معاركه وسيرته في الحروب

 

معارك أمير المؤمنين صلوات الله عليه:

 

:معركة الجمل

 

سُمِّيت بذلك لأنَّ « قائدة الجيش » فضَّلت ركوب الجمل على البغال والحمير ، وكانت الواقعة في 4 كانون الأوَّل سنة 646م ، يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة 36هـ .

وكانت الوقعة خارج البصرة ، عند قصر عبيدالله بن زياد وكان عسكر الإمام عشرين ألفاً ، وعسكر عائشة ثلاثين ألفاً  .

        

ولمَّا التقى الجمعان قال الإمام لأصحابه :> لا تبدأوا القوم بقتال ، وإذا قاتلتموهم فلا تجهزوا على جريح ، وإذا هزمتموهم فلا تتَّبعوا مدبراً ، ولا تكشفوا عورة ، ولا تمثِّلوا بقتيل ، وإذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا ستراً ، ولا تدخلوا داراً ، ولا تأخذوا من أموالهم شيئاً.. ولا تهيجوا امرأةً بأذى وإن شتمن أعراضكم ، وسَبَبنَ أمراءكم وصلحاءكم < .

وقيل : إنَّ أوَّل قتيل كان يومئذٍ مسلم الجُهني ، أمره عليٌّ عليه السلام فحمل مصحفاً ، فطاف به على القوم يدعوهم إلى كتاب الله ، فقُتل.

ثمَّ أخذ أصحاب الجمل يرمون عسكر الإمام بالنبال ، حتى قُتل منهم جماعة ، فقال أصحاب الإمام : عقرتنا سهامهم ، وهذه القتلى بين يديك.. 

عند ذلك استرجع الإمام وقال :> اللَّهمَّ اشهد < ، ثُمَّ لبس درع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتقلَّد سيفه ورفع راية رسول الله السوداء المسمَّاة بالعقاب؛ فدفعها إلى ولده محمَّد بن الحنفية. وتقابل الفريقان للقتال ، فخرج الزبير ، وخرج طلحة بين الصفَّين ، فخرج إليهما عليٌّ ، حتى اختلفت أعناق دوابِّهم ، فقال عليٌّ عليه السلام : > لعمري قد أعددتما سلاحاً وخيلاً ورجالاً إن كنتما أعددتما عند الله عذراً ، فاتَّقيا الله ، ولا تكونا  كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أنكَاثاً.

 ألم أكن أخاكما في دينكما ، تُحرِّمان دمي ، وأُحرِّم دمكما ، فهل من حدثٍ أحلَّ لكما دمي < ؟!

 قال طلحة : ألَّبت على عُثمان.

 قال عليٌّ : > يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقّ < ، يا طلحة ، تطلب بدم عُثمان ؟! فلعن الله قتلة عُثمان ، يا طلحة ، أجئت بِعرس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تقاتل بها ، وخبَّأتَ عرسك في البيت! أما بايعتني ؟! .

 قال : بايعتك والسيف على عنقي!

 فقال عليٌّ عليه السلام للزبير: > يا زبير ، ما أخرجك ؟ قد كنَّا نعدُّك من بني عبدالمطَّلب حتى بلغ ابنك ابن السوء ، ففرَّق بيننا » وذكَّره أشياء ، فقال : « أتذكر يوم مررت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بني غنم ، فنظر إليَّ ، فضحك ، وضحكت إليه ، فقلتَ له : لا يدع ابن أبي طالب زهوه ، فقال لك : ليس به زهوٌ ، لتقاتلنَّه وأنت ظالم له ؟<.

 قال : اللَّهمَّ نعم ، ولو ذكرت ما سرتُ مسيري هذا ، والله لا أُقاتلك أبداً.

 فانصرف الزبير إلى عائشة ، فقال لها : ما كنتُ في موطن منذ عقلت الا وأنا أعرف فيه أمري ، غير موطني هذا.

 قالت : فما تريد أن تصنع ؟

 قال : أُريد أن أدعهم وأذهب.

 قال له ابنه عبدالله : جمعت بين هذين الغارين ، حتى إذا حدَّد بعضهم لبعض أردت أن تتركهم وتذهب ؟! لكنَّك خشيت رايات ابن أبي طالب ، وعلمت أنَّها تحملها فتيةٌ أنجاد ، وأنَّ تحتها الموت الأحمر ، فجبنت!

 فاحفظه ـ أي : أغضبه ـ ذلك ، وقال : إنِّي حلفتُ الا أُقاتله.

 قال : كفِّر عن يمينك ، وقاتله.

 فأعتق غلامه ( مكحولاً ) ، وقيل : سرجيس.

 فقال عبدالرحمن بن سلمان التميميُّ :

 

لم أرَ كاليوم أخا إخوانِ * أعْجَبَ من مُكَفِّرِ الايمانِ

بالعتق في معصية الرحمن

وقيل : إنَّه عاد ولم يقاتل الإمام عليه السلام.

 واحتدمت المعركة بين الفريقين ، وتقاتلوا قتالاً لم يشهد تاريخ البصرة  أشدَّ منه ، ثُمَّ إنَّ مروان بن الحكم رمى طلحة بسهمٍ وهو يقاتل معه ضدَّ عليٍّ عليه السلام ! يرميه فيرديه ويقول : لا أطلب بثأري بعد اليوم .

 واستمرَّ الحال في أشدِّ صراعٍ ، لم يرَ سوى الغبرة وتناثر الرؤوس والأيدي ، فتتهاوى أجساد المسلمين على الأرض.

 ولمَّا رأى الإمام هذا الموقف الرهيب من كلا الطرفين ، وعلم أنَّ المعركة لا تنتهي أبداً مادام الجمل واقفاً على قوائمه قال : > إرشقوا الجمل بالنبل ، واعقروه والا فنيت العرب ، ولايزال السيف قائماً حتى يهوي هذا البعير إلى الأرض <. فقطعوا قوائمه ، ثُمَّ ضربوا عجز الجمل بالسيف ، فهوى إلى الأرض وعجَّ عجيجاً لم يُسمع بأشدِّ منه. فتفرَّق من كان حوله كالجراد المبثوث ، وبقيت قائدة المعركة لوحدها في ميدان الحرب! وانتهت المعركة بهزيمة المتمرِّدين من أصحاب الجمل.

 أمَّا الإمام عليه السلام فقد هاله موقف المسلمين منه ، حتى ساقهم هذا العصيان والتمرُّد على الحقِّ إلى مثل هذا المصير ، فوقف بين قتلاه وقتلى المتمرِّدين ، تحيط به هالة القلق والتمزُّق فقال : « هذه قريشٌ ، جَدَعْتُ أنفي وشفيتُ نفسي ، لقد تقدَّمت إليكم أُحذِّركم عضَّ السيوف ، وكنتم أحداثاً لا علم لكم بما ترون ، ولكنَّه الحَين  ، وسوء المصرع ، فأعوذ بالله من سوء المصرع <؟.

 ثمَّ أمر عليٌّ عليه السلام نفراً أن يحملوا هودج عائشة من بين القتلى ، وأمر  أخاها محمَّد بن أبي بكر أن يضرب عليها قُبَّةً ، وقال : > انظر هل وصل إليها شيء من جراحة < ؟ فأدخل رأسه في هودجها ، فقالت : من أنت ؟ قال : أبغض أهلك إليك. قالت : ابن الخثعمية ؟ قال : نعم. قالت : يا بأبي ، الحمد لله الذي عافاك ‌ ؟!

 فلمَّا كان الليل أدخلها أخوها محمَّد بن أبي بكر البصرة ، في دار صفية بنت الحارث ، ثمَّ دخل الإمام عليه السلام البصرة فبايعه أهلها على راياتهم حتى الجرحى والمستأمنة..

 ثمَّ جهَّز عليٌّ عليه السلام عائشة بكلِّ ما ينبغي لها من مركبٍ وزادٍ ومتاعٍ وغير ذلك ، وبعث معها كلَّ من نجا ، ممَّن خرج معها ، الا من أحبَّ المقام ، واختار لها أربعين امرأةً من نساء البصرة المعروفات ، وسيَّر معها أخاها محمَّد بن أبي بكر .

 وقيل : إنَّه لمَّا أُخذ مروان بن الحكم أسيراً يوم الجمل ، فتكلَّم فيه الحسن والحسين عليهما السلام فخلَّى سبيله فقالا له : >يبايعك ، يا أمير المؤمنين ؟ < فقال : > ألم يبايعني بعد قتل عُثمان ، لا حاجة لي في بيعته ، أما إنَّ له إمرة كلعقة الكلب أنفه ، وهو أبو الأكبش الأربعة ، وستلقى الأُمَّة منه ومن ولده موتاً أحمر <. فكان كما قال عليه السلام .

 

معركة صفين:

 

لمَّا انتهت فتنة الجمل استعدَّ الإمام إلى حرب معاوية ، فوجد حماساً وتجاوباً من أهل الكوفة ، فقد كان قسم كبير منهم قد اشتركوا معه في معركة الجمل ، وهم الآن يريدون أن يضيفوا نصراً جديدا للإسلام.

ثمَّ إنَّ الإمام وقبل حرب صفِّين قد أرسل إلى معاوية السفراء والكتب يدعوه الى الطاعة والدخول فيما دخل المسلمون من قبله ، لكنَّه لم يستجب لطلبه ، بل أظهر الشدَّة والصلافة في ردِّه على رسائل الإمام ، واختار القتال على الصلح والمسالمة.

 في هذه الأثناء تجهَّز معاوية بجيشٍ ضخمٍ واتَّجه به صوب العراق ، ولمَّا بلغ أمير المؤمنين خبره جهَّز جيشه ، واتَّجه نحو الزحف ، ليقطع عليهم الدخول إلى أرض العراق ، لما في ذلك من قتل ونهب وفساد كبير.. فكان من ذلك حرب صفِّين ، وبالشعار السابق نفسه : « دم عُثمان<!

 

 فتمرَّدوا وأعدُّوا العدَّة لمحاربة إمام المتَّقين.. فهم لم يخرجوا في طلب الثأر لعثمان ، بل كان خروجهم ضدَّ الإمام ، وضدَّ الإسلام كلِّه ، والثأر لأنفسهم ، ونرى ذلك واضحاً من كلام ابن العاص مع معاوية على الشعار المزيَّف ، حيث قال عمرو بن العاص لمعاوية :

واسوأتاه! إنَّ أحقَّ الناس الا يذكر عُثمان لا أنا ولا أنت!

قال معاوية : ولِمَ ويحك ؟!

قال : أمَّا أنت فخذلته ومعك أهل الشام! وأمَّا أنا فتركته عياناً وهربتُ إلى فلسطين!

وقال له : أما والله ، إن قاتلنا معك نطلب دم الخليفة ، إنَّ في النفس ما فيها ، حيث نقاتل مَنْ تعلم سابقته وفضله وقرابته ، ولكنَّنا أردنا هذه الدنيا  !! فأيُّ مكرٍ هذا الذي رأيناه من كلامهما ؟! على مثل ذلك أعدُّوا العدَّة  لمحاربة الخليفة الجديد ، فهؤلاء هم القاسطون الذين كرهوا خلافة الإمام عليٍّ عليه السلام.

ووصل الإمام إلى صفِّين في ذي القعدة ، وابتدأت الحرب في أوَّل ذي الحجَّة سنة 36هـ ، وحصلت الهدنة في المحرم سنة 37 هـ ، واستؤنف القتال في أوَّل صفر ، وانتهى في 13 منه  ، وعسكر الإمام بالنُخيلة ، وعقد لواءه لغلامه قنبر.

ونزل معاوية بمن معه في وادي صفِّين ، وأخذ شريعة الفرات ، وجعلها في حيِّزه ، وبعث عليها أبا الأعور السُّلمي يحميها ويمنعها.. وبعث أمير المؤمنين صعصعة بن صوحان إلى معاوية ، يسأله أن يخلِّي بين الناس والماء ، فقال معاوية لأصحابه : ما ترون ؟ فبعضهم قال : امنعهم الماء ، كما منعوه ابن عفَّان ، اقتلهم عطشاً قتلهم الله ، لكنَّ عمرو بن العاص حاول أن يقنع معاوية بأن يخلِّي بين القوم وبين الماء ، فرجع صعصعة فأخبره بما كان ، وأنَّ معاوية قال : سيأتيكم رأيي ، فسرَّب الخيل إلى أبي الأعور ليمنعهم الماء. ولمَّا سمع عليٌّ عليه السلام ذلك قال : > قاتلوهم على الماء < ، فأرسل كتائب من عسكره ، فتقاتلوا واشتدَّ القتال ، واستبسل أصحاب الإمام أشدَّ استبسالٍ ، حتى خلَّوا بينهم وبين الماء ، وصار في أيدي أصحاب عليٍّ عليه السلام. فقالوا : والله لا نسقيه أهل الشام!

فأرسل عليٌّ عليه السلام إلى أصحابه أن : > خذوا من الماء حاجتكم وخلُّوا عنهم ، فإنَّ الله نصركم بغيِّهم وظلمهم<.

بهذا الخُلق الكريم عامل أمير المؤمنين عليه السلام أشدَّ مناوئيه.. ثمّ دعا عليّ عليه السلام جماعة من قادة جنده ، فقال لهم : « ائتوا هذا الرجل وادعوه إلى الله والى الطاعة والجماعة ».

ففعلوا ما أمرهم به ، لكنَّ معاوية قال لهم بعد أن سمع كلامهم : انصرفوا من عندي ، فليس بيني وبينكم الا السيف ، وغضب القوم ، وخرجوا ، فأتوا عليَّاً عليه السلام فأخبروه بذلك..

واحتدم القتال بين الطرفين ، فاقتتلوا يومهم كلَّه قتالاً شديداً لم يشهد له تاريخ الحروب مثيلاً ، ثُمَّ تقدَّم الإمام عليٌّ عليه السلام بمن معه يتقدَّمهم عمَّار بن ياسر ، ولمَّا برز لعمر بن العاص قال عمَّار : « لقد قاتلت صاحب هذه الراية مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث مرّات ، وهذه الرابعة ما هي بأبرَّ وأنقى <  يعني : راية معاوية. وقال حبَّة بن جُوَين العُرَني : قلتُ لحذيفة بن اليمان : حدِّثنا فإنَّا نخاف الفتن. فقال : عليكم بالفئة التي فيها ابن سُميَّة ، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : > تقتله الفئة الباغية الناكبة ( الناكثة ) عن الطريق ، وإنَّ آخر رزقه ضَياح من لبن < ، وهو الممزوج بالماء من اللبن ، قال حبَّة : فشهدته يوم قُتل وهو يقول : ائتوني بآخر رزقٍ لي في الدنيا ، فأُتي بضياحٍ من لبن في قدح أروح له حلقة حمراء ـ فما أخطأ حذيفة مقياس شعرة ـ فقال :  والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر؛ لعلمت أنَّنا على الحقِّ وأنَّهم على الباطل ، ثم قُتل  رضي الله عنه وأرضاه..

وقد تضعضع الكثيرون من أتباع ابن أبي سفيان لموقف عمَّار ، لأنَّ مقولة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه لم تكن خافيةً على أحدٍ من الناس .

وكان ذو الكلاع قد سمع عمرو بن العاص يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعمَّار بن ياسر : > تقتلك الفئة الباغية ، وآخر شربةٍ تشربها ضَياح من لبن < ، فكان ذو الكلاع يقول لعمرو : ما هذا ويحك يا عمرو ؟ فيقول عمرو : إنَّه سيرجع إلينا. فقُتل ذو الكلاع قبل عمَّار مع معاوية ، وأُصيب عمَّار بعده مع عليٍّ عليه السلام. فقال عمرو لمعاوية : ما أدري بقتل أيُّهما أنا أشدُّ فرحاً ، بقتل عمَّار أو بقتل ذي الكلاع ؟ والله لو بقي ذو الكلاع بعد قتل عمَّار لمال بعامَّة أهل الشام إلى عليٍّ  ، فأشرق وجه معاوية لذلك!

ولمَّا قُتل عمَّار ، قال عليٌّ لربيعة وهمدان : > أنتم درعي ورمحي < فانتدب له نحو من اثني عشر عليه السلام وتقدَّمهم عليٌّ على بغلة ، فحملوا معه حملة رجلٍ واحدٍ ، فلم يبقَ لأهل الشام صفٌّ الا انتقض ، وقتلوا كلَّ من انتهوا إليه.. حتى رأوا الظفر.

واستمرَّ القتال ليلةً كاملة حتى الصباح. فتطاعنوا حتى تقصَّفت الرماح ، وتراموا حتى نفد النبل ، وكان الأشتر في الميمنة وابن عبَّاس في الميسرة وعليٌّ عليه السلام في القلب ، والناس يقتتلون من كلِّ جانبٍ ، حتى أصبحوا والمعركة خلف أظهرهم.

 

رفع المصاحف كلمة يراد بها باطل:

  لمَّا رأى عمرو أنَّ أمر أهل العراق قد اشتدَّ وخاف الهلاك ، قال لمعاوية : هل لك في أمرٍ أعرضه عليك ، لا يزيدنا الا اجتماعاً ، ولا يزيدهم الا فرقةً ؟

قال : نعم.

قال : نرفع المصاحف ، ثُمَّ نقول : هذا حكم بيننا وبينكم.

فرفعوا المصاحف بالرماح وقالوا : هذا كتاب الله عزَّ وجلَّ بيننا وبينكم ، مَنْ لثغور الشام بعد أهله ؟ مَنْ لثغور العراق بعد أهله ؟ فلمَّا رآها الناس قالوا : نجيب إلى كتاب الله. فقال لهم عليٌّ عليه السلام : > عباد الله امضوا على حقِّكم وصدقكم وقتال عدوِّكم ، فإنَّ معاوية وعمراً وابن أبي معيط وحبيباً وابن أبي سرح والضحَّاك ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن ، أنا أعرَف بهم منكم ، قد صحبتهم أطفالاً ثُمَّ رجالاً ، فكانوا شرَّ أطفال وشرَّ رجال ، ويحكم والله ما رفعوها الا خديعةً ووهناً ومكيدة <. فقالوا له : لا يسعنا أن نُدعى إلى كتاب الله فنأبى أن نقبله! فقال لهم عليٌّ عليه السلام : > فإنِّي إنَّما أُقاتلهم ليدينوا لحكم الكتاب ، فإنَّهم قد عصو الله فيما أمره ونسوا عهده ونبذوا كتابه <. فقال له جماعة من المسلمين ، الذين صاروا خوارج بعد ذلك : يا عليُّ ، أجب إلى كتاب الله عزَّ وجلَّ إذا دُعيت إليه ، والا دفعناك برمَّتك إلى القوم ، أو نفعل بك ما فعلنا بابن عفَّان! قال >: فاحفظوا عنِّي نهيي إيَّاكم ، واحفظوا مقالتكم لي ، فإن تطيعوا فقاتلوا ، وإن تعصوني فاصنعوا ما بدا لكم <.

لم تكن بينهم وبين معاوية الا بضعة أمتار ، فلولا وقوع هؤلاء في الفخ الذي نصبه معاوية لاستطاع الإمام عليه السلام أن يسيطر على الموقف ويستأصل رأس الفتن ، ولكنَّ مسألة التحكيم غيَّرت مجرى الأُمور إلى أسوأ حال ، وقُدِّر لهذه المؤامرة أن تنجح وأن تجرَّ وراءها المصائب والويلات! ثمَّ قالوا للإمام : ابعث إلى الأشتر فليأتكَ ، فرجع الأشتر مغضباً بعدما أوشك على النصر ، فأقبل إليهم الأشتر ، وقال : يا أهل العراق! يا أهل الذلِّ والوهن! أحين علوتم القومَ وظنُّوا أنَّكم لهم قاهرون ، رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها ، وهم والله قد تركوا ما أمر الله به فيها وسُنَّة مَنْ أُنزلت عليه ؟ فأمهلوني فواقاً ، فإنِّي قد أحسستُ الفتح.  لكنَّهم أبوا الا التحكيم! وجعل أهل الشام عمرو بن العاص على التحكيم ، وأراد الإمام عليه السلام أن يجعل عبدالله بن عبَّاس ، لكنَّهم أبوا الا أبا موسى الأشعري ، ولمَّا رأى أنه لاتنفع معهم حجَّة حكَّمه على مضض!

وحضر عمرو بن العاص عند عليٍّ عليه السلام ليكتب القضية بحضوره ، فكتبوا :  بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما تقاضا عليه أمير المؤمنين ، فقال عمرو : اكتب اسمه واسم أبيه ، هو أميركم وأمَّا أميرنا فلا. فقال الأحنف : لا تمحُ اسم إمارة أمير المؤمنين ، فإنِّي أخاف إن محوتها أن لا ترجع إليه أبداً ، فلا تمحُها وإن قتل الناس بعضهم بعضاً ، فأبى ذلك عليٌّ عليه السلام ملياً من النهار. ثُمَّ إنَّ الأشعث بن قيس قال : امحُ هذا الاسم ، فمُحي ، فقال عليٌّ : « الله أكبر! سُنَّة بسُنَّة ، والله إنِّي لكاتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، يوم الحديبية فكتبتُ : محمَّد رسول الله ، وقالوا : لستَ برسول الله ، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك ، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمحوه ، فقلتُ : لا أستطيع ، فقال : أرنيه ، فأريته ، فمحاها بيده ، وقال : إنَّك ستُدعى إلى مثلها فتجيب».

فقال عمرو : سبحان الله! أتشبِّهنا بالكفَّار ونحن مؤمنون! فقال عليٌّ عليه السلام : > يا ابن النابغة ، ومتى لم تكن للفاسقين ولياً ، وللمؤمنين عدوّاً ؟<

فقال عمرو : والله ، لا يجمع بيني وبينك مجلس بعد هذا اليوم أبداً.

فقال عليٌّ عليه السلام : > إنِّي لأرجو أن يطهِّر الله مجلسي منك ومن أشباهك <  ..

وتمّت كتابة الكتاب بجعل كتاب الله الحاكم في كلِّ الأُمور ، وما لم يجد في كتاب الله فالسُنَّة العادلة الجامعة غير المفرِّقة.. واُجِّل القضاء إلى رمضان. ولمَّا انتهت مسألة التحكيم ، قال نفرٌ من أصحاب الإمام : كيف تُحكِّمون الرجال في دين الله ؟! لا حكم الا لله ، وكانوا يعترضون الإمام في خطبته بشعارهم « لا حكم الا لله » لذلك سُمُّوا بالمحكِّمة. فكانوا ما يقارب اثني عشر ألفاً.. فنزلوا في ناحية يُقال لها : « حروراء » لأجلها سُمُّوا بالحرورية.. فحاججهم الإمام عليه السلام بقوله الأوَّل قبل التحكيم ، ثُمَّ قال لهم : > قد اشترطتُ على الحكمين أن يُحييا ما أحيا القرآن ، ويُميتا ما أمات القرآن ، فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف ، وإن أبيا فنحن عن حكمهما براء <.

قالوا : أتراه عدلاً تحكيم الرجال في الدماء ؟

قال : > إنَّا لسنا حكَّمنا الرجال ، إنَّما حكَّمنا القرآن ، وهذا القرآن إنَّما هو خطٌّ مسطور بين دفَّتين لا ينطق ، إنَّما يتكلَّم به الرجال <  ثمَّ رجعوا مع الإمام عليه السلام.

فلمَّا التقى الحكمان : أبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص ، وخُدِع أبو موسى؛ إذ مكر به عمرو ، قال له : أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأسنُّ منِّي فتكلَّم ، وأراد عمرو بذلك كلِّه أن يقدِّمه في خلع عليٍّ ، قال له : نخلع عليَّاً ومعاوية معاً ، ونجعل الأمر شورى ، فيختار المسلمون لأنفسهم من أحبُّوا.

فتقدَّم أبو موسى فأعلن على الملأ الحاضرين أنَّه قد خلع عليَّاً من الخلافة ثُمَّ تنحَّى. وأقبل عمرو فقام ، وقال : إنَّ هذا قد قال ما سمعتموه وخلع صاحبه ، وأنا أخلع صاحبه كما خلعه ، وأُثبت صاحبي معاوية!  فدُهش أبو موسى وشتم عمرو وشتمه عمرو ، وانفضَّ التحكيم عن هذه النتيجة!

والتمس المسلمون أبا موسى فهرب إلى مكَّة ، ثُمَّ انصرف عمرو وأهل الشام الى معاوية فسلَّموا عليه بالخلافة.

مع هذه النتيجة عاد عليّ عليه السلام يعمل على إعادة نظم جيشه ، استعداداً لمرحلة جديدة من الحروب مع أهل الغدر ، ولكن فتناً جديدة نجمت بين أصحابه ستمنع من انطلاقته صوب أهدافه..

قام يوماً خطيباً بين أصحابه ، فقام إليه رجل من اُولئك « المحكمّة » فقال : لا حكم الا لله! ثُمَّ توالى عدَّة رجال يحكِّمون. فقال عليٌّ عليه السلام : > الله أكبر ، كلمة حقٍّ أُريدَ بها باطل! أما إنَّ لكم عندنا ثلاثاً ما صحبتمونا : لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه ، ولا نمنعكم الفيء مادامت أيديكم في أيدينا ، ولا نقاتلكم حتى تبدأوا ، وإنَّما نتّبع فيكم أمر الله  ..

بهذه الأخلاق النبيلة تعامل الإمام مع المارقين ، ورغم ذلك فقد مضوا على غيّهم ، فاعتزلوا بقيادة عبدالرحمن بن وهب الراسبي ، ثمَّ خرجوا من الكوفة.

فبايع المسلمون الإمام عليَّاً عليه السلام وقالوا : « نحن أولياء من واليت ، وأعداء من عاديت » فشرط فيهم سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وجاء دور صاحب راية  خثعم ، ربيعة بن أبي شداد فقال له : > بايع على كتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم < ، فأبى بأن يبايع الا على سُنَّة أبي بكر وعمر! فقال له عليٌّ عليه السلام حين ألحَّ عليه : تبايع ؟ قال : لا ، الا على ما ذكرتُ لك. فقال له الإمام : > أما والله ، لكأنِّي بك قد نفرت في هذه الفتنة ، وكأنِّي بحوافر خيلي قد شدخت وجهك <! قال قبيصة : فرأيته يوم النهروان قتيلاً قد وطأت الخيل وجهه وشدخت رأسه ومثَّلت به ، فذكرت قول عليٍّ ، وقلت : لله درُّ أبي الحسن ، ما حرَّك شفتيه قط بشيءٍ الا كان كذلك!  . وكان همُّ الإمام عليه السلام في العود إلى محاربة معاوية ، فعبَّأ جنده ، لكنَّه وبعد ذلك كلِّه لم يترك > المحكِّمة < فكتب إليهم كتاباً جاء فيه : > بسم الله الرحمن الرحيم ، من عبدالله عليٍّ أمير المؤمنين إلى عبدالله بن وهب الراسبي ويزيد بن الحصين ومن قبلهما : سلام عليكم ، وبعد ، فإنَّ الرجلين اللذين ارتضيتماهما للحكومة خالفا كتاب الله واتَّبعا هواهما بغير هدىً من الله ، فلمَّا لم يعملا بالسُنَّة ولم يحكما بالقرآن تبرَّأنا من حكمهما ، ونحن على أمرنا الأوَّل ، فأقبلوا إليَّ رحمكم الله ، فإنَّا سائرون إلى عدوِّنا وعدوِّكم لنعود لمحاربتهم ، حتى يحكم الله بيننا وبينهم ، وهو خير الحاكمين < . وردُّوا على هذا الخطاب الحكيم المتَّزن بخطابٍ ينمُّ عن شدَّة تعسُّفهم وردِّهم المارق ، فكتبوا إليه : « . فإن شهدت على نفسك أنَّك كفرت في ما كان من تحكيمك الحكمين ، واستأنفت التوبة والإيمان ، نظرنا في مسألتنا الرجوع إليك ، وإن تكن الأُخرى فإنَّنا ننابذك على سواء ، إنَّ الله لا يهدي كيد الخائنين <

فلمّا يئس منهم تحرَّك بجيشه صوب الشام ، حتى بلغ منطقةً في أعالي الفرات تُدعى « عانات » فأتته أخبار فضيعة عن الخوارج ، إذ أصبحوا يعترضون الناس فيقتلونهم دون أدنى ذنبٍ ، الا لأنَّهم لم يتبرَّأوا من عليٍّ ولم يكفِّروه لما حدث! حتى أنَّهم أقبلوا أخيراً إلى قتل عبدالله بن خباب بن الأرت الصحابي الشهير ، وقتلوا معه امرأته وبقروا بطنها وهي حامل ، وقتلوا عدَّة نساءٍ ، وبثُّوا الرعب في الناس. فبعث إليهم أمير المؤمنين الحارث بن مرَّة العبدي ليأتيه بخبرهم ، فأخذوه فقتلوه  . فتمخَّضت تلك الأحداث عن معركة النهروان الشهيرة..

 

 حرب النهروان:

 

المعروفة بوقعة الخوارج ، وحصلت الوقعة سنة 37هـ.

 

 لمَّا بلغ عليَّاً عليه السلام قتل « المحكِّمة » لعبدالله بن خباب بن الأرت واعتراضهم الناس ، وقتلهم مبعوث الإمام إليهم ، قال المسلمون الذين معه : يا أمير المؤمنين علامَ ندع هؤلاء وراءنا يخلفوننا في عيالنا وأموالنا ؟ سر بنا إلى القوم ، فإذا فرغنا منهم سرنا الى عدوِّنا من أهل الشام.فرجع عليه السلام بجنده الذين ذعروا على أهليهم من خطر الخوارج ، والتقت الفئتان في النهروان ، فلم يبدأهم الإمام عليه السلام بحرب ، حتى دعاهم إلى الحجَّة والبرهان ، فبعث إليهم ابن عبَّاس أمامه ، فناظرهم بالحجَّة والمنطق السليم ، لكنَّهم أصرُّوا على العمى والطغيان! ثُمَّ تقدَّم الإمام عليه السلام ، وذكَّرهم نهيه عن قبول التحكيم وإصرارهم عليه ، حتى لم يبقَ لديهم حجَّة ، وحتى رجع أكثرهم وتاب ، وممَّن رجع يومذاك إلى رشده : عبدالله بن الكوَّا أمير الصلاة فيهم وأبى بعضهم الا القتال!!

وتعبأ الفريقان ، ثمَّ جاءت الأنباء أنَّ الخوارج قد عبروا الجسر ، فقال عليه السلام : > والله ما عبروا ، ولا يقطعونه ، وإنَّ مصارعهم لدون الجسر < ، ثُمَّ ترادفت الأخبار بعبورهم وهو عليه السلام يحلف أنَّهم لن يعبروه وأنَّه > والله لا يفلتُ منهم عشرة ، ولا يهلك منكم عشرة <! فكان كلُّ ذلك كما أخبر به الإمام عليٌّ عليه السلام ، فأدركوهم دون النهر ، فكبَّروا ، فقال الإمام عليه السلام >: والله ما كذبتُ ولا كُذبت < .

 وكان عليٌّ عليه السلام قد قال لأصحابه : كُفُّوا عنهم حتى يبدأوكم ، فتنادوا : الرواح إلى الجنَّة! وحملوا على الناس  . واستعرت الحرب ، واستبسل أصحاب الإمام عليه السلام استبسالاً ليس له نظير ، فلم ينجُ من الخوارج الا ثمانية فرُّوا هنا وهناك ، ولم يُقتل من أصحاب الإمام عليه السلام غير تسعة ، وقيل : سبعة  .

 

وانجلت الحرب بانجلاء الخوارج وهلاكهم ، وقد روى جماعة أنَّ عليَّاً عليه السلام كان يحدِّث أصحابه قبل ظهور الخوارج ، أنَّ قوماً يخرجون ويمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميَّة ، علامتهم رجل مُخدَج اليد ، سمعوا ذلك منه مراراً  .

فقال الإمام عليه السلام : > اطلبوا ذي الثُديَّة < ، فقال بعضهم : ما نجده ، وقال آخرون : ما هو فيهم ، وهو يقول : > والله إنَّه لفيهم! والله ما كذبتُ ولا كُذبتُ < وانطلق معهم يفتِّشون عنه بين القتلى حتى عثروا عليه ، ورأوه كما وصفه لهم ، قال >: الله أكبر ، ما كذبتُ ولا كُذبت ، لولا أن تنكلوا عن العمل لأخبرتكم بما قصَّ الله على لسان نبيِّه صلى الله عليه وآله وسلم لمن قاتلهم ، مستبصراً في قتالهم ، عارفاً للحقِّ الذي نحن عليه <.

 

 وقال عليه السلام حين مرَّ بهم وهم صرعى : > بؤساً لكم! لقد ضرَّكم من غرَّكم <!

قالوا : يا أمير المؤمنين مَنْ غرَّهم ؟

 

 قال : > الشيطان وأنفسٌ أمَّارة بالسوء ، غرَّتهم بالأماني ، وزيَّنت لهم المعاصي ، ونبَّأتهم أنَّهم ظاهرون <  .

فقالوا : الحمد لله ـ يا أمير المؤمنين ـ الذي قطع دابرهم ، فقال عليه السلام : > كلا والله ، إنَّهم نطف في أصلاب الرجال ، وقرارات النساء < !

 

 

سيرته في الحروب :

 

في(علل الشرائع) ما أبي عن سعد عن ابن عيسى عن الحسن بن علي فضال عن ثعلبة بن ميمون عن الحسن بن هارون قال كنت عند أبي عبد الله ع جالسا فسأله المعلى بن خنيس أ يسير القائم بخلاف سيره أمير المؤمنين فقال نعم و ذلك أن عليا ع سار فيهم بالمن و الكف لأنه علم أن شيعته سيظهر عليهم عدوهم من بعده و أن القائم ع إذا قام سار فيهم بالبسط و السبي و ذلك أنه يعلم أن شيعته لن يظفر عليهم من بعده أبدا

 في حديث يزيد بن إسحاق عن أبي صادق قال سمعت عليا صلوات الله عليه يحرض الناس في ثلاثة مواطن الجمل و صفين و يوم النهر يقول عباد الله اتقوا الله و غضوا الأبصار و اخفضوا الأصوات و وطنوا أنفسكم على المنازلة و المجادلة و المبارزة و المناضلة و المنابذة و المعانقة و المكادمة و أثبتوا وَ اذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَ لا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَ اصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ

في (الكافي) أحمد بن محمد الكوفي عن ابن جمهور عن أبيه عن محمد بن سنان عن مفضل بن عمر عن أبي عبد الله ع و عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم عن حريز عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله ع قال قال أمير المؤمنين ع لأصحابه إذا لقيتم عدوكم في الحرب فأقلوا الكلام و اذكروا الله عز و جل و لا تولوهم الأدبار فتسخطوا الله تبارك و تعالى و تستوجبوا غضبه و إذا رأيتم من إخوانكم المجروح و من قد نكل به أو من قد طمع عدوكم فيه فقوه بأنفسكم

في  (الكافي) العدة عن سهل عن جعفر بن محمد عن ابن القداح عن أبيه الميمون عن أبي عبد الله ع أن أمير المؤمنين ع كان إذا أراد القتال قال هذه الدعوات اللهم إنك أعلمت سبيلا من سبلك جعلت فيه رضاك و ندبت إليه أولياءك و جعلته أشرف سبلك عندك ثوابا و أكرمها لديك مآبا و أحبها إليك مسلكا ثم اشتريت فيه مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وعدا عليك حقا فاجعلني ممن اشترى فيه منك نفسه ثم وفى لك ببيعة الذي بايعك عليه غير ناكث و لا ناقض عهد و لا مبدل تبديلا بل استيجابا لمحبتك و تقربا به إليك فاجعله خاتمة عملي و صير فيه فناء عمري و ارزقني فيه لك و به مشهدا توجب لي به منك الرضا و تحط به عني الخطايا و تجعلني في الأحياء المرزوقين بأيدي العداة و العصاة تحت لواء الحق و راية الهدى ماضيا على نصرتهم قدما غير مول دبرا و لا محدث شكا اللهم و أعوذ بك عند ذلك من الجبن عند موارد الأهوال و من الضعف عند مساورة الأبطال و من الذنب المحبط للأعمال فأحجم من شك أو أمضي بغير يقين فيكون سعيي في تباب و عملي غير مقبول

في (علل الشرائع) ابن الوليد عن الصفار عن معاوية بن حكيم عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبد الله ع قال كان علي لا يقاتل حتى تزول الشمس و يقول تفتح أبواب السماء و تقبل التوبة و ينزل النصر و يقول هو أقرب إلى الليل و أجدر أن يقل القتل و يرجع الطالب و يفلت المهزوم

نوادر الراوندي بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه ع قال قال الحسن بن علي ع كان علي ع يباشر القتال بنفسه و لا يأخذ السلب

في( نهج البلاغة) و كان يقول ع لأصحابه عند الحرب لا تشتدن عليكم فرة بعدها كرة و لا جولة بعدها حملة و أعطوا السيوف حقوقها و وطنوا للجنوب مصارعها و اذمروا أنفسكم على الطعن الدعسي و الضرب الطلحفي و أميتوا الأصوات فإنه أطرد للفشل و الذي فلق الحبة و برأ النسمة ما أسلموا و لكن استسلموا و أسروا الكفر فلما وجدوا عليه أعوانا أظهروه