وصايا الإمام الحسن عليه السلام

عن الإمام الحسن ×: أيها الناس، إنه من نصح لله، وأخذ قوله دليلا، هُدي‏ {للتي هي أقوم‏}، ووفقه الله للرشاد، وسدده للحسنى. فإن جار الله آمن محفوظ، وعدوه خائف مخذول. فاحترسوا من الله بكثرة الذكر، واخشوا الله بالتقوى، وتقربوا إلى الله بالطاعة، فإنه قريب مجيب.

قال الله تبارك وتعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان، فليستجيبوا لي، وليؤمنوا بي، لعلهم يرشدون}‏.

فاستجيبوا لله، وآمنوا به، فإنه لا ينبغي لمن عرف عظمة الله أن يتعاظم، فإن رفعة الذين يعلمون عظمة الله أن يتواضعوا، وعز الذين يعرفون ما جلال الله أن يتذللوا له، وسلامة الذين يعلمون ما قدرة الله أن يستسلموا له، ولا ينكروا أنفسهم بعد المعرفة، ولا يضلوا بعد الهدى‏.

واعلموا علما يقينا أنكم لن تعرفوا التقى حتى تعرفوا صفة الهدى،‏ ولن تمسكوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نبذه، ولن تتلوا الكتاب حق تلاوته حتى تعرفوا الذي حرفه، فإذا عرفتم ذلك عرفتم البدع والتكلف، ورأيتم الفرية على الله والتحريف، ورأيتم كيف يهوي من يهوي، ولا يجهلنكم الذين لا يعلمون.

والتمسوا ذلك عند أهله، فإنهم خاصة نور يُستضاء بهم، وأئمة يُقتدى بهم، بهم عيش العلم، وموت الجهل، وهم الذين أخبركم حلمهم عن جهلهم‏، وحكم منطقهم عن صمتهم، وظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الحق، ولا يختلفون فيه، وقد خلت لهم من الله سنة، ومضى فيهم من الله حكم.

إن في ذلك لذكرى للذاكرين، واعقلوه‏ إذا سمعتموه عقل رعاية، ولا تعقلوه عقل رواية، فإن رواة الكتاب كثير، ورعاته قليل‏. {والله المستعان‏}.[1]

 

عن جنادة بن أبي أميد قال: دخلت على الحسن بن علي × في مرضه الذي توفي فيه وبين يديه طشت يقذف فيه الدم ويخرج كبده قطعة قطعة من السم الذي أسقاه معاوية لعنه الله, فقلت: يا مولاي مالك لا تعالج نفسك؟ فقال: يا عبد الله بماذا أعالج الموت؟ قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم التفتَ إلي وقال: والله إنه لعهد عهده إلينا رسول الله |, أن هذا الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من ولد علي × وفاطمة ÷, ما منا إلا مسموم أو مقتول.

ثم رفعت الطشت واتكى صلوات الله عليه فقلت: عظني يا بن رسول الله، قال: نعم, استعد لسفرك, وحصل زادك قبل حلول أجلك, واعلم أنه تطلب الدنيا والموت يطلبك, ولا كمل يومك الذي له باب على لومك الذي أنت فيه، واعلم أنك لا تكسب من المال شيئاً فوق قوتك إلا كنت فيه خازناً لغيرك, واعلم أن في حلالها حساباً وحرامها عقاباً وفي الشبهات عتاب, فأنزل الدنيا بمنزلة الميتة, خذ منها ما يكفيك, فإن كان ذلك حلالاً كنت قد زهدت فيها وان كان حراماً لم تكن قد أخذت من الميتة, وإن كان العتاب فإن العقاب يسير، واعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً, وإذا أردت عزاً بلا عشيرة, وهيبة بلا سلطان, فاخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعة الله عز وجل, وإذا نازعتك إلى صحبة الرجال حاجة فاصحب من إذا صحبته زانك, وإذا خدمته صانك, وإذا أردت منه معونة فاتك, وإن قلت صدق قولك, وإن صلت شد صولك, وان مددت يدك بفضل جدها, وإن بدت منك ثلمة سدها, وإن رأى منك حسنة عدها, وإن سألته أعطاك, وإن سكت عنه ابتداك, وإن نزلت بك أحد الملمات, أسالك من لا يأتيك منه البوائق, ولا يختلف عليك منه الطوالق, ولا يخذلك عند الحقائق, وان تنازعتما منفساً آثرك.

قال: ثم انقطع نفسه واصفر لونه حتى خشت عليه, ودخل الحسين × والأسود بن أبي الأسود فانكب عليه حتى قبل رأسه وبين عينيه, ثم قعد عنده وتسارا جميعاً, فقال أبو الأسود: إن لله! إن الحسن قد نعيت إليه نفسه وقد أوصى الى الحسين ×. [2]

 

عن محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر × يقول: لما حضر الحسن بن علي × الوفاة، قال للحسين ×: يا أخي، إني أوصيك بوصية فاحفظها: إذا أنا مت فهيئني، ثم وجهني إلى رسول الله | لأحدث به عهدا، ثم اصرفني إلى أمي ×، ثم ردني فادفني بالبقيع،[3] واعلم أنه سيصيبني من عائشة ما يعلم الله، والناس صنيعها عداوتها لله ولرسوله، وعداوتها لنا أهل البيت. [4]

 

ولما حضر الحسن × الوفاة قال لأخيه الحسين ×: إذا مت فغسلني، وحنطني، وكفني، وصل علي، واحملني إلى قبر جدي حتى تلحدني إلى جانبه، فإن منعت من ذلك فبحق جدك رسول الله وأبيك أمير المؤمنين وأمك فاطمة، وبحقي عليك إن خاصمك أحد ردني إلى البقيع، فادفني فيه، ولا تهرق في محجمة دم. [5]

 

دخل على الإمام الحسن اخوه الحسين × فقال: كيف تجد نفسك؟ قال: انا في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة، على كره مني لفراقك وفراق اخوتي، ثم قال: استغفر الله, على محبة مني للقاء رسول الله وامير المؤمنين وفاطمة وجعفر وحمزة، ثم اوصى إليه وسلم إليه الاسم الاعظم ومواريث الأنبياء، التي كان امير المؤمنين × سلمها إليه؛ ثم قال: يا اخي اذا مت فغسلني وحنطني وكفني واحملني الى جدي حتى تلحدني الى جانبه، فان منعت من ذلك فبحق جدك رسول الله | وابيك امير المؤمنين وامك فاطمة الزهراء ÷ ان لا تخاصم احدا، واردد جنازتي من فورك الى البقيع حتى تدفنني مع أمي ×. [6]

 

عن ابن عباس قال: دخل الحسين بن علي × على أخيه الحسن بن علي × في مرضه الذي توفي فيه، فقال له: كيف تجدك يا أخي؟ قال: أجدني في أول يوم من أيام الآخرة، وآخر يوم من أيام الدنيا، واعلم أني لا أسبق أجلي، وأني وارد على أبي وجدي ×، على كره مني لفراقك وفراق إخوتك وفراق الأحبة، واستغفر الله من مقالتي هذه وأتوب إليه، بل على محبة مني للقاء رسول الله | وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ولقاء فاطمة، وحمزة، وجعفر عليهم السلام، وفي الله عز وجل خلف من كل هالك، وعزاء من كل مصيبة، ودرك من كل ما فات. رأيت يا أخي كبدي آنفا في الطست، ولقد عرفت من دهاني، ومن أين أتيت، فما أنت صانع به يا أخي؟ فقال الحسين ×: أقتله والله.

قال: فلا أخبرك به أبدا حتى نلقى رسول الله |، ولكن اكتب: هذا ما أوصى به الحسن بن علي إلى أخيه الحسين بن علي: أوصى أنه يشهد أن لا إله إلاالله وحده لا شريك له، وأنه يعبده حق عبادته، لا شريك له في الملك، ولا ولي له من الذل، وأنه خلق كل شي‏ء فقدره تقديرا، وأنه أولى من عبد، وأحق من حمد، من أطاعه رشد، ومن عصاه غوى، ومن تاب إليه اهتدى.

فإني أوصيك يا حسين: بمن خلفت من أهلي، وولدي، وأهل بيتك، أن تصفح عن مسيئهم، وتقبل من محسنهم، وتكون لهم خلفا ووالدا، وأن تدفنني مع جدي رسول الله |، فإني أحق به وببيته ممن أدخل بيته بغير إذنه، ولا كتاب جاءهم من بعده، قال الله تعالى فيما أنزله على نبيه | في كتابه: {يأيها الذين آمنوا لاتدخلوا بيوت النبى إلآ أن يؤذن لكم}، فو الله ما أذن لهم في الدخول عليه في حياته بغير إذنه، ولا جاءهم الإذن في ذلك من بعد وفاته، ونحن مأذون لنا في التصرف فيما ورثناه من بعده، فإن أبت عليك الإمرأة فأنشدك بالقرابة التي قرب الله عز وجل منك، والرحم الماسة من رسول الله | أن لا تهريق في محجمة من دم حتى نلقى رسول الله | فنختصم إليه، ونخبره بما كان من الناس إلينا بعده.[7]

 

عن أبي عبد الله ×: لما حضرت الإمام الحسن × الوفاة، قال: يا قنبر: أنظر هل ترى وراء بابك مؤمناً من غير آل محمد، فقال: الله ورسوله وابن رسوله أعلم، قال امض فادع لي محمد بن علي، قال: فأتيته، فلما دخلت عليه قال: هل حدث إلا خير؟ قلت: أجب أبا محمد، فعجل عن شسع نعله فلم يسوه، فخرج معي يعدو.

فلما قام بين يديه سلم، فقال له الحسن ×: اجلس فليس يغيب مثلك عن سماع كلامٍ يحيا به الأموات، و يموت به الأحياء، كونوا أوعية العلم ومصابيح الدجى، فإن ضوء النهار بعضه اضوأ من بعض، أما علمت أن الله عز وجل جعل ولد إبراهيم أئمةً وفضل بعضهم على بعض، وآتى داود زبوراً، وقد علمت بما استأثر الله محمداً |.

يا محمد بن علي! إني لا أخاف عليك الحسد، وإنما وصف الله تعالى به الكافرين فقال: {كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق}، ولم يجعل الله للشيطان عليك سلطاناً.

يا محمد بن علي، ألا أخبرك بما سمعت من أبيك × فيك؟ قال: بلى, قال سمعت أباك يقول يوم البصرة: من أحب أن يبرني في الدنيا والآخرة فليبر محمداً.

يا محمد بن علي! لو شئت أن أخبرك وأنت نطفة في ظهر أبيك لأخبرتك.

يا محمد بن علي! أما علمت: أن الحسين بن علي بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي، إمام من بعدي، وعند الله في الكتاب الماضي، وراثة النبي أصابها في وراثة أبيه وأمه، علم الله أنكم خير خلقه، فاصطفى منكم محمداً واختار محمد علياً، واختارني علي للإمامة، واخترت أنا الحسين.

فقال له محمد بن علي: أنت إمامي و سيدي، و أنت وسيلتي إلى محمد، و الله لوددت أن نفسي ذهبت قبل أن أسمع منك هذا الكلام، ألا وإن في رأسي كلاماً لا تنزفه الدلاء، ولا تغيره بعد الرياح كالكتاب المعجم، في الرق المنمنم، أهم بإبدائه فأجدني سبقت إليه سبق الكتاب المنزل، وما جاءت به الرسل، وإنه لكلام يكل به لسان الناطق، ويد الكاتب ولا يبلغ فضلك، وكذلك يجزي الله المحسنين ولا قوة إلا بالله. الحسين أعلمنا علماً، وأثقلنا حلماً، أقربنا من رسول الله رحماً، كان إماماً قبل أن يخلق، وقرأ الوحي قبل أن ينطق، ولو علم الله أن أحداً خير منا ما اصطفى محمداً |، فلما اختار محمداً، واختار محمد علياً إماماً، واختارك علي بعده، واخترت الحسين بعدك، سلمنا ورضينا بمن هو الرضا، وبمن نسلم به من المشكلات.[8]

 

عن زياد المخارقي قال: لما حضرت الحسن × الوفاة استدعى الحسين بن علي × فقال: يا أخي، إني مفارقك ولاحق بربي عز وجل وقد سقيت السم ورميت بكبدي في الطست، وإني لعارف بمن سقاني السم، ومن أين دهيت، وأنا أخاصمه إلى الله تعالى، فبحقي عليك إن تكلمت في ذلك بشئ، وانتظر ما يحدث الله عز ذكره في، فإذا قضيت فغمضني وغسلني وكفني واحملني على سريري إلى قبر جدي رسول الله | لأجدد به عهدا، ثم ردني إلى قبر جدتي فاطمة بنت أسد رحمة الله عليها فادفني هناك.

وستعلم يا ابن أم أن القوم يظنون أنكم تريدون دفني عند رسول الله | فيجلبون في منعكم عن ذلك، وبالله أقسم عليك أن تهريق في أمري محجمة دم, ثم وصى × إليه بأهله وولده وتركاته، وما كان وصى به إليه أمير المؤمنين × حين استخلفه وأهله لمقامه، ودل شيعته على استخلافه ونصبه لهم علما من بعده.

فلما مضى × لسبيله غسله الحسين × وكفنه وحمله على سريره، ولم يشك مروان ومن معه من بني أمية أنهم سيدفنونه عند رسول الله | فتجمعوا له ولبسوا السلاح، فلما توجه به الحسين بن علي × إلى قبر جده رسول الله | ليجدد به عهدا أقبلوا إليهم في جمعهم، ولحقتهم عائشة على بغل وهي تقول: مالي ولكم تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أحب.

وجعل مروان يقول: يا رب هيجا هي خير من دعة أيدفن عثمان في أقصى المدينة، ويدفن الحسن مع النبي؟! لا يكون ذلك أبدا وأنا أحمل السيف.

وكادت الفتنة تقع بين بني هاشم وبني أمية، فبادر ابن عباس إلى مروان فقال له: ارجع يا مروان من حيث جئت، فإنا ما نريد أن ندفن صاحبنا عند رسول الله | لكنا نريد أن نجدد به عهدا بزيارته، ثم نرده إلى جدته فاطمة عليها السلام فندفنه عندها بوصيته بذلك، ولو كان وصى بدفنه مع النبي | لعلمت أنك أقصر باعا من ردنا عن ذلك، لكنه × كان أعلم بالله ورسوله وبحرمة قبره من أن يطرق عليه هدما كما طرق ذلك غيره، ودخل بيته بغير إذنه.

ثم أقبل على عائشة فقال لها: وا سوأتاه ! يوما على بغل ويوما على جمل، تريدين أن تطفئي نور الله، وتقاتلين أولياء الله، ارجعي فقد كفيت الذي تخافين وبلغت ما تحبين، والله تعالى منتصر لأهل هذا البيت ولو بعد حين.

وقال الحسين ×: والله لولا عهد الحسن إلي بحقن الدماء، وأن لا أهريق في أمره محجمة دم، لعلمتم كيف تأخذ سيوف الله منكم مأخذها، وقد نقضتم العهد بيننا وبينكم، وأبطلتم ما اشترطنا عليكم لأنفسنا.

ومضوا بالحسن × فدفنوه بالبقيع عند جدته فاطمة بنت أسد. [9]

 

روى صاحب كتاب مقصد الراغب عن الحسن ×: أنه لما حضرته الوفاة قال لأخيه الحسين ×: إن جعدة تعلم أن أباها خالف أباك أمير المؤمنين - إلى أن قال - وأن ابنه محمد بن الأشعث يخرج إليك في قواد عبيد الله بن زياد من الكوفة إلى نهر كربلاء بشاطئ الفرات، فيشهد بذلك قتلك، ويشرك في دمك، وإن جعدة ابنته قاتلتي بالسم، وعهد جدي رسول الله | وما كان سمها يضرني شيئا لو لا بلوغ الكتاب أجله، فإذا أنا مت فغسلني، وكفني، وصل علي، واحملني‏ إلى‏ قبر جدي‏ رسول الله | فالحدني إلى جانبه، فإن منعت من ذلك وستمنع فلا تخاصم، ولا تحارب وردني إلى البقيع، فادفني فيه. ثم ذكر منع مروان بن الحكم وعائشة من دفنه عند جده. [10]

 

عن جنادة بن أبي أميد قال: دخلت على الحسن بن علي × في مرضه الذي توفي فيه، وبين يديه طشت يقذف فيه‏ الدم، ويخرج كبده قطعة قطعة من السم الذي أسقاه معاوية لعنه الله‏، فقلت: يا مولاي ما لك لا تعالج نفسك؟ فقال: يا عبد الله بماذا أعالج الموت؟ قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون.

ثم التفت إلي، وقال: والله، إنه لعهد عهده إلينا رسول الله |، أن هذا الأمر يملكه إثنا عشر إماما من ولد علي وفاطمة ÷، ما منا إلا مسموم أو مقتول.

ثم رفعت الطشت، واتكى صلوات الله عليه فقلت‏: عظني يا ابن رسول الله. قال: نعم، استعد لسفرك، وحصل زادك قبل حلول أجلك، واعلم أنه تطلب الدنيا والموت يطلبك، لا تحمل يومك الذي له باب على يومك الذي أنت فيه.

واعلم، أنك لا تكسب من المال شيئا فوق قوتك، إلاكنت فيه خازنا لغيرك.

واعلم، أن في حلالها حسابا وحرامها عقابا، وفي الشبهات عتاب، فأنزل الدنيا بمنزلة الميتة، خذ منها ما يكفيك، فإن كان ذلك حلالا كنت قد زهدت فيها، وإن كان حراما لم تكن قد أخذت من الميتة، وإن كان العتاب، فإن العقاب‏ يسير.

واعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا.

وإذا أردت عزا بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان فاخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعة الله عز وجل.

وإذا نازعتك إلى صحبة الرجال حاجة فاصحب من إذا صحبته زانك، وإذا خدمته صانك، وإذا أردت منه معونة فاتك‏، وإن قلت صدق قولك، وإن صلت شد صولتك، وإن مددت يدك بفضل‏ جدها، وإن بدت منك ثلمة سدها، وإن رأى منك حسنة عدها، وإن سألته أعطاك، وإن سكت عنه ابتداك، وإن نزلت بك أحد الملمات أسالك‏، من لا يأتيك منه البوائق، ولا يختلف‏ عليك منه الطوالق‏، ولا يخذلك عند الحقائق، وإن تنازعتما منفسا آثرك.

قال: ثم انقطع نفسه، واصفر لونه حتى خشت‏ عليه، ودخل الحسين صلوات الله عليه والأسود بن أبي الأسود، فانكب عليه حتى قبل رأسه وبين عينيه، ثم قعد عنده‏ وتسارا جميعا، فقال‏ أبو الأسود: إن لله‏، إن الحسن قد نعيت إليه نفسه، وقد أوصى إلى الحسين ×. [11]


 

* وصاياه بالإمام الحسين ‘

عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله ×، قال: لما حضرت الحسن بن علي × الوفاة، قال: يا قنبر انظر هل ترى من وراء بابك مؤمنا من غير آل محمد عليهم السلام؟ فقال: الله تعالى ورسوله وابن رسوله أعلم به مني, قال: ادع لي محمد بن علي‏ ×, فأتيته، فلما دخلت عليه، قال: هل حدث إلاخير؟ قلت: أجب أبا محمد، فعجل على شسع نعله، فلم يسوه. وخرج معي يعدو، فلما قام بين يديه سلم، فقال له الحسن بن علي ×: اجلس؛ فإنه ليس مثلك يغيب عن سماع كلام يحيا به الأموات، ويموت به الأحياء. كونوا أوعية العلم ومصابيح الهدى، فإن ضوء النهار، بعضه أضوأ من بعض، أما علمت أن الله جعل ولد إبراهيم × أئمة، وفضل بعضهم على بعض، وآتى داود × زبورا، وقد علمت بما استأثر به محمدا |.

يا محمد بن علي، إني أخاف عليك الحسد، وإنما وصف الله به الكافرين، فقال الله عز وجل: {كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق}، ولم يجعل الله عز وجل للشيطان عليك سلطانا. يا محمد بن علي، ألا أخبرك بما سمعت من أبيك فيك؟ قال: بلى.

قال: سمعت أباك × يقول يوم البصرة: من أحب أن يبرني في الدنيا والآخرة فليبر محمدا ولدي. يا محمد بن علي، لو شئت أن أخبرك وأنت نطفة في ظهر أبيك لأخبرتك. يا محمد بن علي، أما علمت أن الحسين بن علي × بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي إمام من بعدي، وعند الله جل اسمه في الكتاب وراثة من النبي | أضافها الله عز وجل له في وراثة أبيه وأمه، فعلم الله أنكم خيرة خلقه، فاصطفى منكم محمدا |، واختار محمد عليا ×، واختارني علي × بالإمامة، واخترت أنا الحسين ×.

فقال له محمد بن علي: أنت إمام، وأنت وسيلتي إلى محمد |، والله لوددت أن نفسي ذهبت قبل أن أسمع منك هذا الكلام. ألا وإن في رأسي كلاما لا تنزفه الدلاء، ولا تغيره نغمة الرياح، كالكتاب المعجم في الرق المنمنم، أهم بإبدائه، فأجدني سبقت إليه سبق الكتاب المنزل، أو ما جاءت به الرسل، وإنه لكلام يكل به لسان الناطق، ويد الكاتب، حتى لا يجد قلما، ويؤتوا بالقرطاس حمما، فلا يبلغ إلى فضلك، وكذلك يجزي الله المحسنين، ولا قوة إلابالله. الحسين أعلمنا علما، وأثقلنا حلما، وأقربنا من رسول الله | رحما، كان فقيها قبل أن يخلق، وقرأ الوحي قبل أن ينطق، ولو علم الله في أحد خيرا ما اصطفى محمدا |، فلما اختار الله محمدا، واختار محمد عليا، واختارك علي إماما، واخترت الحسين، سلمنا ورضينا من هو بغيره يرضى، ومن غيره كنا نسلم به من مشكلات أمرنا. [12]

 

عن جنادة بن أبي أميد, عن الحسن بن علي ×, في حديث طويل: أن الحسين بن علي × دخل عليه في مرضه حتى أكب عليه، وقبل رأسه وبين عينيه وتسارا جميعا فقال الأسود: {إنا لله وإنا إليه راجعون} إن الحسن × قد نعيت إليه نفسه، وقد أوصى إلى الحسين‏ ×. [13]

 

عن زياد المخارقي قال: لما حضرت الحسن × الوفاة استدعى الحسين بن علي × فقال: يا أخي إني مفارقك ولاحق بربي - إلى أن قال - ثم وصى إليه بأهله وولده وتركاته وما كان وصى به إليه أمير المؤمنين × حين استخلفه، وأهله لمقامه ودل شيعته على استخلافه, ونصبه لهم علما من بعده، فلما مضى لسبيله غسله الحسين × وكفنه. [14]

 

عن الحسن × في حديث: أنه لما سقي السم دخل عليه الحسين × فقال: كيف تجد نفسك؟ قال: أنا في آخر يوم من أيام الدنيا - إلى أن قال - ثم أوصى إليه، وسلم إليه الاسم الأعظم، ومواريث الأنبياء التي كان أمير المؤمنين × سلمها إليه. [15]

 

عن هارون بن الجهم قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي × يقول: لما احتضر الحسن × قال للحسين ×: يا أخي إني أوصيك بوصية, إذا أنا مت فهيئني ووجهني إلى رسول الله | لأحدث به عهدا, ثم اصرفني إلى أمي فاطمة ÷, ثم ردني فادفني بالبقيع. [16]

 

عن الأصبغ قال: سمعت الحسن بن علي × يقول: الأئمة بعد رسول الله | اثنا عشر، تسعة من صلب أخي الحسين ×، ومنهم مهدي هذه الامة. [17]

 



[1] تحف العقول ص 227, بحار الأنوار ج 75 ص 104. نحوه عن أمير المؤمنين ×: الكافي ج 8 ص 389, الوافي ج 26 ص 86

[2] كفاية الأثر ص 226، الإنصاف في النص ص 184, بهجة النظر ص 63, بحار الأنوار ج 44 ص 138، رياض الأبرار ج 1 ص 143

[3] الى هنا في إعلام الدين وهداية الأمة والعوالم

[4] الكافي ج 1 ص 300, الوافي ج 2 ص 339, وسائل الشيعة ج 3 ص 163, إثبات الهداة ج 4 ص 18, حلية الأبرار ج 3 ص 203, مدينة المعاجز ج 3 ص 340, بهجة النزر ص 58, بحار الأنوار ج 99 ص 264, إعلام الدين ج 1 ص 421, هدية الأمة ج 1 ص 308, العوالم ج 17 ص 77

[5] دلائل الإمامة ص 160

[6] عيون المعجزات ص 66, مدينة المعاجز ج 3 ص 372, بحار الأنوار ج 44 ص 140, رياض الأبرار ج 1 ص 143

[7] الأمالي للطوسي ص 158, مدينة المعاجز ج 3 ص 376, مرآة العقول ج 3 شرح ص 314, بحار الأنوار ج 44 ص 151

[8] الكافي ج1 ص300، اعلام الورى ج 1 ص 216، الوافي ج 2 ص 337, حلية الأبرار ج 3 ص 204, بهجة النظر ص 59, بحار الأنوار ج 44 ص 174

[9] الإرشاد ج 2 ص 17, روضة الواعظين ج 1 ص 167, كشف الغمة ج 1 ص 585, بحار الأنوار ج 44 ص 156

[10] إثبات الهداة ج 4 ص 30 عن مقصد الراغب

[11] كفاية الأثر ص 226, الإنصاف في النص ص 184, بهجة النظر ص 63, بحار الأنوار ج 44 ص 138

[12] الكافي ج 1 ص 300, الوافي ج 2 ص 337, حلية الأبرار ج 3 ص 204, بهجة النظر ص 59, إعلام الورى ص 216, بحار الأنوار ج 44 ص 174, العوالم ج 17 ص 78

[13] كفاية الأثر ص 228, إثباة الهداة ج 4 ص 33, بحار الأنوار ج 44 ص 140, الإنصاف في النص ص 187, بهجة النظر ص 64

[14] الإرشاد ج 2 ص ص 17, إثباة الهداة ج 4 ص 33, روضة الواعظين ج 1 ص 167, إعلام الورى ص 212, كشف الغمة ج 1 ص 585, بحار الأنوار ج 44 ص 156

[15] عيون المعجزات ص 66, إثباة الهداة ج 4 ص 34, مدينة المعاجز ج 3 ص 372, بحار الأنوار ج 44 ص 140, رياض الأبرار ج 1 ص 143

[16] الكافي ج 1 ص 300, إعلام الورى ص 215, الوافي ج 2 ص 339, وسائل الشيعة ج 3 ص 163, إثباة الهداة ج 4 ص 18, حلية الأبرار ج 4 ص 203, مدينة المعاجز ج 3 ص 340, بحار الأنوار ج 44 ص 142, تفسير نور الثقلين ج 4 ص 295, تفسير كنز الدقائق ج 10 ص 420

[17] كفاية الأثر ص 223, إثباة الهداة ج 2 ص 178, بحار الأنوار ج 36 ص 383, العوالم ج 20 ص 47