باب 1- نفي الظلم و الجور عنه تعالى و إبطال الجبر و التفويض و إثبات الأمر بين الأمرين و إثبات الاختيار و الاستطاعة

الآيات آل عمران ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ النساء إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَ إِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَ يُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً و قال وَ لا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا و قال ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ و قال ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَ آمَنْتُمْ وَ كانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً الأنعام ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَ أَهْلُها غافِلُونَ وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَ ما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ الأعراف إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ وَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَ اللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ الأنفال ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ التوبة فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ يونس إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَ لكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ و قال تعالى قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ النحل وَ ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا الحج ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ  المؤمنون وَ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَ لَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ النور لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ سبأ قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَ لا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ فاطر وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَ إِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْ‏ءٌ وَ لَوْ كانَ ذا قُرْبى ص أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ الزمر إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَ لا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَ إِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى المؤمن وَ مَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ و قال تعالى مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها و قال تعالى الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ السجدة مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ الزخرف وَ ما ظَلَمْناهُمْ وَ لكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ ق لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَ ما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ الطور إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ و قال تعالى كُلُوا وَ اشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ و قال سبحانه كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ النجم وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى إلى قوله تعالى أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى وَ إِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى وَ أَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى  الواقعة جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ تفسير المبالغة في قوله تعالى بِظَلَّامٍ إما غير مقصودة أو هي لكثرة العبيد أو لبيان أن ما ينسبون إليه تعالى من جبرهم على المعاصي و تعذيبهم عليها غاية الظلم أو لبيان أنه لو اتصف تعالى به لكان صفة كمال فيجب كماله فيه و الفتيل الخيط الذي في شق النواة و في تفسير علي بن إبراهيم هي القشرة التي على النواة. قوله تعالى وَ إِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها أي إن تدع نفس أثقلتها الأوزار لحمل بعض أوزارها لم تجب لحمل شي‏ء منه و لو كان المدعو ذا قرابتها

 1-  لي، ]الأمالي للصدوق[ أبي عن سعد عن ابن يزيد عن ابن أبي عمير عن صباح بن عبد الحميد و هشام و حفص و غير واحد قالوا قال أبو عبد الله الصادق ع إنا لا نقول جبرا و لا تفويضا

 2-  يد، ]التوحيد[ ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ لي، ]الأمالي للصدوق[ السناني عن الأسدي عن سهل عن عبد العظيم الحسني عن الإمام علي بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه الرضا علي بن موسى ع قال خرج أبو حنيفة ذات يوم من عند الصادق ع فاستقبله موسى بن جعفر ع فقال له يا غلام ممن المعصية فقال ع لا تخلو من ثلاثة إما أن تكون من الله عز و جل و ليست منه فلا ينبغي للكريم أن يعذب عبده بما لم يكتسبه و إما أن تكون من الله عز و جل و من العبد فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف و إما أن تكون من العبد و هي منه فإن عاقبه الله فبذنبه و إن عفا عنه فبكرمه و جوده

 3-  ب، ]قرب الإسناد[ ابن حكيم عن البزنطي قال سألت أبا الحسن ع قال فقال لي اكتب قال الله تعالى يا ابن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء و بنعمتي أديت إلي  فرائضي و بقدرتي قويت على معصيتي خلقتك سميعا بصيرا أنا أولى بحسناتك منك و أنت أولى بسيئاتك مني لأني لا أسأل عما أفعل وَ هُمْ يُسْئَلُونَ قد نظمت جميع ما سألت عنه

 4-  ب، ]قرب الإسناد[ أحمد بن محمد عن البزنطي عن الرضا ع قال كان علي بن الحسين ع إذا ناجى ربه قال يا رب قويت على معصيتك بنعمتك قال و سمعته يقول في قول الله تبارك و تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَ إِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ فقال إن القدرية يحتجون بأولها و ليس كما يقولون أ لا ترى أن الله تبارك و تعالى يقول وَ إِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ و قال نوح على نبينا و آله و عليه السلام وَ لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ قال الأمر إلى الله يَهْدِي مَنْ يَشاءُ

 بيان اعلم أن لفظ القدري يطلق في أخبارنا على الجبري و على التفويضي و  المراد في هذا الخبر هو الثاني و قد أحال كل من الفريقين ما ورد في ذلك على الآخر قال شارح المقاصد لا خلاف في ذم القدرية و قد ورد في صحاح الأحاديث لعن الله القدرية على لسان سبعين نبيا و المراد بهم القائلون بنفي كون الخير و الشر كله بتقدير الله و مشيته سموا بذلك لمبالغتهم في نفيه و قيل لإثباتهم للعبد قدرة الإيجاد و ليس بشي‏ء لأن المناسب حينئذ القدري بضم القاف و قالت المعتزلة القدرية هم القائلون بأن الخير و الشر كله من الله و بتقديره و مشيته لأن الشائع نسبة الشخص إلى ما يثبته و يقول به كالجبرية و الحنفية و الشافعية لا إلى ما ينفيه

 و رد بأنه صح عن النبي ص قوله القدرية مجوس أمتي

 و قوله إذا قامت القيامة نادى مناد أهل الجمع أين خصماء الله فتقوم القدرية

و لا خفاء في أن المجوس هم الذين ينسبون الخير إلى الله و الشر إلى الشيطان و يسمونهما يزدان و أهرمن و أن من لا يفوض الأمور كلها إلى الله تعالى و يفرز بعضها فينسبه إلى نفسه يكون هو المخاصم لله تعالى و أيضا من يضيف القدر إلى نفسه و يدعي كونه الفاعل و المقدر أولى باسم القدري ممن يضيفه إلى ربه انتهى. و قال العلامة رحمه الله في شرحه على التجريد قال أبو الحسن البصري و محمود الخوارزمي وجه تشبيهه ع المجبرة بالمجوس من وجوه أحدها أن المجوس اختصوا بمقالات سخيفة و اعتقادات واهية معلومة البطلان و كذلك المجبرة. و ثانيها أن مذهب المجوس أن الله تعالى يخلق فعله ثم يتبرأ منه كما خلق إبليس ثم انتفى عنه و كذلك المجبرة قالوا إنه تعالى يفعل القبائح ثم يتبرأ منه. و ثالثها أن المجوس قالوا إن نكاح الأخوات و الأمهات بقضاء الله و قدره و إرادته و وافقهم المجبرة حيث قالوا إن نكاح المجوس لأخواتهم و أمهاتهم بقضاء الله و قدره و إرادته. و رابعها أن المجوس قالوا إن القادر على الخير لا يقدر على الشر و بالعكس  و المجبرة قالوا إن القدرة موجبة للفعل غير متقدمة عليه فالإنسان القادر على الخير لا يقدر على ضده و بالعكس انتهى. أقول سيتضح لك أن كلا منهما ضال صادق فيما نسب إلى الآخر و أن الحق غير ما ذهبا إليه و هو الأمر بين الأمرين

 5-  ب، ]قرب الإسناد[ بالإسناد المذكور قال سمعت الرضا ع يقول كان علي بن الحسين ع إذا ناجى ربه قال اللهم يا رب إنما قويت على معاصيك بنعمك

 6-  فس، ]تفسير القمي[ قوله إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا إلى قوله يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَ يَهْدِي بِهِ كَثِيراً قال الصادق ع إن هذا القول من الله رد على من زعم أن الله تبارك و تعالى يضل العباد ثم يعذبهم على ضلالتهم

 بيان الظاهر أنه ع جعل قوله تعالى يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَ يَهْدِي بِهِ كَثِيراً من جملة قول الذين كفروا على خلاف ما ذهب إليه المفسرون من أنه من كلامه تعالى جوابا لقولهم

 7-  ل، ]الخصال[ الخليل بن أحمد عن ابن منيع عن الحسن بن عرفة عن علي بن ثابت عن إسماعيل بن أبي إسحاق عن ابن أبي ليلى عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله ص صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب المرجئة و القدرية

 8-  كنز الكراجكي، عن محمد بن علي بن محمد بن الصخر البصري عن عمر بن محمد بن سيف عن علي بن محمد بن مهرويه القزويني عن داود بن سليمان عن الرضا عن آبائه ع مثله

 بيان قال الكراجكي ظنت المعتزلة أن الشيعة هم المرجئة لقولهم إنا نرجو من الله تعالى العفو عن المؤمن إذا ارتكب معصية و مات قبل التوبة و هذا غلط  منهم في التسمية لأن المرجئة مشتق من الإرجاء و هو التأخير بل هم الذين أخروا الأعمال و لم يعتقدوا من فرائض الإيمان ثم قال إن المعتزلة لها من الزلات الفظيعة ما يكثر تعداده و قد صنف ابن الراوندي كتاب فضائحهم فأورد فيه جملا من اعتقاداتهم و آراء شيوخهم مما ينافر العقول و يضاد شريعة الرسول

 و قد وردت الأخبار بذمهم عن أهل البيت ع و لعنهم جعفر محمد بن الصادق ع فقال لعن الله المعتزلة أرادت أن توحدت فألحدت و رامت أن ترفع التشبيه فأثبتت

 9-  ل، ]الخصال[ محمد بن علي بن بشار القزويني عن المظفر بن أحمد و علي بن محمد بن سليمان عن علي بن جعفر البغدادي عن جعفر بن محمد بن مالك الكوفي عن الحسن بن راشد عن علي بن سالم عن أبيه قال قال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق ع أدنى ما يخرج به الرجل من الإيمان أن يجلس إلى غال و يستمع إلى حديثه و يصدقه على قوله إن أبي حدثني عن أبيه عن جده ع أن رسول الله ص قال صنفان من أمتي لا نصيب لهما في الإسلام الغلاة و القدرية

 10-  عد، ]العقائد[ اعتقادنا في الاستطاعة ما قاله موسى بن جعفر ع حين قيل له أ يكون العبد مستطيعا قال نعم بعد أربع خصال أن يكون مخلى السرب صحيح الجسم سليم الجوارح له سبب وارد من الله عز و جل فإذا تمت هذه فهو مستطيع فقيل له مثل أي شي‏ء فقال يكون الرجل مخلى السرب صحيح الجسم سليم الجوارح لا يقدر أن يزني إلا أن يرى امرأة فإذا وجد المرأة فإما أن يعصم فيمتنع كما امتنع يوسف و إما أن يخلي بينه و بينها فيزني و هو زان و لم يطع الله بإكراه و لم يعص بغلبة

   -11  و سئل الصادق ع عن قول الله عز و جل وَ قَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَ هُمْ سالِمُونَ قال مستطيعون للأخذ بما أمروا به و الترك لما نهوا عنه و بذلك ابتلوا

 12-  و قال أبو جعفر ع في التوراة مكتوب مسطور يا موسى إني خلقتك و اصطفيتك و قويتك و أمرتك بطاعتي و نهيتك عن معصيتي فإن أطعتني أعنتك على طاعتي و إن عصيتني لم أعنك على معصيتي و لي المنة عليك في طاعتك و لي الحجة عليك في معصيتك

 13-  فس، ]تفسير القمي[ في رواية أبي الجارود قوله كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقاً هَدى وَ فَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ قال خلقهم حين خلقهم مؤمنا و كافرا و شقيا و سعيدا و كذلك يعودون يوم القيامة مهتد و ضال يقول إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ و هم القدرية الذين يقولون لا قدر و يزعمون أنهم قادرون على الهدى و الضلالة و ذلك إليهم إن شاءوا اهتدوا و إن شاءوا ضلوا و هم مجوس هذه الأمة و كذب أعداء الله المشية و القدرة لله كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ من خلقه الله شقيا يوم خلقه كذلك يعود إليه و من خلقه سعيدا يوم خلقه كذلك يعود إليه سعيدا قال رسول الله ص الشقي من شقي في بطن أمه و السعيد من سعد في بطن أمه

 14-  ل، ]الخصال[ الفامي و ابن مسرور عن ابن بطة عن الصفار و محمد بن علي بن محبوب عن ابن عيسى عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن حريز عن أبي عبد الله ع قال الناس في القدر على ثلاثة أوجه رجل زعم أن الله عز و جل أجبر الناس على المعاصي فهذا قد ظلم الله عز و جل في حكمه و هو كافر و رجل يزعم أن الأمر  مفوض إليهم فهذا وهن الله في سلطانه فهو كافر و رجل يقول إن الله عز و جل كلف العباد ما يطيقون و لم يكلفهم ما لا يطيقون فإذا أحسن حمد الله و إذا أساء استغفر الله فهذا مسلم بالغ

 يد، ]التوحيد[ الوراق عن ابن بطة مثله

 15-  ل، ]الخصال[ أبي عن علي عن أبيه عن الحسن بن الحسن بن الفارسي عن سليمان بن جعفر البصري عن عبد الله بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه عن علي ع قال قال رسول الله ص إن الله عز و جل لما خلق الجنة خلقها من لبنتين لبنة من ذهب و لبنة من فضة و جعل حيطانها الياقوت و سقفها الزبرجد و حصباءها اللؤلؤ و ترابها الزعفران و المسك الأزفر فقال لها تكلمي فقالت لا إله إلا أنت الحي القيوم قد سعد من يدخلني فقال عز و جل بعزتي و عظمتي و جلالي و ارتفاعي لا يدخلها مدمن خمر و لا سكير و لا قتات و هو النمام و لا ديوث و هو القلطبان و لا قلاع و هو الشرطي و لا زنوق و هو الخنثى و لا خيوف و هو النباش و لا عشار و لا قاطع رحم و لا قدري

 توضيح السكير بالكسر و تشديد الكاف الكثير السكر و الفرق بينه و بين المدمن إما بكون المراد بالخمر ما يتخذ من العنب و بالسكير من يسكر من غيره أو بكون المراد بالمدمن أعم ممن يسكر و شرط السلطان نخبة أصحابه الذين يقدمهم على غيرهم من جنده و النسبة إليهم شرطي كتركي و لم أجد اللغويين فسروا الزنوق و الخيوف بما فسرا به في الخبر

 16-  ل، ]الخصال[ أبي و ابن الوليد عن أحمد بن إدريس و محمد العطار عن الأشعري عن محمد بن الحسين بإسناد له يرفعه قال قال رسول الله ص لا يدخل الجنة مدمن  خمر و لا سكير و لا عاق و لا شديد السواد و لا ديوث و لا قلاع و هو الشرطي و لا زنوق و هو الخنثى و لا خيوف و هو النباش و لا عشار و لا قاطع رحم و لا قدري

 قال الصدوق رحمه الله يعني بشديد السواد الذي لا يبيض شي‏ء من شعر رأسه و لا من شعر لحيته مع كبر السن و يسمى الغربيب

 17-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ السناني عن الأسدي عن سهل عن عبد العظيم الحسني عن إبراهيم بن أبي محمود قال سألت أبا الحسن الرضا ع عن قول الله عز و جل وَ تَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ فقال إن الله تبارك و تعالى لا يوصف بالترك كما يوصف خلقه و لكنه متى علم أنهم لا يرجعون عن الكفر و الضلال منعهم المعاونة و اللطف و خلا بينهم و بين اختيارهم قال و سألته عن قول الله عز و جل خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ قال الختم هو الطبع على قلوب الكفار عقوبة على كفرهم كما قال تعالى بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا قال و سألته عن الله عز و جل هل يجبر عباده على المعاصي فقال بل يخيرهم و يمهلهم حتى يتوبوا قلت فهل يكلف عباده ما لا يطيقون فقال كيف يفعل ذلك و هو يقول وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ثم قال ع حدثني أبي موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد ع أنه قال من زعم أن الله يجبر عباده على المعاصي أو يكلفهم ما لا يطيقون فلا تأكلوا ذبيحته و لا تقبلوا شهادته و لا تصلوا وراءه و لا تعطوه من الزكاة شيئا

 ج، ]الإحتجاج[ مرسلا عن الحسني مثله

 18-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ تميم القرشي عن أبيه عن أحمد بن علي الأنصاري عن يزيد بن عمير بن معاوية الشامي قال دخلت على علي بن موسى الرضا ع بمرو فقلت له يا ابن  رسول الله روي لنا عن الصادق جعفر بن محمد ع أنه قال لا جبر و لا تفويض بل أمر بين أمرين فما معناه فقال من زعم أن الله يفعل أفعالنا ثم يعذبنا عليها فقد قال بالجبر و من زعم أن الله عز و جل فوض أمر الخلق و الرزق إلى حججه ع فقد قال بالتفويض فالقائل بالجبر كافر و القائل بالتفويض مشرك فقلت له يا ابن رسول الله فما أمر بين أمرين فقال وجود السبيل إلى إتيان ما أمروا به و ترك ما نهوا عنه فقلت له فهل لله عز و جل مشية و إرادة في ذلك فقال أما الطاعات فإرادة الله و مشيته فيها الأمر بها و الرضا لها و المعاونة عليها و إرادته و مشيته في المعاصي النهي عنها و السخط لها و الخذلان عليها قلت فلله عز و جل فيها القضاء قال نعم ما من فعل يفعله العباد من خير و شر إلا و لله فيه قضاء قلت فما معنى هذا القضاء قال الحكم عليهم بما يستحقونه على أفعالهم من الثواب و العقاب في الدنيا و الآخرة

 ج، ]الإحتجاج[ رواه مرسلا مثله

 19-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ الدقاق عن محمد بن الحسن الطائي عن سهل بن زياد عن علي بن جعفر الكوفي قال سمعت سيدي علي بن محمد ع يقول حدثني أبي محمد بن علي عن أبيه الرضا علي بن موسى عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه ع و حدثنا محمد بن عمر الحافظ البغدادي عن إسحاق بن جعفر العلوي عن أبيه عن سليمان بن محمد القرشي عن إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي ع و حدثنا أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي الغرائمي عن أحمد بن محمد بن رميح النسوي عن عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر عن عبد الوهاب بن عيسى  المروزي عن الحسن بن علي بن محمد البلوي عن محمد بن عبد الله بن نجيح عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن أبيه ع و حدثنا أحمد بن الحسن القطان عن السكري عن الجوهري عن العباس بن بكار الضبي عن أبي بكر الهذلي عن عكرمة عن ابن عباس قالوا لما انصرف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع من صفين قام إليه شيخ ممن شهد الوقعة معه فقال يا أمير المؤمنين أخبرنا عن مسيرنا هذا أ بقضاء من الله و قدر

 و قال الرضا في روايته عن آبائه عن الحسين بن علي ع دخل رجل من أهل العراق على أمير المؤمنين ع فقال أخبرنا عن خروجنا إلى أهل الشام أ بقضاء من الله و قدر فقال له أمير المؤمنين ع أجل يا شيخ فو الله ما علوتم تلعة و لا هبطتم بطن واد إلا بقضاء من الله و قدر فقال الشيخ عند الله أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين فقال مهلا يا شيخ لعلك تظن قضاء حتما و قدرا لازما لو كان كذلك لبطل الثواب و العقاب و الأمر و النهي و الزجر و لسقط معنى الوعد و الوعيد و لم تكن على مسي‏ء لائمة و لا لمحسن محمدة و لكان المحسن أولى باللائمة من المذنب و المذنب أولى بالإحسان من المحسن تلك مقالة عبدة الأوثان و خصماء الرحمن و قدرية هذه الأمة و مجوسها يا شيخ إن الله عز و جل كلف تخييرا و نهى تحذيرا و أعطى على القليل كثيرا و لم يعص مغلوبا و لم يطع مكرها و لم يخلق السماوات وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ قال فنهض الشيخ و هو يقول   

أنت الإمام الذي نرجو بطاعته يوم النجاة من الرحمن غفراناأوضحت من ديننا ما كان ملتبسا جزاك ربك عنا فيه إحسانافليس معذرة في فعل فاحشة قد كنت راكبها فسقا و عصيانالا لا و لا قابلا ناهيه أوقعه فيها عبدت إذا يا قوم شيطاناو لا أحب و لا شاء الفسوق و لا قتل الولي له ظلما و عدواناأنى يحب و قد صحت عزيمته ذو العرش أعلن ذاك الله إعلانا

لم يذكر محمد بن عمر الحافظ في آخر هذا الحديث من الشعر إلا بيتين من أوله

 يد، ]التوحيد[ زاد ابن عباس في حديثه فقال الشيخ يا أمير المؤمنين القضاء و القدر اللذان ساقانا و ما هبطنا واديا و ما علونا تلعة إلا بهما فقال أمير المؤمنين ع الأمر من الله و الحكم ثم تلا هذه الآية وَ قَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً

بيان التلعة ما ارتفع من الأرض. قوله عند الله أحتسب عنائي أي لما لم نكن مستحقين للأجر لكوننا مجبورين فأحتسب أجر مشقتي عند الله لعله يثيبني بلطفه و يحتمل أن يكون استفهاما على سبيل الإنكار و قال الجزري الاحتساب من الحسب كالاعتداد من العد و إنما قيل لمن ينوي بعمله وجه الله احتسبه لأن له حينئذ أن يعتد عمله و الاحتساب في الأعمال الصالحات و عند المكروهات هو البدار إلى طلب الأجر و تحصيله بالتسليم و الصبر أو باستعمال أنواع البر و القيام بها على الوجه المرسوم فيها طلبا للثواب المرجو منها انتهى. قوله ع و لكان المذنب أولى بالإحسان أقول لأنه حمله على ما هو قبيح عقلا و شرعا و صيره بذلك محلا للائمة الناس فهو أولى بالإحسان لتدارك ذلك و أيضا لما حمل المحسن على ما هو حسن عقلا و شرعا و صار بذلك موردا لمدح الناس فإن  عاقبه و أضر به تداركا لما أحسن إليه كان أولى من جمع الإضرارين على المسي‏ء و قيل إنما كان المذنب أولى بالإحسان لأنه لا يرضى بالذنب كما يدل عليه جبره عليه و المحسن أولى بالعقوبة لأنه لا يرضى بالإحسان لدلالة الجبر عليه و من لا يرضى بالإحسان أولى بالعقوبة من الذي يرضى به. و يحتمل أن يكون هذا متفرعا على ما مر أي إذا بطل الثواب و العقاب و الأمر و النهي و الوعد و الوعيد لكان المذنب أولى إلخ و وجهه أنه لم يبق حينئذ إلا الإحسان و العقوبة الدنيوية و المذنب في الدنيا متنعم بأنواع اللذات و ليست له مشقة التكاليف الشرعية و المحسن في التعب و النصب بارتكاب أفعال لا يشتهيها و ترك ما يلتذ بها مقتر عليه لاجتناب المحرمات من الأموال فحينئذ الإحسان الواقع للمذنب أكثر مما وقع للمحسن فهو أولى بالإحسان من المحسن و العقوبة الواقعة على المحسن أكثر مما وقع على المذنب فهو أولى بالعقوبة من المذنب و القدرية في هذا الخبر أطلقت على الجبرية و قوله لم يعص على بناء المفعول و كذا قوله و لم يطع مكرها بكسر الراء و في الفتح تكلف. و في الكافي بعد ذلك و لم يملك مفوضا إشارة إلى نفي التفويض التام بحيث لا يقدر على صرفهم عنه أو بحيث لا يكون لتوفيقه و هدايته مدخل فيه

 20-  يد، ]التوحيد[ ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ ابن مسرور عن ابن عامر عن معلى بن محمد البصري عن  الوشاء عن أبي الحسن الرضا ع قال سألته فقلت الله فوض الأمر إلى العباد قال الله أعز من ذلك قلت فأجبرهم على المعاصي قال الله أعدل و أحكم من ذلك ثم قال قال الله عز و جل يا ابن آدم أنا أولى بحسناتك منك و أنت أولى بسيئاتك مني عملت المعاصي بقوتي التي جعلتها فيك

 21-  يد، ]التوحيد[ ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ الطالقاني عن أحمد بن علي الأنصاري عن الهروي قال سمعت أبا الحسن علي بن موسى بن جعفر ع يقول من قال بالجبر فلا تعطوه من الزكاة و لا تقبلوا لهم شهادة إن الله تبارك و تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها و لا يحملها فوق طاقتها وَ لا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى

 22-  يد، ]التوحيد[ ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ أبي عن سعد عن البرقي عن أبيه عن الجعفري عن أبي الحسن الرضا ع قال ذكر عنده الجبر و التفويض فقال أ لا أعطيكم في هذا أصلا لا تختلفون فيه و لا يخاصمكم عليه أحد إلا كسرتموه قلنا إن رأيت ذلك فقال إن الله عز و جل لم يطع بإكراه و لم يعص بغلبة و لم يهمل العباد في ملكه هو المالك لما ملكهم و القادر على ما أقدرهم عليه فإن ائتمر العباد بطاعته لم يكن الله عنها صادا و لا منها مانعا و إن ائتمروا بمعصيته فشاء أن يحول بينهم و بين ذلك فعل و إن لم يحل و فعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيه ثم قال ع من يضبط حدود هذا الكلام فقد خصم من خالفه

 ج، ]الإحتجاج[ مرسلا مثله بيان لعل ذكر الائتمار ثانيا للمشاكلة أو هو بمعنى الهم أو الفعل من غير مشاورة كما ذكر في النهاية و القاموس

 23-  يد، ]التوحيد[ مع، ]معاني الأخبار[ حدثنا أبو الحسن محتمل بن سعيد السمرقندي الفقيه بأرض بلخ  قال حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد بن الزاهد السمرقندي بإسناد رفعه إلى الصادق ع أنه سأله رجل فقال له إن أساس الدين التوحيد و العدل و علمه كثير لا بد لعاقل منه فاذكر ما يسهل الوقوف عليه و يتهيأ حفظه فقال أما التوحيد فأن لا تجوز على ربك ما جاز عليك و أما العدل فأن لا تنسب إلى خالقك ما لامك عليه

 24-  فس، ]تفسير القمي[ قوله وَ قارُونَ وَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ لَقَدْ جاءَهُمْ إلى قوله سابِقِينَ فهذا رد على المجبرة الذين زعموا أن الأفعال لله عز و جل و لا صنع لهم فيها و لا اكتساب فرد الله عليهم فقال فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ و لم يقل بفعلنا لأنه عز و جل أعدل من أن يعذب العبد على فعله الذي يجبره عليه

 25-  فس، ]تفسير القمي[ محمد بن أبي عبد الله عن موسى بن عمران عن النوفلي عن السكوني قال قال أبو عبد الله ع وجدت لأهل القدر أسماء في كتاب الله إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَ سُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ فهم المجرمون

 26-  ج، ]الإحتجاج[ عن أبي حمزة الثمالي أنه قال قال أبو جعفر ع للحسن البصري إياك أن تقول بالتفويض فإن الله عز و جل لم يفوض الأمر إلى خلقه وهنا منه و ضعفا و لا أجبرهم على معاصيه ظلما الخبر

 27-  يد، ]التوحيد[ الدقاق عن الأسدي عن خنيس بن محمد عن محمد بن يحيى الخزاز عن المفضل عن أبي عبد الله ع قال لا جبر و لا تفويض و لكن أمر بين أمرين قال قلت ما أمر بين أمرين قال مثل ذلك مثل رجل رأيته على معصيته فنهيته فلم ينته فتركته ففعل تلك المعصية فليس حيث لم يقبل منك فتركته كنت أنت الذي أمرته بالمعصية

 28-  عد، ]العقائد[ اعتقادنا في الجبر و التفويض قول الصادق ع لا جبر و لا تفويض

   أقول و ساق الخبر إلى آخر ما رواه المفضل و قال الشيخ المفيد قدس الله روحه في شرحه الجبر هو الحمل على الفعل و الاضطرار إليه بالقسر و الغلبة و حقيقة ذلك إيجاد الفعل في الخلق من غير أن يكون له قدرة على دفعه و الامتناع من وجوده فيه و قد يعبر عما يفعله الإنسان بالقدرة التي معه على وجه الإكراه له على التخويف و الإلجاء أنه جبر و الأصل فيه ما فعل من غير قدرة على امتناعه منه حسب ما قدمناه و إذا تحقق القول في الجبر على ما وصفناه كان مذهب الجبر هو قول من يزعم أن الله تعالى خلق في العبد الطاعة من غير أن يكون للعبد قدرة على ضدها و الامتناع منها و خلق فيهم المعصية كذلك فهم المجبرة حقا و الجبر مذهبهم على التحقيق و التفويض هو القول برفع الحظر عن الخلق في الأفعال و الإباحة لهم مع ما شاءوا من الأعمال و هذا قول الزنادقة و أصحاب الإباحات و الواسطة بين هذين القولين أن الله أقدر الخلق على أفعالهم و مكنهم من أعمالهم و حد لهم الحدود في ذلك و رسم لهم الرسوم و نهاهم عن القبائح بالزجر و التخويف و الوعد و الوعيد فلم يكن بتمكينهم من الأعمال مجبرا لهم عليها و لم يفوض إليهم الأعمال لمنعهم من أكثرها و وضع الحدود لهم فيها و أمرهم بحسنها و نهاهم عن قبيحها فهذا هو الفصل بين الجبر و التفويض على ما بيناه

 29-  ج، ]الإحتجاج[ عن هشام بن الحكم قال سأل الزنديق أبا عبد الله ع فقال أخبرني عن الله عز و جل كيف لم يخلق الخلق كلهم مطيعين موحدين و كان على ذلك قادرا قال ع لو خلقهم مطيعين لم يكن لهم ثواب لأن الطاعة إذا ما كانت فعلهم لم تكن جنة و لا نار و لكن خلق خلقه فأمرهم بطاعته و نهاهم عن معصيته و احتج عليهم برسله و قطع عذرهم بكتبه ليكونوا هم الذين يطيعون و يعصون و يستوجبون بطاعتهم له الثواب و بمعصيتهم إياه العقاب قال فالعمل الصالح من العبد هو فعله  و العمل الشر من العبد هو فعله قال العمل الصالح العبد يفعله و الله به أمره و العمل الشر العبد يفعله و الله عنه نهاه قال أ ليس فعله بالآلة التي ركبها فيه قال نعم و لكن بالآلة التي عمل بها الخير قدر بها على الشر الذي نهاه عنه قال فإلى العبد من الأمر شي‏ء قال ما نهاه الله عن شي‏ء إلا و قد علم أنه يطيق تركه و لا أمره بشي‏ء إلا و قد علم أنه يستطيع فعله لأنه ليس من صفته الجور و العبث و الظلم و تكليف العباد ما لا يطيقون قال فمن خلقه الله كافرا يستطيع الإيمان و له عليه بتركه الإيمان حجة قال ع إن الله خلق خلقه جميعا مسلمين أمرهم و نهاهم و الكفر اسم يلحق الفعل حين يفعله العبد و لم يخلق الله العبد حين خلقه كافرا إنه إنما كفر من بعد أن بلغ وقتا لزمته الحجة من الله فعرض عليه الحق فجحده فبإنكاره الحق صار كافرا قال فيجوز أن يقدر على العبد الشر و يأمره بالخير و هو لا يستطيع الخير أن يعمله و يعذبه عليه قال إنه لا يليق بعدل الله و رأفته أن يقدر على العبد الشر و يريده منه ثم يأمره بما يعلم أنه لا يستطيع أخذه و الإنزاع عما لا يقدر على تركه ثم يعذبه على تركه أمره الذي علم أنه لا يستطيع أخذه الخبر

 عد، ]العقائد[ اعتقادنا في أفعال العباد أنها مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين و معنى ذلك أنه لم يزل الله عالما بمقاديرها. أقول قال الشيخ المفيد قدس الله روحه في شرح العقائد عند شرح هذا الكلام الذي ذكره أبو جعفر رحمه الله قد جاء به حديث غير معمول به و لا مرضي الإسناد.  و الأخبار الصحيحة بخلافه و ليس نعرف في لغة العرب أن العلم بالشي‏ء هو خلق له و لو كان ذلك كما قال المخالفون للحق لوجب أن يكون من علم النبي ص فقد خلقه و من علم السماء و الأرض فهو خالق لهما و من عرف بنفسه شيئا من صنع الله تعالى و قرره في نفسه أن يكون خالقا له و هذا محال لا يذهب وجه الخطأ فيه على بعض رعية الأئمة ع فضلا عنهم. فأما التقدير فهو الخلق في اللغة لأن التقدير لا يكون إلا بالفعل فأما بالعلم فلا يكون تقديرا و لا يكون أيضا بالفكر و الله متعال عن خلق الفواحش و القبائح على كل حال

 و قد روي عن أبي الحسن الثالث ع أنه سئل عن أفعال العباد أ هي مخلوقة لله تعالى فقال ع لو كان خالقا لها لما تبرأ منها و قد قال سبحانه أَنَّ اللَّهَ بَرِي‏ءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ و لم يرد البراءة من خلق ذواتهم و إنما تبرأ من شركهم و قبائحهم

و كتاب الله تعالى المقدم على الأحاديث و الروايات و إليه يتقاضى في صحيح الأخبار و سقيمها فما قضى به فهو الحق دون ما سواه قال الله تعالى الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلَقَهُ وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ فخبر بأن كل شي‏ء خلقه فهو حسن غير قبيح فلو كانت القبائح من خلقه لما حكم بحسن جميع ما خلق و قال تعالى ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فنفى التفاوت عن خلقه و قد ثبت أن الكفر و الكذب متفاوت في نفسه و المتضاد من الكلام متفاوت فكيف يجوز أن يطلقوا على الله تعالى أنه خالق لأفعال العباد و في أفعال العباد من التفاوت ما ذكرناه

 30-  ج، ]الإحتجاج[ مما أجاب به أبو الحسن علي بن محمد العسكري ع في رسالته إلى أهل الأهواز حين سألوه عن الجبر و التفويض أن قال اجتمعت الأمة قاطبة لا اختلاف بينهم في ذلك أن القرآن حق لا ريب فيه عند جميع فرقها فهم في حالة الاجتماع عليه مصيبون و على تصديق ما أنزل الله مهتدون لقول النبي ص لا تجتمع أمتي على ضلالة فأخبر النبي ص أن ما اجتمعت عليه الأمة و لم يخالف بعضها بعضا هو الحق فهذا معنى الحديث لا ما تأوله الجاهلون و لا ما قاله المعاندون من إبطال  حكم الكتاب و اتباع حكم الأحاديث المزورة و الروايات المزخرفة و اتباع الأهواء المردية المهلكة التي تخالف نص الكتاب و تحقيق الآيات الواضحات النيرات و نحن نسأل الله أن يوفقنا للصواب و يهدينا إلى الرشاد ثم قال ع فإذا شهد الكتاب بتصديق خبر و تحقيقه فأنكرته طائفة من الأمة و عارضته بحديث من هذه الأحاديث المزورة فصارت بإنكارها و دفعها الكتاب كفارا ضلالا و أصح خبر ما عرف تحقيقه من الكتاب مثل الخبر المجمع عليه من رسول الله ص حيث قال إني مستخلف فيكم خليفتين كتاب الله و عترتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي و إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض و اللفظة الأخرى عنه في هذا المعنى بعينه قوله ص إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي أهل بيتي و إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض أما إنكم إن تمسكتم بهما لن تضلوا فلما وجدنا شواهد هذا الحديث نصا في كتاب الله مثل قوله إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ ثم اتفقت روايات العلماء في ذلك لأمير المؤمنين ع أنه تصدق بخاتمه و هو راكع فشكر الله ذلك له و أنزل الآية فيه ثم وجدنا رسول الله ص قد أبانه من أصحابه بهذه اللفظة من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و قوله ص علي يقضي ديني و ينجز موعدي و هو خليفتي عليكم بعدي و قوله ص حيث استخلفه على المدينة فقال يا رسول الله أ تخلفني على النساء و الصبيان فقال أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فعلمنا أن الكتاب شهد بتصديق هذه الأخبار و تحقيق هذه الشواهد فيلزم الأمة الإقرار بها كانت هذه الأخبار موافقة للقرآن و وافق القرآن هذه الأخبار فلما وجدنا ذلك موافقا لكتاب الله وجدنا كتاب الله موافقا لهذه الأخبار و عليها دليلا كان الاقتداء بهذه الأخبار فرضا لا يتعداه إلا أهل العناد و الفساد

  ثم قال ع و مرادنا و قصدنا الكلام في الجبر و التفويض و شرحهما و بيانهما و إنما قدمنا ما قدمنا لكون اتفاق الكتاب و الخبر إذا اتفقا دليلا لما أردناه و قوة لما نحن مبينوه من ذلك إن شاء الله فقال الجبر و التفويض بقول الصادق جعفر بن محمد ع عند ما سئل عن ذلك فقال لا جبر و لا تفويض بل أمر بين أمرين و قيل فما ذا يا ابن رسول الله ص فقال صحة العقل و تخلية السرب و المهلة في الوقت و الزاد من قبل الراحلة و السبب المهيج للفاعل على فعله فهذه خمسة أشياء فإذا نقص العبد منها خلة كان العمل عنه مطرحا بحسبه و أنا أضرب لكل باب من هذه الأبواب الثلاثة و هي الجبر و التفويض و المنزلة بين المنزلتين مثلا يقرب المعنى للطالب و يسهل له البحث من شرحه و يشهد به القرآن بمحكم آياته و تحقق تصديقه عند ذوي الألباب و بالله العصمة و التوفيق ثم قال ع فأما الجبر فهو قول من زعم أن الله عز و جل جبر العباد على المعاصي و عاقبهم عليها و من قال بهذا القول فقد ظلم الله و كذبه و رد عليه قوله وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً و قوله جل ذكره ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ مع آي كثيرة في مثل هذا فمن زعم أنه مجبور على المعاصي فقد أحال بذنبه على الله عز و جل و ظلمه في عقوبته له و من ظلم ربه فقد كذب كتابه و من كذب كتابه لزمه الكفر باجتماع الأمة و المثل المضروب في ذلك مثل رجل ملك عبدا مملوكا لا يملك إلا نفسه و لا يملك عرضا من عروض الدنيا و يعلم مولاه ذلك منه فأمره على علم منه بالمصير إلى السوق بحاجة يأتيه بها و لا يملكه ثمن ما يأتيه به و علم المالك أن على الحاجة رقيبا لا يطمع أحد في أخذها منه إلا بما يرضى به من الثمن و قد وصف مالك هذا العبد نفسه بالعدل و النصفة و إظهار الحكمة و نفي الجور فأوعد عبده إن لم يأته بالحاجة أن يعاقبه فلما صار العبد إلى السوق و حاول أخذ الحاجة التي بعثه  المولى للإتيان بها وجد عليها مانعا يمنعه منها إلا بالثمن و لا يملك العبد ثمنها فانصرف إلى مولاه خائبا بغير قضاء حاجته فاغتاظ مولاه لذلك و عاقبه على ذلك فإنه كان ظالما متعديا مبطلا لما وصف من عدله و حكمته و نصفته و إن لم يعاقبه كذب نفسه أ ليس يجب أن لا يعاقبه و الكذب و الظلم ينفيان العدل و الحكمة تعالى الله عما يقول المجبرة علوا كبيرا ثم قال العالم ع بعد كلام طويل فأما التفويض الذي أبطله الصادق ع و خطأ من دان به فهو قول القائل إن الله تعالى فوض إلى العباد اختيار أمره و نهيه و أهملهم و في هذا كلام دقيق لم يذهب إلى غوره و دقته إلا الأئمة المهدية ع من عترة آل الرسول صلوات الله عليهم فإنهم قالوا لو فوض الله أمره إليهم على جهة الإهمال لكان لازما له رضا ما اختاره و استوجبوا به من الثواب و لم يكن عليهم فيما اجترموا العقاب إذا كان الإهمال واقعا و تنصرف هذه المقالة على معنيين إما أن يكون العباد تظاهروا عليه فألزموه قبول اختيارهم بآرائهم ضرورة كره ذلك أم أحبه فقد لزمه الوهن أو يكون جل و تقدس عجز عن تعبدهم بالأمر و النهي عن إرادته ففوض أمره و نهيه إليهم و أجراهما على محبتهم إذ عجز عن تعبدهم بالأمر و النهي على إرادته فجعل الاختيار إليهم في الكفر و الإيمان و مثل ذلك مثل رجل ملك عبدا ابتاعه ليخدمه و يعرف له فضل ولايته و يقف عند أمره و نهيه و ادعى مالك العبد أنه قادر قاهر عزيز حكيم فأمر عبده و نهاه و وعده على اتباع أمره عظيم الثواب و أوعده على معصيته أليم العقاب فخالف العبد إرادة مالكه و لم يقف عند أمره و نهيه فأي أمر أمره به أو نهي نهاه عنه لم يأتمر على إرادة المولى بل كان العبد يتبع إرادة نفسه و بعثه في بعض حوائجه و فيها الحاجة له فصار العبد بغير تلك الحاجة

  خلافا على مولاه و قصد إرادة نفسه و اتبع هواه فلما رجع إلى مولاه نظر إلى ما أتاه فإذا هو خلاف ما أمره فقال العبد اتكلت على تفويضك الأمر إلي فاتبعت هواي و إرادتي لأن المفوض إليه غير محظور عليه لاستحالة اجتماع التفويض و التحصير ثم قال ع فمن زعم أن الله فوض قبول أمره و نهيه إلى عباده فقد أثبت عليه العجز و أوجب عليه قبول كل ما عملوا من خير أو شر و أبطل أمر الله تعالى و نهيه ثم قال إن الله خلق الخلق بقدرته و ملكهم استطاعة ما تعبدهم به من الأمر و النهي و قبل منهم اتباع أمره و رضي بذلك منهم و نهاهم عن معصيته و ذم من عصاه و عاقبه عليها و لله الخيرة في الأمر و النهي يختار ما يريد و يأمر به و ينهى عما يكره و يثبت و يعاقب بالاستطاعة التي ملكها عباده لاتباع أمره و اجتناب معاصيه لأنه العدل و منه النصفة و الحكومة بالغ الحجة بالإعذار و الإنذار و إليه الصفوة يصطفي من يشاء من عباده اصطفى محمدا ص و بعثه بالرسالة إلى خلقه و لو فوض اختيار أموره إلى عباده لأجاز لقريش اختيار أمية بن الصلت و أبي مسعود الثقفي إذ كانا عندهم أفضل من محمد لما قالوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ يعنونهما بذلك فهذا هو القول بين القولين ليس بجبر و لا تفويض بذلك أخبر أمير المؤمنين ع حين سأله عباية بن ربعي الأسدي عن الاستطاعة فقال أمير المؤمنين ع تملكها من دون الله أو مع الله فسكت عباية بن ربعي فقال له قل يا عباية قال و ما أقول قال إن قلت تملكها مع الله قتلتك و إن قلت تملكها من دون الله قتلتك قال و ما أقول يا أمير المؤمنين قال تقول تملكها بالله الذي يملكها من دونك فإن ملككها كان ذلك من عطائه و إن سلبكها كان ذلك من بلائه و هو المالك لما ملكك و المالك لما عليه أقدرك أ ما سمعت الناس يسألون الحول و القوة حيث يقولون لا حول و لا قوة إلا بالله فقال الرجل و ما تأويلها يا أمير المؤمنين قال لا حول لنا عن معاصي الله إلا بعصمة الله و لا قوة لنا على طاعة الله إلا بعون الله قال فوثب الرجل و قبل يديه و رجليه  ثم قال ع في قوله تعالى وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ الصَّابِرِينَ وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ و في قوله سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ و في قوله أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ و في قوله وَ لَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ و في قوله فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَ أَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ و قول موسى إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ و قوله لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ و قوله ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ و قوله إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ و قوله لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا و قوله وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ و قوله وَ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَ لكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ إن جميعها جاءت في القرآن بمعنى الاختبار ثم قال ع فإن قالوا ما الحجة في قول الله تعالى يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ و ما أشبه ذلك قلنا فعلى مجاز هذه الآية يقتضي معنيين أحدهما أنه إخبار عن كونه تعالى قادرا على هداية من يشاء و ضلالة من يشاء و لو أجبرهم على أحدهما لم يجب لهم ثواب و لا عليهم عقاب على ما شرحناه و المعنى الآخر أن الهداية منه التعريف كقوله تعالى وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى و ليس كل آية مشتبه في القرآن كانت الآية حجة على حكم الآيات اللاتي أمر بالأخذ بها و تقليدها و هي قوله هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ الآية و قال فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ وفقنا الله و إياكم لما يحب و يرضى و يقرب لنا و لكم الكرامة و الزلفى و هدانا لما هو لنا و لكم خير و أبقى إنه الفعال لما يريد الحكيم الجواد المجيد

 31-  ج، ]الإحتجاج[ عن داود بن قبيصة قال سمعت الرضا ع يقول سئل أبي ع  هل منع الله عما أمر به و هل نهى عما أراد و هل أعان على ما لم يرد فقال ع أما ما سألت هل منع الله عما أمر به فلا يجوز ذلك و لو جاز ذلك لكان قد منع إبليس عن السجود لآدم و لو منع إبليس لعذره و لم يلعنه و أما ما سألت هل نهى عما أراد فلا يجوز ذلك و لو جاز ذلك لكان حيث نهى آدم عن أكل الشجرة أراد منه أكلها و لو أراد منه أكلها ما نادى عليه صبيان الكتاتيب وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى و الله تعالى لا يجوز عليه أن يأمر بشي‏ء و يريد غيره و أما ما سألت عنه من قولك هل أعان على ما لم يرد فلا يجوز ذلك و جل الله تعالى عن أن يعين على قتل الأنبياء و تكذيبهم و قتل الحسين بن علي و الفضلاء من ولده و كيف يعين على ما لم يرد و قد أعد جهنم لمخالفيه و لعنهم على تكذيبهم لطاعته و ارتكابهم لمخالفته و لو جاز أن يعين على ما لم يرد لكان أعان فرعون على كفره و ادعائه أنه رب العالمين أ فترى أراد الله من فرعون أن يدعي الربوبية يستتاب قائل هذا فإن تاب من كذبه على الله و إلا ضرب عنقه

 32-  ج، ]الإحتجاج[ و روي عن علي بن محمد العسكري ع أن أبا الحسن موسى بن جعفر ع قال إن الله خلق الخلق فعلم ما هم إليه صائرون فأمرهم و نهاهم فما أمرهم به من شي‏ء فقد جعل لهم السبيل إلى الأخذ به و ما نهاهم عنه من شي‏ء فقد جعل لهم السبيل إلى تركه و لا يكونون آخذين و لا تاركين إلا بإذنه و ما جبر الله أحدا من خلقه على معصيته بل اختبرهم بالبلوى كما قال تعالى لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا

 قوله ع و لا يكونون آخذين و لا تاركين إلا بإذنه أي بتخليته و علمه

   -33  ج، ]الإحتجاج[ و روي أنه دخل أبو حنيفة المدينة و معه عبد الله بن مسلم فقال له يا أبا حنيفة إن هاهنا جعفر بن محمد من علماء آل محمد ع فاذهب بنا إليه نقتبس منه علما فلما أتيا إذا هما بجماعة من شيعته ينتظرون خروجه أو دخولهم عليه فبينما هم كذلك إذ خرج غلام حدث فقام الناس هيبة له فالتفت أبو حنيفة فقال يا ابن مسلم من هذا قال هذا موسى ابنه قال و الله لأجبهنه بين يدي شيعته قال مه لن تقدر على ذلك قال و الله لأفعلنه ثم التفت إلى موسى ع فقال يا غلام أين يضع الغريب حاجته في بلدتكم هذه قال يتوارى خلف الجدار و يتوقى أعين الجار و شطوط الأنهار و مسقط الثمار و لا يستقبل القبلة و لا يستدبرها فحينئذ يضع حيث شاء ثم قال يا غلام ممن المعصية قال يا شيخ لا تخلو من ثلاث إما أن تكون من الله و ليس من العبد شي‏ء فليس للحكيم أن يأخذ عبده بما لم يفعله و إما أن تكون من العبد و من الله و الله أقوى الشريكين فليس للشريك الأكبر أن يأخذ الشريك الأصغر بذنبه و إما أن تكون من العبد و ليس من الله شي‏ء فإن شاء عفا و إن شاء عاقب قال فأصابت أبا حنيفة سكتة كأنما ألقم فوه الحجر قال فقلت له أ لم أقل لك لا تتعرض لأولاد رسول الله ص

   و في ذلك يقول الشاعر هذه الأبيات

لم تخل أفعالنا اللاتي نذم بها. إحدى ثلاث معان حين نأتيها.إما تفرد بارينا بصنعتها. فيسقط اللوم عنا حين ننشيها.أو كان يشركنا فيها فيلحقه. ما سوف يلحقنا من لائم فيها.أو لم يكن لإلهي في جنايتها. ذنب فما الذنب إلا ذنب جانيها

 فس، ]تفسير القمي[ و أما الرد على المجبرة الذين قالوا ليس لنا صنع و نحن مجبرون يحدث الله لنا الفعل عند الفعل و إنما الأفعال هي منسوبة إلى الناس على المجاز لا على الحقيقة و تأولوا في ذلك آيات من كتاب الله عز و جل لم يعرفوا معناها مثل قوله وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ و قوله فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً و غير ذلك من الآيات التي تأويلها على خلاف معانيها و فيما قالوه إبطال الثواب و العقاب و إذا قالوا ذلك ثم أقروا بالثواب و العقاب نسبوا الله إلى الجور و أنه يعذب على غير اكتساب و فعل تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا أن يعاقب أحدا على غير فعل و بغير حجة واضحة عليه و القرآن كله رد عليهم قال الله تبارك و تعالى لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ فقوله عز و جل لها و عليها هو على الحقيقة لفعلها و قوله فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ و قوله كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ و قوله ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ و قوله وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى و قوله إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ يعني بينا له طريق الخير و طريق الشر إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً و قوله وَ عاداً وَ ثَمُودَ وَ قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَ كانُوا مُسْتَبْصِرِينَ وَ قارُونَ وَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ لَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَ ما كانُوا سابِقِينَ فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فلم يقل بفعلنا فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَ مِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَ مِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَ مِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَ ما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ و مثله كثير

   أقول سيأتي مثل هذا الكلام بوجه أبسط في كتاب القرآن في تفسير النعماني فيما رواه عن أمير المؤمنين ع

 34-  يد، ]التوحيد[ المفسر بإسناده إلى أبي محمد ع قال قال الرضا ع ما عرف الله من شبهه بخلقه و لا وصفه بالعدل من نسب إليه ذنوب عباده الخبر

 35-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ ابن عبدوس عن ابن قتيبة عن حمدان بن سليمان قال كتبت إلى الرضا ع أسأله عن أفعال العباد أ مخلوقة أم غير مخلوقة فكتب ع أفعال العباد مقدرة في علم الله عز و جل قبل خلق العباد بألفي عام

 36-  يد، ]التوحيد[ ل، ]الخصال[ ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ أبو الحسن محمد بن عمرو بن علي البصري عن علي بن الحسن الميثمي عن علي بن مهرويه القزويني عن أبي أحمد الغازي عن علي بن موسى الرضا عن آبائه عن الحسين بن علي ع قال سمعت أبي علي بن أبي طالب ع يقول الأعمال على ثلاثة أحوال فرائض و فضائل و معاصي فأما الفرائض فبأمر الله تعالى و برضى الله و بقضائه و تقديره و مشيته و علمه و أما الفضائل فليست بأمر الله و لكن برضى الله و بقضاء الله و بقدر الله و بمشية الله و بعلم الله و أما المعاصي فليست بأمر الله و لكن بقضاء الله و بقدر الله و بمشية الله و بعلمه ثم يعاقب عليها

 يد، ]التوحيد[ ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ قال مصنف هذا الكتاب المعاصي بقضاء الله معناه بنهي الله لأن حكمه عز و جل فيها على عباده الانتهاء عنها و معنى قوله بقدر الله أي بعلم الله بمبلغها  و مقدارها و معنى قوله بمشية الله فإنه عز و جل شاء أن لا يمنع العاصي إلا بالزجر و القول و النهي و التحذير دون الجبر و المنع بالقوة و الدفع بالقدرة

 37-  مع، ]معاني الأخبار[ ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ ابن عبدوس عن ابن قتيبة عن حمدان عن الهروي قال سمعت أبا الحسن الرضا ع يقول أفعال العباد مخلوقة فقلت يا ابن رسول الله ما معنى مخلوقة قال مقدرة

 38-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ ابن عبدوس عن ابن قتيبة عن الفضل عن الرضا ع فيما كتب للمأمون من محض الإسلام أن الله تبارك و تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها و أن أفعال العباد مخلوقة لله خلق تقدير لا خلق تكوين و اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ و لا نقول بالجبر و التفويض الخبر

 39-  يد، ]التوحيد[ ابن الوليد عن الصفار عن ابن معروف عن ابن أبي نجران عن حماد بن عثمان عن عبد الرحيم القصير قال كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد الله ع جعلت فداك اختلف الناس في أشياء قد كتبت بها إليك فإن رأيت جعلت فداك أن تشرح لي جميع ما كتبت إليك اختلف الناس جعلت فداك بالعراق في المعرفة و الجحود فأخبرني جعلت فداك أ هما مخلوقتان و اختلفوا في القرآن فزعم قوم أن القرآن كلام الله غير مخلوق و قال آخرون كلام الله مخلوق و عن الاستطاعة أ قبل الفعل أو مع الفعل فإن أصحابنا قد اختلفوا فيه و رووا فيه و عن الله تبارك و تعالى هل يوصف بالصورة و بالتخطيط فإن رأيت جعلني الله فداك أن تكتب إلي بالمذهب الصحيح من التوحيد و عن الحركات أ هي مخلوقة أو غير مخلوقة و عن الإيمان ما هو فكتب صلى الله عليه على يدي عبد الملك بن أعين سألت عن المعرفة ما هي فاعلم رحمك الله أن المعرفة من صنع الله عز و جل في القلب مخلوقة و الجحود صنع الله في القلب  مخلوق و ليس للعباد فيهما من صنع و لهم فيهما الاختيار من الاكتساب فبشهوتهم الإيمان اختاروا المعرفة فكانوا بذلك مؤمنين عارفين و بشهوتهم الكفر اختاروا الجحود فكانوا بذلك كافرين جاحدين ضلالا و ذلك بتوفيق الله لهم و خذلان من خذله الله فبالاختيار و الاكتساب عاقبهم الله و أثابهم و سألت رحمك الله عن القرآن و اختلاف الناس قبلكم فإن القرآن كلام الله محدث غير مخلوق و غير أزلي مع الله تعالى ذكره و تعالى عن ذلك علوا كبيرا كان الله عز و جل و لا شي‏ء غير الله معروف و لا مجهول كان عز و جل و لا متكلم و لا مريد و لا متحرك و لا فاعل جل و عز ربنا فجميع هذه الصفات محدثة عند حدوث الفعل منه جل و عز ربنا و القرآن كلام الله غير مخلوق فيه خبر من كان قبلكم و خبر ما يكون بعدكم أنزل من عند الله على محمد رسول الله ص و سألت رحمك الله عن الاستطاعة للفعل فإن الله عز و جل خلق العبد و جعل له الآلة و الصحة و هي القوة التي يكون العبد بها متحركا مستطيعا للفعل و لا متحرك إلا و هو يريد الفعل و هي صفة مضافة إلى الشهوة التي هي خلق الله عز و جل مركبة في الإنسان فإذا تحركت الشهوة للإنسان اشتهى الشي‏ء و أراده فمن ثم قيل للإنسان مريد فإذا أراد الفعل و فعل كان مع الاستطاعة و الحركة فمن ثم قيل للعبد مستطيع متحرك فإذا كان الإنسان ساكنا غير مريد للفعل و كان معه الآلة و هي القوة و الصحة اللتان بهما تكون حركات الإنسان و فعله كان سكونه لعلة سكون الشهوة فقيل ساكن فوصف بالسكون فإذا اشتهى الإنسان و تحركت شهوته التي ركبت فيه اشتهى الفعل و تحرك بالقوة المركبة فيه و استعمل الآلة التي يفعل بها الفعل فيكون الفعل منه عند ما تحرك و اكتسبه فقيل فاعل و متحرك و مكتسب و مستطيع أ و لا ترى أن جميع ذلك صفات يوصف بها الإنسان و سألت رحمك الله عن التوحيد و ما ذهب إليه من قبلك فتعالى الله الذي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ تعالى الله عما يصفه الواصفون المشبهون الله تبارك و تعالى بخلقه المفترون على الله عز و جل فاعلم رحمك الله أن المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله عز و جل

  فأنف عن الله البطلان و التشبيه فلا نفي و لا تشبيه هو الله عز و جل الثابت الموجود تعالى الله عما يصفه الواصفون و لا تعد القرآن فتضل بعد البيان و سألت رحمك الله عن الإيمان فالإيمان هو إقرار باللسان و عقد بالقلب و عمل بالأركان فالإيمان بعضه من بعض و قد يكون العبد مسلما قبل أن يكون مؤمنا و لا يكون مؤمنا حتى يكون مسلما فالإسلام قبل الإيمان و هو يشارك الإيمان فإذا أتى العبد بكبيرة من كبائر المعاصي أو صغيرة من صغائر المعاصي التي نهى الله عز و جل عنها كان خارجا من الإيمان و ساقطا عنه اسم الإيمان و ثابتا عليه اسم الإسلام فإن تاب و استغفر عاد إلى الإيمان و لم يخرجه إلى الكفر و الجحود و الاستحلال و إذا قال للحلال هذا حرام و للحرام هذا حلال و دان بذلك فعندها يكون خارجا من الإيمان و الإسلام إلى الكفر و كان بمنزلة رجل دخل الحرم ثم دخل الكعبة فأحدثفي الكعبة حدثا فأخرج عن الكعبة و عن الحرم فضربت عنقه و صار إلى النار

 قال الصدوق رحمه الله كأن المراد من هذا الحديث ما كان فيه من ذكر القرآن و معنى ما فيه أنه غير مخلوق أي غير مكذوب و لا يعني به أنه غير محدث لأنه قد قال محدث غيره مخلوق و غير أزلي مع الله تعالى ذكره. بيان قوله على يدي عبد الملك أي أرسلت الكتاب معه قوله ع إن المعرفة من صنع الله أي أصل المعرفة أو كمالها من الله تعالى بعد اكتسابهم و تفكرهم فالمفيض للمعارف هو الرب تعالى و للتفكر و النظر و الطلب مدخل فيها و إنما يثابون و يعاقبون بفعل تلك المبادي و تركها أو المعنى أن المعرفة ليست إلا من قبله تعالى إما بإلقائها في قلوبهم أو ببيان الأنبياء و الحجج ع و إنما كلف العباد بقبول ذلك  و إقرارهم به ظاهرا و تخلية النفس قبل ذلك لطلب الحق عن العصبية و العناد و عما يوجب الحرمان عن الحق من تقليد أهل الفساد و هذا هو المراد بالاختيار من الاكتساب. ثم بين ع أن لتوفيق الله و خذلانه أيضا مدخلا في ذلك الاكتساب أيضا كما سيأتي تحقيقه و لعل المنع من إطلاق الخلق على القرآن إما للتقية مماشاة مع العامة أو لكونه موهما لمعنى آخر أطلق الكفار عليه بهذا المعنى فقالوا إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ كما أشار إليه الصدوق رحمه الله. قوله معروف و لا مجهول أي لم يكن مع الله شي‏ء يعرفه الخلق أو يجهلونه

 40-  يد، ]التوحيد[ أبي عن سعد عن ابن عيسى عن محمد البرقي عن أبي شعيب المحاملي عن أبي سليمان الجمال عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال سألته عن شي‏ء من الاستطاعة فقال ليست الاستطاعة من كلامي و لا من كلام آبائي

 قال الصدوق رحمه الله يعني بذلك أنه ليس من كلامي و لا من كلام آبائي أن يقول لله عز و جل إنه مستطيع كما قال الذين كانوا على عهد عيسى ع هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ بيان لعل منعه عن إطلاق الاستطاعة فيه تعالى لكونه استفعالا من الطاعة فلا يليق إطلاقه بجنابه تعالى أو لأن الاستطاعة إنما تطلق على القدرة المتفرعة على حصول الآلات و الأدوات و الله تعالى منزه عن ذلك و سيأتي تحقيق معنى الخبر

   -41  يد، ]التوحيد[ أبي و ابن الوليد معا عن سعد عن ابن عيسى عن الحسن بن فضال عن أبي جميلة عن محمد بن علي الحلبي عن أبي عبد الله ع في قول الله عز و جل وَ قَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَ هُمْ سالِمُونَ قال و هم مستطيعون يستطيعون الأخذ بما أمروا به و الترك لما نهوا عنه و بذلك ابتلوا قال و سألته عن رجل مات و ترك مائة ألف درهم و لم يحج حتى مات هل كان يستطيع الحج قال نعم إنما استغنى عنه بماله و صحته

 بيان ليس عنه في بعض النسخ و هو أظهر و مع وجوده يحتمل أن يكون عن بمعنى اللام كما قيل في قوله تعالى إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ و يحتمل أن يكون الاستغناء عنه كناية عن الترك و الباء بمعنى مع أي تركه مع وجود ماله و صحته

 42-  يد، ]التوحيد[ بهذا الإسناد عن ابن عيسى عن علي بن حديد عن جميل عن زرارة عن أبي عبد الله ع في قول الله عز و جل وَ يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ قال صارت أصلابهم كصياصي البقر يعني قرونها وَ قَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَ هُمْ سالِمُونَ قال و هم سالمون و هم مستطيعون

 43-  يد، ]التوحيد[ بهذا الإسناد عن ابن عيسى عن محمد البرقي عن محمد بن يحيى الصيرفي عن صباح الحذاء عن أبي جعفر ع قال سأله زرارة و أنا حاضر فقال أ فرأيت ما افترض الله علينا في كتابه و ما نهانا عنه جعلنا مستطيعين لما افترض علينا مستطيعين لترك ما نهانا عنه فقال نعم

 44-  يد، ]التوحيد[ بهذا الإسناد عن ابن عيسى عن سعيد بن جناح عن عوف بن عبد الله الأزدي عن عمه قال سألت أبا عبد الله ع عن الاستطاعة فقال و قد فعلوا فقلت نعم زعموا أنها لا تكون إلا عند الفعل و إرادة في حال الفعل لا قبله فقال أشرك القوم

   بيان قوله ع و قد فعلوا أي نفوا الاستطاعة أيضا بعد ما نفوا سائر ضروريات الدين أو المعنى أنهم فعلوا الفعل باختيارهم فكيف لا يستطيعون

 45-  يد، ]التوحيد[ بهذا الإسناد عن ابن عيسى عن علي بن عبد الله عن ابن أبي عمير عن أبي الحسن الحذاء عن المعلى بن خنيس قال قلت لأبي عبد الله ع ما يعني بقوله عز و جل وَ قَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَ هُمْ سالِمُونَ قال و هم مستطيعون

 46-  يد، ]التوحيد[ ابن الوليد عن سعد عن ابن عيسى و محمد بن عبد الحميد و ابن أبي الخطاب جميعا عن البزنطي عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله ع قال لا يكون العبد فاعلا و لا متحركا إلا و الاستطاعة معه من الله عز و جل و إنما وقع التكليف من الله عز و جل بعد الاستطاعة فلا يكون مكلفا للفعل إلا مستطيعا

 47-  يد، ]التوحيد[ عبد الله بن عبد الوهاب عن أحمد بن الفضل عن منصور بن عبد الله عن علي بن عبد الله عن ابن أبي الخطاب عن محمد بن أبي الحسين عن سهل المصيصي عنه ع مثله

 48-  يد، ]التوحيد[ أبي عن سعد عن ابن بزيع عن ابن أبي عمير عمن رواه من أصحابنا عن أبي عبد الله ع قال سمعته يقول لا يكون العبد فاعلا إلا و هو مستطيع و قد يكون مستطيعا غير فاعل و لا يكون فاعلا أبدا حتى يكون معه الاستطاعة

 49-  يد، ]التوحيد[ أبي و ابن الوليد معا عن سعد عن ابن عيسى عن علي بن عبد الله  عن أحمد بن محمد البرقي عن أبي عبد الله ع في قول الله تعالى وَ سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ قال أكذبهم الله في قولهم لو استطعنا لخرجنا معكم و قد كانوا مستطيعين للخروج

 50-  يد، ]التوحيد[ بهذا الإسناد عن أبي عيسى عن الحجال عن ثعلبة عن عبد الأعلى بن أعين عن أبي عبد الله ع في هذه الآية لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَ سَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَ لكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَ سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ إنهم كانوا يستطيعون للخروج و قد كان في العلم أنه لو كان عرضا قريبا و سفرا قاصدا لفعلوا

 51-  يد، ]التوحيد[ أبي و ابن الوليد عن سعد و الحميري هما عن ابن عيسى عن الحسن بن علي بن فضال عن أبي جميلة عن محمد الحلبي عن أبي عبد الله ع قال ما أمر العباد إلا بدون سعتهم فكل شي‏ء أمر الناس بأخذه فهم متسعون له و ما لا يتسعون له فهو موضوع عنهم و لكن الناس لا خير فيهم

 52-  يد، ]التوحيد[ ابن الوليد عن ابن أبان عن الحسين بن سعيد عن عبيد بن زرارة عن حمزة بن حمران قال سألت أبا عبد الله ع عن الاستطاعة فلم يجبني فدخلت عليه دخلة أخرى فقلت أصلحك الله إنه قد وقع في قلبي منها شي‏ء لا يخرجه إلا شي‏ء أسمعه منك قال فإنه لا يضرك ما كان في قلبك قلت أصلحك الله فإني أقول إن الله تعالى لم يكلف العباد إلا ما يستطيعون و إلا ما يطيقون فإنهم لا يصنعون شيئا من ذلك إلا بإرادة الله و مشيته و قضائه و قدره قال هذا دين الله الذي أنا عليه و آبائي أو كما قال

   قال الصدوق رحمه الله مشية الله و إرادته في الطاعات الأمر بها و في المعاصي النهي عنها و المنع منها بالزجر و التحذير

 53-  يد، ]التوحيد[ العطار عن أبيه عن ابن عيسى عن علي بن الحكم عن ابن بكير عن حمزة بن حمران قال قلت لأبي عبد الله ع إن لنا كلاما نتكلم به قال هاته قلت نقول إن الله عز و جل أمر و نهى و كتب الآجال و الآثار لكل نفس بما قدر لها و أراد و جعل فيهم من الاستطاعة لطاعته ما يعملون به ما أمرهم به و ما نهاهم عنه فإذا تركوا ذلك إلى غيره كانوا محجوجين بما صير فيهم من الاستطاعة و القوة لطاعته فقال هذا هو الحق إذا لم تعده إلى غيره

 54-  يد، ]التوحيد[ ابن الوليد عن الصفار عن ابن أبي الخطاب عن ابن أسباط قال سألت أبا الحسن الرضا ع عن الاستطاعة فقال يستطيع العبد بعد أربع خصال أن يكون مخلى السرب صحيح الجسم سليم الجوارح له سبب وارد من الله عز و جل قال قلت جعلت فداك فسرها لي قال أن يكون العبد مخلى السرب صحيح الجسم سليم الجوارح يريد أن يزني فلا يجد امرأة ثم يجدها فإما أن يعصم فيمتنع كما امتنع يوسف ع أو يخلي بينه و بين إرادته فيزني فيسمى زانيا و لم يطع الله بإكراه و لم يعص بغلبة

 بيان السبب الوارد من الله هو العصمة أو التخلية

 55-  يد، ]التوحيد[ ابن الوليد عن ابن أبان عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن الحسين بن المختار عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله ع قال إن الله عز و جل خلق الخلق فعلم ما هم صائرون إليه و أمرهم و نهاهم فما أمرهم به من شي‏ء فقد جعل لهم السبيل إلى الأخذ به و ما نهاهم عنه فقد جعل لهم السبيل إلى تركه و لا يكونون فيه آخذين و لا تاركين إلا بإذن الله عز و جل

 قال الصدوق رحمه الله يعني بعلمه

   -56  يد، ]التوحيد[ بهذا الإسناد عن الحسين عن فضالة عن أبان عن حمزة بن محمد الطيار قال سألت أبا عبد الله ع عن قول الله عز و جل وَ قَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَ هُمْ سالِمُونَ قال مستطيعون يستطيعون الأخذ بما أمروا به و الترك لما نهوا عنه و بذلك ابتلوا ثم قال ليس شي‏ء مما أمروا به و نهوا عنه إلا و من الله عز و جل فيه ابتلاء و قضاء

 سن، ]المحاسن[ ابن فضال عن أبي جميلة عن محمد الحلبي مثله

 57-  يد، ]التوحيد[ أبي عن سعد عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع قال ما كلف الله العباد كلفة فعل و لا نهاهم عن شي‏ء حتى جعل لهم الاستطاعة ثم أمرهم و نهاهم فلا يكون العبد آخذا و لا تاركا إلا باستطاعة متقدمة قبل الأمر و النهي و قبل الأخذ و الترك و قبل القبض و البسط

 58-  يد، ]التوحيد[ ابن الوليد عن الصفار عن ابن عيسى عن علي بن الحكم عن هشام بن سالم عن سليمان بن خالد قال سمعت أبا عبد الله ع يقول لا يكون من العبد قبض و لا بسط إلا باستطاعة متقدمة للقبض و البسط

 59-  يد، ]التوحيد[ أبي عن سعد عن ابن أبي الخطاب عن المحاملي و صفوان بن يحيى معا عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال سمعته يقول و عنده قوم يتناظرون في الأفاعيل و الحركات فقال الاستطاعة قبل الفعل لم يأمر الله عز و جل بقبض و لا بسط إلا و العبد لذلك مستطيع

   -60  يد، ]التوحيد[ أبي عن سعد عن ابن يزيد عن مروك بن عبيد عن عمرو رجل من أصحابنا عمن سأل أبا عبد الله ع فقال له إن لي أهل بيت قدرية يقولون نستطيع أن نعمل كذا و كذا و نستطيع أن لا نعمل قال فقال أبو عبد الله ع قل له هل تستطيع أن لا تذكر ما تكره و أن لا تنسى ما تحب فإن قال لا فقد ترك قوله و إن قال نعم فلا تكلمه أبدا فقد ادعى الربوبية

 61-  يد، ]التوحيد[ أبي عن سعد عن صالح بن أبي حماد عن أبي خالد السجستاني عن علي بن يقطين عن أبي إبراهيم ع قال مر أمير المؤمنين ع بجماعة بالكوفة و هم يختصمون بالقدر فقال لمتكلمهم أ بالله تستطيع أم مع الله أم من دون الله تستطيع فلم يدر ما يرد عليه فقال أمير المؤمنين ع إن زعمت أنك بالله تستطيع فليس إليك من الأمر شي‏ء و إن زعمت أنك مع الله تستطيع فقد زعمت أنك شريك معه في ملكه و إن زعمت أنك من دون الله تستطيع فقد ادعيت الربوبية من دون الله تعالى فقال يا أمير المؤمنين لا بل بالله أستطيع فقال أما إنك لو قلت غير هذا لضربت عنقك

   بيان لعله أراد ع بقوله بالله تستطيع أن الله يجبره على الفعل فلذا قال فليس إليك من الأمر شي‏ء و لما نفى المتكلم الثلاثة و قال بالله أستطيع علم أن مراده أني مستطيع قادر بما ملكني الله من الأسباب و الآلات فلذا لم يرد ع كلامه و قبل منه و يحتمل على بعد أن يكون اختار الشق الأول فقوله ع ليس إليك من الأمر شي‏ء أي لا تستقل في الفعل بأن تقدر على تحصيل جميع ما يتوقف عليه الفعل و الحاصل أنه لما كان قدريا تفويضيا قال ع إن اخترت هذا فقد أقررت ببطلان ما تعتقده من استقلال العبد و لا بد لك من اختياره

 62-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ يد، ]التوحيد[ تميم القرشي عن أبيه عن أحمد بن علي عن الهروي قال سأل المأمون الرضا ع عن قول الله عز و جل الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَ كانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً فقال إن غطاء العين لا يمنع من الذكر و الذكر لا يرى بالعيون و لكن الله شبه الكافرين بولاية علي بن أبي طالب ع بالعميان لأنهم كانوا يستثقلون قول النبي ص فيه و كانوا لا يستطيعون سمعا فقال المأمون فرجت عني فرج الله عنك

 63-  ف، ]تحف العقول[ كتب الحسن البصري إلى أبي محمد الحسن بن علي ع أما بعد فإنكم معشر بني هاشم الفلك الجارية في اللجج الغامرة و الأعلام النيرة الشاهرة أو كسفينة نوح ع التي نزلها المؤمنون و نجا فيها المسلمون كتبت إليك يا ابن رسول الله عند اختلافنا في القدر و حيرتنا في الاستطاعة فأخبرنا بالذي عليه رأيك و رأي آبائك ع فإن من علم الله علمكم و أنتم شهداء على الناس و الله الشاهد عليكم ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ فأجابه الحسن ع بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وصل إلي كتابك و لو لا ما ذكرته من حيرتك و حيرة من مضى قبلك إذا ما أخبرتك أما بعد فمن لم يؤمن بالقدر خيره و شره إن الله يعلمه فقد كفر و من أحال المعاصي على الله فقد فجر إن الله لم يطع مكرها و لم يعص مغلوبا و لم يهمل العباد سدى من المملكة بل هو المالك لما ملكهم و  القادر على ما عليه أقدرهم بل أمرهم تخييرا و نهاهم تحذيرا فإن ائتمروا للطاعة لم يجدوا عنها صادا و إن انتهوا إلى المعصية فشاء أن يمن عليهم بأن يحول بينهم و بينها فعل و إن لم يفعل فليس هو الذي حملهم عليها جبرا و لا ألزموها كرها بل من عليهم بأن بصرهم و عرفهم و حذرهم و أمرهم و نهاهم لا جبلا لهم على ما أمرهم به فيكونوا كالملائكة و لا جبرا لهم على ما نهاهم عنه و فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ وَ السَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى

 أقول سيأتي في كتاب الاحتجاجات بسند آخر أبسط من هذا

 64-  سن، ]المحاسن[ علي بن الحكم عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع قال إن الله أكرم من أن يكلف الناس ما لا يطيقون و الله أعز من أن يكون في سلطانه ما لا يريد

 65-  سن، ]المحاسن[ أبي عن حماد عن الحسين بن المختار عن حمزة بن حمران قال قلت له إنا نقول إن الله لم يكلف العباد إلا ما آتاهم و كل شي‏ء لا يطيقونه فهو عنهم موضوع و لا يكون إلا ما شاء الله و قضى و قدر و أراد فقال و الله إن هذا لديني و دين آبائي

 66-  سن، ]المحاسن[ علي بن الحكم عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع قال ما كلف الله العباد إلا ما يطيقون و إنما كلفهم في اليوم و الليلة خمس صلوات و كلفهم من كل مائتي درهم خمسة دراهم و كلفهم صيام شهر رمضان في السنة و كلفهم حجة واحدة و هم يطيقون أكثر من ذلك و إنما كلفهم دون ما يطيقون و نحو هذا

 67-  سن، ]المحاسن[ أبي عن العباس بن عامر عن محمد بن يحيى الخثعمي عن عبد الرحيم القصير عن أبي عبد الله ع قال سأله حفص الأعور و أنا أسمع جعلني الله فداك قول الله وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال ذلك القوة في المال أو اليسار قال فإن كانوا موسرين فهم ممن يستطيع إليه السبيل قال نعم فقال له  ابن سبابة بلغنا عن أبي جعفر ع أنه كان يقول يكتب وفد الحاج فقطع كلامه فقال كان أبي يقول يكتبون في الليلة التي قال الله فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ قال فإن لم يكتب في تلك الليلة يستطيع الحج قال لا معاذ الله فتكلم حفص فقال لست من خصومتكم في شي‏ء هكذا الأمر

 68-  ضا، ]فقه الرضا عليه السلام[ أروي أن رجلا سأل العالم ع فقال يا ابن رسول الله أ ليس أنا مستطيع لما كلفت فقال له ع ما الاستطاعة عندك قال القوة على العمل قال له ع قد أعطيت القوة إن أعطيت المعونة قال له الرجل فما المعونة قال التوفيق قال فلم إعطاء التوفيق قال لو كنت موفقا كنت عاملا و قد يكون الكافر أقوى منك و لا يعطى التوفيق فلا يكون عاملا ثم قال ع أخبرني عنك من خلق فيك القوة قال الرجل الله تبارك و تعالى قال العالم هل تستطيع بتلك القوة دفع الضر عن نفسك و أخذ النفع إليها بغير العون من الله تبارك و تعالى قال لا قال فلم تنتحل ما لا تقدر عليه ثم قال أين أنت عن قول العبد الصالح و ما توفيقي إلا بالله

 69-  و أروي أن رجلا سأله عن الاستطاعة فقال أ تستطيع أن تعمل ما لم يكن قال لا قال أ تستطيع أن تنتهي عما يكون قال لا قال ففيما أنت مستطيع قال الرجل لا أدري فقال العالم ع إن الله عز و جل خلق خلقا فجعل فيهم آلة الفعل ثم لم يفوض إليهم فهم مستطيعون للفعل في وقت الفعل مع الفعل قال له الرجل فالعباد مجبورون فقال لو كانوا مجبورين كانوا معذورين قال الرجل ففوض إليهم قال لا قال فما هو قال العالم ع علم منهم فعلا فجعل فيهم آلة الفعل فإذا فعلوا كانوا مستطيعين

   بيان ما ورد في هذا الخبر من عدم تقدم الاستطاعة على الفعل موافقا لأخبار أوردها الكليني في ذلك يحتمل وجوها الأول التقية لموافقته لما ذهب إليه الأشاعرة من أن للعبد قدرة و كسبا مقارنة للفعل غير مؤثرة فيه و لمخالفته لما سبق من الأخبار الكثيرة الدالة على تقدم الاستطاعة و أن من لا يقول به فهو مشرك. الثاني أن يكون المراد بالاستطاعة في أمثال هذا الخبر الاستقلال بالفعل بحيث لا يمكن أن يمنعه عنه مانع و لا يكون هذا إلا في حال الفعل إذ يمكن قبل الفعل أن يزيله الله عن الفعل و لو بإعدامه و إزالة عقله أو شي‏ء آخر مما يتوقف عليه الفعل. الثالث أن يكون المعنى أن في حال الفعل يظهر الاستطاعة و يعلم أنه كان مستطيعا قبله بأن أذن الله له في الفعل كما ورد أن بعد القضاء لا بداء و الأول أظهر

 جا، ]المجالس للمفيد[ علي بن مالك النحوي عن محمد بن الفضل عن محمد بن أحمد الكاتب عن يموت بن المزرع عن عيسى بن إسماعيل عن الأصمعي عن عيسى بن عمر قال كان ذو الرمة الشاعر يذهب إلى النفي في الأفعال و كان رؤبة بن العجاج إلى الإثبات فيها فاجتمعا في يوم من أيامهما عند بلال بن أبي بردة و هو والي البصرة و بلال يعرف ما بينهما من الخلاف فحضهما على المناظرة فقال رؤبة و الله ما يفحص طائر أفحوصا و لا يقرمص سبع قرموصا إلا كان ذلك بقضاء الله و قدره فقال له ذو الرمة و الله ما أذن الله للذئب أن يأخذ حلوبة عالة عيائل ضرائك فقال له رؤبة أ فبمشيته أخذها أم بمشية الله فقال ذو الرمة بل بمشيته و إرادته فقال رؤبة هذا و الله الكذب على الذئب فقال ذو الرمة و الله الكذب على الذئب أهون من الكذب على  رب الذئب فقال و أنشدني أبو الحسن علي بن مالك النحوي في أثر هذا الحديث لمحمود الوراق

أ عاذل لم آت الذنوب على جهل و لا أنها من فعل غيري و لا فعلي‏و لا جرأة مني على الله جئتها و لا أن جهلي لا يحيط به عقلي‏و لكن بحسن الظن مني بعفو من تفرد بالصنع الجميل و بالفضل‏فإن صدق الظن الذي قد ظننته ففي فضله ما صدق الظن من مثلي‏و إن نالني منه العقاب فإنما أتيت من الإنصاف في الحكم و العدل

 أقول روى السيد المرتضى في الغرر هذا الخبر بسند آخر عن أبي عبيدة. بيان قال الجزري أفحوص القطاة موضعها الذي تجثم فيه و تبيض كأنها تفحص عنه التراب أي تكشفه و الفحص البحث و الكشف و قال في مناظرة ذي الرمة و رؤبة ما تقرمص سبع قرموصا إلا بقضاء القرموص حفرة يحفرها الرجل يكتن فيها من البرد يأوي إليها الصيد و هي واسعة الجوف ضيقة الرأس و قرمص و تقرمص إذا دخلها و تقرمص السبع إذا دخلها للاصطياد. و قال في قصة ذي الرمة و رؤبة عالة ضرائك الضرائك جمع ضريك و هو الفقير سيئ الحال و قيل الهزيل. و قال السيد في الغرر العيائل جميع عيل و هو ذو العيال و الضرائك جميع ضريك و هو الفقير و في رواية السيد هذا كذب على الذئب ثان فالمعنى أنه كذب ثان على الذئب بعد ما كذب عليه في قصة يوسف

 70-  كش، ]رجال الكشي[ حمدويه و إبراهيم ابنا نصير عن العبيدي عن هشام بن إبراهيم المشرقي قال قال لي أبو الحسن الخراساني كيف تقولون في الاستطاعة بعد يونس فذهب فيها مذهب زرارة و مذهب زرارة هو الخطأ فقلت لا و لكنه بأبي أنت و أمي  ما يقول زرارة في الاستطاعة و قول زرارة هم قدر و نحن منه براء و ليس من دين آبائك قال فبأي شي‏ء تقولون قلت بقول أبي عبد الله ع و سئل عن قول الله عز و جل وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ما استطاعته قال فقال أبو عبد الله ع صحته و ماله فنحن بقول أبي عبد الله ع نأخذ قال صدق أبو عبد الله ع هذا هو الحق

 بيان قوله ما يقول زرارة في الاستطاعة و قول زرارة فيمن قدر كذا في بعض النسخ فلعل المعنى أن زرارة لا يقول بالاستطاعة بل إنما يقول بها فيمن قدر على الفعل بإذنه و توفيقه تعالى و نحن من القول بالاستطاعة المحضة برءاء فكلمة ما نافية و يحتمل أن يكون استفهاما للإنكار و التحقير أي أي شي‏ء قول زرارة فنقول به ثم بين أنه قوله بالاستطاعة فيمن قدر على الفعل و في أكثر النسخ هم قدر فيحتمل الوجه الثاني و يكون قدر بضم القاف و تشديد الدال جمع قادر أي يقول هم قادرون بالاستقلال و في بعض النسخ قذر بالذال المعجمة و ربما قرأ قوم زرارة و قد يقرأ هيم قذر و إليهم بالكسر الإبل العطاش و أثر التصحيف و التحريف فيه ظاهر

 71-  كش، ]رجال الكشي[ محمد بن قولويه عن محمد بن أبي القاسم ماجيلويه عن زياد بن أبي الحلال قال قلت لأبي عبد الله ع إن زرارة روى عنك في الاستطاعة شيئا فقبلنا منه و صدقناه و قد أحببت أن أعرضه عليك فقال هاته فقلت زعم أنه سألك عن قول الله عز و جل وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فقلت من ملك زادا و راحلة فقال كل من ملك زادا و راحلة فهو مستطيع للحج و إن لم يحج فقلت نعم فقال ليس هكذا سألني و لا هكذا قلت كذب علي و الله كذب علي و الله  لعن الله زرارة لعن الله زرارة إنما قال لي من كان له زاد و راحلة فهو مستطيع للحج قلت و قد وجب عليه قال فمستطيع هو قلت لا حتى يؤذن له قلت فأخبر زرارة بذلك قال نعم قال زياد فقدمت الكوفة فلقيت زرارة فأخبرته بما قال أبو عبد الله ع و سكت عن لعنه قال أما إنه قد أعطاني الاستطاعة من حيث لا يعلم و صاحبكم هذا ليس له بصيرة بكلام الرجل

 72-  كش، ]رجال الكشي[ محمد بن مسعود عن محمد بن عيسى عن حريز قال خرجت إلى فارس و خرج معنا محمد الحلبي إلى مكة فاتفق قدومنا جميعا إلى حنين فسألت الحلبي فقلت له أطرفنا بشي‏ء قال نعم جئتك بما تكره قلت لأبي عبد الله ع ما تقول في الاستطاعة فقال ليس من ديني و لا من دين آبائي فقلت الآن ثلج عن صدري و الله لا أعود لهم مريضا و لا أشيع لهم جنازة و لا أعطيهم شيئا من زكاة مالي قال فاستوى أبو عبد الله ع جالسا و قال لي كيف قلت فأعدت عليه الكلام فقال أبو عبد الله ع كان أبي ع يقول أولئك قوم حرم الله وجوههم على النار فقلت جعلت فداك و كيف قلت لي ليس من ديني و لا من دين آبائي قال إنما أعني بذلك قول زرارة و أشباهه

   بيان قوله لا أعود لهم مريضا أي للقائلين بالاستطاعة من الشيعة فعرف ع أن مراده مطلق القائلين بالاستطاعة فرد عليه بأن ما نفيته هو ما ينسب إلى زرارة موافقا لمذهب التفويض بل الحق الأمر بين الأمرين كما مر و هذا هو معنى الخبر لا ما حمله عليه الصدوق رحمه الله سابقا

 73-  يف، ]الطرائف[ روى جماعة من علماء الإسلام عن نبيهم ص أنه قال لعنت القدرية على لسان سبعين نبيا قيل و من القدرية يا رسول الله فقال قوم يزعمون أن الله سبحانه قدر عليهم المعاصي و عذبهم عليها

 74-  و روى صاحب الفائق و غيره من علماء الإسلام عن محمد بن علي المكي بإسناده قال إن رجلا قدم على النبي ص فقال له رسول الله ص أخبرني بأعجب شي‏ء رأيت قال رأيت قوما ينكحون أمهاتهم و بناتهم و أخواتهم فإذا قيل لهم لم تفعلون ذلك قالوا قضاء الله تعالى علينا و قدره فقال النبي ص سيكون من أمتي أقوام يقولون مثل مقالتهم أولئك مجوس أمتي

 75-  و روى صاحب الفائق و غيره عن جابر بن عبد الله عن النبي ص أنه قال يكون في آخر الزمان قوم يعملون المعاصي و يقولون إن الله قد قدرها عليهم الراد عليهم كشاهر سيفه في سبيل الله

 76-  كش، ]رجال الكشي[ محمد بن مسعود عن عبد الله بن محمد بن خالد عن الوشاء عن ابن خداش عن علي بن إسماعيل عن ربعي عن الهيثم بن حفص العطار عن حمزة بن حمران قال قلت لأبي عبد الله ع يقول زرارة إن الله عز و جل لم يكلف العباد إلا ما يطيقون و إنهم لم يعملوا إلا أن يشاء الله و يريد و يقضي قال هو و الله الحق و دخل علينا صاحب الزطي فقال له يا ميسر أ لست على هذا قال على أي شي‏ء  أصلحك الله أو جعلت فداك قال فأعاد هذا القول عليه كما قلت له ثم قال هذا و الله ديني و دين آبائي

 77-  كش، ]رجال الكشي[ علي بن الحسين بن قتيبة عن محمد بن أحمد عن محمد بن عيسى عن إبراهيم بن عبد الحميد عن الوليد بن صبيح قال مررت في الروضة بالمدينة فإذا إنسان قد جذبني فالتفت فإذا أنا بزرارة فقال لي استأذن لي على صاحبك قال فخرجت من المسجد و دخلت على أبي عبد الله ع فأخبرته الخبر فضرب بيده على لحيته ثم قال لا تأذن له ثلاثا فإن زرارة يريدني على القدر على كبر السن و ليس من ديني و لا دين آبائي

 78-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ الحسين بن إبراهيم القزويني عن محمد بن وهبان عن أحمد بن إبراهيم عن الحسن بن علي الزعفراني عن البرقي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع قال في قول الله تعالى وَ قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ فقال كانوا يقولون قد فرغ من الأمر

 79-  يد، ]التوحيد[ علي بن أحمد الأسواري عن مكي بن أحمد البردعي عن محمد بن القاسم بن عبد الرحمن عن محمد بن أشرس عن بشير بن الحكم و إبراهيم بن أبي نصر عن عبد الملك بن هارون عن غياث بن المجيب عن الحسن البصري عن عبد الله بن عمر عن النبي ص قال قال سبق العلم و جف القلم و تم القضاء بتحقيق الكتاب و تصديق الرسالة و السعادة من الله و الشقاوة من الله عز و جل قال عبد الله بن عمر إن رسول الله  ص كان يروي حديثه عن الله عز و جل قال قال الله يا ابن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء و بإرادتي كنت أنت الذي تريد لنفسك ما تريد و بفضل نعمتي عليك قويت على معصيتي و بعصمتي و عفوي و عافيتي أديت إلي فرائضي فأنا أولى بإحسانك منك و أنت أولى بذنبك مني فالخير مني إليك بما أوليت بدأ و الشر مني إليك بما جنيت جزاء و بسوء ظنك بي قنطت من رحمتي فلي الحمد و الحجة عليك بالبيان و لي السبيل عليك بالعصيان و لك الجزاء الحسنى عندي بالإحسان لم أدع تحذيرك و لم أخذل عند عزتك و لم أكلفك فوق طاقتك و لم أحملك من الأمانة إلا ما قدرت عليه رضيت منك لنفسي رضيت به لنفسك مني قال عبد الملك لن أعذبك إلا بما عملت

 بيان قال الجزري فيه جفت الأقلام و طويت الصحف يريد ما كتب في اللوح المحفوظ من المقادير و الكائنات و الفراغ منها تمثيلا بفراغ الكاتب من كتابته و يبس قلمه انتهى قوله تعالى بدأ كفعل أو كفعال أي ابتدأ من غير استحقاق و في بعض النسخ يدا أي نعمة. أقول قول عبد الملك بن هارون في آخر الخبر تفسير للفقرة الأخيرة أي رضيت بسيبك أو من الأمور المتعلقة بك لنفسي أن أعذبك كما رضيت لنفسك بفعل ما يوجبه فيرجع حاصله إلى أنه لن أعذبك إلا بما عملت

 80-  يد، ]التوحيد[ تميم القرشي عن أبيه عن أحمد بن علي الأنصاري عن الهروي قال سأل المأمون يوما علي بن موسى الرضا ع فقال له يا ابن رسول الله ما معنى قول الله عز و جل وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فقال الرضا ع حدثني أبي موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب ع أن المسلمين قالوا لرسول الله ص لو أكرهت يا رسول الله من قدرت عليه من الناس على الإسلام لكثر عددنا و قوينا على عدونا فقال رسول الله ص ما كنت لألقى الله عز و جل ببدعة لم يحدث إلي فيها شيئا وَ ما أَنَا مِنَ  الْمُتَكَلِّفِينَ فأنزل الله تبارك و تعالى يا محمد وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً على سبيل الإلجاء و الاضطرار في الدنيا كما يؤمنون عند المعاينة و رؤية البأس في الآخرة و لو فعلت ذلك بهم لم يستحقوا مني ثوابا و لا مدحا لكني أريد منهم أن يؤمنوا مختارين غير مضطرين ليستحقوا مني الزلفى و الكرامة و دوام الخلود في جنة الخلد أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ و أما قوله عز و جل وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فليس ذلك على سبيل تحريم الإيمان عليها و لكن على معنى أنها ما كانت لتؤمن إلا بإذن الله و إذنه أمره لها بالإيمان ما كانت مكلفة متعبدة و إلجاؤه إياها إلى الإيمان عند زوال التكليف و التعبد عنها فقال المأمون فرجت عني يا أبا الحسن فرج الله عنك

 بيان قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ معناه الإخبار عن قدرة الله تعالى و أنه يقدر على أن يكره الخلق على الإيمان كما قال إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ و لذلك قال بعد ذلك أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ و معناه أنه لا ينبغي أن تريد إكراههم على الإيمان مع أنك لا تقدر عليه لأن الله تعالى يقدر عليه و لا يريده لأنه ينافي التكليف و قوله تعالى وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ معناه أنه لا يمكن أحدا أن يؤمن إلا بإطلاق الله له في الإيمان و تمكينه منه و دعائه إليه بما خلق فيه من العقل الموجب لذلك و قيل إن إذنه هاهنا أمره كما قال يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ و قيل إن إذنه هاهنا علمه أي لا تؤمن نفس إلا بعلم الله من قولهم أذنت لكذا إذا سمعته و علمته و آذنته أعلمته فتكون خبرا عن علمه تعالى بجميع الكائنات و يجوز أن يكون معناه إعلام الله تعالى المكلفين بفضل الإيمان و ما يدعوهم إلى فعله و يبعثهم عليه

   -81  يد، ]التوحيد[ أبي و ابن الوليد معا عن محمد العطار و أحمد بن إدريس هما عن الأشعري عن ابن هاشم عن ابن معبد عن درست عن الفضيل قال سمعت أبا عبد الله ع يقول شاء الله أن أكون مستطيعا لما لم يشأ أن أكون فاعله قال و سمعته يقول شاء و أراد و لم يحب و لم يرض شاء أن لا يكون في ملكه شي‏ء إلا بعلمه و أراد مثل ذلك و لم يحب أن يقال له ثالث ثلاثة و لم يرض لعباده الكفر

 82-  يد، ]التوحيد[ ابن المتوكل عن السعدآبادي عن البرقي عن أبيه عن يونس عن غير واحد عن أبي جعفر و أبي عبد الله ع قالا إن الله عز و جل أرحم بخلقه من أن يجبر خلقه على الذنوب ثم يعذبهم عليها و الله أعز من أن يريد أمرا فلا يكون قال فسألا ع هل بين الجبر و القدر منزلة ثالثة قالا نعم أوسع مما بين السماء و الأرض

 83-  يد، ]التوحيد[ الوراق عن سعد عن إسماعيل بن سهل عن عثمان بن عيسى عن محمد بن عجلان قال قلت لأبي عبد الله ع فوض الله الأمر إلى العباد قال الله أكرم من أن يفوض إليهم قلت فأجبر الله العباد على أفعالهم فقال الله أعدل من أن يجبر عبدا على فعل ثم يعذبه عليه

 84-  يد، ]التوحيد[ أبي عن سعد عن ابن يزيد عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد الله ع قال إن الله عز و جل خلق الخلق فعلم ما هم صائرون إليه و أمرهم و نهاهم فما أمرهم به من شي‏ء فقد جعل لهم السبيل إلى الأخذ به و ما نهاهم عنه من شي‏ء فقد جعل لهم السبيل إلى تركه و لا يكونون آخذين و لا تاركين إلا بإذن الله

 85-  يد، ]التوحيد[ أبي عن علي بن إبراهيم عن اليقطيني عن يونس عن حفص بن قرط عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص من زعم أن الله تعالى يأمر بالسوء  و الفحشاء فقد كذب على الله و من زعم أن الخير و الشر بغير مشية الله فقد أخرج الله من سلطانه و من زعم أن المعاصي بغير قوة الله فقد كذب على الله و من كذب على الله أدخله الله النار يعني بالخير و الشر الصحة و المرض و ذلك قوله عز و جل وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً

 86-  نهج، ]نهج البلاغة[ سئل ع عن التوحيد و العدل فقال التوحيد أن لا تتوهمه و العدل أن لا تتهمه

 87-  يد، ]التوحيد[ ابن الوليد عن ابن متيل عن البرقي عن علي بن الحكم عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع قال الله أكرم من أن يكلف الناس ما لا يطيقون و الله أعز من أين يكون في سلطانه ما لا يريد

 88-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ يد، ]التوحيد[ الفامي عن الحميري عن أبيه عن ابن هاشم عن ابن معبد عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا ع قال قلت له يا ابن رسول الله إن الناس ينسبوننا إلى القول بالتشبيه و الجبر لما روي من الأخبار في ذلك عن آبائك الأئمة ع فقال يا ابن خالد أخبرني عن الأخبار التي رويت عن آبائي ع في التشبيه و الجبر أكثر أم الأخبار التي رويت عن النبي ص في ذلك فقلت بل ما روي عن النبي ص و في ذلك أكثر قال ع فليقولوا إن رسول الله ص كان يقول بالتشبيه و الجبر إذا قلت له إنهم يقولون إن رسول الله ص لم يقل من ذلك شيئا و إنما روي عليه قال ع فليقولوا في آبائي ع  إنهم لم يقولوا من ذلك شيئا و إنما روي عليهم ثم قال ع من قال بالتشبيه و الجبر فهو كافر و مشرك و نحن منه برءاء في الدنيا و الآخرة يا ابن خالد إنما وضع الأخبار عنا في التشبيه و الجبر الغلاة الذين صغروا عظمة الله فمن أحبهم فقد أبغضنا و من أبغضهم فقد أحبنا و من والاهم فقد عادانا و من عاداهم فقد والانا و من وصلهم فقد قطعنا و من قطعهم فقد وصلنا و من جفاهم فقد برنا و من برهم فقد جفانا و من أكرمهم فقد أهاننا و من أهانهم فقد أكرمنا و من قبلهم فقد ردنا و من ردهم فقد قبلنا و من أحسن إليهم فقد أساء إلينا و من أساء إليهم فقد أحسن إلينا و من صدقهم فقد كذبنا و من كذبهم فقد صدقنا و من أعطاهم فقد حرمنا و من حرمهم فقد أعطانا يا ابن خالد من كان من شيعتنا فلا يتخذن منهم وليا و لا نصيرا

 89-  يد، ]التوحيد[ أبي عن أحمد بن إدريس عن الأشعري عن أبي عبد الله الرازي عن اللؤلؤي عن ابن سنان عن مهزم قال قال أبو عبد الله ع أخبرني عما اختلف فيه من خلفت من موالينا قال فقلت في الجبر و التفويض قال فاسألني قلت أجبر الله العباد على المعاصي قال الله أقهر لهم من ذلك قال قلت ففوض إليهم قال الله أقدر عليهم من ذلك قال قلت فأي شي‏ء هذا أصلحك الله قال فقلب يده مرتين أو ثلاثا ثم قال لو أجبتك فيه لكفرت

 بيان قوله ع الله أقهر لهم من ذلك لعل المعنى أن جبرهم على المعاصي ثم تعذيبهم عليها هو الظلم و الظلم فعل العاجزين

 كما قال سيد الساجدين ع إنما يحتاج إلى الظلم الضعيف و الله أقهر من ذلك

أو المعنى أنه تعالى لو أراد تعذيبهم و لم يمنعه عدله من ذلك لما احتاج إلى أن يكلفهم ثم يجبرهم على المعاصي ثم يعذبهم عليها فإن هذا تلبيس يفعله من لا يقدر على التعذيب ابتداء و هو أقهر لهم من ذلك و الظاهر أنه تصحيف أرأف أو نحوه و إنما امتنع ع عن بيان الأمر بين الأمرين  لأنه كان يعلم أنه لا يدركه عقل السائل فيشك فيه أو يجحده فيكفر

 90-  ضا، ]فقه الرضا عليه السلام[ سألت العالم ع أجبر الله العباد على المعاصي فقال الله أعدل من ذلك فقلت له فمفوض إليهم فقال هو أعز من ذلك فقلت له فصف لنا المنزلة بين المنزلتين فقال الجبر هو الكره فالله تبارك و تعالى لم يكره على معصيته و إنما الجبر أن يجبر الرجل على ما يكره و على ما لا يشتهي كالرجل يغلب على أن يضرب أو يقطع يده أو يؤخذ ماله أو يغصب على حرمته أو من كانت له قوة و منعة فقهر فأما من أتى إلى أمر طائعا محبا له يعطي عليه ماله لينال شهوته فليس ذلك بجبر إنما الجبر من أكرهه عليه أو أغضب حتى فعل ما لا يريد و لا يشتهيه و ذلك أن الله تبارك و تعالى لم يجعل لهم هوى و لا شهوة و لا محبة و لا مشية إلا فيما علم أنه كان منهم و إنما يجرون في علمه و قضائه و قدره على الذي في علمه و كتابه السابق فيهم قبل خلقهم و الذي علم أنه غير كائن منهم هو الذي لم يجعل لهم فيه شهوة و لا إرادة

 91-  و أروي عن العالم ع أنه قال منزلة بين منزلتين في المعاصي و سائر الأشياء فالله جل و عز الفاعل لها و القاضي و المقدر و المدبر

 92-  و قد أروي أنه قال لا يكون المؤمن مؤمنا حقا حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه و ما أخطأه لم يكن ليصيبه

 93-  و أروي عن العالم ع أنه قال مساكين القدرية أرادوا أن يصفوا الله عز و جل بعدله فأخرجوه من قدرته و سلطانه

 94-  و روي لو أراد الله سبحانه أن لا يعصى ما خلق إبليس

 95-  و أروي أن رجلا سأل العالم ع أ كلف الله العباد ما لا يطيقون فقال كلف الله جميع الخلق ما لا يطيقون إن لم يعنهم عليه فإن أعانهم عليه أطاقوه قال الله جل و عز لنبيه ص وَ اصْبِرْ وَ ما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ

 96-  قلت و رويت عن العالم ع أنه قال القدر و العمل بمنزلة الروح و الجسد فالروح بغير الجسد لا يتحرك و لا يرى و الجسد بغير الروح صورة لا حراك له  فإذا اجتمعا قويا و صلحا و حسنا و ملحا كذلك القدر و العمل فلو لم يكن القدر واقعا على العمل لم يعرف الخالق من المخلوق و لو لم يكن العمل بموافقة من القدر لم يمض و لم يتم و لكن باجتماعهما قويا و صلحا و لله فيه العون لعباده الصالحين ثم تلا هذه الآية وَ لكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَ زَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ الآية ثم قال ع وجدت ابن آدم بين الله و بين الشيطان فإن أحبه الله تقدست أسماؤه خلصه و استخلصه و إلا خلا بينه و بين عدوه

 97-  و قيل للعالم ع إن بعض أصحابنا يقول بالجبر و بعضهم يقولون بالاستطاعة قال فأمر أن يكتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قال الله عز و جل يا ابن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء و ساق إلى آخر ما سيأتي في خبر البزنطي

 98-  شي، ]تفسير العياشي[ عن الحسن بن محمد الجمال عن بعض أصحابنا قال بعث عبد الملك بن مروان إلى عامل المدينة أن وجه إلي محمد بن علي بن الحسين و لا تهيجه و لا تروعه و اقض له حوائجه و قد كان ورد على عبد الملك رجل من القدرية فحضر جميع من كان بالشام فأعياهم جميعا فقال ما لهذا إلا محمد بن علي فكتب إلى صاحب المدينة أن يحمل محمد بن علي إليه فأتاه صاحب المدينة بكتابه فقال أبو جعفر ع إني شيخ كبير لا أقوى على الخروج و هذا جعفر ابني يقوم مقامي فوجهه إليه فلما قدم على الأموي أزراه لصغره و كره أن يجمع بينه و بين القدري مخافة أن يغلبه و تسامع الناس بالشام بقدوم جعفر لمخاصمة القدرية فلما كان من الغد اجتمع الناس بخصومتهما فقال الأموي لأبي عبد الله ع إنه قد أعيانا أمر هذا القدري و إنما كتبت إليه لأجمع بينه و بينه فإنه لم يدع عندنا أحدا إلا خصمه فقال إن الله يكفيناه قال فلما اجتمعوا قال القدري لأبي عبد الله ع سل عما شئت فقال له اقرأ سورة الحمد قال فقرأها و قال الأموي و أنا معه ما في سورة الحمد غلبنا إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ قال فجعل القدري  يقرأ سورة الحمد حتى بلغ قول الله تبارك و تعالى إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ فقال له جعفر قف من تستعين و ما حاجتك إلى المئونة إن الأمر إليك فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ

 99-  شي، ]تفسير العياشي[ عن صفوان بن يحيى عن أبي الحسن ع قال قال الله تبارك و تعالى ابن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء و تقول و بقوتي أديت إلي فرائضي و بنعمتي قويت على معصيتي ما أصابك من حسنة فمن الله و ما أصابك من سيئة فمن نفسك و ذاك أني أولى بحسناتك منك و أنت أولى بسيئاتك مني و ذاك أني لا أسأل عما أفعل وَ هُمْ يُسْئَلُونَ

 100-  و في رواية الحسن بن علي الوشاء عن الرضا ع و أنت أولى بسيئاتك مني عملت المعاصي بقوتي التي جعلت فيك

 101-  شي، ]تفسير العياشي[ عن ابن مسكان عمن رواه عن أبي عبد الله ع في قول الله وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا فقال أبو عبد الله ع إنك لتسأل من كلام أهل القدر و ما هو من ديني و لا دين آبائي و لا وجدت أحدا من أهل بيتي يقول به

 102-  شي، ]تفسير العياشي[ عن الحسن بن علي عن أبي عبد الله ع قال سمعته يقول ويح هذه القدرية إنما يقرءون هذه الآية إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ ويحهم من قدرها إلا الله تبارك و تعالى

 103-  من كتاب مطالب السؤل، لمحمد بن طلحة البيهقي بإسناده عن الشافعي عن يحيى بن سليم عن الإمام جعفر بن محمد عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه عن الجميع عن أمير المؤمنين ع أنه قال يوما أعجب ما في الإنسان قلبه فيه مواد من الحكمة و أضداد لها من خلافها فإن سنح له الرجاء ولهه الطمع و إن هاج به الطمع أهلكه الحرص و إن ملكه اليأس قتله الأسف و إن عرض له الغضب اشتد به الغيظ و إن أسعد بالرضا نسي التحفظ و إن ناله الخوف شغله الحزن و إن أصابته مصيبة قصمه  الجزع و إن وجد مالا أطغاه الغنى و إن عضته فاقة شغله البلاء و إن أجهده الجوع قعد به الضعف و إن أفرط به الشبع كظته البطنة فكل تقصير به مضر و كل إفراط له مفسد فقام إليه رجل ممن شهد وقعة الجمل فقال يا أمير المؤمنين أخبرنا عن القدر فقال بحر عميق فلا تلجه فقال يا أمير المؤمنين أخبرنا عن القدر فقال بيت مظلم فلا تدخله فقال يا أمير المؤمنين أخبرنا عن القدر فقال سر الله فلا تبحث عنه فقال يا أمير المؤمنين أخبرنا عن القدر فقال لما أبيت فإنه أمر بين أمرين لا جبر و لا تفويض فقال يا أمير المؤمنين إن فلانا يقول بالاستطاعة و هو حاضر فقال علي ع علي به فأقاموه فلما رآه قال له الاستطاعة تملكها مع الله أو من دون الله و إياك أن تقول واحدة منهما فترتد فقال و ما أقول يا أمير المؤمنين قال قل أملكها بالله الذي أنشأ ملكتها

 104-  ب، ]قرب الإسناد[ ابن حكيم عن البزنطي قال قلت للرضا ع إن أصحابنا بعضهم يقول بالجبر و بعضهم يقول بالاستطاعة فقال لي اكتب قال الله تبارك و تعالى يا ابن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء و بقوتي أديت إلي فرائضي و بنعمتي قويت على معصيتي جعلتك سميعا بصيرا قويا ما أصابك من حسنة فمن الله و ما أصابك من سيئة فمن نفسك و ذلك أني أولى بحسناتك منك و أنت أولى بسيئاتك مني و ذلك أني لا أسأل عما أفعل وَ هُمْ يُسْئَلُونَ فقد نظمت لك كل شي‏ء تريد

 يد، ]التوحيد[ ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ أبي و ابن الوليد عن سعد عن ابن عيسى عن البزنطي مثله

   -105  أعلام الدين للديلمي، روي أن طاوس اليماني دخل على جعفر بن محمد الصادق ع و كان يعلم أنه يقول بالقدر فقال له يا طاوس من أقبل للعذر من الله ممن اعتذر و هو صادق في اعتذاره فقال له لا أحد أقبل للعذر منه فقال له من أصدق ممن قال لا أقدر و هو لا يقدر فقال طاوس لا أحد أصدق منه فقال الصادق ع له يا طاوس فما بال من هو أقبل للعذر لا يقبل عذر من قال لا أقدر و هو لا يقدر فقام طاوس و هو يقول ليس بيني و بين الحق عداوة اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ فقد قبلت نصيحتك

 106-  و قال الصادق ع لهشام بن الحكم أ لا أعطيك جملة في العدل و التوحيد قال بلى جعلت فداك قال من العدل أن لا تتهمه و من التوحيد أن لا تتوهمه

 107-  يف، ]الطرائف[ روى كثير من المسلمين عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ع أنه قال يوما لبعض المجبرة هل يكون أحد أقبل للعذر الصحيح من الله فقال لا فقال فما تقول فيمن قال ما أقدر و هو لا يقدر أ يكون معذورا أم لا فقال المجبر يكون معذورا قال له فإذا كان الله يعلم من عباده أنهم ما قدروا على طاعته و قال لسان حالهم أو مقالهم يوم القيامة يا رب ما قدرنا على طاعتك لأنك منعتنا منها أ ما يكون قولهم و عذرهم صحيحا على قول المجبرة فقال بلى و الله فقال فيجب على قولك أن الله يقبل هذا العذر الصحيح و لا يؤاخذ أحدا أبدا و هذا خلاف قول أهل الملل كلهم فتاب المجبر من قوله بالجبر في الحال

 108-  يف، ]الطرائف[ روي أن الحجاج بن يوسف كتب إلى الحسن البصري و إلى عمرو بن عبيد و إلى واصل بن عطا و إلى عامر الشعبي أن يذكروا ما عندهم و ما وصل إليهم  في القضاء و القدر فكتب إليه الحسن البصري إن أحسن ما انتهى إلي ما سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع أنه قال أ تظن أن الذي نهاك دهاك و إنما دهاك أسفلك و أعلاك و الله بري‏ء من ذاك و كتب إليه عمرو بن عبيد أحسن ما سمعت في القضاء و القدر قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع لو كان الزور في الأصل محتوما كان المزور في القصاص مظلوما و كتب إليه واصل بن عطا أحسن ما سمعت في القضاء و القدر قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع أ يدلك على الطريق و يأخذ عليك المضيق و كتب إليه الشعبي أحسن ما سمعت في القضاء و القدر قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع كل ما استغفرت الله منه فهو منك و كل ما حمدت الله عليه فهو منه فلما وصلت كتبهم إلى الحجاج و وقف عليها قال لقد أخذوها من عين صافية

 أقول روى الكراجكي مثله و فيه من وسع عليك الطريق لم يأخذ عليك المضيق

و في القاموس دهاه أصابه بداهية و هي الأمر العظيم

 109-  يف، ]الطرائف[ روي أن رجلا سأل جعفر بن محمد الصادق ع عن القضاء و القدر فقال ما استطعت أن تلوم العبد عليه فهو منه و ما لم تستطع أن تلوم العبد عليه فهو من فعل الله يقول الله تعالى للعبد لم عصيت لم فسقت لم شربت الخمر لم زنيت فهذا فعل العبد و لا يقول له لم مرضت لم قصرت لم ابيضضت لم اسوددت لأنه من فعل الله تعالى

 110-  يف، ]الطرائف[ روي أن الفضل بن سهل سأل الرضا ع بين يدي المأمون فقال يا أبا الحسن الخلق مجبورون فقال الله أعدل من أن يجبر خلقه ثم يعذبهم قال فمطلقون قال الله أحكم من أن يهمل عبده و يكله إلى نفسه

 يف، ]الطرائف[ و من الحكايات ما روي أن بعض أهل العدل وقف على جماعة من المجبرة فقال لهم أنا ما أعرف المجادلة و الإطالة لكني أسمع في القرآن قوله تعالى كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ و مفهوم هذا الكلام عند كل عاقل أن الموقد للنار غير الله و أن المطفئ للنار هو الله و كيف تقبل العقول أن الكل منه و أن  الموقد للنار و هو المطفئ لها فانقطعوا و لم يردوا جوابا و من الحكايات أن جماعة من اليهود اجتمعوا إلى أبي بحر الخاقاني فقالوا له ما معناه أنت سلطان عادل منصف و من المسلمين في بلدك المجبرة و هم الذين يعولون عليهم في الأقوال و الأفعال و هم يشهدون لنا أننا لا نقدر على الإسلام و لا الإيمان فكيف تأخذ الجزية من قوم لا يقدرون على الإسلام و لا الإيمان فجمع المجبرة و قال لهم ما تقولون فيما قد ذكره اليهود من احتجاجهم عليكم فقالواكذا نقول إنهم لا يقدرون على الإسلام و الإيمان فطالبهم بالدليل على قولهم فلم يقدروا عليه فنفاهم و من الحكايات المذكورة في ذلك ما روي عن القاسم بن زياد الدمشقي أنه قال كنت في حرس عمر بن عبد العزيز فدخل غيلان فقال يا عمر إن أهل الشام يزعمون أن المعاصي قضاء الله و أنك تقول ذلك فقال ويحك يا غيلان أ و لست تراني أسمي مظالم بني مروان ظلما و أردها أ فتراني أسمي قضاء الله ظلما و أرده

 أقول أورد السيد في الطرائف فصلا مشبعا في الرد على المجبرة تركنا إيراده لئلا يطول الكتاب مع كونه خارجا عن مقصودنا فمن أراد الاطلاع عليه فليراجع إلى الكتاب المذكور و قد مر خبر الحسين بن خالد في ذلك في باب نفي التشبيه

 111-  و قال الكراجكي في كنز الفوائد، قال الصادق ع لزرارة بن أعين يا زرارة أعطيك جملة في القضاء و القدر قال نعم جعلت فداك قال إذا كان يوم القيامة و جمع الله الخلائق سألهم عما عهد إليهم و لم يسألهم عما قضى عليهم

 112-  و روي عن محمد بن أحمد بن شاذان القمي عن الصدوق عن أبيه عن سعد عن أيوب بن نوح عن الرضا عن آبائه ع قال قال رسول الله ص خمسة لا تطفئ نيرانهم و لا تموت أبدانهم رجل أشرك و رجل عق والديه و رجل سعى بأخيه إلى السلطان فقتله و رجل قتل نفسا بغير نفس و رجل أذنب و حمل ذنبه على الله عز و جل

   فائدة قال السيد المرتضى قدس الله روحه إن سأل سائل فقال بم تدفعون من خالفكم في الاستطاعة و زعم أن المكلف يؤمر بما لا يقدر عليه و لا يستطيعه إذا تعلق بقوله تعالى انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا فإن الظاهر من هذه الآية يوجب أنهم غير مستطيعين للأمر الذي هم غير فاعلين له و أن القدرة مع الفعل و إذا تعلق بقوله تعالى في قصة موسى إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً و إنه نفى أن يكون قادرا على الصبر في حال هو فيها غير صابر و هذا يوجب أن القدرة مع الفعل و بقوله تعالى ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَ ما كانُوا يُبْصِرُونَ. يقال له أول ما نقوله أن المخالف لنا في هذا الباب من الاستطاعة لا يصح له فيه التعلق بالسمع لأن مذهبه لا تسلم معه صحة السمع و لا يتمكن مع المقام عليه من معرفة السمع بأدلته و إنما قلنا ذلك لأن من جوز تكليف الله تعالى الكافر بالإيمان و هو لا يقدر عليه لا يمكنه العلم بنفي القبائح عن الله عز و جل و إذا لم يمكنه ذلك فلا بد من أن يلزمه تجويز القبائح على الله في أفعاله و أخباره و لا يأمن من أن يرسل كذابا و أن يخبرهم بالكذب تعالى عن ذلك فالسمع إن كان كلامه قدح في حجته تجويز الكذب عليه و إن كان كلام رسوله قدح فيه ما يلزمه من تجويز تصديق الكذاب و إنما طرق ذلك تجويز بعض القبائح عليه و ليس لهم أن يقولوا إن أمره تعالى الكافر بالإيمان و إن لم يقدر عليه يحسن من حيث أتى الكافر فيه من قبل نفسه لأنه تشاغل بالكفر فترك الإيمان و إنما كان يبطل تعلقنا بالسمع لو أضفنا ذلك إليه تعالى على وجه يقبح و ذلك لأن ما قالوه إذا لم يؤثر في كون ما ذكرناه تكليفا لما لا يطاق لم يؤثر في نفي ما ألزمناه عنهم لأنه يلزم على ذلك أن يفعل الكذب و سائر القبائح و تكون حسنة منه بأن يفعلها من وجه لا يقبح منه و ليس قولهم إنا لم نضفه إليه من وجه يقبح بشي‏ء يعتمد بل يجري مجرى قول من جوز عليه أن يكذب و يكون الكذب منه حسنا و يدعي مع ذلك صحة معرفة السمع بأن يقول إنني لم أضف إليه قبيحا فيلزمني إفساد  طريقة السمع فلما كان من ذكرناه لا عذر له في هذا الكلام لم يكن للمخالف في الاستطاعة عذر بمثله. و نعود إلى تأويل الآي أما قوله انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا فليس فيه ذكر للشي‏ء الذي لا يقدرون عليه و لا بيان له و إنما يصح ما قالوه لو بين لهم أنهم لا يستطيعون سبيلا إلى أمر معين فأما إذا لم يذكر ذلك كذلك فلا متعلق لهم. فإن قيل فقد ذكر تعالى من قبل ضلالهم فيجب أن يكون المراد بقوله فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا إلى مفارقة الضلال. قلنا إنه تعالى كما ذكر الضلال فقد ذكر ضرب المثل منهم فيجوز أن يريد أنهم لا يستطيعون سبيلا إلى تحقيق ما ضربوه من الأمثال و ذلك غير مقدور على الحقيقة و لا مستطاع و الظاهر أن هذا الوجه أولى لأنه تعالى حكى عنهم أنهم ضربوا له الأمثال و جعل ضلالهم و أنهم لا يستطيعون السبيل متعلقا بما تقدم ذكره و ظاهر ذلك يوجب رجوع الأمرين جميعا إليه و أنهم ضلوا بضرب المثل و أنهم لا يستطيعون سبيلا إلى تحقيق ما ضربوه من المثل على أنه تعالى قد أخبر عنهم بأنهم ضلوا و ظاهر ذلك الإخبار عن ماضي فعلهم فإن كان قوله فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا يرجع إليه فيجب أن يدل على أنهم لا يقدرون في المستقبل على ترك الماضي و هذا مما لا يخالف فيه و ليس فيه ما نأباه من أنهم لا يقدرون في المستقبل أو في الحال على مفارقة الضلال و الخروج عنه و تعذر تركه و بعد فإذا لم يكن للآية ظاهر فلم صاروا بأن يحملوا نفي الاستطاعة على أمر كلفوه بأولى منا إذا حملنا ذلك على أمر لم يكلفوه أو على أنه أراد الاستثقال و الخبر عن عظم المشقة عليهم و قد جرت عادة أهل اللغة بأن يقولوا لمن يستثقل شيئا إنه لا يستطيعه و لا يقدر عليه و لا يتمكن منه أ لا ترى أنهم يقولون فلان لا يستطيع أن يكلم فلانا و لا ينظر إليه و ما أشبه ذلك و إنما غرضهم الاستثقال و شدة الكلفة و المشقة.

   فإن قيل فإذا كان لا ظاهر للآية يشهد بمذهب المخالف فما المراد بها عندكم قلنا قد ذكر أبو علي أن المراد أنهم لا يستطيعون إلى بيان تكذيبه سبيلا لأنهم ضربوا الأمثال ظنا منهم بأن ذلك يبين كذبه فأخبر تعالى أن ذلك غير مستطاع لأن تكذيب صادق و إبطال حق مما لا تتعلق به قدرة و لا تتناوله استطاعة و قد ذكر أبو هاشم أن المراد بالآية أنهم لأجل ضلالهم بضرب المثل و كفرهم لا يستطيعون سبيلا إلى الخير الذي هو النجاة من العقاب و الوصول إلى الثواب و ليس يمكن على هذا أن يقال كيف لا يستطيعون سبيلا إلى الخير و الهدى و هم عندكم قادرون على الإيمان و التوبة و متى فعلوا ذلك استحقوا الثواب لأن المراد أنهم مع التمسك بالضلال و المقام على الكفر لا سبيل لهم إلى خير و هدى و إنما يكون لهم سبيل إلى ذلك بأن يفارقوا ما هم عليه و قد يمكن أيضا في معنى الآية ما تقدم ذكره من أن المراد بنفي الاستطاعة عنهم أنهم مستثقلون للإيمان فقد يخبر عمن يستثقل شيئا بأنه لا يستطيعه على ما تقدم ذكره كذا في كتاب الغرر للسيد رحمه الله. فأما قوله تعالى في قصة موسى ع إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً فظاهره يقتضي أنك لا تستطيع ذلك في المستقبل و لا يدل على أنه غير مستطيع للصبر في الحال أن يفعله في الثاني و قد يجوز أن يخرج في المستقبل من أن يستطيع ما هو في الحال مستطيع له غير أن الآية تقتضي خلاف ذلك لأنه قد صبر عن المسألة أوقاتا و إن لم يصبر عنها في جميع الأوقات فلم تنتف الاستطاعة للصبر عنه في جميع الأحوال المستقبلة. على أن المراد بذلك واضح و إنه تعالى خبر عن استثقاله الصبر عن المسألة عما لا يعرف و لا يقف عليه لأن مثل ذلك يصعب على النفس و لهذا يجد أحدنا إذا جرى بين يديه ما ينكره و يستبدعه تنازعه نفسه إلى المسألة عنه و البحث عن حقيقته و يثقل عليه الكف عن الفحص عن أمره فلما حدث من صاحب موسى ع ما يستنكر ظاهره استثقل الصبر عن المسألة عن ذلك و يشهد لهذا الوجه قوله تعالى وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً فبين أن العلة في قلة صبره ما ذكرناه دون غيره و لو كان الأمر على ما ظنوا لوجب أن يقول و كيف تصبر و أنت غير مطيق للصبر.

   و أما قوله تعالى ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَ ما كانُوا يُبْصِرُونَ فلا تعلق لهم بظاهره لأن السمع ليس بمعني فيكون مقدورا لأن الإدراك على المذهب الصحيح ليس بمعني و لو ثبت أنه معني على ما يقوله أبو علي لكان أيضا غير مقدور للعبد من حيث اختص القديم تعالى بالقدرة عليه هذا إن أريد بالسمع الإدراك و إن أريد به نفس الحاسة فهي أيضا غير مقدورة للعباد لأن الجواهر و ما تخصص به الحواس من البينة و المعاني ليصح به الإدراك مما ينفرد القديم تعالى بالقدرة عليه فالظاهر لا حجة لهم فيه. فإن قالوا و لعل المراد بالسمع كونهم سامعين كأنه نفى عنهم استطاعة أن يسمعوا قلنا هذا خلاف الظاهر و لو ثبت أن المراد ذلك لحملنا نفي الاستطاعة هاهنا على ما تقدم ذكره من الاستثقال و شدة المشقة كما يقول القائل فلان لا يستطيع أن يراني و لا يقدر على أن يكلمني و ما أشبه ذلك و هذا بين لمن تأمله. و قال رضي الله عنه إن سأل سائل عن قوله تعالى قالَ أَ تَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَ اللَّهُ خَلَقَكُمْ وَ ما تَعْمَلُونَ فقال أ ليس ظاهر هذا القول يقتضي أنه خالق لأعمال العباد لأن ما هاهنا بمعنى الذي فكأنه قال خلقكم و خلق أعمالكم. قلنا قد حمل أهل الحق هذه الآية على أن المراد بقوله وَ ما تَعْمَلُونَ أي و ما تعملون فيه من الحجارة و الخشب و غيرهما مما كانوا يتخذونه أصناما و يعبدونها قالوا و غير منكر أن يريد بقوله وَ ما تَعْمَلُونَ ذلك كما أنه قد أراد ما ذكرناه بقوله أَ تَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ لأنه لم يرد أنكم تعبدون نحتكم الذي هو فعل لكم بل أراد ما تفعلون فيه النحت كما قال تعالى في عصا موسى ع تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ و تَلْقَفْ ما صَنَعُوا  و إنما أراد أن العصا تلقف الحبال التي أظهروا سحرهم فيها و هي التي حلتها صنعتهم و إفكهم فقال ما صَنَعُوا و ما يَأْفِكُونَ و أراد ما صنعوا فيه و ما يأفكون فيه و مثله قوله تعالى يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَ تَماثِيلَ وَ جِفانٍ و إنما أراد المعمول فيه دون العمل و هذا الاستعمال أيضا سائع شائع لأنهم يقولون هذا الباب عمل النجار و في الخلخال هذا من عمل الصائغ و إن كانت الأجسام التي أشير إليها ليست أعمالا لهم و إنما عملوا فيها فحسن إجراء هذه العبارة. فإن قيل كل الذي ذكرتموه و إن استعمل فعلى وجه المجاز و الاتساع لأن العمل في الحقيقة لا يجري إلا على فعل الفاعل دون ما يفعل فيه و إن استعير في بعض المواضع قلنا ليس نسلم لكم أن الاستعمال الذي ذكرناه على سبيل المجاز بل نقول هو المفهوم الذي لا يستفاد سواه لأن القائل إذا قال هذا الثوب عمل فلان لم يفهم منه إلا أنه عمل فيه و ما رأينا أحدا قط يقول في الثوب بدلا من قوله هذا من عمل فلان هذا مما حله عمل فلان فالأول أولى بأن يكون حقيقة و ليس ينكر أن يكون الأصل في الحقيقة ما ذكروه ثم انتقل بعرف الاستعمال إلى ما ذكرناه و صار أخص به و مما لا يستفاد من الكلام سواه كما انتقلت ألفاظ كثيرة على هذا الحد و لا اعتبار بالمفهوم من الألفاظ إلا بما استقر عليه استعمالها دون ما كانت عليه في الأصل فوجب أن يكون المفهوم. و الظاهر من الآية ما ذكرناه على أنا لو سلمنا أن ذلك مجاز لوجب المصير إليه من وجوه فمن ذلك أنه تعالى أخرج الكلام مخرج التهجين لهم و التوبيخ لأفعالهم و الإزراء على مذاهبهم فقال أَ تَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَ اللَّهُ خَلَقَكُمْ وَ ما تَعْمَلُونَ و متى لم يكن قوله وَ ما تَعْمَلُونَ المراد به تعملون فيه ليصير تقدير الكلام أ تعبدون الأصنام التي تنحتونها و الله خلقكم و خلق هذه الأصنام التي تفعلون فيها التخطيط و التصوير لم يكن للكلام معنى و لا مدخل في باب التوبيخ و يصير على ما يذكره المخالف كأنه

   قال أ تعبدون ما تنحتون و الله خلقكم و خلق عباداتكم فأي وجه للتقريع و هذا إلى أن يكون عذرا أقرب من أن يكون لوما و توبيخا لأنه إذا خلق عبادتهم للأصنام فأي وجه للومهم عليها على أن قوله تعالى وَ اللَّهُ خَلَقَكُمْ وَ ما تَعْمَلُونَ بعد قوله أَ تَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ إنما خرج مخرج التعليل للمنع من عبادة غيره تعالى فلا بد أن يكون متعلقا بما تقدم من قوله أَ تَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ و مؤثرا في المنع من عبادة غير الله فلو أفاد قوله ما تَعْمَلُونَ نفس العمل الذي هو النحت دون المعمول فيه لكان لا فائدة في الكلام لأن القوم لم يكونوا يعبدون النحت و إنما كانوا يعبدون محله و أنه كان لا حظ في الكلام للمنع من عبادة الأصنام و كذلك إن حمل قوله تعالى ما تَعْمَلُونَ على أعمال أخر ليست نحتهم و لا هي ما عملوا فيه لكان أظهر في باب اللغو و العبث و البعد عن التعلق بما تقدم فلم يبق إلا أنه أراد أنه خلقكم و ما تعملون فيه النحت فكيف تعبدون مخلوقا مثلكم. فإن قيل لم زعمتم أنه لو كان الأمر على ما ذكرناه لم يكن للقول الثاني حظ في باب المنع من عبادة الأصنام و ما تنكرون أن يكون لما ذكرناه وجه في المنع من ذلك على أن ما ذكرتموه أيضا لو أريد لكان وجها و هو أن من خلقنا و خلق الأفعال فينا لا يكون إلا الإله القديم الذي تحق له العبادة و غير القديم تعالى كما يستحيل أن يخلقنا يستحيل أن يخلق فينا الأفعال على الوجه الذي يخلقها القديم عليه فصار لما ذكرناه تأثير. قلنا معلوم أن الثاني إذا كان كالتعليل للأول و المؤثر في المنع من العبادة فلأن يتضمن أنكم مخلوقان و ما تعبدونه أولى من أن ينصرف إلى ما ذكرتموه مما لا يقتضي أكثر من خلقهم دون خلق ما عبدوه فإنه لا شي‏ء أدل على المنع من عبادة الأصنام من كونها مخلوقة كما أن عابدها مخلوق و يشهد بما ذكرناه قوله تعالى في موضع آخر أَ يُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَ هُمْ يُخْلَقُونَ وَ لا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَ لا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ

   فاحتج تعالى عليهم في المنع من عبادة الآلهة دونه بأنها مخلوقة لا تخلق شيئا و لا تدفع عن أنفسها ضرا و لا عنهم و هذا واضح على أنه لو ساوى ما ذكروه ما ذكرناه في التعلق بالأول لم يسغ حمله على ما ادعوه لأن فيه عذرا لهم في الفعل الذي عنفوا به و قرعوا من أجله و قبيح أن يوبخهم بما يعذرهم و يذمهم بما ينزههم على ما تقدم على أنا لا نسلم أن من يفعل أفعال العباد و يخلقها يستحق العبادة لأن من جملة أفعالهم القبائح و من فعل القبائح لا يكون إلها و لا تحق العبادة له فخرج ما ذكروه من أن يكون مؤثرا في انفراده بالعبادة على أن إضافته العمل إليهم بقوله تعالى تَعْمَلُونَ يبطل تأويلهم هذه الآية لأنه لو كان خالقا له لم يكن عملا لهم لأن العمل إنما يكون عملا لمن يحدثه و يوجده فكيف يكون عملا لهم و الله خلقه و هذه مناقضة لهم فثبت بهذا أن الظاهر شاهد لنا أيضا على أن قوله وَ ما تَعْمَلُونَ يقتضي الاستقبال و كل فعل لم يوجد فهو معدوم و محال أن يقول تعالى إني خالق للمعدوم. فإن قالوا اللفظ و إن كان للاستقبال فالمراد به الماضي فكأنه قال و الله خلقكم و ما عملتم قلنا هذا عدول منكم عن الظاهر الذي ادعيتم أنكم متمسكون به و ليس أنتم بأن تعدلوا عنه بأولى منا بل نحن أحق لأنا نعدل عنه بدلالة و أنتم تعدلون بغير حجة. فإن قالوا فأنتم تعدلون عن هذا الظاهر بعينه على تأويلكم و تحملون لفظ الاستقبال على لفظ الماضي قلنا نحن لا نحتاج في تأويلنا إلى ذلك لأنا إذا حملنا قوله وَ ما تَعْمَلُونَ على الأصنام المعمول فيها و معلوم أن الأصنام موجودة قبل عملهم فيها فجاز أن يقول تعالى إني خلقتها و لا يجوز أن يقول إني خلقت ما سيقع من العمل في المستقبل على أنه لو أراد بذلك أعمالهم لا ما عملوا فيه على ما ادعوه لم يكن في الظاهر حجة على ما يريدون لأن الخلق هو التقدير و التدبير و ليس يمتنع في اللغة أن يكون الخالق خالقا لفعل غيره إذا قدره و دبره أ لا ترى أنهم يقولون خلقت الأديم و إن لم يكن الأديم فعلا لمن يقول ذلك فيه و يكون معنى خلقه لأفعال العباد أنه مقدر لها و معرف لنا مقاديرها و مراتبها و ما به نستحق عليها من الجزاء