التوثيقات العامة

  المقدمة الثالثة

* قيمة التوثيق الضمني للأشخاص الذين تم توثيقهم ضمن توثيق غيرهم.

* تساوي التوثيق التضمني مع التوثيق المطابقي.

* المناقشة في بعض هذه التوثيقات الجماعية. 

 

 التوثيقات العامة قد عرفت فيما تقدم أن الوثاقة تثبت بإخبار ثقة، فلا يفرق في ذلك بين أن يشهد الثقة بوثاقة شخص معين بخصوصه وأن يشهد بوثاقته في ضمن جماعة، فإن العبرة هي بالشهادة بالوثاقة، سوء أكانت الدلالة مطابقية أم تضمنية. ولذا نحكم بوثاقة جميع مشايخ علي بن إبراهيم الذين روى عنهم في تفسيره مع انتهاء السند إلى أحد المعصومين عليهم السلام. فقد قال في مقدمة تفسيره: (ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي إلينا، ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم..) فإن في هذا الكلام دلالة ظاهرة على أنه لا يروي في كتابه هذا إلا عن ثقة، بل استفاد صاحب الوسائل في الفائدة السادسة في كتابه في ذكر شهادة جمع كثير من علماءنا بصحة الكتب المذكورة وأمثالها وتواترها وثبوتها عن مؤلفيها وثبوت أحاديثها عن أهل بيت العصمة عليهم السلام أن كل من وقع في إسناد روايات تفسير علي بن إبراهيم المنتهية إلى المعصومين عليهم السلام، قد شهد علي بن إبراهيم بوثاقته، حيث قال: (وشهد علي بن إبراهيم أيضا بثبوت أحاديث تفسيره وأنها مروية عن الثقات عن الأئمة عليهم السلام).

أقول: أن ما استفاده - قدس سره - في محله، فإن علي بن إبراهيم يريد بما ذكره إثبات صحة تفسيره، وأن رواياته ثابتة وصادرة من المعصومين عليهم السلام، وإنها إنتهت إليه بوساطة المشايخ والثقات من الشيعة. وعلى ذلك فلا موجب لتخصيص التوثيق بمشايخه الذين يروي عنهم علي بن إبراهيم بلا واسطة كما زعمه بعضهم. وبما ذكرناه نحكم بوثاقة جميع مشايخه الذين وقعوا في إسناد كامل الزيارات أيضا، فإن جعفر بن قولويه قال في أول كتابه: (وقد علمنا بأنا لا نحيط بجميع ما روي عنهم في هذا المعنى ولا في غيره، لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم الله برحمته ولا أخرجت فيه حديثا روي عن الشذاذ من الرجال يؤثر ذلك عنهم عن المذكورين غير المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث والعلم..). فإنك ترى أن هذه العبارة واضحة الدلالة على أنه لا يروي في كتابه رواية عن المعصوم إلا وقد وصلت إليه من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم الله، قال صاحب الوسائل بعد ما ذكر شهادة علي بن إبراهيم بأن روايات تفسيره ثابتة ومروية عن الثقات من الأئمة عليهم السلام: (وكذلك جعفر بن محمد بن قولويه، فإنه صرح بما هو أبلغ من ذلك في أول مزاره). أقول: إن ما ذكره متين، فيحكم بوثاقة من شهد علي بن إبراهيم أو جعفر ابن محمد بن قولويه بوثاقته، اللهم إلا أن يبتلي بمعارض.

وممن شهد بوثاقة جماعة - على نحو الاجمال - النجاشي، فإنه يظهر منه توثيق جميع مشايخه. قال - قدس سره - في ترجمة أحمد بن محمد بن عبيد الله بن الحسن الجوهري: (رأيت هذا الشيخ وكان صديقا لي ولوالدي وسمعت منه شيئا كثيرا، ورأيت شيوخنا يضعفونه فلم أرو عنه شيئا، وتجنبته..). وقال في ترجمة محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيد الله بن البهلول: (وكان في أول أمره ثبتا ثم خلط، ورأيت جل أصحابنا يغمزونه ويضعفونه.. رأيت هذا الشيخ، وسمعت منه كثيرا، ثم توقفت عن الرواية عنه إلا بواسطة بيني وبينه). ولا شك في ظهور ذلك في أنه لا يروي عن ضعيف بلا واسطة فيحكم بوثاقة جميع مشايخه. هذا وقد يقال: إنه لا يظهر من كلامه إلا أنه لا يروي بلا واسطة عمن غمز فيه أصحابنا أو ضعفوه. ولا دلالة فيه على أنه لا يروي عمن لم يثبت ضعفه ولا وثاقته، إذا لا يمكن الحكم بوثاقة جميع مشايخه، ولكنه لا يتم.

 فإن الظاهر من قوله: (ورأيت جل أصحابنا..). أن الرؤية أخذت طريقا إلى ثبوت الضعف، ومعناه أنه لا يروي عن الضعيف بلا واسطة، فكل من روى عنه فهو ليس بضعيف، فيكون ثقة لا محالة. وبعبارة واضحة إنه فرع عدم روايته عن شخص برؤيته أن شيوخه يضعفونه. ومعنى ذلك أن عدم روايته عنه مترتب على ضعفه، لا على التضعيف من الشيوخ، ولعل هذا ظاهر. وهذا الذي ذكرناه هو المهم من التوثيقات العامة، ويأتي عن النجاشي في ترجمة عبيد الله بن أبي شعبة الحلبي: (أن آل أبي شعبة بيت بالكوفة وهم ثقات جميعا)، وفي ترجمة محمد بن الحسن بن أبي سارة: (أن بيت الرواسي كلهم ثقات)، ويأتي عن الشيخ في ترجمة علي بن الحسن بن محمد الطائي: (أن من روى عنه علي بن الحسن الطاطري في كتبه يوثق به وبروايته). بقي هنا أمران:

الأول: أن الشيخ محمد ابن المشهدي، قال في أول مزاره: (فإني قد جمعت في كتابي هذا من فنون الزيارات للمشاهد، وما ورد في الترغيب في المساجد المباركات والأدعية المختارات وما يدعى به عقيب الصلوات وما يناجى به القديم تعالى من لذيذ الدعوات والخلوات، وما يلجأ إليه من الأدعية عند المهمات، ومما اتصلت به ثقات الرواة إلى السادات..). وهذا الكلام منه صريح في توثيق جميع من وقع في إسناد روايات كتابه. لكنه لا يمكن الاعتماد على ذلك من وجهين:

 

١ - أنه لم يظهر إعتبار هذا الكتاب في نفسه، فإن محمد ابن المشهدي لم يظهر حاله، بل لم يعلم شخصه وإن أصر المحدث النوري: على أنه محمد بن جعفر بن علي بن جعفر المشهدي الحائري، فإن ما ذكره في وجه ذلك لا يورث إلا الظن.

 

٢ - أن محمد ابن المشهدي من المتأخرين، وقد مر أنه لا عبرة بتوثيقاتهم   لغير من يقرب عصرهم من عصره، فإنا قد ذكرنا أن هذه التوثيقات مبنية على النظر والحدس، فلا يترتب عليها أثر.

 

الثاني: أن الصدوق قال في أول كتابه المقنع: (وحذفت الاسناد منه لئلا يثقل حمله، ولا يصعب حفظه، ولا يمله قاريه، إذ كان ما أبينه فيه في الكتب الأصولية موجودا مبينا عن المشايخ العلماء الفقهاء الثقات رحمهم الله). وهذا الكلام قد يوهم أنه شهادة إجمالية من الشيخ الصدوق بوثاقة رواة ما ذكره في كتابه، فلا بد وأن يعامل معه معاملة الخبر الصحيح. ولكن ذلك خلاف الواقع، فإن الشيخ الصدوق لا يريد بذلك أن رواة ما ذكره في كتابه ثقات إلى أن يتصل بالمعصوم عليه السلام، وإنما يريد بذلك أن مشايخه الثقات قد رووا هذه الروايات، وهو يحكم بصحة ما رواه الثقات الفقهاء وأثبتوه في كتبهم، على ما ستعرفه. والذي يدل على ما ذكرناه أن الشيخ الصدوق وصف المشايخ بالعلماء الفقهاء الثقات، وقل ما يوجد ذلك في الروايات في تمام سلسلة السند، فكيف يمكن ادعاء ذلك في جميع ما ذكره في كتابه. وبذلك يظهر الحال فيما ذكره الطبري في ديباجة كتابه: بشارة المصطفى، قال: (ولا أذكر فيه إلا المسند من الاخبار، عن المشايخ الكبار والثقات الأخيار). على أنه قد مر أنه لا عبرة بتوثيقات المتأخرين لغير من يقرب عصره من عصرهم.