لقمان الحكيم عليه السلام

- {ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد (12) وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم (13)} لقمان: 12 - 13

 

- {يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في‏ صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير (16) يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على‏ ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور (17) ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور (18) واقصد في‏ مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير (19)} لقمان: 16 - 19

 

عن حماد قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن لقمان وحكمته التي ذكرها الله عز وجل, فقال (ع): أما والله ما أوتي لقمان الحكمة بحسب, ولا مال, ولا أهل, ولا بسط في جسم, ولا جمال, ولكنه كان رجلا قويا في أمر الله متورعا في الله, ساكتا سكينا عميق النظر, طويل الفكر حديد النظر, مستغن بالعبر, لم ينم نهارا قط, ولم يره أحد من الناس على بول, ولا غائط, ولا اغتسال, لشدة تستره وعموق نظره وتحفظه في أمره, ولم يضحك من شي‏ء قط مخافة الإثم, ولم يغضب قط, ولم يمازح إنسانا قط, ولم يفرح لشي‏ء إن أتاه من أمر الدنيا, ولا حزن منها على شي‏ء قط, وقد نكح من النساء وولد له الأولاد الكثيرة, وقدم أكثرهم إفراطا, فما بكى على موت أحد منهم, ولم يمر برجلين يختصمان أو يقتتلان إلا أصلح بينهما, ولم يمض عنهما حتى تحاجزا, ولم يسمع قولا قط من أحد استحسنه إلا سأل عن تفسيره وعمن أخذه, وكان يكثر مجالسة الفقهاء والحكماء, وكان يغشى القضاة والملوك والسلاطين, فيرثي للقضاة مما ابتلوا به,‏ ويرحم الملوك والسلاطين لغرتهم بالله وطمأنينتهم في ذلك, ويعتبر ويتعلم ما يغلب به نفسه, ويجاهد به هواه, ويحترز به من الشيطان, وكان يداوي قلبه بالتفكر ويداري نفسه بالعبر, وكان لا يظعن إلا فيما يعنيه, فبذلك أوتي الحكمة ومنح العصمة, وإن الله تبارك وتعالى أمر طوائف من الملائكة حين انتصف النهار وهدأت العيون‏ بالقائلة, فنادوا لقمان حيث يسمع ولا يراهم, فقالوا: يا لقمان, هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض تحكم بين الناس, فقال لقمان: إن أمرني ربي بذلك فالسمع والطاعة, لأنه إن فعل بي ذلك أعانني عليه وعلمني وعصمني, وإن هو خيرني قبلت العافية, فقالت الملائكة: يا لقمان, لم قالت ذلك؟ قال: لأن الحكم بين الناس بأشد المنازل من الدين, وأكثر فتنا وبلاء, ما يخذل ولا يعان ويغشاه الظلم من كل مكان, وصاحبه منه بين أمرين إن أصاب فيه الحق, فبالحري أن يسلم وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة, ومن يكن في الدنيا ذليلا وضعيفا كان أهون عليه في المعاد من أن يكون فيه حكما سريا شريفا, ومن اختار الدنيا على الآخرة يخسرهما كلتيهما تزول هذه ولا تدرك تلك, قال (ع): فتعجبت الملائكة من حكمته واستحسن الرحمن منطقه, فلما أمسى وأخذ مضجعه من الليل أنزل الله عليه الحكمة, فغشاه بها من قرنه إلى قدمه وهو نائم, وغطاه بالحكمة غطاء, فاستيقظ وهو أحكم الناس في زمانه, وخرج على الناس‏ ينطق بالحكمة ويبينها فيها, قال (ع): فلما أوتي الحكم‏ ولم يقبلها أمر الله الملائكة فنادت داود بالخلافة فقبلها, ولم يشترط فيها بشرط لقمان, فأعطاه الله الخلافة في الأرض وابتلي فيها غير مرة وكل ذلك يهوي في الخطاء يقيله الله ويغفر له, وكان لقمان يكثر زيارة داود (ع) ويعظه بمواعظه وحكمته وفضل علمه, وكان يقول داود له: طوبى لك يا لقمان, أوتيت الحكمة وصرفت عنك البلية, (1) وأعطي داود الخلافة وابتلي بالخطاء والفتنة, (2) ثم قال أبو عبد الله (ع): في قول الله:‏ {وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم}‏ (3) قال (ع): فوعظ لقمان ابنه بآثار, حتى تفطر وانشق, وكان فيما وعظه به: يا حماد, أن قال يا بني إنك منذ سقطت إلى الدنيا استدبرتها واستقبلت الآخرة, فدار أنت إليها تسير أقرب إليك, من دار أنت عنها متباعد, يا بني, جالس العلماء وازحمهم بركبتيك, ولا تجادلهم فيمنعوك, وخذ من الدنيا بلاغا ولا ترفضها فتكون عيالا على الناس, ولا تدخل فيها دخولا يضر بآخرتك, وصم صوما يقطع شهوتك, ولا تصم صياما يمنعك من الصلاة, فإن الصلاة أحب إلى الله من الصيام, يا بني, إن الدنيا بحر عميق قد هلك فيها عالم كثير, فاجعل سفينتك فيها الإيمان واجعل شراعها التوكل واجعل زادك فيها تقوى الله, فإن نجوت فبرحمة الله وإن هلكت فبذنوبك, يا بني, إن تأدبت صغيرا انتفعت به كبيرا, ومن عنى بالأدب اهتم به, ومن اهتم به تكلف علمه, ومن تكلف علمه اشتد له طلبه, ومن اشتد له طلبه أدرك منفعته, فاتخذه عادة فإنك تخلف في سلفك وتنفع به خلفك‏, ويرتجيك فيه راغب ويخشى صولتك راهب, وإياك والكسل عنه بالطلب لغيره, فإن غلبت على الدنيا فلا تغلبن على الآخرة, فإذا فاتك طلب العلم في مظانه فقد غلبت على الآخرة, واجعل في أيامك ولياليك وساعاتك لنفسك نصيبا في طلب العلم, فإنك لم تجد له تضييعا أشد من تركه,‏ ولا تمارين فيه لجوجا, ولا تجادلن فقيها ولا تعادين سلطانا, ولا تماشين ظلوما ولا تصادقنه, ولا تؤاخين فاسقا ولا تصاحبن متهما, واخزن علمك كما تخزن ورقك, يا بني, خف الله خوفا لو أتيت يوم القيامة ببر الثقلين خفت أن يعذبك, وارج الله رجاء لو وافيت القيامة بإثم الثقلين رجوت أن يغفر الله لك, فقال له ابنه: يا أبت, وكيف أطيق هذا وإنما لي قلب واحد؟ فقال له لقمان: يا بني, لو استخرج قلب المؤمن فشق لوجد فيه نوران, نور للخوف ونور للرجاء, لو وزنا ما رجح‏ أحدهما على الآخر بمثقال ذرة, فمن يؤمن بالله يصدق ما قال الله, ومن يصدق ما قال الله يفعل ما أمر الله, ومن لم يفعل ما أمر الله لم يصدق ما قال الله, فإن هذه الأخلاق يشهد بعضها لبعض, فمن يؤمن بالله إيمانا صادقا يعمل لله خالصا ناصحا, ومن يعمل لله خالصا ناصحا فقد آمن بالله صادقا, ومن يطع الله خافه‏ ومن خافه فقد أحبه, ومن أحبه اتبع أمره ومن اتبع أمره استوجب جنته ومرضاته, ومن لم يتبع رضوان الله فقد هان سخطه نعوذ بالله من سخط الله, يا بني, لا تركن إلى الدنيا ولا تشغل قلبك بها, فما خلق الله خلقا هو أهون عليه منها, ألا ترى أنه لم يجعل نعيمها ثوابا للمطيعين, ولم يجعل بلاءها عقوبة للعاصين‏. (4)

-------------

(1) إلى هنا في قصص الأنبياء (ع) للراوندي

(2) من هنا في تفسير كنز الدقائق

(3) إلى هنا في تفسير الصافي

(4) تقسير القمي ج 2 ص 161, البرهان ج 4 ص 364, بحار الأنوار ج 13 ص 409, تفسير نور الثقلين ج 5 ص 196, قصص الأنبياء (ع) للراوندي ص 191, تفسير الصافي ج 4 ص 142, تفسير كنز الدقائق ج 10 ص 240, قصص الأنبياء (ع) للجزائري ص 325 بإختصار

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

 عن أمير المؤمنين (ع): من لكم بمثل لقمان الحكيم علم علم الأول وعلم الآخر.

