احتجاجات الإمام الصادق عليه السلام في مسائل شتى

عن يونس قال: سأل ابن أبي العوجاء أبا عبد الله (ع): لما اختلفت منيات الناس, فمات بعضهم بالبطن وبعضهم بالسل؟ فقال (ع) لو كانت العلة واحدة أمن الناس حتى تجي‏ء تلك العلة بعينها, فأحب الله أن لا يؤمن على حال. قال: ولم يميل القلب إلى الخضرة أكثر مما يميل إلى غيرها؟ قال: من قبل أن الله تعالى خلق القلب أخضر, ومن شأن الشي‏ء أن يميل إلى شكله.

---------------

مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 256, بحار الأنوار ج 10 ص 201

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

روي أنه لما سأل رجل من الزنادقة أبا جعفر الأحول فقال: أخبرني عن قول الله تعالى {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة}, وقال تعالى في آخر السورة {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل} فبين القولين فرق؟ فقال أبو جعفر الأحول: فلم يكن في ذلك عندي جواب, فقدمت المدينة فدخلت على أبي عبد الله (ع) فسألته عن الآيتين, فقال: أما قوله {فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة} فإنما عنى في النفقة وقوله {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم} فإنما عنى في المودة, فإنه لا يقدر أحد أن يعدل بين امرأتين في المودة, فرجع أبو جعفر الأحول إلى الرجل فأخبره فقال: هذا حملته من الحجاز.

---------------

تفسير القمي ج 1 ص 155, البرهان ج 2 ص 18, بحار الانوار ج 10 ص 202

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن حفص بن غياث قال: كنت عند سيد الجعافر جعفر بن محمد (ع) لما أقدمه المنصور, فأتاه ابن أبي العوجاء وكان ملحدا, فقال له: ما تقول في هذه الآية {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها}, هب هذه الجلود عصت فعذبت, فما بال الغير يعذب؟ قال أبو عبد الله (ع): ويحك هي هي وهي غيرها, قال: أعقلني هذا القول, فقال له: أرأيت لو أن رجلا عمد إلى لبنة فكسرها ثم صب عليها الماء وجبلها ثم ردها إلى هيئتها الأولى, ألم تكن هي هي وهي غيرها؟ فقال: بلى أمتع الله بك.

----------------

الأمالي للطوسي ص 581, متشابه القرآن ج 2 ص 113, مجموعة ورام ج 2 ص 73, أعلام الدين ص 211, البرهان ج 2 ص 99, بحار الأنوار ج 7 ص 39

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

دخل طاوس على الصادق (ع) فقال له: يا طاوس ناشدتك الله هل علمت أحدا أقبل للعذر من الله تعالى؟ قال: اللهم لا, قال: هل علمت أحدا أصدق ممن قال: لا أقدر, وهو لا يقدر؟ قال: اللهم لا, قال: فلم لا يقبل من لا أقبل للعذر منه ممن لا أصدق في القول منه, فنفض ثوبه فقال: ما بيني وبين الحق عداوة.

---------------

بحار الأنوار ج 10 ص 221

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن داود الرقي قال: سألني بعض الخوارج عن هذه الآية: {من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين} {ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين} ما الذي أحل الله من ذلك, وما الذي حرم؟ فلم يكن عندي شي‏ء فدخلت على أبي عبد الله (ع) وأنا حاج, فأخبرته بما كان, فقال (ع): إن الله عز وجل أحل في الأضحية بمنى الضأن, والمعز الأهلية, وحرم أن يضحى بالجبلية, وأما قوله: {ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين} فإن الله تبارك وتعالى أحل في الأضحية الإبل العراب, وحرم فيها البخاتي, وأحل البقر الأهلية أن يضحى بها, وحرم الجبلية, فانصرفت إلى الرجل فأخبرته بهذا الجواب فقال: هذا شي‏ء حملته الإبل من الحجاز.

---------------

الكافي ج 4 ص 492, الفقيه ج 2 ص 490, الإختصاص ص 54, فقه القرآن ج 1 ص 327, الوافي ج 13 ص 1118, تفسير الصافي ج 2 ص 165, وسائل الشيعة ج 14 ص 96, البرهان ج 2 ص 488, بحار الأنوار ج 10 ص 215, تفسير نور الثقلين ج 1 ص 773, تفسير كنز الدقائق ج 4 ص 465, مستدرك الوسائل ج 10 ص 85

