باب 14- ذكر أخبار المعمرين لرفع استبعاد المخالفين عن طول غيبة مولانا القائم صلوات الله عليه و على آبائه الطاهرين

1-  و لنبدأ بذكر ما ذكره الصدوق رحمه الله في كتاب إكمال الدين قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الشجري عن محمد بن القاسم الرقي و علي بن الحسن بن جنكاء اللائكي قال لقينا بمكة رجلا من أهل المغرب فدخلنا عليه مع جماعة من أصحاب الحديث ممن كان حضر الموسم في تلك السنة و هي سنة تسع و ثلاث مائة فرأينا رجلا أسود الرأس و اللحية كأنه شن بال و حوله جماعة من أولاده و أولاد أولاده و مشايخ من أهل بلده ذكروا أنهم من أقصى بلاد المغرب بقرب باهرة العليا و شهدوا هؤلاء المشايخ أنهم سمعوا آباءهم حكوا عن آبائهم و أجدادهم أنهم عهدوا هذا الشيخ المعروف بأبي الدنيا معمر و اسمه علي بن عثمان   بن خطاب بن مرة بن مؤيد و ذكر أنه همداني و أن أصله من صعد اليمن فقلنا له أنت رأيت علي بن أبي طالب فقال بيده ففتح عينيه و قد كان وقع حاجباه على عينيه ففتحهما كأنهما سراجان فقال رأيته بعيني هاتين و كنت خادما له و كنت معه في وقعة صفين و هذه الشجة من دابة علي ع و أرانا أثرها على حاجبه الأيمن و شهد الجماعة الذين كانوا حوله من المشايخ و من حفدته و أسباطه بطول العمر و أنهم منذ ولدوا عهدوه على هذه الحالة و كذا سمعنا من آبائنا و أجدادنا ثم إنا فاتحناه و سألناه عن قصته و حاله و سبب طول عمره فوجدناه ثابت العقل يفهم ما يقال له و يجيب عنه بلب و عقل فذكر أنه كان له والد قد نظر في كتب الأوائل و قرأها و قد كان وجد فيها ذكر نهر الحيوان و أنها تجري في الظلمات و أنه من شرب منها طال عمره فحمله الحرص على دخول الظلمات فتزود و حمل حسب ما قدر أنه يكتفي به في مسيره و أخرجني معه و أخرج معنا خادمين بازلين و عدة جمال لبون و روايا و زادا و أنا يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة فسار بنا إلى أن وافينا طرف الظلمات ثم دخلنا الظلمات فسرنا فيها نحو ستة أيام بلياليها و كنا نميز بين الليل و النهار بأن النهار كان أضوأ قليلا و أقل ظلمة من الليل فنزلنا بين جبال و أودية و ركوات و قد كان والدي ره يطوف في تلك البقعة في طلب النهر لأنه وجد في الكتب التي قرأها أن مجرى نهر الحيوان في ذلك الموضع فأقمنا في تلك البقعة أياما حتى فني الماء الذي كان معنا و أسقيناه جمالنا و لو لا أن جمالنا كانت لبونا لهلكنا و تلفنا عطشا و كان والدي يطوف في تلك البقعة في طلب النهر و يأمرنا أن نوقد نارا ليهتدي بضوئها إذا أراد الرجوع إلينا فمكثنا في تلك البقعة نحو خمسة أيام و والدي يطلب النهر فلا يجده و بعد الإياس عزم على الانصراف حذرا من التلف لفناء الزاد و الماء و الخدم الذين كانوا معنا فأوجسوا في أنفسهم خيفة من الطلب فألحوا على والدي بالخروج من الظلمات فقمت يوما من الرحل لحاجتي فتباعدت من الرحل قدر رمية سهم فعثرت بنهر ماء أبيض

   اللون عذب لذيذ لا بالصغير من الأنهار و لا بالكبير يجري جريا لينا فدنوت منه و غرفت منه بيدي غرفتين أو ثلاثا فوجدته عذبا باردا لذيذا فبادرت مسرعا إلى الرحل فبشرت الخدم بأني قد وجدت الماء فحملوا ما كان معنا من القرب و الأداوي لنملأها و لم أعلم أن والدي في طلب ذلك النهر و كان سروري بوجود الماء لما كنا فيه من عدم الماء و كان والدي في ذلك الوقت غائبا عن الرحل مشغولا بالطلب فجهدنا و طفنا ساعة هواه في طلب النهر فلم نهتد إليه حتى أن الخدم كذبوني و قالوا لي لم تصدق فلما انصرفت إلى الرحل و انصرف والدي أخبرته بالقصة فقال لي يا بني الذي أخرجني إلى ذلك المكان و تحمل الخطر كان لذلك النهر و لم أرزق أنا و أنت رزقته و سوف يطول عمرك حتى تمل الحياة و رحلنا منصرفين و عدنا إلى أوطاننا و بلدنا و عاش والدي بعد ذلك سنيات ثم مات رحمه الله فلما بلغ سني قريبا من ثلاثين سنة و كان قد اتصل بنا وفاة النبي ص و وفاة الخليفتين بعده خرجت حاجا فلحقت آخر أيام عثمان فمال قلبي من بين جماعة أصحاب النبي ص إلى علي بن أبي طالب ع فأقمت معه أخدمه و شهدت معه وقائع و في وقعة صفين أصابتني هذه الشجة من دابته فما زلت مقيما معه إلى أن مضى لسبيله ع فألح على أولاده و حرمه أن أقيم عندهم فلم أقم و انصرفت إلى بلدي و خرجت أيام بني مروان حاجا و انصرفت مع أهل بلدي إلى هذه الغاية ما خرجت في سفر إلا ما كان الملوك في بلاد المغرب يبلغهم خبري و طول عمري فيشخصوني إلى حضرتهم ليروني و يسألوني عن سبب طول عمري و عما شاهدت و كنت أتمنى و أشتهي أن أحج حجة أخرى فحملني هؤلاء حفدتي و أسباطي الذين ترونهم حولي و ذكر أنه قد سقطت أسنانه مرتين أو ثلاثة فسألناه أن يحدثنا بما سمع من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع فذكر أنه لم يكن له حرص و لا همة في طلب العلم وقت صحبته لعلي بن أبي طالب ع   و الصحابة أيضا كانوا متوافرين فمن فرط ميلي إلى علي ع و محبتي له لم أشتغل بشي‏ء سوى خدمته و صحبته و الذي كنت أتذكره مما كنت سمعته منه قد سمعه مني عالم كثير من الناس ببلاد المغرب و مصر و الحجاز و قد انقرضوا و تفانوا و هؤلاء أهل بلدي و حفدتي قد دونوه فأخرجوا إلينا النسخة و أخذ يملي علينا من خطه

 حدثنا أبو الحسن علي بن عثمان بن خطاب بن مرة بن مؤيد الهمداني المعروف بأبي الدنيا معمر المغربي رضي الله عنه حيا و ميتا قال حدثنا علي بن أبي طالب ع قال قال رسول الله ص من أحب أهل اليمن فقد أحبني و من أبغض أهل اليمن فقد أبغضني

 و حدثنا أبو الدنيا معمر قال حدثني علي بن أبي طالب ع قال قال رسول الله ص من أعان ملهوفا كتب الله له عشر حسنات و محا عنه عشر سيئات و رفع له عشر درجات ثم قال قال رسول الله ص من سعى في حاجة أخيه المسلم لله فيها رضى و له فيها صلاح فكأنما خدم الله ألف سنة و لم يقع في معصيته طرفة عين

 حدثنا أبو الدنيا معمر المغربي قال سمعت علي بن أبي طالب ع يقول أصاب النبي ص جوع شديد و هو في منزل فاطمة قال علي فقال لي النبي يا علي هات المائدة فقدمت المائدة فإذا عليها خبز و لحم مشوي

 حدثنا أبو الدنيا معمر قال سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع يقول جرحت في وقعة خيبر خمسا و عشرين جراحة فجئت إلى النبي ص فلما رأى ما بي بكى و أخذ من دموع عينيه فجعلها على الجراحات فاسترحت من ساعتي

 و حدثنا أبو الدنيا قال حدثني علي بن أبي طالب ع قال قال رسول الله ص من قرأ قل هو الله أحد مرة فكأنما قرأ ثلث القرآن و من قرأها مرتين فكأنما قرأ ثلثي القرآن و من قرأها ثلاث مرات فكأنما قرأ القرآن كله

 و حدثنا أبو الدنيا قال سمعت علي بن أبي طالب ع يقول قال   رسول الله ص كنت أرعى الغنم فإذا أنا بذئب على قارعة الطريق فقلت له ما تصنع هاهنا فقال لي و أنت ما تصنع هاهنا قلت أرعى الغنم قال مر أو قال ذا الطريق قال فسقت الغنم فلما توسط الذئب الغنم إذا أنا به قد شد على شاة فقتلها قال فجئت حتى أخذت بقفاه فذبحته و جعلته على يدي و جعلت أسوق الغنم فلما سرت غير بعيد و إذا أنا بثلاثة أملاك جبرئيل و ميكائيل و ملك الموت صلوات الله عليهم أجمعين فلما رأوني قالوا هذا محمد بارك الله فيه فاحتملوني و أضجعوني و شقوا جوفي بسكين كان معهم و أخرجوا قلبي من موضعه و غسلوا جوفي بماء بارد كان معهم في قارورة حتى نقي من الدم ثم ردوا قلبي إلى موضعه و أمروا أيديهم على جوفي فالتحم الشق بإذن الله تعالى فما أحسست بسكين و لا وجع قال و خرجت أغدو إلى أمي يعني حليمة داية النبي ص فقال لي أين الغنم فخبرتها بالخبر فقالت سوف تكون لك في الجنة منزلة عظيمة

 و حدثنا أبو سعيد عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب قال ذكر أبو بكر محمد بن الفتح المركني و أبو الحسن علي بن الحسن اللائكي إن السلطان بمكة لما بلغه خبر أبي الدنيا تعرض له و قال لا بد أن أخرجك إلى بغداد إلى حضرة أمير المؤمنين المقتدر فإني أخشى أن يعتب علي إن لم أخرجك معي فسأله الحاج من أهل المغرب و أهل مصر و الشام أن يعفيه من ذلك و لا يشخصه فإنه شيخ ضعيف و لا يؤمن ما يحدث عليه فأعفاه قال أبو سعيد و لو أني أحضر الموسم تلك السنة لشاهدته و خبره كان شائعا مستفيضا في الأمصار و كتب عنه هذه الأحاديث المصريون و الشاميون و البغداديون و من سائر الأمصار من حضر الموسم و بلغه خبر هذا الشيخ و أحب أن يلقاه و يكتب عنه نفعهم الله و إيانا بها

2-  و أخبرني أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع فيما أجازه لي مما صح عندي من حديثه و صح عندي هذا الحديث برواية الشريف أبي عبد الله محمد بن الحسن بن إسحاق بن الحسين بن إسحاق بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين   بن علي بن أبي طالب ع عنه أنه قال حججت في سنة ثلاث عشرة و ثلاث مائة و فيها حج نصر القشوري صاحب المقتدر بالله و معه عبد الرحمن بن عمران المكنى بأبي الهيجاء فدخلت مدينة الرسول ص في ذي القعدة فأصبت قافلة المصريين و بها أبو بكر محمد بن علي المادرائي و معه رجل من أهل المغرب و ذكر أنه رأى أصحاب رسول الله ص فاجتمع عليه الناس و ازدحموا و جعلوا يمسحون به و كادوا يأتون على نفسه فأمر عمي أبو القاسم طاهر بن يحيى فتيانه و غلمانه فقال أفرجوا عنه الناس ففعلوا و أخذوه و أدخلوه دار أبي سهل الطفي و كان عمي نازلها فأدخل و أذن للناس فدخلوا و كان معه خمسة نفر ذكر أنهم أولاد أولاده فيهم شيخ له نيف و ثمانون سنة فسألناه عنه فقال هذا ابن ابني و أخر له سبعون سنة فقال هذا ابن ابني و اثنان لهما ستون سنة أو خمسون أو نحوها و آخر له سبع عشرة سنة فقال هذا ابن ابن ابني و لم يكن معه فيهم أصغر منه و كان إذا رأيته قلت ابن ثلاثين أو أربعين سنة أسود الرأس و اللحية ضعيف الجسم آدم ربع من الرجال خفيف العارضين إلى قصر أقرب

 قال أبو محمد العلوي فحدثنا هذا الرجل و اسمه علي بن عثمان بن الخطاب بن مرة بن مؤيد بجميع ما كتبناه عنه و سمعناه من لفظه و ما رأينا من بياض عنفقته بعد اسودادها و رجوع سوادها بعد بياضها عند شبعة من الطعام

 قال أبو محمد العلوي و لو لا أنه حدث جماعة من أهل المدينة من الأشراف و الحاج من أهل مدينة السلام و غيرهم من جميع الآفاق ما حدثت عنه بما سمعت و سماعي منه بالمدينة و مكة في دار السهميين في الدار المعروفة بالمكتوبة و هي دار علي بن عيسى الجراح و سمعت منه في مضرب القشوري و مضرب المادرائي و مضرب أبي الهيجاء و سمعت منه بمنى و بعد منصرفه من الحج بمكة في دار المادرائي عند باب الصفا   و أراد القشوري حمله و ولده إلى بغداد إلى المقتدر فجاءه فقهاء أهل مكة فقالوا أيد الله الأستاذ إنا روينا في الأخبار المأثورة عن السلف أن المعمر المغربي إذا دخل مدينة السلام افتتنت و خربت و زال الملك فلا تحمله و رده إلى المغرب فسألنا مشايخ أهل المغرب و مصر فقالوا لم نزل نسمع من آبائنا و مشايخنا يذكرون اسم هذا الرجل و اسم البلد الذي هو مقيم فيه طنجة و ذكروا أنه كان يحدثهم بأحاديث قد ذكرنا بعضها في كتابنا هذا

 قال أبو محمد العلوي فحدثنا هذا الشيخ أعنى علي بن عثمان المغربي بدو خروجه من بلده من حضرموت و ذكر أن أباه خرج هو و عمه و أخرجا به معهما يريدون الحج و زيارة النبي ص فخرجوا من بلادهم من حضرموت و ساروا أياما ثم أخطئوا الطريق و تاهوا عن المحجة فأقاموا تائهين ثلاثة أيام و ثلاثة ليال على غير محجة فبينا هم كذلك إذ وقعوا في جبال رمل يقال له رمل عالج يتصل برمل إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ فبينا نحن كذلك إذ نظرنا إلى أثر قدم طويل فجعلنا نسير على أثرها فأشرفنا على واد و إذا برجلين قاعدين على بئر أو على عين قال فلما نظر إلينا قام أحدهما فأخذ دلوا فأدلاه فاستقى فيه من تلك العين أو البئر و استقبلنا فجاء إلى أبي فناوله الدلو فقال أبي قد أمسينا ننيخ على هذا الماء و نفطر إن شاء الله فصار إلى عمي فقال اشرب فرد عليه كما رد عليه أبي فناولني فقال لي اشرب فشربت فقال لي هنيئا لك فإنك ستلقى علي بن أبي طالب ع فأخبره أيها الغلام بخبرنا و قل له الخضر و إلياس يقرئانك السلام و ستعمر حتى تلقى المهدي و عيسى ابن مريم ع فإذا لقيتهما فأقرئهما السلام ثم قالا ما يكون هذان منك فقلت أبي و عمي فقالا أما عمك فلا يبلغ مكة و أما أنت و أبوك فستبلغان و يموت أبوك فتعمر أنت و لستم تلحقون النبي ص لأنه قد قرب أجله ثم مثلا فو الله ما أدري أين مرا أ في السماء أو في الأرض فنظرنا و إذا لا أثر و لا عين   و لا ماء فسرنا متعجبين من ذلك إلى أن رجعنا إلى نجران فاعتل عمي و مات بها و أتممت أنا و أبي حجنا و وصلنا إلى المدينة فاعتل بها أبي و مات و أوصى إلى علي بن أبي طالب ع فأخذني و كنت معه أيام أبي بكر و عمر و عثمان و خلافته حتى قتله ابن ملجم لعنه الله و ذكر أنه لما حوصر عثمان بن عفان في داره دعاني فدفع إلي كتابا و نجيبا و أمرني بالخروج إلى علي بن أبي طالب ع و كان غائبا بينبع في ماله و ضياعه فأخذت الكتاب و صرت إلى موضع يقال له جدار أبي عباية سمعت قرآنا فإذا علي بن أبي طالب ع يسير مقبلا من ينبع و هو يقول أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ فلما نظر إلي قال أبا الدنيا ما وراك قلت هذا كتاب أمير المؤمنين فأخذه فقرأه فإذا فيه فإن كنت مأكولا فكن أنت آكلي و إلا فأدركني و لما أمزق فلما قرأه قال سر فدخل إلى المدينة ساعة قتل عثمان بن عفان فمال إلى حديقة بني النجار و علم الناس بمكانه فجاءوا إليه ركضا و قد كانوا عازمين على أن يبايعوا طلحة بن عبيد الله فلما نظروا إليه ارفضوا إليه ارفضاض الغنم شد عليها السبع فبايعه طلحة ثم الزبير ثم بايع المهاجرون و الأنصار فأقمت معه أخدمه فحضرت معه الجمل و صفين و كنت بين الصفين واقفا عن يمينه إذ سقط سوطه من يده فأكببت آخذه و أرفعه إليه و كان لجام دابته حديدا مزججا فرفع الفرس رأسه فشجني هذه الشجة التي في صدغي فدعاني أمير المؤمنين فتفل فيها و أخذ حفنة من تراب فتركه عليها فو الله ما وجدت لها ألما و لا وجعا ثم أقمت معه حتى قتل صلوات الله عليه و صحبت الحسن بن علي ع حتى ضرب بساباط المدائن ثم بقيت معه بالمدينة أخدمه و أخدم الحسين ع حتى مات الحسن ع مسموما سمته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي لعنها الله دسا من معاوية ثم خرجت مع الحسين بن علي ع حتى حضر كربلاء و قتل ع و خرجت هاربا من بني أمية و أنا مقيم بالمغرب أنتظر خروج المهدي و عيسى ابن مريم ع

   قال أبو محمد العلوي رضي الله عنه و من عجيب ما رأيت من هذا الشيخ علي بن عثمان و هو في دار عمي طاهر بن يحيى رضي الله عنه و هو يحدث بهذه الأعاجيب و بدو خروجه فنظرت إلى عنفقته و قد احمرت ثم ابيضت فجعلت أنظر إلى ذلك لأنه لم يكن في لحيته و لا في رأسه و لا في عنفقته بياض البتة قال فنظر إلى نظري إلى لحيته و عنفقته فقال ما ترون إن هذا يصيبني إذا جعت فإذا شبعت رجعت إلى سوادها فدعا عمي بطعام و أخرج من داره ثلاث موائد فوضعت واحدة بين يدي الشيخ و كنت أنا أحد من جلس عليها فأكلت معه و وضعت المائدتان في وسط الدار و قال عمي للجماعة بحقي عليكم إلا أكلتم و تحرمتم بطعامنا فأكل قوم و امتنع قوم و جلس عمي على يمين الشيخ يأكل و يلقي بين يديه فأكل أكل شاب و عمي يخلف عليه و أنا أنظر إلى عنفقته و هي تسود حتى إذا عادت إلى سوادها حين شبع

 فحدثنا علي بن عثمان بن خطاب قال حدثني علي بن أبي طالب ع قال قال رسول الله ص من أحب أهل اليمن فقد أحبني و من أبغضهم فقد أبغضني

3-  حديث عبيد بن شريد الجرهمي حدثنا أبو سعيد عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الشجري قال وجدت في كتاب لأخي أبي الحسن بخطه يقول سمعت بعض أهل العلم ممن قرأ الكتب و سمع الأخبار أن عبيد بن شريد الجرهمي و هو معروف عاش ثلاثمائة سنة و خمسين سنة فأدرك النبي و حسن إسلامه و عمر بعد ما قبض النبي ص حتى قدم على معاوية في أيام تغلبه و ملكه فقال له معاوية أخبرني يا عبيد عما رأيت و سمعت و من أدركت و كيف رأيت الدهر قال أما الدهر فرأيت ليلا يشبه ليلا و نهارا يشبه نهارا و مولودا يولد و ميتا يموت و لم أدرك أهل زمان إلا و هم يذمون زمانهم و أدركت من قد عاش ألف سنة فحدثني عمن قد كان قبله قد عاش ألفي سنة و أما ما سمعت فإنه حدثني ملك من ملوك حمير أن بعض ملوك النابغة ممن دانت له البلاد كان يقال له ذو سرح كان أعطي الملك في عنفوان شبابه و كان حسن   السيرة في أهل مملكته سخيا فيهم مطاعا فملكهم سبعمائة سنة و كان كثيرا ما يخرج في خاصته إلى الصيد و النزهة فخرج يوما إلى بعض متنزهه فأتى إلى حيتين أحدهما بيضاء كأنها سبيكة فضة و الأخرى سوداء كأنها حممة و هما يقتتلان و قد غلبت السوداء البيضاء و كادت تأتي على نفسها فأمر الملك بالسوداء فقتلت و أمر بالبيضاء فاحتملت حتى انتهى بها إلى عين من ماء بقي عليها شجرة فأمر فصب عليها من الماء و سقيت حتى رجع إليها نفسها فأفاقت فخلى سبيلها فانسابت الحية و مضت لسبيلها و مكث الملك يومئذ في متصيده و نزهته فلما أمسى و رجع إلى منزله و جلس على سريره في موضع لا يصل إليه حاجب و لا أحد فبينا هو كذلك إذا رأى شابا آخذا بعضادتي الباب و به من الثياب و الجمال شي‏ء لا يوصف فسلم على الملك فذعر منه الملك و قال له من أنت و من أدخلك و أذن لك في الدخول علي في هذا الموضع الذي لا يصل فيه حاجب و لا غيره فقال له الفتى لا ترع أيها الملك إني لست بإنسي و لكني فتى من الجن أتيتك لأجازيك على بلائك الحسن الجميل عندي قال الملك و ما بلائي عندك قال أنا الحية التي أحييتني في يومك هذا و الأسود الذي قتلته و خلصتني منه كان غلاما لنا تمرد علينا و قد قتل من أهل بيتي عدة كان إذا خلا بواحد منا قتله فقتلت عدوي و أحييتني فجئت لأكافيك ببلائك عندي و نحن أيها الملك الجن لا الجن فقال له الملك و ما الفرق بين الجن و الجن ثم انقطع الحديث الذي كتب أخي فلم يكن هناك تمامه

4-  حديث الربيع بن الضبع الفزاري حدثنا أحمد بن يحيى المكتب قال حدثنا أبو الطيب أحمد بن محمد الوراق قال حدثنا محمد بن الحسن بن دريد الأزدي العماني بجميع أخباره و كتبه التي صنفها و وجدنا في أخباره أنه قال لما وفد الناس على عبد الملك بن مروان قدم فيمن قدم عليه الربيع بن الضبع الفزاري و كان أحد المعمرين و معه ابن ابنه   وهب بن عبد الله بن الربيع شيخا فانيا قد سقط حاجباه على عينيه و قد عصبهما فلما رآه الآذن و كانوا يأذنون للناس على أسنانهم قال له ادخل أيها الشيخ فدخل يدب على العصا يقيم بها صلبه و لحيته على ركبتيه قال فلما رآه عبد الملك رق له و قال له اجلس أيها الشيخ فقال يا أمير المؤمنين أ يجلس الشيخ و جده على الباب فقال أنت إذا من ولد الربيع بن ضبع قال نعم أنا وهب بن عبد الله بن الربيع قال للآذن ارجع فأدخل الربيع فخرج الآذن فلم يعرفه حتى نادى أين الربيع قال ها أنا ذا فقام يهرول في مشيته فلما دخل على عبد الملك سلم فقال عبد الملك و أبيكم إنه لأشب الرجلين يا ربيع أخبرني عما أدركت من العمر و المدى و رأيت من الخطوب الماضية قال أنا الذي أقول

ها أنا ذا آمل الخلود و قد أدرك عمري و مولدي حجراأما إمرؤ القيس قد سمعت به هيهات هيهات طال ذا عمرا

قال عبد الملك قد رويت هذا من شعرك و أنا صبي قال و أنا القائل

إذا عاش الفتى مائتين عاما فقد ذهب اللذاذة و الغناء

قال عبد الملك و قد رويت هذا من شعرك أيضا و أنا غلام و أبيك يا ربيع لقد طلبك جد غير عاثر ففصل لي عمرك فقال عشت مائتي سنة في الفترة بين عيسى و محمد ص و عشرين و مائة سنة في الجاهلية و ستين سنة في الإسلام قال أخبرني عن الفتية من قريش المتواطئ الأسماء قال سل عن أيهم شئت قال أخبرني عن عبد الله بن عباس قال فهم و علم و عطاء و حلم و مقري ضخم قال فأخبرني عن عبد الله بن عمر قال حلم و علم و طول و كظم و بعد من الظلم قال فأخبرني عن عبد الله بن جعفر قال ريحانة طيب ريحها لين مسها قليل على المسلمين ضررها قال فأخبرني عن عبد الله بن الزبير قال جبل وعر ينحدر منه الصخر   قال لله درك ما أخبرك بهم قال قرب جواري و كثر استخباري

5-  حديث شق الكاهن حدثنا أحمد بن يحيى المكتب قال حدثنا أبو الطيب أحمد بن محمد الوراق قال حدثنا محمد بن الحسن بن دريد الأزدي العماني قال حدثنا أحمد بن عيسى أبو بشير العقيلي عن أبي حاتم عن أبي قبيصة عن ابن الكلبي عن أبيه قال سمعت شيوخا من بجيلة ما رأيت على سروهم و حسن هيأتهم يخبرون أنه عاش شق الكاهن ثلاثمائة سنة فلما حضرته الوفاة اجتمع إليه قومه و قالوا له أوصنا فقد آن أن يفوتنا بك الدهر فقال تواصلوا و لا تقاطعوا و تقاتلوا و لا تدابروا و أوصلوا الأرحام و احفظوا الذمام و سودوا الحكيم و أجلوا الكريم و وقروا ذا الشيبة و أذلوا اللئيم و تجنبوا الهزل في مواضع الجد و لا تكدروا الإنعام بالمن و اعفوا إذا قدرتم و هادنوا إذا هجرتم و أحسنوا إذا كوبدتم و اسمعوا من مشايخكم و استبقوا دواعي الصلاح عند أواخر العداوة فإن بلوغ الغاية في الندامة جرح بطي‏ء الاندمال و إياكم و الطعن في الأنساب و لا تفحصوا عن مساويكم و لا تودعوا عقائلكم غير مساويكم فإنها وصمة قادحة و قضاءة فاضحة الرفق الرفق لا الخرق فإن الخرق مندمة في العواقب مكسبة للعوائب الصبر أنفذ عتاب و القناعة خير مال و الناس أتباع الطمع و قرائن الهلع و مطايا الجزع و روح الذل التخاذل و لا تزالون ناظرين بعيون نائمة ما اتصل الرجاء بأموالكم و الخوف بمحالكم ثم قال يا لها نصيحة زلت عن عذبه فصيحة إن كان وعاؤها وكيعا و معدنها منيعا ثم مات

 قال الصدوق رضي الله عنه إن مخالفينا يروون مثل هذه الأحاديث و يصدقون بها و يروون حديث شداد بن عاد بن إرم ذات العماد و أنه عمر تسعمائة سنة و يروون صفة جنته و أنها مغيبة عن الناس فلا ترى و أنها في الأرض و لا يصدقون بقائم آل محمد صلوات الله عليه و عليهم و يكذبون بالأخبار التي وردت فيه   جحودا للحق و عنادا لأهله. بيان قوله مزججا أي مرققا ممددا قوله لقد طلبك جد غير عاثر الجد بالفتح الحظ و البخت و الغناء أي طلبك بخت عظيم لم يعثر حتى وصل إليك أو لم يعثر بك بل نعشك في كل الأحوال و السرو السخاء في مروءة. و العقائل جمع العقيلة و هي كريمة الحي أي لا تزوجوا بناتكم إلا ممن يساويكم في الشرف و الوصمة العيب و العار و الفادحة الثقيلة و يقال فيه قضاءة و يضم عيب و فساد و تقضئوا منه أن يزوجوه استحسنوا حسبه و وعاء وكيع شديد متين. أقول ثم ذكر الصدوق رحمه الله قصة شداد بن عاد كما نقلنا عنه في كتاب النبوة ثم قال. و عاش أوس بن ربيعة بن كعب بن أمية مائتي و أربع عشرة سنة فقال في ذلك

لقد عمرت حتى مل أهلي. ثواي عندهم و سئمت عمري‏و حق لمن أتى مائتان عام عليه و أربع 2-  ن بعد عشريمل من الثواء و صبح ليل يغاديه و ليل بعد يسري‏فأبلى شلوتي و تركت شلوي و باح بما أجن ضمير صدري.

 و عاش أبو زبيد و اسمه المنذر بن حرملة الطائي و كان نصرانيا خمسين و مائة سنة. و عاش نضر بن دهمان بن سليمان بن أشجع بن زيد بن غطفان مائة و تسعين سنة حتى سقطت أسنانه و خرف عقله و أبيض رأسه فحرب قومه أمر فاحتاجوا فيه إلى رأيه فدعوا الله أن يرد عليه عقله و شبابه فعاد إليه شبابه و أسود شعره فقال فيه سلمة بن الحريش و يقال عباس بن مرداس السلمي

لنضر بن دهمان الهنيدة عاشها و تسعين حولا ثم قوم فانصاتاو عاد سواد الرأس بعد بياضه و عاوده شرخ الشباب الذي فاتاو راجع عقلا بعد ما فات عقله و لكنه من بعد ذا كله ماتا.

   و عاش ثوب بن صداق العبدي مائتي سنة. و عاش خثعم بن عوف بن جذيمة دهرا طويلا فقال

حتى متى خثعم في الأحياء ليس بذي أيدي و لا غناءهيهات ما للموت من دواء.

 و عاش ثعلبة بن كعب بن عبد الأشهل بن الأشوس مائتي سنة فقال

لقد صاحبت أقواما فأمسوا خفاتا لا يجاب لهم دعاءمضوا قصد السبيل و خلفوني فطال علي بعدهم الثواءفأصبحت الغداة رهين شي‏ء و أخلفني من الموت الرجاء.

 و عاش رداءه بن كعب بن ذهل بن قيس النخعي ثلاث مائة سنة فقال

لم يبق يا خذيه من لداتي أبو بنين لا و لا بنات‏و لا عقيم غير ذي سبات إلا يعد اليوم في الأموات‏هل مشتر أبيعه حياتي.

 و عاش عدي بن حاتم طيئ عشرين و مائة سنة. و عاش أماباة بن قيس بن الحرملة بن سنان الكندي ستين و مائة سنة. و عاش عمير بن هاجر بن عمير بن عبد العزى بن قيس الخزاعي سبعين و مائة سنة فقال

بليت و أفناني الزمان و أصبحت هنيدة قد أبقيت من بعدها عشراو أصبحت مثل الفرخ لا أنا ميت فأبكي و لا حي فأصدر لي أمراو قد عشت دهرا ما تجن عشيرتي لها ميتا حتى تخط له قبرا.

 و عاش العوام بن المنذر بن زيد بن قيس بن حارثة بن لام دهرا طويلا في الجاهلية و أدرك عمر بن عبد العزيز فأدخل عليه و قد اختلف ترقوتاه و سقط حاجباه فقيل له ما أدركت فقال

فو الله ما أدري أ أدركت أمة على عهد ذي القرنين أم كنت أقدمامتى يخلعوا عني القميص تبينوا جناجن لم يكسين لحما و لا دما.

   و عاش سيف بن وهب بن جذيمة الطائي مائتي سنة فقال

ألا إنني كاهب ذاهب فلا تحسبوا أنني كاذب‏لبست شبابي فأفنيته و أدركني القدر الغالب‏و خصم دفعت و مولى نفعت حتى يثوب له ثائب

 و عاش أرطاة بن دشهبة المزني عشرين و مائة سنة و كان يكنى أبا الوليد فقال له عبد الملك ما بقي من شعرك يا أرطاة فقال يا أمير المؤمنين إني ما أشرب و أطرب و لا أغضب و لا يجيئني الشعر إلا على إحدى هذه الخصال على أني أقول

رأيت المرء تأكله الليالي كأكل الأرض ساقطة الحديدو ما تبقى المنية حين تأتي على نفس ابن آدم من مزيدو أعلم أنها ستكر حتى توفي نذرها بأبي الوليد.

 فارتاع عبد الملك فقال أرطاة يا أمير المؤمنين إني أكنى أبا الوليد. و عاش عبيد بن الأبرص ثلاثمائة سنة فقال

فنيت و أفناني الزمان و أصبحت لداتي بنو نعش و زهر الفراقد.

 ثم أخذه النعمان بن منذر يوم بؤسه فقتله. و عاش شريح بن هانئ عشرين و مائة سنة حتى قتل في نفرة الحجاج بن يوسف فقال في كبره و ضعفه

أصبحت ذا بث أقاصي الكبرا قد عشت بين المشركين أعصراثمت أدركت النبي المنذرا و بعده صديقه و عمراو يوم مهران و يوم تسترا و الجمع في صفينهم و النهراهيهات ما أطول هذا عمرا.

 و عاش رجل من بني ضبة يقال له المسجاح بن سباع دهرا طويلا فقال

لقد طوفت في الآفاق حتى بليت و قد دنا لي أن أبيدو أفناني و لا يفنى نهار و ليل كلما يمضي يعود

   و شهر مستهل بعد شهر و حول بعده حول جديد.

 و عاش لقمان العادي الكبير خمسمائة سنة و ستين سنة و عاش عمر سبعة أنسر كل نسر منها ثمانين عاما و كان من بقية عاد الأولى. و روي أنه عاش ثلاثة آلاف سنة و خمسمائة سنة و كان من ولد عاد الذين بعثهم قومهم إلى الحرم ليستسقوا لهم و كان أعطي عمر سبعة أنسر فكان يأخذ فرخ النسر الذكر فيجعله في الجبل الذي هو في أصله فيعيش النسر فيها ما عاش فإذا مات أخذ آخر فرباه حتى كان آخرها لبد و كان أطولها عمرا فقيل فيه طال الأمد على لبد و قد قيل فيه أشعار معروفة و أعطي من السمع و البصر و القوة على قدر ذلك و له أحاديث كثيرة. و عاش زهير بن عباب بن هبل بن عبد الله بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد بن عبد الله بن وهدة بن ثور بن كليب الكلبي ثلاثمائة سنة. و عاش مزيقيا و اسمه عمرو بن عامر و عامر هو ماء السماء و إنما سمي ماء السماء لأنه كان حياة أينما نزل كمثل ماء السماء و إنما سمي مزيقيا لأنه عاش ثمانمائة سنة أربعمائة سوقة و أربعمائة ملكا فكان يلبس في كل يوم حلتين ثم يأمر بهما فيمزقان حتى لا يلبسهما أحد غيره. و عاش ابن هبل بن عبد الله بن كنانة ستمائة سنة. و عاش أبو الطمحان القيسي مائة و خمسين سنة. و عاش المستوعر بن ربيعة بن كعب بن زيد مناة بن تميم ثلاثمائة و ثلاثين سنة ثم أدرك الإسلام فلم يسلم و له شعر معروف. و عاش دريد بن زيد بن نهد أربعمائة سنة و خمسين سنة فقال في ذلك

ألقى على الدهر رجلا و يدا و الدهر ما يصلح يوما أفسدايصلحه اليوم و يفسده غدا.

 و جمع بنيه حين حضرته الوفاة فقال يا بني أوصيكم بالناس شرا لا تقبلوا لهم معذرة و لا تقيلوا لهم عثرة.   و عاش تيم الله بن ثعلبة بن عكابة مائتي سنة. و عاش الربيع بن ضبع بن وهب بن بعيض بن مالك بن سعد بن عدي بن فزارة مائتي و أربعين سنة و أدرك الإسلام فلم يسلم. و عاش معديكرب الحميري من آل ذي رعين مائتي و خمسين سنة. و عاش ثرية بن عبد الله الجعفي ثلاثمائة سنة فقدم على عمر بن الخطاب المدينة فقال لقد رأيت هذا الوادي الذي أنتم به و ما به قطرة و لا هضبة و لا شجرة و لقد أدركت أخريات قوم يشهدون بشهادتكم هذه يعني لا إله إلا الله و معه ابن له يتهادى قد خرف فقال يا ثرية هذا ابنك قد خرف و بك بقية فقال ما تزوجت أمه حتى أتت علي سبعون سنة و لكني تزوجتها عفيفة ستيرة إن رضيت رأيت ما تقر به عيني و إن سخطت أتتني حتى أرضى و إن ابني هذا تزوج امرأة بذية فاحشة إن رأى ما تقر به عينه تعرضت له حتى يسخط و إن سخط تلقته حتى يهلك. و عاش عوف بن كنانة الكلبي ثلاثمائة سنة فلما حضرته الوفاة جمع بنيه فأوصاهم و هو عوف بن كنانة بن عوف بن عذرة بن زيد بن ثور بن كلب فقال يا بني احفظوا وصيتي فإنكم إن حفظتموها سدتم قومكم بعدي إلهكم فاتقوه و لا تخونوا و لا تحزنوا و لا تثيروا السباع من مرابضها و جاوروا الناس بالكف عن مساويهم تسلموا و تصلحوا و عفوا عن الطلب إليهم لئلا تستثقلوا و الزموا الصمت إلا من حق تحمدوا و ابذلوا لهم المحبة تسلم لكم الصدور و لا تحرموهم المنافع فيظهروا الشكاة و كونوا منهم في ستر ينعم بالكم و لا تكثروا مجالستهم فيستخف بكم و إذا نزلت بكم معضلة فاصبروا لها و البسوا للدهر أثوابه فإن لسان الصدق مع النكبة خير من سوء الذكر مع المسرة. و وطنوا أنفسكم على الذلة لمن ذل لكم فإن أقرب المسائل المودة و إن أبعد النسب البغضة و عليكم بالوفاء و تنكبوا الغدر يأمن سربكم و أحيوا الحسب   بترك الكذب فإن آفة المروءة الكذب و الخلف لا تعلموا الناس إقتاركم فتهونوا و تخملوا و إياكم و الغربة فإنها ذلة و لا تضعوا الكرائم إلا عند الأكفاء و اتبعوا بأنفسكم المعالي و لا يحتلجنكم جمال النساء عن الصحة فإن نكاح الكرائم مدارج الشرف و اخضعوا لقومكم و لا تبغوا عليهم لتنالوا المنافس و لا تخالفوهم فيما اجتمعوا عليه فإن الخلاف يزري بالرجل المطاع و ليكن معروفكم لغير قومكم بعدهم و لا توحشوا أفنيتكم من أهلها فإن إيحاشها إخماد النار و دفع الحقوق و ارفضوا النمائم بينكم تكونوا أعوانا عند الملمات تغلبوا و احذروا النجعة إلا في منفعة لا تصابوا و أكرموا الجار يخصب جنابكم و آثروا حق الضيف على أنفسكم و الزموا مع السفهاء الحلم تقل همومكم. و إياكم و الفرقة فإنها ذلة و لا تكلفوا أنفسكم فوق طاقتها إلا المضطر فإنكم إن تلاموا عند إيضاح العذر و بكم قوة خير من أن تعانوا في الاضطرار منكم إليهم بالمعذرة و جدوا و لا تفرطوا فإن الجد مانعة الضيم و لتكن كلمتكم واحدة تعزوا و يرهف حدكم و لا تبذلوا الوجوه لغير مكرمة فتخلقوها و لا تجشموا أهل الدناءة فتقصروا بها و لا تحاسدوا فتبوروا و اجتنبوا البخل فإنه داء و ابنوا المعالي بالجود و الأدب و مصافاة أهل الفضل و الحياء و ابتاعوا المحبة بالبذل و وقروا أهل الفضيلة و خذوا من أهل التجارب و لا يمنعنكم من معروف صغره فإن له ثوابا و لا تحقروا الرجال فتزدروها فإنما المرء بأصغريه ذكاء قلبه و لسان يعبر عنه. فإذا خوفتم داهية فاللبث قبل العجلة و التمسوا بالتودد المنزلة عند الملوك فإنهم من وضعوه اتضع و من رفعوه ارتفع و تبسلوا بالفعال تسم إليكم الأبصار و تواضعوا بالوفاء و ليحبكم ربكم ثم قال

و ما كل ذي لب بمؤتيك نصحه و لا كل موف نصحه بلبيب‏و لكن إذا ما استجمعا عند واحد فحق له من طاعة بنصيب.

 و حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب عن أحمد بن محمد بن عبد الله بن   يزيد الشعراني من ولد عمار بن ياسر رضي الله عنه يقول حكى أبو القاسم محمد بن القاسم البصري أن أبا الحسن حمارويه بن أحمد بن طولون كان قد فتح عليه من كنوز مصر ما لم يرزق أحد قبله فأغرى بالهرمين فأشار عليه ثقاته و حاشيته و بطانته أن لا يتعرض لهدم الأهرام فإنه ما تعرض أحد لها فطال عمره فلج في ذلك و أمر ألفا من الفعلة أن يطلبوا الباب و كانوا يعملون سنة حواليه حتى ضجروا و كلوا. فلما هموا بالانصراف بعد الإياس منه و ترك العمل وجدوا سربا فقدروا أنه الباب الذي يطلبونه فلما بلغوا آخره وجدوا بلاطة قائمة من مرمر فقدروا أنها الباب فاحتالوا فيها إلى أن قلعوها و أخرجوها فإذا عليها كتابة يونانية فجمعوا حكماء مصر و علماءها فلم يهتدوا لها و كان في القوم رجل يعرف بأبي عبد الله المديني أحد حفاظ الدنيا و علمائها فقال لأبي الحسن حمارويه بن أحمد أعرف في بلد الحبشة أسقفا قد عمر و أتى عليه ثلاث مائة و ستون سنة يعرف هذا الخط و قد كان عزم على أن يعلمنيه فلحرصي على علم العرب لم أقم عليه و هو باق. فكتب أبو الحسن إلى ملك الحبشة يسأله أن يحمل هذا الأسقف إليه فأجابه أن هذا قد طعن في السن و حطمه الزمان و إنما يحفظه هذا الهواء و يخاف عليه إن نقل إلى هواء آخر و إقليم آخر و لحقته حركة و تعب و مشقة السفر أن يتلف و في بقائه لنا شرف و فرج و سكينة فإن كان لكم شي‏ء يقرأه و يفسره و مسألة تسألونه فاكتب بذلك فحملت البلاطة في قارب إلى بلد أسوان من الصعيد الأعلى و حملت من أسوان على العجلة إلى بلاد الحبشة و هي قريبة من أسوان فلما وصلت قرأها الأسقف و فسر ما فيها بالحبشية ثم نقلت إلى العربية فإذا فيها مكتوب. أنا الريان بن دومغ فسئل أبو عبد الله عن الريان من كان هو قال هو والد العزيز ملك يوسف ع و اسمه الريان بن دومغ و قد كان عمر العزيز سبعمائة سنة و عمر الريان والده ألفا و سبعمائة سنة و عمر دومغ ثلاثة آلاف سنة.   فإذا فيها أنا الريان بن دومغ خرجت في طلب علم النيل لأعلم فيضه و منبعه إذ كنت أرى مفيضة فخرجت و معي ممن صحبت أربعة آلاف ألف رجل فسرت ثمانين سنة إلى أن انتهيت إلى الظلمات و البحر المحيط بالدنيا فرأيت النيل يقطع البحر المحيط و يعبر فيه و لم يكن منفذ و تماوت أصحابي و بقيت في أربعة آلاف رجل فخشيت على ملكي فرجعت إلى مصر و بنيت الأهرام و البراني و بنيت الهرمين و أودعتهما كنوزي و ذخائري و قلت في ذلك شعرا.

و أدرك علمي بعض ما هو كائن و لا علم لي بالغيب و الله أعلم‏و أتقنت ما حاولت إتقان صنعه و أحكمته و الله أقوى و أحكم‏و حاولت علم النيل من بدء فيضه فأعجزني و المرء بالعجز ملجم‏ثمانين شاهورا قطعت مسايحا و حولي بنو حجر و جيش عرمرم‏إلى أن قطعت الجن و الإنس كلهم و عارضني لح من البحر مظلم‏فأتقنت أن لا منفذا بعد منزلي لذي همة بعدي و لا متقدم‏فأبت إلى ملكي و أرسيت ناديا بمصر و للأيام بؤس و أنعم‏أنا صاحب الأهرام في مصر كلها و بأني برانيها بها و المقدم‏تركت بها آثار كفي و حكمتي على الدهر لا تبلى و لا تتهدم‏و فيها كنوز جمة و عجائب و للدهر أمر مرة و تهجم‏سيفتح أقفالي و يبدي عجائبي ولي لربي آخر الدهر ينجم‏بأكناف بيت الله تبدو أموره و لا بد أن يعلو و يسمو به السم‏ثمان و تسع و اثنتان و أربع و تسعون أخرى من قتيل و ملجم‏و من بعد هذا كر تسعون تسعة و تلك البراني تستخر و تهدم‏و تبدي كنوزي كلها غير أنني أرى كل هذا أن يفرقها الدم‏رمزت مقالي في صخور قطعتها ستبقى و أفنى بعدها ثم أعدم

   فحينئذ قال أبو الحسن حمارويه بن أحمد هذا شي‏ء ليس لأحد فيها حيلة إلا للقائم من آل محمد ع و ردت البلاطة كما كانت مكانها. ثم إن أبا الحسن بعد ذلك بسنة قتله طاهر الخادم ذبحه على فراشه و هو سكران و من ذلك الوقت عرف خبر الهرمين و من بناهما فهذا أصح ما يقال في خبر النيل و الهرمين. و عاش صبيرة بن سعد بن سهم القرشي مائة و ثمانين سنة و أدرك الإسلام فهلك فجاءه بلا سبب. و عاش لبيد بن ربيعة الجعفري مائة و أربعين سنة و أدرك الإسلام فأسلم فلما بلغ سبعين من عمره أنشأ يقول

كأني و قد جاوزت سبعين حجة خلعت بها عن منكبي ردائيا.

 فلما بلغ سبعا و سبعين سنة أنشأ يقول

باتت تشكي إلي النفس مجهشة و قد حملتك سبعا بعد سبعين‏فإن تزادي ثلاثا تبلغي أملا و في الثلاث وفاء للثمانين.

 فلما بلغ تسعين سنة أنشأ يقول

كأني و قد جاوزت تسعين حجة خلعت بها عني عذار لثامي‏رمتني بنات الدهر من حيث لا أرى فكيف بمن يرمي و ليس برام‏فلو أنني أرمى بنبل رأيتها و لكنني أرمى بغير سهام.

 فلما بلغ مائة و عشر سنين أنشأ يقول

و ليس في مائة قد عاشها رجل و في تكامل عشر بعدها عمر.

 فلما بلغ مائة و عشرين سنة أنشأ يقول

قد عشت دهرا قبل مجرى داحس لو كان في النفس اللجوج خلود.

 فلما بلغ مائة و أربعين سنة أنشأ يقول

و لقد سئمت من الحياة و طولها و سؤال هذا الناس كيف لبيد

   غلب الرجال فكان غير مغلب دهر طويل دائم ممدوديوم إذا يأتي علي و ليلة و كلاهما بعد المضي يعود.

 فلما حضرته الوفاة قال لابنه يا بني إن أباك لم يمت و لكنه فني فإذا قبض أبوك فأغمضه و أقبل به إلى القبلة و سجه بثوبه و لا أعلمن ما صرخت عليه صارخة أو بكت عليه باكية و انظر جفنتي التي كنت أضيف بها فأجد صنعتها ثم احملها إلى مسجدك و من كان يغشاني عليها فإذا قال الإمام سلام عليكم فقدمها إليهم يأكلون منها فإذا فرغوا فقل احضروا جنازة أخيكم لبيد بن ربيعة فقد قبضه الله عز و جل ثم أنشأ يقول

و إذا دفنت أباك فاجعل فوقه خشبا و طيناو صفائحا صما رواسيها تشدد و الغصوناليقين حر الوجه سفساف التراب و لن يقينا.

 و قد روي في حديث لبيد بن ربيعة في أمر الجفنة غير هذا ذكروا أن لبيد بن ربيعة جعل على نفسه أن كلما هبت الشمال أن ينحر جزورا فيملأ الجفنة التي حكوا عنها في أول حديثه فلما ولي الوليد بن عقبة بن أبي معيط الكوفة خطب الناس فحمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي ص ثم قال أيها الناس قد علمتم حال لبيد بن ربيعة الجعفري و شرفه و مروءته و ما جعل على نفسه كلما هبت الشمال أن ينحر جزورا فأعينوا أبا عقيل على مروءته ثم نزل و بعث إليه بخمسة من الجزر و أبيات شعر يقول فيها

أرى الجزار يشحذ شفرتيه إذا هبت رياح أبي عقيل‏طويل الباع أبلج جعفري كريم الجد كالسيف الصقيل‏و في ابن الجعفري بما لديه على العلات و المال القليل.

 و قد ذكر أن الجزر كانت عشرين فلما أتته قال جزى الله الأمير خيرا قد عرف الأمير أني لا أقول الشعر و لكن اخرجي يا بنية فخرجت إليه بنية له خماسية فقال لها أجيبي الأمير فأقبلت و أدبرت ثم قالت نعم فأنشأت تقول

إذا هبت رياح أبي عقيل دعونا عند هبتها الوليدا

   طويل الباع أبلج عبشميا أعان على مروءته لبيدابأمثال الهضاب كان ركبا عليها من بني حام قعوداأبا وهب جزاك الله خيرا نحرناها و أطعمنا التريدافعد أن الكريم له معاد و عهدي بابن أروى أن يعودا.

 فقال لبيد أحسنت يا بنية لو لا أنك سألت قالت إن الملوك لا يستحيا من مسألتهم قال و أنت في هذا يا بنية أشعر. و عاش ذو الإصبع العدواني و اسمه حرثان بن الحارث بن محرث بن ربيعة بن هبيرة بن ثعلبة بن ظرب بن عثمان بن عباد ثلاثمائة سنة. و عاش جعفر بن قبط ثلاث مائة سنة و أدرك الإسلام. و عاش عامر بن ظرب العدواني ثلاث مائة سنة. و عاش محصن بن غسان بن ظالم بن عمرو بن قطيعة بن الحارث بن سلمة بن مازن الزبيدي مائتي و خمسين سنة فقال في ذلك

ألا يا سلم إني لست منكم و لكني امرؤ قوتي سغوب‏دعاني الداعيان فقلت هيأ فقالا كل من يدعى يجيب‏ألا يا سلم أعياني قيامي و أعيتني المكاسب و الركوب‏و صرت رديئة في البيت كلا تأذى بي الأباعد و القريب‏كذاك الدهر و الأيام خون لها في كل سائمة نصيب.

 و عاش صيفي بن رباح أبو أكثم أحد بني أسد بن عمرو بن تميم مائتي سنة و سبعين سنة و كان يقول لك على أخيك سلطان في كل حال إلا في القتال فإذا أخذ الرجل السلاح فلا سلطان عليه كفى بالمشرفية واعظا و ترك الفخر أبقى لك و أسرع الحزم عقوبة البغي و شر النصرة التعدي و ألأم الأخلاق أضيقها و من الأذى كثرة العتاب و اقرع الأرض بالعصا فذهبت مثلا

لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا و ما علم الإنسان إلا ليعلم.

   و عاش عاد بن شداد اليربوعي مائة و خمسين سنة. و عاش أكثم بن صيفي أحد بني أسد بن عمرو بن تميم ثلاث مائة سنة و قال بعضهم مائة و تسعين سنة و أدرك الإسلام و اختلف في إسلامه إلا أن أكثرهم لا يشك في أنه لم يسلم فقال في ذلك

و إن امرأ قد عاش تسعين حجة إلى مائة لم يسأم العيش جاهل‏خلت مائتان غير ست و أربع و ذلك من عد الليالي قلائل.

 و قال محمد بن سلمة أقبل أكثم يريد الإسلام فقتله ابنه عطشا فسمعت أن هذه الآية نزلت فيه وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ و لم تكن العرب تقدم عليه أحدا في الحكمة و إنه لما سمع برسول الله ص بعث إليه ابنه حبيشا فقال يا بني إني أعظك بكلمات فخذهن من حين تخرج من عندي إلى أن ترجع إلي ائت نصيبك في شهر رجب فلا تستحله فيستحل منك فإن الحرام ليس يحرم نفسه و إنما يحرمه أهله و لا تمرن بقوم إلا تنزل عند أعزهم و أحدث عقدا مع شريفهم و إياك و الذليل فإنه هو أذل نفسه و لو أعزها لأعزه قومه. فإذا قدمت على هذا الرجل فإني قد عرفته و عرفت نسبه و هو في بيت قريش و هو أعز العرب و هو أحد رجلين إما ذو نفس أراد ملكا فخرج للملك بعزة فوقره و شرفه و قم بين يديه و لا تجلس إلا بإذنه حيث يأمرك و يشير إليك فإنه إن كان ذلك كان أدفع لشره عنك و أقرب لخيره منك و إن كان نبيا فإن الله لا يحب من يسوؤهم و لا يبطر فيحتشم و إنما يأخذ الخيرة حيث يعلم لا يخطي فيستعتب إنما أمره على ما تحب و إن كان فستجد أمره كله صالحا و خبره كله صادقا و ستجده متواضعا في نفسه متذللا لربه فذل له و لا تحدثن أمرا دوني فإن الرسول إذا أحدث الأمر من عنده خرج من يدي الذي أرسله و احفظ ما يقول لك إذا ردك إلي فإنك و لو توهمت أو نسيت حتمتني رسولا غيرك.   و كتب معه باسمك اللهم من العبد إلى العبد أما بعد فإنا بلغنا ما بلغك فقد أتانا عنك خبر لا ندري ما أصله فإن كنت أريت فأرنا و إن كنت علمت فعلمنا و أشركنا في كنزك و السلام. فكتب إليه رسول الله فيما ذكروا من محمد رسول الله إلى أكثم بن صيفي أحمد الله إليك إن الله أمرني أن أقول لا إله إلا الله أقولها و آمر الناس بها و الخلق خلق الله و الأمر كله لله خلقهم و أماتهم و هو ينشرهم وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ أدبتكم بآداب المرسلين و لتسألن عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ. فلما جاء كتاب رسول الله ص قال لابنه يا بني ما ذا رأيت قال رأيته يأمر بمكارم الأخلاق و ينهى عن ملائمها فجمع أكثم بن صيفي إليه بني تميم ثم قال يا بني تميم لا تحضروني سفيها فإن من يسمع يخل و لكل إنسان رأي في نفسه و إن السفيه واهن الرأي و إن كان قوي البدن و لا خير فيمن لا عقل له يا بني تميم كبرت سني و دخلتني ذلة الكبر فإذا رأيتم مني حسنا فأتوه و إذا أنكرتم شيئا فقولوا لي الحق أستقم أن ابني قد جاءني و قد شافه هذا الرجل فرآه يأمر بمكارم الأخلاق و ينهى عن ملائمها و يدعو إلى أن يعبد الله وحده و تخلع الأوثان و يترك الحلف بالنيران و يذكر أنه رسول الله ص و أن قبله رسلا لهم كتب و قد علمت رسولا قبله كان يأمر بعبادة الله وحده و أن أحق الناس بمعاونة محمد ص و مساعدته على أمره أنتم فإن يكن الذي يدعو إليه حقا فهو لكم و إن يكن باطلا كنتم أحق من كف عنه و ستر عليه. و قد كان أسقف نجران يحدث بصفته و لقد كان سفيان بن مجاشع قبله يحدث به و سمي ابنه محمدا و قد علم ذوو الرأي منكم أن الفضل فيما يدعو إليه و يأمر به فكونوا في أمره أولا و لا تكونوا أخيرا اتبعوه تشرفوا و تكونوا سنام العرب و ائتوه طائعين قبل أن تأتوه كارهين فإني أرى أمرا ما هو بالهوينا لا يترك مصعدا إلا صعده و لا منصوبا إلا بلغه.

    إن هذا الذي يدعو إليه لو لم يكن دينا لكان في الأخلاق حسنا أطيعوني و اتبعوا أمري أسأل لكم ما لا ينزع منكم أبدا إنكم أصبحتم أكثر العرب عددا و أوسعهم بلدا و إني أرى أمرا لا يتبعه ذليل إلا عز و لا يتركه عزيز إلا ذل اتبعوه مع عزكم تزدادوا عزا و لا يكن أحد مثلكم. إن الأول لم يدع للأخير شيئا و إن هذا أمر هو لما بعده من سبق إليه فهو الباقي و من اقتدى به الثاني فاصرموا أمركم فإن الصريمة قوة و الاحتياط عجز. فقال مالك بن نويرة خرف شيخكم فقال أكثم ويل للشجي من الخلي أراكم سكوتا و آفة الموعظة الإعراض عنها ويلك يا مالك إنك هالك إن الحق إذا قام رفع القائم معه و جعل الصرعى قياما فإياك أن تكون منهم أما إذ سبقتموني بأمركم فقربوا بعيري أركبه. فدعا براحلته فركبها فتبعه بنوه و بنو أخيه فقال لهفي على أمر أن أدركه و لم يسبقني و كتبت طيئ إلى أكثم و كانوا أخواله و قال آخرون كتبت بنو مرة و كانوا أخواله أن أحدث إلينا ما نعيش به. فكتب أما بعد فإني موصيكم بتقوى الله و صلة الرحم فإنها ثبت أصلها و نبت فرعها و أنهاكم عن معصية الله و قطيعة الرحم فإنها لا يثبت لها أصل و لا ينبت لها فرع و إياكم و نكاح الحمقاء فإن مباضعتها قذر و ولدها ضياع. و عليكم بالإبل فأكرموها فإنها حصون العرب و لا تضعوا رقابها إلا في حقها فإن فيها مهر الكريمة و رقوء الدم و بألبانها يتحف الكبير و يغذي الصغير و لو كلفت الإبل الطحن لطحنت و لن يهلك امرؤ عرف قدره و العدم عدم العقل و المرء الصالح لا يعدم المال و رب رجل خير من مائة و رب فئة أحب إلي من فئتين و من عتب على الزمان طالت معتبته و من رضي بالقسم طابت معيشته آفة الرأي الهوى و العادة أملك بالأدب و الحاجة مع المحبة خير من الغنى مع البغضة و الدنيا دول فما كان منها لك أتاك على ضعفك و إن قصرت في طلبه و ما كان منها

    عليك لم تدفعه بقوتك و سوء حمل الريبة تضع الشرف و الحسد داء ليس له دواء و الشماتة تعقب و من بر قوما بر به و الندامة مع السفاهة و دعامة العقل الحلم و جماع الأمر الصبر و خير الأمور مغبة العفو و أبقى المودة حسن التعاهد و من يزر غبا يزدد حبا وصية أكثم بن صيفي عند موته جمع أكثم بنيه عند موته فقال يا بني إنه قد أتى علي دهر طويل و أنا مزودكم من نفسي قبل الممات أوصيكم الله بتقوى الله و صلة الرحم و عليكم بالبر فإنه ينمي عليه العدد و لا يبيد عليه أصل و لا فرع و أنهاكم عن معصية الله و قطيعة الرحم فإنه لا يثبت عليها أصل و لا ينبت عليها فرع كفوا ألسنتكم فإن مقتل الرجل بين فكيه إن قول الحق لم يدع لي صديقا. انظروا أعناق الإبل فلا تضعوها إلا في حقها فإن فيها مهر الكريمة و رقوء الدم و إياكم و نكاح الحمقاء فإن نكاحها قذر و ولدها ضياع الاقتصاد في السفر أبقى للجمام من لم يأس على ما فاته أودع بدنه من قنع بما هو فيه قرت عينه التقدم قبل الندم أصبح عند رأس الأمر أحب إلي من أن أصبح عند ذنبه لم يهلك من عرف قدره العجز عند البلاء آفة المتحمل لن يهلك من مالك ما وعظك ويل لعالم أمن من جاهل الوحشة ذهاب الأعلام يتشابه الأمر إذا أقبل فإذا أدبر عرفه الكيس و الأحمق و البطر عند الرخاء حمق و في طلب المعالي يكون القرب لا تغضبوا من اليسير فإنه يجتني الكثير لا تجيبوا عما لا تسألوه و لا تضحكوا مما لا يضحك منه. تباروا في الدنيا و لا تباغضوا الحسد في القرب فإنه من يجتمع يتقعقع عمده لينفرد من بعض في المودة لا تتكلموا على القرابة فتقاطعوا فإن القريب   من قرب نفسه و عليكم بالمال فأصلحوه فإنه لا يصلح الأموال إلا بإصلاحكم و لا يتكلن أحدكم على مال أخيه يرى فيه قضاء حاجته فإنه من فعل ذلك كان كالقابض على الماء و من استغنى كرم على أهله و أكرموا الخيل نعم لهو الحرة المغزل و حيلة من لا حيلة له الصبر. و عاش فروة بن ثعلبة بن نفاية السلولي مائة و ثلاثين سنة في الجاهلية ثم أدرك الإسلام فأسلم. و عاش مضاد بن حبابة بن مرارة من بني عمرو بن يربوع بن حنظلة بن زيد مناة أربعين و مائة سنة. و عاش قس بن ساعدة ستمائة سنة و هو الذي يقول

هل الغيث يعطى الأمر عند نزوله بحال مسي‏ء في الأمور و محسن‏و من قد تولى و هو قد فات ذاهب فهل ينفعني ليتني و لو أنني.

 و كذلك يقول لبيد

و أخلف قسا ليتني و لو أنني و أعيا على لقمان حكم التدبر.

 و عاش الحارث بن كعب المذحجي ستين و مائة سنة.

 قال الصدوق رحمه الله هذه الأخبار التي ذكرتها في المعمرين قد رواها مخالفونا أيضا من طريق محمد بن السائب الكلبي و محمد بن إسحاق بن يسار و عوانة بن الحكم و عيسى بن يزيد بن رئاب و الهيثم بن عدي الطائي و قد روي عن النبي ص أنه قال كلما كان في الأمم السالفة فيكون في هذه الأمة مثله حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة و قد صح هذا التعمير فيمن تقدم و صحت الغيبات الواقعة بحجج الله ع فيما مضى من القرون فكيف السبيل إلى إنكار القائم ع لغيبته و طول عمره

مع الأخبار الواردة فيه عن النبي ص و عن الأئمة ع و هي التي قد ذكرناها في هذا الكتاب بأسانيدها

 حدثنا علي بن أحمد الدقاق قال حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن   موسى بن عمران النخعي عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي عن غياث بن إبراهيم عن الصادق جعفر بن محمد ع عن أبيه عن آبائه ع قال قال رسول الله ص كل ما كان في الأمم السالفة فإنه يكون في هذه الأمة مثله حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة

 ل، ]الخصال[ علي بن عبد الله الأسواري عن مكي بن أحمد قال سمعت إسحاق بن إبراهيم الطوسي يقول و كان قد أتى عليه سبع و تسعون سنة على باب يحيى بن منصور قال رأيت سربايك ملك الهند في بلد تسمى صوح فسألناه كم أتى عليك من السنين قال تسعمائة سنة و خمس و عشرون سنة و هو مسلم فزعم أن النبي ص أنفذ إليه عشرة من أصحابه منهم حذيفة بن يمان و عمرو بن العاص و أسامة بن زيد و أبو موسى الأشعري و صهيب الرومي و سفينة و غيرهم يدعونه إلى الإسلام فأجاب و أسلم و قبل كتاب النبي ص فقلت له كيف تصلي مع هذا الضعف فقال لي قال الله عز و جل الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ الآية فقلت له ما طعامك فقال لي آكل ماء اللحم و الكراث و سألته هل يخرج منك شي‏ء فقال في كل أسبوع مرة شي‏ء يسير و سألته عن أسنانه فقال أبدلتها عشرين مرة. و رأيت له في إسطبله شيئا من الدواب أكبر من الفيل يقال له زندفيل فقلت له ما تصنع بهذا قال يحمل ثياب الخدم إلى القصار و مملكته مسيرة أربع سنين في مثلها و مدينته طولها خمسون فرسخا في مثلها و على كل باب منها عسكر مائة ألف و عشرين ألفا إذا وقع في أحد الأبواب حدث خرجت تلك الفرقة إلى الحرب لا تستعين بغيرها و هو في وسط المدينة و سمعته تقول دخلت المغرب فبلغت إلى الرمل رمل عالج و صرت إلى قوم موسى ع فرأيت سطوح بيوتهم مستوية و بيدر الطعام خارج القرية يأخذون منه القوت و الباقي يتركونه هناك و قبورهم في دورهم و بساتينهم من المدينة على فرسخين ليس فيهم شيخ و لا شيخة   و لم أر فيهم علة و لا يعتلون إلى أن يموتوا و لهم أسواق إذا أراد الإنسان منهم شراء شي‏ء صار إلى السوق فوزن لنفسه و أخذ ما يصيبه و صاحبه غير حاضر و إذا أرادوا الصلاة حضروا فصلوا و انصرفوا لا يكون بينهم خصومة و لا كلام يكره إلا ذكر الله عز و جل و الصلاة و ذكر الموت. قال الصدوق رحمه الله إذا كان عند مخالفينا مثل هذه الحال لسربايك ملك الهند فينبغي أن لا يحيلوا مثل ذلك في حجة الله من التعمير و لا قوة إلا بالله العلي العظيم بيان و صبح ليل عطف على الثواء قوله يغاديه أي يأتيه غدوة قوله و ليل بعد يسري أي بعد ذلك الصبح يسير ليلا و الشلو بالكسر العضو و السلو الصبر و قال الجوهري الهنيدة المائة من الإبل و غيرها و قال أبو عبيدة هي اسم لكل مائة و أنشد

و نصر بن دهمان الهنيدة عاشها و تسعين عاما ثم قوم فانصاتا.

 و قال في الصاد و التاء و قد انصات الرجل إذا استوت قامته بعد الانحناء ثم ذكر هذا البيت و الذي بعده و قال شرخ الشباب أوله. قوله رهين شي‏ء أي كل شي‏ء احتاج إليه و في بعض النسخ بالسين المهملة و هو اللبن يكون في أطراف الأخلاف قبل نزول الدرة. و لدة الرجل تربه و الجمع لدات و السبات بالضم النوم و الراحة قوله حتى تخط له قبرا لعله إشارة إلى إدراك ما قبل الجاهلية و الكهب الجاموس المسن و الكهبة بالضم بياض علته كدورة أو الدهمة أو غبرة مشربة سوادا. و ثاب الرجل يثوب ثوبا رجع بعد ذهابه أي نفعت مولى حتى يعود إلى نفعه و جزاؤه و البث الحزن و الكبر كعنب الشيخوخة أو هو كصرد جمع الكبرى أي المصائب الكبر و يوم مهران و يوم تستر إشارتان إلى غزوتان مشهورتان في الإسلام كانتا في زمن عمر و قدني أي حسبي أن أبيد أي أهلك و في بعض النسخ   و قد لي أي و قد حان لي. و قال الجوهري و لبد آخر نسور لقمان هو الذي بعثته عاد في وفدها إلى الحرم يستسقي لها فلما أهلكوا خير لقمان بين بقاء سبع بقرات سمر من أظب عفر في جبل وعر لا يمسها القطر و بين بقاء سبعة أنسر كلما هلك نسر خلف بعده نسر فاختار النسور فكان آخر نسوره يسمى لبدا. و قال مزيقياء لقب عمرو بن عامر ملك من ملوك اليمن زعموا أنه كان يلبس كل يوم حلتين فيمزقهما بالعشي و يكره أن يعود فيهما و يأنف أن يلبسهما أحد غيره. و قال جاء فلان يهادي بين اثنين إذا كان يمشي بينهما معتمدا عليهما من ضعفه و تمايله. و إخماد النار كناية عن خمول الذكر أو ذهاب البركة قوله فإنكم لا تلاموا الحاصل أنكم إن بذلتم على قدر وسعكم فسيعذركم الناس و لا يلومونكم و يبقى لكم قوة على البذل بعد ذلك و ذلك خير من أن تسرفوا و تبذلوا جميع ما في أيديكم و تحتاجوا إليه و يعانوكم بالمعذرة أي بقليل يعتذرون إليكم في ذلك أو مع كونكم معذورين في السؤال لاضطراركم و في بعض النسخ من أن تضاموا أي من أن يظلموكم بأن يعتذروا إليكم مع قدرتهم على البذل و على التقادير الأظهر فإنكم إن تلاموا. و لا تجشموا أي لا تكلفوا أهل الدناءة أي البخلاء و الذين لم ينشئوا في الخير فتقصروا بها أي تجعلوهم مقصرين عاجزين عما طلبتم منهم و الضمير راجع إلى أهل الدناءة بتأويل الجماعة قوله فتبوروا أي فتهلكوا و الازدراء التحقير و قوله ذكاء قلبه تفسير للأصغرين و التبسل إظهار البسالة و هي الشجاعة و في بعض النسخ و تبتلوا و التبتل الانقطاع عن الدنيا إلى الله و قوله تسم إليكم   الأبصار من قولهم سما بصره أي علا و القارب السفينة الصغيرة و الشاهور لعله لغة في الشهر و العرمرم الجيش الكثير. قوله و للدهر أمر مرة أي قد يجعل الرجل أميرا و قد يجعله متهجما عليه أو للدهر أمور غريبة و تهجمات و الأظهر أنه بالكسر بمعنى الشدة و الأمر العجيب قوله ينجم بضم الجيم أي يطلع و يظهر قوله و يسمو به السم السم بالضم و الكسر الاسم أي يعلو به اسم الله و كلمة التوحيد. و قوله ثمان إلى آخر البيت لعله إشارة إلى الطوائف التي يقتلهم القائم ع أو يطيعونه و قوله و من بعد هذا كر تسعون إشارة إلى من يعود في الرجعة قوله أن يفرقها الدم لعل المعنى أن كلها يصرف في الجهاد أو أن دم القتلى حولها يهدمها إما حقيقة أو مجازا. و قال الجوهري الداحس اسم فرس مشهور لقيس بن زهير بن جذيمة العبسي و منه حرب داحس و ذلك أن قيسا و حذيفة بن بدر تراهنا على خطر عشرين بعيرا و جعلا الغاية مائة غلوة و المضمار أربعين ليلة و المجرى من ذات الإصاد فأجرى قيس داحسا و الغبراء و أجرى حذيفة الخطار و الحنفاء فوضعت بنو فزارة رهط حذيفة كمينا على الطريق فردوا الغبراء و لطموها و كانت سابقة فهاجت الحرب بين عبس و ذبيان أربعين سنة. قوله على العلات أي على كل حال و الردء الفاسد و بنو حام السودان شبهت الجزر في عظمها و عظم سنامها بجبال صغار عليها بنو حام قعودا و أروى أم عثمان و كان الوليد أخاه لأمه. قوله و اقرع الأرض بالعصا أي نبه الغافل بأدنى تنبيه ليعقل و لا تؤذه و لا تفضحه قال الجوهري قال الشاعر

و زعمت أنا لا حلوم لنا إن العصا قرعت لذي الحلم.

 أي إن الحليم إذا نبه انتبه و أصله أن حكما من حكام العرب عاش حتى اهتر فقال لابنته إذا أنكرت شيئا من فهمي عند الحكم فاقرعي لي المجن بالعصا   لأرتدع قال المتلمس لذي الحلم البيت انتهى و على ما ذكره يحتمل المراد تنبيهه عند الغفلة. قوله فإن من يسمع يخل هو من الخيال أي إذا أحضرتم سفيها فهو يتكلم على سفاهته و كل من يسمع منه يقع في خياله شي‏ء و يؤثر فيه. و قال الزمخشري في مستقصى الأمثال من يسمع يخل أي يظن و يتهم بقوله إذا بلغ شيئا عن رجل فاتهمه و قيل إن من يسمع أخبار الناس و معايبهم يقع في نفسه المكروه عليهم أي إن المجانبة للناس أسلم و مفعولا يخل محذوفان انتهى. و الصريمة العزيمة في الشي‏ء و الصرم القطع و الخلي الخالي من الهم و الحزن خلاف الشجي و المثل معروف و المعنى أني في هم عظيم لهذا الأمر الذي أدعوكم إليه و أنتم فارغون غافلون فويل لي منكم قوله وقع القائم معه أي يصير العزيز بعد ظهور الحق ذليلا و الذليل عزيزا لأن الحق يظهر عند غلبة الباطل و أهله قوله أن أدركه بالفتح أي أن أتلهف على إدراك هذا الأمر فإني آيس منه أو بالكسر فيكون الجزاء محذوفا أي على أمر إن أدركته فزت أو لهفي عليكم إن أدركته و فات عنكم. قوله و العادة أملك بالأدب أي الآداب الحسنة إنما تملك باعتيادها لتصير ملكة أو متابعة عادات القوم و ما هو معروف بينهم أملك بالآداب و الأول أظهر قوله و رقوء الدم قال الجزري فيه لا تسبوا الإبل فإن فيها رقوء الدم يقال رقأ الدمع و الدم و العرق يرقأ رقوءا بالضم إذا سكن و انقطع و الاسم الرقوء بالفتح أي إنها تعطى في الديات بدلا من القود و يسكن بها الدم.   قوله التقدم قبل الندم أي ينبغي أن يتقدم في الأمور قبل أن يفوت و لا يبقى إلا الندم قوله الوحشة ذهاب الأعلام أي إنما يكون الوحشة في الطرق عند ذهاب الأعلام المنصوبة فيها فكذا الوحشة بين الناس إنما يكون بذهاب العلماء و الهداة الذين هم أعلام طرق الحق. قوله يكون القرب أي من الناس أو من الله و قال الجوهري تقعقعت عمدهم أي ارتحلوا و في المثل من يجتمع يتقعقع عمده كما يقال إذا تم أمر دنا نقصه.

 غو، ]غوالي اللئالي[ بالإسناد إلى أحمد بن فهد عن بهاء الدين علي بن عبد الحميد عن يحيى بن النجل الكوفي عن صالح بن عبد الله اليمني كان قدم الكوفة قال يحيى و رأيته بها سنة أربع و ثلاثين و سبعمائة عن أبيه عبد الله اليمني و أنه كان من المعمرين و أدرك سلمان الفارسي و أنه روي عن النبي ص أنه قال حب الدنيا رأس كل خطيئة و رأس العبادة حسن الظن بالله

 غو، ]غوالي اللئالي[ حدثني المولى العالم الواعظ عبد الله بن فتح الله بن عبد الملك عن تاج الدين حسن السرايشنوي عن الشيخ جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهر قال رويت عن مولانا شرف الدين إسحاق بن محمود اليماني القاضي بقم عن خاله مولانا عماد الدين محمد بن محمد بن فتحان القمي عن الشيخ صدر الدين الساوي قال دخلت على الشيخ بابارتن و قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر فرفعهما عن عينيه فنظر إلي و قال ترى عيني هاتين طال ما نظرتا إلى وجه رسول الله ص و قد رأيته يوم حفر الخندق و كان يحمل على ظهره التراب مع الناس و سمعته ص يقول في ذلك اليوم اللهم إني أسألك عيشة هنيئة و ميتة سوية و مردا غير مخزو لا فاضح. أقول و روى السيد علي بن عبد الحميد في كتاب الأنوار المضيئة قال روى الجد السعيد عبد الحميد يرفعه إلى الرئيس أبي الحسن الكاتب البصري و كان من الأدباء قال في سنة اثنين و تسعين و ثلاثمائة أسنت البر سنين عدة و بعثت السماء درها في أكناف البصرة فتسامع العرب بذلك فوردوها من الأقطار البعيدة على   اختلاف لغاتهم فخرجت مع جماعة نتصفح أحوالهم و نلتمسن فائدة ربما وجدناها عند أحدهم فارتفع لنا بيت عال فقصدناه فوجدنا في كسره شيخا جالسا قد سقط حاجباه على عينيه كبرا و حوله جماعة من عبيده و أصحابه فسلمنا عليه فرد التحية و أحسن التلقية فقال له رجل منا هذا السيد و أشار إلي هو الناظر في معاملة الدرب و هو من الفصحاء و أولاد العرب و كذلك الجماعة ما منهم إلا من ينسب إلى قبيلة و يختص بسداد و فصاحة و قد خرج و خرجنا معه حين وردتم نلتمس الفائدة المستطرفة من أحدكم و حين شاهدناك رجونا ما نبغيه عندك لعلو سنك. فقال الشيخ و الله يا بني أخي حياكم الله إن الدنيا شغلتنا عما تبغونه مني فإن أردتم الفائدة فاطلبوها عند أبي و هابيته و أشار إلى خباء كبير بإزائه فقصدنا البيت فوجدنا فيه شيخا متضجعا و حوله من الخدم و الأمر أوفى مما شاهدناه أولا فسلمنا عليه و أخبرناه بخبر ابنه فقال يا بني أخي حياكم الله إن الذي شغل ابني عما التمستموه منه هو الذي شغلني عما هذه سبيله و لكن الفائدة تجدونها عند والدي و ها هو بيته و أشار إلى بيت منيف فقلنا فيما بيننا حسبنا من الفوائد مشاهدة والد هذا الشيخ الفاني فإن كانت منه فائدة فهي ربح لم نحتسب. فقصدنا ذلك الخباء فوجدنا حوله عددا كثيرا من الإماء و العبيد فحين رأونا تسرعوا إلينا و بدئوا بالسلام علينا و قالوا ما تبغون حياكم الله فقلنا نبغي السلام على سيدكم و طلب الفائدة من عنده فقالوا الفوائد كلها عند سيدنا و دخل منهم من يستأذن ثم خرج بالإذن لنا فدخلنا فإذا سرير في صدر البيت و عليه مخاد من جانبيه و وسادة في أوله و على الوسادة رأس شيخ قد بلى و طار شعره فجهرنا بالسلام فأحسن الرد و قال قائلنا مثل ما قال لولده و أعلمناه أنه أرشدنا إليك و بشرنا بالفائدة منك. ففتح الشيخ عينين قد غارتا في أم رأسه و قال للخدم أجلسوني

 ثم قال لنا يا بني أخي لأحدثنكم بخبر تحفظونه عني كان والدي لا يعيش له ولد و يحب أن تكون له عاقبة فولدت له على كبر ففرح بي و ابتهج بموردي ثم قضى و لي   سبع سنين فكفلني عمي بعده و كان مثله في الحذر علي فدخل بي يوما على رسول الله ص فقال له يا رسول الله ص إن هذا ابن أخي و قد مضى أبوه لسبيله و أنا كفيل بتربيته و إنني أنفس به على الموت فعلمني عوذة أعوذه بها ليسلم ببركتها فقال ص أين أنت عن ذات القلاقل فقال يا رسول الله ص و ما ذات القلاقل قال أن تعوذه فتقرأ عليه سورة الجحد و سورة الإخلاص و سورة الفلق و سورة الناس و أنا إلى اليوم أتعوذ بها كل غداة فما أصبت و لا أصيب لي مال و لا مرضت و لا افتقرت و قد انتهى بي السن إلى ما ترون فحافظوا عليها و استكثروا من التعوذ بها ثم انصرفنا من عنده انتهى

 مجالس الشيخ، عن المفيد عن إبراهيم بن الحسن بن جمهور قال حدثني أبو بكر المفيد الجرجرائي في شهر رمضان سنة ست و سبعين و ثلاثمائة قال اجتمعت مع أبي عمرو عثمان بن الخطاب بن عبد الله بن العوام بمصر في سنة ست عشرة و ثلاث مائة و قد ازدحم الناس عليه حتى رقي به إلى سطح دار كبيرة كان فيها و مضيت إلى مكة و لم أزل أتبعه إلى مكة إلى أن كتبت عنه خمسة عشر حديثا و ذكر أنه ولد في خلافة أبي بكر عتيق بن أبي قحافة و أنه لما كان في زمن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع خرجت و والدي معي أريد لقاءه فلما صرنا قريبا من الكوفة أو الأرض التي كان بها عطشنا عطشا شديدا في طريقنا و أشرفنا على التلف و كان والدي شيخا كبيرا فقلت له اجلس حتى أدور الصحراء أو البرية فلعلي أقدر على ماء أو من يدلني عليه أو ماء مطر. فقصدت أطلب ذلك فلم ألبث عنه غير بعيد إذ لاح لي ماء فصرت إليه فإذا أنا ببئر شبه الركية أو الوادي فنزعت ثيابي و اغتسلت من ذلك الماء و شربت حتى رويت و قلت أمضي و أجي‏ء بأبي فإنه قريب مني فجئت إليه فقلت قم فقد فرج الله عز و جل عنا و هذه عين ماء قريب منا فقام فلم نر شيئا و لم نقف على الماء و جلس و جلست معه و لم يضطرب إلى أن مات و اجتهدت إلى أن واريته و جئت إلى مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه و لقيته و هو خارج إلى صفين و قد أخرجت له   البغلة فجئت و أمسكت له الركاب فالتفت إلي فانكببت أقبل الركاب فشجني في وجهي شجة. قال أبو بكر المفيد و رأيت الشجة في وجهه واضحة ثم سألني عن خبري فأخبرته بقصتي و قصة والدي و قصة العين فقال عين لم يشرب منها أحد إلا و عمر عمرا طويلا فأبشر فإنك تعمر و ما كنت لتجدها بعد شربك منها و سماني بالمعتمر قال أبو بكر المفيد فحدثنا عن مولانا أمير المؤمنين ع بالأحاديث و جمعتها و لم تجتمع لغيري منه و كان معه جماعة مشايخ من بلده و هي طنجة. فسألتهم عنه فذكروا أنهم من بلده و أنهم يعرفونه بطول العمر و آباؤهم و أجدادهم بمثل ذلك و اجتماعه مع مولانا أمير المؤمنين ع و أنه توفي في سنة سبع عشرة و ثلاث مائة. أقول روى الكراجكي ره في كنز الفوائد هذا الخبر بطوله مع الأخبار التي رواها أبو الدنيا عن الشريف طاهر بن موسى الحسيني عن ميمون بن حمزة الحسيني عن المعمر المغربي و عن أسد بن إبراهيم السلمي و الحسين بن محمد الصيرفي البغدادي معا عن أبي بكر محمد بن محمد المعروف بالمفيد الجرجرائي عن علي بن عثمان بن الخطاب بن عبد الله بن عوام البلوي من مدينة بالمغرب يقال لها مزيدة يعرف بأبي الدنيا الأشج المعتمر إلى آخر ما مر من قصصه و ما أوردناه من رواياته في كتاب الفتن و غيره. ثم ذكر رحمه الله قصة رجل آخر يعرف بالمعمر المشرقي و قال هو رجل مقيم ببلاد العجم من أرض الجبل يذكر أنه رأى أمير المؤمنين ع و يعرفه الناس بذلك على مر السنين و الأعوام و يقول إنه لحقه مثل ما لحق المغربي من الشجة في وجهه و إنه صحب أمير المؤمنين ع و خدمه. و حدثني جماعة مختلفو المذاهب بحديثه و أنهم رأوه و سمعوا كلامه منهم أبو العباس أحمد بن نوح بن محمد الحنبلي الشافعي حدثني بمدينة الرملة في سنة إحدى عشرة و أربعمائة قال كنت متوجها إلى العراق للتفقه فعبرت بمدينة يقال

    لها سهرورد من أعمال الجبل قريبة من زنجان و ذلك في سنة خمسين و أربعمائة فقيل لي إن هنا شيخا يزعم أنه لقي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع فلو صرت إليه لكان ذلك فائدة عظيمة قال فدخلنا عليه فإذا هو في بيته لعمل النوار و إذا هو شيخ نحيف الجسم مدور اللحية كبيرها و له ولد صغير ولد له منذ سنة. فقيل له إن هؤلاء قوم من أهل العلم متوجهون إلى العراق يحبون أن يسمعوا من الشيخ ما قد لقي من أمير المؤمنين ع فقال نعم كان السبب في لقائي له أني كنت قائما في موضع من المواضع فإذا بفارس مجتاز فرفعت رأسي فجعل الفارس يمر يده على رأسي و يدعو لي فلما أن عبر أخبرت بأنه علي بن أبي طالب ع فهرولت حتى لحقته و صاحبته. و ذكر أنه كان معه في تكريت و موضع من العراق يقال له تل فلان بعد ذلك و كان بين يديه يخدمه إلى أن قبض ع فخدم أولاده. قال لي أحمد بن نوح رأيت جماعة من أهل البلد ذكروا ذلك عنه و قالوا إنا سمعنا آباءنا يخبرون عن أجدادنا بحال هذا الرجل و إنه على هذه الصفة و كان قد مضى فأقام بالأهواز ثم انتقل عنها لأذية الديلم له و هو مقيم بسهرورد. و حدثني أبو عبد الله الحسين بن محمد بن القمي رحمه الله أن جماعة كانوا حدثوه بأنهم رأوا هذا المعمر و شاهدوه و سمعوا ذلك عنه و حدثني بحديثه أيضا قوم من أهل سهرورد و وصفوا لي صفته و قالوا هو يعمل الزنانير. قال السيد المرتضى قدس الله روحه في كتاب الغرر و الدرر أحد المعمرين الحارث بن كعب بن عمرو بن وعلة بن خالد بن مالك بن أدد المذحجي و مذحج هي أم مالك بن أدد نسب ولده مالك إليها و إنما سميت مذحج لأنها ولدت على أكمة تسمى مذحجا و هي مدلة بنت ذي مهجشان قال أبو حاتم السجستاني جمع الحارث بن كعب بنيه لما حضرته الوفاة فقال يا بني قد أتت علي ستون و مائة سنة ما صافحت يميني يمين غادر و لا قنعت نفسي بخلة فاجر و لا صبوت بابنة عم و لا كنة و لا طرحت عندي مومسة قناعها و لا بحت لصديق بسر و إني لعلى دين شعيب   النبي ع و ما عليه أحد من العرب غيري و غير أسد بن خزيمة و تميم بن مر فاحفظوا وصيتي و موتوا على شريعتي إلهكم فاتقوه يكفكم المهم من أموركم و يصلح لكم أعمالكم و إياكم و معصيته لا يحل بكم الدمار و بوحش منكم الديار. يا بني كونوا جميعا و لا تتفرقوا فتكونوا شيعا و إن موتا في عز خير من حياة في ذل و عجز و كل ما هو كائن كائن و كل جميع إلى تباين الدهر ضربان فضرب رخاء و ضرب بلاء و اليوم يومان فيوم حبرة و يوم عبرة و الناس رجلان فرجل لك و رجل عليك تزوجوا الأكفاء و ليستعملن في طيبهن الماء و تجنبوا الحمقاء فإن ولدها إلى أفن ما يكون إلا أنه لا راحة لقاطع القرابة و إذا اختلف القوم أمكنوا عدوهم منهم و آفة العدد اختلاف الكلمة و التفضل بالحسنة يقي السيئة و المكافاة بالسيئة الدخول فيها و العمل السوء يزيل النعماء و قطيعة الرحم تورث الهم و انتهاك الحرمة يزيل النعمة و عقوق الوالدين يعقب النكد و يمحق العدد و يخرب البلد و النصيحة تجر الفضيحة و الحقد يمنع الرفد و لزوم الخطيئة يعقب البلية و سوء الرعة يقطع أسباب المنفعة و الضغائن تدعو إلى التباين ثم أنشأ يقول

أكلت شبابي فأفنيته و أنضيت بعد دهور دهوراثلاثة أهلين صاحبتهم فبادوا و أصبحت شيخا كبيراقليل الطعام عسير القيام قد ترك الدهر خطوي قصيراأبيت أراعي نجوم السماء أقلب أمري بطونا ظهورا.

 قوله و لا صبوت بابنة عم و لا كنة الصبوة رقة الحب و الكنة امرأة ابن الرجل و امرأة أخيه فأما المومسة فهي الفاجرة البغي أراد بقوله إنها لم تطرح عنده قناعها أي لم تبتذل عندي و تنبسط كما تفعل مع من يريد الفجور بها و قوله فيوم حبرة و يوم عبرة فالحبرة الفرح و السرور و العبرة تكون من ضد ذلك لأن العبرة لا تكون إلا من أمر محزن مولم فأما الأفن فهو الحمق يقال رجل أفين إذا كان أحمق و من أمثالهم وجدان الرقين يغطي على أفن الأفين أي وجدان المال يغطي   على حمق الأحمق و واحد الرقين رقة و هي الفضة. فأما قوله النصيحة تجر الفضيحة فيشبه أن يكون معناه أن النصيح إذا نصح من لا يقبل النصيحة و لا يصغي إلى موعظته فقد افتضح عنده لأنه أفضى إليه بسره و باح بمكنون صدره. فأما سوء الرعة فإنه يقال فلان حسن الرعة و التورع أي حسن الطريقة و من المعمرين المستوغر و هو عمرو بن ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر و إنما سمي المستوغر لبيت قاله و هو

ينش الماء في الربلات منها نشيش الرضف في اللبن الوغير.

 الربلات واحدتها ربلة و ربلة بفتح الباء و إسكانها هي كل لحمة غليظة هكذا ذكر ابن دريد و الرضف الحجارة المحماة و في الحديث كأنه على الرضف و اللبن الوغير لبن تلقى فيه حجارة محماة ثم يشرب أخذ من وغرة الظهيرة و هي أشد ما يكون من الحر و منه وغر صدر فلان يوغر وغرا إذا التهب من غضب أو حقد. و قال أصحاب الأنساب عاش المستوغر ثلاث مائة سنة و عشرين سنة و أدرك الإسلام أو كاد يدرك أوله و قال ابن سلام كان المستوغر قديما و بقي بقاء طويلا حتى قال

و لقد سئمت من الحياة و طولها و عمرت من عدد السنين مئينامائة أتت من بعدها مائتان لي و ازددت من عدد الشهور سنيناهل ما بقي إلا كما قد فاتنا يوم يكر و ليلة تحدونا.

 و هو القائل

إذا ما المرء صم فلم يكلم و أودى سمعه إلا نداياو لاعب بالعشي بني بنيه كفعل الهر يحترش العظايايلاعبهم و ودوا لو سقوه من الذيفان مترعة ملايا

   فلا ذاق النعيم و لا شرابا و لا يشفى من المرض الشفايا.

 أراد بقوله صم فلم يكلم أي لم يسمع ما يكلم به فاختصر و يجوز أن يريد أنه لم يكلم لليأس من استماعه فأعرض عن خطابه لذلك و قوله و أودى سمعه إلا ندايا إنما أراد أن سمعه هلك إلا أنه يسمع الصوت العالي الذي ينادي به و قوله

و لاعب بالعشي بني بنيه

 فإنه مبالغة في وصفه بالهرم و الخرف و إنه قد انتهى إلى ملاعبة الصبيان و أنسهم به و يشبه أن يكون خص العشي بذلك لأنه وقت رواح الصبيان إلى بيوتهم و استقرارهم فيها. و قوله يحترش العظايا أي يصيدها و الاحتراش أن يقصد الرجل إلى جحر الضب فيضربه بكفه ليحسبه الضب أفعى فيخرج إليه فيأخذه يقال حرشت الضب و احترشته و من أمثالهم هذا أجل من الحرش يضرب هذا لأمر يستعظم و يتكلم بذلك على لسان الضب. قال ابن دريد قال الضب لابنه اتق الحرش قال و ما الحرش قال إذا سمعت حركة بباب الجحر فلا تخرج فسمع يوما وقع المحفار فقال يا أبة أ هذا الحرش فقال هذا أجل من الحرش فجعل مثلا للرجل إذا سمع الشي‏ء الذي هو أشد مما كان يتوقعه. و الذيفان السم و العظايا جمع عظاية و هي دويبة معروفة و أحد المعمرين دويد بن زيد بن نهد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بضم اللام بن ألحاف بن قضاعة بن مالك بن مرة بن مالك بن حمير. قال أبو حاتم عاش دويد بن زيد أربعمائة سنة و ستا و خمسين سنة و قال ابن دريد لما حضرت دويد بن زيد الوفاة و كان من المعمرين قال و لا تعد العرب معمرا إلا من عاش مائة و عشرين سنة فصاعدا قال لبنيه أوصيكم بالناس شرا لا ترحموا لهم عبرة و لا تقيلوا لهم عثرة قصروا الأعنة و طولوا الأسنة و اطعنوا شزرا   و اضربوا هبرا و إذا أردتم المحاجزة فقبل المناجزة و المرء يعجز لا المحالة بالجد لا بالكد التجلد و لا التبلد المنية و لا الدنية و لا تأسوا على فائت و إن عز فقده و لا تحنوا إلى ظاعن و إن ألف قربه و لا تطمعوا فتطبعوا و لا تهنوا فتخرعوا و لا يكن لكم المثل السوء إن الموصين بنو سهوان إذا مت فارحبوا خط مضجعي و لا تضنوا علي برحب الأرض و ما ذاك بمؤد إلي روحا و لكن راحة نفس خامرها الإشفاق ثم مات. قال أبو بكر بن دريد و من حديث آخر أنه قال

اليوم يدنى لدويد بيته يا رب نهب صالح حويته‏و رب قرن بطل أرديته و رب غيل حسن لويته‏و معصم مخضب ثنيته لو كان للدهر بلى أبليته‏أو كان قرني واحدا كفيته.

 و من قوله أيضا

ألقى علي الدهر رجلا و يدا و الدهر ما أصلح يوما أفسدايفسد ما أصلحه اليوم غدا.

 قوله اطعنوا شزرا و اضربوا هبرا معنى الشزر أن يطعنه في إحدى ناحيتيه يقال فتل الحبل شزرا إذا فتله على الشمال و النظر الشزر نظر بمؤخر محجر العين و قال الأصمعي نظر إلي شزرا إذا نظر إليه من عن يمينه و شماله و طعنه طعنا شزرا كذلك و قوله هبرا قال ابن دريد يقال هبرت اللحم أهبره هبرا إذا قطعته قطعا كبارا و الاسم الهبرة و الهبرة و سيف هبار و هابر و اللحم هبير و مهبور و المحالة الحيلة و قوله بالجد لا بالكد أي يدرك الرجل حاجته و طلبته بالجد و هو الحط و البخت و منه رجل مجدود فإذا كسرت الجيم فهو الانكماش في الأمر و المبالغة فيه و قوله التجلد و لا التبلد أي تجلدوا و لا تتبلدوا و قوله فتطبعوا أي تدنسوا و الطبع الدنس يقال طبع السيف يطبع إذا ركبه الصداء قال ثابت قطنة العتكي   

لا خير في طمع يدني إلى طبع و غفة من قوام العيش تكفيني.

 قوله و لا تهنوا فتخرعوا فالوهن الضعف و الخرع و الخراعة اللين و منه سميت الشجرة الخروع للينها و قوله إن الموصين بنو سهوان فالموصين جمع موصي و بنو سهوان ضربه مثلا أي لا تكونوا ممن تقدم إليهم فسهوا و أعرضوا عن الوصية قال إنه يضرب هذا المثل للرجل الموثوق به و معناه إن الذين يحتاجون أن يوصوا بحوائج إخوانهم هم الذين يسهون عنها لقلة عنايتهم و أنت غير غافل و لا ساه عن حاجتي. و قوله فارحبوا أي وسعوا و الرحب السعة و الروح الراحة و قوله في الشعر و رب غيل فالغيل الساعد الممتلئ و المعصم موضع السوار من اليد. و من المعمرين زهير بن جناب بن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن ألحاف بن قضاعة بن ملك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير. قال أبو حاتم عاش زهير بن جناب مائتي سنة و عشرين سنة و واقع مائتي وقعة و كان سيدا مطاعا شريفا في قومه و يقال كانت فيه عشر خصال لم يجتمعن في غيره من أهل زمانه كان سيد قومه و شريفهم و خطيبهم و شاعرهم و وافدهم إلى الملوك و طبيبهم و الطب في ذلك الزمان شرف و حازي قومه و الحزاة الكهان و كان فارس قومه و له البيت فيهم و العدد منهم فأوصى بنيه فقال. يا بني إني قد كبرت سني و بلغت حرسا من دهري فأحكمتني التجارب و الأمور تجربة و اختبار فاحفظوا عني ما أقول و عوا إياكم و الخور عند المصائب و التواكل عند النوائب فإن ذلك داعية للغم و شماتة للعدو و سوء ظن بالرب و إياكم أن تكونوا بالأحداث مغترين و لها آمنين و منها ساخرين فإنه ما سخر قوم قط إلا ابتلوا و لكن توقعوها فإنما الإنسان في الدنيا غرض تعاوره الرماة فمقصر دونه و مجاوز موضعه و واقع عن يمينه و شماله و لا بد أنه يصيبه.   قوله حرسا من دهري يريد دهرا و الحرس الدهر قال الراجز في سنبة عشنا بذاك حرسا فالسنبة المدة من الدهر و التواكل أن يكل القوم أمرهم إلى غيرهم من قولهم رجل وكل إذا كان لا يكفي نفسه و يكل أمره إلى غيره و يقال رجل وكله تكله و الغرض كلما نصبته للرمي و تعاوره أي تداوله. قال المرتضى ره و قد أتى لابن الرومي معنى قول زهير بن جناب الإنسان في الدنيا غرض تعاوره الرماة فمقصر دونه و مجاوز له و واقع عن يمينه و شماله ثم لا بد أن يصيبه في أبيات له فأحسن فيها كل الإحسان و الأبيات لابن الرومي

كفى بسراج الشيب في الرأس هاديا لمن قد أضلته المنايا ليالياأ من بعد إبداء المشيب مقاتلي لرامي المنايا تحسبيني راجياغدا الدهر يرميني فتدنو سهامه لشخصي أخلق أن يصبن سوادياو كان كرامي الليل يرمي و لا يرى فلما أضاء الشيب شخصي رمانيا.

 أما البيت الأخير فإنه أبدع فيه و غرب و ما علمت أنه سبق إلى معناه لأنه جعل الشباب كالليل الساتر على الإنسان الحاجز بينه و بين من أراد رميه لظلمته و الشيب مبديا لمقاتله هاديا إلى إصابته لضوئه و بياضه و هذا في نهاية حسن المعنى و أراد بقوله رماني أصابني و مثله قول الشاعر

فلما رمى شخصي رميت سواده و لا بد أن يرمى سواد الذي يرمي.

 و كان زهير بن جناب على عهد كليب وائل و لم يك في العرب أنطق من زهير و لا أوجه عند الملوك و كان لسداد رأيه يسمى كاهنا و لم تجتمع قضاعة إلا عليه و على رزاح بن ربيعة و سمع زهير بعض نسائه تتكلم بما لا ينبغي لامرأة أن تتكلم به عند زوجها فنهاها فقالت له اسكت عني و إلا ضربتك بهذا العمود فو الله ما كنت أراك تسمع شيئا و لا تعقله فقال عند ذلك

ألا يا لقوم لا أرى النجم طالعا و لا الشمس إلا حاجبي بيميني‏معزبتي عند القفا بعمودها يكون نكيري أن أقول ذريني

   أمينا على سر النساء و ربما أكون على الأسرار غير أمين‏فللموت خير من حداج موطأ مع الظعن لا يأتي المحل لحيني.

 و هو القائل

أ بني إن أهلك فقد أورثتكم مجدا بنيه‏و تركتكم أبناء سادات زنادكم وريه‏من كل ما نال الفتى قد نلته إلا التحيه‏و لقد رحلت البازل الكوماء ليس لها وليه‏و خطبت خطبة حازم غير الضعيف و لا العييه‏و الموت خير للفتى فليهلكن و به بقيةمن أن يرى الشيخ البجال و قد يهادي بالعشيه.

 و هو القائل

ليت شعري و الدهر ذو حدثان أي حين منيتي تلقاني‏أ سبات على الفراش خفات أم بكفي مفجع حران.

 و قال حين مضت له مائتا سنة من عمره

لقد عمرت حتى ما أبالي أ حتفي في صباحي أو مسائي‏و حق لمن أتت مائتان عاما عليه أن يمل من الثواء.

 قوله معزبتي يعني امرأته يقال معزبة الرجل و طلته و حنته كل ذلك امرأته و قوله أمينا على سر النساء فالسر خلاف العلانية و السر أيضا النكاح قال الحطيئة

و يحرم سر جارهم عليهم و يأخذ جارهم أنف القصاع.

 و قال إمرؤ القيس

أ لا زعمت بسباسة اليوم أنني كبرت و أن لا يحسن السر أمثالي.

 و كلام زهير يحتمل الوجهين جميعا لأنه إذا كبر و هرم لم تتهيبه النساء أن يتحدثن بحضرته بأسرارهن تهاونا و تعويلا على ثقل سمعه و كذلك هرمه و كبره يوجبان كونه أمينا على نكاح النساء لعجزه عنه و قوله حداج موطأ الحداج مركب من مراكب النساء و الجمع أحداج و حدوج و الظعن و الأظعان   الهوادج و الظعينة المرأة في الهودج و لا تسمى ظعينة حتى تكون في هودج و الجمع ظعائن و إنما أخبر عن هرمه و أن موته خير من كونه مع الظعن في جملة النساء و قوله زنادكم وريه الزناد جمع زند و زندة و هما عودان يتقدح بهما النار و في أحدهما فروض و هي ثقب فالتي فيها الفروض هي الأنثى و الذي يقدح بطرفه هو الذكر و يسمى الزند الأب و الزندة الأم و كنى بزنادكم ورية عن بلوغهم مآربهم تقول العرب وريت بك زنادي أي نلت بك ما أحب من النجح و النجاة و يقال للرجل الكريم واري الزناد. فأما التحية فهي الملك فكأنه قال من كل ما نال الفتى قد نلته إلا الملك و قيل التحية هاهنا الخلود و البقاء و البازل الناقة التي قد بلغت تسع سنين و هي أشد ما تكون و لفظ البازل في الناقة و الجمل سواء و الكوماء العظيمة السنام و الولية برذعة تطرح على ظهر البعير تلي جلده و البجال الذي يبجله قومه و يعظمونه و معنى يهادي بالعشية أي تماشيه الرجال فيسندونه لضعفه و التهادي المشي الضعيف و قوله أ سبات فالسبات سكون الحركة و رجل مسبوت و الخفات الضعف يقال خفت الرجل إذا أصابه ضعف من مرض أو جوع و المفجع الذي قد فجع بولد له أو قرابة و الحران العطشان الملتهب و هو هاهنا المحترق على قتلاه. و مما يروى لزهير بن جناب

إذا ما شئت أن تسلي خليلا فأكثر دونه عدد الليالي‏فما سلى حبيبك مثل نأي و لا بلى جديدك كابتذال.

 و من المعمرين ذو الإصبع العدواني و اسمه حرثان بن محرث بن الحارث بن ربيعة بن وهب بن ثعلبة بن ظرب بن عمرو بن عتاب بن يشكر بن عدوان و هو الحارث بن عمير بن قيس بن عيلان بن مضر و إنما سمي الحارث عدوان لأنه عدا على أخيه فهم فقتله و قيل بل فقأ عينيه و قيل إن اسم ذي الإصبع محرث بن حرثان و قيل حرثان بن حويرث و قيل حرثان بن حارثة و يكنى أبا عدوان   و سبب لقبه بذي الإصبع أن حية نهشته على إصبعه فشلت فسمي بذلك و يقال إنه عاش مائة و سبعين سنة و قال أبو حاتم عاش ثلاثمائة سنة و هو أحد حكام العرب في الجاهلية و ذكر الجاحظ أنه كان أثرم و روى عنه

لا يبعدن عهد الشباب و لا لذاته و نباته النضرلو لا أولئك ما حفلت متى عوليت في حرجي إلى قبري‏هزئت أثيلة إن رأت هرمي و أن انحنى لتقادم ظهري.

 و كان لذي الإصبع بنات أربع فعرض عليهن التزويج فأبين و قلن خدمتك و قربك أحب إلينا فأشرف عليهن يوما من حيث لا يرينه فقلن لتقل كل واحدة منا ما في نفسها فقالت الكبرى

ألا هل أراها ليلة و ضجيعها أشم كنصل السيف غير مهندعليم بأدواء النساء و أصله إذا ما انتمى من سر أهلي و محتدي.

 و يروى عين مهند و يروى من سر أصلي و محتدي فقلن لها أنت تريدين ذا قرابة قد عرفته و قالت الثانية

ألا ليت زوجي من أناس أولي عدى حديث الشباب طيب الثوب و العطرلصوق بأكباد النساء كأنه خليفة جان لا ينام على وتر.

 و يروى أولي غنى و يروى لا ينام على هجري فقلن لها أنت تريدين فتى ليس من أهلك ثم قالت الثالثة

ألا ليته يكسى الجمال نديه له جفنة تشقى بها المعز و الجزرله حكمات الدهر من غير كبرة تشين فلا فان و لا ضرع غمر.

 فقلن لها أنت تريدين سيدا شريفا و قلن للرابعة قولي فقالت لا أقول شيئا فقلن لها يا عدوة الله علمت ما في أنفسنا و لا تعلميننا ما في نفسك فقالت زوج من عود خير من قعود فمضت مثلا فزوجهن أربعهن و تركهن حولا. ثم أتى الكبرى فقال يا بنية كيف ترين زوجك فقالت خير زوج يكرم الحليلة و يعطي الوسيلة قال فما مالكم قالت خير مال الإبل نشرب ألبانها   جرعا و يروى جزعا بالزاي معجمة و نأكل لحمانها مزعا و تحملنا و ضعفتنا معا فقال يا بنية زوج كريم و مال عميم. ثم أتى الثانية فقال يا بنية كيف زوجك فقال خير زوج يكرم أهله و ينسى فضله قال و ما مالكم قالت البقر تألف الفناء و تملأ الإناء و تودك السقاء و نساء مع النساء فقال لها خظيت و بظيت. ثم أتى الثالثة فقال يا بنية كيف زوجك فقالت لا سمح بذر و لا بخيل حكر قال فما مالكم قالت المعزى قال و ما هي قالت لو كنا نولدها فطما و نسلخها أدما و يروى أدما بالفتح لم نبغ بها نعما فقال لها حذوة مغنية و يروى حذوى مغنية. ثم أتى الصغرى فقال يا بنية كيف زوجك قالت شر زوج يكرم نفسه و يهين عرسه قال فما مالكم قالت شر مال قال و ما هو قالت الضأن جوف لا يشبعن و هيم لا ينقعن و صم لا يسمعن و أمر مغويتهن يتبعن فقال أبوها أشبه امرئ بعض بزه فمضت مثلا. أما قول إحدى بناته في الشعر أشم فالشمم هو ارتفاع أرنبة الأنف و ورودها يقال رجل أشم و امرأة شماء و قوم شم قال حسان

بيض الوجوه كريمة أنسابهم شم الأنوف من الطراز الأول.

 فالشمم الارتفاع في كل شي‏ء فيحتمل أن يكون أراد حسان بشم الأنوف ما ذكرناه من ورود الأرنبة لأن ذلك عندهم دليل العتق و النجابة و يجوز أن يكون أراد بذلك الكناية عن نزاهتهم و تباعدهم عن دنايا الأمور و رذائلها و خص الأنوف بذلك لأن الحمية و الغضب و الأنفة فيها و لم يرد طول أنفهم و هذا أشبه أن يكون مراده لأنه قال في أول البيت بيض الوجوه و لم يرد بياض اللون في الحقيقة و إنما كنى بذلك عن نقاء أعراضهم و جميل أخلاقهم و أفعالهم كما يقال جاءني فلان بوجه أبيض و قد بيض فلان وجهه بكذا و كذا و إنما يعني ما ذكرناه.   و قول المرأة أشم كنصل السيف يحتمل الوجهين أيضا و معنى قول حسان من الطراز الأول أي أن أفعالهم أفعال آبائهم و سلفهم فإنهم لم يحدثوا أخلاقا مذمومة لا تشبه نجارهم و أصولهم. و قولها عين مهند أي هو المهند بعينه كما يقال هو هذا بعينه و عين الشي‏ء نفسه و على الرواية الأخرى غير مهند أي ليس هو السيف المنسوب إلى الهند في الحقيقة و إنما هو مشبه به في مضائه. و قولها من سر أهلي أي من أكرمهم و أخلصهم يقال فلان في سر قومه أي في صميمهم و شرفهم و سر الوادي أطيبه ترابا و المحتد الأصل. و قول الثانية أولي عدى فإنما معناه أن يكون لهم أعداء لأن من لا عدو له هو الفسل الرذل الذي لا خير عنده و الكريم الفاضل من الناس هو المحسد المعادى. و قولها لصوق بأكباد النساء تعني في المضاجعة و يحتمل أن تكون أرادت في المحبة و المودة و كنت بذلك عن شدة محبتهن له و ميلهن إليه و هو أشبه. و قولها كأنه خليفة جان أي كأنه حية للصوقه و الجان جنس من الحيات فخففت لضرورة الشعر. و قول الثالثة يكسى الجمال نديه فالندي هو المجلس. و قولها له حكمات الدهر تقول قد أحكمته التجارب و جعلته حكيما فأما الضرع فهو الضعيف و الغمر الذي لم يجرب الأمور. و قول الكبرى يكرم الحليلة و يعطي الوسيلة فالحليلة هي امرأة الرجل و الوسيلة الحاجة. و قولها نشرب ألبانها جزعا فالجزع جمع جزعة و هي القليل من الماء يبقى في الإناء. و قوله مزعا فالمزعة البقية من دسم و يقال ما له جزعة و لا مزعة كذا ذكر ابن دريد بالضم في جزعة و وجدت غيره يكسرها و يقول جزعة و إذا كسرت فينبغي أن يكون نشرب ألبانها جزعا و تكسر المزعة أيضا ليزدوج الكلام فيقول.

    و نأكل لحمانها مزعا فإن المزعة بالكسر هي القطعة من الشحم و المزعة بالكسر أيضا من الريش و القطن و غير ذلك كالمزقة من الخرق. و التمزيع التقطيع و التشقيق يقال إنه يكاد يتمزع من الغيظ و مزع الظبي في عدوه يمزع مزعا إذا أسرع و قوله مال عميم أي كثير. و قول الثانية تودك السقاء من الودك الذي هو الدسم. و قول الثالثة نولدها فطما فالفطم جمع فطيم و هو المفطوم من الرضاع. و قولها نسلخها أدما فالأدم جمع إدام و هو الذي يؤكل تقول لو أنا فطمناها عند الولادة و سلخناها للأدم من الحاجة لم نبغ بها نعما و على الرواية الأخرى أدما من الأديم و قوله حذوة مغنية فالحذوة القطعة. و قول الصغرى جوف لا يشبعن فالجوف جمع جوفاء و هي العظيمة الجوف و الهيم العطاش و لا ينقعن أي لا يروين و معنى قولها و أمر مغويتهن يتبعن أي القطيع من الضأن يمر على قنطرة فتزل واحدة فتقع في الماء فيقعن كلهن اتباعا لها و الضأن يوصف بالبلادة أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد الكاتب قال حدثنا ابن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة عن يونس قال ابن دريد و أخبرنا به العكلي عن ابن أبي خالد عن الهيثم بن عدي عن مسعر بن كدام قال حدثنا سعيد بن خالد الجدلي قال لما قدم عبد الملك بن مروان الكوفة بعد قتل مصعب دعا الناس على فرائضهم فأتيناه فقال من القوم قلنا جديلة قال جديلة عدوان قلنا نعم فتمثل عبد الملك

عذير الحي من عدوان كانوا حية الأرض‏بغى بعضهم بعضا فلم يرعوا على بعض‏و منهم كانت السادات و الموفون بالفرض‏و منهم حكم يقضي فلا ينقض ما يقضي

   و منهم من يحيل الناس بالسنة و الفرض.

 ثم أقبل على رجل كنا قدمناه أمامنا جسيم وسيم فقال أيكم يقول هذا الشعر فقال لا أدري فقلت أنا من خلفه يقوله ذو الإصبع فتركني و أقبل على ذلك الجسيم و قال ما كان اسم ذي الإصبع فقال لا أدري فقلت أنا من خلفه حرثان فأقبل عليه و تركني فقال لم سمي ذا الإصبع فقال لا أدري فقلت أنا من خلفه نهشته حية على إصبعه فأقبل عليه و تركني فقال من أيكم كان قال لا أدري فقلت أنا من خلفه من بني ناج فأقبل على الجسيم فقال كم عطاؤك قال سبعمائة درهم ثم أقبل علي فقال كم عطاؤك فقلت أربعمائة فقال يا ابن الزعيزعة حط من عطاء هذا ثلاث مائة و زدها في عطاء هذا فرحت و عطائي سبعمائة و عطاؤه أربعمائة. و في رواية أخرى أنه لما قال له من أيكم كان قال لا أدري فقلت أنا من خلفه من بني ناج الذين يقول فيهم الشاعر

و أما بنو ناج فلا تذكرنهم و لا تتبعن عينيك من كان هالكاإذا قلت معروفا لتصلح بينهم يقول وهيب لا أسالم ذلكا.

 و يروى لا أحاول ذلكا

فأضحى كظهر العود جب سنامه يدب إلى الأعداء أحدب باركا.

 و يروى

فأضحى كظهر العود جب سنامه تحوم عليه الطير أحدب باركا.

 و قد رويت هذه الأبيات لذي الإصبع أيضا و من أبيات ذي الإصبع السائرة قوله

أكاشر ذا الضغن المبين عنهم و أضحك حتى يبدو الناب أجمع

   و أهدنه بالقول هدنا و لو يرى سريرة ما أخفي لبات يفزع.

 و معنى أهدنه أسكنه و من قوله أيضا

إذا ما الدهر جر على أناس شراشره أناخ بآخرينافقل للشامتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا.

 و معنى الشراشر هاهنا الثقل يقال ألقى علي شراشره و جراميزه أي ثقله و من قوله أيضا

ذهب الذين إذا رأوني مقبلا هشوا إلي و رحبوا بالمقبل‏و هم الذين إذا حملت حمالة و لقيتهم فكأنني لم أحمل.

 و من قوله و هي مشهورة

لي ابن عم على ما كان من خلق مختلفان فأقليه و يقليني‏أزرى بنا أننا شالت نعامتنا فخالني دونه و خلته دوني‏لاه ابن عمك لا أفضلت في نسب عني و لا أنت دياني فتخزوني‏إني لعمرك ما بابي بذي غلق عن الصديق و لا خيري بممنون‏و لا لساني على الأدنى بمنطلق بالفاحشات و لا أغضي على الهون‏ما ذا علي و إن كنتم ذوي رحمي ألا أحبكم إن لم تحبوني‏يا عمرو إلا تدع شتمي و منقصتي أضربك حيث تقول الهامة اسقوني‏و أنتم معشر زيد على مائة فأجمعوا أمركم طرا فكيدوني‏لا يخرج القسر مني غير مأبية و لا ألين لمن لا يبتغي ليني.

 قوله شالت نعامتنا معناه تنافرنا فضرب النعام مثلا أي لا أطمئن إليه و لا يطمئن إلي يقال شالت نعامة القوم إذا أجلوا عن الموضع و قوله لاه ابن عمك قال قوم أراد لله ابن عمك و قال ابن دريد أقسم و أراد الله ابن عمك و قوله عني أي علي و الديان الذي يلي أمره و معنى فتخزوني أي تسوسني و الهون الهوان. و قوله أضربك حيث تقول الهامة اسقوني قال الأصمعي العطش في الهامة فأراد أضربك في ذلك الموضع أي على الهامة بحيث تعطش و قال آخرون العرب   تقول إن الرجل إذا قتل خرجت من رأسه هامة تدور حول قبره و تقول اسقوني اسقوني فلا تزال كذلك حتى يؤخذ بثأره و هذا باطل و يجوز أن يعنيه ذو الإصبع على مذاهب العرب. و قوله لا يخرج القسر مني غير مأبية فالقسر القهر أي إن أخذت قسرا لم أزدد إلا إباء. و من المعمرين معديكرب الحميري من آل ذي رعين قال ابن سلام و قال معديكرب الحميري و قد طال عمره

أراني كلما أفنيت يوما أتاني بعده يوم جديديعود ضياؤه في كل فجر و يأبى لي شبابي لا يعود.

 و من المعمرين الربيع بن ضبع الفزاري يقال إنه بقي إلى أيام بني أمية و يروى أنه دخل على عبد الملك بن مروان فقال له يا ربيع أخبرني عما أدركت من العمر و المدى و رأيت من الخطوب الماضية و ساق الحديث إلى آخر ما مر في رواية الصدوق رحمه الله و فيه لقد طاربك جد غير عاثر و عطاء جذم و مقري ضخم ثم قال رضي الله عنه إن كان هذا الخبر صحيحا فيشبه أن يكون سؤال عبد الملك له إنما كان في أيام معاوية لا في ولايته لأن الربيع يقول في الخبر عشت في الإسلام ستين سنة و عبد الملك ولي في سنة خمس و ستين من الهجرة فإن كان صحيحا فلا بد مما ذكرناه. و قد روي أن الربيع أدرك أيام معاوية و يقال إن الربيع لما بلغ مائتي سنة قال

ألا بلغ بني بني ربيع فأشرار البنين لكم فداءبأني قد كبرت و دق عظمي فلا تشغلكم عني النساءو إن كنائني لنساء صدق و ما آلى بني و لا أساءواإذا كان الشتاء فأدفئوني فإن الشيخ يهدمه الشتاء

   و أما حين يذهب كل قر فسربال خفيف أو رداءإذا عاش الفتى مائتين عاما فقد ذهب اللذاذة و الفتاء.

 و قال حين بلغ مائتين و أربعين سنة

أصبح عني الشباب قد حسرا إن بان عني فقد ثوى عصراودعنا قبل أن نودعه لما قضى من جماعنا وطراها أنا ذا آمل الخلود و قد أدرك سني و مولدي حجراأنا إمرؤ القيس هل سمعت به هيهات هيهات طال ذا عمراأصبحت لا أحمل السلاح و لا أملك رأس البعير إن نفراو الذئب أخشاه إن مررت به وحدي و أخشى الرياح و المطرامن بعد ما قوة أنوء بها أصبحت شيخا أعالج الكبرا.

 قوله عطاء جذم أي سريع و كل شي‏ء أسرعت فيه فقد جذمته و في الحديث إذا أذنت فرتل و إذا أقمت فأجذم أي أسرع و المقري الإناء الذي يقرى فيه و قوله ما آلى بني و لا أساءوا أي لم يقصروا و الآلي المقصر. و من المعمرين أبو الطمحان القيني و اسمه حنظلة بن الشرقي من بني كنانة بن القين قال أبو حاتم عاش أبو الطمحان القيني مائتي سنة و قال في ذلك

حنتني حانيات الدهر حتى كأني خاتل يدنو لصيدقصير الخطب يحسب من رآني و لست مقيدا أني بقيد.

 و يروى قريب الخطو قال أبو حاتم السجستاني حدثني عدة من أصحابنا أنهم سمعوا يونس بن حبيب ينشد هذين البيتين و ينشد أيضا

تقارب خطو رجلك يا دويد و قيدك الزمان بشر قيد.

 و هو القائل

و إني من القوم الذين هم هم إذا مات منهم سيد قام صاحبه‏نجوم سماء كلما غاب كوكب بدا كوكب تأوي إليه كواكبه‏أضاءت لهم أحسابهم و وجوههم دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه

   و ما زال منهم حيث كان مسود تسير المنايا حيث سارت كتائبه.

 و معنى البيتين الأولين يشبه قول أوس بن حجر

إذا مقرم منا ذرا حد نابه تخمط فينا ناب آخر مقرم.

 و لطفيل الغنوي مثل هذا المعنى و هو قوله

كواكب دجن كلما انقض كوكب بدا و انجلت عنه الدجنة كوكب.

 و قد أخذ الخزيمي هذا المعنى فقال

إذا قمر منا تغور أو خبا بدا قمر في جانب الأفق يلمع.

 و مثل ذلك

خلافة أهل الأرض فينا وراثة إذا مات منا سيد قام صاحبه.

 و مثله

إذا سيد منا مضى لسبيله أقام عمود الملك آخر سيد.

 و كان مزاحما العقيلي نظر إلى قول أبي الطمحان أضاءت لهم أحسابهم و وجوههم في قوله و قد أحسن

وجوه لو أن المدلجين اعتشوا بها صد عن الدجى حتى ترى الليل ينجلي.

 و يقارب ذلك قول حجية بن المضرب السعيدي

أضاءت لهم أحسابهم فتضاءلت لنورهم الشمس المضيئة و البدر.

 و أنشد محمد بن يحيى الصولي في معنى بيتي أبي الطمحان

من البيض الوجوه بني سنان لو أنك تستضي‏ء بهم أضاءواهم حلوا من الشرف المعلى و من كرم العشيرة حيث شاءوافلو أن السماء دنت لمجد و مكرمة دنت لهم السماء.

 و أبو الطمحان القائل   

إذا كان في صدر ابن عمك إحنةفلا تستثرها سوف يبدو دفينهاو هو القائل إذا شاء ماعيها استقى من وقيعةكعين العذاب صفوها لم يكدر.

 و الوقيعة المستنقع في الصخرة للماء و يقال للماء إذ أزل عن صخرة فوقع في بطن أخرى فهو ماء الوقائع و أنشدوا لذي الرمة

و نلنا سقاطا من حديث كأنه جنى النحل ممزوجا بماء الوقائع.

 و يقال للماء الذي يجري على الصخرة ماء الحشرج و للماء الذي يجري بين الحصا و الرمل ماء المفاصل و أنشدوا لأبي ذؤيب

مطافيل أبكار حديث نتاجها تشاب بماء مثل ماء المفاصل.

 و أنشد أبو محلم السعدي لأبي الطمحان

بني إذا ما سامك الذل قاهر عزيز فبعض الذل أتقى و أحرزو لا تحرمن بعض الأمور تعززا فقد يورث الذل الطويل التعزز.

 و هذان البيتان يرويان لعبد الله بن معاوية الجعفري و روي لأبي الطمحان أيضا في هذا المعنى

يا رب مظلمة يوما لطئت لها تمضي علي إذا ما غاب أنصاري‏حتى إذا ما انجلت عني غيابتها وثبت فيها وثوب المخدر الضاري.

 و من المعمرين عبد المسيح بن بقيلة الغساني و هو عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حيان بن بقيلة و بقيلة اسمه ثعلبة و قيل الحارث و إنما سمي بقيلة لأنه خرج على قومه في بردين أخضرين فقالوا له ما أنت إلا بقيلة فسمي بذلك. و ذكر الكلبي و أبو مخنف و غيرهما أنه عاش ثلاث مائة و خمسين سنة و أدرك الإسلام فلم يسلم و كان نصرانيا   و روي أن خالد بن الوليد لما نزل على الحيرة و تحصن منه أهلها أرسل إليهم ابعثوا إلي رجلا من عقلائكم و ذوي أنسابكم فبعثوا إليه عبد المسيح بن بقيلة فأقبل يمشي حتى دنا من خالد فقال له أنعم صباحا أيها الملك قال قد أغنانا الله عن تحيتك هذه فمن أين أقصى أثرك أيها الشيخ قال من ظهر أبي قال فمن أين خرجت قال من بطن أمي قال فعلى م أنت قال على الأرض قال ففيم أنت قال في ثيابي قال أ تعقل لا عقلت قال إي و الله و أقيد قال ابن كم أنت قال ابن رجل واحد. قال خالد ما رأيت كاليوم قط إني أسأله عن الشي‏ء و ينحو في غيره قال ما أجبتك إلا عما سألت فسل عما بدا لك قال أ عرب أنتم أم نبيط قال عرب استنبطنا و نبيط استعربنا قال أ فحرب أنتم أم سلم قال بل سلم قال فما هذه الحصون قال بنيناها لسفيه نحذر منه حتى يجي‏ء الحليم ينهاه قال كم أتى لك قال خمسون و ثلاث مائة سنة قال فما أدركت قال أدركت سفن البحر ترفأ إلينا في هذا الجرف و رأيت المرأة من أهل الحيرة تخرج و تضع مكتلها على رأسها لا تزود إلا رغيفا واحدا حتى تأتي الشام ثم قد أصبحت اليوم خرابا يبابا و ذلك دأب الله في العباد و البلاد. قال و معه سم ساعة يقلبه في كفه فقال له خالد ما هذا في كفك قال هذا السم قال و ما تصنع به قال إن كان عندك ما يوافق قومي و أهل بلدي حمدت الله تعالى و قبلته و إن كانت الأخرى لم أكن أول من ساق إليهم ذلا و بلاء أشربه و أستريح من الحياة فإنما بقي من عمري اليسير قال خالد هاته فأخذه ثم قال بسم الله و بالله رب الأرض و السماء الذي لا يضر مع اسمه شي‏ء ثم أكله فتجللته غشية ثم ضرب بذقنه في صدره طويلا ثم عرق و أفاق كأنما نشط من عقال. فرجع ابن بقيلة إلى قومه فقال قد جئتكم من عند شيطان أكل سم ساعة فلم يضره صانعوا القوم و أخرجوهم عنكم فإن هذا أمر مصنوع لهم فصالحوهم على مائة ألف درهم و أنشأ ابن بقيلة يقول   

أبعد المنذرين أرى سواما تروح بالخورنق و السديرتحاماه فوارس كل قوم مخافة ضيغم عالي الزئيرو صرنا بعد هلك أبي قبيس كمثل الشاء في اليوم المطير.

 يريد أبا قابوس فصغره و يروى كمثل المعز

تقسمنا القبائل من معد علانية كأيسار الجزورنؤدي الخرج بعد خراج كسرى و خرج من قريظة و النضيركذاك الدهر دولته سجال فيوم من مساة أو سرور.

 و يقال إن عبد المسيح لما بنى بالحيرة قصره المعروف بقصر بني بقيلة قال

لقد بنيت للحدثان حصنا لو أن المرء تنفعه الحصون‏طويل الرأس أقعس مشمخرا لأنواع الرياح به حنين.

 و مما يروى لعبد المسيح بن بقيلة

و الناس أبناء علات فمن علموا أن قد أقل فمجفو و محقورو هم بنون لأم إن رأوا نشبا فذاك بالغيب محفوظ و مخفور.

 و هذا يشبه قول أوس بن حجر

بني أم ذي المال الكثير يرونه و إن كان عبدا سيد الأمر جحفلاو هم لقليل المال أولاد علة و إن كان محضا في العمومة مخولا.

 و ذكر أن بعض مشايخ أهل الحيرة خرج إلى ظهرها يختط ديرا فلما حفر موضع الأساس و أمعن في الاحتفار أصاب كهيئة البيت فدخله فإذا رجل على سرير من زجاج و عند رأسه كتابة أنا عبد المسيح بن بقيلة

حلبت الدهر أشطره حياتي و نلت من المنى بلغ المزيدو كافحت الأمور و كافحتني و لم أحفل بمعضلة كئودو كدت أنال في الشرف الثريا و لكن لا سبيل إلى الخلود.

 و من المعمرين النابغة الجعدي و اسمه قيس بن كعب بن عبد الله بن عامر   بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة و يكنى أبا ليلى. و روى أبو حاتم السجستاني قال كان النابغة الجعدي أسن من النابغة الذبياني و الدليل على ذلك قوله

تذكرت و الذكرى تهيج على الهوى و من حاجة المحزون أن يتذكرانداماي عند المنذر بن محرق أرى اليوم منهم ظاهر الأرض مقفراكهول و شبان كان وجوههم دنانير مما شيف في أرض قيصرا.

 فهذا يدل على أنه كان مع المنذر بن محرق و النابغة الذبياني كان مع النعمان بن المنذر بن محرق. و قوله شيف يعني جلي و المشوف المجلو و يقال إن النابغة غبر ثلاثين سنة لا يتكلم ثم تكلم بالشعر و مات و هو ابن عشرين و مائة سنة بأصبهان و كان ديوانه بها و هو الذي يقول

فمن يك سائلا عني فإني من الفتيان أيام الخنان.

 و أيام الخنان أيام كانت للعرب قديمة هاج بها فيهم مرض في أنوفهم و حلوقهم

مضت مائة لعام ولدت فيه و عشر بعد ذاك و حجتان‏فأبقى الدهر و الأيام مني كما أبقى من السيف اليماني‏تفلل و هو مأثور جراز إذا جمعت بقائمة اليدان.

 و قال أيضا في طول عمره

لبست أناسا فأفنيتهم و أفنيت بعد أناس أناساثلاثة أهلين أفنيتهم و كان الإله هو المستاسا.

 معنى المستاس المستعاض و روي عن هشام بن محمد الكلبي أنه عاش مائة و ثمانين سنة و روى ابن دريد عن أبي حاتم في موضع آخر أن النابغة الجعدي عاش مائتي سنة و أدرك الإسلام و روى له

قالت أمامة كم عمرت زمانة و ذبحت من عتر على الأوثان.

 العتيرة شاة تذبح لأصنامهم في رجب في الجاهلية.   

و لقد شهدت عكاظ قبل محلها فيها و كنت أعد مل فتيان‏و المنذر بن محرق في ملكه و شهدت يوم هجائن النعمان‏و عمرت حتى جاء أحمد بالهدى و قوارع تتلى من القرآن‏و لبست مل إسلام ثوبا واسعا من سيب لا حرم و لا منان.

 و له أيضا في طول عمره

المرء يهوي أن يعيش و طول عيش ما يضره‏تفنى بشاشته و يبقى بعد حلو العيش مرةو تتابع الأيام حتى لا يرى شيئا يسره‏كم شامت بي إن هلكت و قائل لله دره.

 و روي أن النابغة الجعدي كان يفتخر و يقول أتيت النبي ص و أنشدته

بلغنا السماء مجدنا و جدودنا و إنا لنرجو فوق ذلك مظهرا

فقال ص أين المظهر يا أبا ليلى فقلت الجنة يا رسول الله قال ص أجل إن شاء الله و أنشدته

فلا خير في حلم إذا لم تكن له بوادر تحمي صفوه أن يكدراو لا خير في جهل إذا لم يكن له حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا

فقال ص لا يفضض الله فاك و في رواية أخرى لا يفضض فوك

فيقال إن النابغة عاش عشرين و مائة سنة لم تسقط له سن و لا ضرس و في رواية أخرى عن بعضهم قال رأيته و قد بلغ الثمانين ترف غروبه و كانت كلما سقطت له ثنية نبتت له أخرى مكانها و هو من أحسن الناس ثغرا. معنى ترف أي تبرق و كان الماء يقطر منها. قال المرتضى رحمه الله و مما يشاكل قوله إلى الجنة في جواب قول النبي ص أين المظهر يا أبا ليلى و إن كان يتضمن العكس من معناه ما روي من دخول الأخطل على عبد الملك مستغيثا من فعل الجحاف السلمي و أنه أنشده

لقد أوقع الجحاف بالبشر وقعة إلى الله منها المشتكى و المعول

   فإن لم تغيرها قريش بحلمها يكن من قريش مستماز و مزحل.

 فقال عبد الملك له إلى أين يا ابن اللخناء قال إلى النار قال لو قلت غيرها قطعت لسانك. فقوله إلى النار تخلص مليح على البديهة كما تخلص الجعدي بقوله إلى الجنة و أول قصيدة الجعدي التي ذكرنا منها الأبيات

خليلي غضا ساعة و تهجرا و لوما على ما أحدث الدهر أو ذراو لا تسألا إن الحياة قصيرة فطيرا لروعات الحوادث أوقراو إن كان أمر لا تطيقان دفعه فلا تجزعا مما قضى الله و اصبراأ لم تعلما أن الملامة نفعها قليل إذا ما الشي‏ء ولى فأدبرايهيج اللحاء في الملامة ثم ما يقرب منا غير ما كان قدرا.

 و فيها يقول

لوى الله علم الغيب عمن سواءه و يعلم منه ما مضى و تأخراو جاهدت حتى ما أحس و من معي سهيلا إذا ما لاح ثم تغورا.

 يريد أني كنت بالشام و سهيل لا يكاد يرى هناك و هذا بيت معنى و فيها يقول

و نحن أناس لا نعود خيلنا إذا ما التقينا أن تحيد و تنفراو ننكر يوم الروع ألوان خيلنا من الطعن حتى تحسب الجون أشقراو ليس بمعروف لنا أن نردها صحاحا و لا مستنكرا أن تعقرا.

 و أخبرنا المرزباني قال أنشدنا علي بن سليمان الأخفش قال أنشدنا أحمد بن يحيى قال أنشدني محمد بن سلام و غيره للنابغة الجعدي

تلوم على هلك البعير ظعينتي و كنت على لوم العواذل زارياأ لم تعلمي أني رزئت محاربا فما لك منه اليوم شيئا و لا لياو من قبله ما قد رزئت بوحوح و كان ابن أمي و الخليل المصافيافتى كملت خيراته غير أنه جواد فما يبقى من المال باقيافتى تم فيه ما يسر صديقه على أن فيه ما يسوء الأعاديا

   أشم طويل الساعدين سميدع إذا لم يرح للمجد أصبح غاديا.

 السميدع السيد و مما يروى للنابغة الجعدي

عقيلية أو من هلال بن عامر بذي الرمث من وادي المنار خيامهاإذا ابتسمت في البيت و الليل دونها أضاء دجى الليل البهيم ابتسامها.

 و ذكر الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال سئل الفرزدق بن غالب عن النابغة الجعدي فقال صاحب خلقان يكون عنده مطرف بألف دينار و خمار بواف قال الأصمعي و صدق الفرزدق بينا النابغة في كلام أسهل من الزلال و أشد من الصخر إذ لان و ذهب ثم أنشد له

سما لك هم و لم تطرب و بت ببث و لم تنصب‏و قالت سليمى أرى رأسه كناصية الفرس الأشهب‏و ذلك من وقعات المنون ففيئي إليك و لا تعجبي.

 قال ثم يقول بعدها

أتين على إخوة سبعة و عدن على ربعي الأقرب.

 ثم يقول بعدها

فأدخلك الله برد الجنان جذلان في مدخل طيب.

 فألان كلامه حتى لو أن أبا الشمقمق قال هذا البيت كان رديئا ضعيفا. قال الأصمعي و طريق الشعر إذا أدخلته في باب الخير لان أ لا ترى أن حسان بن ثابت كان علا في الجاهلية و الإسلام فلما أدخل شعره في باب الخير من مراثي النبي ص و حمزة و جعفر و غيرهما لان شعره. ثم قال رضي الله عنه إن سأل سائل فقال كيف يصح ما أوردتموه من تطاول الأعمار و امتدادها و قد علمتم أن كثيرا من الناس ينكر ذلك و يحيله و يقول إنه لا قدرة عليه و لا سبيل إليه و منهم من ينزل في إنكاره درجة فيقول إنه و إن كان جائزا من طريق القدرة و الإمكان فإنه مما يقطع على انتفائه لكونه خارقا للعادات فإن العادات إذا وثق الدليل بأنها لا تنخرق إلا على سبيل الإبانة و الدلالة على صدق نبي من الأنبياء ع علم أن جميع ما روي من زيادة الأعمار   على العادة باطل مصنوع لا يلتفت إلى مثله الجواب قيل له أما من أبطل تطاول الأعمار من حيث الإحالة و أخرجه عن باب الإمكان فقوله ظاهر الفساد لأنه لو علم ما العمر في الحقيقة و ما المقتضي لدوامه إذا دام و انقطاعه متى انقطع لعلم من جواز امتداده ما علمناه و العمر هو استمرار كون من يجوز أن يكون حيا و غير حي حيا و إن شئت أن تقول هو استمرار كون الحي الذي لكونه على هذه الصفة ابتداء حيا. و إنما شرطنا الاستمرار لأنه يبعد أن يوصف من كان في حالة واحدة حيا بأن له عمرا بل لا بد من أن يراعوا في ذلك ضربا من الامتداد و الاستمرار و إن قل. و شرطنا أن يكون ممن يجوز أن يكون غير حي أو يكون لكونه حيا ابتداء احترازا من أن يلزم القديم تعالى جلت عظمته ممن لا يوصف بالعمر و إن استمر كونه حيا. فقد علمنا أن المختص بفعل الحياة هو القديم تعالى و فيما تحتاج إليه الحياة من البنية و من المعاني ما يختص به جل و عز و لا يدخل إلا تحت مقدوره تعالى كالرطوبة و ما جرى مجراها فمتى فعل القديم تعالى الحياة و ما تحتاج إليه من البنية و هي مما يجوز عليه البقاء و كذلك ما تحتاج إليه فليس ينتفي إلا بضد يطرأ عليها أو بضد ينفي ما تحتاج إليه و الأقوى أنه لا ضد لها في الحقيقة و ربما ادعى قوم أنه ما تحتاج إليه و لو كان للحياة ضد على الحقيقة لم يخل بما نقصده في هذا الباب. فمهما لم يفعل القديم تعالى ضدها أو ضد ما تحتاج إليه و لا نقض ناقض بنية الحي استمر كون الحي حيا و لو كانت الحياة أيضا لا تبقى على مذهب من رأى ذلك لكان ما قصدناه صحيحا لأنه تعالى قادر على أن يفعلها حالا فحالا و يوالي بين فعلها و بين فعل ما تحتاج إليه فيستمر كون الحي حيا. فأما ما يعرض من الهرم بامتداد الزمان و علو السن و تناقص بنية الإنسان

    فليس مما لا بد منه و إنما أجرى الله تعالى العادة بأن يفعل ذلك عند تطاول الزمان و لا إيجاب هناك و لا تأثير للزمان على وجه من الوجوه و هو تعالى قادر على أن لا يفعل ما أجرى العادة بفعله. و إذا ثبتت هذه الجملة ثبت أن تطاول العمر ممكن غير مستحيل و إنما أبى من أحال ذلك من حيث اعتقد أن استمرار كون الحي حيا وجب عن طبيعة و قوة لهما مبلغ من المادة متى انتهتا إليه انقطعتا و استحال أن تدوما فلو أضافوا ذلك إلى فاعل مختار متصرف لخرج عندهم من باب الاستحالة. فأما الكلام في دخول ذلك في العادة أو خروجه عنها فلا شك في أن العادة قد جرت في الأعمار بأقدار متقاربة يعد الزائد عليها خارقا للعادة إلا أنه قد ثبت أن العادات قد تختلف في الأوقات و في الأماكن أيضا و يجب أن يراعى في العادات إضافتها إلى من هي عادة له في المكان و الوقت. و ليس بممتنع أن يقل ما كانت العادة جارية به على تدريج حتى يصير حدوثه خارقا للعادة بغير خلاف و لا أن يكثر الخارق للعادة حتى يصير حدوثه غير خارق لها على خلاف فيه و إذا صح ذلك لم يمتنع أن تكون العادات في الزمان الغابر كانت جارية بتطاول الأعمار و امتدادها ثم تناقص ذلك على تدريج حتى صارت عادتنا الآن جارية بخلافه و صار ما مبلغ تلك الأعمار خارقا للعادة و هذا جملة فيما أوردناه كافية. أقول و ذكر الشيخ رحمه الله من المعمرين لقمان بن عاد و أنه عاش ثلاثة آلاف سنة و خمس مائة سنة و قال و فيه يقول الأعشى

لنفسك إذا تختار سبعة أنسر إذا ما مضى نسر خلدت إلى نسرفعمر حتى خال أن نسوره خلود و هل تبقى النفوس على الدهرو قال لأدناهن إذ حل ريشه هلكت و أهلكت ابن عاد و ما تدري.

   قال و منهم ربيع بن ضبع بن وهب بن بغيض بن مالك بن سعد بن عبس بن فزارة عاش ثلاث مائة سنة و أربعين سنة ثم ذكر ما مر من قصصه و أشعاره. ثم ذكر أكثم بن صيفي و أنه عاش ثلاث مائة سنة و ثلاثين سنة و ذكر والده صيفي بن رباح أبا أكثم و أنه عاش مائتين و سبعين سنة لا ينكر من عقله شي‏ء و هو المعروف بذي الحلم الذي قال فيه المتلمس اليشكري

لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا و ما علم الإنسان إلا ليعلما.

 و منهم ضبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو عاش مائتي سنة و عشرين سنة و لم يشب قط و أدرك الإسلام و لم يسلم و روى أبو حاتم و الرياشي عن العتبي عن أبيه قال مات ضبيرة السهمي و له مائتا سنة و عشرون سنة و كان أسود الشعر صحيح الأسنان و رثاه ابن عمه قيس بن عدي فقال

من يأمن الحدثان بعد ضبيرة السهمي ماتاسبقت منيته المشيب و كان منيته افتلاتافتزودوا لا تهلكوا من دون أهلكم خفاتا.

 و منهم دريد بن الصمة الجشمي عاش مائتي سنة و أدرك الإسلام و لم يسلم و كان أحد قواد المشركين يوم حنين و مقدمهم حضر حرب النبي ص فقتل يومئذ. و منهم محصن بن غسان بن ظالم الزبيدي عاش مائتي سنة و ستا و خمسين سنة. و منهم عمرو بن حممة الدوسي عاش أربعمائة سنة و هو الذي يقول

كبرت و طال العمر حتى كأنني سليم أفاع ليلة غير مودع‏فما الموت أفناني و لكن تتابعت علي سنون من مصيف و مربع‏ثلاث مات قد مررن كواملا و ها أنا ذا قد أرتجي منه أربع.

 و منهم الحارث بن مضاض الجرهمي عاش أربعمائة سنة و هو القائل

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس و لم يسمر بمكة سامربلى نحن كنا أهلها فأبادنا صروف الليالي و الجدود العواثر.

 و منهم عبد المسيح بن بقيلة الغساني ذكر الكلبي و أبو عبيدة و غيرهما أنه عاش   ثلاث مائة سنة و خمسين سنة و ذكر من أحواله و أشعاره نحوا مما مر. ثم ذكر النابغة الجعدي و أبا الطمحان القيني و ذا الإصبع العدواني و زهير بن جناب و دويد بن نهد و الحارث بن كعب و أحوالهم و أقوالهم نحوا مما مر في كلام السيد رضي الله عنهما. ثم قال فهذا طرف من أخبار المعمرين من العرب و استيفاؤه في الكتب المصنفة في هذا المعنى موجود. و أما الفرس فإنها تزعم أن فيما تقدم من ملوكها جماعة طالت أعمارهم فيرون أن الضحاك صاحب الحيتين عاش ألف سنة و مائتي سنة و أفريدون العادل عاش فوق الألف سنة و يقولون إن الملك الذي أحدث المهرجان عاش ألف سنة و خمسمائة استتر منها عن قومه ستمائة سنة و غير ذلك مما هو موجود في تواريخهم و كتبهم لا نطول بذكرها فكيف يقال إن ما ذكرناه في صاحب الزمان خارج عن العادات. و من المعمرين من العرب يعرب بن قحطان و اسمه ربيعة أول من تكلم بالعربية ملك مائتي سنة على ما ذكره أبو الحسن النسابة الأصفهاني في كتاب الفرع و الشجر و هو أبو اليمن كلها و هو منها كعدنان إلا شاذا نادرا. و منهم عمرو بن عامر مزيقيا روى الأصفهاني عن عبد المجيد بن أبي عبس الأنصاري و الشرقي بن قطامي أنه عاش ثمانمائة سنة ثم ذكر نحوا مما مر في كلام الصدوق رحمه الله. ثم قال و قيل إنما سمي مزيقيا لأن على عهده تمزقت الأزد فصاروا إلى أقطار الأرض و كان ملك أرض سبإ فحدثته الكهان أن الله يهلكها بالسيل العرم فاحتال حتى باع ضياعه و خرج فيمن أطاعه من أولاده قبل السيل العرم   و منه انتشرت الأزد كلها و الأنصار من ولده. و منهم جلهمة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن يعرب و يقال لجلهمة طيئ و إليه ينسب طيئ كلها و له خبر طول شرحه و كان له ابن أخ يقال له يحابر بن مالك بن أدد و كان قد أتى على كل واحد منهما خمسمائة سنة و وقع بينهما ملاحاة بسبب المرعى فخاف جلهمة هلاك عشيرته فرحل عنه و طوى المنازل فسمي طيئا و هو صاحب أجأ و سلمى جبلين لطيئ و لذلك خبر يطول معروف. و منهم عمرو بن لحي و هو ربيعة بن حارثة بن عمرو مزيقيا في قول علماء خزاعة كان رئيس خزاعة في حرب خزاعة و جرهم و هو الذي سن السائبة و الوصيلة و الحام و نقل صنمين و هما هبل و مناة من الشام إلى مكة فوضعهما للعبادة فسلم هبل إلى خزيمة بن مدركة فقيل هبل خزيمة و صعد على أبي قبيس و وضع مناة بالمشلل و قدم بالنرد و هو أول من أدخلها مكة فكانوا يلعبون بها في الكعبة غدوة و عشية. فروي عن النبي ص أنه قال رفعت إلى النار فرأيت عمرو بن لحي رجلا قصيرا أحمر أزرق يجر قصبه في النار فقلت من هذا قيل عمرو بن لحي و كان يلي من أمر الكعبة ما كان يليه جرهم قبله حتى هلك. و وجدت بخط الشريف الأجل الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين الموسوي رضي الله عنه تعليقا في تقاويم جمعها مؤرخا بيوم الأحد الخامس عشر من المحرم سنة إحدى و ثمانين و ثلاثمائة أنه ذكر له حال شيخ بالشام قد جاوز المائة و أربعين سنة فركبت إليه حتى تأملته و حملته إلى القرب من داري بالكرخ و كان أعجوبة شاهد الحسن بن علي بن محمد بن الرضا ع و وصف صفته إلى غير ذلك من العجائب التي شاهدها. و قال الكراجكي رحمه الله في كنز الفوائد إن أهل الملل كلها متفقون على جواز امتداد الأعمار و طولها و قد تضمنت التوراة من الإخبار بذلك

    ما ليس بينهم فيه تنازع و فيها أن آدم ع عاش تسعمائة و ثلاثين سنة و عاش شيث تسعمائة و اثنتي عشرة سنة و عاش أنوش تسعمائة و خمسا و ستين سنة و عاش قنيان تسعمائة سنة و عشر سنين و عاش مهلائيل ثمانمائة و خمسا و تسعين سنة و عاش برد تسعمائة و اثنتين و ستين سنة و عاش أخنوخ و هو إدريس ع تسعمائة و خمسا و ستين سنة و عاش متوشلح تسعمائة و تسعا و ستين سنة و عاش لمك سبع مائة و سبعا و ستين سنة و عاش نوح تسعمائة و خمسين و عاش سام ستمائة سنة و عاش أرفخشا أربعمائة و ثماني و تسعين سنة و عاش شالخ أربعمائة و ثلاثا و تسعين سنة و عاش عابر ثمانمائة و سبعين سنة و عاش فالغ مائتين و تسعا و تسعين سنة و عاش أرغو مائتين و ستين سنة و عاش باحور مائة و ستا و أربعين سنة و عاش تارخ مائتين و ثمانين سنة و عاش إبراهيم ع مائة و خمسا و سبعين سنة و عاش إسماعيل ع مائة و سبعا و ثلاثين سنة و عاش إسحاق ع مائة و ثمانين سنة. فهذا ما تضمنته التوراة مما ليس بين اليهود و النصارى اختلاف و قد تضمنت نظيره شريعة الإسلام و لم نجد أحدا من علماء المسلمين يخالفه أو يعتقد فيه البطلان بل قد أجمعوا من جواز طول الأعمار على ما ذكرناه. ثم قال و من المعمرين عمرو بن حممة الدوسي عاش أربعمائة سنة قال أبو أرق حدثنا الرياشي عن عمرو بن بكير عن الهيثم بن عدي عن مجالد عن الشعبي قال كنا عند ابن عباس في قبة زمزم و هو يفتي الناس فقام إليه رجل فقال له لقد أفتيت أهل الفتوى فأفت أهل الشعر قال قل قال ما معنى قول الشاعر

لذي الحلم قبل اليوم ما يقرع العصا و ما لم الإنسان إلا ليعلما.

 فقال ذاك عمرو بن حممة الدوسي قضى على العرب ثلاث مائة سنة فلما كبر ألزموه و قد رأى السادس أو السابع من ولد ولده فقال إن فؤادي بضعة مني فربما تغير علي اليوم و الليلة مرارا و أمثل ما أكون فهما في صدر النهار فإذا رأيتني قد تغيرت فاقرع العصا فكان إذا رأى منه تغيرا قرع العصا فيراجعه فهمه فقال المتلمس هذا البيت.   أقول إلى هنا انتهى ما أردت إيراده من أخبار المعمرين و إنما أطلت في ذلك مع قلة الجدوى تبعا للأصحاب و لئلا يقال هذا الكتاب عار عن فوائدهم التي أوردوها في هذا الباب