------------

الإحتجاج ج 1 ص 260, بحار الأنوار ج 10 ص 123

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن أبي عبد الله (ع) قال:‏ قلت: جعلت فداك, قوله‏ {ولقد آتينا لقمان‏ الحكمة} قال (ع): أوتي معرفة إمام زمانه.

-------------

تفسير القمي ج 2 ص 161, تفسير الصافي ج 4 ص 141, بحار الأنوار ج 24 ص 86, تفسير نور الثقلين ج 4 ص 196, تفسير كنز الدقائق ج 10 ص 236, مستدرك الوسائل ج 4 ص 346

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن الإمام الكاظم (ع) في حديث طويل: {ولقد آتينا لقمان‏ الحكمة} قال: الفهم والعقل.

-------------

الكافي ج 1 ص 16, تحف العقول ص 385, الوافي ج 1 ص 91, تفسير الصافي ج 4 ص 141, البرهان ج 4 ص 364, بحار الأنوار ج 1 ص 136, تفسير نور الثقلين ج 4 ص 195, تفسير كنز الدقائق ج 10 ص 236

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن الأصبغ بن نباتة قال: سئل‏ أمير المؤمنين (ع) عن قوله تعالى: {أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير} فقال (ع): الوالدان اللذان أوجب الله لهما الشكر هما اللذان ولدا العلم، وورثا الحكم، وأمر الناس بطاعتهما، ثم قال الله: {إلي المصير} فمصير العباد إلى الله، والدليل على ذلك الوالدان، ثم عطف القول على ابن حنتمة وصاحبه، فقال في الخاص والعام: {وإن جاهداك على أن تشرك بي}‏ يقول في الوصية: وتعدل عمن أمرت بطاعته فلا تطعهما، ولا تسمع قولهما، ثم عطف القول على الوالدين فقال: {وصاحبهما في الدنيا معروفا} يقول: عرف الناس فضلهما، وادع إلى سبيلهما، وذلك قوله: {واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم‏} فقال (ع): إلى الله ثم إلينا، فاتقوا الله ولا تعصوا الوالدين، فإن رضاهما رضا الله، وسخطهما سخط الله.

-------------

الكافي ج 1 ص 427, تفسير القمي ج 2 ص 148, الوافي ج 3 ص 909, البرهان ج 4 ص 306, بحار الأنوار ج 23 ص 270, تفسير نور الثقلين ج 4 ص 202, تفسير كنز الدقائق ج 10 ص 251

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن أبي جعفر (ع) قال:‏ اتقوا المحقرات من الذنوب, فإن لها طالبا يقول أحدكم أذنب وأستغفر إن الله عز وجل يقول: {ونكتب ما قدموا وآثارهم‏ وكل شي‏ء أحصيناه في إمام مبين} وقال عز وجل: {إنها إن تك مثقال حبة من خردل‏ فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض‏ يأت بها الله‏ إن الله لطيف‏ خبير.

-------------

الكافي ج 2 ص 270, الوافي ج 5 ص 1010, وسائل الشيعة ج 15 ص 311, بحار الأنوار ج 70 ص 321, تفسير نور الثقلين ج 4 ص 204, تفسير كنز الدقائق ج 11 ص 60

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن أمير المؤمنين (ع): {اصبر على ما أصابك} من المشقة والأذى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

-------------

تفسير مجمع البيان ج 8 ص 87, تفسير الصافي ج 4 ص 145, البرهان ج 4 ص 374, بحار الأنوار ج 66 ص 360, تفسير نور الثقلين ج 4 ص 207, تفسير كنز الدقائق ج 10 ص 254

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

 

عن أبي عبد الله (ع)‏ في هذه الآية: {ولا تصعر خدك‏ للناس}‏ قال (ع): ليكن الناس عندك في العلم سواء.

------------

الكافي ج 1 ص 41, منية المريد ص 185, الوافي ج 1 ص 186, بحار الأنوار ج 2 ص 62

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن أبي جعفر (ع)‏ في قوله: {ولا تمش‏ في‏ الأرض‏ مرحا} أي بالعظمة.

-------------

تفسير القمي ج 2 ص 165, البرهان ج 4 ص 375, بحار الأنوار ج 70 ص 232, تفسير نور الثقلين ج 4 ص 207

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن أبي بكر الحضرمي قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله عز وجل: {إن‏ أنكر الأصوات‏ لصوت‏ الحمير} قال (ع): العطسة القبيحة.

--------------

الكافي ج 2 ص 656, مشكاة الأنوار ص 207, الوافي ج 5 ص 642, تفسير الصافي ج 4 ص 146, وسائل الشيعة ج 12 ص 90, هداية الأمة ج 5 ص 153, البرهان ج 4 ص 375, بحار الأنوار ج 66 ص 361, تفسير نور الثقلين ج 4 ص 208, تفسير كنز الدقائق ج 10 ص 259

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن أبي عبد الله (ع) في وصف لقمان (ع) قال: لم يره أحد من الناس على بول ولا غائط ولا اغتسال, لشدة تستره وتحفظه في أمره.

------------

تفسير مجمع البيان ج 8 ص 84, وسائل الشيعة ج 1 ص 305, هداية الأمة ج 1 ص 84, البرهان ج 4 ص 367, بحار الأنوار ج 77 ص 184

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

مما روي عن لقمان (ع) من حكمته ووصيته لابنه:‏ {يا بني أقم الصلاة} فإنما مثلها في دين الله كمثل عمد فسطاط, فإن العمود إذا استقام‏ نفعت‏ الأطناب‏ والأوتاد والظلال وإن لم يستقم لم ينفع وتد ولا طنب ولا ظلال. أي بني, صاحب العلماء وجالسهم وزرهم في بيوتهم لعلك أن تشبههم فتكون منهم. اعلم يا بني أني ذقت الصبر وأنواع المر فلم أر أمر من الفقر, فإن افتقرت يوما فاجعل فقرك بينك وبين الله ولا تحدث الناس بفقرك فتهون عليهم, ثم سل في الناس: هل من أحد دعا الله فلم يجبه؟ أو سأله فلم يعطه؟ يا بني, ثق بالله عز وجل ثم سل في الناس: هل من أحد وثق بالله فلم ينجه؟ يا بني, توكل على الله ثم سل في الناس: من ذا الذي توكل على الله فلم يكفه؟ يا بني, أحسن الظن بالله ثم سل في الناس: من ذا الذي أحسن الظن بالله فلم يكن عند حسن ظنه به؟ يا بني, من يرد رضوان الله يسخط نفسه كثيرا, ومن لا يسخط نفسه لا يرض ربه, ومن لا يكتم غيظه يشمت عدوه. يا بني, تعلم الحكمة تشرف فإن الحكمة تدل على الدين, وتشرف العبد على الحر, وترفع المسكين على الغني, وتقدم الصغير على الكبير, وتجلس المسكين مجالس الملوك, وتزيد الشريف شرفا والسيد سؤددا والغني مجدا, وكيف يتهيأ له أمر دينه ومعيشته بغير حكمة ولن يهيئ الله عز وجل أمر الدنيا والآخرة إلا بالحكمة, ومثل الحكمة بغير طاعة مثل الجسد بلا نفس, أو مثل الصعيد بلا ماء, ولا صلاح للجسد بلا نفس ولا للصعيد بغير ماء, ولا للحكمة بغير طاعة.

