احتجاجاته مع المخالفين

في القياس:

* عن محمد الصيرفي وعن عبد الرحمن بن سالم أنه دخل ابن شبرمة وأبو حنيفة على الصادق (ع), فقال لأبي حنيفة: اتق الله ولا تقس الدين برأيك فإن أول من قاس إبليس إذ أمره الله تعالى بالسجود فقال {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين}, ثم قال: هل تحسن أن تقيس رأسك من جسدك؟ قال: لا, قال: فأخبرني عن الملوحة في العينين, والمرارة في الأذنين, والبرودة في المنخرين, والعذوبة في الشفتين, لأي شي‏ء جعل ذلك؟ قال: لا أدري, فقال (ع): إن الله تعالى خلق العينين فجعلها شحمتين وجعل الملوحة فيهما منا على بني آدم ولو لا ذلك لذابتا, وجعل المرارة في الأذنين منا منه على بني آدم ولو لا ذلك لقحمت الدواب فأكلت دماغه, وجعل الماء في المنخرين ليصعد النفس وينزل ويجد منه الريح الطيبة والرديئة, وجعل العذوبة في الشفتين ليجد ابن آدم لذة مطعمه ومشربه, ثم قال له: أخبرني عن كلمة أولها شرك, وآخرها إيمان؟ قال: لا أدري, قال: لا إله إلا الله, ثم قال: أيما أعظم عند الله تعالى القتل أو الزنا؟ فقال: بل القتل, قال: فإن الله تعالى قد رضي في القتل بشاهدين ولم يرض في الزنا إلا بأربعة؟ ثم قال: إن الشاهد على الزنا شهد على اثنين وفي القتل على واحد, لأن القتل فعل واحد والزنا فعلان, ثم قال: أيما أعظم عند الله تعالى الصوم أو الصلاة؟ قال: لا بل الصلاة, قال: فما بال المرأة إذا حاضت تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ ثم قال (ع): لأنها تخرج إلى صلاة فتداومها ولا تخرج إلى صوم, ثم قال: المرأة أضعف أم الرجل؟ قال: المرأة, قال: فما بال المرأة وهي ضعيفة لها سهم واحد والرجل قوي له سهمان؟ ثم قال: لأن الرجل يجبر على الإنفاق على المرأة ولا تجبر المرأة على الإنفاق على الرجل, ثم قال: البول أقذر أم المني؟ قال: البول, قال: يجب على قياسك أن يجب الغسل من البول دون المني وقد أوجب الله تعالى الغسل من المني دون البول, ثم قال: لأن المني اختيار ويخرج من جميع الجسد ويكون في الأيام, والبول ضرورة ويكون في اليوم مرات, قال أبو حنيفة: كيف يخرج من جميع الجسد والله يقول {يخرج من بين الصلب والترائب}؟ قال أبو عبد الله (ع): فهل قال لا يخرج من غير هذين الموضعين؟ ثم قال (ع): لم لا تحيض المرأة إذا حبلت؟ قال: لا أدري, قال (ع): حبس الله تعالى الدم فجعله غذاء للولد, ثم قال (ع): أين مقعد الكاتبين؟ قال: لا أدري, قال: مقعدهما على الناجدين, والفم الدواة, واللسان القلم, والريق المداد, ثم قال: لم يضع الرجل يده على مقدم رأسه عند المصيبة والمرأة على خدها؟ قال: لا أدري, فقال (ع): اقتداء بآدم وحواء حيث أهبطا من الجنة, اما ترى أن من شأن الرجل الاكتئاب عند المصيبة, ومن شأن المرأة رفعها رأسها إلى السماء إذا بكت, ثم قال (ع): ما ترى في رجل كان له عبد فتزوج وزوج عبده في ليلة واحدة, ثم سافرا وجعلا امرأتيهما في بيت واحد, فسقط البيت عليهم فقتل المرأتين وبقي الغلامان, أيهما في رأيك المالك وأيهما المملوك؟ وأيهما الوارث وأيهما الموروث؟ ثم قال: فما ترى في رجل أعمى فقأ عين صحيح وأقطع قطع يد رجل, كيف يقام عليهما الحد؟ ثم قال (ع): فأخبرني عن قول الله تعالى لموسى وهارون (ع) حين بعثهما إلى فرعون {لعله يتذكر أو يخشى}, لعل منك شك؟ قال: نعم, قال: وكذلك من الله شك إذ قال {لعله},  ثم قال: أخبرني عن قول الله تعالى {وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين}, أي موضع هو: قال: هو ما بين مكة والمدينة؟ قال (ع): نشدتكم بالله هل تسيرون بين مكة والمدينة لا تأمنون على دمائكم من القتل وعلى أموالكم من السرق, ثم قال: وأخبرني عن قول الله تعالى {ومن دخله كان آمنا}, أي موضع هو؟ قال: ذاك بيت الله الحرام, فقال: نشدتكم بالله هل تعلمون أن عبد الله بن الزبير وسعيد بن جبير دخلاه فلم يأمنا القتل, قال: فاعفني يا ابن رسول الله, قال: فأنت الذي تقول {سأنزل مثل ما أنزل الله}, قال: أعوذ بالله من هذا القول, قال: إذا سئلت فما تصنع؟ قال: أجيب عن الكتاب أو السنة أو الاجتهاد, قال: إذا اجتهدت من رأيك وجب على المسلمين قبوله؟ قال: نعم, قال: وكذلك وجب قبول ما أنزل الله تعالى, فكأنك قلت {سأنزل مثل ما أنزل الله} تعالى.

