عن الإمام الحسين ×: اوصيكم بتقوى الله، واحذركم أيامه، وأرفع لكم أعلامه، فكأن المخوف قد أفد بمهول وروده، ونكير حلوله، وبشع مذاقه، فاعتلق مهجكم،[1] وحال بين العمل وبينكم، فبادروا بصحة الأجسام في مدة الأعمار، كأنكم ببغتات طوارقه[2] فتنقلكم من ظهر الأرض إلى بطنها، ومن علوها إلى سفلها، ومن انسها إلى وحشتها، ومن روحها وضوئها إلى ظلمتها، ومن سعتها إلى ضيقها، حيث لا يزار حميم، ولا يعاد سقيم، ولا يجاب صريخ، أعاننا الله وإياكم على أهوال ذلك اليوم، ونجانا وإياكم من عقابه, وأوجب لنا ولكم الجزيل من ثوابه.
عباد الله, فلو كان ذلك قصر مرماكم، ومدى مظعنكم، [3] كان حسب العامل شغلا يستفرغ عليه أحزانه، ويذهله عن دنياه، ويكثر نصبه لطلب الخلاص منه، فكيف وهو بعد ذلك مرتهن باكتسابه، مستوقف على حسابه، لا وزير له يمنعه، ولا ظهير عنه يدفعه، ويومئذ {لا ينفع نفسا إيمنها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فى إيمـنها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون}.
اوصيكم بتقوى الله، فإن الله قد ضمن لمن اتقاه أن يحوله عما يكره إلى ما يحب، ويرزقه من حيث لا يحتسب، فإياك أن تكون ممن يخاف على العباد من ذنوبهم ويأمن العقوبة من ذنبه، فإن الله تبارك وتعالى لا يخدع عن جنته، ولا ينال ما عنده إلا بطاعته إن شاء الله. [4]
{بسم الله الرحمن الرحيم} هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب × إلى أخيه محمد المعروف بابن الحنفية: أن الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأن محمدا عبده ورسوله, جاء بالحق من عند الحق, وأن الجنة والنار حق, وأن الساعة آتية لا ريب فيها, وأن الله يبعث من في القبور, وأني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي |, أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب ×, فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق, ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين, وهذه وصيتي يا أخي إليك وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. [5]
عن أبي حمزة قال: قال أبو جعفر ×: لما حضرت أبي علي بن الحسين × الوفاة ضمني إلى صدره وقال: يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة, وبما ذكر أن أباه أوصاه به: يا بني اصبر على الحق وإن كان مرا. [6]
عن أبي حمزة الثمالي, عن أبي جعفر × قال: لما حضر علي بن الحسين × الوفاة ضمني إلى صدره ثم قال: يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي × حين حضرته الوفاة, وبما ذكر أن أباه أوصاه به قال: يا بني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصرا إلا الله. [7]
عن الامام الحسين ×: يا هذا, لا تجاهد في الرزق جهاد المغالب، ولا تتكل على القدر اتكال مستسلم، فإن ابتغاء الرزق من السنة، والإجمال في الطلب من العفة وليست العفة بمانعة رزقا، ولا الحرص بجالب فضلا، وإن الرزق مقسوم، والأجل محتوم، واستعمال الحرص جالب المآثم. [8]
عن الإمام الحسين ×: يا ابن آدم، تفكّر، وقل: أين ملوك الدنيا وأربابها الذين عمّروا، واحتفروا أنهارها، وغرسوا أشجارها، ومدّنوا مدائنها؟ فارقوها وهم كارهون، وورثها قوم آخرون، ونحن بهم عما قليل لاحقون.
يا ابن آدم، اذكر مصرعك، وفي قبرك مضجعك، وموقفك بين يدي الله، تشهد جوارحك عليك، يوم تزل فيه الأقدام، وتبلغ القلوب الحناجر، وتبيضّ وجوه، وتسودّ وجوه، وتبدو السرائر، ويوضع الميزان القسط.
