باب 5- نفي الرؤية و تأويل الآيات فيها

 الآيات النساء يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ الأنعام لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ

 1-  لي، ]الأمالي للصدوق[ أحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم عن علي بن معبد عن واصل عن عبد الله بن سنان عن أبيه قال حضرت أبا جعفر محمد بن علي الباقر ع و دخل عليه رجل من الخوارج فقال يا أبا جعفر أي شي‏ء تعبد قال الله قال رأيته قال لم تره العيون بمشاهدة العيان و رأته القلوب بحقائق الإيمان لا يعرف بالقياس و لا يدرك بالحواس و لا يشبه بالناس موصوف بالآيات معروف بالعلامات لا يجور في حكمه ذلك الله لا إله إلا هو قال فخرج الرجل و هو يقول اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ

 يد، ]التوحيد[ أبي عن علي عن أبيه عن علي بن معبد عن عبد الله بن سنان عن أبيه مثله ج، ]الإحتجاج[ مرسلا عن عبد الله بن سنان عن أبيه مثله بيان قوله ع بحقائق الإيمان أي بالعقائد التي هي حقائق أي عقائد عقلية ثابتة يقينية لا يتطرق إليها الزوال و التغير هي أركان الإيمان أو بالأنوار و الآثار التي حصلت في القلب من الإيمان أو بالتصديقات و الإذعانات التي تحق أن تسمى إيمانا أو المراد بحقائق الإيمان ما ينتمي إليه تلك العقائد من البراهين العقلية فإن الحقيقة ما يصير إليه حق الأمر و وجوبه ذكره المطرزي في الغريبين لا يعرف بالقياس أي بالمقايسة بغيره و قوله ع و لا يشبه بالناس كالتعليل لقوله لا يدرك بالحواس موصوف بالآيات أي إذا أريد أن يذكر و يوصف بأن له الآيات الصادرة عنه المنتمية إليه أو إنما يوصف بالصفات الكمالية بما يشاهد من آيات قدرته و عظمته و ينزه  عن مشابهتها لما يرى من العجز و النقص فيها معروف بالعلامات أي يعرف وجوده و صفاته العينية الكمالية بالعلامات الدالة عليه لا بالكنه

 2-  يد، ]التوحيد[ لي، ]الأمالي للصدوق[ القطان و الدقاق و السناني عن ابن زكريا القطان عن محمد بن العباس عن محمد بن أبي السري عن أحمد بن عبد الله بن يونس عن ابن طريف عن الأصبغ في حديث قال قام إليه رجل يقال له ذعلب فقال يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك فقال ويلك يا ذعلب لم أكن بالذي أعبد ربا لم أره قال فكيف رأيته صفه لنا قال ويلك لم تره العيون بمشاهدة الأبصار و لكن رأته القلوب بحقائق الإيمان ويلك يا ذعلب إن ربي لا يوصف بالبعد و لا بالحركة و لا بالسكون و لا بالقيام قيام انتصاب و لا بجيئة و لا بذهاب لطيف اللطافة لا يوصف باللطف عظيم العظمة لا يوصف بالعظم كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ رءوف الرحمة لا يوصف بالرقة مؤمن لا بعباده مدرك لا بمجسة قائل لا بلفظ هو في الأشياء على غير ممازجة خارج منها على غير مباينة فوق كل شي‏ء و لا يقال شي‏ء فوقه أمام كل شي‏ء و لا يقال له أمام داخل في الأشياء لا كشي‏ء في شي‏ء داخل و خارج منها لا كشي‏ء من خارج فخر ذعلب مغشيا عليه الخبر

 بيان ذعلب بكسر الذال المعجمة و سكون العين المهملة و كسر اللام كما ضبطه الشهيد رحمه الله و الأبصار بفتح الهمزة و يحتمل كسرها قوله ع لطيف اللطافة أي لطافته لطيفة عن أن تدرك بالعقول و الأفهام و لا يوصف باللطف المدرك لعباده في دقائق الأشياء و لطائفها و عظمته أعظم من أن يحيط به الأذهان و هو لا يوصف بالعظم الذي يدركه مدارك الخلق من عظائم الأشياء و جلائلها و كبرياؤه أكبر من أن يوصف و يعبر عنه بالعبادة و البيان و هو لا يوصف بالكبر الذي يتصف به خلقه و جلالته أجل من أن يصل إليه أفهام الخلق و هو لا يوصف بالغلظ كما يوصف الجلائل من الخلق به و المراد بالغلظ إما الغلظ في الخلق أو الخشونة في الخلق قوله ع لا يوصف بالرقة أي رقة القلب لأنه من صفات الخلق بل المراد فيه تعالى غايته قوله ع مؤمن لا بعباده أي يؤمن عباده من عذابه من غير أن يستحقوا ذلك بعباده أو يطلب عليه المؤمن  لا كما يطلق بمعنى الإيمان و الإذعان و التعبد قوله ع لا بلفظ أي من غير تلفظ بلسان أو من غير احتياج إلى إظهار لفظ بل يلقي في قلوب من يشاء من خلقه ما يشاء

 3-  لي، ]الأمالي للصدوق[ علي بن أحمد بن موسى عن الصوفي عن الروياني عن عبد العظيم الحسني عن إبراهيم بن أبي محمود قال قال علي بن موسى الرضا ع في قول الله عز و جل وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ قال يعني مشرقة تنتظر ثواب ربها

 يد، ]التوحيد[ ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ الدقاق عن الصوفي مثله ج، ]الإحتجاج[ مرسلا مثله بيان اعلم أن للفرقة المحقة في الجواب عن الاستدلال بتلك الآية على جواز الرؤية وجوها الأول ما ذكره ع في هذا الخبر من أن المراد بالناظرة المنتظرة كقوله تعالى فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ روي ذلك عن مجاهد و الحسن و سعيد بن جبير و الضحاك و هو المروي عن علي ع و اعترض عليه بأن النظر بمعنى الانتظار لا يتعدى بإلى و أجيب بأن تعديته بهذا المعنى بإلى كثيرة كما قال الشاعر

إني إليك لما وعدت لناظر نظر الفقير إلى الغني الموسر.

 و قال آخر

و يوم بذي قار رأيت وجوههم إلى الموت من وقع السيوف نواظر.

 و الشواهد عليه كثيرة مذكورة في مظانه و يحكى عن الخليل أنه قال يقال نظرت إلى فلان بمعنى انتظرته و عن ابن عباس أنه قال العرب تقول إنما أنظر إلى الله ثم إلى فلان و هذا يعم الأعمى و البصير فيقولون عيني شاخصة إلى فلان و طامحة إليك و نظري إلى الله و إليك و قال الرازي و تحقيق الكلام فيه أن قولهم في الانتظار نظرته بغير صلة فإنما ذلك في الانتظار لمجي‏ء الإنسان بنفسه فأما إذا كان منتظرا لرفده و معونته فقد يقال فيه نظرت إليه انتهى و أجيب أيضا بأنا لا نسلم أن لفظة إلى صلة للنظر بل هو واحد الآلاء و مفعول به للنظر بمعنى الانتظار و منه قال الشاعر   

أبيض لا يرهب الهزال و لا يقطع رحما و لا يخون إلي

 أي لا يخون نعمة. الثاني أن يكون فيه حذف مضاف أي إلى ثواب ربها أي هي ناظرة إلى نعيم الجنة حالا بعد حال فيزداد بذلك سرورها و ذكر الوجوه و المراد به أصحاب الوجوه روي ذلك عن جماعة من علماء المفسرين من الصحابة و التابعين و غيرهم. الثالث أن يكون إلى بمعنى عند و هو معنى معروف عند النحاة و له شواهد كقول الشاعر

فهل لكم فيما إلي فإنني طبيب بما أعيا النطاسي حذيما

 أي فيما عندي و على هذا يحتمل تعلق الظرف بناضرة و بناظرة و الأول أظهر. الرابع أن يكون النظر إلى الرب كناية عن حصول غاية المعرفة بكشف العلائق الجسمانية فكأنها ناظرة إليه تعالى كقوله ص اعبد الله كأنك تراه

 4-  لي، ]الأمالي للصدوق[ المكتب عن محمد الأسدي عن ابن بزيع عن الرضا ع في قول الله عز و جل لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ قال لا تدركه أوهام القلوب فكيف تدركه أبصار العيون

 بيان هذه الآية إحدى الدلالات التي استدل بها النافون للرؤية و قرروها بوجهين أحدهما أن إدراك البصر عبارة شائعة في الإدراك بالبصر إسنادا للفعل إلى الآلة و الإدراك بالبصر هو الرؤية بمعنى اتحاد المفهومين أو تلازمهما و الجمع المعرف باللام عند عدم قرينة العهدية و البعضية للعموم و الاستغراق بإجماع أهل العربية و الأصول و أئمة التفسير و بشهادة استعمال الفصحاء و صحة الاستثناء فالله سبحانه قد أخبر بأنه لا يراه أحد في المستقبل فلو رآه المؤمنون في الجنة لزم كذبه تعالى و هو محال. و اعترض عليه بأن اللام في الجمع لو كان للعموم و الاستغراق كما ذكرتم كان قوله تدركه الأبصار موجبة كلية و قد دخل عليها النفي فرفعها هو رفع الإيجاب الكلي  و رفع الإيجاب الكلي سلب جزئي و لو لم يكن للعموم كان قوله لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ سالبة مهملة في قوة الجزئية فكان المعنى لا تدركه بعض الأبصار و نحن نقول بموجبة حيث لا يراه الكافرون و لو سلم فلا نسلم عمومه في الأحوال و الأوقات فيحمل على نفي الرؤية في الدنيا جمعا بين الأدلة. و الجواب أنه قد تقرر في موضعه أن الجمع المحلى باللام عام نفيا و إثباتا في المنفي و المثبت كقوله تعالى وَ مَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ و ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ حتى أنه لم يرد في سياق النفي في شي‏ء من الكتاب الكريم إلا بمعنى عموم النفي و لم يرد لنفي العموم أصلا نعم قد اختلف في النفي الداخل على لفظة كل لكنه في القرآن المجيد أيضا بالمعنى الذي ذكرنا كقوله تعالى وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ إلى غير ذلك و قد اعترف بما ذكرنا في شرح المقاصد و بالغ فيه و أما منع عموم الأحوال و الأوقات فلا يخفى فساده فإن النفي المطلق الغير المقيد لا وجه لتخصيصه ببعض الأوقات إذ لا ترجيح لبعضها على بعض و هو أحد الأدلة على العموم عند علماء الأصول و أيضا صحة الاستثناء دليل عليه و هل يمنع أحد صحة قولنا ما كلمت زيدا إلا يوم الجمعة و لا أكلمه إلا يوم العيد و قال تعالى وَ لا تَعْضُلُوهُنَّ إلى قوله إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ و قال لا تُخْرِجُوهُنَّ إلى قوله إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ و أيضا كل نفي ورد في القرآن بالنسبة إلى ذاته تعالى فهو للتأبيد و عموم الأوقات لا سيما فيما قبل هذه الآية و أيضا عدم إدراك الأبصار جميعا لشي‏ء لا يختص بشي‏ء من الموجودات خصوصا مع اعتبار شمول الأحوال و الأوقات فلا يختص به تعالى فتعين أن يكون التمدح بعدم إدراك شي‏ء من الأبصار له في شي‏ء من الأوقات. و ثانيهما أنه تعالى تمدح بكونه لا يرى فإنه ذكره في أثناء المدائح و ما كان من الصفات عدمه مدحا كان وجوده نقصا يجب تنزيه الله تعالى عنه و إنما قلنا من الصفات احترازا عن الأفعال كالعفو و الانتقام فإن الأول تفضل و الثاني عدل و كلاهما كمال

   -5  لي، ]الأمالي للصدوق[ الطالقاني عن ابن عقدة عن المنذر بن محمد عن علي بن إسماعيل الميثمي عن إسماعيل بن الفضل قال سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق ع عن الله تبارك و تعالى هل يرى في المعاد فقال سبحان الله و تعالى عن ذلك علوا كبيرا يا ابن الفضل إن الأبصار لا تدرك إلا ما له لون و كيفية و الله خالق الألوان و الكيفية

 6-  يد، ]التوحيد[ ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ لي، ]الأمالي للصدوق[ الهمداني عن علي عن أبيه عن الهروي قال قلت لعلي بن موسى الرضا ع يا ابن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه أهل الحديث إن المؤمنين يزورون ربهم من منازلهم في الجنة فقال ع يا أبا الصلت إن الله تبارك و تعالى فضل نبيه محمدا ص على جميع خلقه من النبيين و الملائكة و جعل طاعته طاعته و مبايعته مبايعته و زيارته في الدنيا و الآخرة زيارته فقال الله عز و جل مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ و قال إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ و قال النبي ص من زارني في حياتي أو بعد موتي فقد زار الله جل جلاله و درجة النبي ص في الجنة أرفع الدرجات فمن زاره إلى درجته في الجنة من منزله فقد زار الله تبارك و تعالى قال فقلت له يا ابن رسول الله فما معنى الخبر الذي رووه أن ثواب لا إله إلا الله النظر إلى وجه الله فقال ع يا أبا الصلت من وصف الله بوجه كالوجوه فقد كفر و لكن وجه الله أنبياؤه و رسله و حججه صلوات الله عليهم هم الذين بهم يتوجه إلى الله و إلى دينه و معرفته و قال الله عز و جل كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَ يَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ و قال عز و جل كُلُّ شَيْ‏ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ فالنظر إلى أنبياء الله و رسله  و حججه ع في درجاتهم ثواب عظيم للمؤمنين يوم القيامة و قد قال النبي ص من أبغض أهل بيتي و عترتي لم يرني و لم أره يوم القيامة و قال ص إن فيكم من لا يراني بعد أن يفارقني يا أبا الصلت إن الله تبارك و تعالى لا يوصف بمكان و لا يدرك بالأبصار و الأوهام الخبر

 ج، ]الإحتجاج[ مرسلا مثله

 7-  لي، ]الأمالي للصدوق[ ابن ناتانة عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن إبراهيم الكرخي قال قلت للصادق جعفر بن محمد ع إن رجلا رأى ربه عز و جل في منامه فما يكون ذلك فقال ذلك رجل لا دين له إن الله تبارك و تعالى لا يرى في اليقظة و لا في المنام و لا في الدنيا و لا في الآخرة

 بيان لعل المراد أنه كذب في تلك الرؤيا أو أنه لما كان مجسما تخيل له ذلك أو أن هذه الرؤيا من الشيطان و ذكرها يدل على كونه معتقدا للتجسم

 8-  شا، ]الإرشاد[ ج، ]الإحتجاج[ روى أهل السير أن رجلا جاء إلى أمير المؤمنين ع فقال يا أمير المؤمنين أخبرني عن الله أ رأيته حين عبدت الله فقال له أمير المؤمنين لم أك بالذي أعبد من لم أره فقال كيف رأيته يا أمير المؤمنين فقال له ويحك لم تره العيون بمشاهدة العيان و لكن رأته القلوب بحقائق الإيمان معروف بالدلالات منعوت بالعلامات لا يقاس بالناس و لا يدرك بالحواس فانصرف الرجل و هو يقول اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ

 9-  ج، ]الإحتجاج[ في خبر الزنديق الذي سأل أمير المؤمنين ع عما توهمه من التناقض في القرآن قال ع و أما قوله تعالى وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ذلك في موضع ينتهي فيه أولياء الله عز و جل بعد ما يفرغ من الحساب إلى نهر يسمى الحيوان فيغتسلون فيه و يشربون من آخر فتبيض وجوههم فيذهب عنهم كل قذى و وعث ثم يؤمرون بدخول الجنة فمن هذا المقام ينظرون إلى ربهم كيف يثيبهم و منه يدخلون الجنة فذلك قوله عز و جل في تسليم الملائكة عليهم سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ  فعند ذلك أثيبوا بدخول الجنة و النظر إلى ما وعدهم الله عز و جل فذلك قوله إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ و الناظرة في بعض اللغة هي المنتظرة أ لم تسمع إلى قوله تعالى فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ أي منتظرة بم يرجع المرسلون و أما قوله وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى يعني محمدا ص حين كان عند سدرة المنتهى حيث لا يجاوزها خلق من خلق الله عز و جل و قوله في آخر الآية ما زاغَ الْبَصَرُ وَ ما طَغى لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى رأى جبرئيل ع في صورته مرتين هذه المرة و مرة أخرى و ذلك أن خلق جبرئيل عظيم فهو من الروحانيين الذين لا يدرك خلقهم و صورتهم إلا رب العالمين الخبر

 بيان الوعث و الوعثاء المشقة قوله صلوات الله عليه و النظر إلى ما وعدهم الله يحتمل أن يكون المراد بالنظر الانتظار فيكون قوله و الناظرة في بعض اللغة تتمة و تأييدا للتوجيه الأول و الأظهر أنه ع أشار إلى تأويلين الأول تقدير مضاف في الكلام أي ناظرة إلى ثواب ربها فيكون النظر بمعنى الإبصار و الثاني أن يكون النظر بمعنى الانتظار و يؤيده ما في التوحيد في تتمة التوجيه الأول فذلك قوله إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ و إنما يعني بالنظر إليه النظر إلى ثوابه تبارك و تعالى و أرجع ع الضمير في قوله تعالى وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى إلى جبرئيل ع و سيأتي القول فيه

 10-  ج، ]الإحتجاج[ يونس بن ظبيان قال دخل رجل على أبي عبد الله ع قال أ رأيت الله حين عبدته قال له ما كنت أعبد شيئا لم أره قال و كيف رأيته قال لم تره الأبصار بمشاهدة العيان و لكن رأته القلوب بحقائق الإيمان لا يدرك بالحواس و لا يقاس بالناس معروف بغير تشبيه

 11-  ج، ]الإحتجاج[ عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع في قوله لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ قال إحاطة الوهم أ لا ترى إلى قوله قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ ليس يعني بصر العيون فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ليس يعني من البصر بعينه وَ مَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها ليس يعني عمي العيون إنما عنى إحاطة الوهم كما يقال فلان بصير بالشعر و فلان بصير بالفقه  و فلان بصير بالدراهم و فلان بصير بالثياب الله أعظم من أن يرى بالعين

 يد، ]التوحيد[ أبي عن محمد العطار عن ابن عيسى عن ابن أبي نجران عن عبد الله بن سنان مثله بيان قوله ع الله أعظم من أن يرى بالعين هذا تفريع على ما سبق أي إذا لم يكن مدركا بالأوهام فيكون أعظم من أن يدرك بالعين و يحتمل أن يكون المعنى أنه أعظم من أن يشك أو يتوهم فيه أنه مدرك بالعين حتى يتعرض لنفيه فيكون دليلا على أن المراد بالأبصار الأوهام

 12-  ج، ]الإحتجاج[ أحمد بن إسحاق قال كتبت إلى أبي الحسن علي بن محمد ع أسأله عن الرؤية و ما فيه الخلق فكتب ع لا تجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي و المرئي هواء ينفذه البصر فمتى انقطع الهواء و عدم الضياء لم تصح الرؤية و في وجوب اتصال الضياء بين الرائي و المرئي وجوب الاشتباه و تعالى الله عن الاشتباه فثبت أنه لا تجوز عليه سبحانه الرؤية بالأبصار لأن الأسباب لا بد من اتصالها بالمسببات

 13-  يد، ]التوحيد[ ابن إدريس عن أبيه عن أحمد بن إسحاق قال كتبت إلى أبي الحسن الثالث ع أسأله عن الرؤية و ما فيه الناس فكتب لا تجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي و المرئي هواء ينفذه البصر فإذا انقطع الهواء و عدم الضياء عن الرائي و المرئي لم تصح الرؤية و كان في ذلك الاشتباه لأن الرائي متى ساوى المرئي في السبب الموجب بينهما في الرؤية وجب الاشتباه و كان في ذلك التشبيه لأن الأسباب لا بد من اتصالها بالمسببات

 بيان استدل ع على عدم جواز الرؤية بأنها تستلزم كون المرئي جسمانيا ذا جهة و حيز و بين ذلك بأنه لا بد أن يكون بين الرائي و المرئي هواء ينفذه البصر  و ظاهره كون الرؤية بخروج الشعاع و إن أمكن أن يكون كناية عن تحقق الإبصار بذلك و توقفه عليه فإذا لم يكن بينهما هواء و انقطع الهواء و عدم الضياء الذي هو أيضا من شرائط الرؤية عن الرائي و المرئي لم تصح الرؤية بالبصر و كان في ذلك أي في كون الهواء بين الرائي و المرئي الاشتباه يعني شبه كل منها بالآخر يقال اشتبها إذا أشبه كل منها الآخر لأن الرائي متى ساوى المرئي و ماثله في النسبة إلى السبب الذي أوجب بينهما في الرؤية وجب الاشتباه و مشابهة أحدهما الآخر في توسط الهواء بينهما و كان في ذلك التشبيه أي كون الرائي و المرئي في طرفي الهواء الواقع بينهما يستلزم الحكم بمشابهة المرئي بالرائي من الوقوع في جهة ليصحكون الهواء بينهما فيكون متحيزا ذا صورة وضعية فإن كون الشي‏ء في طرف مخصوص من طرفي الهواء و توسط الهواء بينه و بين شي‏ء آخر سبب عقلي للحكم بكونه في جهة و متحيزا و ذا وضع و هو المراد بقوله لأن الأسباب لا بد من اتصالها بالمسببات و يحتمل أن يكون ذلك تعليلا لجميع ما ذكر من كون الرؤية متوقفة على الهواء إلى آخر ما ذكر و حاصله يرجع إلى ما ادعاه جماعة من أهل الحق من العلم الضروري بأن الإدراك المخصوص المعلوم بالوجه الممتاز عن غيره لا يمكن أن يتعلق بما ليس في جهة و إلا لم يكن للبصر مدخل فيه و لا كسب لرؤيته بل المدخل في ذلك للعقل فلا وجه حينئذ لتسميته إبصارا و الحاصل أن الإبصار بهذه الحاسة يستحيل أن يتعلق بما ليس في جهة بديهة و إلا لم يكن لها مدخل فيه و هم قد جوزوا الإدراك بهذه الجارحة الحساسة و أيضا هذا النوع من الإدراك يستحيل ضرورة أن يتعلق بما ليس في جهة مع قطع النظر عن أن تعلق هذه الحاسة يستدعي الجهة و المقابلة و ما ذكره الفخر الرازي من أن الضروري لا يصير محلا للخلاف و أن الحكم المذكور مما يقتضيه الوهم و يعين عليه و هو ليس مأمونا لظهور خطائه في الحكم بتجسم الباري تعالى و تحيزه و ما ظهر خطؤه مرة فلا يؤمن بل يتهم ففاسد لأن خلاف بعض العقلاء في الضروريات جائز كالسوفسطائية و المعتزلة في قولهم بانفكاك الشيئية و الوجود و ثبوت الحال و أما قوله بأنه حكم الوهم الغير المأمون فطريف جدا لأنه منقوض بجميع أحكام العقل لأنه أيضا مما ظهر خطؤه مرارا و جميع  الهندسيات و الحسابيات و أيضا مدخلية الوهم في الحكم المذكور ممنوع و إنما هو عقلي صرف عندنا و كذلك ليس كون الباري تعالى متحيزا مما يحكم به و يجزم بل هو تخيل يجري مجرى سائر الأكاذيب في أن الوهم و إن صوره و خيله إلينا لكن العقل لا يكاد يجوزه بل يحيله و يجزم ببطلانه و كون ظهور الخطإ مرة سببا لعدم ايتمان المخطئ و اتهامه ممنوع أيضا و إلا قدح في الحسيات و سائر الضروريات و قد تقرر بطلانه في موضعه في رد شبه القادحين في الضروريات

 14-  يد، ]التوحيد[ الدقاق عن الكليني عن أحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى قال سألني أبو قرة المحدث أن أدخله إلى أبي الحسن الرضا ع فاستأذنته في ذلك فأذن لي فدخل عليه فسأله عن الحلال و الحرام و الأحكام حتى بلغ سؤاله التوحيد فقال أبو قرة إنا روينا أن الله عز و جل قسم الرؤية و الكلام بين اثنين فقسم لموسى ع الكلام و لمحمد ص الرؤية فقال أبو الحسن ع فمن المبلغ عن الله عز و جل إلى الثقلين الجن و الإنس لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً و لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ أ ليس محمد ص قال بلى قال فكيف يجي‏ء رجل إلى الخلق جميعا فيخبرهم أنه جاء من عند الله و أنه يدعوهم إلى الله بأمر الله و يقول لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً و لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ ثم يقول أنا رأيته بعيني و أحطت به علما و هو على صورة البشر أ ما يستحيون ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون يأتي عن الله بشي‏ء ثم يأتي بخلافه من وجه آخر قال أبو قرة فإنه يقول وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى فقال أبو الحسن ع إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى حيث قال ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى يقول ما كذب فؤاد محمد ص ما رأت عيناه ثم أخبر بما رأى فقال لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى فآيات الله غير الله و قد قال وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً فإذا رأته الأبصار فقد أحاطت به العلم و وقعت المعرفة فقال أبو قرة فتكذب الروايات فقال أبو الحسن ع إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذبت بها و ما أجمع المسلمون عليه أنه لا يحيط به علم و لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ و لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ

   بيان اعلم أن المفسرين اختلفوا في تفسير تلك الآيات قوله تعالى ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى يحتمل كون ضمير الفاعل في رأى راجعا إلى النبي ص و إلى الفؤاد قال البيضاوي ما كذب الفؤاد ما رأى ببصره من صورة جبرئيل أو الله أي ما كذب الفؤاد بصره بما حكاه له فإن الأمور القدسية تدرك أولا بالقلب ثم ينتقل منه إلى البصر أو ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك و لو قال ذلك كان كاذبا لأنه عرفه بقلبه كما رآه بصره أو ما رآه بقلبه و المعنى لم يكن تخيلا كاذبا و يدل عليه أنه سئل ع هل رأيت ربك فقال رأيته بفؤادي و قرئ ما كذب أي صدقه و لم يشك فيه أَ فَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى أ فتجادلونه عليه من المراء و هو المجادلة انتهى قوله تعالى وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى قال الرازي يحتمل الكلام وجوها ثلاثة الأول الرب تعالى و الثاني جبرئيل ع و الثالث الآيات العجيبة الإلهية انتهى أي و لقد رآه نازلا نزلة أخرى فيحتمل نزوله ص و نزول مرئيه. فإذا عرفت محتملات تلك الآيات عرفت سخافة استدلالهم بها على جواز الرؤية و وقوعها بوجوه الأول أنه يحتمل أن يكون المرئي جبرئيل إذا المرئي غير مذكور في اللفظ و قد أشار أمير المؤمنين ع إلى هذا الوجه في الخبر السابق

 و روى مسلم في صحيحه بإسناده عن زرعة عن عبد الله ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى قال رأى جبرئيل ع له ستمائة جناح

 و روى أيضا بإسناده عن أبي هريرة وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى قال  رأى جبرئيل ع بصورته التي له في الخلقة الأصلية

الثاني ما ذكره ع في هذا الخبر و هو قريب من الأول لكنه أعم منه الثالث أن يكون ضمير الرؤية راجعا إلى الفؤاد فعلى تقدير إرجاع الضمير إلى الله تعالى أيضا لا فساد فيه الرابع أن يكون على تقدير إرجاع الضمير إليه ع و كون المرئي هو الله تعالى المراد بالرؤية غاية مرتبة المعرفة و نهاية الانكشاف. و أما استدلاله ع بقوله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ فهو إما لأن الرؤية تستلزم الجهة و المكان و كونه جسما أو جسمانيا أو لأن الصورة التي تحصل منه في المدركة تشبهه قوله ع حيث قال أي أولا قبل هذه الآية و إنما ذكر ع ذلك لبيان أن المرئي قبل هذه الآية غير مفسر أيضا بل إنما يفسره ما سيأتي بعدها قوله ع و ما أجمع المسلمون عليه أي اتفق المسلمون على حقية مدلول ما في الكتاب مجملا و الحاصل أن الكتاب قطعي السند متفق عليه بين جميع الفرق فلا يعارضه الأخبار المختلفة المتخالفة التي تفردتم بروايتها. ثم اعلم أنه ع أشار في هذا الخبر إلى دقيقة غفل عنها الأكثر و هي أن الأشاعرة وافقونا في أن كنهه تعالى يستحيل أن يتمثل في قوة عقلية حتى أن المحقق الدواني نسبه إلى الأشاعرة موهما اتفاقهم عليه و جوزوا ارتسامه و تمثله في قوة جسمانية و تجويز إدراك القوة الجسمانية لها دون العقلية بعيد عن العقل مستغرب فأشار ع إلى أن كل ما ينفي العلم بكنهه تعالى من السمع ينفي الرؤية أيضا فإن الكلام ليس في رؤية عرض من أعراضه تعالى بل في رؤية ذاته و هو نوع من العلم بكنهه تعالى

 15-  يد، ]التوحيد[ أبي عن محمد بن العطار عن ابن عيسى عن البزنطي عن الرضا ع قال قال رسول الله ص لما أسري بي إلى السماء بلغ بي جبرئيل ع مكانا لم يطؤه  جبرئيل قط فكشف لي فأراني الله عز و جل من نور عظمته ما أحب

 16-  يد، ]التوحيد[ ابن الوليد عن الصفار عن أحمد بن محمد عن أبي هاشم الجعفري عن أبي الحسن الرضا ع قال سألته عن الله عز و جل هل يوصف فقال أ ما تقرأ القرآن قلت بلى قال أ ما تقرأ قوله عز و جل لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ قلت بلى قال فتعرفون الأبصار قلت بلى قال و ما هي قلت أبصار العيون فقال إن أوهام القلوب أكثر من أبصار العيون فهو لا تدركه الأوهام و هو يدرك الأوهام

 بيان أكثر أي أعم إدراكا فهو أولى بالتعرض لنفيه

 17-  يد، ]التوحيد[ الدقاق عن الأسدي عمن ذكره عن محمد بن عيسى عن أبي هاشم الجعفري قال قلت لأبي جعفر ]علي[ بن الرضا ع لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ فقال يا أبا هاشم أوهام القلوب أدق من أبصار العيون أنت قد تدرك بوهمك السند و الهند و البلدان التي لم تدخلها و لم تدركها ببصرك فأوهام القلوب لا تدركه فكيف أبصار العيون

 ج، ]الإحتجاج[ عن الجعفري مثله

 18-  يد، ]التوحيد[ الدقاق عن الأسدي عن البرمكي عن ابن أبان عن بكر بن صالح عن الحسن بن سعيد عن إبراهيم بن محمد الخزاز و محمد بن الحسين قالا دخلنا على أبي الحسن الرضا ع فحكينا له ما روي أن محمدا ص رأى ربه في هيئة الشاب الموفق في سن أبناء ثلاثين سنة رجلاه في خضرة و قلنا إن هشام بن سالم  و صاحب الطاق و الميثمي يقولون إنه أجوف إلى السرة و الباقي صمد فخر ساجدا ثم قال سبحانك ما عرفوك و لا وحدوك فمن أجل ذلك وصفوك سبحانك لو عرفوك لوصفوك بما وصفت به نفسك سبحانك كيف طاوعتهم أنفسهم أن شبهوك بغيرك إلهي لا أصفك إلا بما وصفت به نفسك و لا أشبهك بخلقك أنت أهل لكل خير فلا تجعلني من القوم الظالمين ثم التفت إلينا فقال ما توهمتم من شي‏ء فتوهموا الله غيره ثم قال نحن آل محمد النمط الوسطى الذي لا يدركنا الغالي و لا يسبقنا التالي يا محمد إن رسول الله ص حين نظر إلى عظمة ربه كان في هيئة الشاب الموفق و سن أبناء ثلاثين سنة يا محمد عظم ربي و جل أن يكون في صفة المخلوقين قال قلت جعلت فداك من كانت رجلاه في خضرة قال ذاك محمد ص كان إذا نظر إلى ربه بقلبه جعله في نور مثل نور الحجب حتى يستبين له ما في الحجب إن نور الله  منه اخضر ما اخضر و منه احمر ما احمر و منه ابيض ما ابيض و منه غير ذلك يا محمد ما شهد به الكتاب و السنة فنحن القائلون به

 بيان قوله ع النمط الوسطى و في الكافي الأوسط قال الجزري

 في حديث علي ع خير هذه الأمة النمط الأوسط

النمط الطريقة من الطرائق و الضروب يقال ليس هذا من ذلك النمط أي من ذلك الضرب و النمط الجماعة من الناس أمرهم واحد انتهى قوله ع لا يدركنا الغالي في أكثر النسخ بالغين المعجمة و في بعضها بالعين المهملة و على التقديرين المراد به من يتجاوز الحد في الأمور أي لا يدركنا و لا يلحقنا في سلوك طريق النجاة من يغلو فينا أو في كل شي‏ء و التالي أي التابع لنا لا يصل إلى النجاة إلا بالأخذ عنا فلا يسبقنا بأن يصل إلى المطلوب لا بالتوصل بنا و في الكافي أن نور الله منه أخضر و منه أحمر و منه أبيض و منه غير ذلك و سيأتي في باب العرش في خبر أبي الطفيل أن الله خلق العرش من أنوار مختلفة فمن ذلك النور نور أخضر اخضرت منه الخضرة و نور أصفر اصفرت منه الصفرة و نور أحمر احمرت منه الحمرة و نور أبيض و هو نور الأنوار و منه ضوء النهار. ثم اعلم أنه يمكن إبقاء الحجب و الأنوار على ظواهرها بأن يكون المراد بالحجب أجساما لطيفة مثل العرش و الكرسي يسكنها الملائكة الروحانيون كما يظهر من بعض الدعوات و الأخبار أي أفاض عليه شبيه نور الحجب ليمكن له رؤية الحجب كنور الشمس بالنسبة إلى عالمنا و يحتمل التأويل أيضا بأن يكون المراد بها الوجوه التي يمكن الوصول إليها في معرفة ذاته تعالى و صفاته إذ لا سبيل لأحد إلى الكنه و هي تختلف باختلاف درجات العارفين قربا و بعدا فالمراد بنور الحجب قابلية تلك المعارف و تسميتها بالحجب إما لأنها وسائط بين العارف و الرب تعالى كالحجاب أو لأنها موانع عن أن يسند إليه تعالى ما لا يليق به أو لأنها لما لم تكن موصلة إلى الكنه فكأنها حجب إذ الناظر خلف الحجاب لا تتبين له حقيقة الشي‏ء كما هي. و قيل إن المراد بها العقول فإنها حجب نور الأنوار و وسائط النفوس الكاملة  و النفس إذا استكملت ناسبت نوريتها نورية تلك الأنوار فاستحقت الاتصال بها و الاستفادة منها فالمراد بجعله في نور الحجب جعله في نور العلم و الكمال مثل نور الحجب حتى يناسب جوهر ذاته جوهر ذاتهم فيستبين له ما في ذواتهم و لا يخفى فساده على أصولنا بوجوه شتى. و أما تأويل ألوان الأنوار فقد قيل فيه وجوه الأول أنها كناية عن تفاوت مراتب تلك الأنوار بحسب القرب و البعد من نور الأنوار فالأبيض هو الأقرب و الأخضر هو الأبعد كأنه ممزج بضرب من الظلمة و الأحمر هو المتوسط بينهما ثم ما بين كل اثنين ألوان أخرى كألوان الصبح و الشفق المختلفة في الألوان لقربها و بعدها من نور الشمس. الثاني أنها كناية عن صفاته المقدسة فالأخضر قدرته على إيجاد الممكنات و إفاضته الأرواح التي هي عيون الحياة و منابع الخضرة و الأحمر غضبه و قهره على الجميع بالإعدام و التعذيب و الأبيض رحمته و لطفه على عباده كما قال تعالى وَ أَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ الثالث ما استفدته من الوالد العلامة قدس الله روحه و ذكر أنه مما أفيض عليه من أنوار الكشف و اليقين و بيانه يتوقف على تمهيد مقدمة و هي أن لكل شي‏ء مثالا في عالم الرؤيا و المكاشفة و تظهر تلك الصور و الأمثال على النفوس مختلفة باختلاف مراتبها في النقص و الكمال فبعضها أقرب إلى ذي الصورة و بعضها أبعد و شأن المعبر أن ينتقل منها إلى ذواتها. فإذا عرفت هذا فالنور الأصفر عبارة عن العبادة و نورها كما هو المجرب في الرؤيا فإنه كثير ما يرى الرائي الصفرة في المنام فيتيسر له بعد ذلك عبادة يفرح بها و كما هو المعاين في جباه المتهجدين و قد ورد في الخبر في شأنهم أنه ألبسهم الله من نوره لما خلوا به و النور الأبيض العلم لأنه منشأ للظهور و قد جرب في المنام أيضا و النور الأحمر المحبة كما هو المشاهد في وجوه المحبين عند طغيان المحبة و قد جرب في الأحلام أيضا و النور الأخضر المعرفة كما تشهد به الرؤيا و يناسبه هذا الخبر  لأنه ع في مقام غاية العرفان كانت رجلاه في خضرة و لعلهم ع إنما عبروا عن تلك المعاني على تقدير كونها مرادة بهذه التعبيرات لقصور أفهامنا عن محض الحقيقة كما تعرض على النفوس الناقصة في الرؤيا هذه الصور و لأنا في منام طويل من الغفلة عن الحقائق كما

 قال ع الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا

و هذه التأويلات غاية ما يصل إليه أفهامنا القاصرة و الله أعلم بمراد حججه و أوليائه ع

 19-  يد، ]التوحيد[ ابن الوليد عن إبراهيم بن هاشم عن ابن أبي عمير عن مرازم عن أبي عبد الله ع قال سمعته يقول رأى رسول الله ص ربه عز و جل يعني بقلبه

 و تصديق ذلك ما حدثنا به ابن الوليد عن الصفار عن ابن أبي الخطاب عن محمد بن الفضيل قال سألت أبا الحسن ع هل رأى رسول الله ص ربه عز و جل فقال نعم بقلبه رآه أ ما سمعت الله عز و جل يقول ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى لم يره بالبصر و لكن رآه بالفؤاد

 20-  يد، ]التوحيد[ أبي عن سعد عن الأصفهاني عن المنقري عن حفص أو غيره قال سألت أبا عبد الله ع عن قول الله عز و جل لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى قال رأى جبرئيل على ساقه الدر مثل القطر على البقل له ستمائة جناح قد ملأ ما بين السماء و الأرض

 21-  يد، ]التوحيد[ الدقاق عن الأسدي عن علي بن أبي القاسم عن يعقوب بن إسحاق قال كتبت إلى أبي محمد ع أسأله كيف يعبد العبد ربه و هو لا يراه فوقع ع يا أبا يوسف جل سيدي و مولاي و المنعم علي و على آبائي أن يرى قال و سألته هل رأى رسول الله ص ربه فوقع ع أن الله تبارك و تعالى أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحب

   -22  يد، ]التوحيد[ ابن إدريس عن أبيه عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان عن ابن حميد قال ذاكرت أبا عبد الله ع فيما يروون من الرؤية فقال الشمس جزء من سبعين جزءا من نور الكرسي و الكرسي جزء من سبعين جزءا من نور العرش و العرش جزء من سبعين جزءا من نور الحجاب و الحجاب جزء من سبعين جزءا من نور السر فإن كانوا صادقين فليملئوا أعينهم من الشمس ليس دونها سحاب

 بيان لعله تمثيل و تنبيه على عجز القوى الجسمانية و بيان لأن لإدراكها حدا لا تتجاوزه و يحتمل أن يكون تنبيها بضعف القوى الظاهرة على ضعف القوى الباطنة أي كما لا يقدر بصرك في رأسك على تحديق النظر إلى الشمس فكذلك لا يقدر عين قلبك على مطالعة شمس ذاته و أنوار جلاله و الأول أظهر

 23-  يد، ]التوحيد[ أبي عن سعد عن ابن عيسى عن البزنطي عن أبي الحسن الموصلي عن أبي عبد الله ع قال جاء حبر إلى أمير المؤمنين ع فقال يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك حين عبدته فقال ويلك ما كنت أعبد ربا لم أره قال و كيف رأيته قال ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الأبصار و لكن رأته القلوب بحقائق الإيمان

 24-  يد، ]التوحيد[ الدقاق عن الأسدي عن النخعي عن النوفلي عن البطائني عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال قلت له أخبرني عن الله عز و جل هل يراه المؤمنون يوم القيامة قال نعم و قد رأوه قبل يوم القيامة فقلت متى قال حين قال لهم أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ثم سكت ساعة ثم قال و إن المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيامة أ لست تراه في وقتك هذا  قال أبو بصير فقلت له جعلت فداك فأحدث بهذا عنك فقال لا فإنك إذا حدثت به فأنكره منكر جاهل بمعنى ما تقوله ثم قدر أن ذلك تشبيه و كفر و ليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين تعالى الله عما يصفه المشبهون و الملحدون

 25-  لي، ]الأمالي للصدوق[ يد، ]التوحيد[ ابن المتوكل عن السعدآبادي عن البرقي عن أبيه عن أحمد بن النضر عن محمد بن مروان عن محمد بن السائب عن أبي صالح عن عبد الله بن عباس في قوله عز و جل فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ قال يقول سبحانك تبت إليك من أن أسألك رؤية و أنا أول المؤمنين بأنك لا ترى قال الصدوق رحمه الله إن موسى ع علم أن الله عز و جل لا يجوز عليه الرؤية و إنما سأل الله عز و جل أن يريه ينظر إليه عن قوله حين ألحوا عليه في ذلك فسأل موسى ربه ذلك من غير أن يستأذنه فقال رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَ لكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ في حال تدكدكه فَسَوْفَ تَرانِي و معناه أنك لا تراني أبدا لأن الجبل لا يكون ساكنا متحركا في حال أبدا و هذا مثل قوله عز و جل وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ و معناه أنهم لا يدخلون الجنة أبدا كما لا يلج الجمل في سم الخياط أبدا فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ أي ظهر بآية من آياته و تلك الآية نور من الأنوار التي خلقها ألقى منها على ذلك الجبل ف جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسى صَعِقاً من هول تدكدك ذلك الجبل على عظمه و كبره فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ أي رجعت إلى معرفتي بك عادلا عما حملني عليه قومي من سؤالك الرؤية و لم تكن هذه التوبة من ذنبه لأن الأنبياء لا يذنبون ذنبا صغيرا و لا كبيرا و لم يكن الاستئذان  قبل السؤال بواجب عليه لكنه كان أدبا أن يستعمله و يأخذ به نفسه متى أراد أن يسأله على أنه قد روى قوم أنه قد استأذن في ذلك فأذن له ليعلم قومه بذلك أن الرؤية لا تجوز على الله عز و جل و قوله وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ يقول أنا أول المؤمنين من القوم الذين كانوا معه و سألوه أن يسأل ربه أن يريه ينظر إليه بأنك لا ترى. و الأخبار التي رويت في هذا المعنى و أخرجها مشايخنا رضي الله عنهم في مصنفاتهم عندي صحيحة و إنما تركت إيرادها في هذا الباب خشية أن يقرأها جاهل بمعانيها فيكذب بها فيكفر بالله عز و جل و هو لا يعلم. و الأخبار التي ذكرها أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره و التي أوردها محمد بن أحمد بن يحيى في جامعه في معنى الرؤية صحيحة لا يردها إلا مكذب بالحق أو جاهل به و ألفاظها ألفاظ القرآن و لكل خبر معنى ينفي التشبيه و التعطيل و يثبت التوحيد و قد أمرنا الأئمة صلوات الله عليهم أن لا نكلم الناس إلا على قدر عقولهم و معنى الرؤية هنا الواردة في الأخبار العلم و ذلك أن الدنيا دار شكوك و ارتياب و خطرات فإذا كان يوم القيامة كشف للعباد من آيات الله و أموره في ثوابه و عقابه ما تزول به الشكوك و يعلم حقيقة قدرة الله عز و جل و تصديق ذلك في كتاب الله عز و جل لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ فمعنى ما روي في الحديث أنه عز و جل يرى أي يعلم علما يقينيا كقوله عز و جل أَ لَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ و قوله أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ و قوله أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ و قوله أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ و أشباه ذلك من رؤية القلب و ليست من رؤية العين و أما قول الله عز و جل فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ فمعناه لما  ظهر عز و جل للجبل بآية من آيات الآخرة التي يكون بها الجبال سرابا و الذي ينسف بها الجبال نسفا تدكدك الجبل فصار ترابا لأنه لم يطق حمل تلك الآية و قد قيل إنه بدا له نور العرش. و تصديق ما ذكرته

 ما حدثنا به تميم القرشي عن أبيه عن حمدان بن سليمان عن علي بن محمد بن الجهم قال حضرت مجلس المأمون و عنده الرضا علي بن موسى ع فقال له المأمون يا ابن رسول الله أ ليس من قولك إن الأنبياء معصومون قال بلى فسأله عن آيات من القرآن فكان فيما سأل أن قال له فما معنى قول الله عز و جل وَ لَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي الآية كيف يجوز أن يكون كليم الله موسى بن عمران ع لا يعلم أن الله تعالى ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتى يسأله عن هذا السؤال فقال الرضا ع إن كليم الله موسى بن عمران ع علم أن الله تعالى عن أن يرى بالأبصار و لكنه لما كلمه الله عز و جل و قربه نجيا رجع إلى قومه فأخبرهم أن الله عز و جل كلمه و قربه و ناجاه فقالوا لن نؤمن لك حتى نسمع كلامه كما سمعت و كان القوم سبعمائة ألف رجل فاختار منهم سبعين ألفا ثم اختار منهم سبعة آلاف ثم اختار منهم سبعة مائة ثم اختار منهم سبعين رجلا لميقات ربه فخرج بهم إلى طور سيناء فأقامهم في سفح الجبل و صعد موسى ع إلى الطور و سأل الله تبارك و تعالى أن يكلمه و يسمعهم كلامه فكلمه الله تعالى ذكره و سمعوا كلامه من فوق و أسفل و يمين و شمال و وراء و أمام لأن الله عز و جل أحدثه في الشجرة ثم جعله منبعثا منها حتى سمعوه من جميع الوجوه فقالوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ بأن هذا الذي سمعناه كلام الله حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فلما قالوا هذا القول العظيم و استكبروا و عتوا بعث الله عز و جل عليهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم فماتوا فقال موسى يا رب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم و قالوا إنك ذهبت بهم فقتلتهم لأنك لم تكن صادقا فيما ادعيت من مناجاة الله إياك فأحياهم الله و بعثهم معه فقالوا إنك لو سألت الله أن يريك  تنظر إليه لأجابك و كنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته فقال موسى ع يا قوم إن الله لا يرى بالأبصار و لا كيفية له و إنما يعرف بآياته و يعلم بإعلامه فقالوا لن نؤمن لك حتى تسأله فقال موسى ع يا رب إنك قد سمعت مقالة بني إسرائيل و أنت أعلم بصلاحهم فأوحى الله جل جلاله إليه يا موسى اسألني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم فعند ذلك قال موسى ع رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَ لكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ و هو يهوي فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ بآياته جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ يقول رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ منهم بأنك لا ترى فقال المأمون لله درك يا أبا الحسن الخبر

 ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ تميم القرشي مثله. بيان اعلم أن المنكرين للرؤية و المثبتين لها كليهما استدلوا بما ورد في تلك القصة على مطلوبهم فأما المثبتون فاحتجوا بها بوجهين الأول أن موسى ع سأل الرؤية و لو امتنع كونه تعالى مرئيا لما سأل لأنه حينئذ إما أن يعلم امتناعه أو يجهله فإن علمه فالعاقل لا يطلب المحال لأنه عبث و إن جهله فالجاهل بما لا يجوز على الله تعالى و يمتنع لا يكون نبيا كليما. و أجيب عنه بوجوه الأول ما ورد في هذا الخبر من أن السؤال إنما كان بسبب قومه لا لنفسه لأنه كان عالما بامتناعها و هذا أظهر الوجوه و اختاره السيد الأجل المرتضى في كتابي تنزيه الأنبياء و غرر الفوائد و أيده بوجوه منها حكاية طلب الرؤية من بني إسرائيل في مواضع كقوله تعالى فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ و قوله تعالى وَ إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ و منها أن موسى ع أضاف ذلك إلى السفهاء قال الله تعالى فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَ إِيَّايَ أَ تُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا و إضافة ذلك إلى السفهاء تدل على أنه كان بسببهم و من أجلهم حيث سألوا ما لا يجوز عليه تعالى  فإن قيل فلم أضاف السؤال إلى نفسه و وقع الجواب مختصا به قلنا لا يمتنع وقوع الإضافة على هذا الوجه مع أن السؤال كان لأجل الغير إذا كانت هناك دلالة تؤمن من اللبس فلهذا يقول أحدنا إذا شفع في حاجة غيره للمشفوع إليه أسألك أن تفعل بي كذا و تجيبني إلى ذلك و يحسن أن يقول المشفوع إليه قد أجبتك و شفعتك و ما جرى مجرى ذلك على أنه قد ذكر في الخبر ما يغني عن هذا الجواب. و أما ما يورد في هذا المقام من أن السؤال إذا كان للغير فأي جرم كان لموسى حتى تاب منه فأجاب ع بحمل التوبة على معناه اللغوي أي الرجوع أي كنت قطعت النظر عما كنت أعرفه من عدم جواز رؤيتك و سألت ذلك للقوم فلما انقضت المصلحة في ذلك تركت هذا السؤال و رجعت إلى معرفتي بعدم جواز رؤيتك و ما تقتضيه من عدم السؤال. و أجاب السيد قدس الله روحه عنه بأنه يجوز أن يكون التوبة لأمر آخر غير هذا الطلب أو يكون ما أظهره من التوبة على سبيل الرجوع إلى الله تعالى و إظهار الانقطاع إليه و التقرب منه و إن لم يكن هناك ذنب و الحاصل أن الغرض من ذلك إنشاء التذلل و الخضوع و يجوز أن يضاف إلى ذلك تنبيه القوم المخطئين على التوبة مما التمسوه من الرؤية المستحيلة عليه بل أقول يحتمل أن تكون التوبة من قبلهم كما كان السؤال كذلك. الثاني أنه ع لم يسأل الرؤية بل تجوز بها عن العلم الضروري لأنه لازمها و إطلاق اسم الملزوم على اللازم شائع سيما استعمال رأى بمعنى علم و أرى بمعنى أعلم و الحاصل أنه سأله أن يعلمه نفسه ضرورة بإظهار بعض أعلام الآخرة التي تضطره إلى المعرفة فتزول عنه الدواعي و الشكوك و يستغني عن الاستدلال كما سأل إبراهيم ع رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى. الثالث أن في الكلام مضافا محذوفا أي أرني آية من آياتك أنظر إلى آيتك و حاصله يرجع إلى الثاني. الرابع أنه ع سأل الرؤية مع علمه بامتناعها لزيادة الطمأنينة بتعاضد دليل

   العقل و السمع كما في طلب إبراهيم ع و حاصله يرجع إلى منع أن العاقل لا يطلب المحال الذي علم استحالته إذ يمكن أن يكون الطلب لغرض آخر غير حصول المطلوب فلا يلزم العبث لجواز ترتب غرض آخر عليه و العبث ما لا فائدة فيه أصلا و لعل في هذا السؤال فوائد عظيمة سوى ما ذكر أيضا و لا يلزمنا تعيين الفائدة بل على المستدل أن يدل على انتفائها مطلقا و نحن من وراء المنع و مما يستغرب من الأشاعرة أنهم أجمعوا على أن الطلب غير الإرادة و احتجوا عليه بأن الآمر ربما أمر عبده بأمر و هو لا يريده بل يريد نقيضه ثم يقولون هاهنا بأن طلب ما علم استحالته لا يتأتى من العاقل. الثاني من وجهي احتجاجهم هو أنه تعالى علق الرؤية على استقرار الجبل و هو أمر ممكن في نفسه و المعلق على الممكن ممكن لأن معنى التعليق إن المعلق يقع على تقدير وقوع المعلق عليه و المحال لا يقع على شي‏ء من التقادير و يمكن الجواب عنه بوجوه أوجهها أن يقال التعليق إما أن يكون الغرض منه بيان وقت المعلق و تحديد وقوعه بزمان و شرط و من البين أن ما نحن فيه ليس من هذا القبيل و إما أن يكون المطلوب فيه مجرد بيان تحقق الملازمة و علاقة الاستلزام بأن يكون لإفادة النسبة التي بين الشرط و الجزاء مع قطع النظر عن وقوع شي‏ء من الطرفين و عدم وقوعه و لا يخفى على ذي لب أن لا علاقة بين استقرار الجبل و رؤيته تعالى في نفس الأمر و لا ملازمة على أن إفادة مثل هذا الحكم و هو تحقق علاقة اللزوم بين هاتين القضيتين لا يليق بسياق مقاصد القرآن الحكيم مع ما فيه من بعده عن مقام سؤال الكليم فإن المناسب لما طلب من الرؤية بيان وقوعه و لا وقوعه لا مجرد إفادة العلاقة بين الأمرين فالصواب حينئذ أن يقال المقصود من هذا التعليق بيان أن الجزاء لا يقع أصلا بتعليقه على ما لا يقع ثم هذا التعليق إن كان مستلزما للعلاقة بين الشرط و الجزاء فواجب أن يكون إمكان الجزاء مستتبعا لإمكان الشرط لأن ما له هذه العلاقة مع المحال لا يكون ممكنا على ما هو المشهور من أن مستلزم المحال محال و إلا فلا وجه لوجوب إمكان الجزاء و الأول و إن كان شائع الإرادة من اللفظ إلا أن الثاني أيضا مذهب معروف للعرب كثير الدوران بينهم و هو عمدة البلاغة و دعامتها و من ذلك قول الشاعر   

إذا شاب الغراب أتيت أهلي و صار القار كاللبن الحليب.

 و معلوم أن مشيب الغراب و صيرورة القار كالحليب لا ملازمة بينهما و بين إتيان الشاعر أهله. و نظيره في الكتاب الكريم كثير كتعليق خروج أهل النار منها على ولوج الجمل في سم الخياط و بعيد من العاقل أن يدعي علاقة بينهما و إذا كان ذلك التعليق أمرا شائعا كثير الوقوع في كلامهم فلا ترجيح للاحتمال الأول بل الترجيح معنا فإن البلاغة في ذلك و أما إذا تحقق العلاقة في الواقع بينهما و علق عليه لمكان تلك العلاقة فليس له ذلك الموقع من حسن القبول أ لا ترى أن المتمني لوصال حبيبه الميت لو قال إذا رجع الموتى إلى الدنيا أمكن لي زيارة الحبيب لم يكن كقول الصب المتحسر على مفارقة الأحباء متى أقبل الأمس الدابر و حيي الميت الغابر طمعت في اللقاء و أيضا لا يخفى على ذي فطرة أن التزام تحقق علاقة لزوم بين استقرار الجبل في تلك الحال و بين رؤيته تعالى بحيث لو فرض وقوع ذلك الاستقرار امتنع أن لا يقع رؤيته تعالى مستبعد جدا يكاد يجزم العقل ببطلانه فإذن المقصود من ذلك الكلام مجرد بيان انتفائه بتعليقه على أمر غير واقع و يكفي في ذلك عدم وقوع المعلق عليه و لا يستدعي امتناع المعلق امتناعه و لو سلم فنقول إن المعلق عليه هو الاستقرار لا مطلقا بل في المستقبل و عقيب النظر بدلالة الفاء و إن و ذلك لأنه إذا دخل الفاء على أن يفيد اشتراط التعقيب لا تعقيب الاشتراط فالشرط هاهنا وقوع الاستقرار عقيب النظر و النظر ملزوم لوقوع حركة الجبل عقيبه فوقوع السكون عقيبه محال لاستحالة وقوع الشي‏ء عقيب ما يستعقب منافي ذلك الشي‏ء و يستلزم وقوعه عقيبه و أما أن النظر لا يستلزم اندكاك الجبل و تزلزله و لا علاقة بينه و بينه و إنما هو مصاحبة اتفاقية فممنوع و لعل النظر ملزوم للحركة كما أن استقرار الجبل ملزوم لرؤيته تعالى و تحقق العلاقة بين النظر و الحركة ليس بأبعد من تحقق العلاقة بين الاستقرار و الرؤية و لنقتصر على ذلك فإن إطناب الكلام في كل من الدلائل و الأجوبة يوجب الخروج عما هو المقصود من الكتاب. و أما المنكرون فاحتجوا بقوله تعالى لَنْ تَرانِي فإن كلمة لن تفيد إما تأبيد  النفي في المستقبل كما صرح به الزمخشري في أنموذجه فيكون نصا في أن موسى ع لا يراه أبدا أو تأكيده على ما صرح به في الكشاف فيكون ظاهرا في ذلك لأن المتبادر في مثله عموم الأوقات و إذا لم يره موسى لم يره غيره إجماعا و إن نوقش في كونها للتأكيد أو للتأبيد فكفاك شاهدا استدلال أئمتنا ع بها على نفي الرؤية مطلقا لأنهم أفصح الفصحاء طرا باتفاق الفريقين مع أنا لكثرة براهيننا لا نحتاج إلى الإكثار في دلالة هذه الآية على المطلوب

 26-  يد، ]التوحيد[ الدقاق عن الأسدي عن البرمكي عن الحسين بن الحسن عن عبد الله بن زاهر عن الحسين بن يحيى الكوفي عن قثم بن قتادة عن عبد الله بن يونس عن أبي عبد الله ع قال بينا أمير المؤمنين ع يخطب على منبر الكوفة إذ قام إليه رجل يقال له ذعلب ذرب اللسان بليغ في الخطاب شجاع القلب فقال يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك فقال ويلك يا ذعلب ما كنت أعبد ربا لم أره قال يا أمير المؤمنين كيف رأيته قال يا ذعلب لم تره العيون بمشاهدة الأبصار و لكن رأته القلوب بحقائق الإيمان أقول تمامه في باب جوامع التوحيد

 27-  نهج، ]نهج البلاغة[ من كلام له ع و قد سأله ذعلب اليماني فقال هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين فقال ع أ فأعبد ما لا أرى قال و كيف تراه قال لا تدركه العيون بمشاهدة العيان و لكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان قريب من الأشياء غير  ملامس بعيد منها غير مباين متكلم لا برؤية و مريد بلا همة صانع لا بجارحة لطيف لا يوصف بالخفاء كبير لا يوصف بالجفاء بصير لا يوصف بالحاسة رحيم لا يوصف بالرقة تعنو الوجوه لعظمته و تجب القلوب من مخافته

 28-  سن، ]المحاسن[ البزنطي عن رجل من أهل الجزيرة عن أبي عبد الله ع أن رجلا من اليهود أتى أمير المؤمنين ع فقال يا علي هل رأيت ربك فقال ما كنت بالذي أعبد إلها لم أره ثم قال لم تره العيون في مشاهدة الأبصار غير أن الإيمان بالغيب من عقد القلوب

 29-  شي، ]تفسير العياشي[ عن الأشعث بن حاتم قال قال ذو الرئاستين قلت لأبي الحسن الرضا ع جعلت فداك أخبرني عما اختلف فيه الناس من الرؤية فقال بعضهم لا يرى فقال يا أبا العباس من وصف الله بخلاف ما وصف به نفسه فقد أعظم الفرية على  الله قال الله لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ هذه الأبصار ليست هي الأعين إنما هي الأبصار التي في القلوب لا تقع عليه الأوهام و لا يدرك كيف هو

 30-  ضه، ]روضة الواعظين[ سأل محمد الحلبي الصادق ع فقال رأى رسول الله ص ربه قال نعم رآه بقلبه فأما ربنا جل جلاله فلا تدركه أبصار حدق الناظرين و لا يحيط به أسماع السامعين

 31-  و سئل الصادق ع هل يرى الله في المعاد فقال سبحانه تبارك و تعالى عن ذلك علوا كبيرا إن الأبصار لا تدركه إلا ما له لون و كيفية و الله خالق الألوان و الكيفية

 32-  نص، ]كفاية الأثر[ الحسين بن علي عن هارون بن موسى عن محمد بن الحسن عن الصفار عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن هشام قال كنت عند الصادق جعفر بن محمد ع إذ دخل عليه معاوية بن وهب و عبد الملك بن أعين فقال له معاوية بن وهب يا ابن رسول الله ما تقول في الخبر الذي روي أن رسول الله ص رأى ربه على أي صورة رآه و عن الحديث الذي رووه أن المؤمنين يرون ربهم في الجنة على أي صورة يرونه فتبسم ع ثم قال يا معاوية ما أقبح بالرجل يأتي عليه سبعون سنة أو ثمانون سنة يعيش في ملك الله و يأكل من نعمه ثم لا يعرف الله حق معرفته ثم قال ع يا معاوية إن محمدا ص لم ير الرب تبارك و تعالى بمشاهدة العيان و إن الرؤية على وجهين رؤية القلب و رؤية البصر فمن عنى برؤية القلب فهو مصيب و من عنى برؤية البصر فقد كفر بالله و بآياته لقول رسول الله ص من شبه الله بخلقه فقد كفر و لقد حدثني أبي عن أبيه عن الحسين بن علي قال سئل أمير المؤمنين ع فقيل يا أخا رسول الله هل رأيت ربك فقال و كيف أعبد من لم أره لم تره العيون بمشاهدة العيان و لكن رأته القلوب بحقائق الإيمان فإذا كان المؤمن يرى ربه بمشاهدة البصر فإن كل من جاز عليه البصر و الرؤية فهو مخلوق و لا بد للمخلوق من الخالق فقد جعلته إذا محدثا مخلوقا و من شبهه بخلقه فقد اتخذ مع الله شريكا  ويلهم أ و لم يسمعوا يقول الله تعالى لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ و قوله لَنْ تَرانِي وَ لكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا و إنما طلع من نوره على الجبل كضوء يخرج من سم الخياط فدكدكت الأرض و صعقت الجبال ف خَرَّ مُوسى صَعِقاً أي ميتا فَلَمَّا أَفاقَ و رد عليه روحه قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ من قول من زعم أنك ترى و رجعت إلى معرفتي بك أن الأبصار لا تدركك وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ و أول المقرين بأنك ترى و لا ترى و أنت بالمنظر الأعلى ثم قال ع إن أفضل الفرائض و أوجبها على الإنسان معرفة الرب و الإقرار له بالعبودية و حد المعرفة أن يعرف أنه لا إله غيره و لا شبيه له و لا نظير و أن يعرف أنه قديم مثبت موجود غير فقيد موصوف من غير شبيه و لا مبطل لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ و بعده معرفة الرسول و الشهادة بالنبوة و أدنى معرفة الرسول الإقرار بنبوته و أن ما أتى به من كتاب أو أمر أو نهي فذلك من الله عز و جل و بعده معرفة الإمام الذي به تأتم بنعته و صفته و اسمه في حال العسر و اليسر و أدنى معرفة الإمام أنه عدل النبي إلا درجة النبوة و وارثه و أن طاعته طاعة الله و طاعة رسول الله و التسليم له في كل أمر و الرد إليه و الأخذ بقوله و يعلم أن الإمام بعد رسول الله ص علي بن أبي طالب و بعده الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي ثم أنا ثم بعدي موسى ابني و بعده علي ابنه و بعد علي محمد ابنه و بعد محمد علي ابنه و بعد علي الحسن ابنه و الحجة من ولد الحسن ثم قال يا معاوية جعلت لك أصلا في هذا فاعمل عليه فلو كنت تموت على ما كنت عليه لكان حالك أسوأ الأحوال فلا يغرنك قول من زعم أن الله تعالى يرى بالبصر قال و قد قالوا أعجب من هذا أ و لم ينسبوا آدم ع إلى المكروه أ و لم ينسبوا إبراهيم ع إلى ما نسبوه أ و لم ينسبوا داود ع إلى ما نسبوه من حديث الطير أ و لم ينسبوا يوسف الصديق إلى ما نسبوه من حديث زليخا أ و لم ينسبوا موسى ع إلى ما نسبوه من القتل أ و لم ينسبوا رسول الله ص إلى ما نسبوه من حديث زيد أ و لم ينسبوا علي بن أبي طالب ع إلى  ما نسبوه من حديث القطيفة أنهم أرادوا بذلك توبيخ الإسلام ليرجعوا على أعقابهم أعمى الله أبصارهم كما أعمى قلوبهم تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا

 33-  يد، ]التوحيد[ الدقاق عن الكليني عن أحمد بن إدريس عن ابن عيسى عن علي بن سيف عن محمد بن عبيدة قال كتبت إلى أبي الحسن الرضا ع أسأله عن الرؤية و ما ترويه العامة و الخاصة و سألته أن يشرح لي ذلك فكتب ع بخطه اتفق الجميع لا تمانع بينهم إن المعرفة من جهة الرؤية ضرورة فإذا جاز أن يرى الله عز و جل بالعين وقعت المعرفة ضرورة ثم لم تخل تلك المعرفة من أن تكون إيمانا أو ليست بإيمان فإن كانت تلك المعرفة من جهة الرؤية إيمانا فالمعرفة التي في دار الدنيا من جهة الاكتساب ليست بإيمان لأنها ضده فلا يكون في الدنيا أحد مؤمنا لأنهم لم يروا الله عز و جل و إن لم تكن تلك المعرفة التي من جهة الرؤية إيمانا لم تخل هذه المعرفة التي من جهة الاكتساب أن تزول أو لا تزال في المعاد فهذا دليل على أن الله عز و جل لا يرى بالعين إذ العين يؤدي إلى ما وصفناه

 إيضاح اعلم أن الناظرين في هذا الخبر قد سلكوا مسالك شتى في حلها و لنذكر بعضها الأول و هو الأقرب إلى الأفهام و إن كان أبعد من سياق الكلام و كان الوالد العلامة قدس الله روحه يرويه عن المشايخ الأعلام و تقريره على ما حرره بعض الأفاضل الكرام هو أن المراد أنه اتفق الجميع أي جميع العقلاء من مجوزي الرؤية و محيليها لا تمانع و لا تنازع بينهم على أن المعرفة من جهة الرؤية ضرورة أي كل ما يرى يعرف بأنه على ما يرى و أنه متصف بالصفات التي يرى عليها ضرورة فحصول معرفة المرئي بالصفات التي يرى عليها ضروري و هذا الكلام يحتمل وجهين أحدهما كون قوله من جهة الرؤية خبرا أي إن المعرفة بالمرئي يحصل من جهة الرؤية ضرورة و ثانيهما تعلق الظرف بالمعرفة و كون قوله ضرورة خبرا أي المعرفة الناشئة من جهة الرؤية ضرورة أي ضرورية و الضرورة على الاحتمالين تحتمل الوجوب و البداهة و تقرير الدليل أن  حصول المعرفة من جهة الرؤية ضروري فلو جاز أن يرى الله سبحانه بالعين وقعت المعرفة من جهة الرؤية ضرورة فتلك المعرفة لا يخلو من أن يكون إيمانا أو لا يكون إيمانا و هما باطلان لأنه إن كانت إيمانا لم تكن المعرفة الحاصلة في الدنيا من جهة الاكتساب إيمانا لأنهما متضادان فإن المعرفة الحاصلة بالاكتساب أنه ليس بجسم و ليس في مكان و ليس بمتكمم و لا متكيف و الرؤية بالعين لا يكون إلا بإدراك صورة متحيزة من شأنها الانطباع في مادة جسمانية و المعرفة الحاصلة من جهتها معرفة بالمرئي بأنه متصف بالصفات المدركة في الصورة فهما متضادتان لا تجتمعان في المطابقة للواقع فإن كانت هذه إيمانا لم تكن تلك إيمانا فلا يكون في الدنيا مؤمن لأنهم لم يروا الله عز ذكره و ليس لهم إلا المعرفة من جهة الاكتساب فلو لم يكن إيمانا لم يكن في الدنيا مؤمن و إن لم تكن تلك المعرفة التي من جهة الرؤية إيمانا أي اعتقادا مطابقا للواقع و كانت المعرفة الاكتسابية إيمانا لم تخل هذه المعرفة التي من جهة الاكتساب من أن تزول عند المعرفة من جهة الرؤية لتضادهما أو لا تزول لامتناع زوال الإيمان في الآخرة. و هذه العبارة تحتمل ثلاثة أوجه أحدها لم تخل هذه المعرفة من الزوال عند الرؤية و المعرفة من جهتها لتضادهما و الزوال مستحيل لا يقع لامتناع زوال الإيمان في الآخرة و ثانيها لم تخل هذه المعرفة من الزوال و عدم الزوال و يكون متصفا بكليهما في المعاد عند وقوع الرؤية و المعرفة من جهتها لامتناع اجتماع الضدين و امتناع زوال الإيمان في المعاد و المستلزم لاجتماع النقيضين مستحيل و ثالثها لم تخل هذه المعرفة من الزوال و عدم الزوال و لا بد من أحدهما و كل منهما محال. و أما بيان أن الإيمان لا يزول في المعاد بعد الاتفاق و الاجتماع عليه أن الاعتقاد الثابت المطابق للواقع الحاصل بالبرهان مع معارضة الوساوس الحاصلة في الدنيا يمتنع زوالها عند ارتفاع الوساوس و الموانع على أن الرؤية عند مجوزيها أنها تقع للخواص من المؤمنين و الكمل منهم في الجنة فلو زال إيمانهم لزم كون غير المؤمن أعلى درجة من المؤمن و كون الأحط مرتبة أكمل من الأعلى درجة و فساده ظاهر. أقول الاحتمالات الثلاثة إنما هي على ما في الكافي من الواو و أما على ما في التوحيد من كلمة أو فالأخير متعين.

   ثم اعلم أنه يرد على هذا الحل أن من لم يسلم امتناع الرؤية كيف يسلم كون الإيمان المكتسب منافيا لها و إن ادعى الضرورة في كون الرؤية مستلزمة لما اتفقوا على امتناعه فهو كاف في إثبات المطلوب إلا أن يقال إنما أورد هكذا بيانا لكثرة الفساد و إيضاحا للمراد أو يقال لعله ع كان بين للسائل امتناع الرؤية بالدلائل فلما ذكر السائل ما ترويه العامة في ذلك بين امتناع وقوع ما ثبت لنا بالبراهين امتناعه و آمنا به بهذا الوجه. الثاني أن حاصل الدليل أن المعرفة من جهة الرؤية غير متوقفة على الكسب و النظر و المعرفة في دار الدنيا متوقفة عليه ضعيفة بالنسبة إلى الأولى فتخالفتا مثل الحرارة القوية و الحرارة الضعيفة فإن كانت المعرفة من جهة الرؤية إيمانا لم تكن المعرفة من جهة الكسب إيمانا كاملا لأن المعرفة من جهة الرؤية أكمل منها و إن لم يكن إيمانا يلزم سلب الإيمان عن الرأيين لامتناع اجتماع المعرفتين في زمان واحد في قلب واحد يعني قيام تصديقين أحدهما أقوى من الآخر بذهن واحد و أحدهما حاصل من جهة الرؤية و الآخر من جهة الدليل كما يمتنع قيام حرارتين بماء واحد في زمان واحد و يرد عليه النقض بكثير من المعارف التي تعرف في الدنيا بالدليل و تصير في الآخرة بالمعاينة ضرورية و يمكن بيان الفرق بتكلف. الثالث ما حققه بعض الأفاضل بعد ما مهد من أن نور العلم و الإيمان يشتد حتى ينتهي إلى المشاهدة و العيان لكن العلم إذا صار عينا لم يصر عينا محسوسا و المعرفة إذا انقلبت مشاهدة لم تنقلب مشاهدة بصرية حسية لأن الحس و المحسوس نوع مضاد للعقل و المعقول ليس نسبة أحدهما إلى الآخر نسبة النقص إلى الكمال و الضعف إلى الشدة بل لكل منهما في حدود نوعه مراتب في الكمال و النقص لا يمكن لشي‏ء من أفراد أحد النوعين المتضادين أن ينتهي في مراتب استكمالاته و اشتداده إلى شي‏ء من أفراد النوع الآخر فالإبصار إذا اشتد لا يصير تخيلا مثلا و لا التخيل إذا اشتد يصير تعقلا و لا بالعكس نعم إذا اشتد التخيل تصير مشاهدة و رؤية بعين الخيال لا بعين الحس و كثيرا ما يقع الغلط من صاحبه أنه رأى بعين الخيال أم بعين الحس الظاهر كما يقع  للمبرسمين و المجانين و كذا التعقل إذا اشتد يصير مشاهدة قلبية و رؤية عقلية لا خيالية و لا حسية و بالجملة الإحساس و التخيل و التعقل أنواع متقابلة من المدارك كل منها في عالم آخر من العوالم الثلاثة و يكون تأكد كل منها حجابا مانعا عن الوصول إلى الآخر فإذا تمهد هذا فنقول اتفق الجميع أن المعرفة من جهة الرؤية أمر ضروري و أن رؤية الشي‏ء متضمنة لمعرفته بالضرورة بل الرؤية بالحس نوع من المعرفة فإن من رأى شيئا فقد عرفه بالضرورة فإن كان الإيمان بعينه هو هذه المعرفة التي مرجعها الإدراك البصري و الرؤية الحسية فلم تكن المعرفة العلمية التي حصلت للإنسان من جهة الاكتساب بطريق الفكر و النظر إيمانا لأنها ضده لأنك قد علمت أن الإحساس ضد التخيل و أن الصورة الحسية ضد الصورة العقلية فإذا لم يكن الإيمان بالحقيقة مشتركا بينهما و لا أمرا جامعا لهما لثبوت التضاد و غاية الخلاف بينهما و لا جنسا مبهما بينهما غير تام الحقيقة المتحصلة كجنس المتضادين مثل اللونية بين نوعي السواد و البياض لأن الإيمان أمر محصل و حقيقة معينة فهو إما هذا و إما ذاك فإذا كان ذاك لم يكن هذا و إن كان هذا لم يكن ذاك ثم ساق الدليل إلى آخره كما مر و لا يخفى أن شيئا من الوجوه لا يخلو من تكلفات إما لفظية و إما معنوية و لعله ع بنى ذلك على بعض المقدمات المقررة بين الخصوم في ذلك الزمان إلزاما عليهم كما صدر عنهم كثير من الأخبار كذلك و الله تعالى يعلم و حججه حقائق كلامهم ع. تذييل اعلم أن الأمة اختلفوا في رؤية الله تعالى على أقوال فذهبت الإمامية و المعتزلة  إلى امتناعها مطلقا و ذهبت المشبهة و الكرامية إلى جواز رؤيته تعالى في الجهة و المكان لكونه تعالى عندهم جسما و ذهبت الأشاعرة إلى جواز رؤيته تعالى منزها عن المقابلة و الجهة و المكان. قال الآبي في كتاب إكمال الإكمال ناقلا عن بعض علمائهم أن رؤية الله تعالى جائزة في الدنيا عقلا و اختلف في وقوعها و في أنه هل رآه النبي ص ليلة الأسرى أم لا

   فأنكرته عائشة و جماعة من الصحابة و التابعين و المتكلمين و أثبت ذلك ابن عباس و قال إن الله اختصه بالرؤية و موسى بالكلام و إبراهيم بالخلة و أخذ به جماعة من السلف و الأشعري في جماعة من أصحابه و ابن حنبل و كان الحسن يقسم لقد رآه و توقف فيه جماعة هذا حال رؤيته في الدنيا و أما رؤيته في الآخرة فجائزة عقلا و أجمع على وقوعها أهل السنة و أحالها المعتزلة و المرجئة و الخوارج و الفرق بين الدنيا و الآخرة أن القوى و الإدراكات ضعيفة في الدنيا حتى إذا كانوا في الآخرة و خلقهم للبقاء قوى إدراكهم فأطاقوا رؤيته انتهى كلامه. و قد عرفت مما مر أن استحالة ذلك مطلقا هو المعلوم من مذهب أهل البيت ع و عليه إجماع الشيعة باتفاق المخالف و المؤالف و قد دلت عليه الآيات الكريمة و أقيمت عليه البراهين الجلية و قد أشرنا إلى بعضها و تمام الكلام في ذلك موكول إلى الكتب الكلامية