------------------

مناقب آشوب ج 4 ص 252, بحار الانوار ج 10 ص 212, العوالم ج 20 ص 499

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

* عن محمد بن مسلم قال: دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله (ع), فقال: إني رأيت ابنك موسى يصلي والناس يمرون بين يديه فلا ينهاهم, وفيه ما فيه, فقال أبو عبد الله (ع): ادع, فلما جاءه قال: يا بني إن أبا حنيفة يذكر أنك تصلي والناس يمرون بين يديك فلا تنهاهم, قال: نعم يا أبة, إن الذي كنت أصلي له كان أقرب إلي منهم, يقول الله تعالى {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد}, قال: فضمه أبو عبد الله (ع) إلى نفسه وقال: بأبي أنت وأمي يا مودع الأسرار. فقال أبو عبد الله (ع): يا أبا حنيفة القتل عندكم أشد أم الزنا؟ فقال: بل القتل, قال: فكيف أمر الله تعالى في القتل بالشاهدين وفي الزنا بأربعة؟ كيف يدرك هذا بالقياس؟ يا أبا حنيفة ترك الصلاة أشد أم ترك الصيام؟ فقال: بل ترك الصلاة, قال: فكيف تقضي المرأة صيامها ولا تقضي صلاتها؟ كيف يدرك هذا بالقياس؟ ويحك يا أبا حنيفة النساء أضعف عن المكاسب أم الرجال؟ فقال: بل النساء, قال: فكيف جعل الله تعالى للمرأة سهما وللرجل سهمين؟ كيف يدرك هذا بالقياس؟ يا أبا حنيفة الغائط أقذر أم المني؟ قال: بل الغائط, قال: فكيف يستنجى من الغائط ويغتسل من المني؟ كيف يدرك هذا بالقياس؟ تقول: سأنزل مثل ما أنزل الله؟ قال: أعوذ بالله أن أقوله, قال (ع) بلى تقوله أنت وأصحابك من حيث لا تعلمون, قال أبو حنيفة: جعلت فداك حدثني بحديث أرويه عنك, قال: حدثني أبي محمد بن علي, عن أبيه علي بن الحسين, عن جده الحسين بن علي, عن أبيه علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين قال: قال رسول الله (ص): إن الله أخذ ميثاق أهل البيت من أعلى عليين, وأخذ طينة شيعتنا منه, ولو جهد أهل السماء وأهل الأرض أن يغيروا من ذلك شيئا ما استطاعوه, قال: فبكى أبو حنيفة بكاء شديدا وبكى أصحابه, ثم خرج وخرجوا.

-----------------

الاختصاص ص189, وسائل الشيعة ج 5 ص 135, مستدرك الوسائل ج17 ص266, بحار الانوار ج10 ص204

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

قال أبو حنيفة النعمان بن ثابت: جئت إلى حجام بمنى ليحلق رأسي, فقال: أدن ميامنك واستقبل القبلة وسم الله, فتعلمت منه ثلاث خصال لم تكن عندي, فقلت له: مملوك أنت أم حر؟ فقال: مملوك, قلت: لمن؟ قال: لجعفر بن محمد العلوي (ع), قلت: اشاهد هو أم غائب؟ قال: شاهد, فصرت إلى بابه واستأذنت عليه فحجبني, وجاء قوم من أهل الكوفة فاستأذنوا فأذن لهم فدخلت معهم, فلما صرت عنده قلت له: يا ابن رسول الله, لو أرسلت إلى أهل الكوفة فنهيتهم أن يشتموا أصحاب محمد (ص) فإني تركت بها أكثر من عشرة آلاف يشتمونهم, فقال: لا يقبلون مني, فقلت: ومن لا يقبل منك وأنت ابن رسول الله (ص)؟ فقال: أنت ممن لم تقبل مني, دخلت داري بغير إذني, وجلست بغير أمري, وتكلمت بغير رأيي, وقد بلغني أنك تقول بالقياس, قلت: نعم به أقول, قال: ويحك يا نعمان, أول من قاس الله تعالى إبليس, حين أمره بالسجود لآدم (ع) وقال: {خلقتني من نار وخلقته من طين}. أيما أكبر يا نعمان القتل أو الزنا؟ قلت: القتل, قال: فلم جعل الله في القتل شاهدين وفي الزنا أربعة؟ اينقاس لك هذا؟ قلت: لا, قال: فأيما أكبر البول أو المني؟ قلت: البول, قال: فلم أمر الله في البول بالوضوء وفي المني بالغسل؟ اينقاس لك هذا؟ قلت: لا, قال: فأيما أكبر الصلاة أو الصيام؟ قلت: الصلاة, قال: فلم وجب على الحائض أن تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ اينقاس لك هذا؟ قلت: لا, قال: فأيما أضعف المرأة أم الرجل؟ قلت: المرأة, قال: فلم جعل الله تعالى في الميراث للرجل سهمين وللمرأة سهما؟ اينقاس لك هذا؟ قلت: لا, قال: فلم حكم الله تعالى فيمن سرق عشرة دراهم بالقطع, وإذا قطع رجل يد رجل فعليه ديتها خمسة آلاف درهم؟ اينقاس لك هذا؟ قلت: لا, قال: وقد بلغني أنك تفسر آية في كتاب الله وهي{ ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم} أنه الطعام الطيب, والماء البارد في اليوم الصائف؟ قلت: نعم, قال له: دعاك رجل وأطعمك طعاما طيبا وأسقاك ماء باردا ثم امتن عليك به, ما كنت تنسبه إليه؟ قلت: إلى البخل, قال: افيبخل الله تعالى؟ قلت: فما هو؟ قال: حبنا أهل البيت.

----------------

بحار الانوار ج 10 ص 220, العوالم ج 20 ص 503

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

محمد بن مسلم, أن الصادق (ع) قال لأبي حنيفة: أخبرني عن هاتين النكتتين اللتين في يدي حمارك ليس ينبت عليهما شعر, قال أبو حنيفة" خلق كخلق أذنيك في جسدك وعينيك, فقال له: ترى هذا قياسا, إن الله تعالى خلق أذني لأسمع بهما, وخلق عيني لأبصر بهما, فهذا لما خلقه في جميع الدواب وما ينتفع به, فانصرف أبو حنيفة معتبا, فقلت: أخبرني ما هي؟ قال: إن الله تعالى يقول في كتابه {لقد خلقنا الإنسان في كبد} يعني منتصبا في بطن أمه, غذاؤه من غذائها مما تأكل وتشرب أمه, هاهنا ميثاقه بين عينيه, فإذا أذن الله عز وجل في ولادته أتاه ملك يقال له: حيوان فزجره زجرة انقلب ونسي الميثاق, وخلق جميع البهائم في بطون أمهاتهن منكوسة مؤخره إلى مقدم أمه كما يأخذ الإنسان في بطن أمه, فهاتان النكتتان السوداوان اللتان ترى ما بين الدواب هو موضع عيونها في بطن أمهاتها, فليس ينبت عليه الشعر, وهو لجميع البهائم ما خلا البعير, فإن عنق البعير طال فتقدم رأسه بين يديه ورجليه.

------------------

مناقب آشوب ج 4 ص 254, بحار الانوار ج 10 ص 214

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

روينا عن جعفر بن محمد (ع) أنه قال لأبي حنيفة: وقد دخل عليه, فقال له: يا نعمان ما الذي تعتمد عليه فيما لم تجد فيه نصا في كتاب الله ولا خبرا عن الرسول (ص)؟ قال: أقيسه على ما وجدت من ذلك, قال له: أول من قاس إبليس فأخطأ إذ أمره الله عز وجل بالسجود لآدم (ع), فقال: {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين}, فرأى أن النار أشرف عنصرا من الطين, فخلده ذلك في العذاب المهين, يا نعمان أيهما أطهر المني أو البول؟ قال: المني, قال: فقد جعل الله عز وجل في البول الوضوء, وفي المني الغسل, ولو كان يحمل على القياس لكان الغسل في البول, وأيهما أعظم عند الله الزنا أم قتل النفس؟ قال: قتل النفس, قال: فقد جعل الله عز وجل في قتل النفس الشاهدين وفي الزنا أربعة, ولو كان على القياس لكان الأربعة الشهداء في القتل لأنه أعظم, وأيهما أعظم عند الله الصلاة أم الصوم؟ قال: الصلاة, قال: فقد أمر رسول الله (ص) الحائض بأن تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة, ولو كان على القياس لكان الواجب أن تقضي الصلاة, فاتق الله يا نعمان ولا تقس, فإنا نقف غدا نحن وأنت ومن خالفنا بين يدي الله عز وجل, فيسألنا عن قولنا ويسألهم عن قولهم, فنقول: قلنا: قال الله, وقال رسول الله (ص), وتقول أنت وأصحابك: رأينا وقسنا, فيفعل الله بنا وبكم ما يشاء.

---------------

بحار الانوار ج10 ص221, دعائم الاسلام ج1 ص91, مستدرك الوسائل ج 17 ص 252

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

 

في فضائل الأئمة عليهم السلام:

* محمد بن السائب الكلبي قال: لما قدم الصادق (ع) العراق نزل الحيرة, فدخل عليه أبو حنيفة وسأله عن مسائل, وكان مما سأله أن قال له: جعلت فداك ما الأمر بالمعروف؟ فقال (ع): المعروف يا أبا حنيفة المعروف في أهل السماء المعروف في أهل الأرض وذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع), قال: جعلت فداك فما المنكر؟ قال: اللذان ظلماه حقه وابتزاه أمره وحملا الناس على كتفه, قال: ألا ما هو أن ترى الرجل على معاصي الله فتنهاه عنها؟ فقال أبو عبد الله (ع): ليس ذاك أمر بمعروف ولا نهي عن منكر, إنما ذلك خير قدمه, قال أبو حنيفة: أخبرني جعلت فداك عن قول الله عز وجل {ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم}؟ قال: فما هو عندك يا أبا حنيفة؟ قال: الأمن في السرب, وصحة البدن, والقوت الحاضر, فقال: يا أبا حنيفة لئن وقفك الله - أو أوقفك - يوم القيامة حتى يسألك عن كل أكلة أكلتها وشربة شربتها ليطولن وقوفك, قال: فما النعيم جعلت فداك؟ قال: النعيم نحن الذين أنقذ الله الناس بنا من الضلالة, وبصرهم بنا من العمى, وعلمهم بنا من الجهل, قال: جعلت فداك فكيف كان القرآن جديدا أبدا؟ قال: لأنه لم يجعل لزمان دون زمان فتخلقه الأيام, ولو كان كذلك لفني القرآن قبل فناء العالم.

------------------

تاويل الايات ص 816, مستدرك الوسائل ج16 ص249, بحار الانوار ج10 ص208, تفسير كنز الدقائق ج 14 ص 426, العوالم ج 20 ص 499

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

* روي أنه أتى أبو حنيفة إلى أبي عبد الله جعفر بن محمد (ع), فخرج إليه يتوكأ على عصا, فقال له أبو حنيفة: ما هذه العصا يا أبا عبد الله؟ ما بلغ بك من السن ما كنت تحتاج إليها, قال: أجل, ولكنها عصا رسول الله (ص) فأردت أن أتبرك بها, قال: أما إني لو علمت ذلك وأنها عصا رسول الله (ص) لقمت وقبلتها, فقال أبو عبد الله (ع): سبحان الله - وحسر عن ذراعه – وقال: والله يا نعمان لقد علمت أن هذا من شعر رسول الله (ص) ومن بشره فما قبلته, فتطاول أبو حنيفة ليقبل يده, فاستل كمه وجذب يده, ودخل منزله.

-----------------

دعائم الاسلام ج 1 ص 95, بحار الانوار ج 10 ص 222 

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

* عن الحسين بن محمد بن عامر بإسناده أن أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق (ع) استحضره المنصور في مجلس غاص بأهله, فأمره بالجلوس, فأطرق مليا ثم رفع رأسه وقال له: يا جعفر إن النبي (ص) قال لأبيك علي بن أبي طالب (ع) يوما: لو لا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في المسيح لقلت فيك قولا لا تمر بملإ إلا أخذوا من تراب قدميك يستشفعون به, وقال علي (ع): يهلك في اثنان محب مفرط ومبغض مفرط, فالاعتذار منه أن لا يرضى بما يقول فيه المفرط, ولعمري إن عيسى ابن مريم (ع) لو سكت عما قالت فيه النصارى لعذبه الله, وقد نعلم ما يقال فيك من الزور والبهتان وإمساك عمن يقول ذلك فيك ورضاك به سخط الديان, زعم أوغاد الشام وأوباش العراق أنك حبر الدهر وناموسه, وحجة المعبود وترجمانه, وعيبة علمه وميزان قسطه, ومصباحه الذي يقطع به الطالب عرض الظلمة إلى فضاء النور, وإن الله تبارك وتعالى لا يقبل من عامل جهل حقك في الدنيا عملا ولا يرفع له يوم القيامة وزنا, فنسبوك إلى غير حدك, وقالوا فيك ما ليس فيك, فقل فإن أول من قال الحق لجدك, وأول من صدقه عليه أبوك (ع), فأنت حري بأن تقتص آثارهما وتسلك سبيلهما, فقال أبو عبد الله (ع): أنا فرع من فروع الزيتونة, وقنديل من قناديل بيت النبوة, وسليل الرسالة, وأديب السفرة, وربيب الكرام البررة, ومصباح من مصابيح المشكاة التي فيها نور النور, وصفوة الكلمة الباقية في عقب المصطفين إلى يوم الحشر, فالتفت المنصور إلى جلسائه فقال: قد أحالني على بحر مواج لا يدرك طرفه ولا يبلغ عمقه, تغرق فيه السبحاء ويحار فيه العلماء ويضيق بالسامع عرض الفضاء, هذا الشجا المعترض في حلوق الخلفاء الذي لا يحل قتله, ولا يجوز نفيه, ولو لا ما تجمعني وإياه من شجرة مباركة طاب أصلها وبسق فرعها وعذب ثمرها بوركت في الذر وتقدست في الزبر لكان مني إليه ما لا يحمد في العواقب لما يبلغني من شدة عيبه لنا وسوء القول فينا, فقال أبو عبد الله (ع): لا تقبل في ذي رحمك وأهل الدعة من أهلك قول من حرم الله عليه الجنة وجعل مأواه النار, فإن النمام شاهد زور وشريك إبليس في الإغراء بين الناس, وقد قال الله تبارك وتعالى {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ} الآية, ونحن لك أنصار وأعوان, ولملكك دعائم وأركان, ما أمرت بالمعروف والإحسان وأمضيت في الرعية أحكام القرآن, وأرغمت بطاعتك أنف الشيطان, وإن كان يجب عليك في سعة فهمك وكرم حلمك ومعرفتك بآداب الله أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك, فإن المكافئ ليس بالواصل إنما الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها, فصل يزد الله في عمرك ويخفف عنك الحساب يوم حشرك, فقال أبو جعفر المنصور: قد قبلت عذرك لصدقك وصفحت عنك لقدرك, فحدثني عن نفسك بحديث أتعظ به ويكون لي زاجر صدق عن الموبقات, فقال أبو عبد الله (ع): عليك بالحلم فإنه ركن العلم. وأملك نفسك عند أسباب القدرة فإنك إن تفعل كل ما تقدر عليه كنت كمن شفى غيظا أو أبدى حقدا أو يجب أن يذكر بالصولة, واعلم أنك إن عاقبت مستحقا لم يكن غاية ما توصف به إلا العدل, ولا أعلم حالا أفضل من حال العدل, والحال التي توجب الشكر أفضل من الحال التي توجب الصبر, فقال أبو جعفر المنصور: وعظت فأحسنت وقلت فأوجزت, فحدثني عن فضل جدك علي بن أبي طالب (ع) حديثا لم تروه العامة, فقال أبو عبد الله (ع): حدثني أبي, عن جدي أن رسول الله (ص) قال: ليلة أسري بي إلى السماء فتح لي في بصري غلوة كمثال ما يرى الراكب خرق الإبرة مسيرة يوم, وعهد إلي ربي في علي ثلاث كلمات, فقال: يا محمد, فقلت: لبيك ربي, فقال: إن عليا إمام المتقين, وقائد الغر المحجلين, ويعسوب المؤمنين, والمال يعسوب الظلمة, وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين وكانوا أحق بها وأهلها, فبشره بذلك, قال: فبشره النبي (ص) لذلك فقال: يا رسول الله وإني أذكر هناك؟ فقال: نعم إنك لتذكر في الرفيع الأعلى, فقال المنصور: {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء} 

------------------

بحار الانوار ج10 ص216 عن الإستدراك, الأمالي للصدوق ص 611 نحوه, العولم ج 20 ص 450 نحوه

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

* روي أن أبا حنيفة أكل طعاما مع الإمام الصادق جعفر بن محمد (ع), فلما رفع الصادق (ع) يده من أكله قال: الحمد لله رب العالمين, اللهم هذا منك ومن رسولك, فقال أبو حنيفة: يا أبا عبد الله اجعلت مع الله شريكا؟ فقال (ع) له: ويلك إن الله تبارك يقول في كتابه {وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله}, ويقول عز وجل في موضع آخر: {ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله}, فقال أبو حنيفة: والله لكأني ما قرأتهما قط من كتاب الله ولا سمعتهما إلا في هذا الوقت, فقال أبو عبد الله (ع): بلى قد قرأتهما وسمعتهما, ولكن الله تعالى أنزل فيك وفي أشباهك {أم على قلوب أقفالها}, وقال الله تعالى: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}.

----------------

كنز الفوائد ج 2 ص 36, وسائل الشيعة ج 24 ص 351, بحار الانوار ج 10 ص 216, رياض الأبرار ج 2 ص 207, العوالم ج 20 ص 506

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن أبو زهير بن شبيب إبن أنس, عن بعض‏ أصحابه, عن أبي عبد الله (ع) قال: كنت عند أبي عبد الله (ع) إذ دخل عليه غلام من كندة فإستفتاه في مسألة فأفتاه فيها، فعرفت الغلام والمسألة فقدمت الكوفة، فدخلت على أبي حنيفة فإذا ذاك الغلام بعينه يستفتيه في تلك المسألة بعينها فأفتاه فيها بخلاف ما أفتاه فيها أبو عبد الله (ع)، فقمت إليه فقلت: ويلك يا أبا حنيفة إني كنت العام حاجا فأتيت أبا عبد الله (ع) مسلما عليه فوجدت هذا الغلام يستفتيه في هذه المسألة بعينها فأفتاه بخلاف ما أفتيته. فقال: وما يعلم جعفر بن محمد، أنا أعلم منه، أنا لقيت الرجال وسمعت من أفواههم، وجعفر بن محمد صحفي، أخذ العلم من الكتب‏ فقلت في نفسي: والله لأحجن ولو حبوا قال: فكنت في طلب حجة فجائتني حجة فحججت فأتيت أبا عبد الله (ع) فحكيت له الكلام، فضحك ثم قال (ع): عليه لعنة الله أما في قوله: إني رجل صحفي فقد صدق، قرأت صحف آبائي إبراهيم وموسى فقلت له: ومن له بمثل تلك الصحف؟ قال: فما لبثت أن طرق الباب طارق وكان عنده جماعة من أصحابه فقال للغلام: انظر من ذا؟ فرجع الغلام فقال: أبو حنيفة. قال: أدخله، فدخل وسلم على أبي عبد الله (ع) فرد عليه، ثم قال: أصلحك الله أتاذن لي في القعود؟ فأقبل على أصحابه يحدثهم ولم يلتفت اليه ثم قال الثانية والثالثة فلم يلتفت إليه، فجلس أبو حنيفة من غير اذنه. فلما علم أنه قد جلس إلتفت إليه فقال: أين أبو حنيفة؟ فقال: هو ذا أصلحك الله. فقال: أنت فقيه أهل العراق؟ قال: نعم، قال: فبما تفتيهم؟ قال: بكتاب الله وسنة نبيه. قال: يا أبا حنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته وتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: نعم. قال: يا ابا حنيفة لقد إدعيت علما ويلك ما جعله الله ذلك إلا عند أهل الكتاب الذين انزل عليهم، ويلك ولا هو إلا عند الخاص من ذرية نبينا (ص) وما ورثك الله من كتابه حرفا، فإن كنت كما تقول: ولست كما تقول، فأخبرني عن قول الله عز وجل: {سيروا فيها ليالي وأياما آمنين}‏ أين ذلك من الأرض؟ قال: أحسبه ما بين مكة والمدينة، فإلتفت أبو عبد الله (ع) إلى أصحابه فقال: تعلمون أن الناس يقطع عليهم بين المدينة ومكة فتؤخذ أموالهم ولا يؤمنون على أنفسهم ويقتلون؟ قالوا: نعم.قال: فسكت أبو حنيفة. فقال: يا أبا حنيفة أخبرني عن قول الله عز وجل: {ومن دخله كان آمنا} اين ذلك من الأرض؟ قال: الكعبة. قال: أفتعلم أن الحجاج‏ بن يوسف حين وضع المنجنيق على إبن الزبير في الكعبة فقتله كان آمنا فيها؟ قال: فسكت، ثم قال له: يا أبا حنيفة إذا ورد عليك شي‏ء ليس في كتاب الله ولم يات به خبر ولا أثر كيف صنع؟ فقال: أصلحك الله أقيس وأعمل فيه برأيي قال: يا أبا حنيفة إن‏ أول من قاس إبليس الملعون، قاس على ربنا تبارك وتعالى، فقال‏ {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين}‏ فسكت أبو حنيفة، فقال: يا أبا حنيفة أيما أرجس البول أو الجنابة؟ فقال: البول؟ فقال: فما بال الناس يغتسلون من الجنابة ولا يغتسلون من البول؟ فسكت، فقال: يا أبا حنيفة أيما أفضل الصلوة أم الصوم. قال: الصلوة. قال: فما بال الحائض تقضي صومها ولا تقضي صلوتها؟ فسكت. فقال: يا أبا حنيفة أخبرني عن رجل كانت له ام ولد وله منها إبنة وكانت له حرة لا تلد فزارت الصبية بنت أم الولد أباها فقام الرجل بعد فراغه من صلوة الفجر فواقع أهله التي لا تلد وخرج إلى الحمام فأرادت الحرة ان تكيد ام الولد وإبنتها عند الرجل فقامت إليها بحرارة ذلك الماء فوقعت عليها وهي نائمة فعالجتها كما يعالج الرجل المراة فعلقت، أي شي‏ء عندك فيها قال: لا والله ما عندي فيها شي‏ء. فقال: يا أبا حنيفة أخبرني عن رجل كانت له جارية فزوجها من مملوك له وغاب المملوك فولد له من أهله مولود وولد للمملوك مولود من ام ولد له فسقط البيت على الجاريتين ومات المولى من الوارث؟ فقال: جعلت فداك لا والله ما عندي فيها شي‏ء. فقال أبو حنيفة: أصلحك الله إن عندنا قوما بالكوفة يزعمون أنك تأمرهم البراءة من فلان وفلان وفلان. فقال: ويلك يا أبا حنيفة لم يكن هذا معاذ الله، فقال: أصلحك الله إنهم يعظموه الأمر فيهما. قال: فما تأمرني؟ قال: تكتب إليهم، قال: بماذا؟ قال: تسألهم الكف عنهما. قال: لا يطيعوني. قال: بلى أصلحك الله إذا كنت أنت الكاتب وأنا الرسول أطاعوني. فقال: يا أبا حنيفة أبيت إلا جهلا، كم بيني وبين الكوفة من الفراسخ؟ قال: أصلحك الله ما لا يحصى. فقال: كم بيني وبينك؟قال: لا شي‏ء. قال: أنت دخلت علي في منزلي فاستأذنت في الجلوس ثلاث مرات فلم آذن لك فجلست بغير إذن خلافا علي كيف يطيعوني أولئك وهم هناك وأنا ههنا؟! قال: فقبل رأسه وخرج وهو يقول: أعلم الناس ولم نره عند عالم. فقال: أبو بكر الحضرمي: جعلت فداك الجواب في المسئلتين الاوليين. فقال (ع): يا أبا بكر {سيروا فيها ليالي وأياما آمنين}‏ فقال: مع قائمنا أهل البيت، وأما قوله: {ومن دخله كان آمنا} فمن بايعه ودخل معه ومسح على يده ودخل في عقد أصحابه كان آمنا.

---------------

علل الشرائع ج 1 ص 89, نوادر الأخبار ص 43, حلية الأبرار ج 4 ص 31, بحار الأنوار ج 2 ص 292, العوالم ج 20 ص 492

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية