باب 3- تأويل آية النور

1-  يد، ]التوحيد[ مع، ]معاني الأخبار[ أبي عن سعد عن ابن يزيد عن العباس بن هلال قال سألت الرضا ع عن قول الله عز و جل اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ فقال هاد لأهل السماء و هاد لأهل الأرض

 2-  و في رواية البرقي هدى من في السماوات و هدى من في الأرض

 3-  ج، ]الإحتجاج[ عن العباس بن هلال قال سألت أبا الحسن ع عن قول الله عز و جل اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ فقال ع هادي من في السماوات و هادي من في الأرض

 4-  يد، ]التوحيد[ مع، ]معاني الأخبار[ إبراهيم بن هارون الهيستي عن محمد بن أحمد بن أبي الثلج عن الحسين بن أيوب عن محمد بن غالب عن علي بن الحسين عن الحسن بن أيوب عن الحسين بن سليمان عن محمد بن مروان الذهلي عن الفضيل بن يسار قال قلت لأبي عبد الله الصادق ع اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ قال كذلك الله عز و جل قال قلت مَثَلُ نُورِهِ قال لي محمد ص قلت كَمِشْكاةٍ قال صدر محمد ص قلت فِيها مِصْباحٌ قال فيه نور العلم يعني النبوة قلت الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ قال علم رسول الله ص صدر إلى قلب علي ع قلت كَأَنَّها قال لأي شي‏ء تقرأ كأنها قلت  و كيف جعلت فداك قال كأنه كوكب دري قلت يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ قال ذاك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع لا يهودي و لا نصراني قلت يَكادُ زَيْتُها يُضِي‏ءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ قال يكاد العلم يخرج من فم العالم من آل محمد من قبل أن ينطق به قلت نُورٌ عَلى نُورٍ قال الإمام على أثر الإمام

 قال الصدوق رحمه الله إن المشبهة تفسر هذه الآية على أنه ضياء السماوات و الأرض و لو كان لذلك لما جاز أن توجد الأرض مظلمة في وقت من الأوقات لا بالليل و لا بالنهار لأن الله هو نورها و ضياؤها على تأويلهم و هو موجود غير معدوم فوجود الأرض مظلمة بالليل و وجودنا داخلها أيضا مظلما بالنهار يدل على أن تأويل قوله اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ هو ما قاله الرضا ع دون تأويل المشبه و إنه عز و جل هادي أهل السماوات و الأرض و المبين لأهل السماوات و الأرض أمور دينهم و مصالحهم فلما كان بالله و بهداه يهتدي أهل السماوات و الأرض إلى صلاحهم و أمور دينهم كما يهتدون بالنور الذي خلقه الله لهم في السماوات و الأرض إلى إصلاح دنياهم قال إنه نور السماوات و الأرض على هذا المعنى و أجرى على نفسه هذا الاسم توسعا و مجازا لأن العقول دالة على أن الله عز و جل لا يجوز أن يكون نورا و لا ضياء و لا من جنس الأنوار و الضياء لأنه خالق الأنوار و خالق جميع أجناس الأشياء و قد دل على ذلك أيضا قوله مَثَلُ نُورِهِ و إنما أراد به صفة نوره و هذا النور هو غيره لأنه شبهه بالمصباح و ضوئه الذي ذكره و وصفه في هذه الآية و لا يجوز أن يشبه نفسه بالمصباح لأن الله لا شبه له و لا نظير فصح أن نوره الذي شبهه بالمصباح إنما هو دلالته أهل السماوات و الأرض على مصالح دينهم و على توحيد ربهم و حكمته و عدله ثم بين وضوح دلالته هذه و سماها نورا من حيث يهتدي بها عباده إلى دينهم و صلاحهم فقال مثله مثل كوة و هي المشكاة فيها المصباح و المصباح هو السراج في زجاجة صافية شبيهة بالكوكب الذي هو الكوكب المشبه بالدر في لونه و هذا المصباح الذي في هذه الزجاجة الصافية يتوقد  من زيت زيتونة مباركة و أراد به زيتون الشام لأنه يقال إنه بورك فيه لأهله و عنى عز و جل بقوله لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ إن هذه الزيتونة ليست بشرقية فلا تسقط الشمس عليها في وقت الغروب و لا غربية و لا تسقط الشمس عليها في وقت الطلوع بل هي في أعلى شجرها و الشمس تسقط عليها في طول نهارها فهو أجود لها و أضوأ لزيتها ثم أكد وصفه لصفاء زيتها فقال يَكادُ زَيْتُها يُضِي‏ءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ لما فيها من الصفاء فبين أن دلالات الله التي بها دل عباده في السماوات و الأرض على مصالحهم و على أمور دينهم في الوضوح و البيان بمنزلة هذا المصباح الذي في هذه الزجاجة الصافية و يتوقد بها الزيت الصافي الذي وصفه فيجتمع فيه ضوء النار مع ضوء الزجاجة و ضوء الزيت هو معنى قوله نُورٌ عَلى نُورٍ و عنى بقوله عز و جل يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ يعني من عباده و هم المكلفون ليعرفوا بذلك و يهتدوا به و يستدلوا به على توحيد ربهم و سائر أمور دينهم و قد دل الله عز و جل بهذه الآية و بما ذكره من وضوح دلالاته و آياته التي دل بها عباده على دينهم أن أحدا منهم لم يؤت فيما صار إليه من الجهل و من تضييع الدين لشبهة و لبس دخلا عليه في ذلك من قبل الله عز و جل إذ كان الله عز و جل قد بين لهم دلالاته و آياته على سبيل ما وصف و أنهم إنما أوتوا في ذلك من قبل نفوسهم بتركهم النظر في دلالات الله و الاستدلال بها على الله عز و جل و على صلاحهم في دينهم و بين أنه بكل شي‏ء من مصالح عباده و من غير ذلك عليم

 و قد روي عن الصادق ع أنه سئل عن قول الله عز و جل اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ فقال هو مثل ضربه الله لنا

فالنبي و الأئمة صلوات الله عليهم من دلالات الله و آياته التي يهتدى بها إلى التوحيد و مصالح الدين و شرائع الإسلام و السنن و الفرائض و لا قوة إلا بالله العلي العظيم

 5-  فس، ]تفسير القمي[ حميد بن زياد عن محمد بن الحسين عن محمد بن يحيى عن طلحة بن زيد  عن جعفر بن محمد عن أبيه ع في هذه الآية اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ قال بدأ بنور نفسه تعالى مَثَلُ نُورِهِ مثل هداه في قلب المؤمن قوله كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ المشكاة جوف المؤمن و القنديل قلبه و المصباح النور الذي جعله الله فيه يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ قال الشجرة المؤمن زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ قال على سواء الجبل لا غربية أي لا شرق لها و لا شرقية أي لا غرب لها إذا طلعت الشمس طلعت عليها و إذا غربت غربت عليها يَكادُ زَيْتُها يعني يكاد النور الذي جعله الله في قلبه يُضِي‏ءُ و إن لم يتكلم نُورٌ عَلى نُورٍ فريضة على فريضة و سنة على سنة يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ يهدي الله لفرائضه و سننه من يشاء وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ و هذا مثل ضربه الله للمؤمن ثم قال فالمؤمن من يتقلب في خمسة من النور مدخله نور و مخرجه نور و علمه نور و كلامه نور و مصيره يوم القيامة إلى الجنة نور قلت لجعفر ع جعلت فداك يا سيدي إنهم يقولون مثل نور الرب قال سبحان الله ليس لله بمثل ما قال الله فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ

 بيان قوله ع الشجرة المؤمن لعل المراد أن نور الإيمان الذي جعله الله في قلب المؤمن يتقد من أعمال صالحة هي ثمرة شجرة مباركة هي المؤمن المهتدي و يحتمل أن يكون المراد بالمؤمن المؤمن الكامل و هو الإمام ع و لا يبعد أن يكون المؤمن تصحيف الإيمان أو القرآن أو نحن أو الإمام

 6-  فس، ]تفسير القمي[ محمد بن همام عن جعفر بن محمد عن محمد بن الحسن الصائغ  عن الحسن بن علي عن صالح بن سهل الهمداني قال سمعت أبا عبد الله ع يقول في قول الله عز و جل اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فاطمة ع فِيها مِصْباحٌ الحسن و الْمِصْباحُ الحسين فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ كأن فاطمة كوكب دري بين نساء أهل الدنيا يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ يوقد من إبراهيم ع لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ لا يهودية و لا نصرانية يَكادُ زَيْتُها يكاد العلم ينفجر منها وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ إمام بعد إمام يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ يهدي الله بالأئمة ع من يشاء

 توضيح قوله ع و المصباح الحسين أي المصباح المذكور في الآية ثانيا و على هذا الخبر تكون المشكاة و الزجاجة كنايتين عن فاطمة ع

 7-  كا، ]الكافي[ علي بن محمد عن علي بن العباس عن علي بن حماد عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر ع قال إن الله وضع العلم الذي كان عنده عند الوصي و هو قول الله اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يقول أنا هادي السماوات و الأرض مثل العلم الذي أعطيته و هو نوري الذي يهتدى به مثل المشكاة فيها المصباح فالمشكاة قلب محمد ص و المصباح النور الذي فيه العلم و قوله الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ يقول إني أريد أن أقبضك فاجعل الذي عندك عند الوصي كما يجعل المصباح في الزجاجة كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ فأعلمهم فضل الوصي يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ فأصل الشجرة المباركة إبراهيم صلى الله عليه و هو قول الله عز و جل رَحْمَتُ اللَّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ و هو قول الله عز و جل إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً  بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ يقول لستم بيهود فتصلوا قبل المغرب و لا نصارى فتصلوا قبل المشرق و أنتم على ملة إبراهيم صلوات الله عليه و قد قال الله عز و جل ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَ لا نَصْرانِيًّا وَ لكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ و قوله عز و جل يَكادُ زَيْتُها يُضِي‏ءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ يقول مثل أولادكم الذين يولدون منكم كمثل الزيت الذي يعصر من الزيتون يَكادُ زَيْتُها يُضِي‏ءُ يقول يكادون أن يتكلموا بالنبوة و لو لم ينزل عليهم ملك

 أقول سيأتي الأخبار الكثيرة في تأويل تلك الآية في كتاب الإمامة في باب أنهم أنوار الله. تنوير قال البيضاوي النور في الأصل كيفية تدركها الباصرة أولا و بواسطتها سائر المبصرات كالكيفية الفائضة من النيرين على الأجرام الكثيفة المحاذية لهما و هو بهذا المعنى لا يصح إطلاقه على الله تعالى إلا بتقدير مضاف كقولك زيد كرم بمعنى ذو كرم أو على تجوز بمعنى منور السماوات و الأرض و قد قرئ به فإنه تعالى نورها بالكواكب و ما يفيض عنها من الأنوار و بالملائكة و الأنبياء أو مدبرها من قولهم للرئيس الفائق في التدبير نور القوم لأنهم يهتدون به في الأمور أو موجدها فإن النور ظاهر بذاته مظهر لغيره و أصل الظهور هو الوجود كما أن أصل الخفاء هو العدم و الله سبحانه موجود بذاته موجد لما عداه أو الذي به يدرك أو يدرك أهلها من حيث إنه يطلق على الباصرة لتعلقها به أو لمشاركتها له في توقف الإدراك عليه ثم على البصيرة لأنها أقوى إدراكا فإنها تدرك نفسها و غيرها من الكليات و الجزئيات الموجودات و المعدومات و يغوص في بواطنها و يتصرف فيها بالتركيب و التحليل ثم إن هذه الإدراكات ليست بذاتها و إلا لما فارقتها فهي إذن من سبب يفيضها عليها و هو الله تعالى ابتداء أو بتوسط من الملائكة و الأنبياء و لذلك سموا أنوارا و يقرب منه قول  ابن عباس معناه هادي من فيهما فهم بنوره يهتدون و إضافته إليهما للدلالة على سعة إشراقه و لاشتمالهما على الأنوار الحسية و العقلية و قصور الإدراكات البشرية عليهما و على المتعلق بهما و المدلول لهما. مَثَلُ نُورِهِ صفة نوره العجيبة الشأن و إضافته إلى ضميره سبحانه دليل على أن إطلاقه عليه لم يكن على ظاهر كَمِشْكاةٍ كصفة مشكاة و هي الكوة الغير النافذة فِيها مِصْباحٌ سراج ضخم ثاقب و قيل المشكاة الأنبوبة في وسط القنديل و المصباح الفتيلة المشتعلة الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ في قنديل من الزجاج الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ مضي‏ء متلألئ كالزهرة في صفائه و زهرته منسوب إلى الدر أو فعيل كبريق من الدرء فإنه يدفع الظلام بضوئه أو بعض ضوئه بعضا من لمعانه إلا أنه قلب همزته ياء و يدل عليه قراءة حمزة و أبي بكر على الأصل و قراءة أبي عمرو و الكسائي دري‏ء كشريب و قد قرئ به مقلوبا يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ أي ابتداء توقد المصباح من شجرة الزيتون المتكاثر نفعه بأن رويت زبالتها بزيتها و في إبهام الشجرة و وصفه بالبركة ثم إبدال الزيتونة عنها تفخيم لشأنها و قرأ نافع و ابن عامر و حفص بالياء و البناء للمفعول من أوقد و حمزة و الكسائي و أبو بكر بالتاء كذلك على إسناده إلى الزجاجة بحذف المضاف و قرئ توقد بمعنى تتوقد و توقد بحذف التاء لاجتماع الزيادتين و هو غريب لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ يقع الشمس عليها حينا بعد حين بل بحيث يقع عليها طول النهار كالتي تكون على قلة أو صحراء واسعة فإن ثمرتها تكون أنضج و زيتها أصفى أو لا ثابتة في شرق المعمورة و غربها بل في وسطها و هو الشام فإن زيتونه أجود الزيتون أو لا في مضحى تشرق الشمس عليها دائما فتحرقها و مقناة تغيب عنها دائما فيتركها نيا و في الحديث لا خير في شجرة و لا في نبات في مقناة و لا خير فيها في مضحى يَكادُ زَيْتُها يُضِي‏ءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ أي يكاد يضي‏ء بنفسه من غير نار لتلألئه و فرط بيضه نُورٌ عَلى نُورٍ متضاعف فإن نور المصباح زاد في إنارته صفاء الزيت و زهرة القنديل و ضبط المشكاة لأشعته.

   و قد ذكر في معنى التمثيل وجوه الأول أنه تمثيل للهدى الذي دل عليه الآيات البينات في جلاء مضمونها و ظهور ما تضمنته من الهدى بالمشكاة المنعوتة أو تشبيه للهدى من حيث إنه محفوظ من ظلمات أوهام الناس و خيالاتهم بالمصباح و إنما ولي الكاف المشكاة لاشتمالها عليها و تشبيهه به أوفق من تشبيهه بالشمس أو تمثيل لما نور الله به قلب المؤمن من المعارف و العلوم بنور المشكاة المثبت فيها من مصباحها و يؤيده قراءة أبي مثل نور المؤمن أو تمثيل لما منح الله عباده من القوى الدراكة الخمس المترتبة التي بها المعاش و المعاد و هي الحاسة التي تدرك المحسوسات بالحواس الخمس و الخيالية التي تحفظ صورة تلك المحسوسات لتعرضها على القوة العقلية متى شاءت و العلمية التي تدرك الحقائق الكلية و المفكرة و هي التي تؤلف المعقولات لتستنتج منها علم ما لم تعلم و القوة القدسية التي يتجلى فيها لوائح الغيب و أسرار الملكوت المختصة بالأنبياء و الأولياء المعنية بقوله تعالى وَ لكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا بالأشياء الخمسة المذكورة في الآية و هي المشكاة و الزجاجة و المصباح و الشجرة و الزيت فإن الحاسة كالمشكاة لأن محلها كالكوة و وجهها إلى الظاهر لا يدرك ما وراءها و إضاءتها بالمعقولات لا بالذات و الخيالية كالزجاجة في قبول صور المدركات من الجوانب و ضبطها للأنوار العقلية و إنارتها بما يشتمل عليها من المعقولات و العاقلة كالمصباح لإضاءتها بالإدراكات الكلية و المعارف الإلهية و المفكرة كالشجرة المباركة لتأديتها إلى ثمرات لا نهاية لها و الزيتونة المثمرة بالزيت الذي هو مادة المصابيح التي لا تكون شرقية و لا غربية لتجردها عن اللواحق الجسمية أو لوقوعها بين الصور و المعاني متصرفة في القبيلتين منتفعة من الجانبين و القوة القدسية كالزيت فإنها لصفائها و شدة ذكائها تكاد زيتها تضي‏ء بالمعارف من غير تفكر و لا تعليم. أو تمثيل للقوة العقلية في مراتبها بذلك فإنها في بدء أمرها خالية عن العلوم مستعدة لقبولها كالمشكاة ثم ينتقش بالعلوم الضرورية بتوسط إحساس الجزئيات بحيث يتمكن من تحصيل النظريات فتصير كالزجاجة متلألئة في نفسها قابلة للأنوار  و ذلك التمكن إن كان بفكر و اجتهاد فكالشجرة الزيتونة و إن كان بالحدس فكالزيت و إن كان بقوة قدسية فكالذي يكاد زيتها يضي‏ء لأنها تكاد تعلم و إن لم تتصل بملك الوحي و الإلهام الذي مثله النار من حيث إن العقول تشتعل عنها ثم إذا حصلت لها العلوم بحيث يتمكن من استحضارها متى شاءت كان كالمصباح فإذا استحضرها كان نورا على نور يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ الثاقب مَنْ يَشاءُ فإن الأسباب دون مشيئته لاغية إذ بها تمامها وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ إدناء للمعقول من المحسوس توضيحا و بيانا وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ معقولا كان أو محسوسا ظاهرا أو خفيا و فيه وعد و وعيد لمن تدبرها و لمن لم يكترث بها انتهى. و قال الطبرسي رحمه الله اختلف في هذا التشبيه و المشبه به على أقوال أحدها أنه مثل ضربه الله لنبيه محمد ص فالمشكاة صدره و الزجاجة قلبه و المصباح فيه النبوة لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ أي لا يهودية و لا نصرانية يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ يعني شجرة النبوة و هي إبراهيم يكاد نور محمد يتبين و لو لم يتكلم به كما أن ذلك الزيت يكاد يضي‏ء وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ أي تصيبه النار و قيل إن المشكاة إبراهيم و الزجاجة إسماعيل و المصباح محمد كما سمي سراجا في موضع آخر مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ يعني إبراهيم لأن أكثر الأنبياء من صلبه لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ لا نصرانية و لا يهودية لأن النصارى تصلي إلى المشرق و اليهود تصلي إلى المغرب يَكادُ زَيْتُها يُضِي‏ءُ أي يكاد محاسن محمد تظهر قبل أن يوحى إليه نُورٌ عَلى نُورٍ أي نبي من نسل نبي و قيل إن المشكاة عبد المطلب و الزجاجة عبد الله و المصباح هو النبي ص لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ بل مكية لأن مكة وسط الدنيا

 و روي عن الرضا ع أنه قال نحن المشكاة و المصباح محمد ص يهدي الله لولايتنا من أحب

و ثانيها أنها مثل ضربه الله للمؤمن المشكاة نفسه و الزجاجة صدره و المصباح الإيمان و القرآن في قلبه يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ هي الإخلاص لله وحده لا شريك له فهي خضراء ناعمة كشجرة التفت بها الشجر فلا يصيبها الشمس على أي حال كانت لا إذا طلعت و لا إذا غربت و كذلك المؤمن قد احترز من أن يصيبه شي‏ء من الفتن فهو بين أربع  خلال إن أعطي شكر و إن ابتلي صبر و إن حكم عدل و إن قال صدق فهو في سائر الناس كالرجل الحي يمشي بين قبور الأموات نُورٌ عَلى نُورٍ كلامه نور و عمله نور و مدخله نور و مخرجه نور و مصيره إلى نور يوم القيامة عن أبي بن كعب. و ثالثها أنه مثل القرآن في قلب المؤمن فكما أن هذا المصباح يستضاء به و هو كما هو لا ينقص فكذلك القرآن يهتدى به و يعمل به فالمصباح هو القرآن و الزجاجة قلب المؤمن و المشكاة لسانه و فمه و الشجرة المباركة شجرة الوحي يَكادُ زَيْتُها يُضِي‏ءُ تكاد حجج القرآن تتضح و إن لم يقرأ و قيل تكاد حجج الله على خلقه تضي‏ء لمن تفكر فيها و تدبرها و لو لم ينزل القرآن نُورٌ عَلى يعني أن القرآن نور مع سائر الأدلة قبله فازدادوا به نورا على نور انتهى كلامه رحمه الله