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

الامام (ع) يبين مسائل لطبيب هندي

عن الربيع صاحب المنصور قال: حضر أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (ع) مجلس المنصور يوما وعنده رجل من الهند يقرأ كتب الطب, فجعل أبو عبد الله الصادق جعفر بن محمد (ع) ينصت لقراءته, فلما فرغ الهندي قال له: يا أبا عبد الله اتريد مما معي شيئا؟ قال: لا فإن ما معي خير مما معك, قال: وما هو؟ قال: أداوي الحار بالبارد, والبارد بالحار, والرطب باليابس, واليابس بالرطب, وأرد الأمر كله إلى الله عز وجل, وأستعمل ما قاله رسول الله (ص), واعلم أن المعدة بيت الداء, والحمية هي الدواء وأعود البدن ما اعتاد, فقال الهندي: وهل الطب إلا هذا.؟ فقال الصادق (ع): افتراني عن كتب الطب أخذت؟ قال: نعم, قال: لا والله ما أخذت إلا عن الله سبحانه, فأخبرني أنا أعلم بالطب أم أنت؟ فقال الهندي: لا بل أنا, قال الصادق (ع): فأسألك شيئا؟ قال: سل, قال: أخبرني يا هندي كم كان في الرأس شئون؟ قال: لا أعلم, قال: فلم جعل الشعر عليه من فوقه؟ قال: لا أعلم, قال: فلم خلت الجبهة من الشعر؟ قال: لا أعلم, قال: فلم كان لها تخطيط وأسارير؟ قال: لا أعلم, قال: فلم كان الحاجبان من فوق العينين؟ قال: لا أعلم, قال: فلم جعلت العينان كاللوزتين؟ قال: لا أعلم, قال: فلم جعل الأنف فيما بينهما؟ قال: لا أعلم, قال: فلم كان ثقب الأنف في أسفله؟ قال: لا أعلم, قال: فلم جعلت الشفة والشارب من فوق الفم؟ قال: لا أعلم, قال: فلم احتد السن وعرض الضرس وطال الناب؟ قال: لا أعلم, قال: فلم جعلت اللحية للرجال؟ قال: لا أعلم, قال: فلم خلت الكفان من الشعر؟ قال: لا أعلم, قال: فلم خلا الظفر والشعر من الحياة؟ قال: لا أعلم, قال: فلم كان القلب كحب الصنوبر؟ قال: لا أعلم, قال: فلم كانت الرئة قطعتين, وجعل حركتها في موضعها؟ قال: لا أعلم, قال: فلم كانت الكبد حدباء؟ قال: لا أعلم, قال: فلم كانت الكلية كحب اللوبيا؟ قال: لا أعلم, قال: فلم جعل طي الركبتين إلى خلف؟ قال: لا أعلم, قال: فلم تخصرت القدم؟ قال: لا أعلم, فقال الصادق (ع): لكني أعلم, قال: فأجب, قال الصادق (ع): كان في الرأس شئون لأن المجوف إذا كان بلا فصل أسرع إليه الصداع, فإذا جعل ذا فصول كان الصداع منه أبعد. وجعل الشعر من فوقه لتوصل بوصله الأدهان إلى الدماغ ويخرج بأطرافه البخار منه, ويرد الحر والبرد الواردين عليه. وخلت الجبهة من الشعر لأنها مصب النور إلى العينين, وجعل فيها التخطيط والأسارير ليحتبس العرق الوارد من الرأس عن العين قدر ما يميطه الإنسان عن نفسه كالأنهار في الأرض التي تحبس المياه وجعل. الحاجبان من فوق العينان ليراد عليهما من النور قدر الكفاف, الا ترى يا هندي أن من غلبه النور جعل يده على عينيه ليرد عليهما قدر كفايتها منه؟ وجعل الأنف فيما بينهما ليقسم النور قسمين إلى كل عين سواء. وكانت العين كاللوزة ليجري فيها الميل بالدواء ويخرج منها الداء, ولو كانت مربعة أو مدورة ما جرى فيها الميل وما صار إليها دواء ولا خرج منها داء. وجعل ثقب الأنف في أسفله لتنزل منه الأدواء المنحدرة من الدماغ ويصعد فيه الأراييح إلى المشام, ولو كان في أعلاه لما أنزل داء ولا وجد رائحة. وجعل الشارب والشفة فوق الفم لحبس ما ينزل من الدماغ عن الفم لئلا يتنغص على الإنسان طعامه وشرابه فيميطه عن نفسه. وجعلت اللحية للرجال ليستغنى بها عن الكشف في المنظر ويعلم بها الذكر من الأنثى. وجعل السن حادا لأن به يقع العض, وجعل الضرس عريضا لأن به يقع الطحن والمضغ, وكان الناب طويلا ليسند الأضراس والأسنان كالأسطوانة في البناء. وخلا الكفان من الشعر لأن بهما يقع اللمس, فلو كان فيهما شعر ما درى الإنسان ما يقابله ويلمسه. وخلا الشعر والظفر من الحياة لأن طولهما سمج وقصهما حسن, فلو كان فيهما حياة لألم الإنسان لقصهما. وكان القلب كحب الصنوبر لأنه منكس فجعل رأسه دقيقا ليدخل في الرئة فتروح عنه ببردها لئلا يشيط الدماغ بحره. وجعلت الرئة قطعتين ليدخل بين مضاغطها فيتروح عنه بحركتها. وكانت الكبد حدباء لتثقل المعدة ويقع جميعها عليها فيعصرها ليخرج ما فيها من البخار. وجعلت الكلية كحب اللوبيا لأن عليها مصب المني نقطة بعد نقطة فلو كانت مربعة أو مدورة أحبست النقطة الأولى إلى الثانية فلا يلتذ بخروجها الحي, إذ المني ينزل من فقار الظهر إلى الكلية فهي كالدودة تنقبض وتنبسط ترميه أولا فأولا إلى المثانة كالبندقة من القوس. وجعل طي الركبة إلى خلف لأن الإنسان يمشي إلى ما بين يديه فيعتدل الحركات ولو لا ذلك لسقط في المشي. وجعلت القدم مخصرة لأن الشي‏ء إذا وقع على الأرض جميعه ثقل ثقل حجر الرحى, فإذا كان على حرفه دفعه الصبي وإذا وقع على وجهه صعب نقله على الرجل. فقال الهندي: من أين لك هذا العالم؟ فقال (ع): أخذته عن آبائي (ع), عن رسول الله (ص), عن جبرئيل, عن رب العالمين جل جلاله الذي خلق الأجساد والأرواح, فقال الهندي: صدقت وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وعبده وأنك أعلم أهل زمانك.

------------------

علل الشرائع ج 1 ص 98, الخصال ج 2 ص 511, مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 259, بحار الأنوار ج 10 ص 205

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن عيسى بن يونس قال: كان ابن أبي العوجاء من تلامذة الحسن البصري, فانحرف عن التوحيد فقيل له: تركت مذهب صاحبك ودخلت فيما لا أصل له ولا حقيقة؟ فقال: إن صاحبي كان مخلطا, كان يقول: طورا بالقدر, وطورا بالجبر, وما أعلمه اعتقد مذهبا دام عليه, قال: ودخل مكة تمردا وإنكارا على من يحج, وكان يكره العلماء مساءلته إياهم ومجالسته لهم لخبث لسانه, وفساد ضميره, فأتى جعفر بن محمد (ع), فجلس إليه في جماعة من نظرائه, ثم قال له: إن المجالس أمانات, ولا بد لكل من كان به سعال أن يسعل, أفتأذن لي في الكلام؟ فقال (ع): تكلم, فقال: إلى كم تدوسون هذا البيدر وتلوذون بهذا الحجر, وتعبدون هذا البيت المرفوع‏ بالطوب, والمدر وتهرولون حوله هرولة البعير, إذا نفر من فكر في هذا أو قدر علم أن هذا فعل أسسه غير حكيم, ولا ذي نظر؟ فقل: فإنك رأس هذا الأمر وسنامه, وأبوك أسه ونظامه, فقال أبو عبد الله (ع): إن من أضله الله وأعمى قلبه استوخم الحق فلم يستعذبه, وصار الشيطان وليه يورده مناهل الهلكة, ثم لا يصدره, وهذا بيت استعبد الله به خلقه, ليختبر طاعتهم في إتيانه, فحثهم على تعظيمه وزيارته, وجعله محل أنبيائه, وقبلة للمصلين له, فهو شعبة من رضوانه, وطريق يؤدي إلى غفرانه, منصوب على استواء الكمال, ومجتمع العظمة, والجلال خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام, وأحق من أطيع فيما أمر وانتهي عما نهى عنه, وزجر الله المنشئ للأرواح بالصور, فقال ابن أبي العوجاء: ذكرت يا أبا عبد الله فأحلت على غائب, فقال أبو عبد الله (ع): ويلك, وكيف يكون غائبا من هو مع خلقه شاهد, وإليهم أقرب من حبل الوريد, يسمع كلامهم ويرى أشخاصهم, ويعلم أسرارهم, وإنما المخلوق الذي إذا انتقل عن مكان اشتغل به مكان وخلا منه مكان, فلا يدري في المكان الذي صار إليه ما حدث في المكان الذي كان فيه, فأما الله العظيم الشأن الملك الديان, فإنه لا يخلو منه مكان, ولا يشتغل به مكان, ولا يكون إلى مكان أقرب منه إلى مكان, والذي بعثه بالآيات المحكمة, والبراهين الواضحة, وأيده بنصره, واختاره لتبليغ رسالاته, صدقنا قوله بأن ربه بعثه وكلمه, فقام عنه ابن أبي العوجاء فقال لأصحابه: من ألقاني في بحر هذا, سألتكم‏ أن تلتمسوا لي خمرة فألقيتموني على جمرة, قالوا له: ما كنت في مجلسه إلا حقيرا, فقال: إنه ابن من حلق رءوس من ترون.

---------------

الفقيه ج 2 ص 249, الأمالي للصدوق ص 616, التوحيد للصدوق ص 253, علل الشرائع ج 2 ص 403, الوافي ج 12 ص 183

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن حماد بن عثمان قال: كان بمكة رجل مولى لبني أمية يقال له: ابن أبي عوانة, له عباءة [عنادة] وكان إذا دخل إلى مكة أبو عبد الله (ع) أو أحد من أشياخ آل محمد (ص) يعبث به, وإنه أتى أبا عبد الله (ع) وهو في الطواف, فقال: يا أبا عبد الله, ما تقول في استلام الحجر؟ فقال (ع): استلمه رسول الله (ص) فقال: ما أراك استلمته؟ قال (ع): أكره أن أوذي ضعيفا أو أتأذى قال: فقال: فقد زعمت أن رسول الله (ص) استلمه, قال (ع): نعم, ولكن كان رسول الله (ص) إذا رأوه عرفوا له حقه, وأنا فلا يعرفون لي حقي‏.

---------------

الكافي ج 4 ص 409, الوافي ج 13 ص 823, وسائل الشيعة ج 13 ص 327, بحار الأنوار ج 47 ص 232

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

سأل زنديق الصادق (ع) فقال: ما علة الغسل من الجنابة, وإنما أتى حلالا وليس في الحلال تدنيس؟ فقال (ع): لأن الجنابة بمنزلة الحيض, وذلك أن النطفة دم لم يستحكم, ولا يكون الجماع إلا بحركة غالبة, فإذا فرغ تنفس البدن, ووجد الرجل من نفسه رائحة كريهة فوجب الغسل, (1) لذلك غسل الجنابة أمانة, ائتمن الله عليها عبيده ليختبرهم بها. (2)

---------------

(1) إلى هنا في رياض الأبرار

(2) مناقب آل أبي طالب (ع) ج 4 ص 264, الإحتجاج ج 2 ص 347, وسائل الشيعة ج 2 ص 178, بحار الأنوار ج 10 ص 181, تفسير نور الثقلين ج 1 ص 484, رياض الأبرار ج 2 ص 195

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن سفيان الثوري قال: دخلت على جعفر بن محمد (ع) وعليه جبة خز دكناء وكساء خز, فجعلت أنظر إليه تعجبا, فقال (ع) لي: يا ثوري, ما لك تنظر إلينا لعلك تعجب مما ترى؟ فقلت: يا ابن رسول الله, ليس هذا من لباسك ولا لباس آبائك, قال (ع): يا ثوري, كان ذلك زمان إقتار وافتقار, وكانوا يعملون على قدر إقتاره وافتقاره, وهذا زمان قد أسبل كل شي‏ء عزاليه, ثم حسر ردن جبته, فإذا تحتها جبة صوف بيضاء يقصر الذيل عن الذيل, والردن عن الردن, وقال (ع): يا ثوري, لبسنا هذا لله تعالى, وهذا لكم, وما كان لله أخفيناه, وما كان لكم أبديناه.

----------------

كشف الغمة ج 2 ص 157, العدد القوية ص 149, حلية الأبرار ج 4 ص 49, بحار الأنوار ج 47 ص 221

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن أبان بن تغلب في خبر, أنه دخل يماني على الصادق (ع) فقال له: مرحبا بك يا سعد, فقال الرجل: بهذا الاسم سمتني أمي, وقل من يعرفني به, فقال (ع): صدقت يا سعد المولى, فقال: جعلت فداك, بهذا كنت ألقب, فقال (ع): لا خير في اللقب, إن الله يقول: {ولا تنابزوا بالألقاب} ما صناعتك يا سعد؟ قال: أنا من أهل بيت ننظر في النجوم, فقال (ع): كم ضوء الشمس على ضوء القمر درجة؟ قال: لا أدري, قال (ع): فكم ضوء القمر على ضوء الزهرة درجة؟ قال: لا أدري, قال (ع): فكم للمشتري من ضوء عطارد؟ قال: لا أدري, قال (ع): فما اسم النجوم التي إذا طلعت هاجت البقر؟ قال: لا أدري, فقال (ع): يا أخا أهل اليمن, عندكم علماء؟ قال: نعم, إن عالمهم ليزجر الطير ويقفو الأثر في الساعة الواحدة مسيرة سير الراكب المجد, فقال (ع): إن عالم المدينة أعلم من عالم اليمن, لأن عالم المدينة ينتهي إلى حيث لا يقفو الأثر, ويزجر الطير, ويعلم ما في اللحظة الواحدة مسيرة الشمس, يقطع اثني عشر برجا, واثني عشر بحرا, واثني عشر عالما, قال: ما ظننت أن أحدا يعلم هذا ويدري.

