ... ‏أواصرنا بعد المودة والقرب‏

وتستجلبوا حربا عوانا وربما ... ‏أمر على من ذاقه حلب الحرب‏

فلسنا وبيت الله نسلم أحمدا ... ‏لعزاء من عض الزمان ولا حرب

ولما تبن منا ومنكم سوالف‏ ... ‏وأيد أبيرت بالمهندة الشهب‏

بمعترك ضنك ترى كسر القنا ... ‏به والضباع العرج تعكف كالسرب‏

كأن مجال الخيل في حجراته‏ ... ‏وغمغمة الأبطال معركة الحرب‏

أليس أبونا هاشم شد أزره‏ ... ‏وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب‏[47]

 

من شعر أبي طالب ×‏:

أرقت وقد تصوبت النجوم ... ‏وبت ولا تسالبك الهموم

ظلم عشيرة ظلموا وعقوا ... ‏‏وغب عقوقهم لهم وخيم

هم انتهكوا المحارم من أخيهم ... ‏وكل فعالهم دنس ذميم

وقالوا خطة جورا وظلما ... ‏‏وبعض القول أبلج مستقيم

لنخرج هاشما فتصير منها ... ‏بلاقع بطن مكة والحطيم

فمهلا قومنا لا تركبونا ... ‏‏بمظلمة لها أمر عظيم

فيندم بعضكم ويذل بعض ... ‏وليس بمفلح أبدا ظلوم

أرادوا قتل أحمد ظالميه ... ‏وليس لقتله منهم زعيم

ودون محمد منا ندي ... ‏‏هم العرنين والعضو الصميم[48]

 

من شعر أبي طالب ×‏:

لمن أربع أقوين بين القدائم‏ ... ‏أقمن بمدحاة الرياح الرمائم‏

تعاللت عيني بالبكاء وخلتني‏ ... ‏ترفعت دمعي يوم بين الأصارم‏

وكيف بكائي في طلول وقد عفت‏ ... لها حقب قد فارقت أم عاصم‏

غفارية حلت ببولان حلة ... فينبع أو حلت بهضب الصرائم‏

فدعها فقد شطت به غربة النوى‏ ... ‏وشعث لشت الحي غير ملائم‏

وبلغ على الشحناء أفناء غالب‏ ... ‏لويا وتيما عند نصر العزائم‏

ألم تعلموا أن القطيعة مأثم‏ ... وأمر بلاء قائم غير حازم‏

وأن سبيل الرشد يعرف في غد ... ‏وأن نعيم اليوم ليس بدائم‏.[49]

 

من شعر أبي طالب ×‏:

فلا تسفهوا أحلامكم في محمد ... ‏‏ولا تتبعوا أمر الغواة الأشائم‏

يمنونكم أن تقتلوه وإنما ... ‏أمانيكم تلكم كأحلام نائم‏

فإنكم والله لا تقتلونه‏ ... ‏‏ولما تروا قطف اللحي والجماجم‏

ولم تصر الأموات منكم ملاحما ... تحوم عليه الطير بعد ملاحم‏

وندعو بأرحام أواصر بيننا... ‏وقد قطع الأرحام وقع الصوارم‏

ونسموا بخيل نحو خيل تحثها ... ‏إلى الروع أولاد الكماة القماقم‏

أ خلتم بأنا مسلمون محمدا ... ‏ولما نقاذف دونه ونزاحم‏

من القوم مفضال أبي على العدى‏ ... ‏تمكن في الفرعين من آل هاشم‏

أمين محب في العباد مسوم‏ ... ‏بخاتم رب قاهر للخواتم‏

يرى الناس برهانا عليه وهيبة ... ‏وما جاهل في فعله مثل عالم‏

نبي أتاه الوحي من عند ربه‏... ‏فمن قال لا يقرع بها سن نادم‏

تطيف به جرثومة هاشمية ... ‏تدافع عنه كل عات وظالم‏[50]

 

من شعر أبي طالب ×‏:

ألا من لهم آخر الليل منصب‏ ‏... ‏وشعب العصا من قومك المتشعب‏

وجربي أراها من لؤي بن غالب‏ ... ‏‏متى ما تزاحمها الصحيحة تجرب‏

وقد كان في أمر الصحيفة عبرة ... ‏‏متى ما يخبر غائب القوم يعجب‏

محا الله منها كفرهم وعقوقهم‏ ‏... ‏‏وما نقموا من معرب الخط معرب‏

فأصبح ما قالوا من الأمر باطلا ‏... ‏‏ومن يختلق ما ليس بالحق يكذب‏

فأمسى ابن عبد الله فينا مصدقا ‏... على سخط من قومنا غير متعب‏.[51]

 

من شعر أبي طالب ×‏:

فلا تحسبونا مسلمين محمدا ... ‏لذي غربة فينا ولا متقرب‏

ستمنعه منا يد هاشمية ... ‏‏مركبها في الناس خير مركب‏

فلا والذي تحدي إليه قلائص‏ ... ‏لأدراك نسك من منى والمحصب‏.

نفارقه حتى نصرع حوله‏ ... ‏وما بال تكذيب النبي المقرب‏

فكفوا إليكم من فضول حلومكم ...‏‏ ولا تذهبوا في رأيكم كل مذهب‏.[52]

 

قال أبو طالب × ينعى على قريش القطيعة ويحذرهم الحرب:‏

تطاول ليلي لأمر نصب‏ ‏... ‏ودمع كسح السقاء السرب‏

للعب قصي بأحلامها ‏... ‏وهل يرجع الحلم بعد اللعب‏

وقالوا لأحمد أنت امرؤ ... ‏خلوف الحديث ضعيف السبب‏

وإن كان أحمد قد جاءهم‏ ... ‏بصدق ولم يأتهم بالكذب‏

ونفي قصي بني هاشم‏ ‏... ‏كنفي الطهاة لطاف الخشب‏

على أن إخواننا وازروا ‏... ‏بني هاشم وبني المطلب‏

فيا لقصي أ لم تخبروا ‏... ‏بما قد خلا من شئون العرب‏

ورمتم بأحمد ما رمتم‏ ‏... ‏على الآصرات وقرب النسب‏

فإني ومن حج من راكب‏ ... ‏وكعبة مكة ذات الحجب‏

تنالون أحمد أو تصطلوا ... ‏‏ظباة الرماح وحد القضب‏

وتعترفوا بين أبياتكم‏ ‏... ‏صدور العوالي وخيلا عصب‏

تراهن ما بين ضافي السبب‏ ‏‏قصير الحزام طويل اللبب‏

عليها صناديد من هاشم‏ ... ‏‏هم الأنجبون مع المنتجب‏[53]

 

وقال أبو طالب × يعاتب قوما من عشيرته, ويحذرهم وبال عداوته, ويذكر أمر النبي | وعترته:‏

ألا أبلغا عني لويا رسالة ... ‏بحق وما تغني رسالة مرسل‏

بني عمنا الأدنين تيما نخصهم‏ ... ‏وإخواننا من عبد شمس ونوفل‏

أظاهرتم قوما علينا ولاية ... ‏وأمرا غويا من غواة وجهل‏

يقولون لو أنا قتلنا محمدا ... ‏أقرت نواصي هاشم بالتذلل‏

كذبتم ورب الهدي تدمى نحوره‏ ... بمكة والركن العتيق المقبل‏

تنالونه أو تصطلوا دون نيله‏ ... ‏صوارم تفري كل عضو ومفصل‏

فمهلا ولما تنتج الحرب بكرها ... ‏بيتن تمام أو بآخر معجل‏

وتلقوا ربيع الأبطحين محمدا ... ‏على ربوة في رأس عنقاء عيطل‏

وتأوى إليه هاشم إن هاشما ... ‏عرانين كعب آخرا بعد أول‏

فإن كنتم ترجون قتل محمد ... ‏فرموا بما جمعتم نقل يذبل‏

فإنا سنحميه بكل طمرة ... ‏وذي ميعة نهد المراكل هيكل‏

وكل رديني ظماء كعوبه‏ ... ‏وعضب كإيماض الغمامة مقصل‏

بإيمان شم من ذوابة هاشم‏ ... ‏مغاوير بالأخطار في كل محفل‏.[54]

 

وقال أبو طالب × في مثل ذلك:‏

خذوا حظكم من سلمنا إن حربنا إذا ضرستنا الحرب نار تسعر

فإنا وإياكم على كل حالة ... ‏لمثلان بل أنتم إلى الصلح أفقر. [55]

 

عن أبي الفتح الكراجكي يرفعه‏, أن أبا جهل بن هشام‏ ‏جاء إلى النبي | ومعه حجر يريد أن يرميه به, إذا سجد رسول الله | فرفع أبو جهل يده, فيبست على الحجر, فرجع وقد التصق الحجر بيده, فقال له أشياعه من المشركين: أجننت؟ قال: لا, ولكني رأيت بيني وبينه كهيئة الفحل يخطر بذنبه. فقال في ذلك أبو طالب × وأرضاه هذه الأبيات‏:

أفيقوا بني عمنا وانتهوا ... ‏عن الغي في بعض ذا المنطق‏

وإلا فإني إذا خائف‏ ... ‏بوائق في داركم تلتقي‏

تكون لغابركم عبرة ... ‏ورب المغارب والمشرق‏

كما ذاق من كان من قبلكم‏ ... ثمود وعاد فمن ذا بقي‏

غداة أتتهم بها صرصر ... ‏وناقة ذي العرش إذ تستقي‏

فحل عليهم بها سخطة ... ‏من الله في ضربة الأزرق‏

غداة يعض بعرقوبها ... ‏حسام من الهند ذو رونق‏

وأعجب من ذاك في أمركم ... عجائب في الحجر الملصق‏

بكف الذي قام في جنبه‏ ... إلى الصابر الصادق المتقي‏

فأثبته الله في كفه‏ ... ‏على رغم ذا الخائن الأحمق‏.[56]

 

وقال أبو طالب يأمر أخاه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنهما بالإسلام, ويحضه على نصر نبي الهدى | قال:‏

فصبرا أبا يعلى على دين أحمد ... وكن مظهرا للدين وفقت صابرا

وحط من أتى بالحق من عند ربه‏ ... صدق وحق لا تكن حمز كافرا

فقد سرني إذ قلت إنك مؤمن‏ ... ‏وكن لرسول الله في الله ناصرا

وناد قريشا بالذي قد أتى به‏ ... ‏جهارا وقل ما كان أحمد ساحرا[57]

 

من شعر أبي طالب ×‏:

زعمت قريش أن أحمد ساحر ... ‏كذبوا ورب الراقصات إلى الحرم[58]

مازلت أعرفه بصدق حديثه ... ‏وهو الأمين على الحرائب والحرم[59]

 

من شعر أبي طالب ×‏:

قل لمن كان من كنانة في العز ... وأهل الندى وأهل المعالي

قد أتاكم من المليك رسول ... فاقبلوه بصالح الأعمال‏

وانصروا أحمدا فإن من الله ... رداء عليه غير مدال. [60]

 

من شعر أبي طالب ×‏:

أنت النبي محمد ... ‏‏قرم أغر مسود

لمسودين أطائب ... ‏‏كرموا وطاب المولد

نعم الأرومة أصلها ... ‏‏عمرو الخضم الأوحد

هشم الربيكة في الجفان‏ ... ‏وعيش مكة أنكد

فجرت بذلك سنة ... ‏فيها الخبيزة تثرد

ولنا السقاية للحجيج‏ ... ‏بها يماث العنجد

والمأزمان وما حوت‏ ... ‏عرفاتها والمسجد

أنى تضام ولم أمت‏ ... ‏وأنا الشجاع العربد

وبنو أبيك كأنهم‏ ... ‏أسد العرين توقد

شم قماقمة غيوث‏ ... ‏ندي بحار تزبد

وبطاح مكة لا يرى‏ ... ‏فيها نجيع أسود

ولقد عهدتك صادقا ... ‏في القول ما تتفند

ما زلت تنطق بالصواب‏ ... ‏وأنت طفل أمرد[61]

 

من شعر أبي طالب ×‏:

لا يمنعنك من حق تقوم به‏ ... ‏أيد تصول ولا أضعاف أصوات‏

فإن كفك كفى أن فتكت بهم‏ ... ‏ودون نفسك نفسي في الملمات‏.[62]

 

من شعر أبي طالب ×‏:

إذا قيل من خير هذا الورى‏ ... ‏قبيلا وأكرمهم أسرة

أناف بعبد مناف أب‏ ... ‏وفضله هاشم الغرة

وحل من المجد في هاشم‏ ... ‏مكان النعائم والنثرة

فخير بني هاشم أحمد ... ‏رسول الإله على فترة. [63]

 

ولما اشتد أذى أبي جهل بن هشام للنبي | وعناده له, قال أبو طالب × له متهددا وبالحرب متوعدا ولرسول الله |: ولدينه محققا معتقدا

صدق ابن آمنة النبي محمد ... ‏‏فتميزوا غيظا به وتقطعوا

إن ابن آمنة النبي محمد ... ‏‏سيقوم بالحق الجلي ويصدع

فأربع أبا جهل على ظلع فما ... ‏‏زالت جدودك تستخف وتظلع

سترى بعينك أن رأيت قتاله ... ‏‏وعنادة من أمره ما تسمع.[64]

 

عن أبي الفرج الأصفهاني يرفعه قال: لما رأى أبو طالب من قومه ما يسره من جلدهم معه, وحد بهم عليه مدحهم, وذكر قديمهم, وذكر النبي | فقال:‏

إذا اجتمعت يوما قريش لشدة ... ‏‏فعبد مناف سرها وصميمها

وإن حصلت أشراف عبد منافها ... ‏‏ففي هاشم أشرافها وقديمها

وإن فخرت يوما فإن محمدا ... ‏‏هو المصطفى من سرها وكريمها

تداعت قريش غثها وسمينها ... ‏‏علينا فلم تظفر وطاشت حلومها

وكنا قديما لا نقر ظلامة ... ‏‏إذا ما ثنوا صعر الخدود نقيمها. [65]

 

من شعر أبي طالب ×‏:

مليك الناس ليس له شريك ... ‏‏هو الجبار والمبدئ المعيد

ومن فوق السماء له بحق ... ‏‏ومن تحت السماء له عبيد. [66]

 

من شعر أبي طالب ×‏:

يا شاهد الله علي فاشهد ... ‏‏آمنت بالواحد رب أحمد...

من ضل في الدين فإني مهتدي‏.[67]

 

من شعر أبي طالب ×‏:

لا تيأسن إذا ما ضقت من فرج ... ‏‏يأتي به الله في الروحات والدلج‏

فما تجرع كأس الصبر معتصم ... ‏‏بالله إلا سقاه الله بالفرج. [68]

 

من شعر أبي طالب ×‏:

أعوذ برب البيت من كل طاعن ... ‏‏علينا بسوء أو ملح بباطل‏[69]

 

من شعر أبي طالب ×‏:

فهل بعد هذا من معاذ لعائذ   ... ‏‏وهل من حليم يتقي الله عادل

كذبتم وبيت الله نترك مكة    ... ‏‏ونظعن هذا أمركم في بلابل

[70]كذبتم وبيت الله نبزي محمدا ... ‏‏ولما نطاعن دونه ونناصل

ونسلمه حتى نصرع حوله     ... ‏‏ونذهل عن أبنائنا والحلائل‏[71]

 

عن إسحاق بن جعفر عن أبيه × قال: قيل له إنهم يزعمون أن أبا طالب كان كافرا, فقال × كذبوا, كيف يكون كافرا وهو يقول:‏

ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا ... نبيا كموسى خط في أول الكتب

وفي حديث آخر: كيف يكون أبو طالب كافرا وهو يقول:‏

لقد علموا أن ابننا لا مكذب‏ ... لدينا ولا يعبأ بقيل‏ الأباطل

وأبيض يستسقى‏ الغمام‏ بوجهه‏ ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل. [72]

 

عن مسلم الملائي‏، قال: جاء أعرابي إلى النبي | فقال: والله يا رسول الله، لقد أتيناك وما لنا بعير يئط ولا غنم تغط، ثم أنشأ يقول:

أتيناك يا خير البرية كلها ... لترحمنا مما لقينا من الأزل‏

أتيناك والعذراء يدمى لبانها ... وقد شغلت أم البنين عن الطفل‏

وألقى بكفيه الفتى استكانة ... من الجوع ضعفا ما يمر ولا يحلي‏

ولا شي‏ء مما يأكل الناس عندنا ... سوى الحنظل العامي والعلهز الفسل‏

وليس لنا إلا إليك فرارنا ... وأين فرار الناس إلا إلى الرسل

فقال رسول الله | للصحابة: إن هذا الأعرابي يشكو قلة المطر وقحطا شديدا, ثم قام يجر رداءه حتى صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وكان فيما حمده به أن قال: الحمد لله الذي علا في السماء وكان عاليا، وفي الأرض قريبا دانيا أقرب إلينا من حبل الوريد، ورفع يديه إلى السماء وقال: اللهم اسقنا غيثا مغيثا، ومريئا، مريعا، غدقا، طبقا، عاجلا غير رائث‏، نافعا غير ضار، تملأ به الزرع، وتنبت الزرع، وتحيي به‏ الأرض بعد موتها. فما رد يده إلى نحره حتى أحدق السحاب بالمدينة كالإكليل، والتقت السماء بأرواقها، وجاء أهل البطاح يضجون: يا رسول الله، الغرق الغرق, فقال رسول الله |: اللهم حوالينا ولا علينا، فانجاب السحاب عن السماء، فضحك رسول الله |، وقال: لله در أبي طالب, لو كان حيا لقرت عيناه، من ينشدنا قوله, فقام عمر بن الخطاب فقال: عسى أردت، يا رسول الله:

وما حملت من ناقة فوق ظهرها ... أبر وأوفى ذمة من محمد

فقال رسول الله |: ليس هذا من قول أبي طالب، هذا من قول حسان بن ثابت, فقام علي بن أبي طالب × وقال: كأنك أردت، يا رسول الله:

وأبيض يستسقى‏ الغمام‏ بوجهه‏ ... ربيع اليتامى عصمة للأرامل‏

تلوذ به الهلاك من آل هاشم‏ ... فهم عنده في نعمة وفواضل‏

كذبتم وبيت الله يبزى محمد ... ولما نماصع دونه ونقاتل‏

ونسلمه حتى نصرع حوله‏ ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل‏

فقال رسول الله |: أجل. [73]

 

عن عائشة قالت: جاء أعرابي إلى النبي | فقال: أتيناك يا رسول الله, وليس لنا صبي يصطبح ولا بعير يئط ثم أنشد:

أتيناك والعذراء يدمى لبانها ... ‏وقد شغلت أم الرضيع عن الطفل‏

وألقى بكفيه الصبي استكانة ... ‏من الجوع حتى ما يمر ولا يحلي‏

ولا شي‏ء مما يأكل الناس عندنا ... ‏سوى الحنظل العامي والطهل الفتل‏

وليس لنا إلا إليك فرارنا ... ‏وأين يفر الناس إلا إلى الرسل.‏

فقام النبي | يجر رداءه حتى رقي المنبر, فحمد الله وأثنى عليه, ثم قال: اللهم اسقنا غيثا مغيثا, مريئا, مريعا, سحا سجالا, غدقا طبقا, دائما دررا, تنبت به الزرع وتملأ به الضرع, وتحيي به الأرض بعد موتها, واجعله سقيا عاجلا غير رائث,‏ فو الله ما رد رسول الله | يده إلى نحره, حتى ألقت السماء بأوراقها, وجاء أهل البطانة يصيحون:‏ يا رسول الله, الغرق الغرق, فقال رسول الله |: اللهم حوالينا ولا علينا, فانجاب السحاب عن المدينة, حتى أحدق بها كالإكليل, فضحك رسول الله | حتى بدت نواجذه, ثم قال: لله در أبي طالب, لو كان حيا قرت‏ عيناه, من ينشدنا قوله؟ فقام علي × فقال: يا رسول الله, لعلك أردت قوله:‏

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه‏ ... ‏ثمال اليتامى عصمة للأرامل‏

تطوف به الهلاك من آل هاشم‏ ... ‏فهم عنده في نعمة وفواضل‏.

