{يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل} (1)
عن ابن عباس {لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة} بالكتاب والنصيحة لهم {وقد كفروا بما جاءكم} أيها المسلمون {من الحق} يعني الرسول والكتاب {يخرجون الرسول} يعني محمدا | {وإياكم} يعني وهم أخرجوا أمير المؤمنين × {أن تؤمنوا بالله ربكم} وكان النبي | وعلي × وحاطب ممن أخرج من مكة, فخلاه رسول الله | لإيمانه {إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي} أيها المؤمنون {تسرون إليهم بالمودة} تخفون إليهم بالكتاب بخبر النبي | وتتخذون عندهم النصيحة {وأنا أعلم بما أخفيتم} من إخفاء الكتاب الذي كان معها {وما أعلنتم} وما قاله أمير المؤمنين × للزبير: والله لا صدقت المرأة أن ليس معها كتاب, بل الله أصدق ورسوله, فأخذه منها ثم قال {ومن يفعله منكم} عند أهل مكة بالكتاب {فقد ضل سواء السبيل}. [1]
عن ابن عباس في قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة} قال: قدمت سارة مولاة بني هاشم إلى المدينة, فأتت رسول الله | ومن معه من بني عبد المطلب, فقالت: إني مولاتكم, وقد أصابني جهد وقد أتيتكم أتعرض لمعروفكم, فكسيت وحملت وجهزت, وعمدها حاطب بن أبي بلتعة أخو بني أسد بن عبد العزى, فكتب معها كتابا إلى أهل مكة بأن رسول الله | قد أمر الناس أن تجهزوا, وعرف حاطب أن رسول الله | يريد أهل مكة, فكتب إليهم يحذرهم, وجعل لسارة جعلا على أن تكتم عليه وتبلغ رسالته, ففعلت, فنزل جبرئيل × على نبي الله فأخبره, فبعث رسول الله | رجلين من أصحابه في أثرها: علي بن أبي طالب ×, وزبير بن العوام, وأخبرهما خبر الصحيفة, فقال: إن أعطتكما الصحيفة فخلوا سبيلها وإلا فاضربوا عنقها, فلحقا سارة فقالا: أين الصحيفة التي كتبت معك يا عدوة الله؟ فحلفت بالله ما معها كتاب, ففتشاها فلم يجدا معها شيئا, فهما بتركها, ثم قال أحدهما: والله ما كذبنا ولا كذبنا, فسل سيفه وقال: أحلف بالله لا أغمده حتى تخرجي الكتاب أو يقع في رأسك, فزعموا أنه علي بن أبي طالب ×, قالت: فلله عليكما الميثاق إن أعطيتكما الكتاب لا تقتلاني ولا تصلباني ولا ترداني إلى المدينة, قالا: نعم, فأخرجته من شعرها, فخليا سبيلها, ثم رجعا إلى النبي | فأعطياه الصحيفة, فإذا فيها: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة, إن محمدا قد نفر, فإني لا أدري إياكم أراد أو غيركم فعليكم بالحذر. فأرسل رسول الله | إليه, فأتاه فقال: تعرف هذا الكتاب يا حاطب؟ قال: نعم, قال: فما حملك عليه؟ فقال: أما والذي أنزل عليك الكتاب ما كفرت منذ آمنت, ولا أحببتهم منذ فارقتهم, ولكن لم يكن أحد من أصحابك إلا وأن بمكة الذي يمنع عشيرته, فأحببت أن أتخذ عندهم يدا, وقد علمت أن الله ينزل بهم بأسه ونقمته, وأن كتابي لا يغني عنهم شيئا, فصدقه رسول الله | وعذره, فأنزل الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة}. [2]
روي: أن النبي | لما أراد المسير إلى مكة لفتحها قال: اللهم أعم الأخبار عن قريش حتى نبغتها في دارها, فعميت الأخبار عليهم. وكان حاطب بن أبي بلتعة قد أسلم وهاجر وكان أهله وولده بمكة, فقال قريش لهم: اكتبوا إلى حاطب كتابا سلوه أن يعرفنا خبر محمد, فكتبوا كتابا وبعثته قريش مع امرأة سرا, فكتب الجواب بأن محمدا صائر إليكم, ودفعه إلى المرأة وخرجت. فقال |: إن الله أوحى إلي أن حاطبا قد كتب بخبرنا إلى مكة, والكتاب حملته امرأة من حالها وصفتها... فمن يمضي خلفها فيرد الكتاب, قال: الزبير أنا, قال |: يكون علي × معك, فخرجا فلحقاها في الطريق, فقالا: أين الكتاب؟ قالت: ما معي, ورمت إليهما كل ما كان معها, فقال الزبير: ما معها كتاب, قال علي ×: ما كذب رسول الله | ولا كذب الله, وجرد سيفه, فقال: لتخرجن الكتاب أو لأقتلنك, فأخرجته من شعر رأسها, فأنزل الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء}. [3]
{يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم} (12)
عن الزبير بن العوام قال: سمعت رسول الله | يدعو النساء الى البيعة لما أنزل الله تعالى: {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك} الآية. قال: فكانت فاطمة بنت أسد بن هاشم ÷ أول امرأة بايعت رسول الله |. [4]
{يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور} (13)
عن أبي الجارود زياد بن المنذر, عمن سمع عليا × يقول: العجب كل العجب بين جمادى ورجب, فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين, ما هذا العجب الذي لا تزال تتعجب منه؟ فقال: ثكلتك أمك, وأي عجب أعجب من أموات يضربون كل عدو لله ولرسوله ولأهل بيته, وذلك تأويل هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور} فإذا اشتد القتل قلتم: مات أو هلك أو أي واد سلك, وذلك تأويل هذه الآية {ثم رددنا لكم الكرة عليهم و أمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا}. [5]
[1] مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 144, بحار الأنوار ج 41 ص 8
[2] تفسير فرات ص 479, بحار الأنوار ج 21 ص 136
[3] الخرائج ج 1 ص 161
[4] شرح الأخبار ج 3 ص 214, كشف الغمة ج 1 ص 306, البرهان ج 5 ص 359, بحار الأنوار ج 36 ص 122
[5] تأويل الآيات ص 659, البرهان ج 5 ص 360, بحار الأنوار ج 53 ص 60, تفسير كنز الدقائق ج 13 ص 217. نحوه: مختصر البصائر ص 468, نوادر الأخبار ص 283