----------------

مناقب آل أبي طالب (ع) ج 4 ص 255, فرج المهموم ص 98, بحار الأنوار ج 47 ص 218

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن الصادق (ع) أنه قال: قوله عز وجل {اهدنا الصراط المستقيم} يقول: أرشدنا الصراط المستقيم, أرشدنا للزوم الطريق المؤدي إلى محبتك, والمبلغ إلى جنتك, من أن نتبع أهواءنا فنعطب أو نأخذ بآرائنا فنهلك, فإن من اتبع هواه وأعجب برأيه, كان كرجل سمعت غثاء الناس تعظمه, وتصفه فأحببت لقاءه من حيث لا يعرفني لأنظر مقداره ومحله, فرأيته في موضع قد أحدق به خلق من غثاء العامة, فوقفت منتبذا عنهم مغشيا بلثام أنظر إليه وإليهم, فما زال يراوغهم حتى خالف طريقهم وفارقهم, ولم يقر, فتفرقت العوام عنه لحوائجهم, وتبعته أقتفي أثره فلم يلبث أن مر بخباز فتغفله, فأخذ من دكانه رغيفين مسارقة, فتعجبت منه, ثم قلت في نفسي: لعله معاملة, ثم مر من بعده بصاحب رمان, فمازال به حتى تغفله فأخذ من عنده رمانتين مسارقة, فتعجبت منه, ثم قلت في نفسي: لعله معاملة, ثم أقول: وما حاجته إذا إلى المسارقة؟ ثم لم أزل أتبعه حتى مر بمريض, فوضع الرغيفين والرمانتين بين يديه ومضى, وتبعته حتى استقر في بقعة من صحراء, فقلت له: يا عبد الله, لقد سمعت بك وأحببت لقاءك فلقيتك, لكني رأيت منك ما شغل قلبي وإني سائلك عنه, ليزول به شغل قلبي, قال: ما هو؟ قلت: رأيتك مررت بخباز وسرقت منه رغيفين, ثم بصاحب الرمان فسرقت منه رمانتين, فقال لي: قبل كل شي‏ء, حدثني من أنت؟ قلت: رجل من ولد آدم من أمة محمد (ص) قال: حدثني ممن أنت؟ قلت: رجل من أهل بيت رسول الله (ص) قال: أين بلدك؟ قلت: المدينة, قال: لعلك جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب؟ قلت: بلى, قال لي: فما ينفعك شرف أصلك مع جهلك بما شرفت به, وتركك علم جدك وأبيك لأن لا تنكر ما يجب أن يحمد, ويمدح فاعله؟ قلت: وما هو؟ قال: القرآن كتاب الله, قلت: وما الذي جهلت؟ قال: قول‏ الله عز وجل: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها} وإني لما سرقت الرغيفين كانت سيئتين, ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين, فهذه أربع سيئات, فلما تصدقت بكل واحد منها كانت أربعين حسنة, فانتقص من أربعين حسنة أربع سيئات, بقي لي ست وثلاثون, قلت: ثكلتك أمك, أنت الجاهل بكتاب الله, أما سمعت الله عز وجل يقول: {إنما يتقبل الله من المتقين} إنك لما سرقت الرغيفين كانت سيئتين, ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين, ولما دفعتهما إلى غير صاحبهما بغير أمر صاحبهما كنت إنما أضفت أربع سيئات إلى أربع سيئات, ولم تضف أربعين حسنة إلى أربع سيئات, فجعل يلاحيني فانصرفت وتركته.

----------------

تفسير الإمام العسكري (ع) ص 44, معاني الأخبار ص 33, الإحتجاج ج 2 ص 368, مجموعة ورام ج 2 ص 96, بحار الأنوار ج 47 ص 238, رياض الأبرار ج 2 ص 205, تفسير نور الثقلين ج 1 ص 614, تفسير كنز الدقائق ج 4 ص 82

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن مسعدة بن صدقة قال: دخل سفيان الثوري على أبي عبد الله (ع), فرأى عليه ثياب بياض كأنها غرقئ البيض, فقال له: إن هذا اللباس ليس من لباسك, فقال (ع) له: اسمع مني وع ما أقول لك, فإنه خير لك عاجلا وآجلا, إن أنت مت على السنة والحق ولم تمت على بدعة, أخبرك أن رسول الله (ص) كان في زمان مقفر جدب, فأما إذا أقبلت الدنيا فأحق أهلها بها أبرارها لا فجارها, ومؤمنوها لا منافقوها, ومسلموها لا كفارها, فما أنكرت يا ثوري, فو الله إنني لمع ما ترى ما أتى علي مذ عقلت‏ صباح ولا مساء, ولله في مالي حق أمرني أضعه موضعا إلا وضعته, قال: وأتاه قوم ممن يظهرون التزهد ويدعون الناس أن يكونوا معهم على مثل الذي هم عليه من التقشف, فقالوا له: إن صاحبنا حصر عن كلامك ولم يحضره حججه, فقال (ع) لهم: فهاتوا حججكم, فقالوا له: إن حججنا من كتاب الله, فقال (ع) لهم: فأدلوا بها, فإنها أحق ما اتبع وعمل به, فقالوا: يقول الله تبارك وتعالى: مخبرا عن قوم من أصحاب النبي (ص), {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} فمدح فعلهم, وقال في موضع آخر: {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا} فنحن نكتفي بهذا, فقال رجل من الجلساء: إنا رأيناكم تزهدون في الأطعمة الطيبة, ومع ذلك تأمرون الناس بالخروج من أموالهم, حتى تمتعوا أنتم منها, فقال له أبو عبد الله (ع): دعوا عنكم, ما لا ينتفع به أخبروني, أيها النفر ألكم علم بناسخ القرآن من منسوخه, ومحكمه من متشابهه, الذي في مثله ضل من ضل وهلك من هلك من هذه الأمة, فقالوا له: أو بعضه, فأما كله فلا, فقال (ع) لهم: فمن هاهنا أتيتم, وكذلك أحاديث رسول الله (ص), فأما ما ذكرتم من إخبار الله عز وجل إيانا في كتابه عن القوم الذين أخبر عنهم بحسن فعالهم, فقد كان مباحا جائزا, ولم يكونوا نهوا عنه وثوابهم منه على الله عز وجل, وذلك أن الله جل وتقدس أمر بخلاف ما عملوا به, فصار أمره ناسخا لفعلهم, وكان نهي الله تبارك وتعالى رحمة منه للمؤمنين, ونظرا لكي لا يضروا بأنفسهم وعيالاتهم منهم الضعفة الصغار والولدان والشيخ الفاني والعجوزة الكبيرة, الذين لا يصبرون على الجوع, فإن تصدقت برغيفي ولا رغيف لي غيره ضاعوا وهلكوا جوعا, فمن ثم قال رسول الله (ص): خمس تمرات, أو خمس قرص, أو دنانير أو درهم, [دراهم‏] يملكها الإنسان‏ وهو يريد أن يمضيها فأفضلها ما أنفقه الإنسان على والديه, ثم الثانية على نفسه وعياله, ثم الثالثة على قرابته الفقراء, ثم الرابعة على جيرانه الفقراء, ثم الخامسة في سبيل الله, وهو أحسنها [أخسها] أجرا, وقال (ص) للأنصاري حين أعتق عند موته خمسة أو ستة من الرقيق, ولم يكن يملك غيرهم وله أولاد صغار: لو أعلمتموني أمره ما تركتكم تدفنوه مع المسلمين, يترك صبيته صغارا يتكففون الناس, ثم قال (ع): حدثني أبي أن رسول الله (ص) قال: ابدأ بمن تعول الأدنى فالأدنى, ثم هذا ما نطق به الكتاب ردا لقولكم ونهيا عنه مفروضا من الله العزيز الحكيم, قال (ع): {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما} أفلا ترون أن الله تبارك وتعالى قال غير ما أراكم تدعون الناس إليه من الأثرة على أنفسهم, وسمى من فعل ما تدعون إليه مسرفا, وفي غير آية من كتاب الله يقول: {إنه لا يحب المسرفين} فنهاهم عن الإسراف, ونهاهم عن التقتير, لكن أمر بين الأمرين, لا يعطي جميع ما عنده, ثم يدعو الله أن يرزقه فلا يستجيب له, للحديث الذي جاء عن النبي (ص): أن أصنافا من أمتي لا يستجاب لهم دعاؤهم, رجل يدعو على والديه, ورجل يدعو على غريم ذهب له بمال فلم يكتب عليه, ولم يشهد عليه, ورجل يدعو على امرأته, وقد جعل الله عز وجل تخلية سبيلها بيده, ورجل يقعد في بيته ويقول: رب ارزقني ولا يخرج ولا يطلب الرزق, فيقول الله عز وجل له: عبدي, ألم أجعل لك السبيل إلى الطلب والضرب في الأرض بجوارح صحيحة, فتكون قد أعذرت فيما بيني وبينك في الطلب, لاتباع أمري ولكيلا تكون كلا على أهلك, فإن شئت رزقتك وإن شئت قترت عليك, وأنت معذور عندي, ورجل رزقه الله عز وجل مالا كثيرا فأنفقه, ثم أقبل يدعو: يا رب ارزقني, فيقول الله عز وجل: ألم أرزقك رزقا واسعا, فهلا اقتصدت فيه كما أمرتك, ولم‏ تسرف وقد نهيتك عن الإسراف, ورجل يدعو في قطيعة رحم, ثم علم الله عز وجل اسمه نبيه (ص) كيف ينفق, وذلك أنه كانت عنده أوقية من الذهب فكره أن تبيت عنده, فتصدق بها فأصبح وليس عنده شي‏ء, وجاءه من يسأله فلم يكن عنده ما يعطيه فلامه السائل واغتم هو حيث لم يكن عنده ما يعطيه, وكان رحيما رقيقا, فأدب الله عز وجل نبيه (ص) بأمره فقال: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا} يقول: إن الناس قد يسألونك ولا يعذرونك, فإذا أعطيت جميع ما عندك من المال كنت قد حسرت من المال, فهذه أحاديث رسول الله (ص) يصدقها الكتاب والكتاب يصدقه أهله من المؤمنين, (1) وقال أبو بكر عند موته حيث قيل له أوص فقال: أوصي بالخمس والخمس كثير, فإن الله جل وعز قد رضي بالخمس فأوصى بالخمس, وقد جعل الله عز وجل له الثلث عند موته, ولو علم أن الثلث خير له أوصى بها, ثم من قد علمتم بعده في فضله وزهده سلمان وأبو ذر, فأما سلمان فكان إذا أخذ عطاءه رفع من قوته لسنته حتى يحضر عطاؤه من قابل, فقيل له: يا أبا عبد الله, أنت في زهدك تصنع هذا, وأنت لا تدري لعلك تموت اليوم أو غدا, فكان جوابه أن قال: ما لكم لا ترجون لي البقاء كما خفتم علي الفناء, أما علمتم يا جهلة أن النفس قد تلتاث على صاحبها, إذا لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه, فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنت, وأما أبو ذر (رض) فكانت له نويقات وشويهات يحلبها ويذبح منها إذا اشتهى أهله اللحم, أو نزل به ضيف, أو رأى بأهل الماء الذين هم معه خصاصة, نحر لهم الجزور, أو من الشاة على قدر ما يذهب عنهم بقرم اللحم, فيقسمه بينهم ويأخذ هو كنصيب واحد منهم, لا يتفضل عليهم, ومن أزهد من هؤلاء وقد قال فيهم رسول الله (ص) ما قال, ولم يبلغ من أمرهما أن صارا لا يملكان شيئا البتة, كما تأمرون الناس بإلقاء أمتعتهم وشيئهم ويؤثرون به على أنفسهم وعيالاتهم, واعلموا أيها النفر, أني سمعت أبي (ع) يروي عن آبائه (ع): أن رسول الله (ص) قال: يوما ما عجبت من شي‏ء كعجبي من المؤمن إنه إن قرض جسده في دار الدنيا بالمقاريض كان خيرا له, وإن ملك ما بين مشارق الأرض ومغاربها كان خيرا له, و كل ما يصنع الله عز وجل به فهو خير له, فليت شعري, هل يحق فيكم ما قد شرحت لكم منذ اليوم أم أزيدكم, أما علمتم أن الله عز وجل قد فرض على المؤمنين في أول الأمر يقاتل الرجل منهم عشرة من المشركين, ليس له أن يولي وجهه عنهم, ومن ولاهم يومئذ دبره فقد تبوأ مقعده من النار, ثم حولهم من حالهم رحمة منه لهم, فصار الرجل منهم عليه أن يقاتل رجلين من المشركين تخفيفا من الله عز وجل للمؤمنين, فنسخ الرجلان العشرة, وأخبروني أيضا عن القضاة, أجورة هم حيث يقضون على الرجل منكم نفقة امرأته, إذا قال: إني زاهد وإني لا شي‏ء لي, فإن قلتم جورة ظلمكم أهل الإسلام, وإن قلتم بل عدول خصمتم أنفسكم, وحيث يردون صدقة من تصدق على المساكين عند الموت بأكثر من الثلث, أخبروني لو كان الناس كلهم كالذين تريدون زهادا لا حاجة لهم في متاع غيرهم, فعلى من كان يصدق بكفارات الأيمان, والنذور, والصدقات من فرض الزكاة من الذهب, والفضة, والتمر, والزبيب, وسائر ما وجب فيه الزكاة, من الإبل والبقر والغنم و غير ذلك, إذا كان الأمر كما تقولون لا ينبغي لأحد أن يحبس شيئا من عرض الدنيا إلا قدمه, وإن كان به خصاصة فبئس ما ذهبتم فيه وحملتم الناس عليه من الجهل بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه (ص), وأحاديثه التي يصدقها الكتاب المنزل, وردكم إياها بجهالتكم وترككم النظر في غرائب القرآن من التفسير بالناسخ من المنسوخ, والمحكم والمتشابه, والأمر والنهي, وأخبروني أين أنتم عن سليمان بن داود (ع) حيث سأل الله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده, فأعطاه الله عز وجل اسمه ذلك, وكان يقول الحق ويعمل به, ثم لم نجد الله عز وجل عاب عليه ذلك, ولا أحدا من المؤمنين وداود النبي‏ قبله في ملكه وشدة سلطانه, ثم يوسف النبي (ع) حيث قال لملك مصر: {اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم} فكان من أمره الذي كان أن اختار مملكة الملك, وما حولها إلى اليمن, وكانوا يمتارون الطعام من عنده لمجاعة أصابتهم, وكان يقول الحق ويعمل به, فلم نجد أحدا عاب ذلك عليه, ثم ذو القرنين (ع) عبد أحب الله فأحبه الله, طوى له الأسباب وملكه مشارق الأرض ومغاربها, وكان يقول الحق ويعمل به, ثم لم نجد أحدا عاب ذلك عليه, فتأدبوا أيها النفر بآداب الله عز وجل للمؤمنين, اقتصروا على أمر الله ونهيه, ودعوا عنكم ما اشتبه عليكم مما لا علم لكم به, وردوا العلم إلى أهله تؤجروا وتعذروا عند الله تبارك وتعالى, وكونوا في طلب علم ناسخ القرآن من منسوخه, ومحكمه من متشابهه, وما أحل الله فيه مما حرم, فإنه أقرب لكم من الله وأبعد لكم من الجهل, ودعوا الجهالة لأهلها, فإن أهل الجهل كثير, وأهل العلم قليل, وقد قال الله عز وجل {وفوق كل ذي علم عليم}. (2)

