في ذكر بعض أحوال مولده الشريف

* الشيخ الصدوق في كمال الدين,حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه قال: حدثنا الحسن بن علي بن زكريا بمدينة السلام قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن خليلان قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن غياث بن أسيد قال: شهدت محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه يقول: لما ولد الخلف المهدي علیه السلام سطع نور من فوق رأسه إلى أعنان السماء، ثم سقط لوجهه ساجداً لربه تعالى ذكره ثم رفع رأسه وهو يقول: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم * إن الدين عند الله الاسلام}[1] قال: وكان مولده يوم الجمعة.[2]

 

* الشيخ الصدوق في كمال الدين, حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار قال: حدثني أبو علي الخيزراني عن السيدة نرجس سلام الله تعالى عليها تذكر أنه لما ولد السيد علیه السلام رأت لها نوراً ساطعاً قد ظهر منه وبلغ أفق السماء، ورأت طيوراً بيضاء تهبط من السماء وتمسح أجنحتها على رأسه ووجهه وسائر جسده ثم تطير، فأخبرنا أبا محمد علیه السلام بذلك فضحك، ثم قال: تلك ملائكة نزلت للتبرك بهذا المولود وهي أنصاره إذا خرج.[3]

 

* السيد هاشم البحراني في مدينة المعاجز, قال الحسين بن حمدان: حدثني من زاد في أسماء من حدثني من هؤلاء الرجال الذين أسميهم وهم غيلان الكلابي, وموسى بن محمد الرازي, وأحمد بن جعفر الطوسي، عن حكيمة بنت محمد بن علي الرضا قال: كانت حكيمة تدخل على أبي محمد علیه السلام فتدعو له أن يرزقه الله ولداً، وأنها قالت: دخلت عليه فقلت له كما كنت أقول ودعوت له كما كنت أدعو، فقال علیه السلام: يا عمة أما إن الذي تدعين الله أن يرزقنيه يولد في هذه الليلة فاجعلي إفطارك عندنا، فقلت: يا سيدي ممن يكون هذا المولود العظيم؟ فقال: من نرجس يا عمة، قالت فقلت له: يا سيدي ما في جواريك أحب إليّ منها، وقمت ودخلت عليها وكنت إذا دخلت الدار تتلقاني وتقبل يدي وتنزع خفي بيدها، فلما دخلت إليها فعلت بي كما كانت تفعل، فانكببت على قدميها فقبلتها ومنعتها مما كانت تفعله، فخاطبتني بالسيادة فخاطبتها بمثلها، فقالت لي: فديتك، فقلت لها أنا فداءك وجميع العالمين، فأنكرت ذلك مني، فقلت: لا تنكرين ما فعلت، فإن الله سيهب لك في هذه الليلة غلاماً سيداً في الدنيا والآخرة وهو فرج للمؤمنين، فاستحيت فتأملتها فلم أر بها أثر حمل، فقلت لسيدي أبي محمد علیه السلام: ما أرى بها حملاً، فتبسم علیه السلام فقال إنا معاشر الاوصياء ليس نُحمل في البطون وإنما نُحمل في الجنوب[4]، ولا نخرج من الارحام, إنما نخرج من الفخذ الايمن من امهاتنا، لاننا نور الله الذي لا تناله الدناسات، فقلت له: يا سيدي لقد أخبرتني أنه يولد في هذه الليلة، ففي أي وقت منها؟ فقال: في طلوع الفجر يولد الكريم على الله إن شاء الله تعالى.

قالت حكيمة: فقمت فأفطرت ونمت بالقرب من نرجس، وبات أبو محمد علیه السلام في صفة تلك الدار التي نحن فيها، فلما ورد وقت صلاة الليل قمت ونرجس نائمة ما بها أثر ولادة، فأخذت في صلاتي ثم أوترت فأنا في الوتر حتى وقع في نفسي أن الفجر قد طلع، ودخل في قلبي شيء فصاح بي أبو محمد علیه السلام من الصفة الثانية لم يطلع الفجر يا عمة فأسرعت الصلاة وتحركت نرجس فدنوت منها وضممتها إليّ وسميت عليها، ثم قلت لها: هل تحسين بشيء؟ فقالت: نعم، فوقع علي سبات لم أتمالك معه أن نمت، ووقع على نرجس مثل ذلك، فنامت فلم أنتبه إلا بحس سيدي المهدي علیه السلام وصيحة أبي محمد علیه السلام يقول: يا عمة هاتي إبني إليّ، فقد قبلته فكشفت عن سيدي علیه السلام فإذا أنا به ساجداً يبلغ الارض بمساجده، وعلى ذراعه الايمن مكتوب: {جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً}[5]، فضممته إليّ - إلى أن تقول - ولففته في ثوب وحملته إلى أبي محمد علیه السلام، فأخذه وأقعده على راحته اليسرى وجعل راحته اليمنى على ظهره، ثم أدخل لسانه علیه السلام في فمه وأمر بيده على ظهره وسمعه ومفاصله، ثم قال له: تكلم يا بني، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآلهوأن علياً أمير المؤمنين ولي الله علیه السلام ثم لم يزل يعدد السادة الائمة عليهم السلام إلى أن بلغ إلى نفسه، ودعا لاوليائه بالفرج على يده ثم أحجم، فقال أبو محمد علیه السلام يا عمة إذهبي به إلى أمه ليسلم عليها وأتيني به، فمضيت به إلى أمه فسلم عليها ورددته إليه، ثم وقع بيني وبين أبي محمد علیه السلام كالحجاب، فلم أر سيدي، فقلت له: يا سيدي أين مولانا؟ فقال: أخذه مني من هو أحق به منك فإذا كان يوم السابع فأتينا.

فلما كان اليوم السابع جئت فسلمت عليه ثم جلست، فقال علیه السلام: هلمي بابني، فجئت بسيدي وهو في ثياب صفر، ففعل به كفعله الاول وجعل لسانه علیه السلام في فمه، ثم قال له: تكلم يا بني، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، واثنى بالصلاة على محمد وأمير المؤمنين والائمة عليهم السلام حتى وقف على أبيه، ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في الارض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون}[6],[7] ثم قال له: إقرأ يا بني مما أنزل الله على أنبيائه ورسله، فابتدأ بصحف آدم علیه السلام فقرأها بالسريانية، وكتاب إدريس، وكتاب نوح، وكتاب هود، وكتاب صالح، وصحف إبراهيم، وتوراة موسى، وزبور داود، وانجيل عيسى، وقرآن محمد جدي رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم قص قصص النبيين والمرسلين إلى عهده.

فلما كان بعد أربعين يوماً دخلت عليه إلى دار أبي محمد عليه السلام فإذا مولانا صاحب الزمان يمشي في الدار، فلم أر وجهاً أحسن من وجهه ولا لغة أفصح من لغته، فقال لي أبو محمد علیه السلام: هذا المولود الكريم على الله عز وجل، فقلت له: يا سيدي له أربعون يوماً وأنا أرى من أمره ما أرى، فقال علیه السلام: يا عمة أما علمت أنا معاشر الاوصياء ننشأ في اليوم ما ينشأ غيرنا في جمعة، وننشأ في الجمعة مثل ما ينشأ غيرنا في الشهر، وننشأ في الشهر مثل ما ينشأ غيرنا في السنة، فقمت وقبلت رأسه وانصرفت ثم عدت وتفقدته فلم أره، فقلت لسيدي ابي محمد علیه السلام: ما فعل مولانا؟ فقال: يا عمة إستودعناه الذي إستودعته أم موسى علیه السلام، ثم قال علیه السلام: لما وهب لي ربي مهدي هذه الامة أرسل ملكين فحملاه إلى سرادق العرش حتى وقف بين يدي الله عز وجل، فقال له: مرحباً بك عبدي لنصرة ديني وإظهار أمري ومهدي عبادي، آليت أني بك آخذ وبك أعطي وبك أغفر وبك أعذب، أردداه أيها الملكان على أبيه رداً رفيقاً، وأبلغاه أنه في ضماني وكنفي وبعيني إلى أن أحق به الحق وأزهق به الباطل، ويكون الدين لي واصباً.[8]

 

* العلامة المجلسي في البحار,محمد بن عيسى بن أحمد الزرجي قال: رأيت بسر من رأى رجلاً شاباً في المسجد المعروف بمسجد زبيدة وذكر أنه هاشمي من ولد موسى ابن عيسى فلما كلمني صاح بجارية وقال يا غزال أو يا زلال فإذا أنا بجارية مسنة فقال لها: يا جارية حدثي مولاك بحديث الميل والمولود، فقالت: كان لنا طفل وجع فقالت لي مولاتي ادخلي إلى دار الحسن بن علي علیه السلام فقولي لحكيمة تعطينا شيئاً نستشفي به مولودنا, فدخلت عليها وسألتها ذلك فقال حكيمة: ائتوني بالميل الذي كحل به المولود الذي ولد البارحة يعني ابن الحسن بن علي علیه السلام فأُتيت بالميل فدفعته إليّ وحملته إلى مولاتي فكحلت المولود فعوفي وبقي عندنا وكنا نستشفي به ثم فقدناه.[9]

 

 

[1] سورة آل عمران, الآية 18, 19.

[2] كمال الدين ص433, عنه البحار ج51 ص15, مدينة المعاجز ج8 ص37, تفسير كنز الدقائق ج2 ص40, تفسير الثقلين ج1 ص321, الأنوار البهية ص338.

[3] كمال الدين ص431, عنه البحار ج51 ص5, روضة الواعظين ص260, الثاقب في المناقب ص584, مدينة المعاجز ج8 ص36, الصراط المستقيم ج2 ص235, الأنوار البهية ص338.

[4] الجنوب: جمع الجنب.

[5] سورة الإسراء, الآية 82.

[6] سورة القصص, الآية 5, 6.

[7] إلى هنا ذكروا من الحديث في كمال الدين، إعلام الورى، روضة الواعظين ومنتخب الأنوار المضيئة.

[8] مدينة المعاجز ج8 ص20, عن الهداية الكبرى ص355، عنه بحار الأنوار ج51 ص24، مشارق أنوار اليقين ص157 باختصار، إعلام الورى ج2 ص217 بعضه، كمال الدين ص424 بعضه، منتخب الأنوار المضيئة ص116 بعضه، روضة الواعظين ص256 بعضه.

[9] البحار ج51 ص342, عن كمال الدين ص518 في حديث طويل, إلزام الناصب ج1 ص360.