يا ابن آدم، اذكر مصارع آبائك وأبنائك، كيف كانوا، وحيث حلّوا، وكأنك عن قليل قد حللت محلّهم، وصرت عبرة للمعتبر. وأنشد شعر:
أين الملوك التي عن حفظها غفلت... حتى سقاها بكأس الموت ساقيه
اتلك المدائن في الآفاق خالية... عادت خرابا وذاق الموت بانيها
أموالنا لذوي الوراث نجمعها... ودورنا لخراب الدهر نبنيها [9]
عن الامام الحسين × أنه قال يوما لابن عباس: يا ابن عباس, لا تكلمن فيما لا يعنيك فإنني أخاف عليك فيه الوزر, ولا تكلمن فيما يعنيك حتى ترى للكلام موضعا, فرب متكلم قد تكلم بالحق فعيب, ولا تمارين حليما ولا سفيها, فإن الحليم يقليك والسفيه يرديك, ولا تقولن في أخيك المؤمن إذا توارى عنك إلا مثل ما تحب أن يقول فيك إذا تواريت عنه, واعمل عمل رجل يعلم أنه مأخوذ بالإجرام مجزي بالإحسان والسلام.[10]
عن الإمام الحسين × قال: احذروا كثرة الحلف، فإنه يحلف الرجل لخلال أربع: إما لمهانة يجدها في نفسه تحثه على الضراعة إلى تصديق الناس إياه، وإما لعي في المنطق فيتخذ الأيمان حشوا وصلة لكلامه، وإما لتهمة عرفها من الناس له فيرى أنهم لا يقبلون قوله إلا باليمين، وإما لإرساله لسانه من غير تثبيت. [11]
قال سيد الشهداء للإمام زين العابدين × قبل شهادته: يا ولدي, بلغ شيعتي عني السلام, فقل لهم: إن أبي مات غريبا فاندبوه، ومضى شهيدا فابكوه. [12]
قالت سكينة ÷: لما قتل الحسين × اعتنقته فأغمي علي فسمعته يقول:
شيعتي ما إن شربتم ري عذب فاذكروني ... أو سمعتم بغريب أو شهيد فاندبوني. [13]
* وصاياه بالإمام زين العابدين ‘
عن عبد الله بن عتبة قال: كنت عند الحسين × إذ دخل علي بن الحسين × الأصغر فدعاه الحسين وضمه إليه ضما, وقبل ما بين عينيه, ثم قال: بأبي أنت ما أطيب ريحك وأحسن خلقك، فتداخلني من ذلك فقلت: إن كان ما أعوذ بالله أن أراه فيك فإلى من؟ فقال: إلى علي ابني هذا، هو الإمام، وأبو الأئمة. [14]
عن الفضيل بن يسار قال: قال أبو جعفر ×: لما توجه الحسين × إلى العراق ودفع إلى أم سلمة زوجة النبي | الوصية والكتب وغير ذلك قال لها: إذا أتاك أكبر ولدي فادفعي إليه ما قد دفعت إليك, فلما قتل الحسين أتى علي بن الحسين × أم سلمة فدفعت إليه كل شيء أعطاها الحسين ×. [15]
عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد الله × قال: إن الحسين بن علي × لما سار إلى العراق استودع أم سلمة الكتب والوصية، فلما رجع علي بن الحسين × دفعتها إليه. [16]
عن أبي الجارود، عن أبي جعفر × قال: إن الحسين بن علي × لما حضره الذي حضره دعا ابنته الكبرى فاطمة بنت الحسين × فدفع إليها كتابا ملفوفا ووصية ظاهرة، وكان علي بن الحسين × مبطونا معهم لا يرون أنه يبقى بعده، فدفعت فاطمة الكتاب إلى علي بن الحسين ×، ثم صار والله ذلك الكتاب إلينا يا زياد، قال: قلت: ما في ذلك الكتاب جعلني الله فداك؟ قال: والله ما يحتاج إليه ولد آدم منذ خلق الله آدم إلى أن تنقضي الدنيا، والله إن فيه الحدود حتى أن فيه أرش الخدش. [17]
عن أبي الجارود, عن أبي جعفر × قال: لما حضر الحسين × ما حضره دفع وصيته إلى ابنته فاطمة ظاهرة في كتاب مدرج، فلما أن كان من أمر الحسين × ما كان، دفعت ذلك إلى علي بن الحسين × قلت: فما كان فيه يرحمك الله؟ قال: ما يحتاج إليه ولد آدم منذ كانت الدنيا إلى أن تفنى. [18]
[1] أفد: عجل ودنا. المهول: ذو الهول. والمهج- كغرف-: جمع مهجة كغرفة-: الدم أو دم القلب والمراد به الروح.
[2] بغتات: جمع بغتة. والطوارق: جمع الطارقة: الداهية.
[3] القصر: الجهد والغاية. والمرمى: مصدر ميمى أو مكان الرمى وزمانه. والمدى: الغاية والمنتهى. ويذهل: ينسى ويسلو- من الذهول-: الذهاب عن الامر بدهشة. اى لو كانت الدنيا آخر أمركم وليس وراءها شيء لجدير بأن الإنسان يجد ويتعب ويسعى لطلب الخلاص من الموت وتبعاته ويشغل عن غيره.
[4] تحف العقول ص 239, الوافي ج 26 ص 244, بحار الأنوار ج 75 ص 120
[5] بحار الأنوار ج 44 ص 329, تسلية المجالس ج 2 ص 160
[6] الكافي ج 2 ص 91, مشكاة الأنوار ص 22, مجموعة ورام ج 1 ص 17, الصراط المستقيم ج 2 ص 162, الوافي ج 4 ص 340, وسائل الشيعة ج 15 ص 237, بحار الأنوار ج 46 ص 153
[7] الكافي ج 2 ص 331, الأمالي للصدوق ص 182, الخصال ج 1 ص 16,مجموعة ورام ج 2 ص 163, الوافي ج 5 ص 966, وسائل الشيعة ج 16 ص 48, بحار الأنوار ج 46 ص 153, تحف العقول ص 246 باختصار
[8] أعلام الدين ص 428, بحار الأنوار ج 100 ص 27، مستدرك الوسائل ج 13 ص 35
[9] إرشاد القلوب ج 1 ص 29
[10] كنز الفوائد ج 2 ص 32
[11] معدن الجواهر ص 42, مجموعة ورام ج 2 ص 110
[12] كلمات الإمام الحسين × ص 585, الدمعة الساكبة ج 4 ص 352, شجرة طوبى ج 2 ص 451
[13] مصباح الكفعمي ص 741, مستدرك الوسائل ج 17 ص 26
[14] كفاية الأثر ص 234, بهجة النظر ص 65, بحار الأنوار ج 46 ص 19, العوالم ج 18 ص 23, خاتمة المستدرك ج 4 ص 303
[15] الغيبة للطوسي ص 195, إثبات الهداة ج 4 ص 59, بحار الأنوار ج 46 ص 18, رياض الأبرار ج 2 ص 16, العوالم ج 18 ص 26
[16] الكافي ج 1 ص 304, إعلام الورى ص 257, مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 172, الوافي ج 2 ص 343, إثبات الهداة ج 4 ص 58, الأبرار ج 3 ص 326, بهجة النظر ص 66, بحار الأنوار ج 46 ص 19, العوالم ج 18 ص 26
[17] بصائر الدرجات ج 1 ص 163, الكافي ج 1 ص 303, الوافي ج 2 ص 342, إثبات الهداة ج 4 ص 58, حلية الأبرار ج 3 ص 325
[18] الكافي ج 1 ص 304, بصائر الدرجات ص 148, الوافي ج 2 ص 342, إثبات الهداة ج 4 ص 58, حلية الأبرار ج 3 ص 325, بهجة النظر ص 66, بحار الأنوار ج 26 ص 54