--------------

(1) إلى هنا في تفسير نور الثقلين

(2) الكافي ج 5 ص 70, الوافي ج 17 ص 43, بحار الأنوار ج 47 ص 232, تفسير نور الثقلين ج 5 ص 288, تفسير كنز الدقائق ج 13 ص 178, البرهان ج 3 ص 210 بإختصار

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن الكلبي النسابة قال: دخلت المدينة ولست أعرف شيئا من هذا الأمر, فأتيت المسجد فإذا جماعة من قريش فقلت: أخبروني عن عالم أهل هذا البيت, فقالوا: عبد الله بن الحسن,‏ فأتيت منزله فاستأذنت, فخرج إلي رجل ظننت أنه غلام له, فقلت له: استأذن لي على مولاك فدخل ثم خرج, فقال لي: ادخل فدخلت, فإذا أنا بشيخ معتكف شديد الاجتهاد فسلمت عليه, فقال لي: من أنت؟ فقلت: أنا الكلبي النسابة, فقال: ما حاجتك؟ فقلت: جئت أسألك, فقال: أمررت بابني محمد؟ قلت: بدأت بك, فقال: سل, قلت: أخبرني عن رجل قال لامرأته أنت طالق عدد نجوم السماء, فقال: تبين برأس الجوزاء والباقي وزر عليه وعقوبة, فقلت في نفسي: واحدة, فقلت: ما يقول الشيخ في المسح على الخفين؟ فقال: قد مسح قوم صالحون ونحن أهل بيت لا نمسح, فقلت في نفسي: ثنتان, فقلت: ما تقول في أكل الجري, أحلال هو أم حرام؟ فقال: حلال إلا أنا أهل البيت نعافه, فقلت في نفسي: ثلاث, فقلت: وما تقول في شرب النبيذ؟ فقال: حلال إلا أنا أهل البيت لا نشربه, فقمت فخرجت من عنده, وأنا أقول هذه العصابة تكذب على أهل هذا البيت, فدخلت المسجد فنظرت إلى جماعة من قريش وغيرهم من الناس فسلمت عليهم, ثم قلت لهم: من أعلم أهل هذا البيت؟ فقالوا: عبد الله بن الحسن, فقلت: قد أتيته فلم أجد عنده شيئا, فرفع رجل من القوم رأسه فقال: ائت جعفر بن محمد ع), فهو عالم أهل هذا البيت, فلامه بعض من كان بالحضرة, فقلت: إن القوم إنما منعهم من إرشادي إليه أول مرة الحسد, فقلت له: ويحك, إياه أردت, فمضيت حتى صرت إلى منزله فقرعت الباب فخرج غلام له, فقال: ادخل يا أخا كلب, فو الله لقد أدهشني, فدخلت وأنا مضطرب, ونظرت فإذا بشيخ على مصلى بلا مرفقة ولا بردعة, فابتدأني بعد أن سلمت عليه, فقال (ع) لي: من أنت؟ فقلت في نفسي: يا سبحان الله غلامه يقول لي بالباب ادخل يا أخا كلب, ويسألني المولى من أنت, فقلت له: أنا الكلبي النسابة, فضرب بيده على جبهته وقال: كذب العادلون بالله {وضلوا ضلالا بعيدا} قد خسروا {خسرانا مبينا}, يا أخا كلب, إن الله عز وجل يقول: {وعادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا} أفتنسبها أنت؟ فقلت: لا, جعلت فداك, فقال (ع) لي: أفتنسب نفسك؟ قلت: نعم, أنا فلان بن فلان بن فلان حتى ارتفعت, فقال (ع) لي: قف ليس حيث تذهب, ويحك, أتدري من فلان بن فلان؟ قلت: نعم, فلان بن فلان, قال (ع): إن فلان بن فلان [ابن فلان‏] الراعي الكردي, إنما كان فلان الكردي الراعي على جبل آل فلان, فنزل إلى فلانة امرأة فلان من جبله الذي كان يرعى غنمه عليه, فأطعمها شيئا وغشيها فولدت فلانا [و] فلان بن فلان من فلانة وفلان بن فلان, ثم قال (ع): أتعرف هذه الأسامي؟ قلت: لا والله جعلت فداك, فإن رأيت أن تكف عن هذا فعلت, فقال (ع): إنما قلت فقلت: فقلت إني لا أعود, قال (ع): لا نعود إذا, واسأل عما جئت له, فقلت له: أخبرني عن رجل قال لامرأته أنت طالق عدد النجوم, فقال (ع): ويحك, أما تقرأ سورة الطلاق؟ قلت: بلى, قال (ع): فاقرأ, فقرأت: {فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة} قال (ع): أترى هاهنا نجوم السماء؟ قلت: لا, قلت: فرجل قال لامرأته أنت طالق ثلاثا؟ قال (ع): ترد إلى كتاب الله وسنة نبيه (ص) ثم قال (ع): لا طلاق إلا على طهر من غير جماع بشاهدين مقبولين, فقلت في نفسي: واحدة, ثم قال (ع): سل, فقلت: ما تقول في المسح على الخفين؟ فتبسم (ع) ثم قال: إذا كان يوم القيامة ورد الله كل شي‏ء إلى شيئه, ورد الجلد إلى الغنم, فترى أصحاب المسح أين يذهب وضوؤهم؟ فقلت في نفسي: ثنتان, ثم التفت (ع) إلي فقال: سل, فقلت: أخبرني عن أكل الجري, فقال (ع): إن الله عز وجل مسخ طائفة من بني إسرائيل, فما أخذ منهم بحرا فهو الجري, والزمار والمارماهي, وما سوى ذلك, وما أخذ منهم برا فالقردة والخنازير والوبر والورل وما سوى ذلك, فقلت في نفسي: ثلاث, ثم التفت (ع) إلي وقال: سل وقم, فقلت: ما تقول في النبيذ؟ فقال (ع): حلال فقلت إنا ننبذ فنطرح فيه العكر, وما سوى ذلك ونشربه؟ فقال (ع): شه شه, تلك الخمرة المنتنة, فقلت: جعلت فداك, فأي نبيذ تعني؟ فقال (ع):‏ إن أهل المدينة شكوا إلى رسول الله (ص) تغير الماء وفساد طبائعهم, فأمرهم أن ينبذوا, فكان الرجل يأمر خادمه أن ينبذ له, فيعمد إلى كف من التمر, فيقذف به في الشن فمنه شربه, ومنه طهوره, فقلت: وكم كان عدد التمر الذي في الكف؟ فقال (ع): ما حمل الكف, فقلت: واحدة وثنتان, فقال (ع): ربما كانت واحدة وربما كانت ثنتين, فقلت: وكم كان يسع الشن؟ فقال (ع): ما بين الأربعين إلى الثمانين إلى ما فوق ذلك, فقلت: بالأرطال؟ فقال (ع): نعم, أرطال بمكيال العراق, قال سماعة: قال الكلبي: ثم نهض (ع), فقمت فخرجت وأنا أضرب بيدي على الأخرى, وأنا أقول: إن كان شي‏ء فهذا, فلم يزل الكلبي يدين الله بحب أهل هذا البيت حتى مات.

---------------

الكافي ج 1 ص 348, الوافي ج 2 ص 164, مدينة المعاجز ج 5 ص 460, بحار الأنوار ج 47 ص 228

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي قال: كنت عند أبي عبد الله (ع) بمكة, إذ دخل عليه أناس من المعتزلة فيهم: عمرو بن عبيد, وواصل بن عطا, وحفص بن سالم, وأناس من رؤسائهم, وذلك حين قتل الوليد واختلف أهل الشام بينهم, فتكلموا وأكثروا وخطبوا فأطالوا, فقال لهم أبو عبد الله جعفر بن محمد (ع): إنكم قد أكثرتم علي وأطلتم فأسندوا أمركم إلى رجل منكم فليتكلم بحجتكم وليوجز, فأسندوا أمرهم إلى عمرو بن عبيد, فأبلغ وأطال, فكان فيما قال أن قال: قتل أهل الشام خليفتهم, وضرب الله بعضهم ببعض, وتشتت أمرهم فنظرنا فوجدنا رجلا له دين وعقل ومروة ومعدن للخلافة, وهو محمد بن عبد الله بن الحسن, فأردنا أن نجتمع معه فنبايعه, ثم نظهر أمرنا معه وندعو الناس إليه, فمن بايعه كنا معه وكان معنا, ومن اعتزلنا كففنا عنه, ومن نصب لنا جاهدناه ونصبنا له على بغيه ورده إلى الحق وأهله, وقد أحببنا أن نعرض ذلك عليك, فإنه لا غنى بنا عن‏ مثلك لفضلك وكثرة شيعتك, فلما فرغ قال أبو عبد الله (ع): أكلكم على مثل ما قال عمرو؟ قالوا: نعم, فحمد الله وأثنى عليه, وصلى على النبي (ص) ثم قال: إنما نسخط إذا عصي الله, فإذا أطيع رضينا, أخبرني يا عمرو, لو أن الأمة قلدتك أمرها فملكته بغير قتال ولا مئونة, فقيل لك ولها من شئت من كنت تولي, قال: كنت أجعلها شورى بين المسلمين, قال (ع): بين كلهم؟ قال: نعم, قال (ع): بين فقهائهم وخيارهم؟ قال: نعم, قال (ع): قريش وغيرهم؟ قال: العرب والعجم, قال (ع): أخبرني يا عمرو, أتتولى أبا بكر وعمر, أو تتبرأ منهما؟ قال: أتولاهما, قال (ع): يا عمرو, إن كنت رجلا تتبرأ منهما فإنه يجوز لك الخلاف عليهما, وإن كنت تتولاهما فقد خالفتهما, قد عهد عمر إلى أبي بكر فبايعه, ولم يشاور أحدا, ثم ردها أبو بكر عليه ولم يشاور أحدا, ثم جعلها عمر شورى بين ستة, فأخرج منها الأنصار غير أولئك الستة من قريش, ثم أوصى فيهم الناس بشي‏ء ما أراك ترضى به أنت ولا أصحابك, قال: وما صنع؟ قال (ع): أمر صهيبا أن يصلي بالناس ثلاثة أيام, وأن يتشاوروا [يشاور] أولئك الستة ليس فيهم أحد سواهم إلا ابن عمر, ويشاورونه وليس له من الأمر شي‏ء, وأوصى من بحضرته من المهاجرين والأنصار, إن مضت ثلاثة أيام قبل أن يفرغوا ويبايعوا أن يضرب أعناق الستة جميعا, وإن اجتمع أربعة قبل أن تمضي ثلاثة أيام وخالف اثنان أن يضرب أعناق الاثنين, أفترضون بذا فيما تجعلون من الشورى في المسلمين؟ قالوا: لا, قال (ع): يا عمرو, دع ذا أرأيت لو بايعت صاحبك هذا الذي تدعو إليه, ثم اجتمعت لكم الأمة ولم يختلف عليكم فيها رجلان, فأفضيتم إلى المشركين الذين لم يسلموا ولم يؤدوا الجزية, أكان عندكم وعند صاحبكم من العلم ما تسيرون فيهم بسيرة رسول الله (ص) في المشركين في حربه؟ قالوا: نعم, قال (ع): فتصنعون ماذا قالوا ندعوهم إلى الإسلام, فإن أبوا دعوناهم إلى الجزية, قال (ع): وإن كانوا مجوسا وأهل الكتاب؟ قالوا: وإن كانوا مجوسا وأهل الكتاب قال (ع): وإن كانوا أهل الأوثان وعبدة النيران, والبهائم وليسوا بأهل الكتاب؟ قالوا: سواء, قال (ع): فأخبرني عن القرآن, أتقرؤه؟ قال: نعم, قال (ع): اقرأ, {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون‏}  قال (ع): فاستثنى الله عز وجل, واشترط من الذين أوتوا الكتاب فهم والذين لم يؤتوا الكتاب سواء؟ قال: نعم, قال (ع): عمن أخذت هذا؟ قال: سمعت الناس يقولونه, قال (ع): فدع ذا فإنهم إن أبوا الجزية فقاتلتهم, وظهرت عليهم كيف تصنع بالغنيمة, قال: أخرج الخمس, وأخرج أربعة أخماس بين من قاتل عليها, قال (ع): تقسمه بين جميع من قاتل عليها, قال: نعم, قال (ع): قد خالفت رسول الله (ص) في فعله وفي سيرته, وبيني وبينك فقهاء أهل المدينة ومشيختهم فسلهم, فإنهم لا يختلفون ولا يتنازعون في أن رسول الله (ص) إنما صالح الأعراب على أن يدعهم في ديارهم, وأن لا يهاجروا على أنه إن دهمه من عدوه دهم فيستفزهم فيقاتل بهم, وليس لهم من الغنيمة نصيب, وأنت تقول بين جميعهم فقد خالفت رسول الله (ص) في سيرته في المشركين, دع ذا, ما تقول في الصدقة؟ قال: فقرأ عليه هذه الآية: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها} إلى آخرها, قال (ع): نعم, فكيف تقسم بينهم؟ قال: أقسمها على ثمانية أجزاء, فأعطي كل جزء من الثمانية جزءا, قال (ع): إن كان صنف منهم عشرة آلاف, وصنف رجلا واحدا, ورجلين, وثلاثة, جعلت لهذا الواحد مثل ما جعلت للعشرة آلاف؟ قال: نعم, قال (ع): وكذا تصنع بين صدقات أهل الحضر, وأهل البوادي, فتجعلهم فيها سواء؟ قال: نعم, قال (ع): فخالفت رسول الله (ص) في كل ما به أتى في سيرته, كان رسول الله (ص) يقسم صدقة البوادي في أهل البوادي, وصدقة الحضر في أهل الحضر, لا يقسمه بينهم بالسوية, إنما يقسم على قدر ما يحضره منهم وعلى ما يرى, فإن كان في نفسك شي‏ء ما [مما] قلت, فإن فقهاء أهل المدينة ومشيختهم كلهم لا يختلفون في أن رسول الله (ص) كذا كان يصنع, ثم أقبل (ع) على عمرو وقال: اتق الله يا عمرو وأنتم أيها الرهط, فاتقوا الله فإن أبي حدثني وكان خير أهل الأرض وأعلمهم بكتاب الله وسنة رسوله (ص): إن رسول الله (ص) قال: من ضرب الناس بسيفه ودعاهم إلى نفسه, وفي المسلمين من هو أعلم منه فهو ضال متكلف‏.

-----------------

الكافي ج 5 ص 23, التهذيب ج 6 ص 148, الإحتجاج ج 2 ص 362, الوافي ج 15 ص 84, بحار الأنوار ج 47 ص 213

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية