باب 12- ذكر الأدلة التي ذكرها شيخ الطائفة رحمه الله على إثبات الغيبة

قال رحمه الله اعلم أن لنا في الكلام في غيبة صاحب الزمان ع طريقين أحدهما أن نقول إذا ثبت وجوب الإمامة في كل حال و أن الخلق مع كونهم غير معصومين لا يجوز أن يخلو من رئيس في وقت من الأوقات و أن من شرط الرئيس أن يكون مقطوعا على عصمته فلا يخلو ذلك الرئيس من أن يكون ظاهرا معلوما أو غائبا مستورا فإذا علمنا أن كل من يدعى له الإمامة ظاهرا ليس بمقطوع على عصمته بل ظاهر أفعالهم و أحوالهم ينافي العصمة علمنا أن من يقطع على عصمته غائب مستور و إذا علمنا أن كل من يدعى له العصمة قطعا ممن هو غائب من الكيسانية و الناووسية و الفطحية و الواقفة و غيرهم قولهم باطل علمنا بذلك صحة إمامة ابن الحسن و صحة غيبته و ولايته و لا نحتاج إلى تكلف الكلام في إثبات ولادته و سبب غيبته مع ثبوت ما ذكرناه و لأن الحق لا يجوز خروجه عن الأمة. و الطريق الثاني أن نقول الكلام في غيبة ابن الحسن فرع على ثبوت إمامته و المخالف لنا إما أن يسلم لنا إمامته و يسأل عن سبب غيبته فنكلف جوابه أو لا يسلم لنا إمامته فلا معنى لسؤاله عن غيبة من لم يثبت إمامته و متى نوزعنا في ثبوت إمامته دللنا عليها بأن نقول قد ثبت وجوب الإمامة مع بقاء التكليف على من ليس بمعصوم في جميع الأحوال و الأعصار بالأدلة القاهرة و ثبت أيضا أن من شرط الإمام أن يكون مقطوعا على عصمته و علمنا أيضا أن الحق لا يخرج عن الأمة. فإذا ثبت ذلك وجدنا الأمة بين أقوال بين قائل يقول لا إمام فما ثبت من وجوب الإمامة في كل حال يفسد قوله و قائل يقول بإمامة من ليس بمقطوع على عصمته فقوله يبطل بما دللنا عليه من وجوب القطع على عصمة الإمام و من ادعى   العصمة لبعض من يذهب إلى إمامته فالشاهد يشهد بخلاف قوله لأن أفعالهم الظاهرة و أحوالهم تنافي العصمة فلا وجه لتكلف القول فيما نعلم ضرورة خلافه و من ادعيت له العصمة و ذهب قوم إلى إمامته كالكيسانية القائلين بإمامة محمد بن الحنفية و الناووسية القائلين بإمامة جعفر بن محمد و أنه لم يمت و الواقفة الذين قالوا إن موسى بن جعفر لم يمت فقولهم باطل من وجوه سنذكرها. فصار الطريقان محتاجين إلى فساد قول هذه الفرق ليتم ما قصدناه و يفتقران إلى إثبات الأصول الثلاثة التي ذكرناها من وجوب الرئاسة و وجوب القطع على العصمة و أن الحق لا يخرج عن الأمة و نحن ندل على كل واحد من هذه الأقوال بموجز من القول لأن استيفاء ذلك موجود في كتبي في الإمامة على وجه لا مزيد عليه و الغرض بهذا الكتاب ما يختص الغيبة دون غيرها و الله الموفق لذلك بمنه. و الذي يدل على وجوب الرئاسة ما ثبت من كونها لطفا في الواجبات العقلية فصارت واجبة كالمعرفة التي لا يعرى مكلف من وجوبها عليه أ لا ترى أن من المعلوم أن من ليس بمعصوم من الخلق متى خلوا من رئيس مهيب يردع المعاند و يؤدب الجاني و يأخذ على يد المتقلب و يمنع القوي من الضعيف و أمنوا ذلك وقع الفساد و انتشر الحيل و كثر الفساد و قل الصلاح و متى كان لهم رئيس هذه صفته كان الأمر بالعكس من ذلك من شمول الصلاح و كثرته و قلة الفساد و نزارته و العلم بذلك ضروري لا يخفى على العقلاء فمن دفعه لا يحسن مكالمته و أجبنا عن كل ما يسأل على ذلك مستوفى في تلخيص الشافي و شرح الجمل لا نطول بذكره هاهنا. و وجدت لبعض المتأخرين كلاما اعترض به كلام المرتضى ره في الغيبة و ظن أنه ظفر بطائل فموه به على من ليس له قريحة و لا بصر بوجوه النظر و أنا أتكلم عليه فقال الكلام في الغيبة و الاعتراض عليها من ثلاثة أوجه. أحدها أن نلزم الإمامية ثبوت وجه قبح فيها أو في التكليف معها فيلزمهم أن

    يثبتوا أن الغيبة ليس فيها وجه قبح لأن مع ثبوت وجه القبح تقبح الغيبة و إن ثبت فيها وجه حسن كما نقول في قبح تكليف ما لا يطاق إن فيه وجه قبح و إن كان فيه وجه حسن بأن يكون لطفا لغيره. و الثاني أن الغيبة تنقض طريق وجوب الإمامة في كل زمان لأن كون الناس مع رئيس مهيب متصرف أبعد من القبيح لو اقتضى كونه لطفا واجبا في كل حال و قبح التكليف مع فقده لا تنقض بزمان الغيبة لأنا في زمان الغيبة نكون مع رئيس هذه سبيله أبعد من القبيح و هو دليل وجوب هذه الرئاسة و لم يجب وجود رئيس هذه صفته في زمان الغيبة و لا قبح التكليف مع فقده فقد وجد الدليل و لا مدلول و هذا نقض الدليل. و الثالث أن يقال إن الفائدة بالإمامة هي كونه مبعدا من القبيح على قولكم و ذلك لا يحصل مع وجوده غائبا فلم ينفصل وجوده من عدمه و إذا لم يختص وجوده غائبا بوجه الوجوب الذي ذكروه لم يقتض دليلهم وجوب وجوده مع الغيبة فدليلكم مع أنه منتقض حيث وجد مع انبساط اليد و لم يجب انبساط اليد مع الغيبة فهو غير متعلق بوجود إمام غير منبسط اليد و لا هو حاصل في هذه الحال الكلام عليه أن نقول أما الفصل الأول من قوله إنا نلزم الإمامية أن يكون في الغيبة وجه قبح وعيد منه محض لا يقترن به حجة فكان ينبغي أن يبين وجه القبح الذي أراد إلزامه إياهم لننظر فيه و لم يفعل فلا يتوجه وعيده و إن قال ذلك سائلا على وجه ما أنكرتم أن يكون فيها وجه قبح فإنا نقول وجوه القبح معقولة من كون الشي‏ء ظلما و عبثا و كذبا و مفسدة و جهلا و ليس شي‏ء من ذلك موجودا هاهنا فعلمنا بذلك انتفاء وجود القبح. فإن قيل وجه القبح أنه لم يزح علة المكلف على قولكم لأن انبساط يده الذي هو لطف في الحقيقة و الخوف من تأديبه لم يحصل فصار ذلك إخلالا بلطف المكلف فقبح لأجله.   قلنا قد بينا في باب وجوب الإمامة بحيث أشرنا إليه أن انبساط يده و الخوف من تأديبه إنما فات المكلفين لما يرجع إليهم لأنهم أحوجوه إلى الاستتار بأن أخافوه و لم يمكنوه فأتوا من قبل نفوسهم و جرى ذلك مجرى أن يقول قائل من لم يحصل له معرفة الله تعالى في تكليفه وجه قبح لأنه لم يحصل ما هو لطف له من المعرفة فينبغي أن يقبح تكليفه فما يقولونه هاهنا من أن الكافر أتي من قبل نفسه لأن الله قد نصب له الدلالة على معرفته و مكنه من الوصول إليها فإذا لم ينظر و لم يعرف أتي في ذلك من قبل نفسه و لم يقبح ذلك تكليفه فكذلك نقول انبساط يد الإمام و إن فات المكلف فإنما أتي من قبل نفسه و لو مكنه لظهر و انبسطت يده فحصل لطفه فلم يقبح تكليفه لأن الحجة عليه لا له. و قد استوفينا نظائر ذلك في الموضع الذي أشرنا إليه و سنذكر فيما بعد إذا عرض ما يحتاج إلى ذكره. و أما الكلام في الفصل الثاني فهو مبني على ألفاظه و لا نقول إنه لم يفهم ما أورده لأن الرجل كان فوق ذلك لكن أراد التلبيس و التمويه و هو قوله إن دليل وجوب الرئاسة ينتقض بحال الغيبة لأن كون الناس مع رئيس مهيب متصرف أبعد من القبيح لو اقتضى كونه لطفا واجبا على كل حال و قبح التكليف مع فقده ينتقض في زمان الغيبة و لم يقبح التكليف مع فقده فقد وجد الدليل و لا مدلول و هذا نقض. و إنما قلنا إنه تمويه لأنه ظن أنا نقول إن في حال الغيبة دليل وجوب الإمامة قائم و لا إمام فكان نقضا و لا نقول ذلك بل دليلنا في حال وجود الإمام بعينه هو دليل حال غيبته في أن في الحالين الإمام لطف فلا نقول إن زمان الغيبة خلا من وجود رئيس بل عندنا أن الرئيس حاصل و إنما ارتفع انبساط يده لما يرجع إلى المكلفين على ما بيناه لا لأن انبساط يده خرج من كونه لطفا بل وجه اللطف به قائم و إنما لم يحصل لما يرجع إلى غير الله فجرى مجرى أن يقول قائل كيف يكون معرفة الله تعالى لطفا مع أن الكافر لا يعرف الله فلما كان التكليف على

    الكافر قائما و المعرفة مرتفعة دل على أن المعرفة ليست لطفا على كل حال لأنها لو كانت كذلك لكان نقضا. و جوابنا في الإمامة كجوابهم في المعرفة من أن الكافر لطفه قائم بالمعرفة و إنما فوت على نفسه بالتفريط في النظر المؤدي إليها فلم يقبح تكليفه فكذلك نقول الرئاسة لطف للمكلف في حال الغيبة و ما يتعلق بالله من إيجاده حاصل و إنما ارتفع تصرفه و انبساط يده لأمر يرجع إلى المكلفين فاستوى الأمران و الكلام في هذا المعنى مستوفى أيضا بحيث ذكرناه. و أما الكلام في الفصل الثالث من قوله إن الفائدة بالإمامة هي كونه مبعدا من القبيح على قولكم و ذلك لم يحصل مع غيبته فلم ينفصل وجوده من عدمه فإذا لم يختص وجوده غائبا بوجه الوجوب الذي ذكروه لم يقتض دليلهم وجوب وجوده مع الغيبة فدليلكم مع أنه منتقض حيث وجد مع انبساط اليد و لم يجب انبساط اليد مع الغيبة فهو غير متعلق بوجود إمام غير منبسط اليد و لا هو حاصل في هذه الحال. فإنا نقول إنه لم يفعل في هذا الفصل أكثر من تعقيد القول على طريقة المنطقيين من قلب المقدمات و رد بعضها على بعض و لا شك أنه قصد بذلك التمويه و المغالطة و إلا فالأمر أوضح من أن يخفى متى قالت الإمامية إن انبساط يد الإمام لا يجب في حال الغيبة حتى يقول دليلكم لا يدل على وجوب إمام غير منبسط اليد لأن هذه حال الغيبة بل الذي صرحنا دفعة بعد أخرى أن انبساط يده واجب في الحالين في حال ظهوره و حال غيبته غير أن حال ظهوره مكن منه فانبسطت يده و حال الغيبة لم يمكن فانقبضت يده لا أن انبساط يده خرج من باب الوجوب و بينا أن الحجة بذلك قائمة على المكلفين من حيث منعوه و لم يمكنوه فأتوا من قبل نفوسهم و شبهنا ذلك بالمعرفة دفعة بعد أخرى. و أيضا فإنا نعلم أن نصب الرئيس واجب بعد الشرع لما في نصبه من اللطف لتحمله القيام بما لا يقوم به غيره و مع هذا فليس التمكين واقعا لأهل الحل و العقد من نصب من يصلح لها خاصة على مذهب أهل العدل الذين كلامنا معهم   و مع هذا لا يقول أحد إن وجوب نصب الرئيس سقط الآن من حيث لم يقع التمكين منه فجوابنا في غيبة الإمام جوابهم في منع أهل الحل و العقد من اختيار من يصلح للإمامة و لا فرق بينهما فإنما الخلاف بيننا أنا قلنا علمنا ذلك عقلا و قالوا ذلك معلوم شرعا و ذلك فرق من غير موضع الجمع. فإن قيل أهل الحل و العقد إذا لم يتمكنوا من اختيار من يصلح للإمامة فإن الله يفعل ما يقوم مقام ذلك من الألطاف فلا يجب إسقاط التكليف و في الشيوخ من قال إن الإمام يجب نصبه في الشرع لمصالح دنياوية و ذلك غير واجب أن يفعل لها اللطف. قلنا أما من قال نصب الإمام لمصالح دنياوية قوله يفسد لأنه لو كان كذلك لما وجب إمامته و لا خلاف بينهم في أنه يجب إقامة الإمامة مع الاختيار على أن ما يقوم به الإمام من الجهاد و تولية الأمراء و القضاة و قسمة الفي‏ء و استيفاء الحدود و القصاصات أمور دينية لا يجوز تركها و لو كان لمصلحة دنياوية لما وجب ذلك فقوله ساقط بذلك و أما من قال يفعل الله ما يقوم مقامه باطل لأنه لو كان كذلك لما وجب عليه إقامة الإمام مطلقا على كل حال و لكان يكون ذلك من باب التخيير كما نقول في فروض الكفايات و في علمنا بتعيين ذلك و وجوبه على كل حال دليل على فساد ما قالوه. على أنه يلزم على الوجهين جميعا المعرفة بأن يقال الكافر إذا لم يحصل له المعرفة يفعل الله له ما يقوم مقامها فلا يجب عليه المعرفة على كل حال أو يقال إنما يحصل من الانزجار عن فعل الظلم عند المعرفة أمر دنياوي لا يجب لها المعرفة فيجب من ذلك إسقاط وجوب المعرفة و متى قيل إنه لا بدل للمعرفة قلنا و كذلك لا بدل للإمام على ما مضى و ذكرناه في تلخيص الشافي و كذلك إن بينوا أن الانزجار من القبيح عند المعرفة أمر ديني قلنا مثل ذلك في وجود الإمام سواء. فإن قيل لا يخلو وجود رئيس مطاع منبسط اليد من أن يجب على الله جميع

    ذلك أو يجب علينا جميعه أو يجب على الله إيجاده و علينا بسط يده فإن قلتم يجب جميع ذلك على الله فإنه ينتقض بحال الغيبة لأنه لم يوجد إمام منبسط اليد و إن وجب علينا جميعه فذلك تكليف ما لا يطاق لأنا لا نقدر على إيجاده و إن وجب عليه إيجاده و علينا بسط يده و تمكينه فما دليلكم عليه مع أن فيه أنه يجب علينا أن نفعل ما هو لطف للغير و كيف يجب على زيد بسط يد الإمام ليحصل لطف عمرو و هل ذلك إلا نقض الأصول. قلنا الذي نقوله أن وجود الإمام المنبسط اليد إذا ثبت أنه لطف لنا على ما دللنا عليه و لم يكن إيجاده في مقدورنا لم يحسن أن نكلف إيجاده لأنه تكليف ما لا يطاق و بسط يده و تقوية سلطانه قد يكون في مقدورنا و في مقدور الله فإذا لم يفعل الله علمنا أنه غير واجب عليه و أنه واجب علينا لأنه لا بد من أن يكون منبسط اليد ليتم الغرض بالتكليف و بينا بذلك أن بسط يده لو كان من فعله تعالى لقهر الخلق عليه بالحيلولة بينه و بين أعدائه و تقوية أمره بالملائكة و بما أدى إلى سقوط الغرض بالتكليف و حصول الإلجاء فإذا يجب علينا بسط يده على كل حال و إذا لم نفعله أتينا من قبل نفوسنا. فأما قولهم في ذلك إيجاد اللطف علينا للغير غير صحيح لأنا نقول إن كل من يجب عليه نصرة الإمام و تقوية سلطانه له في ذلك مصلحة تخصه و إن كانت فيه مصلحة ترجع إلى غيره كما تقوله في أن الأنبياء يجب عليهم تحمل أعباء النبوة و الأداء إلى الخلق ما هو مصلحة لهم لأن لهم في القيام بذلك مصلحة تخصهم و إن كانت فيها مصلحة لغيرهم و يلزم المخالف في أهل الحل و العقد بأن يقال كيف يجب عليهم اختيار الإمام لمصلحة ترجع إلى جميع الأمة و هل ذلك إلا إيجاب الفعل عليهم لما يرجع إلى مصلحة غيرهم فأي شي‏ء أجابوا به فهو جوابنا بعينه سواء. فإن قيل لم زعمتم أنه يجب إيجاده في حال الغيبة و هلا جاز أن يكون معدوما قلنا إنما أوجبناه من حيث إن تصرفه الذي هو لطفنا إذا لم يتم إلا بعد وجوده و إيجاده لم يكن في مقدورنا قلنا عند ذلك إنه يجب على الله ذلك و إلا أدى

    إلى أن لا نكون مزاحي العلة بفعل اللطف فنكون أتينا من قبله تعالى لا من قبلنا و إذا أوجده و لم نمكنه من انبساط يده أتينا من قبل نفوسنا فحسن التكليف و في الأول لم يحسن فإن قيل ما الذي تريدون بتمكيننا إياه أ تريدون أن نقصده و نشافهه و ذلك لا يتم إلا مع وجوده و قيل لكم لا يصح جميع ذلك إلا مع ظهوره و علمنا أو علم بعضنا بمكانه و إن قلتم نريد بتمكيننا أن نبخع بطاعته و الشد على يده و نكف عن نصرة الظالمين و نقوم على نصرته متى دعانا إلى إمامته و دلنا عليها بمعجزته قلنا لكم فنحن يمكننا ذلك في زمان الغيبة و إن لم يكن الإمام موجودا فيه فكيف قلتم لا يتم ما كلفناه من ذلك إلا مع وجود الإمام قلنا الذي نقوله في هذا الباب ما ذكره المرتضى ره في الذخيرة و ذكرناه في تلخيص الشافي أن الذي هو لطفنا من تصرف الإمام و انبساط يده لا يتم إلا بأمور ثلاثة أحدها يتعلق بالله و هو إيجاده و الثاني يتعلق به من تحمل أعباء الإمامة و القيام بها و الثالث يتعلق بنا من العزم على نصرته و معاضدته و الانقياد له فوجوب تحمله عليه فرع على وجوده لأنه لا يجوز أن يتناول التكليف المعدوم فصار إيجاد الله إياه أصلا لوجوب قيامه و صار وجوب نصرته علينا فرعا لهذين الأصلين لأنه إنما يجب علينا طاعته إذا وجد و تحمل أعباء الإمامة و قام بها فحينئذ يجب علينا طاعته فمع هذا التحقيق كيف يقال لم لا يكون معدوما فإن قيل فما الفرق بين أن يكون موجودا مستترا أو معدوما حتى إذا علم منا العزم على تمكينه أوجده قلنا لا يحسن من الله تعالى أن يوجب علينا تمكين من ليس بموجود لأنه تكليف ما لا يطاق فإذا لا بد من وجوده فإن قيل يوجده الله إذا علم أنا ننطوي على تمكينه بزمان واحد كما أنه يظهر عند مثل ذلك قلنا وجوب تمكينه و الانطواء على طاعته لازم في جميع أحوالنا فيجب أن يكون التمكين من طاعته و المصير إلى أمره ممكنا في جميع الأحوال و إلا لم يحسن التكليف و إنما كان يتم ذلك لو لم نكن مكلفين في كل   حال لوجوب طاعته و الانقياد لأمره بل كان يجب علينا ذلك عند ظهوره و الأمر بخلافه. ثم يقال لمن خالفنا في ذلك و ألزمنا عدمه على استتاره لم لا يجوز أن يكلف الله تعالى المعرفة و لا ينصب عليها دلالة إذا علم أنا لا ننظر فيها حتى إذا علم من حالنا أنا نقصد إلى النظر و نعزم على ذلك أوجد الأدلة و نصبها فحينئذ ننظر و نقول ما الفرق بين دلالة منصوبة لا ينظر فيها و بين عدمها حتى إذا عزمنا على النظر فيها أوجدها الله. و متى قالوا نصب الأدلة من جملة التمكين الذي لا يحسن التكليف من دونه كالقدرة و الآلة قلنا و كذلك وجود الإمام ع من جملة التمكين من وجوب طاعته و متى لم يكن موجودا لم يمكنا طاعته كما أن الأدلة إذا لم تكن موجودة لم يمكنا النظر فيها فاستوى الأمران. و بهذا التحقيق يسقط جميع ما يورد في هذا الباب من عبارات لا ترتضيها في الجواب و أسئلة المخالف عليها و هذا المعنى مستوفى في كتبي و خاصة في تلخيص الشافي فلا نطول بذكره. و المثال الذي ذكره من أنه لو أوجب الله علينا أن نتوضأ من ماء بئر معينة لم يكن لها حبل يستقى به و قال لنا إن دنوتم من البئر خلقت لكم حبلا تستقون به من الماء فإنه يكون مزيحا لعلتنا و متى لم ندن من البئر كنا قد أتينا من قبل نفوسنا لا من قبله تعالى و كذلك لو قال السيد لعبده و هو بعيد منه اشتر لي لحما من السوق فقال لا أتمكن من ذلك لأنه ليس معي ثمنه فقال إن دنوت أعطيتك ثمنه فإنه يكون مزيحا لعلته و متى لم يدن لأخذ الثمن يكون قد أتي من قبل نفسه لا من قبل سيده و هذه حال ظهور الإمام مع تمكيننا فيجب أن يكون عدم تمكيننا هو السبب في أن لم يظهر في هذه الأحوال لا عدمه إذ كنا لو مكناه لوجد و ظهر. قلنا هذا كلام من يظن أنه يجب علينا تمكينه إذا ظهر و لا يجب علينا ذلك

    في كل حال و رضينا بالمثال الذي ذكره لأنه تعالى لو أوجب علينا الاستقاء في الحال لوجب أن يكون الحبل حاصلا في الحال لأن به تنزاح العلة لكن إذا قال متى دنوتم من البئر خلقت لكم الحبل إنما هو مكلف للدنو لا للاستقاء فيكفي القدرة على الدنو في هذه الحال لأنه ليس بمكلف للاستقاء منها فإذا دنا من البئر صار حينئذ مكلفا للاستقاء فيجب عند ذلك أن يخلق له الحبل فنظير ذلك أن لا يجب علينا في كل حال طاعة الإمام و تمكينه فلا يجب عند ذلك وجوده فلما كانت طاعته واجبة في الحال و لم نقف على شرطه و لا وقت منتظر وجب أن يكون موجودا لتنزاح العلة في التكليف و يحسن. و الجواب عن مثال السيد مع غلامه مثل ذلك لأنه إنما كلفه الدنو منه لا الشراء فإذا دنا منه و كلفه الشراء وجب عليه إعطاء الثمن و لهذا قلنا إن الله تعالى كلف من يأتي إلى يوم القيامة و لا يجب أن يكونوا موجودين مزاحي العلة لأنه لم يكلفهم الآن فإذا أوجدهم و أزاح علتهم في التكليف بالقدرة و الآلة و نصب الأدلة حينئذ تناولهم التكليف فسقط بذلك هذه المغالطة. على أن الإمام إذا كان مكلفا للقيام بالأمر و تحمل أعباء الإمامة كيف يجوز أن يكون معدوما و هل يصح تكليف المعدوم عند عاقل و ليس لتكليفه ذلك تعلق بتمكيننا أصلا بل وجوب التمكين علينا فرع على تحمله على ما مضى القول فيه و هذا واضح. ثم يقال لهم أ ليس النبي ص اختفى في الشعب ثلاث سنين لم يصل إليه أحد و اختفى في الغار ثلاثة أيام و لم يجز قياسا على ذلك أن يعدمه الله تلك المدة مع بقاء التكليف على الخلق الذين بعثه لطفا لهم و متى قالوا إنما اختفى بعد ما دعا إلى نفسه و أظهر نبوته فلما أخافوه استتر قلنا و كذلك الإمام لم يستتر إلا و قد أظهر آباؤه موضعه و صفته و دلوا عليه ثم لما خاف عليه أبو الحسن بن علي ع أخفاه و ستره فالأمر إذا سواء   ثم يقال لهم خبرونا لو علم الله من حال شخص أن من مصلحته أن يبعث الله إليه نبيا معينا يؤدي إليه مصالحه و علم أنه لو بعثه لقتله هذا الشخص و لو منع من قتله قهرا كان فيه مفسدة له أو لغيره هل يحسن أن يكلف هذا الشخص و لا يبعث إليه ذلك النبي أو لا يكلف فإن قالوا لا يكلف قلنا و ما المانع منه و له طريق إلى معرفة مصالحه بأن يمكن النبي من الأداء إليه و إن قلتم يكلفه و لا يبعث إليه قلنا و كيف يجوز أن يكلفه و لم يفعل به ما هو لطف له مقدور. فإن قالوا أتي في ذلك من قبل نفسه قلنا هو لم يفعل شيئا و إنما علم أنه لا يمكنه و بالعلم لا يحسن تكليفه مع ارتفاع اللطف و لو جاز ذلك لجاز أن يكلف ما لا دليل عليه إذا علم أنه لا ينظر فيه و ذلك باطل و لا بد أن يقال إنه يبعث إلى ذلك الشخص و يوجب عليه الانقياد له ليكون مزيحا لعلته فإما أن يمنع منه بما لا ينافي التكليف أو يجعله بحيث لا يتمكن من قتله فيكون قد أتي من قبل نفسه من عدم الوصول إليه و هذه حالنا مع الإمام في حال الغيبة سواء. فإن قال لا بد أن يعلمه أن له مصلحة في بعثه هذا الشخص إليه على لسان غيره ليعلم أنه قد أتي من قبل نفسه قلنا و كذلك أعلمنا الله على لسان نبيه و الأئمة من آبائه ع موضعه و أوجب علينا طاعته فإذا لم يظهر لنا علمنا أنا أتينا من قبل نفوسنا فاستوى الأمران. و أما الذي يدل على الأصل الثاني و هو أن من شأن الإمام أن يكون مقطوعا على عصمته فهو أن العلة التي لأجلها احتجنا إلى الإمام ارتفاع العصمة بدلالة أن الخلق متى كانوا معصومين لم يحتاجوا إلى إمام و إذا خلوا من كونهم معصومين احتاجوا إليه علمنا عند ذلك أن علة الحاجة هي ارتفاع العصمة كما نقوله في علة حاجة الفعل إلى فاعل أنها الحدوث بدلالة أن ما يصح حدوثه يحتاج إلى فاعل في حدوثه و ما لا يصح حدوثه يستغني عن الفاعل و حكمنا بذلك أن كل محدث يحتاج إلى محدث فمثل ذلك يجب الحكم بحاجة كل من ليس بمعصوم إلى إمام و إلا انتقضت العلة فلو كان الإمام غير معصوم لكانت علة

    الحاجة فيه قائمة و احتاج إلى إمام آخر و الكلام في إمامه كالكلام فيه فيؤدي إلى إيجاب أئمة لا نهاية لهم أو الانتهاء إلى معصوم و هو المراد. و هذه الطريقة قد أحكمناها في كتبنا فلا نطول بالأسولة عليها لأن الغرض بهذا الكتاب غير ذلك و في هذا القدر كفاية. و أما الأصل الثالث و هو أن الحق لا يخرج عن الأمة فهو متفق عليه بيننا و بين خصومنا و إن اختلفنا في علة ذلك لأن عندنا أن الزمان لا يخلو من إمام معصوم لا يجوز عليه الغلط على ما قلناه فإذا الحق لا يخرج عن الأمة لكون المعصوم فيهم و عند المخالف لقيام أدلة يذكرونها دلت على أن الإجماع حجة فلا وجه للتشاغل بذلك. فإذا ثبتت هذه الأصول ثبت إمامة صاحب الزمان ع لأن كل من يقطع على ثبوت العصمة للإمام قطع على أنه الإمام و ليس فيهم من يقطع على عصمة الإمام و يخالف في إمامته إلا قوم دل الدليل على بطلان قولهم كالكيسانية و الناووسية و الواقفة فإذا أفسدنا أقوال هؤلاء ثبت إمامته ع. أقول و أما الذي يدل على فساد قول الكيسانية القائلين بإمامة محمد بن الحنفية فأشياء. منها أنه لو كان إماما مقطوعا على عصمته لوجب أن يكون منصوصا عليه نصا صريحا لأن العصمة لا تعلم إلا بالنص و هم لا يدعون نصا صريحا و إنما يتعلقون بأمور ضعيفة دخلت عليهم فيها شبهة لا يدل على النص نحو إعطاء أمير المؤمنين إياه الراية يوم البصرة و قوله له أنت ابني حقا مع كون الحسن و الحسين ع ابنيه و ليس في ذلك دلالة على إمامته على وجه و إنما يدل على فضله و منزلته على أن الشيعة تروي أنه جرى بينه و بين علي بن الحسين ع كلام في استحقاق الإمامة فتحاكما إلى الحجر فشهد الحجر لعلي بن الحسين ع بالإمامة فكان ذلك معجزا له فسلم له الأمر و قال بإمامته و الخبر بذلك مشهور عند الإمامية.   و منها تواتر الشيعة الإمامية بالنص عليه من أبيه و جده و هي موجودة في كتبهم في أخبار لا نطول بذكره الكتاب. و منها الأخبار الواردة عن النبي ص من جهة الخاصة و العامة بالنص على الاثني عشر و كل من قال بإمامتهم قطع على وفاة محمد بن الحنفية و سياقة الإمامة إلى صاحب الزمان ع. و منها انقراض هذه الفرقة فإنه لم يبق في الدنيا وقتنا و لا قبله بزمان طويل قائل يقول به و لو كان ذلك حقا لما جاز انقراضهم. فإن قيل كيف يعلم انقراضهم و هلا جاز أن يكون في بعض البلاد البعيدة و جزائر البحر و أطراف الأرض أقوام يقولون بهذا القول كما يجوز أن يكون في أطراف الأرض من يقول بمذهب الحسن في أن مرتكب الكبيرة منافق فلا يمكن ادعاء انقراض هذه الفرقة و إنما كان يمكن العلم لو كان المسلمون فيهم قلة و العلماء محصورين فأما و قد انتشر الإسلام و كثر العلماء فمن أين يعلم ذلك. قلنا هذا يؤدي إلى أن لا يمكن العلم بإجماع الأمة على قول و لا مذهب بأن يقال لعل في أطراف الأرض من يخالف ذلك و يلزم أن يجوز أن يكون في أطراف الأرض من يقول إن البرد لا ينقض الصوم و أنه يجوز للصائم أن يأكل إلى طلوع الشمس لأن الأول كان مذهب أبي طلحة الأنصاري و الثاني مذهب حذيفة و الأعمش و كذلك مسائل كثيرة من الفقه كان الخلف فيها واقعا بين الصحابة و التابعين ثم زال الخلف فيما بعد و اجتمع أهل الأعصار على خلافه فينبغي أن يشك في ذلك و لا يثق بالإجماع على مسألة سبق الخلاف فيها و هذا طعن من يقول إن الإجماع لا يمكن معرفته و لا التوصل إليه و الكلام في ذلك لا يختص بهذه المسألة فلا وجه لإيراده هاهنا. ثم إنا نعلم أن الأنصار طلبت الإمرة و دفعهم المهاجرون عنها ثم رجعت الأنصار إلى قول المهاجرين على قول المخالف فلو أن قائلا قال يجوز عقد الإمامة لمن كان من الأنصار لأن الخلاف سبق فيه و لعل في أطراف الأرض من يقول به

    فما كان يكون جوابهم فيه فأي شي‏ء قالوه فهو جوابنا بعينه. فإن قيل إن كان الإجماع عندكم إنما يكون حجة لكون المعصوم فيه فمن أين تعلمون دخول قوله في جملة أقوال الأمة قلنا المعصوم إذا كان من جملة علماء الأمة فلا بد أن يكون قوله موجودا في جملة أقوال العلماء لأنه لا يجوز أن يكون منفردا مظهرا للكفر فإن ذلك لا يجوز عليه فإذا لا بد أن يكون قوله في جملة الأقوال و إن شككنا في أنه الإمام. فإذا اعتبرنا أقوال الأمة و وجدنا بعض العلماء يخالف فيه فإن كنا نعرفه و نعرف مولده و منشأه لم نعتد بقوله لعلمنا أنه ليس بإمام و إن شككنا في نسبه لم تكن المسألة إجماعا. فعلى هذا أقوال العلماء من الأمة اعتبرناها فلم نجد فيهم قائلا بهذا المذهب الذي هو مذهب الكيسانية أو الواقفة و إن وجدنا فرضا واحدا أو اثنين فإنا نعلم منشأه و مولده فلا يعتد بقوله و اعتبرنا أقوال الباقين الذين نقطع على كون المعصوم فيهم فسقطت هذه الشبهة على هذا التحرير و بان وهنها. فأما القائلون بإمامة جعفر بن محمد من الناووسية و أنه حي لم يمت و أنه المهدي فالكلام عليهم ظاهر لأنا نعلم موت جعفر بن محمد كما نعلم موت أبيه و جده و قتل علي ع و موت النبي ص فلو جاز الخلاف فيه لجاز الخلاف في جميع ذلك و يؤدي إلى قول الغلاة و المفوضة الذين جحدوا قتل علي و الحسين ع و ذلك سفسطة. و أما الذي يدل على فساد مذهب الواقفة الذين وقفوا في إمامة أبي الحسن موسى ع و قالوا إنه المهدي فقولهم باطل بما ظهر من موته و اشتهر و استفاض كما اشتهر موت أبيه و جده و من تقدمه من آبائه ع و لو شككنا لم ننفصل من الناووسية و الكيسانية و الغلاة و المفوضة الذين خالفوا في موت من تقدم من آبائه ع. على أن موته اشتهر ما لم يشتهر موت أحد من آبائه ع لأنه أظهروا حضر القضاة و الشهود و نودي عليه ببغداد على الجسر و قيل هذا الذي تزعم الرافضة أنه حي   لا يموت مات حتف أنفه و ما جرى هذا المجرى لا يمكن الخلاف فيه. أقول ثم ذكر في ذلك أخبارا كثيرة روينا عنه في باب وفاة الكاظم ع ثم قال. فموته ع أشهر من أن يحتاج إلى ذكر الرواية به لأن المخالف في ذلك يدفع الضرورات و الشك في ذلك يؤدي إلى الشك في موت كل واحد من آبائه ع و غيرهم فلا يوثق بموت أحد على أن المشهور عنه ع أنه أوصى إلى ابنه علي ع و أسند إليه أمره بعد موته و الأخبار بذلك أكثر من أن تحصى. أقول ثم ذكر بعض الأخبار التي أوردتها في باب النص عليه صلوات الله عليه ثم قال. فإن قيل قد مضى في كلامكم أنا نعلم موت موسى بن جعفر كما نعلم موت أبيه و جده فعليكم لقائل أن يقول إنا نعلم أنه لم يكن للحسن بن علي ابن كما نعلم أنه لم يكن له عشرة بنين و كما نعلم أنه لم يكن للنبي ص ابن من صلبه عاش بعد موته فإن قلتم لو علمنا أحدهما كما نعلم الآخر لما جاز أن يقع فيه خلاف كما لا يجوز أن يقع الخلاف في الآخر قيل لمخالفكم أن يقول و لو علمنا موت محمد بن الحنفية و جعفر بن محمد و موسى بن جعفر كما نعلم موت محمد بن علي بن الحسين لما وقع الخلاف في أحدهما كما لم يجز أن يقع في الآخر. قلنا نفي ولادة الأولاد من الباب الذي لا يصح أن يعلم صدوره في موضع من المواضع و لا يمكن أحدا أن يدعي فيمن لم يظهر له ولد أن يعلم أنه لا ولد له و إنما يرجع في ذلك إلى غالب الظن و الأمارة بأنه لو كان له ولد لظهر و عرف خبره لأن العقلاء قد يدعوهم الدواعي إلى كتمان أولادهم لأغراض مختلفة. فمن الملوك من يخفيه خوفا عليه و إشفاقا و قد وجد في ذلك كثير في عادة الأكاسرة و الملوك الأول و أخبارهم معروفة. و في الناس من يولد له ولد من بعض سراياه أو ممن تزوج به سرا فيرمي به و يجحده خوفا من وقوع الخصومة مع زوجته و أولاده الباقين و ذلك أيضا يوجد

    كثيرا في العادة. و في الناس من يتزوج بامرأة دنيئة في المنزلة و الشرف و هو من ذوي الأقدار و المنازل فيولد له فيأنف من إلحاقه به فيجحده أصلا و فيهم من يتحرج فيعطيه شيئا من ماله و في الناس من يكون من أدونهم نسبا فيتزوج بامرأة ذات شرف و منزلة لهوى منها فيه بغير علم من أهلها إما بأن يزوجه نفسها بغير ولي على مذهب كثير من الفقهاء أو تولى أمرها الحاكم فيزوجها على ظاهر الحال فيولد له فيكون الولد صحيحا و تنتفي منه أنفة و خوفا من أوليائها و أهلها و غير ذلك من الأسباب التي لا نطول بذكرها فلا يمكن ادعاء نفي الولادة جملة و إنما نعلم ما نعلمه إذا كانت الأحوال سليمة و يعلم أنه لا مانع من ذلك فحينئذ يعلم انتفاؤه. فأما علمنا بأنه لم يكن للنبي ص ابن عاش بعده فإنما علمناه لما علمنا عصمته و نبوته و لو كان له ولد لأظهره لأنه لا مخافة عليه في إظهاره و علمنا أيضا بإجماع الأمة على أنه لم يكن له ابن عاش بعده و مثل ذلك لا يمكن أن يدعى العلم به في ابن الحسن ع لأن الحسن ع كان كالمحجور عليه و في حكم المحبوس و كان الولد يخاف عليه لما علم و انتشر من مذهبهم أن الثاني عشر هو القائم بالأمر لإزالة الدول فهو مطلوب لا محالة. و خاف أيضا من أهله كجعفر أخيه الذي طمع في الميراث و الأموال فلذلك أخفاه و وقعت الشبهة في ولادته و مثل ذلك لا يمكن ادعاء العلم به في موت من علم موته لأن الميت مشاهد معلوم يعرف بشاهد الحال موته و بالأمارات الدالة عليه يضطر من رآه إلى ذلك فإذا أخبر من لم يشاهده علمه و اضطر إليه و جرى الفرق بين الموضعين مثل ما يقول الفقهاء من أن البينة إنما يمكن أن يقوم على إثبات الحقوق لا على نفيها لأن النفي لا تقوم عليه بينة إلا إذا كان تحته إثبات فبان الفرق بين الموضعين لذلك. فإن قيل العادة تسوي بين الموضعين لأن في الموت قد يشاهد الرجل يحتضر   كما يشاهد القوابل الولادة و ليس كل أحد يشاهد احتضار غيره كما أنه ليس كل أحد يشاهد ولادة غيره و لكن أظهر ما يمكن في علم الإنسان بموت غيره إذا لم يكن يشاهده أن يكون جاره و يعلم بمرضه و يتردد في عيادته ثم يعلم بشدة مرضه ثم يسمع الواعية من داره و لا يكون في الدار مريض غيره و يجلس أهله للعزاء و آثار الحزن و الجزع عليهم ظاهرة ثم يقسم ميراثه ثم يتمادى الزمان و لا يشاهد و لا يعلم لأهله غرض في إظهار موته و هو حي فهذه سبيل الولادة لأن النساء يشاهدن الحمل و يتحدثن بذلك سيما إذا كانت حرمة رجل نبيه يتحدث الناس بأحوال مثله و إذا استسر بجارية لم يخف تردده إليها ثم إذا ولد المولود ظهر البشر و السرور في أهل الدار و هنأهم الناس إذا كان المهنأ جليل القدر و انتشر ذلك و تحدث على حسب جلالة قدره فيعلم الناس أنه قد ولد له مولود سيما إذا علم أنه لا غرض في أن يظهر أنه ولد له ولد و لم يولد له. فمتى اعتبرنا العادة وجدناها في الموضعين على سواء و إن نقض الله العادة فيمكن في أحدهما مثل ما يمكن في الآخر فإنه قد يجوز أن يمنع الله ببعض الشواغل عن مشاهدة الحامل و عن أن يحضر ولادتها إلا عدد يؤمن مثلهم على كتمان أمره ثم ينقله الله من مكان الولادة إلى قلة جبل أو برية لا أحد فيها و لا يطلع على ذلك إلا من لا يظهره على المأمون مثله. و كما يجوز ذلك فإنه يجوز أن يمرض الإنسان و يتردد إليه عواده فإذا اشتد و توقع موته و كان يؤيس من حياته نقله الله إلى قلة جبل و صير مكانه شخصا ميتا يشبهه كثيرا من الشبه ثم يمنع بالشواغل و غيرها من مشاهدته إلا بمن يوثق به ثم يدفن الشخص و يحضر جنازته من كان يتوقع موته و لا يرجو حياته فيتوهم أن المدفون هو ذاك العليل. و قد يسكن نبض الإنسان و تنفسه و ينقض الله العادة و يغيبه عنهم و هو حي لأن الحي منا إنما يحتاج إليهما لإخراج البخارات المحترقة مما حول القلب بإدخال هواء بارد صاف ليروح عن القلب و قد يمكن أن يفعل الله من البرودة في الهواء

    المطيفة بالقلب ما يجري مجرى هواء بارد يدخلها بالتنفس فيكون الهواء المحدق بالقلب أبدا باردا و لا يحترق منه شي‏ء لأن الحرارة التي تحصل فيه يقوم بالبرودة. و الجواب أنا نقول أولا إنه لا يلتجئ من يتكلم في الغيبة إلى مثل هذه الخرافات إلا من كان مفلسا من الحجة عاجزا عن إيراد شبهة قوية و نحن نتكلم على ذلك على ما به و نقول إن ما ذكر من الطريق الذي به يعلم موت الإنسان ليس بصحيح على كل وجه لأنه قد يتفق جميع ذلك و ينكشف عن باطل بأن يكون لمن أظهر ذلك غرض حكمي و يظهر التمارض و يتقدم إلى أهله بإظهار جميع ذلك ليختبر به أحوال غيره ممن له عليه طاعة و أمر و قد سبق الملوك كثيرا و الحكماء إلى مثل ذلك و قد يدخل عليهم أيضا شبهة بأن يلحقه علة سكتة فيظهرون جميع ذلك ثم ينكشف عن باطل و ذلك أيضا معلوم بالعادات و إنما يعلم الموت بالمشاهدة و ارتفاع الحس و خمود النبض و يستمر ذلك أوقات كثيرة و ربما انضاف إلى ذلك أمارات معلومة بالعادة من جرب المرضى و مارسهم يعلم ذلك. و هذه حالة موسى بن جعفر ع فإنه أظهر للخلق الكثير الذين لا يخفى على مثلهم الحال و لا يجوز عليهم دخول الشبهة في مثله و قوله بأنه يغيب الله الشخص و يحضر شخصا على شبهه أصله لا يصح لأن هذا يسد باب الأدلة و يؤدي إلى الشك في المشاهدات و أن جميع ما نراه اليوم ليس هو الذي رأيناه بالأمس و يلزم الشك في موت جميع الأموات و يجي‏ء منه مذهب الغلاة و المفوضة الذين نفوا القتل عن أمير المؤمنين ع و عن الحسين ع و ما أدى إلى ذلك يجب أن يكون باطلا. و ما قاله إن الله يفعل داخل الجوف حول القلب من البرودة ما ينوب مناب الهواء ضرب من هو من الطب و مع ذلك يؤدي إلى الشك في موت جميع الأموات على ما قلناه على أن على قانون الطب حركات النبض و الشريانات من القلب   و إنما يبطل ببطلان الحرارة الغريزية فإذا فقد حركات النبض علم بطلان الحرارة و علم عند ذلك موته و ليس ذلك بموقوف على التنفس و لهذا يلتجئون إلى النبض عند انقطاع النفس أو ضعفه فيبطل ما قاله و حمله الولادة على ذلك. و ما ادعاه من ظهور الأمر فيه صحيح متى فرضنا الأمر على ما قاله من أنه يكون الحمل لرجل نبيه و قد علم إظهاره و لا مانع من ستره و كتمانه و متى فرضنا كتمانه و ستره لبعض الأغراض التي قدمنا بعضها لا يجب العلم به و لا اشتهاره على أن الولادة في الشرع قد استقر أن يثبت بقول القابلة و يحكم بقولها في كونه حيا أو ميتا فإذا جاز ذلك كيف لا يقبل قول جماعة نقلوا ولادة صاحب الأمر ع و شاهدوا من شاهده من الثقات و نحن نورد الأخبار في ذلك عمن رآه و حكى له و قد أجاز صاحب السؤال أن يعرض في ذلك عارض يقتضي المصلحة أنه إذا ولد أن ينقله الله إلى قلة جبل أو موضع يخفى فيه أمره و لا يطلع عليه أحد و إنما ألزم على ذلك عارضا في الموت و قد بينا الفصل بين الموضعين. و أما من خالف من الفرق الباقية الذين قالوا بإمامة غيره كالمحمدية الذين قالوا بإمامة محمد بن علي بن محمد بن علي الرضا ع و الفطحية القائلة بإمامة عبد الله بن جعفر بن محمد الصادق ع و في هذا الوقت بإمامة جعفر بن علي و كالفرقة القائلة إن صاحب الزمان حمل بعد لم يولد بعد و كالذين قالوا إنه مات ثم يعيش و كالذين قالوا بإمامة الحسن و قالوا هو اليقين و لم يصح لنا ولادة ولده فنحن في فترة فقولهم ظاهر البطلان من وجوه. أحدها انقراضهم فإنه لم يبق قائل يقول بشي‏ء من هذه المقالات و لو كان حقا لما انقرض. و منها أن محمد بن علي العسكري مات في حياة أبيه موتا ظاهرا و الأخبار في ذلك ظاهرة معروفة من دفعه كمن دفع موت من تقدم من آبائه ع. أقول ثم ذكر بعض ما أوردنا من الأخبار في المجلد السابق ثم قال و أما من قال إنه لا ولد لأبي محمد و لكن هاهنا حمل مستور سيولد فقوله باطل

    لأن هذا يؤدي إلى خلو الزمان من إمام يرجع إليه و قد بينا فساد ذلك على أنا سندل على أنه قد ولد له ولد معروف و نذكر الروايات في ذلك فيبطل قول هؤلاء أيضا. و أما من قال إن الأمر مشتبه فلا يدري هل للحسن ولد أم لا و هو مستمسك بالأول حتى يحقق ولادة ابنه فقوله أيضا يبطل بما قلناه من أن الزمان لا يخلو من إمام لأن موت الحسن ع قد علمناه كما علمنا موت غيره و سنبين ولادة ولده فيبطل قولهم أيضا. و أما من قال إنه لا إمام بعد الحسن ع فقوله باطل بما دللنا عليه من أن الزمان لا يخلو من حجة لله عقلا و شرعا. و أما من قال إن أبا محمد مات و يحيا بعد موته فقوله باطل بمثل ما قلناه لأنه يؤدي إلى خلو الخلق من إمام من وقت وفاته إلى حين يحييه الله و احتجاجهم بما روي من أن صاحب هذا الأمر يحيا بعد ما يموت و أنه سمي قائما لأنه يقوم بعد ما يموت باطل لأن ذلك يحتمل لو صح الخبر أن يكون أراد بعد أن مات ذكره حتى لا يذكره إلا من يعتقد إمامته فيظهره الله لجميع الخلق على أنا قد بينا أن كل إمام يقوم بعد الإمام الأول يسمى قائما. و أما القائلون بإمامة عبد الله بن جعفر من الفطحية و جعفر بن علي فقولهم باطل بما دللنا عليه من وجوب عصمة الإمام و هما لم يكونا معصومين و أفعالهما الظاهرة التي تنافي العصمة معروفة نقلها العلماء و هو موجود في الكتب فلا نطول بذكرها الكتاب. على أن المشهور الذي لا مرية فيه بين الطائفة أن الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسن و الحسين ع فالقول بإمامة جعفر بعد أخيه الحسن يبطل بذلك فإذا ثبت بطلان هذه الأقاويل كلها لم يبق إلا القول بإمامة ابن الحسن ع و إلا لأدى إلى خروج الحق عن الأمة و ذلك باطل. و إذا ثبتت إمامته بهذه السياقة ثم وجدناه غائبا عن الأبصار علمنا أنه لم

    يغب مع عصمته و تعين فرض الإمامة فيه و عليه إلا لسبب سوغه ذلك و ضرورة ألجأته إليه و إن لم يعلم على وجه التفصيل و جرى ذلك مجرى الكلام في إيلام الأطفال و البهائم و خلق المؤذيات و الصور المشينات و متشابه القرآن إذا سئلنا عن وجهها بأن نقول إذا علمنا أن الله تعالى حكيم لا يجوز أن يفعل ما ليس بحكمة و لا صواب علمنا أن هذه الأشياء لها وجه حكمة و إن لم نعلمه معينا كذلك نقول في صاحب الزمان فإنا نعلم أنه لم يستتر إلا لأمر حكمي سوغه ذلك و إن لم نعلمه مفصلا فإن قيل نحن نعترض قولكم في إمامته بغيبته بأن نقول إذا لم يمكنكم بيان وجه حسنها دل ذلك على بطلان القول بإمامته لأنه لو صح لأمكنكم بيان وجه الحسن فيه قلنا إن لزمنا ذلك لزم جميع أهل العدل قول الملاحدة إذا قالوا إنا نتوصل بهذه الأفعال التي ليست بظاهر الحكمة إلى أن فاعلها ليس بحكيم لأنه لو كان حكيما لأمكنكم بيان وجه الحكمة فيها و إلا فما الفصل. فإذا قلتم نحن أولا نتكلم في إثبات حكمته فإذا ثبت بدليل منفصل ثم وجدنا هذه الأفعال المشتبهة الظاهر حملناها على ما يطابق ذلك فلا يؤدي إلى نقض ما علمنا و متى لم يسلموا لنا حكمته انتقلت المسألة إلى القول في حكمته قلنا مثل ذلك هاهنا من أن الكلام في غيبته فرع على إمامته و إذا علمنا إمامته بدليل و علمنا عصمته بدليل آخر و علمناه غاب حملنا غيبته على وجه يطابق عصمته فلا فرق بين الموضعين. ثم يقال للمخاطب أ يجوز أن يكون للغيبة سبب صحيح اقتضاها و وجه من الحكمة أوجبها أم لا يجوز ذلك. فإن قال يجوز ذلك قيل له فإذا كان ذلك جائزا فكيف جعلت وجود الغيبة دليلا على فقد الإمام في الزمان مع تجويزك لها سببا لا ينافي وجود الإمام و هل يجري ذلك إلا مجرى من توصل بإيلام الأطفال إلى نفي حكمة الصانع و هو معترف بأنه يجوز أن يكون في إيلامهم وجه صحيح لا ينافي الحكمة أو من   توصل بظاهر الآيات المتشابهات إلى أنه تعالى مشبه للأجسام و خالق لأفعال العباد مع تجويز أن تكون لها وجوه صحيحة توافق الحكمة و العدل و التوحيد و نفي التشبيه. و إن قال لا أجوز ذلك قيل هذا تحجر شديد فيما لا يحاط بعلمه و لا يقطع على مثله فمن أين قلت إن ذلك لا يجوز و انفصل ممن قال لا يجوز أن يكون للآيات المتشابهات وجوه صحيحة يطابق أدلة العقل و لا بد أن يكون على ظواهرها و متى قيل نحن متمكنون من ذكر وجوه الآيات المتشابهات مفصلا بل يكفيني علم الجملة و متى تعاطيت ذلك كان تبرعا و إن أقنعتم أنفسكم بذلك فنحن أيضا نتمكن من ذكر وجه صحة الغيبة و غرض حكمي لا ينافي عصمته و سنذكر ذلك فيما بعد و قد تكلمنا عليه مستوفى في كتاب الإمامة. ثم يقال كيف يجوز أن يجتمع صحة إمامة ابن الحسن ع بما بيناه من سياقة الأصول العقلية مع القول بأن الغيبة لا يجوز أن يكون لها سبب صحيح و هل هذا إلا تناقض و يجري مجرى القول بصحة التوحيد و العدل مع القطع على أنه لا يجوز أن يكون للآيات المتشابهات وجه يطابق هذه الأصول و متى قالوا نحن لا نسلم إمامة ابن الحسن كان الكلام معهم في ثبوت الإمامة دون الكلام في سبب الغيبة و قد تقدمت الدلالة على إمامته ع بما لا يحتاج إلى إعادته و إنما قلنا ذلك لأن الكلام في سبب غيبة الإمام ع فرع على ثبوت إمامته فأما قبل ثبوتها فلا وجه للكلام في سبب غيبته كما لا وجه للكلام في وجوه الآيات المتشابهات و إيلام الأطفال و حسن التعبد بالشرائع قبل ثبوت التوحيد و العدل. فإن قيل أ لا كان السائل بالخيار بين الكلام في إمامة ابن الحسن ليعرف صحتها من فسادها و بين أن يتكلم في سبب الغيبة قلنا لا خيار في ذلك لأن من شك في إمامة ابن الحسن يجب أن يكون الكلام معه في نص إمامته و التشاغل بالدلالة عليها و لا يجوز مع الشك فيها أن يتكلم في سبب الغيبة لأن الكلام في الفروع لا يسوغ إلا بعد إحكام الأصول لها كما لا يجوز أن يتكلم في سبب إيلام الأطفال قبل

    ثبوت حكمة القديم تعالى و أنه لا يفعل القبيح. و إنما رجحنا الكلام في إمامته على الكلام في غيبته و سببها لأن الكلام في إمامته مبني على أمور عقلية لا يدخلها الاحتمال و سبب الغيبة ربما غمض و اشتبه فصار الكلام في الواضح الجلي أولى من الكلام في المشتبه الغامض كما فعلناه مع المخالفين للملة فرجحنا الكلام في نبوة نبينا على الكلام على ادعائهم تأبيد شرعهم لظهور ذلك و غموض هذا و هذا بعينه موجود هاهنا و متى عادوا إلى أن يقولوا الغيبة فيها وجه من وجوه القبح فقد مضى الكلام عليه على أن وجوه القبح معقولة و هي كونه ظلما أو كذبا أو عبثا أو جهلا أو استفسادا و كل ذلك ليس بحاصل فيها فيجب أن لا يدعى فيه وجه القبح. فإن قيل أ لا منع الله الخلق من الوصول إليه و حال بينهم و بينه ليقوم بالأمر و يحصل ما هو لطف لنا كما نقول في النبي إذا بعثه الله تعالى يمنع منه ما لم يؤد الشرع فكان يجب أن يكون حكم الإمام مثله. قلنا المنع على ضربين أحدهما لا ينافي التكليف بأن لا يلجأ إلى ترك القبيح و الآخر يؤدي إلى ذلك فالأول قد فعله الله من حيث منع من ظلمه بالنهي عنه و الحث على وجوب طاعته و الانقياد لأمره و نهيه و أن لا يعصى في شي‏ء من أوامره و أن يساعد على جميع ما يقوى أمره و يشيد سلطانه فإن جميع ذلك لا ينافي التكليف فإذا عصى من عصى في ذلك و لم يفعل ما يتم معه الغرض المطلوب يكون قد أتي من قبل نفسه لا من قبل خالقه و الضرب الآخر أن يحول بينهم و بينه بالقهر و العجز عن ظلمه و عصيانه فذلك لا يصح اجتماعه مع التكليف فيجب أن يكون ساقطا فأما النبي ص فإنما نقول يجب أن يمنع الله منه حتى يؤدي الشرع لأنه لا يمكن أن يعلم ذلك إلا من جهته فلذلك وجب المنع منه و ليس كذلك الإمام لأن علة المكلفين مزاحة فيما يتعلق بالشرع و الأدلة منصوبة على ما يحتاجون إليه و لهم طريق إلى معرفتها من دون قوله و لو فرضنا أنه ينتهي الحال إلى حد لا يعرف الحق من الشرعيات إلا بقوله لوجب أن يمنع الله تعالى منه و يظهره بحيث   لا يوصل إليه مثل النبي ص. و نظير مسألة الإمام أن النبي إذا أدى ثم عرض فيما بعد ما يوجب خوفه لا يجب على الله المنع منه لأن علة المكلفين قد انزاحت بما أداه إليهم فلهم طريق إلى معرفة لطفهم اللهم إلا أن يتعلق به أداء آخر في المستقبل فإنه يجب المنع منه كما يجب في الابتداء فقد سوينا بين النبي و الإمام. فإن قيل بينوا على كل حال و إن لم يجب عليكم وجه علة الاستتار و ما يمكن أن يكون علة على وجه ليكون أظهر في الحجة و أبلغ في باب البرهان قلنا مما يقطع على أنه سبب لغيبة الإمام هو خوفه على نفسه بالقتل بإخافة الظالمين إياه و منعهم إياه من التصرف فيما جعل إليه التدبير و التصرف فيه فإذا حيل بينه و بين مراده سقط فرض القيام بالإمامة و إذا خاف على نفسه وجبت غيبته و لزم استتاره كما استتر النبي ص تارة في الشعب و أخرى في الغار و لا وجه لذلك إلا الخوف من المضار الواصلة إليه. و ليس لأحد أن يقول إن النبي ص ما استتر عن قومه إلا بعد أدائه إليهم ما وجب عليه أداؤه و لم يتعلق بهم إليه حاجة و قولكم في الإمام بخلاف ذلك و أيضا فإن استتار النبي ص ما طال و لا تمادى و استتار الإمام قد مضت عليه الدهور و انقرضت عليه العصور. و ذلك أنه ليس الأمر على ما قالوه لأن النبي ص إنما استتر في الشعب و الغار بمكة قبل الهجرة و ما كان أدى جميع الشريعة فإن أكثر الأحكام و معظم القرآن نزل بالمدينة فكيف أوجبتم أنه كان بعد الأداء و لو كان الأمر على ما قالوه من تكامل الأداء قبل الاستتار لما كان ذلك رافعا للحاجة إلى تدبيره و سياسته و أمره و نهيه فإن أحدا لا يقول إن النبي ص بعد أداء الشرع غير محتاج إليه و لا مفتقر إلى تدبيره و لا يقول ذلك معاند. و هو الجواب عن قول من قال إن النبي ص ما يتعلق من مصلحتنا قد أداه و ما يؤدي في المستقبل لم يكن في الحال مصلحة للخلق فجاز لذلك الاستتار و ليس

    كذلك الإمام عندكم لأن تصرفه في كل حال لطف للخلق فلا يجوز له الاستتار على وجه و وجب تقويته و المنع منه ليظهر و ينزاح علة المكلف لأنا قد بينا أن النبي ص مع أنه أدى المصلحة التي تعلقت بتلك الحال لم يستغن عن أمره و نهيه و تدبيره بلا خلاف بين المحصلين و مع هذا جاز له الاستتار فكذلك الإمام على أن أمر الله تعالى له بالاستتار في الشعب تارة و في الغار أخرى فضرب من المنع منه لأنه ليس كل المنع أن يحول بينهم و بينه بالعجز أو بتقويته بالملائكة لأنه لا يمتنع أن يفرض في تقويته بذلك مفسدة في الدين فلا يحسن من الله فعله و لو كان خاليا من وجوه الفساد و علم الله أنه يقتضيه المصلحة لقواه بالملائكة و حال بينهم و بينه فلما لم يفعل ذلك مع ثبوت حكمته و وجوب إزاحة علة المكلفين علمنا أنه لم يتعلق به مصلحة بل مفسدة و كذلك نقول في الإمام إن الله فعل من قتله بأمره بالاستتار و الغيبة و لو علم أن المصلحة يتعلق بتقويته بالملائكة لفعل فلما لم يفعل مع ثبوت حكمته و وجوب إزاحة علة المكلفين في التكليف علمنا أنه لم يتعلق به مصلحة بل ربما كان فيه مفسدة. بل الذي نقول إن في الجملة يجب على الله تعالى تقوية يد الإمام بما يتمكن معه من القيام و ينبسط يده و يمكن ذلك بالملائكة و بالبشر فإذا لم يفعله بالملائكة علمنا أنه لأجل أنه تعلق به مفسدة فوجب أن يكون متعلقا بالبشر فإذا لم يفعلوه أتوا من قبل نفوسهم لا من قبله تعالى فيبطل بهذا التحرير جميع ما يورد من هذا الجنس و إذا جاز في النبي ص أن يستتر مع الحاجة إليه لخوف الضرر و كانت التبعة في ذلك لازمة لمخيفيه و محوجيه إلى الغيبة فكذلك غيبة الإمام سواء. فأما التفرقة بطول الغيبة و قصرها فغير صحيحة لأنه لا فرق في ذلك بين القصير المنقطع و الطويل الممتد لأنه إذا لم يكن في الاستتار لائمة على المستتر إذا أحوج إليه بل اللائمة على من أحوجه إليها جاز أن يتطاول سبب الاستتار كما جاز أن يقصر زمانه.

    فإن قيل إذا كان الخوف أحوجه إلى الاستتار فقد كان آباؤه عندكم على تقية و خوف من أعدائهم فكيف لم يستتروا قلنا ما كان على آبائه ع خوف من أعدائه مع لزوم التقية و العدول عن التظاهر بالإمامة و نفيها عن نفوسهم و إمام الزمان كل الخوف عليه لأنه يظهر بالسيف و يدعو إلى نفسه و يجاهد من خالفه عليه فأي تشبه بين خوفه من الأعداء و خوف آبائه ع لو لا قلة التأمل على أن آباءه ع متى قتلوا أو ماتوا كان هناك من يقوم مقامهم و يسد مسدهم يصلح للإمامة من أولاده و صاحب الأمر بالعكس من ذلك لأن المعلوم أنه لا يقوم أحد مقامه و لا يسد مسده فبان الفرق بين الأمرين. و قد بينا فيما تقدم الفرق بين وجوده غائبا لا يصل إليه أحد أو أكثر و بين عدمه حتى إذا كان المعلوم التمكن بالأمر يوجده. و كذلك قولهم ما الفرق بين وجوده بحيث لا يصل إليه أحد و بين وجوده في السماء بأن قلنا إذا كان موجودا في السماء بحيث لا يخفى عليه أخبار أهل الأرض فالسماء كالأرض و إن كان يخفى عليه أمرهم فذلك يجري مجرى عدمه ثم يقلب عليهم في النبي ص بأن يقال أي فرق بين وجوده مستترا و بين عدمه و كونه في السماء فأي شي‏ء قالوه قلنا مثله على ما مضى القول فيه. و ليس لهم أن يفرقوا بين الأمرين بأن النبي ص ما استتر من كل أحد و إنما استتر من أعدائه و إمام الزمان مستتر عن الجميع لأنا أولا لا نقطع على أنه مستتر عن جميع أوليائه و التجويز في هذا الباب كاف على أن النبي ص لما استتر في الغار كان مستترا من أوليائه و أعدائه و لم يكن معه إلا أبو بكر وحده و قد كان يجوز أن يستتر بحيث لا يكون معه أحد من ولي و لا عدو إذا اقتضت المصلحة ذلك. فإن قيل فالحدود في حال الغيبة ما حكمها فإن سقطت عن الجاني على ما يوجبها الشرع فهذا نسخ الشريعة و إن كانت باقية فمن يقيمها قلنا الحدود   المستحقة باقية في جنوب مستحقيها فإن ظهر الإمام و مستحقوها باقون أقامها عليهم بالبينة أو الإقرار و إن كان فات ذلك بموته كان الإثم في تفويتها على من أخاف الإمام و ألجأه إلى الغيبة. و ليس هذا نسخا لإقامة الحدود لأن الحد إنما يجب إقامته مع التمكن و زوال المنع و يسقط مع الحيلولة و إنما يكون ذلك نسخا لو سقط إقامتها مع الإمكان و زوال الموانع و يقال لهم ما تقولون في الحال التي لا يتمكن أهل الحل و العقد من اختيار الإمام ما حكم الحدود فإن قلتم سقطت فهذا نسخ على ما ألزمتمونا و إن قلتم هي باقية في جنوب مستحقيها فهو جوابنا بعينه. فإن قيل قد قال أبو علي إن في الحال التي لا يتمكن أهل الحل و العقد من نصب الإمام يفعل الله ما يقوم مقام إقامة الحدود و ينزاح علة المكلف و قال أبو هاشم إن إقامة الحدود دنياوية لا تعلق لها بالدين. قلنا أما ما قاله أبو علي فلو قلنا مثله ما ضرنا لأن إقامة الحدود ليس هو الذي لأجله أوجبنا الإمام حتى إذا فات إقامته انتقص دلالة الإمامة بل ذلك تابع للشرع و قد قلنا إنه لا يمتنع أن يسقط فرض إقامتها في حال انقباض يد الإمام أو تكون باقية في جنوب أصحابها و كما جاز ذلك جاز أيضا أن يكون هناك ما يقوم مقامها فإذا صرنا إلى ما قاله لم ينتقض علينا أصل. و أما ما قاله أبو هاشم من أن ذلك لمصالح الدنيا فبعيد لأن ذلك عبادة واجبة و لو كان لمصلحة دنياوية لما وجبت على أن إقامة الحدود عنده على وجه الجزاء و النكال جزء من العقاب و إنما قدم في دار الدنيا بعضه لما فيه من المصلحة فكيف يقول مع ذلك إنه لمصالح دنياوية فبطل ما قالوه. فإن قيل كيف الطريق إلى إصابة الحق مع غيبة الإمام فإن قلتم لا سبيل إليها جعلتم الخلق في حيرة و ضلالة و شك في جميع أمورهم و إن قلتم يصاب الحق بأدلته قيل لكم هذا تصريح بالاستغناء عن الإمام بهذه الأدلة.

    قلنا الحق على ضربين عقلي و سمعي فالعقلي يصاب بأدلته و السمعي عليه أدلة منصوبة من أقوال النبي ص و نصوصه و أقوال الأئمة من ولده و قد بينوا ذلك و أوضحوه و لم يتركوا منه شيئا لا دليل عليه غير أن هذا و إن كان على ما قلناه فالحاجة إلى الإمام قد بينا ثبوتها لأن جهة الحاجة المستمرة في كل حال و زمان كونه لطفا لنا على ما تقدم القول فيه و لا يقوم غيره مقامه و الحاجة المتعلقة بالسمع أيضا ظاهرة لأن النقل و إن كان واردا عن الرسول ص و عن آباء الإمام ع بجميع ما يحتاج إليه في الشريعة فجائز على الناقلين العدول عنه إما تعمدا و إما لشبهة فيقطع النقل أو يبقى فيمن لا حجة في نقله و قد استوفينا هذه الطريقة في تلخيص الشافي فلا نطول بذكره. فإن قيل لو فرضنا أن الناقلين كتموا بعض منهم الشريعة و احتيج إلى بيان الإمام و لم يعلم الحق إلا من جهته و كان خوف القتل من أعدائه مستمرا كيف يكون الحال فإن قلتم يظهر و إن خاف القتل فيجب أن يكون خوف القتل غير مبيح له الاستتار و يلزم ظهوره و إن قلتم لا يظهر و سقط التكليف في ذلك الشي‏ء المكتوم عن الأمة خرجتم من الإجماع لأنه منعقد على أن كل شي‏ء شرعه النبي ص و أوضحه فهو لازم للأمة إلى أن يقوم الساعة فإن قلتم إن التكليف لا يسقط صرحتم بتكليف ما لا يطاق و إيجاب العمل بما لا طريق إليه. قلنا قد أجبنا عن هذا السؤال في التلخيص مستوفى و جملته أن الله تعالى لو علم أن النقل ببعض الشرع المفروض ينقطع في حال تكون تقية الإمام فيها مستمرة و خوفه من الأعداء باقيا لأسقط ذلك عمن لا طريق له إليه فإذا علمنا بالإجماع أن تكليف الشرع مستمر ثابت على جميع الأمة إلى قيام الساعة علمنا عند ذلك أنه لو اتفق انقطاع النقل لشي‏ء من الشرع لما كان ذلك إلا في حال يتمكن فيها الإمام من الظهور و البروز و الإعلام و الإنذار. و كان المرتضى ره يقول أخيرا لا يمتنع أن يكون هاهنا أمور كثيرة غير واصلة إلينا هي مودعة عند الإمام و إن كان قد كتمها الناقلون و لم ينقلوها و لم   يلزم مع ذلك سقوط التكليف عن الخلق لأنه إذا كان سبب الغيبة خوفه على نفسه من الذين أخافوه فمن أحوجه إلى الاستتار أتي من قبل نفسه في فوت ما يفوته من الشرع كما أنه أتي من قبل نفسه فيما يفوته من تأديب الإمام و تصرفه من حيث أحوجه إلى الاستتار و لو أزال خوفه لظهر فيحصل له اللطف بتصرفه و تبين له ما عنده فما انكتم عنه فإذا لم يفعل و بقي مستترا أتي من قبل نفسه في الأمرين و هذا قوي يقتضيه الأصول. و في أصحابنا من قال إن علة استتاره عن أوليائه خوفه من أن يشيعوا خبره و يتحدثوا باجتماعهم معه سرورا فيؤدي ذلك إلى الخوف من الأعداء و إن كان غير مقصود و هذا الجواب يضعف لأن عقلاء شيعته لا يجوز أن يخفى عليهم ما في إظهار اجتماعهم معه من الضرر عليه و عليهم فكيف يخبرون بذلك مع علمهم بما عليهم فيه من المضرة العامة و إن جاز على الواحد و الاثنين لا يجوز على جماعة شيعته الذين لا يظهر لهم. على أن هذا يلزم عليه أن يكون شيعته قد عدموا الانتفاع به على وجه لا يتمكنون من تلافيه و إزالته لأنه إذا علق الاستتار بما يعلم من حالهم أنهم يفعلونه فليس في مقدورهم الآن ما يقتضي ظهور الإمام و هذا يقتضي سقوط التكليف الذي الإمام لطف فيه عنهم. و في أصحابنا من قال علة استتاره عن الأولياء ما يرجع إلى الأعداء لأن انتفاع جميع الرعية من ولي و عدو بالإمام إنما يكون بأن ينفذ أمره ببسط يده فيكون ظاهرا متصرفا بلا دافع و لا منازع و هذا مما المعلوم أن الأعداء قد حالوا دونه و منعوا منه. قالوا و لا فائدة في ظهوره سرا لبعض أوليائه لأن النفع المبتغي من تدبير الأمة لا يتم إلا بظهوره للكل و نفوذ الأمر فقد صارت العلة في استتار الإمام على الوجه الذي هو لطف و مصلحة للجميع واحدة. و يمكن أن يعترض هذا الجواب بأن يقال إن الأعداء و إن حالوا بينه و بين

    الظهور على وجه التصرف و التدبير فلم يحولوا بينه و بين لقاء من شاء من أوليائه على سبيل الاختصاص و هو يعتقد طاعته و يوجب اتباع أوامره فإن كان لا نفع في هذا اللقاء لأجل الاختصاص لأنه نافذ الأمر للكل فهذا تصريح بأنه لا انتفاع للشيعة الإمامية بلقاء أئمتها من لدن وفاة أمير المؤمنين إلى أيام الحسن بن علي إلى القائم ع لهذه العلة. و يوجب أيضا أن يكون أولياء أمير المؤمنين ع و شيعته لم يكن لهم بلقائه انتفاع قبل انتقال الأمر إلى تدبيره و حصوله في يده و هذا بلوغ من قائله إلى حد لا يبلغه متأمل على أنه لو سلم أن الانتفاع بالإمام لا يكون إلا مع الظهور لجميع الرعية و نفوذ أمره فيهم لبطل قولهم من وجه آخر و هو أنه يؤدي إلى سقوط التكليف الذي الإمام لطف فيه عن شيعته لأنه إذا لم يظهر لهم لعله لا يرجع إليهم و لا كان في قدرتهم و إمكانهم إزالته فلا بد من سقوط التكليف عنهم لأنه لو جاز أن يمنع قوم من المكلفين غيرهم لطفهم و يكون التكليف الذي ذلك اللطف لطف فيه مستمرا عليهم لجاز أن يمنع بعض المكلفين غيره بقيد و ما أشبهه من المشي على وجه لا يمكن من إزالته و يكون تكليف المشي مع ذلك مستمرا على الحقيقة. و ليس لهم أن يفرقوا بين القيد و بين اللطف من حيث كان القيد يتعذر معه الفعل و لا يتوهم وقوعه و ليس كذلك فقد اللطف لأن أكثر أهل العدل على أن فقد اللطف كفقد القدرة و الآلة و أن التكليف مع فقد اللطف فيمن له لطف معلوم كالتكليف مع فقد القدرة و الآلة و وجود الموانع و أن من لم يفعل له اللطف ممن له لطف معلوم غير مزاح العلة في التكليف كما أن الممنوع غير مزاح العلة. و الذي ينبغي أن يجاب عن السؤال الذي ذكرناه عن المخالف أن نقول إنا أولا لا نقطع على استتاره عن جميع أوليائه بل يجوز أن يظهر لأكثرهم و لا يعلم كل إنسان إلا حال نفسه فإن كان ظاهرا له فعلته مزاحة و إن لم يكن ظاهرا له علم أنه إنما لم يظهر له لأمر يرجع إليه و إن لم يعلمه مفصلا لتقصير من جهته و إلا لم يحسن تكليفه.

    فإذا علم بقاء تكليفه عليه و استتار الإمام عنه علم أنه لأمر يرجع إليه كما يقول جماعتنا فيمن لم ينظر في طريق معرفة الله تعالى فلم يحصل له العلم وجب أن يقطع على أنه إنما لم يحصل لتقصير يرجع إليه و إلا وجب إسقاط تكليفه و إن لم يعلم ما الذي وقع تقصيره فيه. فعلى هذا التقرير أقوى ما يعلل به ذلك أن الإمام إذا ظهر و لا يعلم شخصه و عينه من حيث المشاهدة فلا بد من أن يظهر عليه علم معجز يدل على صدقه و العلم بكون الشي‏ء معجزا يحتاج إلى نظر يجوز أن يعترض فيه شبهة فلا يمنع أن يكون المعلوم من حال من لم يظهر له أنه متى ظهر و أظهر المعجز لم ينعم النظر فيدخل فيه شبهة و يعتقد أنه كذاب و يشيع خبره فيؤدي إلى ما تقدم القول فيه. فإن قيل أي تقصير وقع من الولي الذي لم يظهر له الإمام لأجل هذا المعلوم من حاله و أي قدرة له على النظر فيما يظهر له الإمام معه و إلى أي شي‏ء يرجع في تلافي ما يوجب غيبته قلنا ما أحلنا في سبب الغيبة عن الأولياء إلا على معلوم يظهر موضع التقصير فيه و إمكان تلافيه لأنه غير ممتنع أن يكون من المعلوم من حاله أنه متى ظهر له الإمام قصر في النظر في معجزة فإنما أتي في ذلك لتقصيره الحاصل في العلم بالفرق بين المعجز و الممكن و الدليل من ذلك و الشبهة و لو كان من ذلك على قاعدة صحيحة لم يجز أن يشتبه عليه معجز الإمام عند ظهوره له فيجب عليه تلافي هذا التقصير و استدراكه. و ليس لأحد أن يقول هذا تكليف لما لا يطاق و حوالة على غيب لأن هذا الولي ليس يعرف ما قصر فيه بعينه من النظر و الاستدلال فيستدركه حتى يتمهد في نفسه و يتقرر و نراكم تلزمونه ما لا يلزمه و ذلك إنما يلزم في التكليف قد يتميز تارة و يشتبه أخرى بغيره و إن كان التمكن من الأمرين ثابتا حاصلا فالولي على هذا إذا حاسب نفسه و رأى أن الإمام لا يظهر له و أفسد أن يكون السبب في الغيبة ما ذكرناه من الوجوه الباطلة و أجناسها علم أنه لا بد من سبب يرجع إليه.   و إذا علم أن أقوى العلل ما ذكرناه علم أن التقصير واقع من جهته في صفات المعجز و شروطه فعليه معاودة النظر في ذلك عند ذلك و تخليصه من الشوائب و ما يوجب الالتباس فإنه من اجتهد في ذلك حق الاجتهاد و وفى النظر شروطه فإنه لا بد من وقوع العلم بالفرق بين الحق و الباطل و هذه المواضع الإنسان فيها على نفسه بصيرة و ليس يمكن أن يؤمر فيها بأكثر من التناهي في الاجتهاد و البحث و الفحص و الاستسلام للحق و قد بينا أن هذا نظير ما نقول لمخالفينا إذا نظروا في أدلتنا و لم يحصل لهم العلم سواء. فإن قيل لو كان الأمر على ما قلتم لوجب أن لا يعلم شيئا من المعجزات في الحال و هذا يؤدي إلى أن لا يعلم النبوة و صدق الرسول و ذلك يخرجه عن الإسلام فضلا عن الإيمان. قلنا لا يلزم ذلك لأنه لا يمتنع أن يدخل الشبهة في نوع من المعجزات دون نوع و ليس إذا دخلت الشبهة في بعضها دخل في سائرها فلا يمتنع أن يكون المعجز الدال على النبوة لم يدخل عليه فيه شبهة فحصل له العلم بكونه معجزا و علم عند ذلك نبوة النبي ص و المعجز الذي يظهر على يد الإمام إذا ظهر يكون أمرا آخر يجوز أن يدخل عليه الشبهة في كونه معجزا فيشك حينئذ في إمامته و إن كان عالما بالنبوة و هذا كما نقول إن من علم نبوة موسى ع بالمعجزات الدالة على نبوته إذا لم ينعم النظر في المعجزات الظاهرة على عيسى و نبينا محمد ص لا يجب أن يقطع على أنه ما عرف تلك المعجزات لأنه لا يمتنع أن يكون عارفا بها و بوجه دلالتها و إن لم يعلم هذه المعجزات و اشتبه عليه وجه دلالتها. فإن قيل فيجب على هذا أن يكون كل من لم يظهر له الإمام يقطع على أنه على كبيرة تلحق بالكفر لأنه مقصر على ما فرضتموه فيما يوجب غيبة الإمام عنه و يقتضي فوت مصلحته فقد لحق الولي على هذا بالعدو. قلنا ليس يجب في التقصير الذي أشرنا إليه أن يكون كفرا و لا ذنبا عظيما لأنه في هذه الحال ما اعتقد الإمام أنه ليس بإمام و لا أخافه على نفسه و إنما قصر

    في بعض العلوم تقصيرا كان كالسبب في أن علم من حاله أن ذلك الشك في الإمامة يقع منه مستقبلا و الآن فليس بواقع فغير لازم أنه يكون كافرا غير أنه و إن لم يلزم أن يكون كفرا و لا جاريا مجرى تكذيب الإمام و الشك في صدقه فهو ذنب و خطأ لا ينافيان الإيمان و استحقاق الثواب و لن يلحق الولي بالعدو على هذا التقدير لأن العدو في الحال معتقد في الإمام ما هو كفر و كبيرة و الولي بخلاف ذلك. و إنما قلنا إن ما هو كالسبب في الكفر لا يجب أن يكون كفرا في الحال أن أحدا لو اعتقد في القادر منا بقدرة أنه يصح أن يفعل في غيره من الأجسام مبتدئا كان ذلك خطأ و جهلا ليس بكفر و لا يمتنع أن يكون المعلوم من حال هذا المعتقد أنه لو ظهر نبي يدعو إلى نبوته و جعل معجزة أن يفعل الله تعالى على يده جسما بحيث لا يصل إليه أسباب البشر أنه لا يقبله و هذا لا محالة لو علم أنه معجز كان يقبله و ما سبق من اعتقاده في مقدور العبد كان كالسبب في هذا و لم يلزم أن يجري مجراه في الكفر. فإن قيل إن هذا الجواب أيضا لا يستمر على أصلكم لأن الصحيح من مذهبكم أن من عرف الله تعالى بصفاته و عرف النبوة و الإمامة و حصل مؤمنا لا يجوز أن يقع منه كفر أصلا فإذا ثبت هذا فكيف يمكنكم أن تجعلوا علة الاستتار عن الولي أن المعلوم من حاله أنه إذا ظهر الإمام فظهر علم معجز شك فيه و لا يعرفه و إن الشك في ذلك كفر و ذلك ينقض أصلكم الذي صححتموه. قيل هذا الذي ذكرتموه ليس بصحيح لأن الشك في المعجز الذي يظهر على يد الإمام ليس بقادح في معرفته لعين الإمام على طريق الجملة و إنما يقدح في أن ما علم على طريق الجملة و صحت معرفته هل هو هذا الشخص أم لا و الشك في هذا ليس بكفر لأنه لو كان كفرا لوجب أن يكون كفرا و إن لم يظهر المعجز فإنه لا محالة قبل ظهور هذا المعجز على يده شاك فيه و يجوز كونه إماما و كون غيره كذلك و إنما يقدح في العلم الحاصل له على طريق الجملة   أن لو شك في المستقبل في إمامته على طريق الجملة و ذلك مما يمنع من وقوعه منه مستقبلا. و كان المرتضى ره يقول سؤال المخالف لنا لم لا يظهر الإمام للأولياء غير لازم لأنه إن كان غرضه أن لطف الولي غير حاصل فلا يحصل تكليفه فإنه لا يتوجه فإن لطف الولي حاصل لأنه إذا علم الولي أن له إماما غائبا يتوقع ظهوره ساعة و يجوز انبساط يده في كل حال فإن خوفه من تأديبه حاصل و ينزجر لمكانه عن المقبحات و يفعل كثيرا من الواجبات فيكون حال غيبته كحال كونه في بلد آخر بل ربما كان في حال الاستتار أبلغ لأنه مع غيبته يجوز أن يكون معه في بلده و في جواره و يشاهده من حيث لا يعرفه و لا يقف على أخباره و إذا كان في بلد آخر ربما خفي عليه خبره فصار حال الغيبة الانزجار حاصلا عن القبيح على ما قلناه و إذا لم يكن قد فاتهم اللطف جاز استتاره عنهم و إن سلم أنه يحصل ما هو لطف لهم و مع ذلك يقال لم لا يظهر لهم قلنا ذلك غير واجب على كل حال فسقط السؤال من أصله. على أن لطفهم بمكانه حاصل من وجه آخر و هو أن بمكانه يثقون جميع الشرع إليهم و لولاه لما وثقوا بذلك و جوزوا أن يخفى عليهم كثير من الشرع و ينقطع دونهم و إذا علموا وجوده في الجملة أمنوا جميع ذلك فكان اللطف بمكانه حاصلا من هذا الوجه أيضا. و قد ذكرنا فيما تقدم أن ستر ولادة صاحب الزمان ليس بخارق العادات إذ جرى أمثال ذلك فيما تقدم من أخبار الملوك و قد ذكره العلماء من الفرس و من روى أخبار الدوليين من ذلك ما هو مشهور كقصة كيخسرو و ما كان من ستر أمه حملها و إخفاء ولادتها و أمه بنت ولد أفراسياب ملك الترك و كان جده كيقاوس أراد قتل ولده فسترته أمه إلى أن ولدته و كان من قصته ما هو مشهور في كتب التواريخ ذكره الطبري. و قد نطق القرآن بقصة إبراهيم و أن أمه ولدته خفيا و غيبته في المغارة

    حتى بلغ و كان من أمره ما كان و ما كان من قصة موسى ع و أن أمه ألقته في البحر خوفا عليه و إشفاقا من فرعون عليه و ذلك مشهور نطق به القرآن و مثل ذلك قصة صاحب الزمان سواء فكيف يقال إن هذا خارج عن العادات. و من الناس من يكون له ولد من جارية يستترها من زوجته برهة من الزمان حتى إذا حضرته الوفاة أقر به و في الناس من يستتر أمر ولده خوفا من أهله أن يقتلوه طمعا في ميراثه قد جرت العادات بذلك فلا ينبغي أن يتعجب من مثله في صاحب الزمان و قد شاهدنا من هذا الجنس كثيرا و سمعنا منه غير قليل فلا نطول بذكره لأنه معلوم بالعادات و كم وجدنا من ثبت نسبه بعد موت أبيه بدهر طويل و لم يكن أحد يعرفه إذا شهد بنسبه رجلان مسلمان و يكون أشهدهما على نفسه سرا عن أهله و خوفا من زوجته و أهله فوصى به فشهدا بعد موته أو شهدا بعقده على امرأة عقدا صحيحا فجاءت بولد يمكن أن يكون منه فوجب بحكم الشرع إلحاقه به و الخبر بولادة ابن الحسن وارد من جهات أكثر مما يثبت الأنساب في الشرع و نحن نذكر طرفا من ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى. و أما إنكار جعفر بن علي عم صاحب الزمان شهادة الإمامية بولد لأخيه الحسن بن علي ولد في حياته و دفعه بذلك وجوده بعده و أخذه تركته و حوزه ميراثه و ما كان منه في حمله سلطان الوقت على حبس جواري الحسن و استبذالهن بالاستبراء من الحمل ليتأكد نفيه لولد أخيه و إباحته دماء شيعته بدعواهم خلفا له بعده كان أحق بمقامه فليس لشبهة يعتمد على مثلها أحد من المحصلين لاتفاق الكل على أن جعفرا لم يكن له عصمة كعصمة الأنبياء فيمتنع عليه لذلك إنكار حق و دعوى باطل بل الخطاء جائز عليه و الغلط غير ممتنع منه و قد نطق القرآن بما كان من ولد يعقوب مع أخيهم يوسف و طرحهم إياه في الجب و بيعهم إياه بالثمن البخس و هم أولاد الأنبياء و في الناس من يقول كانوا أنبياء فإذا جاز منهم مثل ذلك مع عظم الخطاء فيه فلم لا يجوز مثله من جعفر بن علي مع ابن أخيه و أن يفعل معه من الجحد طمعا

    في الدنيا و نيلها و هل يمنع من ذلك أحد إلا مكابر معاند. فإن قيل كيف يجوز أن يكون للحسن بن علي ولد مع إسناده وصيته في مرضه الذي توفي فيه إلى والدته المسماة بحديث المكناة بأم الحسن بوقوفه و صدقاته و أسند النظر إليها في ذلك و لو كان له ولد لذكره في الوصية. قيل إنما فعل ذلك قصدا إلى تمام ما كان غرضه في إخفاء ولادته و ستر حاله عن سلطان الوقت و لو ذكر ولده أو أسند وصيته إليه لناقض غرضه خاصة و هو احتاج إلى الإشهاد عليها وجوه الدولة و أسباب السلطان و شهود القضاة ليتحرس بذلك وقوفه و يتحفظ صدقاته و يتم به الستر على ولده بإهمال ذكره و حراسة مهجته بترك التنبيه على وجوده و من ظن أن ذلك دليل على بطلان دعوى الإمامية في وجود ولد للحسن ع كان بعيدا من معرفة العادات و قد فعل نظير ذلك الصادق جعفر بن محمد ع حين أسند وصيته إلى خمسة نفر أولهم المنصور إذ كان سلطان الوقت و لم يفرد ابنه موسى ع بها إبقاء عليه و أشهد معه الربيع و قاضي الوقت و جاريته أم ولده حميدة البربرية و ختمهم بذكر ابنه موسى بن جعفر ع لستر أمره و حراسة نفسه و لم يذكر مع ولده موسى أحدا من أولاده الباقين لعله كان فيهم من يدعي مقامه بعده و يتعلق بإدخاله في وصيته و لو لم يكن موسى ظاهرا مشهورا في أولاده معروف المكان منه و صحة نسبه و اشتهار فضله و علمه و كان مستورا لما ذكره في وصيته و لاقتصر على ذكر غيره كما فعل الحسن بن علي والد صاحب الزمان. فإن قيل قولكم إنه منذ ولد صاحب الزمان إلى وقتنا هذا مع طول المدة لا يعرف أحد مكانه و لا يعلم مستقره و لا يأتي بخبره من يوثق بقوله خارج عن العادة لأن كل من اتفق له الاستتار عن ظالم لخوف منه على نفسه أو لغير ذلك من الأغراض يكون مدة استتاره قريبة و لا يبلغ عشرين سنة و لا يخفى أيضا عن الكل في مدة استتاره مكانه و لا بد من أن يعرف فيه بعض أوليائه و أهله   مكانه أو يخبر بلقائه و قولكم بخلاف ذلك. قلنا ليس الأمر على ما قلتم لأن الإمامية تقول إن جماعة من أصحاب أبي محمد الحسن بن علي ع قد شاهدوا وجوده في حياته و كانوا أصحابه و خاصته بعد وفاته و الوسائط بينه و بين شيعته معروفون بما ذكرناهم فيما بعد ينقلون إلى شيعته معالم الدين و يخرجون إليهم أجوبته في مسائلهم فيه و يقبضون منهم حقوقه و هم جماعة كان الحسن بن علي ع عدلهم في حياته و اختصهم أمناء له في وقته و جعل إليهم النظر في أملاكه و القيام بأموره بأسمائهم و أنسابهم و أعيانهم كأبي عمرو عثمان بن سعيد السمان و ابنه أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد و غيرهم ممن سنذكر أخبارهم فيما بعد إن شاء الله و كانوا أهل عقل و أمانة و ثقة ظاهرة و دراية و فهم و تحصيل و نباهة كانوا معظمين عند سلطان الوقت لعظم أقدارهم و جلالة محلهم مكرمين لظاهر أمانتهم و اشتهار عدالتهم حتى إنه يدفع عنهم ما يضيفه إليهم خصومهم و هذا يسقط قولكم إن صاحبكم لم يره أحد و دعواهم خلافه. فأما بعد انقراض أصحاب أبيه فقد كان مدة من الزمان أخباره واصلة من جهة السفراء الذين بينه و بين شيعته و يوثق بقولهم و يرجع إليهم لدينهم و أمانتهم و ما اختصوا به من الدين و النزاهة و ربما ذكرنا طرفا من أخبارهم فيما بعد. و قد سبق الخبر عن آبائه ع بأن القائم له غيبتان أخراهما أطول من الأولى فالأولى يعرف فيها خبره و الأخرى لا يعرف فيها خبره فجاء ذلك موافقا لهذه الأخبار فكان ذلك دليلا ينضاف إلى ما ذكرناه و سنوضح عن هذه الطريقة فيما بعد إن شاء الله تعالى. فأما خروج ذلك عن العادات فليس الأمر على ما قالوه و لو صح لجاز أن ينقض الله تعالى العادة في ستر شخص و يخفي أمره لضرب من المصلحة و حسن التدبير لما يعرض من المانع من ظهوره. و هذا الخضر ع موجود قبل زماننا من عهد موسى ع عند أكثر الأمة

    و إلى وقتنا هذا باتفاق أهل السير لا يعرف مستقره و لا يعرف أحد له أصحابا إلا ما جاء به القرآن من قصته مع موسى و ما يذكره بعض الناس أنه يظهر أحيانا و يظن من يراه أنه بعض الزهاد فإذا فارق مكانه توهمه المسمى بالخضر و لم يكن عرفه بعينه في الحال و لا ظنه فيها بل اعتقد أنه بعض أهل الزمان. و قد كان من غيبة موسى بن عمران عن وطنه و هربه من فرعون و رهطه ما نطق به القرآن و لم يظفر به أحد مدة من الزمان و لا عرفه بعينه حتى بعثه الله نبيا و دعا إليه فعرفه الولي و العدو. و كان من قصة يوسف بن يعقوب ما جاء به سورة في القرآن و تضمنت استتار خبره عن أبيه و هو نبي الله يأتيه الوحي صباحا و مساء يخفى عليه خبر ولده و عن ولده أيضا حتى إنهم كانوا يدخلون عليه و يعاملونه و لا يعرفونه و حتى مضت على ذلك السنون و الأزمان ثم كشف الله أمره و ظهر خبره و جمع بينه و بين أبيه و إخوته و إن لم يكن ذلك في عادتنا اليوم و لا سمعنا بمثله. و كان من قصة يونس بن متى نبي الله مع قومه و فراره منهم حين تطاول خلافهم له و استخفافهم بجفوته و غيبته عنهم و عن كل أحد حتى لم يعلم أحد من الخلق مستقره و ستره الله في جوف السمكة و أمسك عليه رمقه لضرب من المصلحة إلى أن انقضت تلك المدة و رده الله إلى قومه و جمع بينهم و بينه و هذا أيضا خارج عن عادتنا و بعيد من تعارفنا و قد نطق به القرآن و أجمع عليه أهل الإسلام. و مثل ما حكيناه أيضا قصة أصحاب الكهف و قد نطق بها القرآن و تضمن شرح حالهم و استتارهم عن قومهم فرارا بدينهم و لو لا ما نطق القرآن به لكان مخالفونا يجحدونه دفعا لغيبة صاحب الزمان و إلحاقهم به لكن أخبر الله تعالى أنهم بقوا ثلاثمائة سنة مثل ذلك مستترين خائفين ثم أحياهم الله فعادوا إلى قومهم و قصتهم مشهورة في ذلك. و قد كان من أمر صاحب الحمار الذي نزل بقصته القرآن و أهل الكتاب يزعمون أنه كان نبيا فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ و بقي طعامه و شرابه لم يتغير و كان   ذلك خارقا للعادة و إذا كان ما ذكرناه معروفا كائنا كيف يمكن مع ذلك إنكار غيبة صاحب الزمان. اللهم إلا أن يكون المخالف دهريا معطلا ينكر جميع ذلك و يحيله فلا نكلم معه في الغيبة بل ينتقل معه إلى الكلام في أصل التوحيد و أن ذلك مقدور و إنما نكلم في ذلك من أقر بالإسلام و جوز ذلك مقدورا لله فنبين لهم نظائره في العادات. و أمثال ما قلناه كثيرة مما رواه أصحاب السير و التواريخ من ملوك فرس و غيبتهم عن أصحابهم مدة لا يعرفون خبره ثم عودهم و ظهورهم لضرب من التدبير و إن لم ينطق به القرآن فهو مذكور في التواريخ و كذلك جماعة من حكماء الروم و الهند قد كانت لهم غيبات و أحوال خارجة عن العادات لا نذكرها لأن المخالف ربما جحدها على عادتهم جحد الأخبار و هو مذكور في التواريخ. فإن قيل ادعاؤكم طول عمر صاحبكم أمر خارق للعادات مع بقائه على قولكم كامل العقل تام القوة و الشباب لأنه على قولكم له في هذا الوقت الذي هو سنة سبع و أربعين و أربعمائة مائة و إحدى و تسعون سنة لأن مولده على قولكم سنة ست و خمسين و مائتين و لم تجر العادة بأن يبقى أحد من البشر هذه المدة فكيف انتقضت العادة فيه و لا يجوز انتقاضها إلا على يد الأنبياء. قلنا الجواب عن ذلك من وجهين أحدهما أن لا نسلم أن ذلك خارق لجميع العادات بل العادات فيما تقدم قد جرت بمثلها و أكثر من ذلك و قد ذكرنا بعضها كقصة الخضر ع و قصة أصحاب الكهف و غير ذلك و قد أخبر الله عن نوح ع أنه لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما و أصحاب السير يقولون إنه عاش أكثر من ذلك و إنما دعا قومه إلى الله هذه المدة المذكورة بعد أن مضت عليه ستون من عمره و روى أصحاب الأخبار أن سلمان الفارسي لقي عيسى ابن مريم و بقي إلى زمان نبينا ص و خبره مشهور و أخبار المعمرين من العجم و العرب معروفة مذكورة في الكتب و التواريخ و روى أصحاب الحديث أن الدجال

    موجود و أنه كان في عصر النبي ص و أنه باق إلى الوقت الذي يخرج فيه و هو عدو الله فإذا جاز ذلك في عدو الله لضرب من المصلحة فكيف لا يجوز مثله في ولي الله إن هذا من العناد. أقول ثم ذكر ره أخبار المعمرين على ما سنذكره ثم قال إن كان المخالف لنا في ذلك من يحيل ذلك من المنجمين و أصحاب الطبائع فالكلام لهم في أصل هذه المسألة فإن العالم مصنوع و له صانع أجرى العادة بقصر الأعمار و طولها و إنه قادر على إطالتها و على إفنائها فإذا بين ذلك سهل الكلام. و إن كان المخالف في ذلك من يسلم ذلك غير أنه يقول هذا خارج عن العادات فقد بينا أنه ليس بخارج عن جميع العادات و متى قالوا خارج عن عاداتنا قلنا و ما المانع منه. فإن قيل ذلك لا يجوز إلا في زمن الأنبياء قلنا نحن ننازع في ذلك و عندنا يجوز خرق العادات على يد الأنبياء و الأئمة و الصالحين و أكثر أصحاب الحديث يجوزون ذلك و كثير من المعتزلة و الحشوية و إن سموا ذلك كرامات كان ذلك خلافا في عبارة و قد دللنا على جواز ذلك في كتبنا و بينا أن المعجز إنما يدل على صدق من يظهر على يده ثم نعلمه نبيا أو إماما أو صالحا بقوله و كلما يذكرونه من شبههم قد بينا الوجه فيه في كتبنا لا نطول بذكره هاهنا. فأما ما يعرض من الهرم بامتداد الزمان و علو السن و تناقض بنية الإنسان فليس مما لا بد منه و إنما أجرى الله العادة بأن يفعل ذلك عند تطاول الزمان و لا إيجاب هناك و هو تعالى قادر أن لا يفعل ما أجرى العادة بفعله و إذا ثبتت هذه الجملة ثبت أن تطاول الأعمار ممكن غير مستحيل و قد ذكرنا فيما تقدم عن جماعة أنهم لم يتغيروا مع تطاول أعمارهم و علو سنهم و كيف ينكر ذلك من يقر بأن الله تعالى يخلد المؤمنين في الجنة شبانا لا يبلون و إنما يمكن أن ينازع في ذلك من يجحد ذلك و يسنده إلى الطبيعة و تأثير الكواكب الذي قد دل الدليل على بطلان قولهم باتفاق منا و من خالفنا في هذه المسألة من أهل الشرع فسقطت

    الشبهة من كل وجه. دليل آخر و مما يدل على إمامة صاحب الزمان و صحة غيبته ما رواه الطائفتان المختلفان و الفرقتان المتباينتان العامة و الإمامية أن الأئمة بعد النبي ص اثنا عشر لا يزيدون و لا ينقصون و إذا ثبت ذلك فكل من قال بذلك قطع على الأئمة الاثني عشر الذين نذهب إلى إمامتهم و على وجود ابن الحسن و صحة غيبته لأن من خالفهم في شي‏ء من ذلك لا يقصر الإمامة على هذا العدد بل يجوز الزيادة عليها و إذا ثبت بالأخبار التي نذكرها هذا العدد المخصوص ثبت ما أردناه أقول ثم أورد ره من طرق الفريقين بعض ما أوردناه في باب النصوص على الاثني عشر ع ثم قال رحمه الله. فإن قيل دلوا أولا على صحة هذه الأخبار فإنها أخبار آحاد لا يعول عليها فيما طريقه العلم و هذه مسألة علمية ثم دلوا على أن المعني بها من تذهبون إلى إمامته فإن الأخبار التي رويتموها عن مخالفيكم و أكثر ما رويتموها من جهة الخاصة إذا سلمت فليس فيها صحة ما تذهبون إليه لأنها تتضمن غير ذلك فمن أين لكم أن أئمتكم هم المرادون بها دون غيرهم. قلنا أما الذي يدل على صحتها فإن الشيعة الإمامية يروونها على وجه التواتر خلفا عن سلف و طريقة تصحيح ذلك موجود في كتب الإمامية في النصوص على أمير المؤمنين ع و الطريقة واحدة. و أيضا فإن نقل الطائفتين المختلفين المتباينتين في الاعتقاد يدل على صحة ما قد اتفقوا على نقله لأن العادة جارية أن كل من اعتقد مذهبا و كان طريق إلى صحة ذلك النقل فإن دواعيه تتوفر إلى نقله و تتوفر دواعي من خالفه إلى إبطال ما نقله أو الطعن عليه و الإنكار لروايته بذلك جرت العادات في مدائح الرجال و ذمهم و تعظيمهم و النقص منهم و متى رأينا الفرقة المخالفة لهذه الفرقة قد نقلت مثل نقلها و لم يتعرض للطعن على نقله و لم ينكر متضمن الخبر دل   ذلك على أن الله تعالى قد تولى نقله و سخرهم لروايته و ذلك دليل على صحة ما تضمنه الخبر. و أما الدليل على أن المراد بالأخبار و المعني بها أئمتنا ع فهو أنه إذا ثبت بهذه الأخبار أن الأئمة محصورة في الاثني عشر إماما و أنهم لا يزيدون و لا ينقصون ثبت ما ذهبنا إليه لأن الأمة بين قائلين قائل يعتبر العدد الذي ذكرناه فهو يقول إن المراد بها من نذهب إلى إمامته و من خالف في إمامتهم لا يعتبر هذا العدد فالقول مع اعتبار العدد أن المراد غيرهم خروج عن الإجماع و ما أدى إلى ذلك وجب القول بفساده. و يدل أيضا على إمامة ابن الحسن ع و صحة غيبته ما ظهر و انتشر من الأخبار الشائعة الذائعة عن آبائه ع قبل هذه الأوقات بزمان طويل من أن لصاحب هذا الأمر غيبة و صفة غيبته و ما يجري فيها من الاختلاف و يحدث فيها من الحوادث و أنه يكون له غيبتان إحداهما أطول من الأخرى و أن الأولى يعرف فيها أخباره و الثانية لا يعرف فيها أخباره فوافق ذلك على ما تضمنته الأخبار و لو لا صحتها و صحة إمامته لما وافق ذلك لأن ذلك لا يكون إلا بإعلام الله على لسان نبيه و هذه أيضا طريقة اعتمدها الشيوخ قديما. و نحن نذكر من الأخبار التي تضمن ذلك طرفا ليعلم صحة ما قلناه لأن استيفاء جميع ما روي في هذا المعنى يطول و هو موجود في كتب الأخبار من أراده وقف عليه من هناك. أقول ثم نقل الأخبار التي نقلنا عنه رحمه الله في الأبواب السابقة و اللاحقة ثم قال. فإن قيل هذه كلها أخبار آحاد لا يعول على مثلها في هذه المسألة لأنها مسألة علمية قلنا موضع الاستدلال من هذه الأخبار ما تضمنه الخبر بالشي‏ء قبل كونه فكان كما تضمنه فكان ذلك دلالة على صحة ما ذهبنا إليه من إمامة ابن الحسن لأن العلم بما يكون لا يحصل إلا من جهة علام الغيوب فلو لم يرد إلا خبر واحد

    و وافق مخبره ما تضمنه الخبر لكان ذلك كافيا و لذلك كان ما تضمنه القرآن من الخبر بالشي‏ء قبل كونه دليلا على صدق النبي ص و أن القرآن من قبل الله تعالى و إن كانت المواضع التي تضمن ذلك محصورة و مع ذلك مسموعة من مخبر واحد لكن دل على صدقه من الجهة التي قلناها على أن الأخبار متواتر بها لفظا و معنى. فأما اللفظ فإن الشيعة تواترت بكل خبر منه و المعنى أن كثرة الأخبار و اختلاف جهاتها و تباين طرقها و تباعد رواتها تدل على صحتها لأنه لا يجوز أن يكون كلها باطلة و لذلك يستدل في مواضع كثيرة على معجزات النبي ص التي هي سوى القرآن و أمور كثيرة في الشرع يتواتر و إن كان كل لفظ منه منقولا من جهة الآحاد و ذلك معتمد عند من خالفنا في هذه المسألة فلا ينبغي أن يتركوه و ينسوه إذا جئنا إلى الكلام في الإمامة و العصبية لا ينبغي أن ينتهي بالإنسان إلى حد يجحد الأمور المعلومة. و هذا الذي ذكرناه معتبر في مدائح الرجال و فضائلهم و لذلك استدل على سخاء حاتم و شجاعة عمرو و غير ذلك بمثل ذلك و إن كان كل واحد مما يروى من عطاء حاتم و وقوف عمرو في موقف من المواقف من جهة الآحاد و هذا واضح. و مما يدل أيضا على إمامة ابن الحسن زائدا على ما مضى أنه لا خلاف بين الأمة أنه سيخرج في هذه الأمة مهدي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا و إذا بينا أن ذلك المهدي من ولد الحسين و أفسدنا قول من يدعي ذلك من ولد الحسين سوى ابن الحسن ثبت أن المراد به هو ع. أقول ثم أورد ما نقلنا عنه سابقا من أخبار الخاصة و العامة في المهدي ع ثم قال. و أما الذي يدل على أنه يكون من ولد الحسين ع فالأخبار التي أوردناها في أن الأئمة اثنا عشر و ذكر تفاصيلهم فهي متضمنة لذلك و لأن كل من اعتبر العدد الذي ذكرناها قال المهدي من ولد الحسين ع و هو من أشرنا إليه.   ثم أورد رحمه الله الأخبار في ذلك على ما روينا عنه ثم قال. فإن قيل أ ليس قد خالف جماعة فيهم من قال المهدي من ولد علي ع فقالوا هو محمد بن الحنفية و فيهم من قال من السبائية هو علي ع لم يمت و فيهم من قال جعفر بن محمد لم يمت و فيهم من قال موسى بن جعفر لم يمت و فيهم من قال الحسن بن علي العسكري ع لم يمت و فيهم من قال المهدي هو أخوه محمد بن علي و هو حي باق لم يمت ما الذي يفسد قول هؤلاء. قلت هذه الأقوال كلها قد أفسدناها بما دللنا عليه من موت من ذهبوا إلى حياته و بما بينا أن الأئمة اثنا عشر و بما دللنا على صحة إمامة ابن الحسن من الاعتبار و بما سنذكره من صحة ولادته و ثبوت معجزاته الدالة على إمامته. فأما من خالف في موت أمير المؤمنين و ذكر أنه حي باق فهو مكابر فإن العلم بموته و قتله أظهر و أشهر من قتل كل أحد و موت كل إنسان و الشك في ذلك يؤدي إلى الشك في موت النبي و جميع أصحابه ثم ما ظهر من وصيته و إخبار النبي ص إياه أنك تقتل و تخضب لحيتك من رأسك يفسد ذلك أيضا و ذلك أشهر من أن يحتاج أن يروى فيه الأخبار. و أما وفاة محمد بن علي بن الحنفية و بطلان قول من ذهب إلى إمامته فقد بينا فيما مضى من الكتاب و على هذه الطريقة إذا بينا أن المهدي من ولد الحسين ع بطل قول المخالف في إمامته ع. و أما الناووسية الذين وقفوا على جعفر بن محمد ع فقد بينا أيضا فساد قولهم بما علمناه من موته و اشتهار الأمر فيه و بصحة إمامة ابنه موسى بن جعفر ع و بما ثبت من إمامة الاثني عشر ع و يؤكد ذلك ما ثبت من صحة وصيته إلى من أوصى إليه و ظهور الحال في ذلك. و أما الواقفة الذين وقفوا على موسى بن جعفر و قالوا هو المهدي فقد أفسدنا أقوالهم بما دللنا عليه من موته و اشتهار الأمر فيه و ثبوت إمامة ابنه الرضا ع و في ذلك كفاية لمن أنصف.

    و أما المحمدية الذين قالوا بإمامة محمد بن علي العسكري و إنه حي لم يمت فقولهم باطل لما دللنا به على إمامة أخيه الحسن بن علي أبي القائم ع و أيضا فقد مات محمد في حياة أبيه ع موتا ظاهرا كما مات أبوه و جده فالمخالف في ذلك مخالف في الضرورة. و أما القائلون بأن الحسن بن علي لم يمت و هو حي باق و هو المهدي فقولهم باطل بما علمنا موته كما علمنا موت من تقدم من آبائه و الطريقة واحدة و الكلام عليهم واحد هذا مع انقراض القائلين به و اندراسهم و لو كانوا محقين لما انقرضوا. أقول و قد أورد لكل ما ذكر أخبارا كثيرة أوردناها مع غيرها في المجلدات السابقة في الأبواب التي هي أنسب بها ثم قال. و أما من قال إن الحسن بن علي ع يعيش بعد موته و إنه القائم بالأمر و تعلقهم بما روي عن أبي عبد الله ع أنه قال إنما سمي القائم لأنه يقوم بعد ما يموت فقوله باطل بما دللنا عليه من موته و ادعاؤهم أنه يعيش يحتاج إلى دليل و لو جاز لهم ذلك لجاز أن تقول الواقفة إن موسى بن جعفر يعيش بعد موته على أن هذا يؤدي إلى خلو الزمان من إمام بعد موت الحسن إلى حين يحيا و قد دللنا بأدلة عقلية على فساد ذلك. و يدل على فساد ذلك الأخبار التي مضت في أنه لو بقيت الأرض بغير إمام ساعة لساخت. و قول أمير المؤمنين صلوات الله عليه اللهم إنك لا تخلي الأرض بغير حجة إما ظاهرا مشهورا أو خائفا مغمورا يدل على ذلك على أن قوله يقوم بعد ما يموت لو صح الخبر احتمل أن يكون أراد يقوم بعد ما يموت ذكره و يخمل و لا يعرف و هذا جائز في اللغة و ما دللنا به على أن الأئمة اثنا عشر يبطل هذا المقال لأنه ع هو الحادي عشر على أن القائلين بذلك قد انقرضوا و لله الحمد و لو كان حقا لما انقرض القائلون به.

    و أما من ذهب إلى الفترة بعد الحسن بن علي و خلو الزمان من إمام فقولهم باطل بما دللنا عليه من أن الزمان لا يخلو من إمام في حال من الأحوال بأدلة عقلية و شرعية و تعلقهم بالفترات بين الرسل باطل لأن الفترة عبارة عن خلو الزمان من نبي و نحن لا نوجب النبوة في كل حال و ليس في ذلك دلالة على خلو الزمان من إمام على أن القائلين بذلك قد انقرضوا و لله الحمد فسقط هذا القول أيضا. و أما القائلون بإمامة جعفر بن علي بعد أخيه فقولهم باطل بما دللنا عليه من أنه يجب أن يكون الإمام معصوما لا يجوز عليه الخطاء و أنه يجب أن يكون أعلم الأمة بالأحكام و جعفر لم يكن معصوما بلا خلاف و ما ظهر من أفعاله التي تنافي العصمة أكثر من أن تحصى لا نطول بذكرها الكتاب و إن عرض فيما بعد ما يقتضي ذكر بعضها ذكرناه و أما كونه عالما فإنه كان خاليا منه فكيف تثبت إمامته على أن القائلين بهذه المقالة قد انقرضوا أيضا و لله الحمد و المنة. و أما من قال لا ولد لأبي محمد ع فقوله يبطل بما دللنا عليه من إمامة الاثني عشر و سياقة الأمر فيهم و أما من زعم أن الأمر قد اشتبه عليه فلا يدري هل لأبي محمد ع ولد أم لا إلا أنهم متمسكون بالأول حتى يصح لهم الآخر فقوله باطل بما دللنا عليه من صحة إمامة ابن الحسن و بما بينا من أن الأئمة اثنا عشر و مع ذلك لا ينبغي التوقف بل يجب القطع على إمامة ولده و ما قدمناه أيضا من أنه لا يمضي إمام حي حتى يولد له و يرى عقبه و ما دللنا عليه من أن الزمان لا يخلو من إمام عقلا و شرعا يفسد هذا القول أيضا. فأما تمسكهم بما روي تمسكوا بالأول حتى يصح لكم الآخر فهو خبر واحد و مع هذا فقد تأوله سعد بن عبد الله بتأويل قريب قال قوله تمسكوا بالأول حتى يظهر لكم الآخر هو دليل على إيجاب الخلف لأنه يقتضي وجوب التمسك بالأول و لا يبحث عن أحوال الآخر إذا كان مستورا غائبا في تقية حتى   يأذن الله في ظهوره و يكون هو الذي يظهر أمره و يشهر نفسه على أن القائلين بذلك قد انقرضوا و الحمد لله. و أما من قال بإمامة الحسن و قالوا انقطعت الإمامة كما انقطعت النبوة فقولهم باطل بما دللنا عليه من أن الزمان لا يخلو من إمام عقلا و شرعا و بما بينا من أن الأئمة اثنا عشر و سنبين صحة ولادة القائم بعده فسقط قولهم من كل وجه على أن هؤلاء قد انقرضوا بحمد الله. و قد بينا فساد قول الذاهبين إلى إمامة جعفر بن علي من الفطحية الذين قالوا بإمامة عبد الله بن جعفر لما مات الصادق ع فلما مات عبد الله و لم يخلف ولدا رجعوا إلى القول بإمامة موسى بن جعفر و من بعده إلى الحسن بن علي فلما مات الحسن قالوا بإمامة جعفر و قول هؤلاء يبطل بوجوه أفسدناها و لأنه لا خلاف بين الإمامية أن الإمامة لا تجتمع في أخوين بعد الحسن و الحسين و قد أوردنا في ذلك أخبارا كثيرة. و منها أنه لا خلاف أنه لم يكن معصوما و قد بينا أن من شرط الإمام أن يكون معصوما و ما ظهر من أفعاله ينافي العصمة و قد روي أنه لما ولد لأبي الحسن جعفر هنئوه به فلم يروا به سرورا فقيل له في ذلك فقال هون عليك أمره سيضل خلقا كثيرا و ما روي فيه و له من الأفعال و الأقوال الشنيعة أكثر من أن تحصى ننزه كتابنا عن ذلك. فأما من قال إن للخلف ولدا و أن الأئمة ثلاثة عشر فقولهم يفسد بما دللنا عليه من أن الأئمة ع اثنا عشر فهذا القول يجب اطراحه على أن هذه الفرق كلها قد انقرضت بحمد الله و لم يبق قائل بقولها و ذلك دليل على بطلان هذه الأقاويل انتهى كلامه قدس الله روحه. و أقول تحقيقاته ره في هذا المبحث يحتاج إلى تفصيل و تبيين و إتمام و نقض و إبرام ليس كتابنا محل تحقيق أمثال ذلك و إنما أوردنا كلامه ره لأنه كان داخلا فيما اشتمل عليه أصولنا التي أخذنا منها و محل تحقيق تلك المباحث

    من جهة الدلائل العقلية الكتب الكلامية و أما ما يتعلق بكتابنا من الأخبار المتعلقة بها فقد وفينا حقها على وجه لا يبقى لمنصف بل معاند مجال الشك فيها و لنتكلم فيما التزمه ره في ضمن أجوبة اعتراضات المخالف من كون كل من خفي عليه الإمام من الشيعة في زمان الغيبة فهم مقصرون مذنبون فنقول. يلزم عليه أن لا يكون أحد من الفرقة المحقة الناجية في زمان الغيبة موصوفا بالعدالة لأن هذا الذنب الذي صار مانعا لظهوره ع من جهتهم إما كبيرة أو صغيرة أصروا عليها و على التقديرين ينافي العدالة فكيف كان يحكم بعدالة الرواة و الأئمة في الجماعات و كيف كان يقبل قولهم في الشهادات مع أنا نعلم ضرورة أن كل عصر من الأعصار مشتمل على جماعة من الأخيار لا يتوقفون مع خروجه ع و ظهور أدنى معجز منه في الإقرار بإمامته و طاعته و أيضا فلا شك في أن في كثير من الأعصار الماضية كان الأنبياء و الأوصياء محبوسين ممنوعين عن وصول الخلق إليهم و كان معلوما من حال المقرين أنهم لم يكونوا مقصرين في ذلك بل نقول لما اختفى الرسول ص في الغار كان ظهوره لأمير المؤمنين صلوات الله عليه و كونه معه لطفا له و لا يمكن إسناد التقصير إليه فالحق في الجواب أن اللطف إنما يكون شرطا للتكليف إذا لم يكن مشتملا على مفسدة فإنا نعلم أنه تعالى إذا أظهر علامة مشيته عند ارتكاب المعاصي على المذنبين كان يسود وجوههم مثلا فهو أقرب إلى طاعتهم و أبعد عن معصيتهم لكن لاشتماله على كثير من المفاسد لم يفعله فيمكن أن يكون ظهوره ع مشتملا على مفسدة عظيمة للمقرين يوجب استئصالهم و اجتياحهم فظهوره ع مع تلك الحال ليس لطفا لهم و ما ذكره رحمه الله من أن التكليف مع فقد اللطف كالتكليف مع فقد الإله فمع تسليمه إنما يتم إذا كان لطفا و ارتفعت المفاسد المانعة عن كونه لطفا. و حاصل الكلام أن بعد ما ثبت من الحسن و القبح العقليين و أن العقل يحكم بأن اللطف على الله تعالى واجب و أن وجود الإمام لطف باتفاق جميع العقلاء على أن المصلحة في وجود رئيس يدعو إلى الصلاح و يمنع عن الفساد و   أن وجوده أصلح للعباد و أقرب إلى طاعتهم و أنه لا بد أن يكون معصوما و أن العصمة لا تعلم إلا من جهته تعالى و أن الإجماع واقع على عدم عصمة غير صاحب الزمان ع يثبت وجوده. و أما غيبته عن المخالفين فظاهر أنه مستند إلى تقصيرهم و أما عن المقرين فيمكن أن يكون بعضهم مقصرين و بعضهم مع عدم تقصيرهم ممنوعين من بعض الفوائد التي تترتب على ظهوره ع لمفسدة لهم في ذلك ينشأ من المخالفين أو لمصلحة لهم في غيبته بأن يؤمنوا به مع خفاء الأمر و ظهور الشبه و شدة المشقة فيكونوا أعظم ثوابا مع أن إيصال الإمام فوائده و هداياته لا يتوقف على ظهوره بحيث يعرفونه فيمكن أن يصل منه ع إلى أكثر الشيعة ألطاف كثيرة لا يعرفونه كما سيأتي عنه ع أنه في غيبته كالشمس تحت السحاب على أن في غيبات الأنبياء دليلا بينا على أن في هذا النوع من وجود الحجة مصلحة و إلا لم يصدر منه تعالى. و أما الاعتراضات الموردة على كل من تلك المقدمات و أجوبتها فموكول إلى مظانه