وصايا الإمام علي الرضا عليه السلام

عن عبد العظيم, عن أبي الحسن الرضا × قال: يا عبد العظيم أبلغ عني أوليائي السلام وقل لهم: أن لا يجعلوا للشيطان على أنفسهم سبيلا, ومرهم بالصدق في الحديث وأداء الأمانة, ومرهم بالسكوت وترك الجدال‏ فيما لا يعنيهم,‏ وإقبال بعضهم على بعض والمزاورة فإن ذلك قربة إلي, ولا يشتغلوا أنفسهم بتمزيق بعضهم بعضا, فإني آليت على نفسي إنه من فعل ذلك وأسخط وليا من أوليائي دعوت الله ليعذبه في الدنيا أشد العذاب, وكان‏ {في الآخرة من الخاسرين}, وعرفهم أن الله قد غفر لمحسنهم وتجاوز عن مسيئهم إلا من أشرك به أو آذى وليا من أوليائي أو أضمر له سوءا, فإن الله لا يغفر له حتى يرجع عنه, فإن رجع وإلا نزع روح الإيمان عن قلبه وخرج عن ولايتي, ولم يكن له نصيبا في ولايتنا, وأعوذ بالله من ذلك. [1]

 

عن الريان بن شبيب قال: دخلت على الرضا × في أول يوم من المحرم, فقال لي: يا بن شبيب, أصائم أنت؟ فقلت: لا, فقال: إن هذا اليوم هو اليوم الذي دعا فيه زكريا × ربه عز وجل, فقال: {رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء} فاستجاب به, وأمر الملائكة فنادت زكريا {وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى} فمن صام هذا اليوم ثم دعا الله عز وجل استجاب الله له, كما استجاب لزكريا ×.

ثم قال: يا بن شبيب, إن المحرم هو الشهر الذي كان أهل الجاهلية فيما مضى يحرمون فيه الظلم والقتال لحرمته, فما عرفت هذه الامة حرمة شهرها ولا حرمة نبيها |, لقد قتلوا في هذا الشهر ذريته, وسبوا نساءه, وانتهبوا ثقله, فلا غفر الله لهم ذلك أبدا.

يا بن شبيب, إن كنت باكيا لشيء فابك للحسين بن علي بن أبي طالب ×, فإنه ذبح كما يذبح الكبش, وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا ما لهم في الارض شبيه, ولقد بكت السماوات السبع والارضون لقتله, ولقد نزل إلى الارض من الملائكة أربعة آلاف لنصره فوجدوه قد قتل, فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم القائم, فيكونون من أنصاره, وشعارهم: يا لثارات الحسين!

يا بن شبيب لقد حدثني أبي, عن أبيه, عن جده: أنه لما قتل جدي الحسين × مطرت السماء دما وترابا أحمر.

يا بن شبيب, إن بكيت على الحسين × حتى تصير دموعك على خديك غفر الله لك كل ذنب أذنبته, صغيرا كان أو كبيرا, قليلا كان أو كثيرا.

يا بن شبيب, إن سرك أن تلقى الله عز وجل ولا ذنب عليك, فزر الحسين ×.

يا بن شبيب, إن سرك أن تسكن الغرف المبنية في الجنة مع النبي وآله |, فالعن قتلة الحسين.

يا بن شبيب, إن سرك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين × فقل متى ما ذكرته: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما.

يا بن شبيب, إن سرك أن تكون معنا في الدرجاب العلى من الجنان, فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا, وعليك بولايتنا, فلو أن رجلا تولى حجرا لحشره الله معه يوم القيامة. [2]

 

عن علي بن شعيب:[3] دخلت على أبي الحسن الرضا × فقال لي: يا علي من أحسن الناس معاشا؟ قلت: أنت يا سيدي أعلم به مني, فقال ×: يا علي من حسن معاش غيره في معاشه.

يا علي من أسوأ الناس معاشا؟ قلت: أنت أعلم, قال: من لم يعش غيره في معاشه.

يا علي أحسنوا جوار النعم فإنها وحشية ما نأت عن قوم فعادت إليهم. يا علي إن‏ شر الناس‏ من‏ منع‏ رفده, وأكل وحده, وجلد عبده. [4]

 

عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: دخلت على أبي الحسن علي بن موسى الرضا × في آخر جمعة من شعبان فقال لي: يا أبا الصلت إن شعبان‏ قد مضى‏ أكثره‏ وهذا آخر جمعة منه, فتدارك فيما بقي منه تقصيرك فيما مضى منه, وعليك بالإقبال على ما يعنيك وترك ما لا يعنيك, وأكثر من الدعاء والاستغفار وتلاوة القرآن, وتب إلى الله من ذنوبك ليقبل شهر الله إليك وأنت مخلص لله عز وجل, ولا تدعن أمانة في عنقك إلا أديتها, ولا في قلبك حقدا على مؤمن إلا نزعته, ولا ذنبا أنت مرتكبه إلا قلعت عنه, واتق الله وتوكل عليه في سر أمرك وعلانيتك,‏ {ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شي‏ء قدرا} وأكثر من أن تقول فيما بقي من هذا الشهر: اللهم إن لم تكن قد غفرت لنا في ما مضى من شعبان فاغفر لنا فيما بقي منه, فإن الله تبارك وتعالى يعتق في هذا الشهر رقابا من النار لحرمة شهر رمضان. [5]

 

عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي قال: قرأت كتاب أبي الحسن الرضا إلى أبي جعفر ×: يا أبا جعفر بلغني أن الموالي إذا ركبت أخرجوك من الباب الصغير وإنما ذلك من بخل بهم لئلا ينال منك أحد خيرا, فأسألك بحقي عليك لا يكن مدخلك ومخرجك إلا من الباب الكبير, وإذا ركبت فليكن معك ذهب وفضة ثم لا يسألك أحد إلا أعطيته, ومن سألك من عمومتك أن تبره فلا تعطه أقل من خمسين دينارا والكثير إليك, ومن سألك من عماتك فلا تعطها أقل من خمسة وعشرين دينارا والكثير إليك, إني أريد أن يرفعك الله فأنفق ولا تخش من ذي العرش إقتارا. [6]


 

* وصايا بالإمام الجواد ‘

عن صفوان ابن يحيى قال: قلت للرضا ×: قد كنا نسألك قبل أن يهب الله عز وجل لك أبا جعفر فكنت تقول: يهب الله لي غلاما، فقد وهبه الله لك فأقر عيوننا فلا أرانا الله يومك، فإن كان كون فإلى من؟ فأشار بيده إلى أبي جعفر × وهو قائم بين يديه، فقلت: جعلت فداك هذا إبن ثلاث سنين؟ فقال: وما يضره من ذلك فقد قام عيسى × بالحجة وهو إبن ثلاث سنين.[7]

 

عن الحسن بن الجهم، قال: كنت مع ابي الحسن × جالسا، فدعا بابنه وهو صغير، فأجلسه في حجري، فقال لي: جرده وإنزع قميصه فنزعته، فقال لي: انظر بين كتفيه، فنظرت فإذا في أحد كتفيه شبيه بالخاتم داخل في‏ اللحم، ثم قال لي: أترى هذا؟ كان مثله في هذا الموضع من أبي ×. [8]

 

عن أبي يحيى الصنعاني‏ قال: كنت عند أبي الحسن الرضا × فجي‏ء بابنه أبي جعفر × وهو صغير، فقال: هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم بركة على شيعتنا منه. [9]

 

عن معمر بن‏ خلاد، قال: سمعت الرضا × وذكر شيئا فقال: ما حاجتكم إلى ذلك؟ هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيرته مكاني، وقال: إنا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة. [10]

 

عن أبي الحسين محمد بن أبي عباد، وكان يكتب للرضا × ضمه إليه الفضل بن سهل، قال: ما كان × يذكر محمدا إبنه × إلا بكينته، يقول: كتب إلي أبو جعفر ×, وكنت أكتب إلى أبي جعفر، وهو صبي بالمدينة فيخاطبه بالتعظيم، وترد كتب أبي جعفر × في نهاية البلاغة والحسن، فسمعته يقول: أبو جعفر وصيي وخليفتي في أهلي من بعدي. [11]

 

عن الخيراني‏، عن أبيه قال: كنت واقفا بين يدي أبي الحسن × بخراسان، فقال له قائل: يا سيدي إن كان كون فإلى من؟ قال: إلى أبي جعفر إبني، فكأن القائل إستصغر سن أبي جعفر × فقال أبو الحسن: إن الله تبارك وتعالى بعث عيسى بن مريم رسولا نبيا صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر ×. [12]

 

عن محمد بن الحسن بن عمارة قال: كنت عند علي بن جعفر بن محمد جالسا بالمدينة، وكنت أقمت عنده‏ سنتين، أكتب عنه ما يسمع من أخيه يعني أبا الحسن × إذ دخل عليه أبو جعفر محمد بن علي الرضا × المسجد مسجد رسول الله | فوثب علي بن جعفر بلا حذاء ولا رداء فقبل يده وعظمه. فقال له أبو جعفر ×: يا الله، فقال: يا سيدي كيف أجلس وأنت قائم؟ فلما رجع علي بن جعفر إلى مجلسه جعل أصحابه يوبخونه ويقولون: أنت عم أبيه وأنت تفعل به هذا الفعل؟! فقال: اسكتوا إذا كان الله عز وجل، وقبض على لحيته، لم يؤهل هذا الشيبة وأهل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه انكر فضله؟ نعوذ بالله مما تقولون بل أنا له عبد. [13]

 

عن معمر بن خلاد، قال: سمعت إسماعيل بن إبراهيم يقول للرضا ×: إن إبني في لسانه ثقل فأنا أبعث به إليك غدا تمسح على رأسه وتدعو له فإنه مولاك، فقال: هو مولا أبي جعفر فابعث به غدا إليه. [14]

 



[1] الاختصاص ص 247, بحار الأنوار ج 71 ص 230, مستدرك الوسائل ج 9 ص 102

[2] الأمالي للصدوق ص 192, عيون أخبار الرضا × ج 2 ص 268, الإقبال ج 3 ص 28, بحار الأنوار ج 44 ص 285, العوالم ج 17 ص 538

[3] لعله علي بن أبي شبيب

[4] تحف العقول ص 448, بحار الأنوار ج 6 ص 686

[5] عيون أخبار الرضا × ج 2 ص 51, الإقبال ج 1 ص 42, وسائل الشيعة ج 10 ص 301, هداية الأمة ج 4 ص 246, بحار الأنوار ج 94 ص 72, زاد المعاد ص 65

[6] عيون أخبار الرضا × ج 2 ص 8, الكافي ج 4 ص 43, مشكاة الأنوار ص 233, الدر النظيم ص 692, الوافي ج 10 ص 489, وسائل الشيعة ج 9 ص 463, حلية الأبرار ج 4 ص 376, مرآة العقول ج 16 ص 172, بحار الأنوار ج 50 ص 102, العوالم ج 23 ص 156

[7] الكافي ج 1 ص 321, الإرشاد ج 2 ص 276, روضة الواعظين ج 1 ص 237, إعلام الورى ص 345, كشف الغمة ج 2 ص 351, الصراط المستقيم ج 2 ص 166, الوافي ج 2 ص 376, البرهان ج 3 ص 710, حلية الأبرار ج 4 ص 607,  مدينة المعاجز ج 7 ص 276, بهجة النظر ص 117, بحار الانوار ج 50 ص 21, رياض الأبرار ج 2 ص 440, تفسر نرو الثقلين ج 3 ص 334, نفسير كنز الدقائق ج 8 ص 219, العوالم ج 23 ص 70

[8] الكافي ج 1 ص 321, كشف الغمة ج 2 ص 352, الوافي ج 2 ص 376, إثبات الهداة ج 4 ص 384, حلية الأبرار ج 4 ص 606, مدينة المعاجز ج 7 ص 294, بهجة النظر ص 117, رياض الأبرار ج 2 ص 440, بحار الانوار ج 50 ص 23, العوالم ج 23 ص 72

[9] الكافي ج 1 ص 321, الإرشاد ج 2 ص 279, روضة الواعظين ج 1 ص 237, إعلام الورى ص 347, كشف الغمة ج 2 ص 352, حلية الأبرار ج 4 ص 607, الوافي ج 2 ص 376, إثبات الهداة ج 4 ص 384, بحار الانوار ج 50 ص 23, العوالم ج 23 ص 69

[10] الكافي ج 1 ص 320, الإرشاد ج 2 ص 276, إعلام الورى ص 346, كشف الغمة ج 2 ص 351, حلية الأبرار ج 4 ص 603, الوافي ج 2 ص 374, إثبات الهداة ج 4 ص 383, بهجة النظر ص 115, بحار الانوار ج 50 ص 21, العوالم ج 23 ص 74

[11] عيون أخبار الرضا × ج 2 ص 240, حلية الأبرار ج 4 ص 610, مدينة المعاجز ج 7 ص 284, بحار الأنوار ج 50 ص 18, العوالم ج 23 ص 73

[12] الكافي ج 1 ص 321, الإرشاد ج 2 ص 279, روضة الواعظين ج 1 ص 237, إعلام الورى ج 2 ص 94, كشف الغمة ج 2 ص 353, الوافي ج 2 ص 378, إثبات الهداة ج 4 ص 384, حلية الأبرار ج 4 ص 544, مدينة المعاجز ج 7 ص 277, بهجة النظر ص 118, بحار الأنوار ج 14 ص 256, تفسير نور الثقلين ج 3 ص 334, تفسير كنز الدقائق ج 8 ص 219, العوالم ج 23 ص 71

[13] الكافي ج 1 ص 322, الوافي ج 2 ص 381, حلية الأبرار ج 4 ص 609, مدينة المعاجز ج 7 ص 281, بهجة النظر ص 118, بحار الانوار ج 50 ص 36, رياض الأبرار ج 2 ص 440, العوالم ج 23 ص 550

[14] الكافي ج 1 ص 321, الوافي ج 2 ص 379, إثبات الهداة ج 4 ص 384, حلية الأبرار ج 4 ص 608, مدينة المعاجز ج 7 ص 295, بهجة النظر ص 117, بحار الانوار ج 50 ص 36, العوالم ج 23 ص 76