{إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون (1) اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون (2) ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون (3) وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون (4) وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون (5) سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين (6)}
عن أبي الحسن الماضي ×, قال قلت: {ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا}, قال ×: إن الله تبارك وتعالى سمى من لم يتبع رسوله | في ولاية وصيه × منافقين, وجعل من جحد وصيه إمامته كمن جحد محمدا |, وأنزل بذلك قرآنا فقال: يا محمد {إذا جاءك المنافقون} بولاية وصيك {قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين} بولاية علي × {لكاذبون اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله} والسبيل هو الوصي {إنهم ساء ما كانوا يعملون ذلك بأنهم آمنوا} برسالتك و{كفروا} بولاية وصيك {فطبع} الله {على قلوبهم فهم لا يفقهون}, قلت: ما معنى لا يفقهون؟ قال: يقول: لا يعقلون بنبوتك,[1] قلت: {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله}, قال: وإذا قيل لهم ارجعوا إلى ولاية علي × يستغفر لكم النبي | من ذنوبكم {لووا رؤسهم}, قال الله {ورأيتهم يصدون} عن ولاية علي × {وهم مستكبرون} عليه, ثم عطف القول من الله بمعرفته بهم فقال {سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين} يقول: الظالمين لوصيك. [2]
عن جعفر بن محمد، عن أبيه ‘ أنه قال: من منعنا مودته وولايته، وتولى عدونا وقرب منه، خرج من ولاية الله عز وجل الى ولاية الشيطان، وحق على الله أن يحشره الى جهنم, إن الله عز وجل سمى من لم يتبع رسول الله | في ولاية علي × منافقين, وجعل من جحد وصي رسوله | إمامته كمن جحد محمدا | نبوته، فأنزل الله عز وجل: {إذا جاءك المنافقون} يعنى الذين كذبوا بولاية الوصي {قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} لتكذيبهم بولاية علي ×, {اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله} هو وصي رسوله | {إنهم ساء ما كانوا يعملون} بولايته عدوهم {ذلك بأنهم آمنوا} يعني برسالتك يا محمد {ثم كفروا} بولاية وصيك {فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون}. [3]
عن أبي جعفر × في حديث طويل أن الشمس تكلمت مع أمير المؤمنين ×, فقال رسول الله |: الحمد لله الذي خصنا بما تجهلون, وأعطانا ما لا تعلمون, وقد علمتم أني واخيت عليا دونكم, وأشهدتكم أنه وصيي, فما أنكرتم؟ عساكم تقولون: لم قالت له الشمس: أشهد أنك أنت {الأول والآخر والظاهر والباطن}؟ قالوا: يا رسول الله, إنك أخبرتنا أن الله {هو الأول والآخر والظاهر والباطن} في كتابه العزيز المنزل عليك، قال رسول الله |: ويحكم, وأنى لكم بعلم ما قالت الشمس؟ أما قولها: إنك الأول, فصدقت, إنه أول من آمن بالله ورسوله ممن دعوتهم من الرجال إلى الإيمان بالله, وخديجة في النساء، وأما قولها له: الآخر, فهو آخر الأوصياء, وأنا آخر النبيين والرسل، وقولها: الظاهر, فهو الذي ظهر على كل ما أعطاني الله من علمه, فما علمه معي غيره ولا يعلمه بعدي سواه ومن ارتضاه الله لبشريته من صفوته، وأما قولها: الباطن, فهو والله باطن علم الأولين والآخرين وسائر الكتب المنزلة على النبيين والمرسلين وما زادني الله وخصني الله من علم وما تعلمونه. وأما قولها له: يا من أنت {بكل شيء عليم} فإن عليا يعلم علم المنايا والقضايا وفصل الخطاب فما ذا أنكرتم؟ فقالوا بأجمعهم: نحن نستغفر الله يا رسول الله, لو علمنا ما تعلم لسقط الاعتذار، والفضل لك يا رسول الله ولعلي فاستغفر لنا، فأنزل الله تبارك وتعالى: {سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين} وهذه في سورة المنافقون. [4]
عن أبي محمد الحسن بن علي ‘ في حديث طويل, قال ×: هل علمتم ما قد رميت به مارية القبطية، وما ادعي عليها في ولادتها إبراهيم بن رسول الله |؟ قالوا: لا يا سيدنا أنت أعلم، فخبرنا لنعلم. قال ×: إن مارية لما أهديت إلى جدي رسول الله | أهديت مع جوار قسمهن رسول الله | على أصحابه، وظن بمارية من دونهم، وكان معها خادم لها يقال له: جريح، يودبها بآداب الملوك، وأسلمت على يد رسول الله |، وأسلم جريح معها، وحسن إيمانهما وإسلامهما، فملكت مارية قلب رسول الله |. فحسدها بعض أزواج رسول الله |، فأقبلت زوجتان من أزواج رسول الله | إلى أبويهما تشكوان رسول الله | فعله وميله إلى مارية، وإيثاره إياها عليهما؛ حتى سولت لهما أنفسهما أن يقولا: إن مارية إنما حملت بإبراهيم من جريح، وكانوا لا يظنون جريحا خادما زمانا، فأقبل أبواهما إلى رسول الله | وهو جالس في مسجده فجلسنا بين يديه، وقالا: يا رسول الله، ما يحل لنا ولا يسعنا أن نكتمك ما ظهرنا عليه من خيانة واقعة بك. قال |: وما ذا تقولان؟ قالا: يا رسول الله، إن جريحا يأتي من مارية الفاحشة العظمى، وإن حملها من جريح وليس هو منك يا رسول الله, فتغير لون وجه رسول الله | وتلون, ثم قال: ويحكما، ما تقولان؟ فقالا: يا رسول الله، إننا خلفنا جريحا ومارية في مشربة، وهو يلاعبها ويروم منها ما يروم الرجال من النساء، فابعث إلى جريح فإنك تجده على هذه الحال فانفذ فيه حكمك وحكم الله تعالى, فقال النبي |: يا أبا الحسن يا أخي، خذ معك سيفك ذا الفقار حتى تمضي إلى مشربة مارية، فإن صادفتها وجريحا كما يصفان، فأخمدهما ضربا, فقام أمير المؤمنين × واتشح بسيفه وأخذه تحت ثوبه، فلما ولى من بين يدي رسول الله | رجع إليه، فقال: يا رسول الله، أكون فيما أمرتني كالسكة المحماة في النار؟ أو الشاهد، يرى ما لا يرى الغائب؟ فقال النبي |: فديتك يا علي، بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب, فأقبل علي × وسيفه في يده حتى تسور من فوق مشربة مارية وهي جالسة وجريح معها يؤدبها بآداب الملوك، ويقول لها: أعظمي رسول الله وكنيه وأكرميه، ونحوا من هذا الكلام، حتى نظر جريح إلى أمير المؤمنين × وسيفه مشهر بيده، ففزع منه جريح وأتى إلى نخلة في دار المشربة فصعد إلى رأسها ونزل أمير المؤمنين إلى المشربة، وكشفت الريح عن أثواب جريح، فانكشف ممسوحا، فقال: انزل يا جريح, فقال: يا أمير المؤمنين، آمن على نفسي؟ قال ×: آمن على نفسك. قال: فنزل جريح وأخذ بيده أمير المؤمنين × وجاء به إلى رسول الله | فأوقفه بين يديه، فقال له: يا رسول الله، إن جريحا خادم ممسوح, فولى النبي | وجهه إلى الحائط، وقال: يا جريح اكشف عن نفسك حتى يتبين كذبهما، ويحهما ما أجرأهما على الله وعلى رسوله، لعنهما الله, فكشف جريح عن أثوابه، فإذا هو خادم ممسوح كما وصف, فسقطا بين يدي رسول الله | وقالا: يا رسول الله التوبة، واستغفر لنا فلن نعود, فقال رسول الله |: لا تاب الله عليكما، فما ينفعكما استغفاري ومعكما هذه الجرأة على الله ورسوله؟ قالا: يا رسول الله إن استغفرت لنا رجونا أن يغفر لنا ربنا, فأنزل الله الآية {سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم}. [5]
{هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون (7) يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون (8)}
عن ابن عباس في حديث {هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} يعني القوة والقدرة لأمير المؤمنين × وأصحابه على المنافقين. [6]
عن أبي عبد الله × في حديث طويل في ذم بني العباس: إنك لو تعلم حالهم عند الله عز وجل وكيف هي كنت لهم أشد بغضا, ولو جهدت أو جهد أهل الأرض أن يدخلوهم في أشد ما هم فيهم من الإثم لم يقدروا, فلا يستفزنك الشيطان فإن العزة لله {ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون}, ألا تعلم أن من انتظر أمرنا وصبر على ما يرى من الأذى والخوف هو غدا في زمرتنا. [7]
عن أمير المؤمنين × في حديث طويل: فالإمام هو الشمس الطالعة على العباد بالأنوار, فلا تناله الأيدي والأبصار, وإليه الإشارة بقوله {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} والمؤمنون علي × وعترته, فالعزة للنبي | وللعترة, والنبي والعترة لا يفترقان إلى آخر الدهر. [8]
عن زبير بن بكار, عن بعض أصحابه قال: قال رجل للحسن ×: إن فيك كبرا, فقال: كلا, الكبر لله وحده, ولكن في عزة, قال الله عز وجل: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين}. [9]
بمصادر العامة
قيل للحسن بن علي ×: فيك عظمة، قال: لا، بل في عزة، قال الله تعالى: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين}. [10]
[1] إلى هنا في تفسير نور الثقلين وتفسير كنز الدقائق
[2] الكافي ج 1 ص 432, تأويل الآيات ص 669, الوافي ج 3 ص 915, إثبات الهداة ج 3 ص 13, البرهان ج 5 ص 384, اللوامع النورانية ص 745, بحار الأنوار ج 24 ص 336, تفسير نور الثقلين ج 5 ص 334, تفسير كنز الدقائق ج 13 ص 265, تفسير الصافي ج 5 ص 180 بعضه
[3] شرح الأخبار ج 2 ص 270
[4] الهداية الكبرى ص 119, إرشاد القلوب ج 2 ص 271, مدينة المعاجز ج 3 ص 167, بحار الأنوار ج 35 ص 279
[5] نوادر المعجزات ص 350. نحوه: الهداية الكبرى ص 297, دلائل الإمامة ص 385, البرهان ج 4 ص 53, حلية الأبرار ج 4 ص 536, مدينة المعاجز ج 7 ص 268
[6] مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 81, بحار الأنوار ج 41 ص 65
[7] الكافي ج 8 ص 37, الوافي ج 26 ص 452, إثبات الهداة ج 4 ص 145, بحار الأنوار ج 52 ص 256
[8] مشارق أنوار اليقين ص 177, بحار الأنوار ج 25 ص 170
[9] تأويل الآيات ص 670, تحف العقول ص 234, نزهة الناظر ص 75, مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 9, كشف الغمة ج 1 ص 574, العدد القوية ص 39, أعلام الدين ص 297, تسلية المجالس ج 2 ص 14, البرهان ج 5 ص 389, بحار الأنوار ج 24 ص 325, رياض الأبرار ج 1 ص 161, تفسير نور الثقلين ج 5 ص 336, تفسير كنز الدقائق ج 13 ص 270
[10] ربيع الأبرار ج 4 ص 5