-----------

كنز الفوائد ج 2 ص 66, أعلام الدين ص 327, بحار الأنوار ج 13 ص 432

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن حماد بن عيسى, عن الصادق جعفر بن محمد (ع) قال: كان فيما أوصى به لقمان (ع) ابنه ناتان أن قال له: يا بني,‏ ليكن‏ مما تتسلح به على عدوك فتصرعه المماسحة, وإعلان الرضا عنه, ولا تزاوله بالمجانبة فيبدو له ما في نفسك فيتأهب لك. يا بني, خف الله خوفا لو وافيته ببر الثقلين خفت أن يعذبك الله, وارج الله رجاء لو وافيته بذنوب الثقلين رجوت أن يغفر الله لك. يا بني, حملت الجندل والحديد وكل حمل ثقيل فلم أحمل شيئا أثقل من جار السوء, وذقت المرارات كلها فلم أذق شيئا أمر من الفقر.

-----------

الأمالي للصدوق ص 668, بحار الأنوار ج 13 ص 413, قصص الأنبياء (ع) للجزائري ص 327

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن أبي عبد الله (ع) قال: قال لقمان (ع) لابنه: يا بني, لكل شي‏ء علامة يعرف بها ويشهد عليها, وإن للدين ثلاث علامات: العلم والإيمان والعمل به, وللإيمان ثلاث علامات: الإيمان بالله وكتبه ورسله, وللعالم ثلاث علامات: العلم بالله وبما يحب وبما يكره, وللعامل ثلاث علامات: الصلاة والصيام والزكاة, وللمتكلف ثلاث علامات: ينازع من فوقه ويقول ما لا يعلم ويتعاطى ما لا ينال, وللظالم ثلاث علامات: يظلم من فوقه بالمعصية ومن دونه بالغلبة ويعين الظلمة, وللمنافق ثلاث علامات: يخالف لسانه قلبه وقلبه فعله وعلانيته سريرته, وللآثم ثلاث علامات: يخون ويكذب ويخالف ما يقول, وللمرائي ثلاث علامات: يكسل إذا كان وحده وينشط إذا كان الناس عنده ويتعرض في كل أمر للمحمدة, وللحاسد ثلاث علامات: يغتاب إذا غاب ويتملق إذا شهد ويشمت بالمصيبة, وللمسرف ثلاث علامات: يشتري ما ليس له ويلبس ما ليس له ويأكل ما ليس له, وللكسلان‏ ثلاث علامات: يتوانى حتى يفرط ويفرط حتى يضيع ويضيع حتى يأثم, وللغافل ثلاث علامات: السهو واللهو والنسيان. قال حماد بن عيسى: قال أبو عبد الله (ع): ولكل واحدة من هذه العلامات شعب يبلغ العلم بها أكثر من ألف باب وألف باب وألف باب, فكن يا حماد طالبا للعلم في آناء الليل وأطراف النهار, فإن أردت أن تقر عينك وتنال خير الدنيا والآخرة فاقطع الطمع مما في أيدي الناس, وعد نفسك في الموتى, ولا تحدثن نفسك أنك فوق أحد من الناس, واخزن لسانك كما تخزن مالك.

---------

الخصال ج 1 ص 121, بحار الأنوار ج 13 ص 415

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن أبي الحسن (ع) قال: كان لقمان (ع) يقول لابنه: يا بني, إن الدنيا بحر وقد غرق فيها جيل كثير, فلتكن سفينتك فيها تقوى الله تعالى, وليكن جسرك إيمانا بالله, وليكن شراعها التوكل, لعلك يا بني تنجو وما أظنك ناجيا. يا بني, كيف لا يخاف الناس ما يوعدون وهم ينتقصون في كل يوم, وكيف لا يعد لما يوعد من كان له أجل ينفد. يا بني, خذ من الدنيا بلغة ولا تدخل فيها دخولا يضر بآخرتك, ولا ترفضها فتكون عيالا على الناس, وصم صياما يقطع شهوتك ولا تصم صياما يمنعك من الصلاة فإن الصلاة أعظم عند الله من الصوم. يا بني, لا تتعلم العلم لتباهي به العلماء وتماري به السفهاء أو ترائي به في المجالس, ولا تترك العلم زهادة فيه ورغبة في الجهالة. يا بني, اختر المجالس على عينك, فإن رأيت قوما يذكرون الله فاجلس إليهم, فإنك إن تكن عالما ينفعك علمك ويزيدوك علما, وإن تكن جاهلا يعلموك ولعل الله تعالى أن يظلهم برحمة فتعمك معهم, وقال: قيل للقمان (ع): ما يجمع من حكمتك؟ قال: لا أسأل عما كفيته, ولا أتكلف ما لا يعنيني.

-----------

قصص الأنبياء (ع) للراوندي ص 190, بحار الأنوار ج 13 ص 416

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن حماد بن عيسى قال: قال أبو عبد الله (ع): قال لقمان (ع) لابنه: يا بني, إياك والضجر وسوء الخلق وقلة الصبر فلا يستقيم على هذه الخصال صاحب, وألزم نفسك التؤدة في أمورك, وصبر على مئونات الإخوان نفسك, وحسن مع جميع الناس خلقك. يا بني, إن عدمك ما تصل به قرابتك, وتتفضل به على إخوتك, فلا يعدمنك حسن الخلق وبسط البشر, فإنه من أحسن خلقه أحبه الأخيار وجانبه الفجار, واقنع بقسم الله لك يصف عيشك, فإن أردت أن تجمع عز الدنيا فاقطع طمعك مما في أيدي الناس, فإنما بلغ الأنبياء والصديقون ما بلغوا بقطع طمعهم‏.

------------

قصص الأنبياء (ع) للراوندي ص 195, بحار الأنوار ج 13 ص 419

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن الصادق (ع): قال لقمان (ع) لابنه: يا بنى, ان احتجت إلى السلطان فلا تكثر الالحاح عليه، ولا تطلب حاجتك منه الا في مواضع الطلب، وذلك حين الرضا وطيب النفس، ولا تضجرن بطلب حاجه، فان قضاءها بيد الله ولها أوقات، ولكن ارغب إلى الله وسله وحرك أصابعك إليه. يا بنى, ان الدنيا قليل وعمرك قصير. يا بنى, احذر الحسد، فلا يكونن من شأنك، واجتنب سوء الخلق، فلا يكونن من طبعك، فإنك لا تضر بهما الا نفسك، وإذا كنت أنت الضار لنفسك كفيت عدوك امرك، لان عداوتك لنفسك أضر عليك من عداوة غيرك. يا بنى, اجعل معروفك في أهله، وكن فيه طالبا لثواب الله، وكن مقتصدا ولا تمسكه تقتيرا ولا تعطه تبذيرا. يا بنى, سيد أخلاق الحكمة دين الله تعالى، ومثل الدين كمثل الشجرة الثابتة فالايمان بالله ماؤها، والصلاة عروقها، والزكاة جذعها، والتآخي في الله شعبها، والأخلاق الحسنة ورقها، والخروج عن معاصي الله ثمرها، ولا تكمل الشجرة الا بثمره طيبه، كذلك الدين لا يكمل الا بالخروج عن المحارم. يا بنى, لكل شئ علامه يعرف بها وان للدين ثلاث علامات: العفة والعلم والحلم.

----------

قصص الأنبياء (ع) للراوندي ص 195, بحار الأنوار ج 13 ص 420

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

قال لقمان (ع) لابنه: يا بني, لا تقترب فتكون أبعد لك, ولا تبعد فتهان كل دابة تحب مثلها, وإن ابن آدم يحب مثله, ولا تنشر بزك إلا عند باغيه (1) كما ليس بين الذئب والكبش خلة كذلك ليس بين البار والفاجر خلة, من يقترب من الزفت يعلق به بعضه كذلك من يشارك الفاجر يتعلم من طرقه, من يحب المراء يشتم, ومن يدخل مداخل السوء يتهم, ومن يقارن قرين السوء لا يسلم, ومن لا يملك لسانه يندم. (2)

---------

(1) في مستدرك الوسائل: برك بدل بزك.