فقال رسول الله |: أجل, ثم قام رجل من كنانة فأنشده:‏

لك الحمد والحمد ممن شكر ... ‏سقينا بوجه النبي المطر

دعا الله خالقه دعوة ... ‏إليه وأشخص منه البصر

فما كان إلا كما ساعة ... ‏وأسرع حتى رأينا الدرر

دفاق العزالى وجم البعاق‏ ... ‏أغاث به الله عليا مضر

فكان كما قاله عمه‏ ... ‏أبو طالب ذو رواء غرر

به يسر الله صوب الغمام‏ ... ‏فهذا العيان لذاك الأثر

فمن يشكر الله يلق المزيد ... ‏ومن يكفر الله يلق الغير

فقال رسول الله |: إن يك شاعر أحسن فقد أحسنت.‏ [74]

 

من شعر أبي طالب ×‏ مخاطبا قريش:

ولو لا حذاري أن أجي‏ء بسبه‏ ... ‏تنث على أشياخنا في المحافل‏

لداستكم منا رجال أعزة   ... ‏إذا جردوا إيمانهم بالمناصل‏

رجال كرام غير ميل عوارد ... ‏كمثل السيوف في أكف الصياقل‏

وضرب ترى الفتيان فيه كأنهم‏ ... ‏ضواري أسود عند لحم الأكائل‏

رددناهم حتى تبدد جمعهم‏ ... ‏وندفع عنا كل باغ وجاهل‏.[75]

 

عن عبد الله بن عباس رحمه الله,‏ أنه سأله رجل فقال: يا ابن عم رسول الله, أخبرني عن أبي طالب هل كان مسلما؟ فقال: وكيف لم يكن مسلما وهو القائل:‏

ألم تعلموا أن ابننا لا مكذب‏ ... ‏لدينا ولا يعبأ بقول الأباطل

ثم قال:‏ ‏إن أبا طالب كان مثله كمثل‏ ‏أصحاب الكهف, أسروا الإيمان وأظهروا الشرك,‏ ‏فأتاهم الله‏ {أجرهم مرتين}‏.[76]

 

من شعر أبي طالب ×‏:

لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد ... ‏وأحببته حب الحبيب المواصل‏

وجدت بنفسي دونه وحميته‏ ... ‏ودافعت عنه بالذرى والكلاكل‏

فما زال في الدنيا جمالا لأهلها ... ‏وشينا لمن عادى وزين المحافل‏

حليما رشيدا حازما غير طائش‏ ... ‏يوالي إله الخلق ليس بما حل‏.[77]

 

من شعر أبي طالب ×‏:

فأيده رب العباد بنصره‏ ... ‏وأظهر دينا حقه غير باطل‏.[78]

 

عن محمد بن عمر الجرجاني قال: قال الصادق جعفر بن محمد ×: أول جماعة كانت أن رسول الله | كان يصلي وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب × معه, إذ مر أبو طالب به وجعفر معه قال: يا بني صل جناح ابن عمك, فلما أحسه رسول الله | تقدمهما وانصرف أبو طالب × مسرورا وهو يقول:

إن عليا وجعفرا ثقتي... عند ملم الزمان والكرب‏

والله لا أخذل النبي ولا... يخذله من بني ذو حسب‏

لا تخذلا وانصرا ابن عمكما... أخي لأمي من بينهم وأبي‏

 قال: فكانت أول جماعة جمعت ذلك اليوم[79]

 

من شعر أبي طالب × أنه قال لرسول الله |:

والله لن يصلوا إليك بجمعهم ... حتى أوسد في التراب دفينا

فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة ... وانشر بذاك وقر منك عيونا

ودعوتني وزعمت أنك ناصح ... فلقد صدقت وكنت قبل أمينا

وعرضت دينا قد عرفت بأنه ... من خير أديان البرية دينا

لو لا المخافة أن يكون معرة ... لوجدتني سمحا بذاك مبينا[80]

 

من شعر أبي طالب ×‏:

لا يمنعنك من حق تقوم به‏ ... ‏أيد تصول ولا أضعاف أصوات‏

فإن كفك كفى أن فتكت بهم‏ ... ‏ودون نفسك نفسي في الملمات‏.[81]

 

 

* شعر أبي طالب × بمصادر العامة:

عن ابن إسحاق قال: قال أبو طالب أبياتا للنجاشي يحضه على حسن جوارهم والدفع عنهم يعني عن المهاجرين إلى الحبشة من المسلمين:

ليعلم خيار الناس أن محمدا ... وزير لموسى والمسيح ابن مريم

أتانا بهدي مثل ما أتيا به ... فكل بأمر الله يهدي ويعصم

وإنكم تتلونه في كتابكم ... بصدق حديث لا حديث المبرجم

وإنك ما تأتيك منها عصابة ... بفضلك إلا أرجعوا بالتكرم[82]

 

قال أبو طالب:

ألا أبلغا عنى على ذات بيننا ... لؤيا وخصا من لؤي بنى كعب

ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا ... نبيا كموسى خط في أول الكتب

وأن عليه في العباد محبة ... ولا خير ممن خصه الله بالحب

وأن الذي ألصقتم من كتابكم ... لكم كائن نحسا كراغية السقب

أفيقوا أفيقوا قبل أن يحفر الثرى ... ويصبح من لم يجن ذنبا كذي الذنب

ولا تتبعوا أمر الوشاة وتقطعوا ... أواصرنا بعد المودة والقرب

وتستجلبوا حربا عوانا، وربما ... أمر على من ذاقه جلب الحرب

فلسنا ورب البيت نسلم أحمدا ... لعزاء من عض الزمان ولا كرب

ولما تبن منا ومنكم سوالف ... وأيد أثرت بالقساسية الشهب

بمعترك ضيق ترى كسر القنا ... به والنسور الطخم يعكفن كالشرب

كأن مجال الخيل في حجراته ... ومعمعة الابطال معركة الحرب

أليس أبونا هاشم شد أزره ... وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب؟

ولسنا نمل الحرب حتى تملنا ... ولا نشتكي ما قد ينوب من النكب

ولكننا أهل الحفائظ والنهى ... إذا طار أرواح الكماة من الرعب[83]

 

وقد اشتهر عن عبد الله المأمون أنه كان يقول أسلم أبو طالب والله بقوله‏:

نصرت الرسول رسول المليك ... ببيض تلألأ كلمع البروق

أذب وأحمي رسول الإله ... حماية حام عليه شفيق‏

وما إن أدب لأعدائه ... دبيب البكار حذار الفنيق

ولكن أزير لهم ساميا ... كما زار ليث بغيل مضيق[84]

 

فلما خشي أبو طالب دهماء العرب أن يركبوه مع قومه، قال قصيدته التي تعوذ فيها بحرم مكة وبمكانه منها، وتودد فيها أشراف قومه، وهو على ذلك يخبرهم وغيرهم في ذلك من شعره أنه غير مسلم رسول الله | ولا تاركه لشيء أبدا حتى يهلك دونه، فقال:

ولما رأيت القوم لا ود فيهم ... وقد قطعوا كل العرى والوسائل

وقد صارحونا بالعدواة والأذى ... وقد طاوعوا أمر العدو المزايل

وقد حالفوا قوما علينا أظنه ... يعضون غيظا خلفنا بالأنامل

صبرت لهم نفسي بسمراء سمحة ... وأبيض عضب من تراث المقاول

وأحضرت عند البيت رهطي وإخوتي ... وأمسكت من أثوابه بالوصائل

قياما معا مستقبلين رتاجه ... لدى حيث يقضى حلفه كل نافل

وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم ... بمفضى السيول من إساف ونائل

موسمة الأعضاد أو قصراتها ... مخيسة بين السديس وبازل

ترى الودع فيها والرخام وزينة ... بأعناقها معقودة كالعثاكل

أعوذ برب الناس من كل طاعن ... علينا بسوء أو ملح بباطل

ومن كاشح يسعى لنا بمعيبة ... ومن ملحق في الدين ما لم نحاول

وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه ... وراق ليرقى في حراء ونازل

وبالبيت، حق البيت، من بطن مكة ... وبالله إن الله ليس بغافل

وبالحجر المسود إذا يمسحونه ... إذا اكتنفوه بالضحى والأصائل

وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة ... على قدميه حافيا غير ناعل

وأشواط بين المروتين إلى الصفا ... وما فيهما من صورة وتماثل

ومن حج بيت الله من كل راكب ... ومن كل ذي نذر ومن كل راجل

وبالمشعر الأقصى إذا عمدوا له ... إلال إلى مفضى الشراج القوابل

وتوقافهم فوق الجبال عشية ... يقيمون بالأيدي صدور الرواحل

وليلة جمع والمنازل من منى وهل فوقها من حرمة ومنازل

وجمع إذا ما المقربات أجزنه ... سراعا كما يخرجن من وقع وابل

وبالجمرة الكبرى إذا ضمدوا لها ... يؤمون قذفا رأسها بالجنادل

وكندة إذ هم بالحصاب عشية ... تجيز بهم حجاج بكر بن وائل

حليفان شدا عقد ما احتلفا له ... وردا عليه عاطفات الوسائل

وحطمهم سمر الصفاح وسرحه ... وشبرقه وخد النعام الجوافل

فهل بعد هذا من معاذ لعائذ ... وهل من معيذ يتقى الله عادل

يطاع بنا العدى، وودوا لو أننا ... تسد بنا أبواب ترك وكابل

كذبتم وبيت الله نترك مكة ... ونظعن إلا أمركم في بلابل

كذبتم وبيت الله نبزى محمدا ... ولما نطاعن دونه ونناضل

ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل

وينهض قوم في الحديد إليكم ... نهوض الروايا تحت ذات الصلاصل

وحتى ترى ذا الضغن يركب ردعه ... من الطعن فعل الا نكب المتحامل

وإنا لعمر الله إن جد ما أرى لتلتبسن أسيافنا بالأماثل

بكفي فتى مثل الشهاب سميدع ... أخي ثقة حامى الحقيقة باسل

شهورا وأياما وحولا مجرما ... علينا وتأتي حجة بعد قابل

وما ترك قوم، لا أبالك، سيدا ... يحوط الذمار غير ذرب مواكل

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل

يلوذ به الهلاك من آل هاشم ... فهم عنده في رحمة وفواضل

لعمري لقد أجرى أسيد وبكره ... إلى بغضنا وجزانا لآكل

وعثمان لم يربع علينا وقنفذ ... ولكن أطاعا أمر تلك القبائل

أطاعا أبيا وابن عبد يغوثهم ... ولم يرقبا فينا مقالة قائل

كما قد لقينا من سبيع ونوفل ... وكل تولى معرضا لم يجامل

فإن يلقيا أو يمكن الله منهما ... نكل لهما صاعا بصاع المكايل

وذاك أبو عمرو أبى غير بغضنا ... ليظعننا في أهل شاء وجامل

يناجى بنا في كل ممسي ومصبح ... فناج أبا عمرو بنا ثم خاتل

ويولي لنا بالله ما إن يغشنا ... بلى قد نراه جهرة غير حائل

أضاق عليه بغضنا كل تلعة ... من الأرض بين أخشب فمجادل

وسائل أبا الوليد ماذا حبوتنا ... بسعيك فينا معرضا كالمخاتل

وكنت امرأ ممن يعاش برأيه ... ورحمته فينا، ولست بجاهل

فعتبة لا تسمع بنا قول كاشح ... حسود كذوب مبغض ذي دغاول

ومر أبو سفيان عنى معرضا ... كما مر قيل من عظام المقاول

يفر إلى نجد وبرد مياهه ... ويزعم أنى لست عنكم بغافل

ويخبرنا فعل المناصح أنه ... شفيق ويخفى عارمات الدواخل

أمطعم لم أخذلك في يوم نجدة ... ولا معظم عند الأمور الجلائل

ولا يوم خصم إذا أتوك ألدة ... أولى جدل من الخصوم المساجل

أمطعم إن القوم ساموك خطة ... وإني متى أوكل فلست بوائل

جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا ... عقوبة شر عاجلا غير آجل

بميزان قسط لا يخس شعيرة ... له شاهد من نفسه غير عائل

لقد سفهت أحلام قوم تبدلوا ... بنى خلف قيضا بنا والغياطل

ونحن الصميم من ذؤابة هاشم ... وآل قصي في الخطوب الأوائل

وسهم ومخزوم تمالوا وألبوا ... علينا العدا من كل طمل وخامل

فعبد مناف أنتم خير قومكم ... فلا تشركوا في أمركم كل واغل

لعمري لقد وهنتم وعجزتم ... وجئتم يأمر مخطئ للمفاصل

وكنتم حديثا حطب قدر وأنتم ... ألان حطاب أقدر ومراجل

ليهنئ بنى عبد مناف عقوقنا ... وخذلاننا وتركنا في المعاقل

فإن نك قوما نتئر ما صنعتم ... وتحتلبوها لقحة غير باهل

وسائط كانت في لؤي بن غالب ... نفاهم إلينا كل صقر حلاحل

ورهط نفيل شر من وطئ الحصى ... وألام حاف من معد وناعل

فأبلغ قصيا أن سينشر أمرنا ... وبشر قصيا بعدنا بالتخاذل

ولو طرقت ليلا قصيا عظيمة ... إذا ما لجأنا دونهم في المداخل

ولو صدقوا ضربا خلال بيوتهم ... لكنا أسى عند النساء المطافل

فكل صديق وابن أخت نعده ... لعمري وجدنا غبه غير طائل

سوى أن رهطا من كلاب بن مرة ... براء إلينا من معقة خاذل

وهنا لهم حتى تبدد جمعهم ... ويحسر عنا كل باغ وجاهل

وكان لنا حوض السقاية فيهم ... ونحن الكدي من غالب والكواهل

شباب من المطيبين وهاشم ... كبيض السيوف بين أيدي الصياقل

فما أدركوا ذحلا، ولا سفكوا دما ... ولا حالفوا إلا شرار القبائل

بضرب ترى الفتيان فيه كأنهم ... ضواري أسود فوق لحم خرادل

بنى أمة محبوبة هند كية ... بنى جمح عبيد قيس بن عاقل

ولكننا نسل كرام لسادة ... بهم نعى الأقوام عند البواطل

ونعم ابن أخت القوم غير مكذب ... زهير حساما مفردا من حمائل

أشم من الشم البهاليل ينتمي ... إلى حسب في حومة المجد فاضل

لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد ... وإخوته دأب المحب المواصل

فلا زال في الدنيا جمالا لأهلها ... وزينا لمن والاه رب المشاكل

فمن مثله في الناس أي مؤمل ... إذا قاسه الحكام عند التفاضل

حليم رشيد عادل غير طائش ... يوالي إلاها ليس عنه بغافل

فوالله لولا أن أجئ بسنة ... تجر على أشياخنا في المحافل

لكنا اتبعناه على كل حالة ... من الدهر جدا غير قول التهازل

لقد علموا أن ابننا لا مكذب ... لدينا، ولا يعنى بقول الا باطل

فأصبح فبنا أحمد في أرومة ... تقصر عنها سورة المتطاول

حدبت بنفسي دونه وحميته ... ودافعت عنه بالذرا والكلاكل

فأيده رب العباد بنصره ... وأظهر دينا حقه غير باطل

رجال كرام غبر ميل نماهم ... إلى الخير آباء كرام المحاصل

فإن تك كعب من لوى صقيبة ... فلا بد يوما مرة من تزايل[85]

 

قال ابن هشام: وحدثني من أثق به قال: أقحط أهل المدينة فأتوا رسول الله |، فشكوا ذلك إليه، فصعد رسول الله | المنبر فاستسقى، فما لبث أن جاء من المطر ما أتاه أهل الضواحي

يشكون منه الغرق، فقال رسول الله |: اللهم حوالينا ولا علينا، فانجاب السحاب عن المدينة فصار حواليها كالإكليل، فقال رسول الله |: لو أدرك أبو طالب هذا اليوم لسره! فقال له بعض أصحابه: كأنك يا رسول الله أردت قوله:

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل

قال: أجل. [86]

 

عن علي بن زيد قال كان أبو طالب يقول:

فشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد[87]

 

من شعر أبي طالب يخاطب أخاه حمزة وكان يكنى أبا يعلى‏:

صبرا أبا يعلى على دين أحمد ... وكن مظهرا للدين وفقت صابرا

وحط من أتى بالحق من عند ربه ... بصدق وعزم لا تكن حمز كافرا

فقد سرني إذ قلت إنك مؤمن ... فكن لرسول الله في الله ناصرا

وباد قريشا بالذي قد أتيته ... جهارا وقل ما كان أحمد ساحرا[88]


 

* في شعب أبي طالب ×

لما رأت قريش أنه - رسول الله ص - يفشو أمره في القبائل وأن حمزة × أسلم, وأن عمرو بن العاص رد في حاجته عند النجاشي, فأجمعوا أمرهم ومكرهم على أن يقتلوا رسول الله | علانية, فلما رأى ذلك أبو طالب × جمع بني عبد المطلب فأجمع لهم أمرهم على أن يدخلوا رسول الله | شعبهم, فاجتمع قريش في دار الندوة وكتبوا صحيفة على بني هاشم أن لا يكلموهم ولا يزوجوهم ولا يتزوجوا إليهم ولا يبايعوهم‏ أو يسلموا إليهم رسول الله |, وختم عليها أربعون خاتما وعلقوها في جوف الكعبة - وفي رواية عند زمعة بن الأسود - فجمع أبو طالب × بني هاشم وبني عيد المطلب في شعبه وكانوا أربعين رجلا مؤمنهم وكافرهم ما خلا أبا لهب - وساق الحديث - فظاهراهم عليه فحلف أبو طالب × لئن شاكت محمدا | شوكة لآتين عليكم يا بني هاشم, وحصن الشعب وكان يحرسه بالليل والنهار وفي ذلك يقول:

ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا ... نبيا كموسى خط في أول الكتب

أليس أبونا هاشم شد أزره ... وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب

وإن الذي علقتم من كتابكم ... يكون لكم يوما كراغية السقب

أفيقوا أفيقوا قبل أن تحفر الزبى ... ويصبح من لم يجن ذنبا كذي الذنب

وله:

وقالوا خطة جورا وحمقا ... وبعض القول أبلج مستقيم

لتخرج هاشم فيصير منها ... بلاقع بطن مكة والحطيم

فمهلا قومنا لا تركبونا ... بمظلمة لها أمر وخيم

فيندم بعضكم ويذل بعض ... وليس بمفلح أبدا ظلوم

فلا والراقصات بكل خرق ... إلى معمور مكة لا يريم

طوال الدهر حتى تقتلونا ... ونقتلكم وتلتقي الخصوم

ويعلم معشر قطعوا وعقوا ... بأنهم هم الجد الظليم

أرادوا قتل أحمد ظالميه ... وليس لقتله فيهم زعيم

ودون محمد فتيان قوم ... هم العرنين والعضو الصميم[89]

 

فاجتمعوا في دار الندوة، وكتبوا بينهم صحيفة، أن لا يؤاكلوا بني هاشم، ولا يكلموهم، ولا يبايعوهم، ولا يزوجوهم، ولا يتزوجوا إليهم، ولا يحضروا معهم، حتى يدفعوا محمدا إليهم فيقتلونه، وإنهم يد واحدة على محمد، ليقتلوه غيلة أو صراحا. فلما بلغ ذلك أبا طالب، جمع بني هاشم، ودخل الشعب، وكانوا أربعين رجلا، فحلف لهم أبو طالب بالكعبة، والحرم، والركن، والمقام، لئن شاكت‏ محمدا شوكة لآتين عليكم يا بني هاشم، وحصن الشعب، وكان يحرسه بالليل والنهار، فإذا جاء الليل، يقوم بالسيف عليه، ورسول الله | مضطجع، ثم يقيمه ويضطجعه في موضع آخر، فلا يزال الليل كله هكذا، ووكل ولده، وولد أخيه به، يحرسونه بالنهار، وأصابهم الجهد، وكان من دخل من العرب مكة، لا يجسر أن يبيع من بني هاشم شيئا، ومن باع منهم شيئا انتهبوا ماله. وكان أبو جهل والعاص بن وائل‏ والنضر بن الحارث بن كلدة، وعقبة بن أبي معيط، يخرجون إلى الطرقات التي تدخل مكة، فمن رأوه معه ميرة (الطعام الذي يدخره الإنسان) نهوه أن يبيع من بني هاشم شيئا، ويحذرونه إن باع شيئا أن ينهبوا ماله، وكانت خديجة لها مال كثير، فأنفقته على رسول الله | في الشعب، ولم يدخل في حلف الصحيفة مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد المطلب بن عبد مناف‏ وقال: هذا ظلم. وختموا الصحيفة بأربعين خاتما، ختمها كل رجل من رؤساء قريش بخاتمه، وعلقوها في الكعبة، وتابعهم أبو لهب‏ على ذلك، وكان رسول الله | يخرج في كل موسم، فيدور على قبائل العرب، فيقول لهم: تمنعون لي جانبي حتى أتلو عليكم كتاب ربي، وثوابكم على الله الجنة، وأبو لهب في أثره، فيقول: لا تقبلوا منه، فإنه ابن أخي، وهو ساحر كذاب. فلم يزل هذه حاله، فبقوا في الشعب أربع سنين، لا يأمنون إلا من موسم إلى موسم، ولا يشترون، ولا يبايعون إلا في الموسم‏ وكان يقوم بمكة موسمان في كل سنة: موسم للعمرة في رجب، وموسم للحج في ذي الحجة، فكان إذا جاءت المواسم، يخرج بنو هاشم من الشعب، فيشترون‏ ويبيعون، ثم لا يجسر أحد منهم أن يخرج إلى الموسم الثاني، فأصابهم الجهد وجاعوا، وبعثت قريش إلى أبي طالب ×: ادفع إلينا محمدا حتى نقتله ونملكك علينا فقال أبو طالب ×: قصيدته الطويلة اللامية التي يقول فيها.

فلما رأيت القوم لا ود فيهم‏ ... وقد قطعوا كل العرى والوسائل‏

ألم تعلموا أن ابننا لا مكذب‏ ... لدينا ولا يعبأ بقول الأباطل‏

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه‏ ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل‏

يطوف به الهلاك من آل هاشم ... فهم عنده في نعمة وفواضل‏

كذبتم وبيت الله نبزي‏ محمدا ... ولما نطاعن دونه ونقاتل‏

ونسلمه حتى نصرع دونه‏ ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل‏

لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد ... وأحببته حب الحبيب المواصل‏

وجدت بنفسي دونه وحميته‏ ... ودرأت عنه بالذرى‏ والكلاكل

فلا زال في الدنيا جمالا لأهلها ... وشينا لمن عادى وزين المحافل‏

حليما، رشيدا، حازما، غير طائش‏ ... يوالي إله الحق ليس بماحل‏

فأيده رب العباد بنصره‏ ‏... وأظهر دينا حقه غير باطل‏

فلما سمعوا هذه القصيدة أيسوا منه. [90]

 

من قصيدة لأبي طالب ×

فأمسى ابن عبد الله فينا مصدقا ... على ساخط من قومنا غير معتب

فلا تحسبونا خاذلين محمدا ... لدى غربة منا ولا متقرب

ستمنعه منا يد هاشمية ... ومركبها في الناس أحسن مركب

فلا والذي تخذى له كل نضوة ... طليح بجنبي نخلة فالمحصب

يمينا صدقنا الله فيها ولم نكن ... لنحلف بطلا بالعتيق المحجب

نفارقه حتى نصرع حوله ... وما بال تكذيب النبي المقرب[91]

 

عن الشريف أبي علي الموضح العمري العلوي يرفعه قال: لما أدخلت قريش بني هاشم الشعب‏ إلا أبا لهب وأبا سفيان بن الحرث, فبقي القوم بالشعب ثلاث سنين, وكان رسول الله | إذا أخذ مضجعه وعرف مكانه, جاءه أبو طالب فأنهضه عن فراشه وأضجع ابنه أمير المؤمنين × مكانه, فقال له أمير المؤمنين × ذات ليلة: يا أبتاه, إني مقتول فقال:‏

اصبرن يا بني فالصبر أحجى‏ ... ‏كل حي مصيره لشعوب‏

قد بذلناك والبلاء شديد ... ‏لفداء الحبيب وابن الحبيب‏

لفداء الأغر ذي الحسب الثاقب‏ ... ‏والباع والكريم النجيب‏

إن تصبك المنون فالنبل يرمى‏ ... ‏فمصيب منها وغير مصيب‏

كل حي وإن تملي بعيش‏ ... ‏آخذ من خصالها بنصيب‏

فقال أمير المؤمنين × يجيبه:‏

أتأمرني بالصبر في نصر أحمد ... ‏ووالله ما قلت الذي قلت جازعا

ولكنني أحببت أن ترى نصرتي‏ ... ‏وتعلم أني لم أزل لك طائعا

وسعيي لوجه الله في نصر أحمد ... ‏نبي الهدى المحمود طفلا ويافعا. [92]

 

فلما أتى لرسول الله في الشعب أربع سنين، بعث الله على صحيفتهم القاطعة دابة الأرض، فلحست جميع ما فيها من قطيعة رحم وظلم وجور، وتركت اسم الله باسمك اللهم، ونزل جبرئيل على رسول الله، فأخبره بذلك، فأخبر رسول الله | أبا طالب، فقام أبو طالب، فلبس ثيابه، ثم مضى حتى دخل المسجد على قريش، وهم مجتمعون فيه، فلما بصروا به قالوا: قد ضجر أبو طالب، وجاء الآن ليسلم محمدا ابن أخيه، فدنا منهم، وسلم عليهم، فقاموا إليه، وعظموه، وقالوا: يا أبا طالب، قد علمنا أنك أردت مواصلتنا، والرجوع إلى جماعتنا، وأن تسلم إلينا ابن أخيك، قال: والله ما جئت لهذا، ولكن ابن أخي أخبرني- ولم يكذبني- أن الله أخبره، أنه بعث على صحيفتكم القاطعة دابة الأرض، فلحست جميع ما فيها، من قطيعة رحم وظلم وجور، وتركت اسم الله، فابعثوا إلى صحيفتكم، فإن كان حقا، فاتقوا الله، وارجعوا عما أنتم عليه من الظلم وقطيعة الرحم، وإن كان باطلا، دفعته إليكم، فإن شئتم قتلتموه، وإن شئتم استحييتموه. فبعثوا إلى الصحيفة، فأنزلوها من الكعبة، وعليها أربعون خاتما، فلما أتوا بها نظر كل رجل منهم إلى خاتمه، ثم فكوها فإذا ليس فيها حرف واحد، إلا باسمك اللهم. فقال أبو طالب: يا قوم، اتقوا الله، وكفوا عما أنتم عليه، فتفرق القوم، ولم يتكلم أحد، ورجع أبو طالب إلى الشعب، وقال في ذلك قصيدته البائية، التي أولها:

ألا من لهم آخر الليل منصب‏ ... وشعب العصا من قومك المتشعب

وقد كان في أمر الصحيفة عبرة ... متى ما يخبر غائب القوم يعجب‏

محا الله منها كفرهم وعقوقهم‏ ... وما نقموا من ناطق الحق معرب‏

وأصبح ما قالوا من الأمر باطلا ... ومن يختلق ما ليس بالحق يكذب‏

وأمسى ابن عبد الله فينا مصدقا ... على سخط من قومنا غير معتب‏

فلا تحسبونا مسلمين محمدا ... لذي عزة منا ولا متعرب‏

ستمنعه منا يد هاشمية ... مركبها في الناس خير مركب

و قال عند ذلك نفر من بني عبد مناف، وبني قصي، ورجال من قريش ولدتهم نساء بني هاشم: منهم مطعم بن عدي بن عامر بن لؤي، وكان شيخا كبيرا كثير المال له أولاد، وأبو البختري بن هشام وزهير بن أبي أمية المخزومي، في رجال من أشرافهم: نحن برآة مما في هذه الصحيفة، فقال أبو جهل: هذا قد قضي بليل‏, وخرج النبي | من الشعب ورهطه وخالطوا الناس, ومات أبو طالب بعد ذلك بشهرين, وماتت خديجة بعد ذلك‏.[93]

 

 

* في شعب أبي طالب × بمصادر العامة

وحصروا بني هاشم في شعب أبي طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من حين تنبئ رسول الله |, وانحاز بنو المطلب بن عبد مناف إلى أبي طالب في شعبة مع بني هاشم, وخرج أبو لهب إلى قريش فظاهرهم على بني هاشم وبني المطلب, وقطعوا عنهم الميرة والمادة, فكانوا لا يخرجون

إلا من موسم إلى موسم حتى بلغهم الجهد وسمع أصوات صبيانهم من وراء الشعب, فمن قريش من سره ذلك ومنهم من ساءه. [94]

 

كان أبو طالب × يخاف أن يغتالوا رسول الله | ليلا أو سرا, فكان رسول الله | إذا أخذ مضجعه أو رقد بعثه أبو طالب × من فراشه وجعله بينه وبين بنيه خشية أن يقتلوه, ويصبح قريش فيسمعوا من الليل أصوات صبيان بني هاشم الذين في الشعب يتضاغون من الجوع, فإذا أصبحوا جلسوا عند الكعبة فيسئل بعضهم بعضا فيقول الرجل لصاحبه: كيف بات أهلك البارحة؟ فيقول: بخير, فيقول: لكن اخوانكم هاؤلاء الذين في الشعب بات صبيانهم يتضاغون من الجوع حتى أصبحوا, فمنهم من يعجبه ما يلقى محمد | ورهطه ومنهم من يكره ذلك, فقال أبو طالب × وهو يذكر ما طلبوا من محمد | وما حشدوهم في كل موسم يمنعونهم أن يبتاعوا بعض ما يصلحهم وذكر في الشعر:

ألا من لهم آخر الليل معنم ... طواني وأخرى النجم لم يتقحم

طواني وقد نامت عيون كثيرة ... وسائر أخرى ساهر لم ينوم

لأحلام أقوام أرادوا محمدا ... بسوء ومن لا يتقي الظلم يظلم

سعوا سفها واقتادهم سورايهم ... على قليل من رأيهم غير محكم

رجاء أمور لم يسألوا نظامها ... وان حشدوا في كل نفر وموسم

يرجون أن نسخى بقتل محمد ... ولم تختضب سمر العوالي من الدم

يرجون منا خطة دون نيلها ... أضراب وطعن بالوشيح المقوم

كذبتم وبيت الله لا تقتلونه ... جماجم تلقى بالحطيم وزمزم

وتقطع أرحام وتنسى حليلة ... خليلا وتغشى محرما بعد محرم

وينهض قوم في الدروع إليكم ... يذبون عن أحسابهم كل مجرم[95]


 

* وفاة أبي طالب ×

لما رأت قريش يعلو أمره |, قالوا: لا نرى محمدا يزداد إلا كبرا وتكبرا, وإن هو إلا ساحر أو مجنون, وتوعدوه وتعاقدوا لئن مات أبو طالب ليجمعن قبائل قريش كلها على قتله, وبلغ ذلك أبا طالب ×, فجمع بني هاشم وأحلافهم من قريش, فوصاهم برسول الله |, وقال: إن ابن أخي كما يقول, أخبرنا بذلك آباؤنا وعلماؤنا إن محمدا | نبي صادق وأمين ناطق, وإن شأنه أعظم شأن, ومكان من ربه أعلى مكان, فأجيبوا دعوته واجتمعوا على نصرته وراموا عدوه من وراء حوزته, فإنه الشرف الباقي لكم الدهر, وأنشأ يقول‏:

أوصى بنصر النبي الخير مشهده ... عليا ابني وعم الخير عباسا

وحمزة الأسد المخشي صولته ... وجعفرا أن تذودوا دونه البأسا

وهاشما كلها أوصى بنصرته ... أن يأخذوا دون حرب القوم أمراسا

كونوا فداء لكم نفسي وما ولدت ... من دون أحمد عند الروع أتراسا

بكل أبيض مصقول عوارضه ... تخاله في سواد الليل مقباسا[96]

 

دخل رسول الله | على عمه أبي طالب وهو مسجى, فقال |: يا عم, كفلت يتيما, وربيت صغيرا, ونصرت كبيرا, فجزاك الله عني خيرا, ثم أمر عليا × بغسله. [97]

 

ولما قيل لرسول الله | إن أبا طالب قد مات, عظم ذلك في قلبه واشتد له جزعه, ثم دخل فمسح جبينه الأيمن أربع مرات وجبينه الأيسر ثلاث مرات ثم قال: يا عم ربيت صغيرا, وكفلت يتيما, ونصرت كبيرا، فجزاك الله عني خيرا، ومشى بين يدي سريره وجعل يعرضه ويقول: وصلتك رحم وجزيت خيرا. [98]

 

عن أبي عبد الله ×:‏ لما حضر أبا طالب الوفاة, جمع وجوه قريش فأوصاهم فقال: يا معشر قريش, أنتم‏ صفوة الله‏ من خلقه, وقلب العرب, وأنتم خزنة الله في أرضه, وأهل حرمه, فيكم السيد المطاع الطويل الذراع,‏ وفيكم المقدم الشجاع الواسع الباع, اعلموا أنكم لم تتركوا للعرب في المفاخر نصيبا إلا حزتموه,‏ ولا شرفا إلا أدركتموه, فلكم على الناس بذلك الفضيلة, ولهم به إليكم الوسيلة, والناس لكم حرب, وعلى‏ حربكم ألب, وإني موصيكم بوصية فاحفظوها, أوصيكم بتعظيم هذه البنية, فإن فيها مرضاة الرب, وقواما للمعاش, وثبوتا للوطأة, وصلوا أرحامكم ففي صلتها منساة في الأجل, وزيادة في العدد, واتركوا العقوق والبغي, ففيهما هلكت القرون قبلكم, أجيبوا الداعي وأعطوا السائل,‏ فإن فيها شرفا للحياة والممات, عليكم بصدق الحديث وأداء الأمانة, فإن فيهما نفيا للتهمة وجلالة في الأعين, واجتنبوا الخلاف على الناس, وتفضلوا عليهم‏ فإن فيهما محبة للخاصة ومكرمة للعامة, وقوة لأهل البيت, وإني أوصيكم بمحمد خيرا, فإنه الأمين في قريش, والصديق في العرب, وهو جامع لهذه الخصال التي أوصيكم بها... وايم الله لكأني أنظر إلى صعاليك العرب وأهل العز في الأطراف, والمستضعفين من الناس, قد أجابوا دعوته وصدقوا كلمته, وعظموا أمره, فخاض بهم غمرات الموت,‏ فصارت رؤساء قريش وصناديدها أذنابا, ودورها خرابا, وضعفاؤها أربابا, وإذا أعظمهم عليه أحوجهم إليه, وأبعدهم منه أخطأهم لديه, قد محضته العرب ودادها, وصفت له‏ بلادها, وأعطته قيادها, فدونكم يا معشر قريش ابن أبيكم وأمكم, كونوا له ولاة, ولحربه‏ حماة, والله لا يسلك أحد منكم‏ سبيله إلا رشد, ولا يأخذ أحد بهداه إلا سعد, ولو كان لنفسي مدة وفي أجلي تأخير, لكفيته الكوافي, ولدافعت‏ عنه الدواهي,‏ غير أني أشهد بشهادته وأعظم مقالته‏. [99]

 

روي أنه لما مات أبو طالب × أتى أمير المؤمنين علي × النبي | فآذنه بموته, فتوجع توجعا عظيما وحزن حزنا شديدا, ثم قال لأمير المؤمنين ×: امض يا علي فتول أمره وتول غسله وتحنيطه وتكفينه, فإذا رفعته على سريره فأعلمني, ففعل ذلك أمير المؤمنين × فلما رفعه على السرير اعترضه النبي | فرق وتحزن وقال: وصلتك رحم وجزيت خيرا يا عم, فلقد ربيت وكفلت صغيرا ونصرت وآزرت كبيرا, ثم أقبل على الناس وقال: أما والله لأشفعن لعمي شفاعة يعجب بها أهل الثقلين. [100]

 

عن أبي عبد الله × قال: لما مات أبو طالب ×, وقف رسول الله | على قبره فقال: جزاك الله من عم خيرا، فقد ربيتني يتيما، ونصرتني كبيرا. [101]

 

عن محمد بن مروان, عن أبي عبد الله × قال: إن أبا طالب × أظهر الشرك وأسر الإيمان, فلما حضرته الوفاة أوحى الله عز وجل إلى رسول الله | اخرج منها فليس لك بها ناصر, فهاجر إلى المدينة. [102]

 

عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق × قال: ما مات‏ أبو طالب حتى أعطى رسول الله | من نفسه الرضا. [103]

 

عن ابن عباس قال: أخبرني العباس بن عبد المطلب: أن أبا طالب شهد عند الموت, أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. [104]

 

عن أمير المؤمنين ×: إن أبي حين حضره الموت شهده رسول الله |, فأخبرني عنه بشي‏ء خير لي من الدنيا وما فيها. [105]

 

قال أبو علي الموضح‏ ولأمير المؤمنين × في أبيه أبي طالب × يرثيه:‏

أبا طالب عصمة المستجير ‏... ‏‏وغيث المحول ونور الظلم‏

لقد هد فقدك أهل الحفاظ ‏... ‏‏فصلى عليك ولي النعم‏

ولقاك ربك رضوانه‏ ... ‏... ‏‏فقد كنت للمصطفى‏ ‏خير عم‏.[106]

 

 

* وفاته بمصادر العامة

قال الحلبي: قول الحافظ عماد الدين بن كثير: المشهور أنه - أبو طالب ع - مات قبل خديجة, أي بثلاثة أيام. [107]

 

عن محمد بن سيرين قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة دعا رسول الله | فقال له: بن أخ إذا أنا مت فأت أخوالك من بني النجار, فإنهم أمنع الناس لما في بيوتهم. [108]

 

عن الإمام علي × قال: أخبرت رسول الله | بموت أبي طالب × فبكى ثم قال: اذهب فاغسله وكفنه وواره، غفر الله له ورحمه. قال ففعلت. قال: وجعل رسول الله | يستغفر له أياما ولا يخرج من بيته. [109]

 

ذكر ابن الكلبي أن أبا طالب لما حضرته الوفاة جمع إليه وجوه قريش فأوصاهم فقال: يا معشر قريش, أنتم صفوة الله من خلقه وقلب العرب, واعلموا أنكم لم تتركوا للعرب في المآثر نصيبا إلا أحرزتموه, ولا شرفا إلا أدركتموه, فلكم بذلك على الناس الفضيلة, ولهم به إليكم الوسيلة, والناس لكم حرب وعلى حربكم إلب، وإني أوصيكم بتعظيم هذه البنية فإن فيها مرضاة للرب, وقواما للمعاش, وثباتا للوطأة، صلوا أرحامكم ولا تقطعوها فإن في صلة الرحم منسأة في الأجل وزيادة في العدد،, واتركوا البغي والعقوق ففيها هلكت القرون قبلكم، أجيبوا الداعي وأعطوا السائل فإن فيها شرف الحياة والممات، عليكم بصدق الحديث وأداء الأمانة فإن فيهما محبة في الخاص ومكرمة في العام.

وإني أوصيكم بمحمد خيرا فإنه الأمين في قريش والصديق في العرب، وهو الجامع لكل ما أوصيكم به، وأيم الله كأني أنظر إلى صعاليك العرب وأهل البر في الأطراف والمستضعفين من الناس قد أجابوا دعوته, وصدقوا كلمته, وعظموا أمره, فخاض بهم غمرات الموت, فصارت رؤساء قريش وصناديدها أذنابا, ودورها خرابا, وضعافها أربابا, وأعظمهم عليه أحوجهم إليه, وأبعدهم منه أحظاهم عنده، قد محضته العرب ودادها, وأصفت له فؤادها, وأعطته قيادها، دونكم يا معشر قريش ابن أبيكم كونوا له ولاة، ولحربه حماة، والله لا يسلك أحد منكم سبيله إلا رشد, ولا يأخذ أحد بهديه إلا سعد, ولو كان لنفسي مدة ولأجلي تأخير لكفيت عنه الهزاهز ولدافعت عنه الدواهي. [110]

 

عن علي × أنه قال: ما مات أبو طالب حتى أعطى رسول الله | من نفسه الرضا. [111]

 

عن ابن عباس ان النبي | عارض جنازة أبي طالب فقال: وصلتك رحم وجزيت خيرا يا عم. [112]

 

وقال السدي مات أبو طالب وهو ابن بضع وثمانين سنة ودفن بالحجون عند عبد المطلب, وقال علي × يرثيه:

أبا طالب عصمة المستجير ... وغيث المحول ونور الظلم

لقد هد فقدك أهل الحفاظ ... فصلى عليك ولي النعم

ولقاك ربك رضوانه ... فقد كنت للطهر من خير عم[113]

 



[1] ‏مناقب آل أبي طالب × ج 3 ص 99, بحار الأنوار ج 35 ص 425

[2] الأمالي للطوسي ص 305, كنز الفوائد ج 1 ص 183, مائة منقبة ص 174, بشارة المصطفى ص 202, الاحتجاج‏ ج 1 ص 229, الحجة على الذاهب‏ ص 72, كشف الغمة ج 1 ص 415, تأويل الآيات ص 393, تسلية المجالس ج 1 ص 152, تفسير الصافي ج 4 ص 97, البرهان ج 4 ص 192, مرآة العقول ج 26 شرح ص 367, بحار الأنوار ج 35 ص 110, تفسير كنز الدقائق ج 9 ص 516, غاية المرام ج 1 ص 163

[3] الحجة على الذاهب‏ ص 84, بحار الأنوار ج 35 ص 112

[4] الحجة على الذاهب‏ ص 83, الجواهر السنية ص 435, بحار الأنوار ج 35 ص 111, وسائل الشيعة ج 16 ص 231

[5] الحجة على الذاهب‏ ص 142, بحار الأنوار ج 35 ص 117

[6] الحجة على الذاهب‏ ص 81, الدر النظيم ص 220, بحار الأنوار ج 35 ص 110

[7] الكافي ج 1 ص 446, الأمالي للصدوق ص 606, معاني الأخبار ص 136, كنز الفوائد ج 1 ص 164, الحجة على الذاهب‏ ص 49, الوافي ج 3 ص 702, تفسير الصافي ج 4 ص 96, الجواهر السنية ‏434, روضة الواعظين ج 1 ص 67, بحار لأنوار ج 15 ص 108

[8] الكافي ج 1 ص 446, الأمالي للصدوق ص 606, معاني الأخبار ص 136, روضة الواعظين ج 1 ص 67, الحجة على الذاهب ص 49, الدر النظيم ص 26, الوافي ج 3 ص 702, تفسير الصافي ج 4 ص 96, الجواهر السنية ص 434, بحار الأنوار ج 15 ص 108

[9] بمصادر الشيعة: الحجة على الذاهب ص 46, بحار الأنوار ج 35 ص 108.

بمصادر العامة: شرح نهج البلاغة ج 14 ص 67

[10] كمال الدين ج 1 ص 174, الخرائج ج 3 ص 1074, الدر النظيم ص 221, البرهان ج 4 ص 277, بحار الأنوار ج 15 ص 144

[11] الحجة على الذاهب‏ ص 82, كنز الفوائد ج 1 ص 183, بحار الأنوار ج 35 ص 111

[12] الحجة على الذاهب‏ ص 68, كنز الفوائد ج 1 ص 184, الطرائف ج 1 ص 305, الصراط المستقيم ج 2 ص 334, بحار الأنوار ج 35 ص 109

[13] الحجة على الذاهب‏ ص 119, وسائل الشيعة ج 16 ص 231, بحار الأنوار ج 35 ص 114

[14] الحجة على الذاهب‏ ص 123, بحار الأنوار ج 35 ص 115, الدر النظيم ص 219 نحوه

[15] الحجة على الذاهب‏ ص 124, بحار الأنوار ج 35 ص 115. باختصار: الأمالي للصدوق ص 614, روضة الواعظين ج 1 ص 139, إثبات الهداة ج 1 ص 307, البرهان ج 2 ص 46, مرآة العقول ج 26 شرح ص 366

[16] الحجة على الذاهب‏ ص 362, الدر لنظيم ص 219

[17] الأمالي للصدوق ص 615, مرآة العقول ج 26 شرح ص 366, بحار الأنوار ج 35 ص 72

[18] الخصال ج 1 ص 76, علل الشرائع ج 1 ص 133, بحار الأنوار ج 35 ص 74

[19] الكافي ج 4 ص 544, الفقيه ج 2 ص 520, الوافي ج 12 ص 334, وسائل الشيعة ج 13 ص 397, هداية الأمة ج 5 ‏ص 328, الحجة على الذاهب ص 103, بحار الأنوار ج 35 ص 112

[20] بمصادر الشيعة: كنز الفوائد ج 1 ص 184, الحجة على الذاهب ص 132 بحار الأنوار ج 35 ص 116.

بمصادر السنة: شرح نهج البلاغة ج 14 ص 69

[21] الحجة على الذاهب ص 178, بحار الأنوار ج 35 ص 118

[22] الكافي ج 1 ص 445, كمال الدين ج 2 ص 665, الوافي ج 3 ص 701, تفسير الصافي ج 4 ص 96, إثبات الهداة ج 1 ص 183, البرهان ج 4 ص 277, بحار الأنوار ج 35 ص 73

[23] الدر النظيم ص 40

[24] كمال الدين ج 1 ص 172, إعلام الورى ج 1 ص 62, بحار الأنوار ج 15 ص 143

[25] علل الشرائع ج 2 ص 469, بحار الأنوار ج 35 ص 77

[26] السرائر ج 3 ص 575, بحار الأنوار ج 15 ص 361

[27] مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 37, بحار الأنوار ج 15 ص 335

[28] الدر النظيم ص 91, العدد القوية ص 146, بحار الأنوار ج 15 ص 360

[29] الكافي ج 5 ص 374, الوافي ج 21 ص 387, بحار الأنوار ج 16 ص 14

[30] تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 13

[31] روضة الواعظين ج 1 ص 54, حلية الأبرار ج 1 ص 73, تفسير نور الثقلين ج 4 ص 135, تفسير كنز الدقائق ج 10 ص 87

[32] مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 59, بحار الأنوار ج 35 ص 87

[33] الحجة على الذاهب‏ ص 254, بحار الأنوار ج 35 ص 123

[34] الحجة على الذاهب‏ ص 346, بحار الأنوار ج 35 ص 125

[35] الخصال ج 2 ص 376, الاختصاص ص 174, إرشاد القلوب ج 2 ص 353, البرهان ج 4 ص 431, حلية الأبرار ج 2 ص 373, بحار الأنوار ج 31 ص 349

[36] كنز الفوائد ج 1 ص 270, الحجة على الذاهب‏ ص 248, بحار الأنوار ج 35 ص 120

[37] السيرة النبوية لابن هشام ج 1 ص 139, تاريخ الطبري ج 2 ص 32, تاريخ مدينة دمشق ج 3 ص 81, البداية والنهاية ج 2 ص 344, السيرة النبوية لابن كثير ج 1 ص 241, إمتاع الأسماع ج 8 ص 179, كفاية الطالب اللبيب ج 1 ص 84, سبل الهدى والرشاد ج 2 ص 135

[38] تفسير الرازي ج 19 ص 211

[39] سيرة ابن إسحاق ج 2 ص 129

[40] سيرة ابن إسحاق ج 2 ص 133

[41] السيرة الحلبية ج 1 ص 432

[42] ذخائر العقبى ص 222

[43] الحجة على الذاهب‏ ص 129, الدر النظيم ص 219, وسائل الشيعة ج 17 ص 331, بحار الأنوار ج 35 ص 115, مستدرك الوسائل ج 6 ص 100

[44] الحجة على الذاهب‏ ص 140, بحار الأنوار ج 35 ص 116

[45] الأمالي للصدوق ص 508, بحار الأنوار ج 35 ص 68, مرآة العقول ج 26 شرح ص 366, وسائل الشيعة ج 8 ص 288 دون الشعر

[46] الحجة على الذاهب ص 188

[47] بمصادر الشيعة: الحجة على الذاهب ص 192, بحار الأنوار ج 35 ص 159

بمصادر السنة: شرح نهج البلاغة ج 14 ص 72

[48] الحجة على الذاهب ص 197

[49] الحجة على الذاهب ص 198

[50] الحجة على الذاهب ص 201, بحار الأنوار ج 35 ص 160

[51] إعلام الورى ج 1 ص 128, الحجة على الذاهب ص 204, بحار الأنوار ج 19 ص 4

[52] الحجة على الذاهب ص 206

[53] الحجة على الذاهب ص 216

[54] بمصادر الشيعة: الحجة على الذاهب ص 218.

بمصادر العامة: شرح نهج البلاغة ج 14 ص 62 نحوه

[55] الحجة على الذاهب ص 220

[56] كنز الفوائد ج 1 ص 172, الحجة على الذاهب ص 223, بحار الأنوار ج 35 ص 119

[57] كنز الفوائد ج 1 ص 181, إعلام الورى ص 48, قصص الأنبياء × للراوندي ص 321, مناقب آل أبي طالب × ج 1 ص 61, الحجة على الذاهب ص 277, بحار الأنوار ج 18 ص 211. شرح نهج البلاغة ج 14 ص 76

[58] الراقصات الى الحرم: الإبل, ورقص الجمل إذا ركض‏

[59] كنز الفوائد ج 1 ص 182, الحجة على الذاهب ص 278, بحار الأنوار ج 35 ص 125

[60] الحجة على الذاهب ص 280, بحار الأنوار ج 35 ص 128

[61] الحجة على الذاهب ص 281, بحار الأنوار ج 35 ص 164, الدر النظيم ص 214 باختصار

[62] بمصادر الشيعة: الحجة على الذاهب ص 283, الصراط المستقيم ج 1 ص 339, بحار الأنوار ج 35 ص 164.

بمصادر العامة: شرح نهج البلاغة ج 14 ص 77

[63] الحجة على الذاهب ص 283, بحار الأنوار ج 35 ص 164

[64] الحجة على الذاهب ص 292

[65] الحجة على الذاهب ص 293, بحار الأنوار ج 35 ص 131

[66] كنز الفوائد ج 1 ص 181, روضة الواعظين ج 1 ص 141, متشابه القرآن ج 2 ص 66, الحجة على الذاهب ص 294, الصراط المستقيم ج 1 ص 340, دلائل الصدق ج 6 ص 197

[67] كنز الفوائد ج 1 ص 182, متشابه القرآن ج 2 ص 66, الحجة على الذاهب ص 294, بحار الأنوار ج 34 ص 409

[68] ‏الحجة على الذاهب ص 295

[69] الحجة على الذاهب ص 298, بحار الأنوار ج 35 ص 165

[70] من هنا في بحار الأنوار

[71] الحجة على الذاهب ص 299, بحار الأنوار ج 35 ص 176

[72] ‏الكافي ج 2 ص 462, الوافي ج 3 ص 698, تفسير الصافي ج 4 ص 95, إثبات الهداة ج 1 ص 183, البرهان ج 4 ص 375, بحار الأنوار ج 35 ص 136

[73] الأمالي للمفيد ص 301, الأمالي للطوسي ص 74, بحار الأنوار ج 18 ص 1

[74] الحجة على الذاهب ص 305

[75] الحجة على الذاهب ص 318

[76] الأمالي للصدوق ص 614, روضة الواعظين ج 1 ص 139, الحجة على الذاهب ص 321, بحار الأنوار ج 35 ص 72

[77] الحجة على الذاهب ص 322, كنز الفوائد ج 1 ص 179, إعلام الورى ج 1 ص 127, الصراط المستقيم ج 1 ص 334

[78] الحجة على الذاهب ص 323, شرح الأخبار ج 3 ص 223, كنز الفوائد ج 1 ص 179, إعلام الورى ص 51, قصص الأنبياء × للراوندي ص 329, متشابه القرآن ج 2 ص 65, حلية الأبرار ج 1 ص 84, بحار الأنوار ج 108 ص 266

[79] الأمالي للصدوق ص 508, بحار الأنوار ج 35 ص 68, مرآة العقول ج 26 شرح ص 366, وسائل الشيعة ج 8 ص 288 دون الشعر

[80] مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 58, بحار الأنوار ج 35 ص 87

[81] مصادر الشيعة: الاحتجاج ج 1 ص 232, الحجة على الذاهب ص 283, الصراط المستقيم ج 1 ص 339, بحار الأنوار ج 35 ص 164.

مصادر السنة: شرح نهج البلاغة ج 14 ص 77

[82] المستدرك ج 2 ص 623

[83] السيرة النبوية لابن هشام ج 1 ص 235, شرح نهج البلاغة ج 14 ص 72

[84] شرح نهج البلاغة ج 14 ص 74

[85] السيرة النبوية لابن هشام ج 1 ص 176, السيرة النبوية لابن كثير ج 1 ص 486 نحوه

[86] السيرة النبوية لابن هشام ج 1 ص 180

[87] التاريخ الصغير للبخاري ج 1 ص 38, سبل الهدى والرشاد ج 1 ص 408

[88] شرح نهج البلاغة ج 14 ص 76

[89] مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 63, بحار الأنوار ج 35 ص 91

[90] إعلام الورى ص 49, حلية الأبرار ج 1 ص 81, بحار الأنوار ج 19 ص 1, القصص للراوندي ص 327 نحوه

[91] مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 64, بحار الأنوار ج 19 ص 21

[92] بمصادر الشيعة: الحجة على الذاهب ص 275. نحوه: الفصول المختارة ص 58, مناقب آل أبي طالب × ج 1 ص 64, بحار الأنوار ج 35 ص 93

نحوه بمصادر العامة: شرح نهج البلاغة ج 14 ص 64

[93] إعلام الورى ص 49, حلية الأبرار ج 1 ص 81, بحار الأنوار ج 19 ص 1, القصص للراوندي ص 327 نحوه

[94] الطبقات الكبرى ج 1 ص 209, نهاية الأرب ج 16 ص 259, نحوه: عمدة القاري ج 9 ص 230, حياة الحيوان الكبرى ج 1 ص 35, إمتاع الأسماع ج 1 ص 44, كفاية الطالب اللبيب ج 1 ص 151

[95] سيرة ابن إسحاق ج 2 ص 141

[96] مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 61, الدر النظيم ص 217, بحار الأنوار ج 35 ص 89

[97] ‏الأمالي للصدوق ص 404, بحار الأنوار ج 35 ص 68

[98] تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 35

[99] روضة الواعظين ج 1 ص 139, بحار الأنوار ج 35 ص 106

 

[100] الحجة على الذاهب‏ ص 264, بحار الأنوار ج 35 ص 125, إعلام الدين ص 144 باختصار

[101] الدر النظيم ص 221

[102] كمال الدين ج 1 ص 174, البرهان ج 3 ص 277, بحار الأنوار ج 35 ص 81, تفسير نور الثقلين ج 2 ص 219, تفسير كنز الدقائق ج 5 ص 459, مستدرك الوسائل ج 12 ص 271

[103] الحجة على الذاهب‏ ص 108, بحار الأنوار ج 35 ص 113مرآة العقول ج 26 شرح ص 372

[104] الحجة على الذاهب ص 106, بحار الأنوار ج 35 ص 113

[105] الحجة على الذاهب ص 110, بحار الأنوار ج 35 ص 113

[106] الحجة على الذاهب ص 122, الدر النظيم ص 218, بحار الأنوار ج 35 ص 114

[107] السيرة الحلبية ج 2 ص 40

[108] الطبقات‏ الكبرى ج 3 ص 542, تاريخ مدينة دمشق ج 66 ص 324, سير أعلام النبلاء ج 10 ص 665, تاريخ الإسلام للذهبي ج 1 ص 233

[109] المنتظم من تاريخ الأمم ج 3 ص 9, عمدي القاري ج 8 ص 55, نصب الراية ج 2 ص 333, الدر المنثور ج 3 ص 283, فتح القدير ج 2 ص 411, تفسير الآلوسي ج 11 ص 33, الطبقات الكبرى ج 1 ص 123

[110] سبل الهدى والرشاد ج 2 ص 429, السيرة الحلبية ج 2 ص 49 نحوه

[111] خصائص أمير المؤمنين × للنسائي ص 38, شرح نهج البلاغة ج 14 ص 71

[112] الكامل للجرجاني ج 1 ص 260, تاريخ مدينة دمشق ج 66 ص 336

[113] تذكرة الخواص ص 19