معجزاته وكراماته

شُعاعٌ من نور شمسِ الشُّموس وأنيسِ النُّفوس
الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام 

 

  

 

  

* الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام,حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله, عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي, عن أبيه, عن عبد الله بن عبد الرحمن, عن المفضل بن عمر, قال: دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام وعلي عليه السلام ابنه في حجره وهو يُقبِّله ويمص لسانه ويضعه على عاتقه ويضمه إليه ويقول: بأبي أنت وأمي ما أطيب ريحك وأطهر خلقك وأبين فضلك! قلت: جُعلت فداك لقد وقع في قلبي لهذا الغلام من المودة ما لم يقع لأحد إلا لك فقال لي: يا مفضل هو مني بمنزلتي من أبي عليه السلام {ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم}[1] قال: قلت هو صاحب هذا الأمر من بعدك؟ قال: نعم من أطاعه رشد ومن عصاه كفر.[2]

 

* محمد بن جرير الطبري في دلائل الإمامة,حدثنا علي بن قنطر الموصلي قال: حدثنا سعد بن سلام، قال: أتيت علي بن موسى الرضا عليه السلام وقد حاس[3] الناس فيه وقالوا: لا يصلح للامامة، فإن أباه لم يوص إليه, فقعد منا عشرة رجال فكلموه، فسمعت الجماد الذي من تحته يقول: هو إمامي وإمام كل شيء! وإنه دخل المسجد الذي في المدينة - يعني مدينة أبي جعفر المنصور - فرأيت الحيطان والخشب تكلمه وتسلم عليه.[4]

 

* الشيخ الكليني في الكافي, علي بن محمد, عن سهل بن زياد, عن علي بن محمد القاساني قال: أخبرني بعض أصحابنا أنه حُمل إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام مالاً له خطر, فلم أره سُرَّ به قال: فاغتممت لذلك وقلت في نفسي: قد حملت هذا المال ولم يُسر به! فقال: يا غلام الطست والماء, قال: فقعد على كرسي وقال بيده وقال للغلام: صب عليّ الماء قال: فجعل يسيل من بين أصابعه في الطست ذهب!! ثم التفت إليّ فقال لي: من كان هكذا لا يبالي بالذي حملته إليه.[5]

 

* الشيخ المفيد في الاختصاص, محمد بن عيسى بن عبيد، عن محمد بن حمزة بن القاسم قال: أخبرني إبراهيم بن موسى قال: ألححت على أبي الحسن الرضا عليه السلام في شيء أطلبه منه وكان يعدني، فخرج ذات يوم يستقبل والي المدينة وكنت معه فجاء إلى قرب قصر فلان، فنزل تحت شجرات ونزلت معه أنا وهو ليس معنا ثالث فقلت له: جُعلت فداك هذا العيد قد أظلنا ولا والله ما أملك درهماً فما سواه, فحك بسوطه الأرض حكاً شديداً ثم ضرب بيده فتناول منها سبيكة ذهب فقال: استنفع بها واكتم ما رأيت. [6]

 

* ابن شهر آشوب في المناقب,روى الحسن بن محمد بن أحمد السمرقندي المحدث بالاسناد عن الحسن بن علي الوشاء الكوفي قال: كتبت مسائل في طومار لأجرب بها علي بن موسى عليه السلام فغدوت إلى بابه فلم أصل إليه لزحام الناس فبينما خادم يسأل الناس عني وهو يقول: من الحسن بن علي الوشاء ابن بنت إلياس البغدادي؟ فقلت له: يا غلام فها أنا ذا, فأعطاني كتاباً وقال لي: هذه جوابات مسائلك التي معك فقطعت بامامته وتركت مذهب الوقف.[7]

 

* الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام, حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبي الصلت الهروي قال: كان الرضا عليه السلام يكلم الناس بلغاتهم وكان والله أفصح الناس وأعلمهم بكل لسان ولغة فقلت له يوماً: يابن رسول الله إني لأعجب من معرفتك بهذه اللغات على اختلافها! فقال: يا أبا الصلت أنا حجة الله على خلقه وما كان الله ليتخذ حجة على قوم وهو لا يعرف لغاتهم أو ما بلغك قول أمير المؤمنين عليه السلام: أوتينا فصل الخطاب! فهل فصل الخطاب إلا معرفة اللغات.[8]  

 

* قطب الدين الراوندي في الخرائج والجرائح,قال أبو إسماعيل السندي: سمعت بالسند أن لله في العرب حجة، فخرجت منها في الطلب، فدللت على الرضا عليه السلام فقصدته، فدخلت عليه وأنا لا أحسن من العربية كلمة, فسلمت بالسندية، فرد علي بلغتي، فجعلت أكلمه بالسندية، وهو يجيبني بالسندية فقلت له: إني سمعت بالسند أن لله حجة في العرب، فخرجت في الطلب, فقال بلُغتي: نعم أنا هو, ثم قال: فسل عما تريد, فسألته عما أردته، فلما أردت القيام من عنده قلت: إني لا أحسن من العربية شيئاً، فادع الله أن يلهمنيها لأتكلم بها مع أهلها، فمسح يده على شفتي، فتكلمت بالعربية من وقتي. [9] 

* قطب الدين الراوندي في الدعوات,وعن محمد بن علي صلوات الله وسلامه علیه قال: مرض رجل من أصحاب الرضا عليه السلام فعاده فقال: كيف نجدك؟ قال: لقيت الموت بعدك, يريد به ما لقيه من شدة مرضه، فقال: كيف لقيته؟ قال: شديداً أليماً، قال: ما لقيته إنما ما يبدؤك به ويعرفك بعض حاله, إنما الناس رجلان مستريح بالموت, ومستراح منه, فجدد الايمان بالله وبالولاية تكن مستريحاً، ففعل الرجل ذلك ثم قال: يا ابن رسول الله هذه ملائكة ربي بالتحيات والتحف يسلمون عليك وهم قيام بين يديك, فأذن لهم بالجلوس.

فقال الرضا عليه السلام: اجلسوا ملائكة ربي، ثم قال للمريض: سلهم أُمروا بالقيام بحضرتي؟ فقال المريض: سألتهم فزعموا أنه لو حضرك كل من خلقه الله من ملائكته لقاموا لك, ولم يجلسوا حتى تأذن لهم, هكذا أمرهم الله عز وجل، ثم غمض الرجل عينيه وقال: السلام عليك يا ابن رسول الله هكذا شخصك ماثل لي مع أشخاص محمد صلى الله عليه وآله ومن بعده من الأئمة عليهم السلام وقضى الرجل.[10]

 

* قطب الدين الراوندي في الخرائج والجرائح,روي عن عبد الله بن سوقة قال: مر بنا الرضا عليه السلام فاختصمنا في إمامته، فلما خرج، خرجت أنا وتميم بن يعقوب السراج من أهل برقة ونحن مخالفون له نرى رأي الزيدية فلما صرنا في الصحراء فإذا نحن بظباء، فأومى أبو الحسن عليه السلام إلى خشف[11] منها، فإذا هو قد جاء حتى وقف بين يديه، فأخذ أبو الحسن يمسح رأسه، ودفعه إلى غلامه، فجعل الخشف يضطرب لكي يرجع إلى مرعاه، فكلمه الرضا بكلام لا نفهمه، فسكن، ثم قال: يا عبد الله أو لم تؤمن؟ قلت: بلى يا سيدي، أنت حجة الله على خلقه، وأنا تائب إلى الله، ثم قال للظبي: إذهب إلى مرعاك، فجاء الظبي وعيناه تدمعان، فتمسح بأبي الحسن عليه السلام ورغى, فقال أبو الحسن عليه السلام: تدري ما يقول؟ قلنا: الله ورسوله وابن رسوله أعلم؟ قال يقول: دعوتني فرجوت أن تأكل من لحمي فأجبتك وحزنتني حين أمرتني بالذهاب.[12]

 

* محمد بن جرير الطبري في دلائل الامامة, حدثنا معلى بن الفرج قال: أخبرنا معبد بن جنيد الشامي قال: دخلت على علي بن موسى الرضا عليه السلام فقلت له: قد كثر الخوض فيك وفي عجائبك، فلو شئت أنبأتني بشيء أحدثه عنك, فقال: وما تشاء؟ فقلت: تحيي لي أبي وأمي, فقال: انصرف إلى منزلك فقد أحييتهما, فانصرفت والله وهما في البيت أحياء، فأقاما عندي عشرة أيام، ثم قبضهما الله تبارك وتعالى.[13]

 

* الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام,حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب وعلي بن عبد الله الوراق رضي الله عنهما قالا: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم, عن أبيه إبراهيم بن هاشم, عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: دخل دعبل بن علي الخزاعي, علي بن موسى الرضا عليه السلام بمرو فقال له: يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله إني قد قلت فيك قصيدة وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحداً قبلك فقال عليه السلام: هاتها, فأنشده:

مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات

فلما بلغ إلى قوله: أرى فيئهم في غيرهم متقسماً * وأيديهم من فيئهم صفرات

بكى أبو الحسن الرضا عليه السلام وقال له: صدقت يا خزاعي!

فلما بلغ إلى قوله: إذا وتروا مدوا إلى واتريهم * أكفاً عن الاوتار منقبضات

جعل أبو الحسن عليه السلام يقلب كفيه ويقول: أجل والله منقبضات!

فلما بلغ إلى قوله: لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها * وإني لأرجو الأمن بعد وفاتي

قال الرضا عليه السلام: آمنك الله يوم الفزع الأكبر!

فلما انتهى إلى قوله: وقبر ببغداد لنفس زكية * تضمنها الرحمن في الغرفات

قال له الرضا عليه السلام: أفلا ألحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك؟ فقال: بلى يا ابن رسول الله, فقال عليه السلام:

وقبر بطوس يا لها من مصيبة * توقد في الاحشاء بالحرقات

إلى الحشر حتى يبعث الله قائماً * يفرج عنا الهم والكربات

فقال دعبل: يا ابن رسول الله هذا القبر الذي بطوس قبر من هو؟ فقال الرضا عليه السلام: قبري ولا تنقضي الايام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزواري ألا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفوراً له, [...] الخبر.[14]

 

* الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام, حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم, عن محمد بن عيسى, عن أبي حبيب البناجي[15] أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام وقد وافى البناج ونزل بها في المسجد الذي ينزله الحاج كل سنة وكأني مضيت إليه وسلمت عليه ووقفت بين يديه ووجدت عنده طبقاً من خوص[16] نخل المدينة فيه تمر صيحاني فكأنه قبض قبضة من ذلك التمر فناولني منه فعددته فكان ثمانية عشرة تمرة فتأولت أني أعيش بعدد كل تمرة سنة فلما كان بعد عشرين يوماً كنت في أرض تعمر بين يدي للزراعة حتى جاءني من أخبرني بقدوم أبي الحسن الرضا عليه السلام من المدينة ونزوله ذلك المسجد ورأيت الناس يسعون إليه فمضيت نحوه فإذا هو جالس في الموضع الذي كنت رأيت فيه النبي صلى الله عليه وآله وتحته حصير مثل ما كان تحته وبين يديه طبق خوص فيه تمر صيحاني فسلمت عليه فرد السلام علي واستدناني فناولني قبضة من ذلك التمر فعددته فإذا عدده مثل ذلك التمر الذي ناولني رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت له: زدني منه يابن رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقال عليه السلام: لو زادك رسول الله صلى الله عليه وآله لزدناك![17]

 

* الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام, حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رضي الله عنه قال: حدثنا الحسين بن محمد بن عامر, عن عمه عبد الله بن عامر, عن سليمان بن حفص المروزي قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر صلوات الله وسلامه علیه يقول: من زار قبر ولدي علي كان له عند الله تعالى سبعون حجة مبرورة قلت: سبعون حجة؟! قال: نعم وسبعون ألف حجة, ثم قال: رُبَّ حجة لا تقبل, ومن زاره أو بات عنده ليله كمن زار الله تعالى في عرشه قلت: كمن زار الله في عرشه؟! قال: نعم إذا كان يوم القيامة كان على عرش الله تعالى أربعة من الأولين وأربعة من الأخرين, فأما الأولين فنوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام, وأما الأربعة الآخرون فمحمد وعلي والحسن والحسين صلوات الله عليهم ثم يمد المطمار فيقعد معنا زوار قبور الأئمة, ألا إن أعلاهم درجة وأقربهم حبوة زوار قبر ولدي علي عليه السلام.[18]

 

* الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام,حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني مولى بني هاشم قال: حدثنا علي بن بن فضال عن أبيه قال: سمعت أبا الحسن علي موسى الرضا عليه السلام يقول: أنا مقتول ومسموم ومدفون بأرض غربة, أعلم ذلك بعهد عهده إليَّ أبي عن أبيه عن آبائه عن علي بن أبي طالب عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله: ألا فمن زارني في غربتي كنت أنا وآبائي شفعاءه يوم القيامة ومن كنا شفعاءه نجى ولو كان عليه مثل وزر الثقلين.[19]

 

* الشيخ الصدوق في الأمالي, حدثنا محمد بن علي ماجيلويه &، قال: حدثني علي بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن أبي الصلت الهروي، قال: بينا أنا واقف بين يدي أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام إذ قال لي: يا أبا الصلت، ادخل هذه القبة التي فيها قبر هارون فأتني بتراب من أربع جوانبها، قال: فمضيت فأتيت به، فلما مثلت بين يديه قال لي: ناولني من هذا التراب، وهو من عند الباب، فناولته، فأخذه وشمه، ثم رمى به، ثم قال: سيحفر لي ها هنا قبر، وتظهر صخرة، لو جمع عليها كل معول بخراسان لم يتهيأ قلعها، ثم قال: في الذي عند الرجل والذي عند الرأس مثل ذلك، ثم قال: ناولني هذا التراب، فهو من تربتي، ثم قال: سيحفر لي في هذا الموضع، فتأمرهم أن يحفروا لي سبع مراقي إلى أسفل، وأن يشق لي ضريحة، فإن أبوا إلا أن يلحدوا، فتأمرهم أن يجعلوا اللحد ذراعين وشبراً، فإن الله عز وجل سيوسعه لي ما شاء، فإذا فعلوا ذلك فإنك ترى عند رأسي نداوة، فتكلم بالكلام الذي أعلمك، فإنه ينبع الماء حتى يمتلئ اللحد، وترى فيه حيتاناً صغاراً فتفت لها الخبز الذي أعطيك فإنها تلتقطه، فإذا لم يبق منه شيء خرجت منه حوتة كبيرة فالتقطت الحيتان الصغار حتى لا يبقى منها شيء ثم تغيب، فإذا غابت فضع يدك على الماء، وتكلم بالكلام الذي أعلمك، فإنه ينضب ولا يبقى منه شيء ولا تفعل ذلك إلا بحضرة المأمون.

ثم قال عليه السلام: يا أبا الصلت، غداً أدخل إلى هذا الفاجر، فإن أنا خرجت وأنا مكشوف الرأس فتكلم أكلمك، وإن خرجت وأنا مغطى الرأس فلا تكلمني، قال أبو الصلت: فلما أصبحنا من الغد لبس ثيابه وجلس في محرابه ينتظر، فبينا هو كذلك إذ دخل عليه غلام المأمون، فقال له: أجب أمير المؤمنين، فلبس نعله ورداءه وقام يمشي وأنا أتبعه، حتى دخل على المأمون وبين يديه طبق عليه عنب، وأطباق فاكهة بين يديه، وبيده عنقود عنب قد أكل بعضه وبقي بعضه، فلما أبصر بالرضا صلوات الله عليه وثب إليه وعانقه، وقبل ما بين عينيه، وأجلسه معه، ثم ناوله العنقود وقال: يا بن رسول الله، هل رأيت عنبا أحسن من هذا، فقال له: الرضا عليه السلام: ربما كان عنباً حسناً يكون من الجنة، فقال له: كل منه، فقال له الرضا عليه السلام: أو تعفيني منه؟ فقال: لا بد من ذلك، ما يمنعك منه، لعلك تتهمنا بشيء؟ فتناول العنقود فأكل منه، ثم ناوله فأكل منه الرضا عليه السلام ثلاث حبات ثم رمى به وقام، فقال له المأمون: إلى أين؟ قال: إلى حيث وجهتني، وخرج عليه السلام مغطى الرأس، فلم أكلمه حتى دخل الدار، فأمر أن يغلق الباب فأغلق، ثم نام على فراشه، فمكثت واقفاً في صحن الدار مهموماً محزوناً، فبينا أنا كذلك إذ دخل عليَّ شاب حسن الوجه قطط[20] الشعر، أشبه الناس بالرضا عليه السلام، فبادرت إليه فقلت له: من أين دخلت والباب مغلق؟ فقال لي: الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت، هو الذي أدخلني الدار والباب مغلق، فقلت له: ومن أنت؟ فقال لي: أنا حجة الله عليك يا أبا الصلت، أنا محمد بن علي، ثم مضى نحو أبيه عليه السلام، فدخل وأمرني بالدخول معه، فلما نظر إليه الرضا عليه السلام وثب إليه وعانقه وضمه إلى صدره وقبل ما بين عينيه، ثم سحبه سحباً إلى فراشه، وأكب عليه محمد بن علي صلوات الله وسلامه علیه يقبله ويساره بشيء لم أفهمه، ورأيت على شفتي الرضا عليه السلام زبداً أشد بياضاً من الثلج، ورأيت أبا جعفر يلحسه بلسانه، ثم أدخل يده بين ثوبه وصدره، فاستخرج منه شيئاً شبيهاً بالعصفور، فابتلعه أبو جعفر عليه السلام، ومضى الرضا عليه السلام، فقال أبو جعفر عليه السلام: قم يا أبا الصلت فأتني بالمغتسل والماء من الخزانة، فقلت: ما في الخزانة مغتسل ولا ماء! فقال: ائتمر بما آمرك به، فدخلت الخزانة فإذا فيها مغتسل وماء، فأخرجته وشمرت ثيابي لاغسله معه، فقال لي: تنح يا أبا الصلت، فإن لي من يعينني غيرك، فغَسله، ثم قال لي: ادخل الخزانة فأخرج إليّ السفط الذي فيه كفنه وحنوطه، فدخلت فإذا أنا بسفط لم أره في تلك الخزانة، فحملته إليه، فكفنه وصلى عليه، ثم قال: أئتني بالتابوت، فقلت: أمضي إلى النجار حتى يصلح تابوتاً، قال: قم فإن في الخزانة تابوتاً، فدخلت الخزانة فإذا تابوت لم أره قط، فأتيته به، فأخذ الرضا عليه السلام، بعد أن كان صلى عليه، فوضعه في التابوت وصف قدميه، وصلى ركعتين لم يفرغ منهما حتى علا التابوت وانشق السقف، فخرج منه التابوت ومضى، فقلت: يا بن رسول الله، الساعة يجيئنا المأمون فيطالبني بالرضا عليه السلام فما أصنع؟

فقال: اسكت، فإنه سيعود، يا أبا الصلت، ما من نبي يموت في المشرق ويموت وصيه بالمغرب إلا جمع الله عز وجل بين أرواحهما وأجسادهما، فما تم الحديث حتى انشق السقف ونزل التابوت، فقام عليه السلام فاستخرج الرضا عليه السلام من التابوت، ووضعه على فراشه، كأنه لم يغسل ولم يكفن، وقال: يا أبا الصلت، قم فافتح الباب للمأمون، ففتحت الباب، فإذا المأمون والغلمان بالباب، فدخل باكياً حزيناً قد شق جيبه، ولطم رأسه، وهو يقول: يا سيداه، فجعت بك يا سيدي، ثم دخل وجلس عند رأسه، وقال: خذوا في تجهيزه، فمر بحفر القبر، فحضرت الموضع، وظهر كل شيء على ما وصفه الرضا عليه السلام، فقال بعض جلسائه: ألست تزعم أنه إمام؟ قال: نعم، لا يكون الامام إلا مقدم الرأس، فأمر أن يحفر له في القبلة، فقلت: أمرني أن أحفر له سبع مراقي، وأن أشق له ضريحة، فقال: انتهوا إلى ما يأمركم به أبو الصلت سوى الضريحة، ولكن يحفر له ويلحد، فلما رأى ما ظهر من النداوة والحيتان وغير ذلك، قال المأمون: لم يزل الرضا عليه السلام يرينا عجائبه في حياته حتى أراناها بعد وفاته، فقال له وزير كان معه، أتدري ما أخبرك به الرضا؟ قال: لا، قال: إنه أخبرك أن ملككم بني العباس مع كثرتكم وطول مدتكم مثل هذه الحيتان،حتى إذا فنيت آجالكم،وانقطعت آثاركم، وذهبت دولتكم سلط الله تبارك وتعالى عليكم رَجلاً منا فأفناكم عن آخركم، قال له:صدقت، ثم قال لي: يا أبا الصلت، علمني الكلام الذي تكلمت به، قلت: والله لقد نسيت الكلام من ساعتي، وقد كنت صدقت، فأمر بحبسي، ودفن الرضا عليه السلام، فحبست سنة، وضاق علي الحبس، وسهرت الليل، فدعوت الله عز وجل بدعاء ذكرت فيه محمداً وآل محمد صلى الله عليه وآله، وسألت الله بحقهم أن يفرج عني، فلم أستتم الدعاء حتى دخل علي محمد بن علي عليه السلام، فقال لي:يا أبا الصلت، ضاق صدرك؟ فقلت: إي والله! قال: قم فاخرج، ثم ضرب يده إلى القيود التي كانت علي ففكها، وأخذ بيدي، وأخرجني من الدار، والحرسة والغلمة يرونني، فلم يستطيعوا أن يكلموني، وخرجت من باب الدار، ثم قال: امض في ودائع الله، فإنك لن تصل إليه، ولا يصل إليك أبداً، قال أبو الصلت: فلم ألتق مع المأمون إلى هذا الوقت.[21]

 

 

[1] سورة آل عمران, الآية 34.

[2] عيون أخبار الرضا علیه السلام ج2 ص40، عنه البحار ج49 ص20، وسائل الشيعة ج18 ص557، خاتمة المستدرك ج4 ص112. 

[3] حاس الناس فيه: أي بالغوا في النكاية فيه.

[4] دلائل الإمامة ص363, نوادر المعجزات ص168, مدينة المعاجز ج7 ص23.

[5] الكافي ج1 ص491، مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص459، كشف الغمة ج3 ص95، عنه البحار ج49 ص63، الثاقب في المناقب ص497، مدينة المعاجز ج7 ص21.

[6] الإختصاص ص270, بصائر الدرجات ص394, عنهما البحار ج49 ص47, دلائل الإمامة ص368, الإرشاد ج2 ص257, إعلام الورى ج2 ص61, مناقب آشوب ج3 ص456, الكافي ج1 ص488, كشف الغمة ج3 ص68, الثاقب في المناقب ص473, مدينة المعاجز ج6 ص289, روضة الواعظين ص222.

[7] مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص453، مدينة المعاجز ج7 ص116، مشارق أنوار اليقين ص147، عنه البحار ج49 ص71.

[8] عيون أخبار الرضا علیه السلام ج1 ص251, عنه البحار ج26 ص190/ ج49 ص87, إعلام الورى ج2 ص70, كشف الغمة ج3 ص119, مناقب آشوب ج3 ص446, مدينة المعاجز ج7 ص124, مشارق الأنوار ص124, تفسير الثقلين ج4 ص444.

[9] الخرائج والجرائح ج1 ص340, عنه البحار ج49 ص50, الثاقب في المناقب ص498, مدينة المعاجز ج7 ص237, كشف الغمة ج3 ص97, الصراط المستقيم ج2 ص195.

[10] دعوات الراوندي ص248، عنه البحار ج6 ص194/ ج49 ص72، معاني الأخبار ص289، مستدرك الوسائل ج2 ص126.

[11] الخشف: ولد الظبي.

[12] الخرائج والجرائح ج1 ص364, عنه البحار ج49 ص52, الثاقب في المناقب ص176, مدينة المعاجز ج7 ص216.

[13] دلائل الإمامة ص363, نوادر المعجزات ص168, مدينة المعاجز ج7 ص24, فرج المهموم ص231, البحار ج49 ص60.

[14] عيون أخبار الرضا ج1 ص294، عنه البحار ج49 ص239، مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص450، مدينة المعاجز ج7 ص185، إكمال الدين ص373، إعلام الورى ج2 ص66.

[15] نسبة إلى البناج: قرية في البادية.

[16] الخوص: ورق النخل.

[17] عيون أخبار الرضا علیه السلام ج1 ص227, عنه البحار ج49 ص35, دلائل الإمامة ص367, الثاقب في المناقب ص483, مناقب آشوب ج3 ص453, عنه البحار ج49 ص118, مدينة المعاجز ج7 ص45, إعلام الورى ج2 ص54, كشف الغمة ج3 ص107, مستدرك الوسائل ج12 ص374, الأمالي للمفيد ص335 نحوه, الأمالي للطوسي ص114 نحوه, الخرائج والجرائح ج1 ص411 نحوه.

[18] عيون أخبار الرضا علیه السلام ج1 ص290، أمالي الصدوق ص182، عنهما البحار ج99 ص35، الكافي ج4 ص585، كامل الزيارات ص511، جواهر الكلام ج20 ص98، روضة الواعظين ص234, وسائل الشيعة ج10 ص442 نحوه.

[19] عيون أخبار الرضا علیه السلام ج1 ص294، أمالي الصدوق ص709، عنهما البحار ج99 ص34، مدينة المعاجز ج7 ص184, وسائل الشيعة ج10 ص436 نحوه.

[20] قطط شعر: حسن الجعودة.

[21] عيون أخبار الرضا علیه السلام ج1 ص274، أمالي الصدوق ص759، عنهما البحار ج49 ص300، روضة الواعظين ص229، عنه مناقب إبن شهر آشوب ج3 ص482، مدينة المعاجز ج7 ص158، الثاقب في المناقب ص489، إعلام الورى ج2 ص81، كشف الغمة ج3 ص120, إلزام الناصب ج1 ص158.