البز: أمتعة التاجر من الثياب‏. الباغى: الطالب.

(2) الكافي ج 2 ص 641, الوافي ج 5 ص 580, وسائل الشيعة ج 12 ص 31, بحار الأنوار ج 13 ص 426, مستدرك الوسائل ج 12 ص 308

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

قال لقمان (ع) لابنه: يا بني, صاحب مائة ولا تعاد واحدا. يا بني, إنما هو خلاقك وخلقك, فخلاقك دينك وخلقك بينك وبين الناس, فلا تتبغض إليهم وتعلم محاسن الأخلاق. يا بني, كن عبدا للأخيار ولا تكن ولدا للأشرار. يا بني, أد الأمانة تسلم لك دنياك وآخرتك, وكن أمينا تكن غنيا.

----------

معاني الأخبار ص 253, وسائل الشيعة ج 12 ص 156, بحار الأنوار ج 13 ص 416

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن حماد بن عيسى, عن الصادق (ع) قال: قال لقمان (ع) لابنه: ان تأدبت صغيرا انتفعت به كبيرا, ومن عنى بالأدب اهتم، ومن اهتم به تكلف علمه، ومن تكلف علمه اشتد له طلبه، ومن اشتد له طلبه أدرك به منفعه فاتخذه عاده. وإياك والكسل منه والطلب بغيره، وان غلبت على الدنيا فلا تغلبن على الآخرة، وانه ان فاتك طلب العلم فإنك لن تجد تضييعا أشد من تركه، يا بنى, استصلح الاهلين والإخوان من أهل العلم ان استقاموا لك على الوفاء، واحذرهم عند انصراف الحال بهم عنك، فان عداوتهم أشد مضرة من عداوة الأباعد بتصديق الناس إياهم لاطلاعهم عليك. (1) وإذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم، وأكثر التبسم في وجوههم، فإذا دعوك فأجبهم، فإذا استعانوك فأعنهم، وأغلبهم بطول الصمت وكثرة البر والصلاة وسخاء النفس بما معك من دابة أو مال أو زاد، وإذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم، وإذا رايتهم يعملون فاعمل معهم، واسمع ممن هو أكبر منك سنا وان تحيرتم في طريقكم فانزلوا، وان شككتم في القصد فقفوا وتآمروا، إذا قربت من المنزل فأنزل عن دابتك، ثم ابدا بعلفها قبل نفسك فإنها نفسك، وان استطعت ان لا تأكل من الطعام حتى تتصدق منه فافعل، وعليك بقراءة كتاب الله ما دمت راكبا، والتسبيح ما دمت عاملا، وبالدعاء ما دمت خاليا. (2)

----------

(2) الى هنا في بحار الأنوار

(2) قصص الأنبياء (ع) للراوندي ص 194, بحار الأنوار ج 13 ص 419

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن حماد، عن أبي عبد الله (ع) قال: قال لقمان (ع) لابنه: إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتك إياهم في أمرك وأمورهم, وأكثر التبسم في وجوههم وكن كريما على زادك, وإذا دعوك فأجبهم وإذا استعانوا بك فأعنهم, وأغلبهم بثلاث: بطول الصمت, وكثرة الصلاة, وسخاء النفس بما معك من دابة أو مال أو زاد, وإذا استشهدوك على الحق فاشهد لهم, واجهد رأيك لهم إذا استشاروك, ثم لا تعزم حتى تثبت وتنظر ولا تجب في مشورة حتى تقوم فيها وتقعد وتنام وتأكل وتصلي وأنت مستعمل فكرك وحكمتك في مشورته, فإن من لم يمحض النصيحة لمن استشاره سلبه الله تبارك وتعالى رأيه ونزع عنه الأمانة, وإذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم, وإذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم, وإذا تصدقوا وأعطوا قرضا فأعط معهم, واسمع لمن هو أكبر منك سنا, وإذا أمروك بأمر وسألوك فقل: نعم, ولا تقل: لا، فإن لا عي ولؤم, وإذا تحيرتم في طريقكم فأنزلوا, وإذا شككتم في القصد فقفوا وتؤامروا (1) وإذا رأيتم شخصا واحدا فلا تسألوه عن طريقكم ولا تسترشدون فإن الشخص الواحد في الفلاة مريب لعله أن يكون عينا للصوص أو يكون هو الشيطان الذي حيركم، واحذروا الشخصين أيضا إلا أن تروا ما لا أرى فإن العاقل إذا أبصر بعينه شيئا عرف الحق منه والشاهد يرى ما لا يرى الغائب. يا بني, وإذا جاء وقت صلاة فلا تؤخرها لشئ وصلها واسترح منها فإنها دين, وصل في جماعة ولو على رأس زج, ولا تنامن على دابتك فإن ذلك سريع في دبرها وليس ذلك من فعل الحكماء إلا أن تكون في محمل يمكنك التمدد لاسترخاء المفاصل, وإذا قربت من المنزل فأنزل عن دابتك وابدأ بعلفها قبل نفسك, وإذا أردت النزول فعليك من بقاع الأرض بأحسنها لونا وألينها تربة وأكثرها عشبا, وإذا نزلت فصل ركعتين قبل أن تجلس, وإذا أردت قضاء حاجة فابعد المذهب في الأرض, وإذا ارتحلت فصل ركعتين وودع الأرض التي حللت بها وسلم عليها وعلى أهلها فإن لكل بقعة أهلا من الملائكة, وإن استطعت أن لا تأكل طعاما حتى تبدأ فتتصدق منه فافعل, وعليك بقراءة كتاب الله عز وجل ما دمت راكبا, وعليك بالتسبيح ما دمت عاملا, وعليك بالدعاء ما دمت خاليا, وإياك والسير من أول الليل, وعليك بالتعريس والدلجة من لدن نصف الليل إلى آخره, وإياك ورفع الصوت في مسيرك. (2)

-----------

(1) المؤامرة: المشاورة

(2) قصص الأنبياء (ع) للراوندي ص 194, بحار الأنوار ج 13 ص 419

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن الزهري, عن علي بن الحسين (ع) قال: قال لقمان (ع) لابنه: يا بنى, ان أشد العدم عدم القلب, وان أعظم المصائب مصيبة الدين, وأسنى المرزئة مرزئته, وأنفع الغنى غنى القلب، فتلبث في كل ذلك والزم القناعة والرضا بما قسم الله، وان السارق إذا سرق حبسه الله من رزقه وكان عليه إثمه، ولو صبر لنال ذلك وجاءه من وجهه. يا بنى, أخلص طاعة الله حتى لا يخالطها شئ من المعاصي ثم زين الطاعة باتباع أهل الحق، فان طاعتهم متصلة بطاعة الله، وزين ذلك بالعلم وحصن علمك بحلم لا يخالطه حمق واخزنه بلين لا يخالطه جهل، وشدده بحزم لا يخالطه الضياع, وامزج حزمك برفق لا يخالطه العنف.

----------

قصص الأنبياء (ع) للراوندي ص 196, بحار الأنوار ج 13 ص 420

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن يحيى بن سعيد القطان، قال: سمعت الصادق (ع) يقول: قال لقمان (ع): حملت الجندل والحديد وكل حمل ثقيل، فلم احمل شيئا أثقل من جار السوء، وذقت المرارات كلها، فما ذقت شيئا امر من الفقر، يا بنى لا تتخذ الجاهل رسولا، فان لم تصب عاقلا حكيما يكون رسولك، فكن أنت رسول نفسك. يا بنى اعتزل الشر، يعتزلك.

------------

الكافي ج 8 ص 348, الفقيه ج 2 ص 296, المحاسن ج 2 ص 375, مكارم الأخلاق ص 252, الوافي ج 12 ص 389, وسائل الشيعة ج 11 ص 440, البرهان ج 4 ص 367, بحار الأنوار ج 13 ص 422, تفسير كنز الدقائق ج 10 ص 242

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

قال لقمان (ع) لابنه: يا بني, كذب من قال إن الشر يطفئ الشر, فإن كان صادقا فليوقد نارين ثم لينظر هل يطفئ إحداهما الأخرى, وإنما يطفئ الخير الشر كما يطفئ الماء النار.

-------

مجموعة ورام ج 1 ص 38, بحار الأنوار ج 13 ص 421

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

قال لقمان (ع): يا بني لا تؤخر التوبة فإن الموت يأتي بغتة.

وقال (ع): يا بني, الشر لا يطفى بالشر كالنار لا تطفى بالنار, ولكنه يطفى بالخير كالنار تطفى بالماء. يا بني, لا تشمت بالموت, ولا تسخر بالمبتلى, ولا تمنع المعروف. يا بني, كن أمينا تعش غنيا. يا بني, إنك سقطت من بطن أمك استدبرت الدنيا واستقبلت الآخرة, وأنت كل يوم إلى ما استقبلت أسرع منك وأدنى إلى ما استدبرت. يا بني, اتخذ تقوى الله تجارة تأتك الأرباح من غير بضاعة, فإذا أخطأت خطيئة فابعث في أثرها صدقة تطفيها. يا بني, إن الموعظة تشق على السفيه كما يشق الصعود على الشيخ الكبير. يا بني لا ترث (رق له ورحمه‏) لمن ظلمته ولكن ارث لسوء ما جنيته على نفسك, وإذا دعتك القدرة إلى ظلم الناس فاذكر قدرة الله عليك. يا بني, تعلم من العلماء ما جهلت وعلم الناس ما علمت.

---------

مجموعة ورام ج 2 ص 231, بحار الأنوار ج 13 ص 426

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

روي أن لقمان الحكيم (ع) قال لولده في وصيته: لا تعلق قلبك برضا الناس ومدحهم وذمهم، فإن ذلك لا يحصل، ولو بالغ الانسان في تحصيله بغاية قدرته. فقال له ولده ما معناه: أحب أن أرى لذلك مثلا أو فعالا أو مقالا. فقال له: أخرج أنا وأنت. فخرجا ومعهما بهيم، فركبه لقمان وترك ولده يمشي خلفه، فاجتازا على قوم، فقالوا: هذا شيخ قاسي القلب، قليل الرحمة، يركب هو الدابة، وهو أقوى من هذا الصبي، ويترك هذا الصبي يمشي وراءه، إن هذا بئس التدبير. فقال (ع) لولده: سمعت قولهم وإنكارهم لركوبي ومشيك؟ فقال: نعم، فقال: إركب أنت يا ولدي حتى أمشي أنا. فركب ولده ومشى لقمان، فاجتاز على جماعة أخرى، فقالوا: هذا بئس الوالد، وهذا بئس الولد، أما أبوه، فإنه ما أدب هذا الصبي حتى ركب الدابة، وترك والده يمشي وراءه، والوالد أحق بالاحترام والركوب، وأما الولد، فإنه قد عق والده بهذه الحال، فكلاهما أساء في الفعال. فقال لقمان (ع) لولده: سمعت؟ فقال: نعم. فقال: نركب معا الدابة، فركبا معا، فاجتاز على جماعة، فقالوا: ما في قلب هذين الراكبين رحمة، ولا عندهم من الله خير، يركبان معا الدابة، يقطعان ظهرها، ويحملانها مالا تطيق، لو كان قد ركب واجد، ومشى واحد، كان أصلح وأجود. فقال: سمعت؟ قال: نعم. فقال: هات حتى نترك الدابة تمشي خالية من ركوبنا، فساقا الدابة بين أيديهما وهما يمشيان، فاجتازا على جماعة، فقالوا: هذا عجيب من هذين الشخصين، يتركان دابة فارغة تمشي بغير راكب، ويمشيان، وذموهما على ذلك كما ذموهما على كل ما كان. فقال لولده: ترى في تحصيل رضاهم حيلة لمحتال؟ فلا تلتفت إليهم، واشتغل يرضى الله جل جلاله، ففيه شغل شاغل، وسعادة وإقبال في الدنيا ويوم الحساب والسؤال.

--------------

فتح الأبواب ص 307, بحار الأنوار ج 68 ص 361

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن جابر, عن أبي جعفر (ع) قال: كان فيما وعظ به لقمان (ع) ابنه ان قال: يا بنى, ان تك في شك من الموت، فارفع عن نفسك النوم ولن تستطيع ذلك. وان كنت في شك من البعث، فادفع عن نفسك الانتباه ولن تستطيع ذلك، فإنك إذا فكرت علمت أن نفسك بيد غيرك، وانما النوم بمنزله الموت وانما اليقظة بعد النوم بمنزله البعث بعد الموت.

وقال (ع): قال لقمان (ع): يا بنى, لا تقترب فيكون أبعد لك, ولا تبعد فتهان, كل دابة تحب مثلها وابن آدم لا يحب مثله؟ لا تنشر برك الا عند باغيه، وكما ليس بين الكبش والذئب خله، كذلك ليس بين البار والفاجر خله، من يقترب من الرفث يعلق به بعضه كذلك من يشارك الفاجر يتعلم من طرقه، من يحب المراء يشتم ومن يدخل مدخل السوء يتهم ومن يقارن قرين السوء لا يسلم ومن لا يملك لسانه يندم.

وقال (ع): يا بنى, صاحب مائه ولا تعاد واحدا، يا بنى انما هو خلافك وخلقك فخلاقك دينك وخلقك بينك وبين الناس فلا ينقصن, تعلم محاسن الأخلاق. ويا بنى, كن عبدا للأخيار ولا تكن ولدا للأشرار. يا بنى, عليك بأداء الأمانة تسلم دنياك وآخرتك، وكن أمينا فان الله تعالى لا يحب الخائنين. يا بنى, لا تر الناس انك تخشى الله وقلبك فاجر.

------------

قصص الأنبياء (ع) للراوندي ص 190, بحار الأنوار ج 13 ص 417

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن أبي عبد الله (ع), قال: قلت له: ما كان في وصية لقمان؟ قال (ع): كان فيها الأعاجيب, وكان أعجب ما كان فيها أن قال لابنه: خف الله عز وجل خيفة لو جئته ببر الثقلين لعذبك, وارج الله رجاء لو جئته‏ بذنوب‏ الثقلين لرحمك‏. (1) ثم قال أبو عبد الله (ع): كان أبي (ع) يقول: إنه ليس من عبد مؤمن إلا وفي قلبه نوران: نور خيفة ونور رجاء, لو وزن هذا لم يزد على هذا ولو وزن هذا لم يزد على هذا. (2)

-------------

(1) الى هنا في قصص الأنبياء (ع) للراوندي وجامع الأخبار والفصول المهمة والعوالم

(2) الكافي ج 2 ص 67, تحف العقول ص 375, مشكاة الأنوار ص 119, الوافي ج 4 ص 287, وسائل الشيعة ج 15 ص 216, البرهان ج 4 ص 366, بحار الأنوار ج 67 ص 352, تفسير نور الثقلين ج 3 ص 176, تفسير كنز الدقائق ج 7 ص 430, قصص الأنبياء (ع) للراوندي ص 191, جامع الأخبار ص 98, الفصول المهمة ج 2 ص 216

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

قال لقمان (ع) لابنه: يا بني, اتخذ ألف صديق وألف قليل, ولا تتخذ عدوا واحدا والواحد كثير, فقال أمير المؤمنين‏ (ع):

تكثر من الإخوان ما استطعت إنهم ... عماد إذا ما استنجدوا وظهور

وليس كثيرا ألف خل وصاحب ... وإن عدوا واحدا لكثير

------------

الأمالي للصدوق ص 669, وسائل الشيعة ج 12 ص 16, بحار الأنوار ج 13 ص 413, قصص الأنبياء (ع) للجزائري ص 327, الفصول المهمة ج 3 ص 355 دون الشعر, هداية الأمة ج 5 ص 137 دون الشعر

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

لقمان (ع): يا بني, كما تنام كذلك تموت, وكما تستيقظ كذلك تبعث‏.

----------

مجموعة ورام ج 1 ص 80, بحار الأنوار ج 13 ص 421

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

قال لقمان (ع) لابنه: يا بني, بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا, ولا تبع آخرتك بدنياك تخسرهما جميعا.

-----------

مجموعة ورام ج 1 ص 137, بحار الأنوار ج 13 ص 422

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

من وصية لقمان (ع) لابنه قال: يا بني, لا يكن الديك أكيس منك وأكثر محافظة على الصلوات ألا تراه عند كل صلاة يؤذن لها وبالأسحار يعلن بصوته وأنت نائم؟ وقال: يا بني, من لا يملك لسانه يندم, ومن يكثر المراء يشتم, ومن يدخل مداخل السوء يتهم, ومن يصاحب صاحب السوء لا يسلم, ومن يجالس العلماء يغنم. يا بني, لا تؤخر التوبة فإن الموت يأتي بغتة. يا بني, اجعل غناك في قلبك, وإذا افتقرت فلا تحدث الناس بفقرك فتهون عليهم, ولكن اسأل الله من فضله. يا بني,‏ كذب‏ من‏ يقول الشر يقطع بالشر, ألا ترى أن النار لا تطفأ بالنار ولكن بالماء, وكذلك الشر لا يطفأ إلا بالخير. يا بني, لا تشمت بالمصاب, ولا تعير المبتلى, ولا تمنع المعروف, فإنه ذخيرة لك في الدنيا والآخرة. يا بني, ثلاثة تجب مداراتهم: المريض والسلطان والمرأة, وكن قنعا تعش غنيا, وكن متقيا تكن عزيزا. يا بني, من حين سقطت من بطن أمك استدبرت الدنيا واستقبلت الآخرة وأنت في كل يوم إلى ما استقبلت أقرب منك إلى ما استدبرت فتزود لدار أنت مستقبلها, وعليك بالتقوى فإنه أربح التجارات, وإذا أحدثت ذنبا فأتبعه بالاستغفار والندم والعزم على ترك العود لمثله, واجعل الموت نصب عينيك والوقوف بين يدي خالقك, وتمثل شهادة جوارحك عليك بعملك, والملائكة الموكلين بك تستحي منهم ومن ربك الذي هو مشاهدك, وعليك بالموعظة فاعمل بها فإنها عند العاقل أحلى من العسل الشهد, وهي على السفيه أشق من صعود الدرجة على الشيخ الكبير, ولا تسمع الملاهي فإنها تنسيك الآخرة, ولكن احضر الجنائز وزر المقابر وتذكر الموت وما بعده من الأهوال فتأخذ حذرك. يا بني, استعذ بالله من شرار النساء وكن من خيارهن على حذر. يا بني, لا تفرح على ظلم أحد بل احزن على ظلم من ظلمته. يا بني, الظلم ظلمات ويوم القيامة حسرات, وإذا دعتك القدرة على ظلم من هو دونك فاذكر قدرة الله عليك. يا بني, تعلم من العلماء ما جهلت وعلم الناس ما علمت تذكر بذلك في الملكوت. يا بني, أغنى الناس من قنع بما في يديه, وأفقرهم من مد عينيه إلى ما في أيدي الناس, وعليك يا بني باليأس عما في أيدي الناس والوثوق بوعد الله, واسع فيما فرض عليك ودع السعي فيما ضمن لك, وتوكل على الله في كل أمورك يكفيك, وإذا صليت فصل صلاة مودع تظن أن لا تبقى بعدها أبدا, وإياك ما تعتذر منه فإنه لا يعتذر من خير, وأحب للناس ما تحب لنفسك واكره لهم ما تكره لنفسك, ولا تقل ما لم تعلم, واجهد أن يكون اليوم خيرا لك من أمس وغدا خيرا لك من اليوم, فإنه من استوى يوماه فهو مغبون, ومن كان يومه شرا من أمسه فهو ملعون, وارض بما قسم الله لك فإنه سبحانه يقول: أعظم عبادي ذنبا من لم يرض بقضائي ولم يشكر نعمائي ولم يصبر على بلائي.

------------

إرشاد القلوب ج 1 ص 72

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن أبي عبد الله (ع) قال: قال أمير المؤمنين (ع): كان فيما وعظ به لقمان (ع) ابنه أن قال له: يا بني, ليعتبر من قصر يقينه وضعفت نيته في طلب الرزق، إن الله تبارك وتعالى خلقه في ثلاثة أحوال: من أمره، وآتاه رزقه، ولم يكن له في واحدة منها كسب ولا حيلة: إن الله تبارك وتعالى سيرزقه في الحال الرابعة، أما أول ذلك فإنه كان في رحم أمه يرزقه هناك في قرار مكين حيث لا يؤذيه حر ولا برد، ثم أخرجه من ذلك وأجرى له رزقا من لبن أمه يكفيه به ويربيه وينعشه من غير حول به ولا قوة، ثم فطم من ذلك فأجرى له رزقا من كسب أبويه برأفة ورحمة له من قلوبهما لا يملكان غير ذلك حتى أنهما يؤثرانه على أنفسهما في أحوال كثيرة حتى إذا كبر وعقل واكتسب لنفسه ضاق به أمره وظن الظنون بربه وجحد الحقوق في ماله وقتر على نفسه وعياله مخافة اقتار رزق وسوء يقين بالخلف من الله تبارك وتعالى في العاجل والآجل، فبئس العبد هذا يا بني.

----------

الخصال ج 1 ص 122, بحار الأنوار ج 13 ص 414, قصص الأنبياء (ع) للجزائري ص 327, قصص الأنبياء (ع) للراوندي ص 197 نحوه

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن حماد بن عيسى, عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (ع) قال: كان فيما وعظ لقمان (ع) ابنه أن قال له: يا بني, اجعل في أيامك ولياليك وساعاتك‏ نصيبا لك في طلب العلم, فإنك لن تجد له تضييعا مثل تركه.

----------

الأمالي للمفيد ص 292, الأمالي للطوسي ص 68, الدر النظيم ص 640, بحار الأنوار ج 13 ص 415

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن حماد بن عيسى‏, عن جعفر بن محمد الصادق (ع) انه قال: لما وعظ لقمان (ع) ابنه فقال: انا منذ سقطت إلى الدنيا استدبرت واستقبلت الآخرة، فدار أنت إليها تسير أقرب من دار أنت منها متباعد. يا بنى, لا تطلب من الامر مدبرا ولا ترفض منه مقبلا، فان ذلك يضل الرأي ويزري بالعقل. يا بنى, ليكن ما تستظهر به على عدوك، الورع عن المحارم، والفضل في دينك، والصيانة لمروتك، والاكرام لنفسك ان لا تدنسها بمعاصي الرحمن ومساوئ الأخلاق وقبيح الافعال، واكتم سرك، وأحسن سريرتك، فإنك إذا فعلت ذلك آمنت بستر الله ان يصيب عدوك منكم عوره أو يقدر منك على زله، ولا تأمنن مكره فيصيب منك غره في بعض حالاتك، فإذا استمكن منك وثب عليك ولم يقلك عثرة. وليكن مما تتسلح به على عدوك اعلان الرضا عنه واستصغر الكثير في طلب المنفعة واستعظم الصغير في ركوب المضرة. يا بنى, لا تجالس الناس بغير طريقتهم، ولا تحملن عليهم فوق طاقتهم، فلا يزال جليسك عنك نافرا والمحمول عليه فوق طاقته مجانبا لك، فإذا أنت فرد لا صاحب لك يؤنسك ولا أخ لك يعضدك، فإذا بقيت وحيدا كنت مخذولا وصرت ذليلا، ولا تعتذر إلى من لا يحب ان يقبل منك عذرا ولا يرى لك حقا، ولا تستعن في أمورك الا بمن يحب ان يتخذ في قضاء حاجتك اجرا، فإنه إذا كان كذلك طلب قضاء حاجتك لك كطلبه لنفسه، لأنه بعد نجاحها لك كان ربحا في الدنيا الفانية وحظا وذخرا له في الدار الباقية فيجتهد في قضائها لك، وليكن إخوانك وأصحابك الذين تستخلصهم وتستعين بهم على أمورك أهل المروة والكفاف والثروة، والعقل والعفاف الذين ان نفعتهم شكروك، وان غبت عن جيرتهم ذكروك.

-----------

قصص الأنبياء (ع) للراوندي ص 193, بحار الأنوار ج 13 ص 418

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن أبي عبد الله (ع) قال: كان فيما وعظ به لقمان (ع) ابنه: يا بني, إن الناس قد جمعوا قبلك لأولادهم فلم يبق ما جمعوا ولم يبق من جمعوا له، وإنما أنت عبد مستأجر قد أمرت بعمل ووعدت عليه أجرا فأوف عملك واستوف أجرك, ولا تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاة وقعت في ذرع أخضر فأكلت حتى سمن فكان حتفها عند سمنها ولكن اجعل الدنيا بمنزلة قنطرة على نهر جزت عليها وتركتها ولم ترجع إليها آخر الدهر, أخربها ولا تعمرها، فإنك لم تؤمر بعمارتها, واعلم أنك ستسأل غدا إذا وقفت بين يدي الله عز وجل عن أربع: شبابك فيما أبليته, وعمرك فيما أفنيته، ومالك مما اكتسبته, وفيما أنفقته، فتأهب لذلك وأعد له جوابا، ولا تأس على ما فاتك من الدنيا، فإن قليل الدنيا لا يدوم بقاؤه, وكثيرها لا يؤمن بلاؤه، فخذ حذرك، وجد في أمرك، واكشف الغطاء عن وجهك وتعرض لمعروف ربك, وجدد التوبة في قلبك واكمش في فراغك قبل أن يقصد قصدك ويقضى قضاؤك ويحال بينك وبين ما تريد.

----------

الكافي ج 2 ص 134, مجموعة ورام ج 2 ص 194, الوافي ج 4 ص 398, بحار الأنوار ج 13 ص 425

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن أبي ذر قال: سمعت رسول الله (ص) نبيكم يقول‏: إن لقمان الحكيم (ع) قال لابنه وهو يعظه: يا بني من الذي ابتغى الله عز وجل فلم‏ يجده‏؟ ومن‏ ذا الذي لجأ إلى الله فلم يدافع عنه؟ أمن ذا الذي توكل على الله فلم يكفه‏؟

----------

كنز الفوائد ج 2 ص 67, بحار الأنوار ج 13 ص 433

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

قال لقمان: لأن يضربك الحكيم فيؤذيك خير من أن يدهنك الجاهل بدهن طيب.

-------------

مجموعة ورام ج 2 ص 26, بحار الأنوار ج 13 ص 426, قصص الأنبياء (ع) للجزائري ص 230

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

قيل للقمان: ألست عبد آل فلان؟ قال: بلى, قيل فما بلغ بك ما نرى؟ قال: صدق الحديث, وأداء الأمانة, وتركي ما لا يعنيني, وغضي بصري, وكفي لساني, وعفتي في طعمتي, فمن نقص عن هذا فهو دوني, ومن زاد عليه فهو فوقي, ومن عمله فهو مثلي, (1) وقال: يا بني, لا تؤخر التوبة فإن الموت يأتي بغتة, ولا تشمت بالموت, ولا تسخر بالمبتلى, ولا تمنع المعروف, يا بني, كن أمينا تعش غنيا, يا بني, اتخذ تقوى الله تجارة تأتك الأرباح من غير بضاعة, وإذا أخطأت خطيئة فابعث في أثرها صدقة تطفئها, يا بني, إن الموعظة تشق على السفيه كما يشق الصعود على الشيخ الكبير, يا بني, لا ترث لمن ظلمته ولكن ارث لسوء ما جنيته على نفسك, وإذا دعتك القدرة إلى ظلم الناس فاذكر قدرة الله عليك, يا بني, تعلم من العلماء ما جهلت وعلم الناس ما علمت. (2)

------------

(1) إلى هنا في مستدرك الوسائل

‏(2) مجموعة ورام ج 2 ص 230, بحار الأنوار بحار الأنوار ج 13 ص 426, مستدرك الوسائل ج 9 ص 28

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

 

عن الأوزاعي أن لقمان الحكيم (ع) لما خرج من بلاده نزل بقرية بالموصل يقال لها: كومليس, قال: فلما ضاق بها ذرعه واشتد بها غمه ولم يكن بها أحد يعينه على أمره، أغلق الباب وأدخل ابنه يعظه فقال: يا بني, إن الدنيا بحر عميق هلك فيها بشر كثير، تزود من عملها واتخذ سفينة حشوها تقوى الله ثم اركب لجج الفلك تنجو وإني لخائف أن لا تنجو. يا بني السفينة إيمان وشراعها التوكل وسكانها الصبر ومجاذيفها الصوم والصلاة والزكاة. يا بني, من ركب البحر من غير سفينة غرق. يا بني, أقل الكلام واذكر الله عز وجل في كل مكان فإنه قد أنذرك وحذرك وبصرك وعلمك. يا بني, اتعظ بالناس قبل أن يتعظ الناس بك. يا بني, اتعظ بالصغير قبل أن ينزل بك الكبير. يا بني, أملك نفسك عند الغضب حتى لا تكون لجهنم حطبا. يا بني, الفقر خير من أن تظلم وتطغى. يا بني, إياك أن تستدين فتخون من الدين. يا بني, إياك أن تستذل فتخزي. يا بني, إياك أن تخرج من الدنيا فقيرا وتدع أمرك وأموالك عند غيرك قيما، فتصيره أميرا. يا بني, إن الله تعالى رهن الناس بأعمالهم فويل لهم مما كسبت أيديهم وأفئدتهم. يا بني, لا تأمن الدنيا والذنوب والشيطان فيها. يا بني, إنه قد افتتن الصالحون من الأولين فكيف ينجو منه الآخرون. يا بني, اجعل الدنيا سجنك فتكون الآخرة جنتك. يا بني, إنك لم تكلف أن تشيل الجبال ولم تكلف ما لا تطيقه، فلا تحمل البلاء على كتفك ولا تذبح نفسك بيدك. يا بني, إنك كما تزرع تحصد وكما تعمل تجد. يا بني, لا تجاورن الملوك فيقتلوك ولا تطيعهم فتكفر. يا بني, جاور المساكين واخصص الفقراء والمساكين من المسلمين. يا بني, كن لليتيم كالأب الرحيم وللأرملة كالزوج العطوف. يا بني, إنه ليس كل من قال: "اغفر لي" غفر له، إنه لا يغفر إلا لمن عمل بطاعة ربه. يا بني, الجار ثم الدار. يا بني, الرفيق ثم الطريق. يا بني, لو كانت البيوت على العجل ما جاور رجل سوء أبدا. يا بني, الوحدة خير من صاحب السوء. يا بني, الصاحب الصالح خير من الوحدة. يا بني, نقل الحجارة والحديد خير من قرين السوء. يا بني, إني نقلت الحجارة والحديد فلم أجد شيئا أثقل من قرين السوء. يا بني, إنه من يصحب قرين السوء لا يسلم، ومن يدخل مداخل السوء يتهم. يا بني, من لا يكف لسانه يندم. يا بني, المحسن تكافي بإحسانه والمسيئ يكفيك مساويه، لو جهدت أن تفعل به أكثر مما يفعله بنفسه ما قدرت عليه. يا بني, من ذا الذي عبد الله فخذله؟ ومن ذا الذي ابتغاه فلم يجده؟ يا بني, ومن ذا الذي ذكره فلم يذكره؟ ومن ذا الذي توكل على الله فوكله إلى غير؟ ومن ذا الذي تضرع إليه جل ذكره فلم يرحمه؟ يا بني, شاور الكبير ولا تستحيي من مشاورة الصغير. يا بني, إياك ومصاحبة الفساق، هم كالكلاب إن وجدوا عندك شيئا أكلوه وإلا ذموك وفضحوك، وإنما حبهم بينهم ساعة. يا بني, معاداة المؤمنين خير من مصادقة الفاسق. يا بني, المؤمن تظلمه ولا يظلمك، وتطلب عليه فيرضى عنك، والفاسق لا يراقب الله فكيف يراقبك. يا بني, استكثر من الأصدقاء ولا تأمن من الأعداء فإن الغل في صدورهم مثل الماء تحت الرماد. يا بني, إبدء الناس بالسلام والمصافحة قبل الكلام. يا بني, لا تكالب الناس فيمقتوك، ولا تكن مهينا فيذلوك، ولا تكن حلوا فيأكلوك، ولا تكن مرا فيلفظوك، - ويروى ولا تكن حلوا فتبلع ولا مرا فترمى. - يا بني, لا تخاصم في علم الله فإن علم الله لا يدرك ولا يحصى. يا بني, خف الله مخافة لا تيأس من رحمته وارجه رجاء لا تأمن من مكره. يا بني, انه النفس عن هواها فإنك إن لم تنه النفس عن هواها لم تدخل الجنة ولم ترها. - ويروى انه نفسك عن هواها فإن في هواها رداها. - يا بني, إنك منذ يوم هبطت من بطن أمك استقبلت الآخرة واستدبرت الدنيا, فإنك إن نلت مستقبلها أولى بك أن تستدبرها. يا بني, إياك والتجبر والتكبر والفخر فتجاور إبليس في داره. يا بني, دع عنك التجبر والكبر ودع عنك الفخر، واعلم أنك ساكن القبور. يا بني, اعلم أنه من جاور إبليس وقع في دار الهوان، لا يموت فيها ولا يحيى. يا بني, ويل لمن تجبر وتكبر، كيف يتعظم من خلق من طين, وإلى طين يعود؟ ثم لا يدري إلى ماذا يصير, إلى الجنة فقد فاز، أو إلى النار فقد خسر خسرانا مبينا وخاب، - ويروى كيف يتجبر من قد جرى في مجرى البول مرتين. - يا بني, كيف ينام ابن آدم والموت يطلبه؟ وكيف يغفل ولا يغفل عنه؟ يا بني, إنه قد مات أصفياء الله عز وجل وأحباؤه وأنبياؤه صلوات الله عليهم فمن ذا بعد هم يخلد فيترك؟ يا بني, لا تطأ أمتك ولو أعجبتك وانه نفسك عنها وزوجها. يا بني, لا تفشين سرك إلى امرأتك ولا تجعل مجلسك على باب دارك. يا بني, إن المرأة خلقت من ضلع أعوج إن أقمتها كسرتها وإن تركتها تعوجت، ألزمهن البيوت فإن أحسن فاقبل إحسانهن, وإن أسئن فاصبر إن ذلك من عزم الأمور. يا بني, النساء أربعة: ثنتان صالحتان وثنتان ملعونتان, فأما إحدى الصالحتين: فهي الشريفة في قومها الذليلة في نفسها، التي إن أعطيت شكرت وإن ابتليت صبرت، القليل في يديها كثير الصالحة في بيتها، والثانية: الودود الولود، تعود بخير على زوجها، هي كالأم الرحيم تعطف على كبيرهم وترحم صغيرهم, وتحب ولد زوجها وإن كانوا من غيرها، جامعة الشمل، مرضية البعل، مصلحة في النفس، والأهل والمال والولد، فهي كالذهب الأحمر طوبى لمن رزقها، إن شهد زوجها أعانته وإن غاب عنها حفظته. وأما إحدى الملعونتين: فهي العظيمة في نفسها، الذليلة في قومها، التي إن أعطيت سخطت وإن منعت عتبت وغضبت، فزوجها منها في بلاء وجيرانها منها في عناء، فهي كالأسد إن جاورته أكلك وإن هربت منه قتلك، والملعونة الثانية: فهي عند زوجها وميلها في جيرانها، فهي سريعة السخطة، سريعة الدمعة, إن شهد زوجها لم تنفعه وإن غاب عنها فضحته، فهي بمنزلة الأرض النشاشة إن أسقيت أفاضت الماء وغرقت، وإن تركتها عطشت، وإن رزقت منها ولدا لم تنتفع به. يا بني, لا تتزوج بأمة فيباع ولدك بين يديك وهو فعلك بنفسك. يا بني, لو كانت النساء تذاق كما تذاق الخمر ما تزوج رجل امرأة سوء أبدا. يا بني, أحسن إلى من أساء إليك ولا تكثر من الدنيا فإنك على غفلة منها وانظر إلى ما تصير منها. يا نبي, لا تأكل مال اليتيم فتفتضح يوم القيامة وتكلف أن ترده إليه. يا بني, إنه إن أغنى أحد عن أحد لأغنى الولد عن والده. يا بني, إن النار تحيط بالعالمين كلهم فلا ينجو منها أحد إلا من رحمه الله وقربه منه. يا بني, لا يغرنك خبيث اللسان فإنه يختم على قلبه وتتكلم جوارحه وتشهد عليه. يا بني, لا تشتم الناس فتكون أنت الذي شتمت أبويك. يا بني, لا يعجبك إحسانك, ولا تتعظمن بعملك الصالح فتهلك. يا بني, أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور. يا بني, لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم. يا بني, ولا تمشي في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا. يا بني, إن كل يوم يأتيك يوم جديد، يشهد عليك عند رب كريم. يا بني, إنك مدرج في أكفانك ومحل قبرك ومعاين عملك كله. يا بني, كيف تسكن دار من قد أسخطته؟ أم كيف تجاور من قد عصيته؟ يا بني, عليك بما يعنيك ودع عنك ما لا يعنيك, فإن القليل منها يكفيك والكثير منها لا يعنيك. يا بني, لا تؤثرون على نفسك سواها، ولا تورث مالك أعدائك. يا بني, إنه قد أحصى الحلال الصغير فكيف بالحرام الكثير؟ يا بني, اتق النظر إلى ما لا تملكه, وأطل التفكر في ملكوت السماوات والأرض والجبال وما خلق الله فكفى بهذا واعظا لقلبك. يا بني, أقبل وصية الوالد الشفيق. يا بني, بادر بعلمك قبل أن يحضر أجلك وقبل أن تسير الجبال سيرا، وتجمع الشمس والقمر. يا بني, إنه حين تتفطر السماء وتطوى وتنزل الملائكة صفوفا خائفين حافين مشفقين وتكلف أن تجاوز الصراط وتعاين حينئذ عملك وتوضع الموازين وتنشر الدواوين.

في حكم لقمان (ع) فيما أوصى به ابنه أنه قال: يا بني, تعلمت بسبعة آلاف من الحكمة فاحفظ منها أربعة ومر معي إلى الجنة: أحكم سفينتك فإن بحرك عميق، وخفف حملك فإن العقبة كؤود، وأكثر الزاد فإن السفر بعيد، وأخلص العمل فإن الناقد بصير.

-----------

الإختصاص ص 336, بحار الأنوار ج 13 ص 427

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية