سورة الليل

{والليل إذا يغشى (1) والنهار إذا تجلى (2) وما خلق الذكر والأنثى‏ (3) إن سعيكم لشتى (4) فأما من أعطى‏ واتقى‏ (5) وصدق بالحسنى‏ (6) فسنيسره لليسرى‏ (7) وأما من بخل واستغنى‏ (8) وكذب بالحسنى‏ (9) فسنيسره للعسرى‏ (10) وما يغني‏ عنه ماله إذا تردى (11) إن علينا للهدى‏ (12) وإن لنا للآخرة والأولى‏ (13) فأنذرتكم نارا تلظى (14) لا يصلاها إلا الأشقى (15) الذي كذب وتولى (16) وسيجنبها الأتقى (17) الذي يؤتي‏ ماله يتزكى (18) وما لأحد عنده من نعمة تجزى‏ (19) إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى‏ (20) ولسوف يرضى‏ (21)}

 

عن علي بن الحسين × قال: كان رجل موسر على عهد النبي | في دار له‏ حديقة وله جار له صبية, فكان يتساقط الرطب عن النخلة فيشدون صبيانه يأكلونه فيذرون, فيأتي الموسر فيخرج الرطب من جوف أفواه الصبية, فشكا الرجل ذلك إلى النبي |, فأقبل وحده إلى الرجل فقال |: بعني حديقتك هذه بحديقة في الجنة, فقال له الموسر: لا أبيعك عاجلا بآجل, فبكى النبي | ورجع نحو المسجد, فلقيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب × فقال له: يا رسول الله, ما يبكيك لا أبكى الله عينيك؟ فأخبره خبر الرجل الضعيف والحديقة, فأقبل أمير المؤمنين × حتى استخرجه من منزله وقال له: بعني دارك, قال الموسر: بحائطك الحسي, فصفق على يده ودار إلى الضعيف, فقال له: در إلى دارك, فقد ملككها الله رب العالمين, وأقبل أمير المؤمنين × ونزل جبرئيل × على النبي | فقال له: يا محمد, اقرأ {والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والأنثى} إلى آخر السورة, فقام النبي | فقبل بين عينيه, ثم قال: بأبي أنت وأمي, ‏قد أنزل الله فيك هذه السورة كاملة. [1]

 

عن موسى بن عيسى الأنصاري قال: كنت جالسا مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب × بعد أن صلينا مع النبي | العصر بهفوات, فجاء رجل إليه فقال له: يا أبا الحسن, قد قصدتك في حاجة أريد أن تمضي معي فيها إلى صاحبها, فقال له: قل, قال: إني ساكن في دار لرجل فيها نخلة, وإنه يهيج الريح فتسقط من ثمرها بلح وبسر ورطب وتمر, ويصعد الطير فيلقي منه وأنا آكل منه ويأكل منه الصبيان من غير أن ننخسها بقصبة أو نرميها بحجر, فاسأله أن يجعلني في حل, قال: انهض بنا, فنهضت معه فجئنا إلى الرجل فسلم عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ×, فرحب به وفرح به وسر وقال: فيما جئت يا أبا الحسن؟ قال: جئتك في حاجة, قال: تقضى إن شاء الله, قال: ما هي‏؟ قال ×: هذا الرجل ساكن في دار لك في موضع كذا, وذكر أن فيها نخلة وأنه يهيج الريح فيسقط منها بلح وبسر ورطب وتمر, ويصعد الطير فيلقي مثل ذلك من غير حجر يرميها به أو قصبة ينخسها, أريد أن تجعله‏ في حل, فتأبى عن ذلك, وسأله ثانيا وأقبل يلح عليه في المسألة ويتأبى, إلى أن قال: أنا أضمن‏ لك عن رسول الله | أن يبدلك‏ بهذه النخلة حديقة في الجنة, فأبى عليه ورهقنا المساء, فقال له علي ×: تبيعنيها بحديقتي فلانة؟ فقال له: نعم, قال: فأشهد لي عليك الله وموسى بن عيسى الأنصاري أنك قد بعتها بهذه الدار, قال: نعم أشهد الله وموسى بن عيسى أني قد بعتك هذه الحديقة بشجرها ونخلها وثمرها بهذه الدار, أليس قد بعتني هذه الدار بما فيها بهذه الحديقة ولم يتوهم أنه يفعل‏, فقال: نعم, أشهد الله وموسى بن عيسى على أني قد بعتك هذه الدار بما فيها بهذه الحديقة, فالتفت علي × إلى الرجل فقال له: قم فخذ الدار بارك الله لك فيها, وأنت في حل منها, ووجبت المغرب‏ وسمعوا أذان بلال فقاموا مبادرين حتى صلوا مع النبي | المغرب وعشاء الآخرة, ثم انصرفوا إلى منازلهم, فلما أصبحوا صلى النبي | بهم الغداة وعقب, فهو يعقب حتى هبط عليه جبرئيل × بالوحي من عند الله, فأدار وجهه إلى أصحابه فقال: من فعل منكم في ليلته هذه فعلة؟ فقد أنزل الله بيانها أفيكم‏ أحد يخبرني أو أخبره؟ فقال له أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ×: بل أخبرنا يا رسول الله, قال: نعم, هبط جبرئيل × فأقرأني عن الله السلام وقال لي: إن عليا فعل البارحة فعلة, فقلت لحبيبي جبرئيل ×: ما هي؟ فقال: اقرأ يا رسول الله, فقلت: وما أقرأ؟ فقال: اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم {والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى. وما خلق الذكر والأنثى إن سعيكم لشتى}‏ إلى قوله {ولسوف يرضى}‏ أنت يا علي, ألست صدقت بالجنة وصدقت بالدار على ساكنها بدل الحديقة؟ فقال: نعم يا رسول الله, قال: فهذه سورة نزلت فيك وهذا لك, فوثب | إلى‏ أمير المؤمنين × فقبل بين عينيه وضمه إلى صدره‏, وقال له: أنت أخي وأنا أخوك. [2]

 

عن أبي عبد الله ×‏ في قول الله عز وجل‏ {والليل إذا يغشى‏} قال: دولة إبليس إلى يوم القيامة, وهو يوم قيام القائم #‏ {والنهار إذا تجلى}‏ وهو القائم # إذا قام وقوله‏ {فأما من أعطى واتقى}‏ أعطى نفسه الحق واتقى الباطل‏ {فسنيسره لليسرى}‏ أي الجنة {وأما من بخل واستغنى‏} يعني بنفسه عن الحق‏ واستغنى بالباطل عن الحق‏ {وكذب بالحسنى}‏ بولاية علي بن أبي طالب والأئمة (عليهم السلام) من بعده‏ {فسنيسره للعسرى‏} يعني النار, وأما قوله‏ {إن علينا للهدى}‏ يعني أن عليا × هو الهدى‏ {وإن لنا للآخرة والأولى فأنذرتكم نارا تلظى‏} قال: هو القائم # إذا قام بالغضب‏ ويقتل من كل ألف تسع مائة وتسعة وتسعين‏ {لا يصلاها إلا الأشقى}‏ قال: هو عدو آل محمد |‏ {وسيجنبها الأتقى}‏ قال: ذاك أمير المؤمنين × وشيعته. [3]

 

عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر × عن قول الله عز وجل {والليل إذا يغشى} قال: الليل في هذا الموضع: فلان, غشي أمير المؤمنين × في دولته التي جرت له عليه, وأمير المؤمنين × يصبر في دولتهم حتى تنقضي، قال: {والنهار إذا تجلى} قال: النهار هو القائم # منا أهل البيت، إذا قام غلب دولته الباطل, والقرآن ضرب فيه الأمثال للناس, وخاطب الله نبيه | به ونحن، فليس يعلمه غيرنا. [4]

 

عن الباقر ×‏ في قوله‏ {وما خلق الذكر والأنثى‏} فالذكر أمير المؤمنين والأنثى فاطمة ‘ {إن سعيكم لشتى}‏ لمختلف‏ {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى}‏ بقوته, وصام حتى وفى بنذره, وتصدق بخاتمه وهو راكع, وآثر المقداد بالدينار على نفسه, قال:‏ {وصدق بالحسنى}‏ وهي الجنة والثواب من الله‏ {فسنيسره‏} لذلك وجعله إماما في الخير وقدوة, وأبا للأئمة, يسره الله لليسرى. [5]

 

عن أبي بصير, عن أبي عبد الله ×‏ أنه قال‏ {فأما من أعطى}‏ الخمس‏ {واتقى}‏ ولاية الطواغيت‏ {وصدق بالحسنى}‏ بالولاية {فسنيسره لليسرى}‏ فلا يريد شيئا من الخير إلا تيسر له‏ {وأما من بخل‏} بالخمس‏ {واستغنى}‏ برأيه عن أولياء الله‏ {وكذب بالحسنى}‏ بالولاية {فسنيسره للعسرى}‏ فلا يريد شيئا من الشر إلا تيسر له, وأما قوله‏ {وسيجنبها الأتقى}‏ قال: رسول الله | ومن اتبعه, و{الذي يؤتي ماله يتزكى}‏ قال: ذاك أمير المؤمنين × وهو قوله تعالى‏ {ويؤتون الزكاة وهم راكعون}‏  وقوله‏ {وما لأحد عنده من نعمة تجزى‏} فهو رسول الله | الذي ليس لأحد عنده نعمة تجزى, ونعمته جارية على جميع الخلق. [6]

 

عن أبي عبد الله × في قوله {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى} قال: بالولاية {فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى} فقال: بالولاية {فسنيسره للعسرى‏}. [7]

 

عن أبي عبد الله × في قول الله تعالى‏ {وكذب بالحسنى}‏ بولاية علي ×‏ {فسنيسره للعسرى‏} النار {وما يغني عنه ماله إذا تردى}‏ وما يغني علمه إذا مات‏ {إن علينا للهدى}‏ إن عليا × هذا الهدى‏ {وإن لنا للآخرة والأولى فأنذرتكم نارا تلظى}‏ القائم # إذا قام بالغضب فقتل من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين‏ {لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب‏} بالولاية {وتولى‏} عنها {وسيجنبها الأتقى}‏ المؤمن‏ {الذي يؤتي ماله يتزكى}‏ الذي يعطي العلم أهله‏ {وما لأحد عنده من نعمة تجزى}‏ ما لأحد عنده مكافأة {إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى‏} القربة إلى الله تعالى‏ {ولسوف يرضى}‏ إذا عاين الثواب. [8]

 

ابن شاذان القمي بالإسناد يرفعه إلى الثقات الذين كتبوا الأخبار أنهم وضح لهم فيما وجدوا وبان لهم من أسماء أمير المؤمنين × ثلاثمائة اسم في القرآن, منها ما رواه بالإسناد الصحيح عن ابن مسعود: وقوله تعالى {إن علينا للهدى وإن لنا للآخرة والأولى}. [9]

 

عن أبي عبد الله × في قوله {فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب و تولى} قال: في جهنم واد فيه نار {لا يصلاها إلا الأشقى} أي فلان‏ الذي كذب رسول الله | في علي × وتولى عن ولايته, ثم قال ×: النيران بعضها دون بعض, فما كان من نار هذا الوادي فللنصاب‏. [10]

 

 


[1] تفسير فرات ص 565, بحار الأنوار ج 41 ص 37

[2] تفسير فرات ص 566, بحار الأنوار ج 41 ص 37

[3] تأويل الآيات ص 780, تفسير الصافي ج 5 ص 336,, البرهان ج 5 ص 679, حلية الأبرار ج 5 ص 407, اللوامع النروانية ص 852, بحار الأنوار ج 24 ص 398, تفسير كنز الدقائق ج 14 ص 311

[4] تفسير القمي ج 2 ص 425, البرهان ج 5 ص 676, بحار الأنوار ج 24 ص 71, رياض الأبرار ج 3 ص 30, تفسير نور الثلين ج 5 ص 588, تفسير كنز الدقائق ج 14 ص 304

[5] مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 320, بحار الأنوار ج 43 ص 32, تفسير نور الثقلين ج 5 ص 589, تفسير كنز الدقائق ج 14 ص 305

[6] تأويل الآيات ص 782, البرهان ج 5 ص 679, اللوامع النورانية ص 854, بحار الأنوار ج 24 ص 46, تفسير كنز الدقائق ج 14 ص 312

[7] تفسير القمي ج 2 ص 426, تفسير فرات ص 568, تفسير الصافي ج 5 ص 337, البرهان ج 5 ص 678, اللوامع النورانية ص 854, بحار الأنوار ج 24 ص 44, تفسير نور الثقلين ج 5 ص 590, تفسير كنز الدقائق ج 14 ص 307, بصائر الدرجات ص 515 نحوه

[8] تفسير فرات ص 567, بحار الأنوار ج 24 ص 46

[9] الفضائل لابن شاذان ص 174, الروضة في الفضائل ص 231

[10] تفسير القمي ج 2 ص 426, البرهان ج 5 ص 677, بحار الأنوار ج 8 ص 313, تفسير نور الثقلين ج 5 ص 592, تفسير كنز الدقائق ج 14 ص 309