ما مدح به

عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي قال: إن المأمون لما جعل علي بن موسى الرضا (ع) ولي عهده, وإن الشعراء قصدوا المأمون ووصلهم بأموال جمة, حين مدحوا الرضا (ع) وصوبوا رأي المأمون في الأشعار دون أبي نواس, فإنه لم يقصده ولم يمدحه, ودخل إلى المأمون فقال له: يا أبا نواس, قد علمت مكان علي بن موسى الرضا (ع) مني وما أكرمته به, فلماذا أخرت مدحه, وأنت شاعر زمانك وقريع دهرك؟ فأنشأ يقول:‏

قيل لي أنت أوحد الناس طرا ... في فنون من الكلام النبيه

لك من جوهر الكلام بديع ... يثمر الدر في يدي مجتنيه

فعلام تركت مدح ابن موسى ... والخصال التي تجمعن فيه

 قلت لا أهتدي لمدح إمام ... كان جبريل خادما لأبيه‏

فقال له المأمون: أحسنت ووصله من المال بمثل الذي وصل به كافة الشعراء, وفضله عليهم.

---------

عيون أخبار الرضا (ع) ج 2 ص 142, حلية الأبرار ج 4 ص 384, بحار الأنوار ج 49 ص 235, رياض الأبرار ج 2 ص 394

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن أبي العباس محمد بن يزيد المبرد يقول: خرج أبو نواس ذات يوم من داره فبصر براكب قد حاذاه فسأل عنه ولم ير وجهه, فقيل: إنه علي بن موسى الرضا (ع), فأنشأ يقول‏:

إذا أبصرتك العين من بعد غاية ... وعارض فيه الشك أثبتك القلب‏

ولو أن قوما أمموك لقادهم ... نسيمك حتى يستدل بك الركب

---------

عيون أخبار الرضا (ع) ج 2 ص 144, بحار الأنوار ج 49 ص 236, رياض الأبرار ج 2 ص 395

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن محمد بن يحيى الفارسي قال: نظر أبو نواس‏ إلى أبي الحسن علي بن موسى الرضا (ع) ذات يوم، وقد خرج من عند المأمون على بغلة له، فدنا منه أبو نواس فسلم عليه وقال: يا بن رسول الله قد قلت فيك أبياتا فاحب أن تسمعها مني. قال: هات فأنشأ يقول:

مطهرون نقيات ثيابهم‏ ... تجري‏ الصلوة عليهم أينما ذكروا

من لم يكن علويا حين تنسبه ... فماله من قديم الدهر مفتخر

فالله لما برو خلقا فأتقنه‏ ... صفاكم واصطفاكم أيها البشر

فأنتم الملأ الأعلى وعندكم ... علم الكتاب وما جاءت به السور       

فقال الرضا (ع): قد جئتنا بأبيات ما سبقك إليها أحد، ثم قال: يا غلام هل معك من نفقتنا شي‏ء؟ فقال: ثلثمائة دينار. فقال: أعطها إياه، ثم قال (ع) لعله إستقلها يا غلام سق إليه البغلة.

-------------

عيون أخبار الرضا (ع) ج 2 ص 143, إعلام الورى ص 328, كشف الغمة ج 2 ص 317, حلية الأبرار ج 4 ص 381, بحار الأنوار ج 49 ص 236

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

 

* ما أنشده دعبل الخزاعي رضي الله عنه

روي أن دعبل بن علي الخزاعي وفد على أبي الحسن الرضا (ع) بخراسان فلما دخل عليه قال له: إني قد قلت قصيدة وجعلت في نفسي أن لا أنشدها أحدا أولى منك. فقال: هاتها فأنشده قصيدته التي يقول فيها.

ألم تر أني مذ ثلاثون حجة ... أروح وأغدو دائم الحسرات‏

أرى فيئهم في غيرهم متقسما ... وأيديهم من فيئهم صفرات‏

قال: فلما فرغ من إنشادها قام أبو الحسن (ع) فدخل منزله وبعث إليه بخرقة خز فيها ستمائة دينار، وقال للجارية: قولي له: يقول مولاي: إستعن بهذه على سفرك وأعذرنا، فقال لها دعبل: لا والله ما هذا أردت ولا له خرجت، ولكن قولي له هب لي ثوبا من ثيابك، فردها عليه أبو الحسن الرضا (ع) وقال له: خذها وبعث اليه بجبة من ثيابه. فخرج دعبل حتى ورد قم فنظروا إلى الجبة وأعطوه بها ألف دينار، فأبى عليهم وقال: لا والله ولا خرقة منها بألف دينار ثم خرج من قم فأتبعوه قد جمعوا عليه فأخذوا الجبة فرجع إلى قم وكلمهم فيها. فقالوا: ليس إليها سبيل، ولكن إن شئت فهذه ألف دينار. فقال: نعم وخرقة منها، فأعطوه ألف دينار وخرقة منها.

-------

رجال الكشي ص 504, حلية الأبرار ج 4 ص 388, بحار الأنوار ج 49 ص 260

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن هارون بن عبد الله المهلبي قال: لما وصل إبراهيم بن العباس، ودعبل بن علي الخزاعي إلى الرضا (ع) وقد بويع له بالعهد أنشده دعبل.

مدارس آيات خلت من تلاوة ... ومنزل وحي مقفر العرصات‏

و أنشده إبراهيم بن العباس:

ازالت عزاء الصبر بعد التجلد ... مصارع أولاد النبي محمد

فوهب لهما عشرين ألف درهم من الدراهم التي عليها إسمه كان المأمون أمر بضربها في ذلك الوقت.

قال: فأما دعبل فصار بالعشرة آلاف التي حصته إلى قم فباع كل درهم بعشرة دراهم، فحصلت له مائة ألف درهم، وأما إبراهيم فلم تزل عنده بعد أن أهدى بعضها وفرق بعضها على أهله إلى أن توفي رحمه الله وكان كفنه وجهازه منها.

----------------

عيون أخبار الرضا (ع) ج 2 ص 142, حلية الأبرار ج 4 ص 381, بحار الأنوار ج 49 ص 234

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن الهروي قال: سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول: أنشدت مولاي علي بن موسى الرضا (ع) قصيدتي التي أولها:

مدارس آيات خلت من تلاوة ... ومنزل وحي مقفر العرصات‏

 فلما انتهيت إلى قولي‏:

خروج إمام لا محالة خارج ... يقوم على اسم الله والبركات

 يميز فينا كل حق وباطل ... ويجزي على النعماء والنقمات‏

 بكى الرضا (ع) بكاء شديدا, ثم رفع رأسه إلي فقال لي: يا خزاعي, نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين, فهل تدري من هذا الإمام, ومتى يقوم؟ فقلت: لا يا مولاي, إلا أني سمعت بخروج إمام منكم يطهر الأرض من الفساد ويملؤها عدلا, فقال (ع): يا دعبل, الإمام بعدي محمد ابني (ع) وبعد محمد ابنه علي (ع), وبعد علي ابنه الحسن (ع), وبعد الحسن ابنه الحجة القائم (ع) المنتظر في غيبته المطاع في‏ ظهوره, ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج, فيملأها عدلا كما ملئت جورا, وأما متى فإخبار عن الوقت, ولقد حدثني أبي عن أبيه عن آبائه عن علي (ع): أن النبي (ص) قيل له: يا رسول الله, متى يخرج القائم (ع) من ذريتك؟ فقال (ص): مثله مثل الساعة, {لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة}.

---------------

عيون أخبار الرضا (ع) ج 2 ص 265, كمال الدين ج 2 ص 372, منتجب الأنوار ص 38, إثبات الهداة ج 2 ص 59, حلية الأبرار ج 4 ص 613, مدينة المعاجز ج 7 ص 189, بهجة الناظر ص 121, بحار الأنوار ج 49 ص 237, رياض الأبرار ج 2 ص 395

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: دخل دعبل بن علي الخزاعي على علي بن موسى الرضا (ع) بمرو, فقال له: يا ابن رسول الله (ص), إني قد قلت فيك قصيدة وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحداً قبلك, فقال (ع): هاتها, فأنشده:

مدارس آيات خلت من تلاوة ... ومنزل وحي مقفر العرصات

فلما بلغ إلى قوله: أرى فيئهم في غيرهم متقسماً ... وأيديهم من فيئهم صفرات

بكى أبو الحسن الرضا (ع) وقال له: صدقت يا خزاعي!

فلما بلغ إلى قوله: إذا وتروا مدوا إلى واتريهم أكفاً عن الاوتار منقبضات

جعل أبو الحسن (ع) يقلب كفيه ويقول: أجل والله منقبضات!

فلما بلغ إلى قوله: لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها ... وإني لأرجو الأمن بعد وفاتي

قال الرضا (ع): آمنك الله يوم الفزع الأكبر!

فلما انتهى إلى قوله: وقبر ببغداد لنفس زكية ... تضمنها الرحمن في الغرفات

قال له الرضا (ع): أفلا ألحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك؟ فقال: بلى يا ابن رسول الله, فقال (ع):

وقبر بطوس يا لها من مصيبة ... توقد في الاحشاء بالحرقات

إلى الحشر حتى يبعث الله قائماً ... يفرج عنا الهم والكربات

فقال دعبل: يا ابن رسول الله, هذا القبر الذي بطوس قبر من هو؟ فقال الرضا (ع): قبري, ولا تنقضي الايام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزواري, ألا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفوراً له, ثم نهض الرضا (ع) بعد فراغ دعبل من إنشاد القصيدة, وأمره أن لا يبرح من موضعه, ودخل الدار فلما كان بعد ساعة خرج الخادم إليه بمائة دينار رضوية, فقال له: يقول لك مولاي: اجعلها في نفقتك, فقال دعبل: والله ما لهذا جئت, ولا قلت هذه القصيدة طمعا في شي‏ء يصل إلي, ورد الصرة, وسأل ثوبا من ثياب الرضا (ع) ليتبرك به ويتشرف به, فأنفذ إليه الرضا (ع) جبة خز مع الصرة, وقال للخادم: قل له: خذ هذه الصرة فإنك ستحتاج إليها, ولا تراجعني فيها, فأخذ دعبل الصرة والجبة وانصرف, وصار من مرو في قافلة, فلما بلغ ميان قوهان وقع عليهم اللصوص, فأخذوا القافلة بأسرها وكتفوا أهلها, وكان دعبل فيمن كتف, وملك اللصوص القافلة وجعلوا يقسمونها بينهم, فقال رجل من القوم متمثلا بقول دعبل في قصيدته:‏

أرى فيئهم في غيرهم متقسما ... وأيديهم من فيئهم صفرات‏

 فسمعه دعبل فقال لهم دعبل: لمن هذا البيت؟ فقال لرجل من خزاعة يقال له دعبل بن علي, قال دعبل: فأنا دعبل قائل هذه القصيدة التي منها هذا البيت, فوثب الرجل إلى رئيسهم, وكان يصلي على رأس تل وكان من الشيعة, وأخبره فجاء بنفسه حتى وقف على دعبل, وقال له: أنت دعبل, فقال: نعم, فقال له: أنشد القصيدة, فأنشدها فحل كتافه وكتاف جميع أهل القافلة, ورد إليهم جميع ما أخذوا منهم لكرامة دعبل, وسار دعبل حتى وصل إلى قم, فسأله أهل قم أن ينشدهم القصيدة, فأمرهم أن يجتمعوا في المسجد الجامع, فلما اجتمعوا صعد المنبر فأنشدهم القصيدة, فوصله الناس من المال والخلع بشي‏ء كثير, واتصل بهم خبر الجبة, فسألوه أن يبيعها منهم بألف دينار, فامتنع من ذلك, فقالوا له: فبعنا شيئا منها بألف دينار, فأبى عليهم وسار عن قم, فلما خرج من رستاق البلد لحق به قوم من أحداث العرب, وأخذوا الجبة منه فرجع دعبل إلى قم, وسألهم رد الجبة عليه فامتنع الأحداث من ذلك, وعصوا المشايخ في أمرها, فقالوا لدعبل: لا سبيل لك إلى الجبة فخذ ثمنها ألف دينار, فأبى عليهم, فلما يئس من ردهم الجبة عليه سألهم أن يدفعوا إليه شيئا منها, فأجابوه إلى ذلك, وأعطوه بعضها ودفعوا إليه ثمن باقيها ألف دينار, وانصرف دعبل إلى وطنه, فوجد اللصوص قد أخذوا جميع ما كان في منزله, فباع المائة دينار التي كان الرضا (ع) وصله بها, من الشيعة كل دينار بمائة درهم, فحصل في يده عشرة آلاف درهم, فذكر قول الرضا (ع) إنك ستحتاج إلى الدنانير, (1) وكانت له جارية لها من قلبه محل, فرمدت رمدا عظيما, فأدخل أهل الطب عليها, فنظروا إليها فقالوا: أما العين اليمنى فليس لنا فيها حيلة وقد ذهبت, وأما اليسرى فنحن نعالجها ونجتهد ونرجو أن تسلم, فاغتم لذلك دعبل غما شديدا, وجزع عليها جزعا عظيما, ثم ذكر ما كان معه من فضلة الجبة, فمسحها على عيني الجارية وعصبها بعصابة منها من أول الليل, فأصبحت وعيناها أصح مما كانتا قبل, ببركة أبي الحسن الرضا (ع). (2)

---------------

(1) إلى هنا في إعلام الورى ومناقب آل أبي طالب (ع)

(2) عيون أخبار الرضا (ع) ج 2 ص 263, كمال الدين ج 2 ص 373, حلية الأبرار ج 4 ص 384, مدينة المعاجز ج 7 ص 185, بحار الأنوار ج 49 ص 239, إعلام الورى ص 329, مناقب آل أبي طالب (ع) ج 4 ص 338,

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن أبي الصلت الهروي قال: دخل دعبل بن علي الخزاعي على الرضا (ع) بمرو, فقال له: يا ابن رسول الله, إني قد قلت فيكم قصيدة وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك, فقال الرضا (ع) هاتها, فأنشد:

تجاوبن بالأرنان والزفرات ... نوائح عجم اللفظ والنطقات‏

 يخبرن بالأنفاس عن سر أنفس ... أسارى هوى ماض وآخر آت‏

فأسعدن أو أسعفن حتى تقوضت ... صفوف الدجى بالفجر منهزمات‏

على العرصات الخاليات من المها ... سلام شج صب على العرصات‏

فعهدي بها خضر المعاهد مألفا ... من العطرات البيض والخفرات‏

 ليالي يعدين الوصال على القلى .. .ويعدي تدانينا على العزبات‏

وإذ هن يلحظن العيون سوافرا ... ويسترن بالأيدي على الوجنات‏

وإذ كل يوم لي بلحظي نشوة ... يبيت بها قلبي على نشوات‏

 فكم حسرات هاجها بمحسر ... وقوفي يوم الجمع من عرفات‏

 ألم تر للأيام ما جر جورها ... على الناس من نقض وطول شتات‏

 ومن دول المستهزءين ومن غدا ... بهم طالبا للنور في الظلمات‏

 فكيف ومن أنى بطالب زلفة ... إلى الله بعد الصوم والصلوات‏

سوى حب أبناء النبي ورهطه ... وبغض بني الزرقاء والعبلات‏

وهند وما أدت سمية وابنها ... أولو الكفر في الإسلام والفجرات‏

 هم نقضوا عهد الكتاب وفرضه ... ومحكمه بالزور والشبهات‏

 ولم تك إلا محنة كشفتهم ... بدعوى ضلال من هن وهنات‏

 تراث بلا قربى وملك بلا هدى ... وحكم بلا شورى بغير هداة

 رزايا أرتنا خضرة الأفق حمرة ... وردت أجاجا طعم كل فرات‏

 وما سهلت تلك المذاهب فيهم ... على الناس إلا بيعة الفلتات‏

 وما قيل أصحاب السقيفة جهرة ... بدعوى تراث في الضلال نتأت‏

 ولو قلدوا الموصى إليه أمورها ...لزمت بمأمون على العثرات‏

أخي خاتم الرسل المصفى من القذى ... ومفترس الأبطال في الغمرات‏

 فإن جحدوا كان الغدير شهيده ...وبدر وأحد شامخ الهضبات‏

 وآي من القرآن تتلى بفضله ... وإيثاره بالقوت في اللزبات‏

 وعز خلال أدركته بسبقها ... مناقب كانت فيه مؤتنفات‏

 مناقب لم تدرك بخير ولم تنل ...بشي‏ء سوى حد القنا الذربات‏

نجي لجبريل الأمين وأنتم ... عكوف على العزى معا ومنات‏

بكيت لرسم الدار من عرفات ... وأذريت دمع العين بالعبرات

وبان عرى صبري وهاجت صبابتي ... رسوم ديار قد عفت وعرات‏

مدارس آيات خلت من تلاوة ... ومنزل وحي مقفر العرصات‏

لآل رسول الله بالخيف من منى ...وبالبيت والتعريف والجمرات‏

ديار لعبد الله بالخيف من منى ...وللسيد الداعي إلى الصلوات‏

ديار علي والحسين وجعفر ... وحمزة والسجاد ذي الثفنات‏

ديار لعبد الله والفضل صنوه ... نجي رسول الله في الخلوات‏

وسبطي رسول الله وابني وصيه ...ووارث علم الله والحسنات‏

منازل وحي الله ينزل بينها ... على أحمد المذكور في الصلوات

منازل قوم يهتدى بهداهم ... فيؤمن منهم زلة العثرات‏

منازل كانت للصلاة وللتقى ... وللصوم والتطهير والحسنات‏

منازل لا تيم يحل بربعها ... ولا ابن صهاك فاتك الحرمات

ديار عفاها جور كل منابذ ... ولم تعف للأيام والسنوات‏

قفا نسأل الدار التي خف أهلها ... متى عهدها بالصوم والصلوات‏

 وأين الأولى شطت بهم غربة النوى ... أفانين في الأقطار مفترقات‏

 هم أهل ميراث النبي إذا اعتزوا ... وهم خير سادات وخير حماة

 إذا لم نناج الله في صلواتنا ... بأسمائهم لم يقبل الصلوات‏

 مطاعيم للأعسار في كل مشهد ... لقد شرفوا بالفضل والبركات‏

 وما الناس إلا غاصب ومكذب ... ومضطغن ذو إحنة وترات‏

 إذا ذكروا قتلى ببدر وخيبر ... ويوم حنين أسبلوا العبرات‏

 فكيف يحبون النبي ورهطه ... وهم تركوا أحشاءهم وغرات‏

لقد لاينوه في المقال وأضمروا ... قلوبا على الأحقاد منطويات‏

فإن لم يكن إلا بقربى محمد ... فهاشم أولى من هن وهنات‏

سقى الله قبرا بالمدينة غيثه ... فقد حل فيه الأمن بالبركات‏

نبي الهدى صلى عليه مليكه ... وبلغ عنا روحه التحفات‏

وصلى عليه الله ما ذر شارق ... ولاحت نجوم الليل مبتدرات‏

أ فاطم لو خلت الحسين مجدلا ... وقد مات عطشانا بشط فرات‏

 إذا للطمت الخد فاطم عنده ... وأجريت دمع العين في الوجنات‏

أ فاطم قومي يا ابنة الخير واندبي ... نجوم سماوات بأرض فلاة

قبور بكوفان وأخرى بطيبة ... وأخرى بفخ نالها صلواتي‏

وأخرى بأرض الجوزجان محلها ... وقبر بباخمرى لدى الغربات‏

وقبر ببغداد لنفس زكية ... ...تضمنها الرحمن في الغرفات‏

وقبر بطوس يا لها من مصيبة ... ألحت على الأحشاء بالزفرات‏

إلى الحشر حتى يبعث الله قائما ...يفرج عنا الغم والكربات‏

علي بن موسى أرشد الله أمره ... وصلى عليه أفضل الصلوات‏

فأما الممضات التي لست بالغا ... مبالغها مني بكنه صفات‏

قبور ببطن النهر من جنب كربلاء ...معرسهم منها بشط فرات‏

 ... توفوا عطاشا بالفرات فليتني ... توفيت فيهم قبل حين وفاتي‏

إلى الله أشكو لوعة عند ذكرهم ... سقتني بكأس الثكل والفظعات‏

أخاف بأن أزدارهم فتشوقني ... مصارعهم بالجزع فالنخلات‏

تغشاهم ريب المنون فما ترى ... لهم عقرة مغشية الحجرات‏

خلا أن منهم بالمدينة عصبة ... مدينين أنضاء من اللزبات‏

قليلة زوار سوى أن زورا ... من الضبع والعقبان والرخمات‏

لهم كل يوم تربة بمضاجع ... ثوت في نواحي الأرض مفترقات‏

تنكبت لأواء السنين جوارهم ... ولا تصطليهم جمرة الجمرات‏

وقد كان منهم بالحجاز وأرضها ...مغاوير نجارون في الأزمات‏

حمى لم تزره المذنبات وأوجه ... تضي‏ء لدى الأستار والظلمات‏

إذا وردوا خيلا بسمر من القنا ... مساعير حرب أقحموا الغمرات‏

فإن فخروا يوما أتوا بمحمد ... وجبريل والفرقان والسورات‏

 وعدوا عليا ذا المناقب والعلى ... وفاطمة الزهراء خير بنات‏

 وحمزة والعباس ذا الهدي والتقى ... وجعفرا الطيار في الحجبات‏

 أولئك لا ملقوح هند وحزبها ... سمية من نوكى ومن قذرات‏

 ستسأل تيم عنهم وعديها ... ...وبيعتهم من أفجر الفجرات‏

هم منعوا الآباء عن أخذ حقهم ... وهم تركوا الأبناء رهن شتات‏

 وهم عدلوها عن وصي محمد ... فبيعتهم جاءت عن الغدرات‏

 وليهم صنو النبي محمد ... أبو الحسن الفراج للغمرات‏

 ملامك في آل النبي فإنهم ... أحباي ما داموا وأهل ثقاتي‏

 تخيرتهم رشدا لنفسي إنهم ... على كل حال خيرة الخيرات‏

 نبذت إليهم بالمودة صادقا ... وسلمت نفسي طائعا لولاتي‏

 فيا رب زدني في هواي بصيرة ...وزد حبهم يا رب في حسناتي‏

سأبكيهم ما حج لله راكب ... وما ناح قمري على الشجرات‏

وإني لمولاهم وقال عدوهم ... وإني لمحزون بطول حياتي‏

بنفسي أنتم من كهول وفتية ... لفك عتاة أو لحمل ديات‏

وللخيل لما قيد الموت خطوها ... فأطلقتم منهن بالذربات‏

 أحب قصي الرحم من أجل حبكم ... وأهجر فيكم زوجتي وبناتي‏

 وأكتم حبيكم مخافة كاشح ... عنيد لأهل الحق غير موات‏

فيا عين بكيهم وجودي بعبرة ... فقد آن للتسكاب والهملات‏

 لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها ...وإني لأرجو الأمن بعد وفاتي‏

 أ لم تر أني مذ ثلاثون حجة ... أروح وأغدو دائم الحسرات‏

 أرى فيئهم في غيرهم متقسما ... وأيديهم من فيئهم صفرات‏

 وكيف أداوي من جوى بي والجوى ... أمية أهل الكفر واللعنات‏

وآل زياد في الحرير مصونة ... وآل رسول الله منهتكات‏

 سأبكيهم ما ذر في الأفق شارق ... ونادى مناد الخير بالصلوات‏

 وما طلعت شمس وحان غروبها ...وبالليل أبكيهم وبالغدوات‏

 ديار رسول الله أصبحن بلقعا ... وآل زياد تسكن الحجرات‏

 وآل رسول الله تدمى نحورهم ... وآل زياد ربة الحجلات‏

 وآل رسول الله يسبى حريمهم ... وآل زياد آمنوا السربات‏

إذا وتروا مدوا إلى واتريهم ... أكفا عن الأوتار منقبضات‏

فلو لا الذي أرجوه في اليوم أو غد ...تقطع نفسي أثرهم حسرات‏

 خروج إمام لا محالة خارج ... ...يقوم على اسم الله والبركات‏

 يميز فينا كل حق وباطل ... ويجزي على النعماء والنقمات‏

فيا نفس طيبي ثم يا نفس فابشري ... فغير بعيد كل ما هو آت‏

ولا تجزعي من مدة الجور إنني ... أرى قوتي قد آذنت بثبات‏

فيا رب عجل ما أؤمل فيهم. ... لأشفي نفسي من أسى المحنات

فإن قرب الرحمن من تلك مدتي ... وأخر من عمري ووقت وفاتي‏

شفيت ولم أترك لنفسي غصة ... ورويت منهم منصلي وقناتي‏

فإني من الرحمن أرجو بحبهم ... حياة لدى الفردوس غير تباتي [بتات‏]

عسى الله أن يرتاح للخلق إنه ... إلى كل قوم دائم اللحظات‏

فإن قلت عرفا أنكروه بمنكر ... وغطوا على التحقيق بالشبهات‏

تقاصر نفسي دائما عن جدالهم ... كفاني ما ألقى من العبرات‏

أحاول نقل الصم عن مستقرها ... وإسماع أحجار من الصلدات‏

فحسبي منهم أن أبوء بغصة ... تردد في صدري وفي لهواتي‏

فمن عارف لم ينتفع ومعاند ... تميل به الأهواء للشهوات‏

كأنك بالأضلاع قد ضاق ذرعها ... لما حملت من شدة الزفرات‏ (1)

لما وصل إلى قوله: وقبر ببغداد قال (ع) له: أفلا ألحق لك بهذا الموضع بيتين, بهما تمام قصيدتك؟ قال: بلى يا ابن رسول الله, فقال (ع):

وقبر بطوس والذي يليه

قال دعبل: يا ابن رسول الله, لمن هذا القبر بطوس؟ فقال (ع): قبري, ولا ينقضي الأيام والسنون حتى تصير طوس مختلف شيعتي, فمن زارني في غربتي كان معي في درجتي يوم القيامة مغفورا له, ونهض الرضا (ع) وقال: لا تبرح وأنفذ إلي صرة فيها مائة دينار, إلى آخر ما رواه الصدوق رحمة الله عليه من القصة. (2)

-----------------

(1) إلى هنا في رياض الأبرار

(2) كشف الغمة ج 2 ص 327, بحار الأنوار ج 49 ص 245, رياض الأبرار ج 2 ص 398, باختصار: إثبات الهداة ج 4 ص 344

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن علي بن دعبل بن علي الخزاعي يقول: لما حضر أبي الوفاة تغير لونه وانعقد لسانه واسود وجهه, فكدت الرجوع عن مذهبه, فرأيته بعد ثلاث في ما يرى النائم وعليه ثياب بيض وقلنسوة بيضاء, فقلت له: يا أبت, ما فعل الله بك؟ فقال: يا بني, إن الذي رأيته من اسوداد وجهي وانعقاد لساني كان من شربي الخمر في دار الدنيا, ولم أزل كذلك حتى لقيت رسول الله (ص) وعليه ثياب بيض وقلنسوة بيضاء, فقال لي: أنت دعبل؟ قلت: نعم يا رسول الله, قال (ص): فأنشدني قولك في‏ أولادي, فأنشدته قولي:‏

لا أضحك الله سن الدهر إن ضحكت ... يوما وآل أحمد مظلومون قد قهروا-

مشردون نفوا عن عقر دارهم ... كأنهم قد جنوا ما ليس يغتفر

 قال: فقال لي: أحسنت وشفع في وأعطاني ثيابه, وها هي وأشار إلى ثياب بدنه.

----------------

عيون أخبار الرضا (ع) ج 2 ص 266, بحار الأنوار ج 49 ص 241, رياض الأبرار ج 2 ص 398

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

قال أبو نصر محمد بن الحسن الكرخي الكاتب: رأيت على قبر دعبل بن علي الخزاعي مكتوبا

أعد لله يوم يلقاه ... دعبل أن لا إله إلا هو

يقول مخلصا عساه بها ...يرحمه في القيامة الله

الله مولاه والرسول ومن ... بعدهما فالوصي مولاه

---------------

عيون أخبار الرضا (ع) ج 2 ص 267, بحار الأنوار ج 49 ص 242

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية