فضائله

* الشيخ الصدوق في التوحيد, قال الباقر عليه السلام: لو وجدت لعلمي الذي آتاني الله عز وجل حملة لنشرت التوحيد والاسلام والايمان والدين والشرائع من الصمد, وكيف لي بذلك ولم يجد جدي أمير المؤمنين عليه السلام حملة لعلمه حتى كان يتنفس الصعداء ويقول على المنبر: سلوني قبل أن تفقدوني فإن بين الجوانح مني علماً جماً, هاه! هاه! ألا لا أجد من يحمله, ألا وإني عليكم من الله الحجة البالغة فلا {تتولوا قوماً غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور}[1].[2]

 

* قطب الدين الراوندي في الخرائج والجرائح, روي عن أبي بصير قال: دخلت المسجد مع أبي جعفر عليه السلام والناس يدخلون ويخرجون, فقال لي: سل الناس هل يرونني؟ فكل من لقيته قلت له: أرأيت أبا جعفر؟ فيقول: لا, وهو واقف حتى دخل أبو هارون المكفوف, فقال: سل هذا، فقلت: هل رأيت أبا جعفر؟ فقال: أليس هو واقفاً؟ قلت: وما علمك؟! قال: وكيف لا أعلم وهو نور ساطع! قال[3]: وسمعته يقول لرجل من أهل إفريقيا: ما حال راشد؟ قال: خلفته حياً صالحاً يقرؤك السلام، قال عليه السلام: رحمه الله، قال: مات؟! قال: نعم، قال: ومتى؟ قال: بعد خروجك بيومين، قال: والله ما مرض, ولا كان به علّة! قال: وإنما يموت من يموت من مرض أو علة، قلت: من الرجل؟ قال: رجل كان لنا موالياً ولنا محباً، ثم قال: لئن ترون أنه ليس لنا معكم أعين ناظرة أو أسماع سامعة, لبئس ما رأيتم والله لا يخفى علينا شيء من أعمالكم, فاحضرونا جميلاً وعوّدوا أنفسكم الخير, وكونوا من أهله تُعرفون به, فإني بهذا آمر ولدي وشيعتي.[4]

 

* الشيخ الكليني في الكافي, حمد بن يحيى, عن أحمد بن محمد بن عيسى, عن محمد بن سنان, عن إسحاق بن عمار قال: حدثني رجل من أصحابنا, عن الحكم بن عتيبة قال: بينما أنا مع أبي جعفر عليه السلام والبيت غاص بأهله إذ أقبل شيخ يتوكأ على عنزة[5] له حتى وقف على باب البيت فقال: السلام عليك با ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته, ثم سكت, فقال أبو جعفر عليه السلام: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ثم أقبل الشيخ بوجهه على أهل البيت وقال: السلام عليكم, ثم سكت حتى أجابه القوم جميعاً وردوا عليه السلام, ثم أقبل بوجهه على أبي جعفر عليه السلام ثم قال: يا ابن رسول الله أدنني منك جعلني الله فداك فوالله إني لأحبكم وأحب من يحبكم, ووالله ما أحبكم وأحب من يحبكم لطمع في دنيا, والله إني لأبغض عدوكم وأبرأ منه, ووالله ما أبغضه وأبرأ منه لوتر[6] كان بيني وبينه والله إني لأحل حلالكم وأحرم حرامكم وأنتظر أمركم فهل ترجو لي جعلني الله فداك؟ فقال أبو جعفر عليه السلام: إليَّ إليَّ ! حتى أقعده إلى جنبه ثم قال: أيها الشيخ إن أبي علي بن الحسين عليه السلام أتاه رجل فسأله عن مثل الذي سألتني عنه فقال له أبي عليه السلام: إن تمت ترد على رسول الله | وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ويثلج قلبك ويبرد فؤادك وتقر عينك وتستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين ولو قد بلغت نفسك ههنا, وأهوى بيده إلى حلقه, وإن تعش ترى ما يقر الله به عينك وتكون معنا في السنام الاعلى.

ف‍قال الشيخ: كيف قلت: يا أبا جعفر؟ فأعاد عليه الكلام, فقال الشيخ: الله أكبر يا أبا جعفر إن أنا مت أرد على رسول الله | وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين عليهم السلام وتقر عيني ويثلج قلبي ويبرد فؤادي وأستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين لو قد بلغت نفسي إلى ههنا وإن أعش أرى ما يقر الله به عيني فأكون معكم في السنام الاعلى!! ثم أقبل الشيخ ينتحب ينشج[7] ها! ها! ها! حتى لصق بالأرض وأقبل أهل البيت ينتحبون وينشجون لما يرون من حال الشيخ وأقبل أبو جعفر عليه السلام يمسح بإصبعه الدموع من حماليق عينيه وينفضها، ثم رفع الشيخ رأسه فقال لأبي جعفر عليه السلام: يا ابن رسول الله ناولني يدك جعلني الله فداك فناوله يده فقبلها ووضعها على عينيه وخده, ثم حسر[8] عن بطنه وصدره فوضع يده على بطنه وصدره, ثم قام فقال: السلام عليكم وأقبل أبو جعفر عليه السلام ينظر في قفاه وهو مدبر ثم أقبل بوجهه على القوم فقال: من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا، فقال: الحكم بن عتيبة لم أر مأتماً قط يشبه ذلك المجلس.[9]

 

 

* الشيخ الكليني في الكافي,محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن سدير الصيرفي قال: أوصاني أبو جعفر عليه السلام بحوائج له بالمدينة فخرجت، فبينا أنا بين فج الروحاء[10] على راحلتي إذا إنسان يلوي ثوبه[11] قال: فملت إليه وظننت أنه عطشان فناولته الاداوة[12] فقال لي: لا حاجة لي بها وناولني كتاب طينه رطب، قال: فلما نظرت إلى الخاتم إذا خاتم أبي جعفر عليه السلام! فقلت: متى عهدك بصاحب الكتاب قال: الساعة وإذا في الكتاب أشياء يأمرني بها، ثم التفت فإذا ليس عندي أحد، قال: ثم قدم أبو جعفر عليه السلام فلقيته، فقلت: جُعلت فداك رجل أتاني بكتابك وطينه رطب فقال: يا سدير إن لنا خدماً من الجن فإذا أردنا السرعة بعثناهم[13].[14]

 

* محمد بن جرير الطبري في دلائل الإمامة, روى الحسن بن معاذ الرضوي قال: حدثنا لوط بن يحيى الازدي، عن عمارة بن زيد الواقدي، قال: حج هشام بن عبد الملك بن مروان سنة من السنين، وكان قد حج في تلك السنة محمد بن علي الباقر وابنه جعفر عليهم السلام، فقال جعفر في بعض كلامه: الحمد لله الذي بعث محمداً بالحق نبياً، وأكرمنا به، فنحن صفوة الله على خلقه، وخيرته من عباده، فالسعيد من اتبعنا، والشقي من عادانا وخالفنا، ومن الناس من يقول إنه يتولانا وهو يوالي أعداءنا ومن يليهم من جلسائهم وأصحابهم، فهو لم يسمع كلام ربنا ولم يعمل به.

قال أبو عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام فأخبر مسيلمة أخاه بما سمع، فلم يعرض لنا حتى انصرف إلى دمشق، وانصرفنا إلى المدينة، فأنفذ بريداً إلى عامل المدينة بإشخاص أبي وإشخاصي معه، فأشخصنا، فلما وردنا دمشق حجبنا ثلاثة أيام، ثم أذن لنا في اليوم الرابع، فدخلنا وإذا هو قد قعد على سرير الملك، وجنده وخاصته وقوف على أرجلهم سماطين[15] متسلحين، وقد نصب البُرجاس[16] حذاءَه، وأشياخ قومه يرمون، فلما دخل أبي وأنا خلفه ما زال يستدنينا منه حتى حاذيناه وجلسنا قليلاً، فقال لأبي: يا أبا جعفر، لو رميت مع أشياخ قومك الغرض، وإنما أراد أن يهتك بأبي ظناً منه أنه يقصر ويخطئ ولا يصيب إذا رمى، فيشتفي منه بذلك، فقال له: إني قد كبرت عن الرمي، فإن رأيت أن تعفيني, فقال: وحق من أعزنا بدينه ونبيه محمد | لا أعفيك, ثم أومأ إلى شيخ من بني أمية أن أعطه قوسك, فتناول أبي عند ذلك قوس الشيخ، ثم تناول منه سهماً فوضعه في كبد القوس ثم انتزع ورمى وسط الغرض فنصبه فيه، ثم رمى فيه الثانية فشق فوق سهمه إلى نصله، ثم تابع الرمي حتى شق تسعة أسهم بعضها في جوف بعض، وهشام يضطرب في مجلسه!! فلم يتمالك أن قال: أجدت يا أبا جعفر، وأنت أرمى العرب والعجم, [...] الخبر.[17]

 

* الشيخ الطوسي في الأمالي, إبراهيم الاحمري قال: حدثني محمد بن سليمان، عن أبيه قال: كان رجل من أهل الشام يختلف إلى أبي جعفر عليه السلام, وكان مركزه بالمدينة يختلف إلى مجلس أبي جعفر عليه السلام يقول له: يا محمد، ألا ترى أني إنما أغشى مجلسك حياء مني لك، ولا أقول إن في الارض أحداً أبغض إلي منكم أهل البيت، واعلم أن طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة أمير المؤمنين في بغضكم، ولكن أراك رجلاً فصيحاً لك أدب وحسن لفظ وإنما الاختلاف إليك لحسن أدبك، وكان أبو جعفر عليه السلام يقول له خيراً, ويقول: لن تخفى على الله خافية، فلم يلبث الشامي إلا قليلاً حتى مرض واشتد وجعه، فلما ثقل دعا وليه وقال له: إذا أنت مددت علي الثوب في النعش، فأت محمد بن علي وأعلمه أني أنا الذي أمرتك بذلك، قال: فلما أن كان في نصف الليل ظنوا أنه قد برد وسجوه، فلما أن أصبح الناس خرج وليه إلى المسجد، فلما أن صلى محمد بن علي عليه السلام وتورك وكان إذا صلى عقب في مجلسه قال له: يا أبا جعفر، إن فلاناً الشامي قد هلك، وهو يسألك أن تصلي عليه, فقال أبو جعفر: كلا، إن بلاد الشام بلاد صر[18] وبلاد الحجاز بلاد حر ولحمها شديد، فانطلق فلا تعجلن على صاحبك حتى آتيكم، ثم قام من مجلسه، فأخذ وضوءاً، ثم عاد فصلى ركعتين، ثم مد يده تلقاء وجهه ما شاء الله ثم خر ساجداً حتى طلعت الشمس ثم نهض فانتهى إلى منزل الشامي، فدخل عليه، فدعاه فأجابه، ثم أجلسه فسنده، ودعا له بسويق فسقاه، فقال لأهله: املأوا جوفه، وبردوا صدره بالطعام البارد, ثم انصرف، فلم يلبث إلا قليلاً حتى عوفي الشامي، فأتى أبا جعفر عليه السلام فقال: أخلني، فأخلاه، فقال: أشهد أنك حجة الله على خلقه، وبابه الذي يؤتى منه، فمن أتى من غيرك خاب وخسر وضل ضلالاً بعيداً، قال له أبو جعفر عليه السلام: وما بدا لك؟ قال: أشهد أني عهدت بروحي وعاينت بعيني، فلم يتفاجأني إلا ومناد ينادي، أسمعه بأذني ينادي وما أنا بالنائم: ردوا عليه روحه، فقد سألنا ذلك محمد بن علي عليه السلام, فقال له أبو جعفر عليه السلام: أما علمت أن الله يحب العبد ويبغض عمله ويبغض العبد ويحب عمله؟ قال: فصار بعد ذلك من أصحاب أبي جعفر عليه السلام.[19]

 

* ابن شعبة الحراني في تحف العقول, حضر أبو جعفر عليه السلام ذات يوم جماعة من الشيعة فوعظهم وحذرهم وهم ساهون لاهون, فأغاظه ذلك, فأطرق ملياً, ثم رفع رأسه إليهم فقال: إن كلامي لو وقع طرف منه في قلب أحدكم لصار ميتاً، ألا يا أشباحاً بلا أرواح, وذباباً بلا مصباح, كأنكم خشب مسندة وأصنام مريدة، ألا تأخذون الذهب من الحجر, ألا تقتبسون الضياء من النور الأزهر, ألا تأخذون اللؤلؤ من البحر، خذوا الكلمة الطيبة ممن قالها وإن لم يعمل بها, فإن الله يقول: {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله} ويحك يا مغرور ألا تحمد من تعطيه فانياً ويعطيك باقياً, درهم يفنى بعشرة تبقى إلى سبعمائة ضعف مضاعفة من جواد كريم, آتاك الله عند مكافأة هو مطعمك وساقيك وكاسيك ومعافيك وكافيك وساترك ممن يراعيك.

من حفظك في ليلك ونهارك وأجابك عند اضطرارك وعزم لك على الرشد في اختبارك، كأنك قد نسيت ليالي أوجاعك وخوفك دعوته فاستجاب لك, فاستوجب بجميل صنيعه الشكر, فنسيته فيمن ذكر, وخالفته فيما أمر, ويلك إنما أنت لص من لصوص الذنوب, كلما عرضت لك شهوة أو ارتكاب ذنب سارعت إليه وأقدمت بجهلك عليه, فارتكبته كأنك لست بعين الله, أو كأن الله ليس لك بالمرصاد.

يا طالب الجنة ما أطول نومك وأكل مطيتك وأوهى همتك فلله أنت من طالب ومطلوب, ويا هارباً من النار ما أحث مطيتك إليها وما أكسبك لما يوقعك فيها، انظروا إلى هذه القبور سطوراً بأفناء الدور, تدانوا في خططهم[20] وقربوا في مزارهم وبعدوا في لقائهم، عمروا فخربوا, وآنسوا فأوحشوا، وسكنوا فأزعجوا، وقطنوا فرحلوا، فمن سمع بدان بعيد, وشاحط[21] قريب, وعامر مخروب, وآنس موحش, وساكن مزعج, وقاطن مرحل, غير أهل القبور؟، يا ابن الايام الثلاث: يومك الذي ولدت فيه, ويومك الذي تنزل فيه قبرك, ويومك الذي تخرج فيه إلى ربك, فياله من يوم عظيم يا ذوي الهيئة المعجبة والهيم[22] المعطنة[23], مالي أرى أجسامكم عامرة وقلوبكم دامرة أما والله لو عاينتم ما أنتم ملاقوه وما أنتم إليه صائرون لقلتم: {يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين}[24] قال جل من قائل: {بل بدا لهم ما كانوا يخفون ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون}[25].[26]


[1] سورة الممتحنة, الآية 13.

[2] التوحيد ص92، بحار الأنوار ج3 ص225، نور البراهين ج1 ص239، تفسير مجمع البيان ج10 ص489، التفسير الصافي ج5 ص393، الأنوار البهية ص134، تفسير نور الثقلين ج5 ص713. 

[3] من هنا رووه في دلائل الإمامة والثاقب في المناقب ومناقب آشوب. 

[4] الخرائج والجرائح ج2 ص595، عنه البحار ج46 ص243، مدينة المعاجز ج5 ص173، دلائل الإمامة ص227، الثاقب في المناقب ص383، مناقب آشوب ج3 ص320 باختصار, الصراط المستقيم ج2 ص183 باختصار شديد.

[5] عنزة: عصا في رأسها حديد.

[6] الوتر: أي حقد وعداوة أو جناية.

[7] ينشج: أي ينتحب بصوت معه توجع وبكاء.

[8] حسر: أي كشف.

[9] الكافي ج8 ص76، عنه البحار ج46 ص361، الحدائق الناضرة ج9 ص66.

[10] فج الروحاء: موضع بالحرمين على ثلاثين ميل من المدينة.

[11] يلوي ثوبه: أي يشير به.

[12] الادواة: الإناء الذي يُسقى منه.

[13] وفي رواية أخرى قال: إن لنا أتباعاً من الجن، كما أن لنا أتباعاً من الانس فإذا أردنا أمراً بعثناهم.

[14] الكافي ج1 ص395, بصائر الدرجات ص115, عنه البحار ج27 ص17/ ج46 ص283/ ج60 ص102, عيون المعجزات ص74, الخرائج والجرائح ج2 ص853, دلائل الإمامة ص226, مناقب آشوب ج3 ص323, الثاقب في المناقب ص180, مدينة المعاجز ج5 ص34, خاتمة المستدرك ج4 ص318, تفسير الثقلين ج5 ص432.

[15] سماطين: أي جماعة من الناس على جانبيه.

[16] البرجاس بالضم: غرض في الهواء يوضع على رأس الرمح.

[17] دلائل الإمامة ص233, عنه البحار ج69 ص181, نوادر المعجزات ص127, الأمان من الأسفار ص66, عنه البحار ج46 ص306, مدينة المعاجز ج5 ص66, مستدرك الوسائل ج14 ص78.

[18] وفي البحار: بلاد صرد, والمعنى أنها شديدة البرودة.

[19] الأمالي للطوسي ص410, عنه البحار ج46 ص233, مناقب آشوب ج3 ص320, مدينة المعاجز ج5 ص105, الثاقب في المناقب ص369 باختلاف.

[20] الخطط: ما يخيطه الإنسان من الأرض ليعلم أنه قد أحتازها ليبنيها داراً.

[21] الشاحط: البعيد.

[22] الهيم: الأبل العطاش.

[23] أعطنت الإيل: حبسها عند الماء فبركت بعد الورود.

[24] سورة الأنعام, الآية 27.

[25] سورة الأنعام, الآية 28.

[26] تحف العقول ص291، عنه البحار ج75 ص170.