باب 7- الهداية و الإضلال و التوفيق و الخذلان

الآيات الفاتحة إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ البقرة إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ و قال تعالى يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَ يَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ و قال تعالى فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَ اللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرَّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ و قال تعالى اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ و قال وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ و قال وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ آل عمران قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ و قال تعالى كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَ شَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَ جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ النساء وَ لَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً المائدة وَ مَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ و قال تعالى فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ  بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ و قال تعالى ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ و قال تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ و قال تعالى وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ الأنعام وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً و قال تعالى وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ و قال تعالى وَ كَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها و قال تعالى مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَ مَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ و قال تعالى وَ كَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَ هؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا و قال تعالى وَ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَ أَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ نَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ وَ لَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَ كَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَ حَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ وَ كَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَ ما يَفْتَرُونَ وَ لِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَ لِيَرْضَوْهُ وَ لِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ و قال تعالى فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ و قال تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ و قال تعالى فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ الأعراف إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ و قال تعالى مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَ مَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَ لَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ و قال تعالى فَرِيقاً هَدى وَ فَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ و قال تعالى سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ إِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَ إِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَ إِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ كانُوا عَنْها غافِلِينَ

   و قال تعالى مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَ يَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ الأنفال فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى و قال تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ التوبة وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ و قال تعالى وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ و قال تعالى وَ طُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ و قال تعالى صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ يونس وَ اللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ و قال تعالى كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ و قال تعالى وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَ لَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَ فَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَ لَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَ لكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ و قال تعالى إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَ لَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ هود وَ ما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ و قال تعالى وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ و قال تعالى وَ لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ  الرعد قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ و قال تعالى أَ فَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً و قال تعالى وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ إبراهيم فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ و قال تعالى يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ وَ يُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَ يَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ النحل وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَ لكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ و قال تعالى وَ أَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ سَمْعِهِمْ وَ أَبْصارِهِمْ وَ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ الأسرى 97-  وَ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَ مَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ و قال تعالى وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً الكهف مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَ مَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً مريم قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا و قال تعالى وَ يَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً و قال تعالى أَ لَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا النور وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَ لكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ و قال تعالى وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ و قال تعالى وَ اللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ الفرقان وَ لكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَ آباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَ كانُوا قَوْماً بُوراً الشعراء كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ النمل إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ القصص وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ و قال تعالى القصص إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ

   الروم فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَ ما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ و قال سبحانه كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ التنزيل وَ لَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَ لكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ سبأ قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَ إِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ فاطر أَ فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ و قال سبحانه إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَ ما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ يس لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ وَ سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ الزمر إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ و قال تعالى ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ وَ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ و قال تعالى أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ المؤمن وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ و قال تعالى كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ و قال تعالى كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ و قال تعالى كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ السجدة وَ قَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ حمعسق اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ و قال تعالى وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ و قال تعالى وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ  الزخرف وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا و قال تعالى وَ مَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ و قال تعالى أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَ مَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ الجاثية أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ محمد أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ و قال تعالى وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَ آتاهُمْ تَقْواهُمْ و قال تعالى أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَ أَعْمى أَبْصارَهُمْ الصف وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ المنافقين فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ الدهر إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً تفسير قوله تعالى خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ قال البيضاوي الختم الكتم سمي به الاستيثاق من الشي‏ء بضرب الخاتم عليه لأنه كتم له و البلوغ آخره نظرا إلى أنه آخر فعل يفعل في إحرازه و الغشاوة فعالة من غشاه إذا غطاه بنيت لما يشتمل على الشي‏ء كالعصابة و العمامة و لا ختم و لا تغشية على الحقيقة و إنما المراد بهما أن يحدث في نفوسهم هيئة تمرنهم على استحباب الكفر و المعاصي و استقباح الإيمان و الطاعات بسبب غيهم و انهماكهم في التقليد و إعراضهم عن النظر الصحيح فيجعل قلوبهم بحيث لا ينفذ فيها الحق و أسماعهم تعاف استماعه فتصير كأنها مستوثق منها بالختم و أبصارهم لا تجتلي لها الآيات المنصوبة في الآفاق و الأنفس كما تجتليها أعين المستبصرين فتصير كأنها غطي عليها و حيل بينها و بين الأبصار و سماه على الاستعارة ختما و تغشية أو مثل قلوبهم و مشاعرهم المئوفة بأشياء ضرب حجاب بينها و بين الاستنفاع بها ختما و تغطية و قد عبر عن إحداث هذه الهيئة بالطبع في قوله تعالى أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ سَمْعِهِمْ وَ أَبْصارِهِمْ و بالإغفال في قوله تعالى

   وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ و بالإقساء في قوله تعالى وَ جَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً و هي من حيث إن الممكنات بأسرها مستندة إلى الله واقعة بقدرته استندت إليه و من حيث إنها مسببة مما اقترفوه بدليل قوله بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ و قوله تعالى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ وردت الآية ناعية عليهم شناعة صفتهم و وخامة عاقبتهم و اضطرت المعتزلة فيه فذكروا وجوها من التأويل. الأول أن القول لما أعرضوا عن الحق و تمكن ذلك في قلوبهم حتى صار كالطبيعة لهم شبه بالوصف الخلقي المجبول عليه. الثاني أن المراد به تمثيل حال قلوبهم بقلوب البهائم التي خلقها الله تعالى خالية عن الفطن أو قلوب مقدر ختم الله عليها و نظيره سال به الوادي إذا هلك و طارت به العنقاء إذا طالت غيبته. الثالث أن ذلك في الحقيقة فعل الشيطان أو الكافر لكن لما كان صدوره عنه بإقداره تعالى إياه أسنده إليه إسناد الفعل إلى السبب. الرابع أن أعراقهم لما رسخت في الكفر و استحكمت بحيث لم يبق طريق إلى تحصيل إيمانهم سوى الإلجاء و القسر ثم لم يقسرهم إبقاء على غرض التكليف عبر عن تركه بالختم فإنه سد لإيمانهم و فيه إشعار على ترامي أمرهم في الغي و تناهي انهماكهم في الضلال و البغي. الخامس أن يكون حكاية لما كانت الكفرة يقولون مثل قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَ فِي آذانِنا وَقْرٌ وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ تهكما و استهزاء بهم كقوله تعالى لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا الآية.  السادس أن ذلك في الآخرة و إنما أخبر عنه بالماضي لتحققه و تيقن وقوعه و يشهد له قوله تعالى وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَ بُكْماً وَ صُمًّا. السابع أن المراد بالختم وسم قلوبهم بسمة تعرفها الملائكة فيبغضونهم و يتنفرون عنهم و على هذا المنهاج كلامنا و كلامهم فيما يضاف إلى الله تعالى من طبع و إضلال و نحوهما انتهى. أقول بعد قيام البرهان على امتناع أن يكلف الحكيم أحدا ثم يمنعه عن الإتيان بما كلفه به ثم يعذبه عليه و شهادة العقل بقبح ذلك و أنه تعالى منزه عنه لا بد من الحمل على أحد الوجوه التي ذكرها. و زاد الشيخ الطبرسي رحمه الله على ما ذكر وجهين آخرين أحدهما ما سيأتي نقلا عن تفسير العسكري ع و قد مرت الإشارة إليه أيضا و هو أن المراد بالختم العلامة و إذا انتهى الكافر من كفره إلى حالة يعلم الله تعالى أنه لا يؤمن فإنه يعلم على قلبه علامة و قيل هي نكتة سوداء تشاهدها الملائكة فيعلمون بها أنه لا يؤمن بعدها فيذمونه و يدعون عليه كما أنه تعالى يكتب في قلب المؤمن الإيمان و يعلم عليه علامة تعلم الملائكة بها أنه مؤمن فيمدحونه و يستغفرون له فقوله تعالى بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ يحتمل أمرين أحدهما أنه طبع الله عليها جزاء للكفر و عقوبة عليه و الآخر أنه طبع عليها بعلامة كفرهم كما يقال طبع عليه بالطين و ختم عليه بالشمع. و ثانيهما أن المراد بالختم على القلوب أن الله شهد عليها و حكم بأنها لا تقبل الحق كما يقال أراك أنك تختم على كل ما يقوله فلان أي تشهد به و تصدقه و قد ختمت عليك بأنك لا تفلح أي شهدت و ذلك استعارة قوله تعالى يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً قال الطبرسي رحمه الله فيه وجهان أحدهما حكي عن الفراء أنه قال حكاية عمن قال ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا أي يضل به قوم و يهدي به قوم ثم قال الله تعالى وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ فبين تعالى أنه لا يضل إلا فاسقا ضالا و هذا وجه حسن.

   و الآخر أنه كلامه تعالى ابتداء و كلاهما محتمل و إذا كان محمولا على هذا فمعنى قوله يضل به كثيرا أن الكفار يكذبون به و ينكرونه و يقولون ليس هو من عند الله فيضلون بسببه و إذا حصل الضلال بسببه أضيف إليه و قوله وَ يَهْدِي بِهِ كَثِيراً يعني الذين آمنوا به و صدقوه و قالوا هذا في موضعه فلما حصلت الهداية بسببه أضيف إليه فمعنى الإضلال على هذا تشديد الامتحان الذي يكون عنده الضلال فالمعنى أن الله يمتحن بهذه الأمثال عباده فيضل بها قوم كثير و يهدي بها قوم كثير و مثله قوله رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ أي ضلوا عندها و هذا مثل قولهم أفسدت فلانة فلانا و أذهبت عقله و هي ربما لم تعرفه و لكن لما ذهب عقله و فسد من أجلها أضيف الفساد إليها و قد يكون الإضلال بمعنى التخلية على وجه العقوبة و ترك المنع بالقهر و منع الألطاف التي تفعل بالمؤمنين جزاء على إيمانهم و هذا كما يقال لمن لا يصلح سيفه أفسدت سيفك أريد به أنك لم تحدث فيه الإصلاح في كل وقت بالصقل و الإحداد. و قد يكون الإضلال بمعنى التسمية بالضلال و الحكم به كما يقال أضله إذا نسبه إلى الضلال و أكفره إذا نسبه إلى الكفر قال الكميت و طائفة قد أكفروني بحبكم. و قد يكون الإضلال بمعنى الإهلاك و العذاب و التدمير و منه قوله تعالى إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَ سُعُرٍ و منه قوله تعالى أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أي هلكنا و قوله وَ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ أي لم يبطل فعلى هذا يكون المعنى أن الله تعالى يهلك و يعذب بالكفر به كثيرا بأن يضلهم عن الثواب و طريق الجنة بسببه فيهلكوا و يهدي إلى الثواب و طريق الجنة بالإيمان به كثيرا عن أبي علي الجبائي قال و يدل على ذلك قوله وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ لأنه لا يخلو من أن يكون أراد العقوبة على التكذيب كما قلناه أو يكون أراد به التحيير و التشكيك فإن أراد الحيرة فقد ذكر أنه لا يفعل إلا بالفاسق المتحير الشاك فيجب أن لا تكون الحيرة المتقدمة التي بها صاروا فساقا من فعله إلا إذا وجدت حيرة قبلها أيضا و هذا يوجب وجود

   ما لا نهاية له من حيرة قبل حيرة لا إلى أول أو ثبوت إضلال لا إضلال قبله و إذا كان ذلك من فعله فقد أضل من لم يكن فاسقا و هو خلاف قوله وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ و على هذا الوجه فيجوز أن يكون حكم الله عليهم بالكفر و براءته منهم و لعنته عليهم إهلاكا لهم و يكون إهلاكه إضلالا و كل ما في القرآن من الإضلال المنسوب إلى الله تعالى فهو بمعنى ما ذكرناه من الوجوه و لا يجوز أن يضاف إلى الله سبحانه الإضلال الذي أضافه إلى الشيطان و إلى فرعون و السامر بقوله وَ لَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً و قوله وَ أَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ و قوله وَ أَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ و هو أن يكون بمعنى التلبيس و التغليط و التشكيك و الإيقاع في الفساد و الضلال و غير ذلك مما يؤدي إلى التظليم و التجوير إلى ما يذهب إليه المجبرة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. و إذ قد ذكرنا أقسام الإضلال فلنذكر أقسام الهداية التي هي ضده اعلم أن الهداية في القرآن تقع على وجوه. أحدها أن تكون بمعنى الدلالة و الإرشاد يقال هداه الطريق و للطريق و إلى الطريق إذا دله عليه و هذا الوجه عام لجميع المكلفين فإن الله تعالى هدى كل مكلف إلى الحق بأن دله عليه و أرشده إليه لأنه كلفه الوصول إليه فلو لم يدله عليه لكان قد كلفه ما لا يطيق و يدل عليه قوله تعالى وَ لَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى و قوله إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ و قوله أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً و قوله وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى و قوله وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ و قوله وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ و ما أشبه ذلك من الآيات. و ثانيها أن يكون بمعنى زيادة الألطاف التي بها يثبت على الهدى و منه قوله تعالى وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً.  و ثالثها أن تكون بمعنى الإثابة و منه قوله تعالى يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ و قوله تعالى وَ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَ يُصْلِحُ بالَهُمْ و الهداية التي تكون بعد قتلهم هي إثابتهم لا محالة. و رابعها الحكم بالهداية كقوله تعالى وَ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ و هذه الوجوه الثلاثة خاصة بالمؤمنين دون غيرهم لأنه تعالى إنما يثيب من يستحق الإثابة و هم المؤمنون و يزيدهم ألطافا بإيمانهم و طاعتهم و يحكم لهم بالهداية لذلك أيضا. و خامسها أن تكون الهداية بمعنى جعل الإنسان مهتديا بأن يخلق الهداية فيه كما يجعل الشي‏ء متحركا بخلق الحركة فيه و الله تعالى يفعل العلوم الضرورية في القلوب فذلك هدايته منه تعالى و هذا الوجه أيضا عام لجميع العقلاء كالوجه الأول فأما الهداية التي كلف الله تعالى العباد فعلها كالإيمان به و بأنبيائه و غير ذلك فإنها من فعل العباد و لذلك يستحقون عليها المدح و الثواب و إن كان الله سبحانه قد أنعم عليهم بدلالتهم على ذلك و إرشادهم إليه و دعاهم إلى فعله و تكليفهم إياه و أمرهم به فهو من هذا الوجه نعمة منه سبحانه عليهم و منة منه واصلة إليهم و فضل منه و إحسان لديهم فهو مشكور على ذلك محمود إذ فعله بتمكينه و ألطافه و ضروب تسهيلاته و معوناته. و قال رحمه الله في قوله تعالى وَ اللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ إن المراد به البيان و الدلالة و الصراط المستقيم هو الإسلام أو المراد به يهديهم باللطف فيكون خاصا بمن علم من حاله أنه يصلح به أو المراد به يهديهم إلى طريق الجنة و قال في قوله تعالى مَتى نَصْرُ اللَّهِ قيل هذا استعجال للموعود كما يفعله الممتحن و إنما قاله الرسول استبطاء للنصر على جهة التمني و قيل إن معناه الدعاء لله بالنصر و قيل إنه ذكر كلام الرسول و المؤمنين جملة و تفصيلا قال المؤمنون مَتى نَصْرُ اللَّهِ و قال الرسول أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ.

   و قال في قوله تعالى يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ أي من ظلمات الضلال و الكفر إلى نور الهدى و الإيمان بأن هداهم إليه و نصب الأدلة لهم عليه و رغبهم فيه و فعل بهم من الألطاف ما يقوي دواعيهم إلى فعله. و قال في قوله تعالى وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أي بالمعونة على بلوغ البغية من الفساد و قيل لا يهديهم إلى المحاجة كما يهدي أنبياءه و قيل لا يهديهم بألطافه و تأييده إذا علم أنه لا لطف لهم و قيل لا يهديهم إلى الجنة. و قال في قوله تعالى كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً معناه كيف يسلك الله بهم سبيل المهتدين بالإثابة لهم و الثناء عليهم أو أنه على طريق التبعيد كما يقال كيف يهديك إلى الطريق و قد تركته أي لا طريق يهديهم به إلى الإيمان إلا من الوجه الذي هداهم به و قد تركوه أو كيف يهديهم الله إلى طريق الجنة و الحال هذه. أقول الأظهر أن المعنى أنهم حرموا أنفسهم بما اختاروه الألطاف الخاصة من ربهم تعالى. و قال في قوله تعالى وَ مَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ قيل فيه أقوال أحدها أن المراد بالفتنة العذاب أي من يرد الله عذابه كقوله تعالى عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ أي يعذبون و قوله ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ أي عذابكم. و ثانيها أن معناه من يرد الله إهلاكه. و ثالثها أن المراد به من يرد الله خزيه و فضيحته بإظهار ما ينطوي عليه.  و رابعها أن المراد من يرد الله اختباره بما يبتليه من القيام بحدوده فيدع ذلك و يحرفه. و الأصح الأول فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أي فلن تستطيع أن تدفع لأجله من أمر الله الذي هو العذاب أو الفضيحة أو الهلاك شيئا أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ معناه أولئك اليهود لم يرد الله أن يطهر من عقوبات الكفر التي هي الختم و الطبع و الضيق قلوبهم كما طهر قلوب المؤمنين منها بأن كتب في قلوبهم الإيمان و شرح صدورهم للإسلام و قيل معناه لم يرد أن يطهرها من الكفر بالحكم عليها بأنها بريئة منه ممدوحة بالإيمان. قال القاضي و هذا لا يدل على أنه سبحانه لم يرد منهم الإيمان لأن ذلك لا يعقل من تطهير القلب إلا على جهة التوسع و لأن قوله لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ يقتضي نفي كونه مريدا و ليس فيه بيان الوجه الذي لم يرد ذلك عليه و المراد بذلك أنه لم يرد تطهير قلوبهم مما يلحقها من الغموم بالذم و الاستخفاف و العقاب و لذا قال عقيبه لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ و لو كان أراد ما قاله المجبرة لم يجعل ذلك ذما لهم و لا عقبه بالذم و لا جعله في حكم الجزاء على ما لأجله عاقبهم و أراد ذلك فيهم. أقول

 روى النعماني في تفسيره فيما رواه عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه أنهم سألوه عن المتشابه في تفسير الفتنة فقال منه فتنة الاختبار و هو قوله تعالى الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ و قوله لموسى وَ فَتَنَّاكَ فُتُوناً و منه فتنة الكفر و هو قوله تعالى لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَ قَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَ ظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ و قوله سبحانه في الذين استأذنوا رسول الله ص في غزوة تبوك أن يتخلفوا عنه من المنافقين فقال الله تعالى فيهم وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَ لا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا يعني ائذن لي و لا تكفرني فقال عز و جل أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ  و منه فتنة العذاب و هو قوله تعالى يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ أي يعذبون ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ أي ذوقوا عذابكم و منه قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا أي عذبوا المؤمنين و منه فتنة المحبة للمال و الولد كقوله تعالى إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ و منه فتنة المرض و هو قوله سبحانه أَ وَ لا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَ لا هُمْ يَذَّكَّرُونَ أي يمرضون و يقتلون

انتهى. و قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ قيل في معناه أقوال أحدها معناه فاعلم يا محمد أنما يريد الله أن يعاقبهم ببعض أجرامهم و ذكر البعض و المراد به الكل كما يذكر العموم و يراد به الخصوص. و الثاني أنه ذكر البعض تغليظا للعقاب و المراد أنه يكفي أن يؤخذوا ببعض ذنوبهم في إهلاكهم و التدمير عليهم. و الثالث أنه أراد تعجيل بعض العقاب مما كان من التمرد في الأجرام لأن عذاب الدنيا مختص ببعض الذنوب دون بعض و عذاب الآخرة يعم. قوله تعالى وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً قال الزمخشري الأكنة على القلوب و الوقر في الآذان مثل في نبو قلوبهم و مسامعهم عن قبوله و اعتقاد صحته و وجه إسناد الفعل إلى ذاته و هو قوله وَ جَعَلْنا للدلالة على أنه أمر ثابت فيهم لا يزول عنهم كأنهم مجبولون عليه أو هي حكاية لما كانوا ينطقون به من قولهم وَ فِي آذانِنا وَقْرٌ وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ و قال الطبرسي رحمه الله قال القاضي أبو عاصم العامري أصح الأقوال فيه ما روي أن النبي ص كان يصلي بالليل و يقرأ القرآن في الصلاة جهرا رجاء أن يستمع إلى قراءته إنسان فيتدبر معانيه و يؤمن به فكان المشركون إذا سمعوه آذوه و منعوه عن الجهر بالقراءة و كان الله تعالى يلقي عليهم النوم أو يجعل  في قلوبهم أكنة ليقطعهم عن مرادهم و ذلك بعد ما بلغهم ما تقوم به الحجة و تنقطع به المعذرة و بعد ما علم الله تعالى أنهم لا ينتفعون بسماعه و لا يؤمنون به فشبه إلقاء النوم عليهم بجعل الغطاء على قلوبهم و بوقر آذانهم لأن ذلك كان يمنعهم من التدبر كالوقر و الغطاء و هذا معنى قوله تعالى وَ إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً و يحتمل ذلك وجها آخر و هو أنه تعالى يعاقب هؤلاء الكفار الذين علم أنهم لا يؤمنون بعقوبات يجعلها في قلوبهم تكون موانع من أن يفقهوا ما يستمعونه و يحتمل أيضا أن يكون سمى الكفر الذي في قلوبهم كنا تشبيها و مجازا و إعراضهم عن القرآن وقرا توسعا لأن مع الكفر و الإعراض لا يحصل الإيمان و الفهم كما لا يحصلان مع الكن و الوقر و نسب ذلك إلى نفسه لأنه الذي شبه أحدهما بالآخر كما يقول أحدنا لغيره إذا أثنى على إنسان و ذكر مناقبه جعلته فاضلا و بالضد إذا ذكر مقابحه و فسقه يقول جعلته فاسقا و قال الزمخشري في قوله تعالى وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى أي بأن يأتيهم بآية ملجئة و لكنه لا يفعل لخروجه عن الحكمة. و قوله تعالى لِيَمْكُرُوا فِيها قال الطبرسي رحمه الله اللام لام العاقبة و قال الزمخشري معناه خليناهم ليمكروا و ما كففناهم عن المكر و كذا قال اللام لام العاقبة في قوله تعالى لِيَقُولُوا أي عاملناهم معاملة المختبر ليشكروا أو يصبروا فآل أمرهم إلى العاقبة. و قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى وَ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَ أَبْصارَهُمْ وجهين.

   أحدهما أنه يقلبهما في جهنم على لهب النار و حر الجمر كما لم يؤمنوا به أول مرة في الدنيا و الآخر أن المعنى يقلب أفئدتهم و أبصارهم بالحيرة التي تغم و تزعج النفس. و قال الزمخشري وَ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَ نَذَرُهُمْ عطف علي لا يُؤْمِنُونَ داخل في حكم و ما يشعركم أنهم لا يؤمنون و ما يشعركم أنا نقلب أفئدتهم و أبصارهم أي نطبع على قلوبهم و أبصارهم فلا يفقهون و لا يبصرون الحق كما كانوا عند نزول آياتنا أولا لا يؤمنون بها لكونهم مطبوعا على قلوبهم و ما يشعركم أنا نذرهم في طغيانهم أي نخليهم و شأنهم لا نكفهم عن الطغيان حتى يعمهوا فيه. و قال في قوله تعالى إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ أي مشية إكراه و اضطرار. و قال الطبرسي رحمه الله في قوله كَذلِكَ جَعَلْنا وجوه أحدها أن المراد كما أمرناك بعداوة قومك من المشركين فقد أمرنا من قبلك بمعاداة أعدائهم من الجن و الإنس و متى أمر الله رسوله بمعاداة قوم من المشركين فقد جعلهم أعداء له. و ثانيها أن معناه حكمنا بأنهم أعداء و أخبرنا بذلك ليعاملوهم معاملة الأعداء في الاحتراز عنهم و الاستعداد لدفع شرهم و هذا كما يقال جعل القاضي فلانا عدلا و فلانا فاسقا إذا حكم بعدالة هذا و فسق ذاك. و ثالثها أن المراد خلينا بينهم و بين اختيارهم العداوة لم نمنعهم على ذلك كرها و لا جبرا لأن ذلك يزيل التكليف. و رابعها أنه سبحانه إنما أضاف ذلك إلى نفسه لأنه سبحانه لما أرسل إليهم الرسل و أمرهم إلى دعائهم إلى الإسلام و الإيمان و خلع ما كانوا يعبدونه من الأصنام و الأوثان نصبوا عند ذلك العداوة لأنبيائه و مثله قول نوح ع فلم يزدهم دعائي إلا فرارا و قال و العامل في قوله وَ لِتَصْغى قوله يُوحِي و لا يجوز أن يكون العامل  فيه جَعَلْنا لأن الله سبحانه لا يجوز أن يريد إصغاء القلوب إلى الكفر و وحي الشياطين إلا أن نجعلها لام العاقبة و قال البلخي اللام في وَ لِتَصْغى لام العاقبة و ما بعده لام الأمر الذي يراد به التهديد. و قال رحمه الله في قوله تعالى فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ فيه وجوه. أحدها أن معناه فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ إلى الثواب و طريق الجنة يَشْرَحْ صَدْرَهُ في الدنيا لِلْإِسْلامِ بأن يثبت عزمه عليه و يقوي دواعيه على التمسك به و إنما يفعل ذلك لطفا له و منا عليه و ثوابا على اعتدائه بهدى الله و قبوله إياه و من يرد أن يضله عن ثوابه و كرامته يجعل صدره في كفره ضيقا حرجا عقوبة له على تركه الإيمان من غير أن يكون سبحانه مانعا له عن الإيمان بل ربما يكون ذلك داعيا إليه فإن من ضاق صدره بالشي‏ء كان ذلك داعيا إلى تركه. و ثانيها أن معناه فمن يرد الله أن يثبته على الهدى يشرح صدره من الوجه الذي ذكرناه جزاء له على إيمانه و اهتدائه و قد يطلق الهدى و يراد به الاستدامة و من يرد أن يضله أي يخذله و يخلي بينه و بين ما يريده لاختياره الكفر و تركه الإيمان يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً بأن يمنعه الألطاف التي هو ينشرح لها صدره لخروجه من قبولها بإقامته على كفره. و ثالثها أن معناه فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ زيادة الهدى التي وعدها المؤمن يَشْرَحْ صَدْرَهُ لتلك الزيادة لأن من حقها أن يزيد المؤمن بصيرة وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ عن تلك الزيادة بمعنى يذهبه عنها من حيث أخرج هو نفسه من أن تصح عليه يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً لمكان فقد تلك الزيادة لأنها إذا اقتضت في المؤمن ما قلناه أوجب في الكافر ما يضاده و الرجس العذاب. و قال في قوله تعالى إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أي حكمنا بذلك لأنهم يتناصرون على الباطل كما قال وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً. و قال في قوله وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ يعني خلقناهم على أن عاقبتهم المصير إلى

   جهنم بكفرهم و إنكارهم و سوء اختيارهم و يدل عليه قوله سبحانه وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. و قال الزمخشري جعلهم في أنهم لا يلقون أذهانهم إلى معرفة الحق و لا ينظرون بعيونهم إلى ما خلق الله نظر اعتبار و لا يسمعون ما يتلى عليهم من آيات الله سماع تدبر كأنهم عدموا فهم القلوب و أبصار العيون و استماع الآذان و جعلهم لإغراقهم في الكفر و شدة شكائمهم فيه و أنهم لا يتأتى منهم إلا أفعال أهل النار مخلوقين للنار دلالة على توغلهم في الموجبات و تمكنهم فيما يؤهلهم لدخول النار. و قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى فَرِيقاً هَدى أي جماعة حكم لهم بالاهتداء بقبولهم للهدى أو لطف لهم بما اهتدوا عنده أو هداهم إلى طريق الثواب وَ فَرِيقاً حَقَّ أي وجب عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إذ لم يقبلوا الهدى أو حق عليهم الخذلان لأنه لم يكن لهم لطف تنشرح لهم صدورهم أو حق عليهم العذاب أو الهلاك بكفرهم. و قال الزمخشري في قوله تعالى وَ لكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ أي إن افتخرتم بقتلهم فأنتم لم تقتلوهم وَ لكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ لأنه هو الذي أنزل الملائكة و ألقي الرعب في قلوبهم و شاء النصر و الظفر و قوى قلوبكم و أذهب عنها الفزع و الجزع وَ ما رَمَيْتَ أنت يا محمد إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى يعني أن الرمية التي رميتها لم ترمها أنت على الحقيقة لأنك لو رميتها لما بلغ أثرها إلا ما يبلغ أثر رمي البشر و لكنها كانت رمية الله حيث أثرت ذلك الأثر العظيم فأثبت الرمية لرسول الله ص لأن صورتها وجدت منه و نفاها عنه لأن أثرها الذي لا تطيقه البشر فعل الله فكان الله هو فاعل الرمية على الحقيقة و كأنها لم توجد من الرسول أصلا. و قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى ثُمَّ انْصَرَفُوا أي انصرفوا عن المجلس و قيل انصرفوا عن الإيمان به صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ عن الفوائد التي يستفيدها المؤمنون و السرور بها و حرموا الاستبشار بتلك الحال و قيل معناه صرف الله قلوبهم عن رحمته و ثوابه عقوبة لهم على انصرافهم عن الإيمان بالقرآن و عن مجلس رسول الله ص و قيل إنه على وجه الدعاء عليهم أي خذلهم الله باستحقاقهم ذلك و دعاء الله على عباده وعيد لهم و إخبار بلحاق العذاب بهم.

   قوله تعالى كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ قال الزمخشري أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ بدل من الكلمة أي حق عليهم انتفاء الإيمان و علم الله منهم ذلك أو حق عليهم كلمة الله أنهم من أهل الخذلان و أن إيمانهم غير كائن أو أراد بالكلمة العدة بالعذاب و أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ تعليل بمعنى لأنهم لا يؤمنون. و قال في قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ أي ثبت عليهم قول الله الذي كتبه في اللوح و أخبر به الملائكة أنهم يموتون كفارا فلا يكون غيره فتلك كتابة معلوم لا كتابة مقدر و مراد تعالى الله عن ذلك. و قال السيد المرتضى رضي الله عنه إن سأل سائل فقال ما عند كم في تأويل قوله تعالى وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ يقال له أما قوله تعالى وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ فإنما عنى به المشية التي ينضم إليها الإلجاء و لم يعن المشية على سبيل الاختيار و إنما أراد تعالى أن يخبرنا عن قدرته و أنه ممن لا يغالب و لا يعصى مقهورا من حيث كان قادرا على الإلجاء و الإكراه على ما أراده من العباد فأما لفظة ذلك في الآية فحملها على الرحمة أولى من حملها على الاختلاف لدليل العقل و شهادة اللفظ فأما دليل العقل فمن حيث علمنا أنه تعالى كره الاختلاف و الذهاب عن الدين و نهى عنه و توعد عليه فكيف يجوز أن يكون شائيا له و مجريا بخلق العباد إليه و أما شهادة اللفظ فلأن الرحمة أقرب إلى هذه الكناية من الاختلاف و حمل اللفظ على أقرب المذكورين أولى في لسان العرب فأما ما طعن به السائل من تذكير الكناية فباطل لأن تأنيث الرحمة غير حقيقي و إذا كني عنها بلفظ التذكير كانت الكناية على المعنى لأن معناها هو الفضل و الإنعام كما قالوا سرني كلمتك يريدون سرني كلامك و قال الله تعالى هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي و لم يقل هذه و إنما أراد هذا فضل من ربي و في موضع آخر إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ و لم يقل قريبة. أقول ثم استشهد رحمه الله لذلك بكثير من الأشعار تركناها حذرا من الإطناب ثم قال و قال زياد الأعجم.

إن الشجاعة و المروة ضمنا. قبرا بمرو على الطريق الواضح.

  و يروى إن السماحة و الشجاعة فقال ضمنا و لم يقل ضمنتا قال الفراء لأنه ذهب إلى أن السماحة و الشجاعة مصدران و العرب تقول قصارة الثوب يعجبني لأن تأنيث المصادر يرجع إلى الفعل و هو مذكر على أن قوله تعالى إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ كما يدل على الرحمة يدل أيضا على أن يرحم فإذا جعلنا الكناية بلفظة ذلك عن أن يرحم كان التذكير في موضعه لأن الفعل مذكر و يجوز أيضا أن يكون قوله تعالى وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ كناية عن اجتماعهم على الإيمان و كونهم فيه أمة واحدة لا محالة أنه لهذا خلقهم و يطابق هذه الآية قوله تعالى وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ و قد قال قوم في قوله تعالى وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً معناه أنه لو شاء أن يدخلهم أجمعين الجنة فيكونوا في وصول جميعهم إلى النعيم أمة واحدة و أجرى هذه الآية مجرى قوله تعالى وَ لَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها في أنه أراد هداها إلى طريق الجنة فعلى هذا التأويل يمكن أن ترجع لفظة ذلك إلى إدخالهم أجمعين إلى الجنة لأنه تعالى إنما خلقهم للمصير إليها و الوصول إلى نعيمها فأما قوله وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ فمعناه الاختلاف في الدين و الذهاب عن الحق فيه بالهوى و الشبهات و ذكر أبو مسلم محمد بن بحر في قوله تعالى وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ وجها غريبا و هو أن يكون معناه أن خلف هؤلاء الكافرين يخلف سلفهم في الكفر لأنه سواء قولك خلف بعضهم بعضا و قولك اختلفوا كما سواء قولك قتل بعضهم بعضا و اقتتلوا و منه قولهم لا أفعل كذا ما اختلف العصران و الجديدان أي جاء كل واحد منهما بعد الآخر فأما الرحمة فليست رقة القلب لكنها فعل النعم و الإحسان يدل على ذلك أن من أحسن إلى غيره و أنعم عليه يوصف بأنه رحيم و إن لم تعلم منه رقة قلبه عليه. فإن قيل إذا كانت الرحمة هي النعمة و عندكم أن نعم الله تعالى شاملة للخلق أجمعين فأي معنى للاستثناء مَنْ رَحِمَ من جملة المختلفين إن كانت الرحمة هي النعمة و كيف يصح اختصاصها بقوم دون قوم و هي عندكم شاملة عامة. قلنا لا شبهة في أن نعم الله سبحانه شاملة للخلق أجمعين غير أن في نعمه أيضا ما  يختص بها بعض العباد إما لاستحقاق أو لسبب يقتضي الاختصاص فإذا حملنا قوله إلا من رحم ربك على النعمة بالثواب فالاختصاص ظاهر لأن النعمة به لا تكون إلا مستحقة فمن استحق الثواب بأعماله وصل إلى هذه النعمة و من لم يستحقه لم يصل إليها و إن حملنا الرحمة في الآية على النعمة بالتوفيق للإيمان و اللطف الذي وقع بعده فعل الإيمان كانت هذه النعمة أيضا مختصة لأنه تعالى إنما لم ينعم على سائر المكلفين بها من حيث لم يكن في معلومه أن لهم توفيقا و أن في الأفعال ما يختارون عنده الإيمان فاختصاص هذه النعمة ببعض العباد لا يمنع من شمول نعم آخر لهم كما أن شمول تلك النعم لا يمنع من اختصاص هذه انتهى كلامه رفع الله مقامه. و قال الزمخشري ذلك إشارة إلى ما دل عليه الكلام الأول و تضمنه يعني و لذلك التمكين و الاختيار الذي كان عنه الاختلاف خلقهم ليثيب مختار الحق بحسن اختياره و يعاقب مختار الباطل بسوء اختياره وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ و هي قوله للملائكة لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ لعلمه بكثرة من يختار الباطل. و قال في قوله تعالى أَ فَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ يعني مشية الإلجاء و القسر لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً و معنى أَ فَلَمْ يَيْأَسِ أ فلم يعلم قيل هي لغة قوم من النخع و قيل إنما استعمل اليأس بمعنى العلم لتضمنه معناه لأن اليائس عن الشي‏ء عالم بأنه لا يكون كما استعمل الرجاء في معنى الخوف و النسيان في معنى الترك لتضمن ذلك و يدل عليه أن عليا و ابن عباس و جماعة من الصحابة و التابعين قرءوا أ فلم يتبين و هو تفسير أَ فَلَمْ يَيْأَسِ و يجوز أن يتعلق أَنْ لَوْ يَشاءُ بآمنوا أي أ و لم يقنط عن إيمان هؤلاء الكفرة الذين آمنوا بأن لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً و لهداهم. و قال السيد المرتضى رضي الله عنه في كتاب الغرر و الدرر قال الله جل من قائل وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً الآية في هذه الآية وجوه من التأويل كل منها يبطل الشبهة

   الداخلة على بعض المبطلين فيها حتى عدلوا بتأويلها عن وجهه و صرفوه عن بابه. أولها أن الإهلاك قد يكون حسنا و قد يكون قبيحا فإذا كان مستحقا أو على سبيل الامتحان كان حسنا و إنما يكون قبيحا إذا كان ظلما فتعلق الإرادة لا يقتضي تعلقها به على الوجه القبيح و لا ظاهر الآية يقتضي ذلك و إذا علمنا بالأدلة العقلية تنزه القديم تعالى عن القبائح علمنا أن الإرادة لم يتعلق إلا بالإهلاك الحسن و قوله تعالى أَمَرْنا مُتْرَفِيها المأمور به محذوف و ليس يجب أن يكون المأمور به هو الفسق و إن وقع بعده الفسق و يجري هذا مجرى قول القائل أمرته فعصى و دعوته فأبى و المراد أنني أمرته بالطاعة و دعوته إلى الإجابة و القبول و يمكن أن يقال على هذا الوجه ليس موضع الشبهة ما تكلمتم عليه و إنما موضعها أن يقال أي معنى لتقدم الإرادة فإن كانت متعلقة بإهلاك مستحق بغير الفسق المذكور في الآية فلا معنى لقوله تعالى إِذا أَرَدْنا... أَمَرْنا لأن أمره بما يأمر به لا يحسن إرادته للعقاب المستحق بما تقدم من الأفعال و إن كانت الإرادة متعلقة بالإهلاك المستحق بمخالفة الأمر المذكور في الآية فهذا هو الذي تأبونه لأنه يقتضي أنه تعالى مريد لإهلاك من لم يستحق العقاب. و الجواب عن ذلك أنه تعالى لم يعلق الإرادة إلا بالإهلاك المستحق بما تقدم من الذنوب و الذي حسن قوله تعالى وَ إِذا أَرَدْنا... أَمَرْنا هو أن في تكرر الأمر بالطاعة و الإيمان إعذارا إلى العصاة و إنذارا لهم و إيجابا و إثباتا للحجة عليهم حتى يكونوا متى خالفوا و أقاموا على العصيان و الطغيان بعد تكرر الوعيد و الوعظ و الإنذار ممن يحق عليه القول و تجب عليه الحجة و يشهد بصحة هذا التأويل قوله تعالى قبل هذه الآية وَ ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا. و الثاني أن يكون قوله تعالى أَمَرْنا مُتْرَفِيها من صفة القرية و صلتها و لا يكون جوابا لقوله وَ إِذا أَرَدْنا و يكون تقدير الكلام و إذا أردنا أن نهلك قرية من صفتها أنا أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها و يكون إذا على هذا الجواب لم يأت له جواب ظاهر في الآية للاستغناء عنه بما في الكلام من الدلالة عليه و نظير هذا قوله تعالى في صفة الجنة.   حَتَّى إِذا جاؤُها وَ فُتِحَتْ أَبْوابُها إلى قوله فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ و لم يأت لإذا جواب في طول الكلام للاستغناء عنه. و الثالث أن يكون ذكر الإرادة في الآية مجازا و اتساعا و تنبيها على المعلوم من حال القوم و عاقبة أمرهم و أنهم متى أمروا فسقوا و خالفوا و يجري ذكر الإرادة هاهنا مجرى قولهم إذا أراد التاجر أن يفتقر أتته النوائب من كل جهة و جاءه الخسران من كل طريق و قولهم إذا أراد العليل أن يموت خلط في مأكله و تسرع إلى كل ما تتوق إليه نفسه و معلوم أن التاجر لم يرد في الحقيقة شيئا و لا العليل أيضا لكن لما كان المعلوم من حال هذا الخسران و من حال ذاك الهلاك حسن هذا الكلام و استعمل ذكر الإرادة لهذا الوجه مجازا و كلام العرب وحي و إشارات و استعارة و مجازات و لهذه الحال كان كلامهم في المرتبة العليا من الفصاحة فإن الكلام متى خلا من الاستعارة و جرى كله على الحقيقة كان بعيدا من الفصاحة بريئا من البلاغة و كلام الله تعالى أفصح الكلام. الرابع أن تحمل الآية على التقديم و التأخير فيكون تلخيصها و إذا أمرنا مترفي قرية بالطاعة فعصوا و استحقوا العقاب أردنا إهلاكهم و التقديم و التأخير في الشعر و كلام العرب كثير و مما يمكن أن يكون شاهدا بصحة هذا التأويل من القرآن قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ و الطهارة إنما تجب قبل القيام إلى الصلاة و قوله تعالى وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ و قيام الطائفة معه يجب أن يكون قبل إقامة الصلاة لأن إقامتها هو الإتيان بجميعها على الكمال فأما قراءة من قرأ بالتشديد فقال أمرنا و قراءة من قرأ بالمد و التخفيف فقال آمرنا فلن يخرج معنى قراءتهما عن الوجوه التي ذكرناها إلا الوجه الأول فإن معناه لا يليق إلا بأن يكون ما تضمنته الآية هو الأمر الذي يستدعي به الفعل انتهى. و قال الطبرسي رحمه الله و قرأ يعقوب آمرنا بالمد و هو قراءة علي بن أبي طالب

   و الحسين ع و جماعة و قرأ أمرنا بالتشديد ابن عباس و النهدي و أبو جعفر محمد بن علي ع بخلاف و قرأ أمرنا بكسر الميم بوزن عمرنا الحسن و يحيى بن يعمر و أرجع الجميع إلى معنى كثرنا كقوله ص خير المال سكة مأبورة و مهرة مأمورة أي كثيرة النتاج. و قال الزمخشري وَ إِذا أَرَدْنا أي و إذا دنا وقت إهلاك قوم و لم يبق من زمان إهلاكهم إلا قليلا أمرناهم فَفَسَقُوا أي أمرناهم بالفسق ففعلوا و الأمر مجاز لأن حقيقة أمرهم بالفسق أن يقول لهم افسقوا و هذا لا يكون فبقي أن يكون مجازا و وجه المجاز أنه صب عليهم النعمة صبا فجعلوها ذريعة إلى المعاصي و اتباع الشهوات فكأنهم مأمورون بذلك لتسبب إبلاء النعمة فيه و إنما خولهم إياها ليشكروا و يعملوا فيها بالخير و يتمكنوا من الإحسان و البر كما خلقهم أصحاء أقوياء و أقدرهم على الخير و الشر و طلب منهم إيثار الطاعة على المعصية فآثروا الفسوق فلما فسقوا حق عليهم القول و هو كلمة العذاب فدمرهم و قد فسر بعضهم أمرنا بكثرنا و جعل أمرته فأمر من باب فعلته ففعل كثبرته فثبر. و قال في قوله تعالى فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا يعني أمهله و أملى له في العمر فأخرج على لفظ الأمر إيذانا بوجوب ذلك و أنه مفعول لا محالة كالمأمور به الممتثل لتقطع معاذير الضال و يقال له يوم القيامة أَ وَ لَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ أو كقوله إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً أو مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا في معنى الدعاء بأن يمهله الله و ينفس في مدة حياته. و قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى أَ لَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ أي خلينا بينهم و بين الشياطين إذا وسوسوا إليهم و دعوهم إلى الضلال حتى أغووهم و لم يخل بينهم بالإلجاء و لا بالمنع و عبر عن ذلك بالإرسال على سبيل المجاز و التوسع  كما يقال لمن خلى بين الكلب و غيره أرسل كلبه عليه تَؤُزُّهُمْ أَزًّا أي تزعجهم إزعاجا من الطاعة إلى المعصية و قيل تغريهم إغراء بالشي‏ء. و في قوله تعالى وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ بأن لطف لكم و أمركم بما تصيرون به أزكياء ما صار منكم أحد زكيا أو ما طهر أحد من وسوسة الشيطان و ما صلح وَ لكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي أي يطهر بلطفه مَنْ يَشاءُ و هو من له لطيف يفعله سبحانه به ليزكو عنده. و في قوله تعالى وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً أي نجاة و فرجا أو نورا في القيامة و في قوله سبحانه وَ لكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَ آباءَهُمْ أي طولت أعمارهم و أعمار آبائهم و أمددتهم بالأموال و الأولاد بعد موت الرسل حتى نسوا الذكر المنزل على الأنبياء و تركوه و كانوا قوما هلكى فاسدين و في قوله كَذلِكَ سَلَكْناهُ أي القرآن و في قوله تعالى زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ أي أعمالهم التي أمرناهم بها و قيل بأن خلقنا فيهم شهوة القبيح ليجتنبوا المشتهى. قوله تعالى وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ قال البيضاوي قيل بالتسمية كقوله وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أو بمنع الألطاف الصارفة عنه. و قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ أي هدايته أو من أحببته لقرابته و المراد بالهداية هنا اللطف الذي يختار عنده الإيمان فإنه لا يقدر عليه إلا الله تعالى لأنه إما أن يكون من فعله خاصة أو بإعلامه و لا يعلم ما يصلح المرء في دينه إلا الله تعالى فإن الهداية التي هي الدعوة و البيان قد أضافه سبحانه إليه في قوله وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ و قيل إن المراد بالهداية في الآية الإجبار على الاهتداء أي أنت لا تقدر على ذلك و قيل معناه ليس عليك اهتداؤهم و قبولهم الحق.

   و قال في قوله تعالى وَ لَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها أي بأن نفعل أمرا من الأمور يلجئهم إلى الإقرار بالتوحيد و لكن ذلك يبطل الغرض بالتكليف قال الجبائي و يجوز أن يكون المراد به و لو شئنا لأجبناهم إلى ما سألوا من الرد إلى دار التكليف ليعملوا بالطاعات وَ لكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي أن أجازيهم بالعقاب و لا أردهم و قيل معناه و لو شئنا لهديناهم إلى الجنة وَ لكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي أي الخير و الوعيد لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ أي من كلا الصنفين بكفرهم. و قال في قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ أي ينفع بالإسماع من يشاء أي يلطف له و يوفقه وَ ما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ أي إنك لا تقدر على أن تنفع الكفار بإسماعك إياهم إذ لم يقبلوا كما لا يسمع من في القبور من الأموات. و قال في قوله تعالى لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ أي وجب الوعيد و استحقاق العقاب عليهم فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ و يموتون على كفرهم و قد سبق ذلك في علم الله و قيل تقديره لقد سبق القول على أكثرهم أنهم لا يؤمنون و ذلك أنه سبحانه أخبر ملائكته أنهم لا يؤمنون فحق قوله عليهم إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ يعني أيديهم كنى عنها و إن لم يذكرها لأن الأعناق و الأغلال يدلان عليهما و اختلف في معنى الآية على وجوه أحدها أنه سبحانه إنما ذكره ضربا للمثل و تقديره مثل هؤلاء المشركين في إعراضهم عما تدعوهم إليه كمثل رجل غلت يداه إلى عنقه لا يمكنه أن يبسطهما إلى خير و رجل طامح برأسه لا يبصر موطئي قدميه. و ثانيها أن المعنى كان هذا القرآن أغلالا في أعناقهم يمنعهم عن الخضوع لاستماعه و تدبره لثقله عليهم و ذلك أنهم لما استكبروا عنه و أنفوا من اتباعه و كان المستكبر رافعا رأسه لاويا عنقه شامخا بأنفه لا ينظر إلى الأرض صاروا كأنما غلت أيديهم إلى أعناقهم و إنما أضاف ذلك إلى نفسه لأن عند تلاوة القرآن عليهم و دعوته إياهم صاروا بهذه الصفة. و ثالثها أن المعني بذلك أناس من قريش هموا بقتل النبي ص فغلت أيديهم إلى أعناقهم فلم يستطيعوا أن يبسطوا إليه أبدا.  و رابعها أن المراد به وصف حالهم يوم القيامة فهو مثل قوله إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ فَهُمْ مُقْمَحُونَ أراد أن أيديهم لما غلت إلى أعناقهم و رفعت الأغلال أذقانهم و رءوسهم صعدا فهم مرفوع الرأس برفع الأغلال إياها و المقمح الغاض بصره بعد رفع رأسه وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ هذا على أحد الوجهين تشبيه لهم بمن هذه صفته في إعراضهم عن الإيمان و قبول الحق و ذلك عبارة عن خذلان الله إياهم لما كفروا فكأنه قال و تركناهم مخذولين فصار ذلك

   من بين أيديهم سدا و من خلفهم سدا و إذا قلنا إنه وصف حالهم في الآخرة فالكلام على حقيقة و يكون عبارة عن ضيق المكان في النار بحيث لا يجدون متقدما و لا متأخرا إذ سد عليهم جوانبهم و إذا حملنا على صفة القوم الذين هموا بقتل النبي ص فالمراد جعلنا بين أيدي أولئك الكفار منعا و من خلفهم منعا حتى لم يبصروا النبي ص و قوله فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ أي أغشيناهم أبصارهم فهم لا يبصرون النبي ص و قيل أي فأعميناهم فهم لا يبصرون الهدى و قيل فأغشيناهم بالعذاب فهم لا يبصرون في النار و قيل معناه أنهم لما انصرفوا عن الإيمان و القرآن لزمهم ذلك حتى لا يكادوا يتخلصون منه بوجه كالمغلول و المسدود عليه طرقه. و قال في قوله تعالى وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ أي عن طريق الجنة فَما لَهُ مِنْ هادٍ أي لا يقدر على هدايته أحد و قيل من ضل عن الله و رحمته فلا هادي له يقال أضللت بعيري إذا ضل و قيل معناه من يضلله عن زيادة الهدى و الألطاف لأن الكافر لا لطف له. و قال في قوله تعالى أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أي كراهة أن تقول لو أراد الله هدايتي لكنت ممن يتقي معاصيه و قيل إنهم لما لم ينظروا في الأدلة و اشتغلوا بالدنيا توهموا أن الله لم يهدهم فرد الله عليهم بقوله بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي الآية و قال الزمخشري وَ قَيَّضْنا لَهُمْ و قدرنا لهم يعني لمشركي مكة قُرَناءَ أخدانا من الشياطين من جمع قرين كقوله وَ مَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ. فإن قلت كيف جاز أن يقيض لهم القرناء من الشياطين و هو ينهاهم عن اتباع خطواتهم قلت معناه أنه خذلهم و منعهم التوفيق لتصميمهم على الكفر فلم يبق لهم قرناء سوى الشياطين و الدليل عليه و من يعش نقيض. ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ ما تقدم من أعمالهم و ما هم عازمون عليها أو ما بين أيديهم

   من أمر الدنيا و اتباع الشهوات و ما خلفهم من أمر العاقبة و أن لا بعث و لا حساب وَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ يعني كلمة العذاب فِي أُمَمٍ في جملة أمم إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ تعليل لاستحقاقهم العذاب. و قال الطبرسي رحمه الله في قوله لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا معناه أن الوجه في اختلاف الرزق بين العباد في الضيق و السعة زيادة على ما فيه من المصلحة أن في ذلك تسخيرا من بعض العباد لبعض بإحواجهم إليه يستخدم بعضهم بعضا فينتفع أحدهم بعمل الآخر له فينتظم بذلك قوام أمر العالم و قيل معناه ليملك بعضهم بعضا بما لهم فيتخذونهم عبيدا و مماليك. و قال في قوله تعالى وَ مَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ أي يعرض عنه نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً أي نخلي بينه و بين الشيطان الذي يغويه فيصير قرينة عوضا عن ذكر الله و قيل معناه نقرن به شيطانا في الآخرة يلزمه فيذهب به إلى النار كما أن المؤمن يقرن به ملك فلا يفارقه حتى يصير به إلى الجنة. و قال سيد المرتضى رضي الله عنه فيما مر في سورة الأعراف من قوله تعالى سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الآية فيه وجوه أولها أن يكون تعالى عنى بذلك صرفهم عن ثواب الله النظر في الآيات و عن العز و الكرامة اللذين يستحقهما من أدى الواجب عليه في آيات الله تعالى و أدلته و تمسك بها و الآيات على هذا التأويل يحتمل أن تكون سائر الأدلة و يحتمل أن تكون معجزات الأنبياء ع خاصة و هذا التأويل يطابقه الظاهر لأنه تعالى قال ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ كانُوا عَنْها غافِلِينَ فبين أن صرفهم من الآيات يستحق بتكذيبهم و لا يليق ذلك إلا بما ذكرناه. و ثانيها أن يصرفهم عن زيادة المعجزات التي يظهرها على الأنبياء بعد قيام الحجة بما تقدم من آياتهم و معجزاتهم لأنه تعالى إنما يظهر هذا الضرب من المعجزات إذا علم أنه يؤمن عنده من لم يؤمن بما تقدم من الآيات فإذا علم خلاف ذلك لم يظهرها و صرف الذين علم من حالهم أنهم لا يؤمنون بها عنها و يكون الصرف على أحد وجهين إما بأن لا يظهرها جملة أو بأن يصرفهم عن مشاهدتها و يظهرها بحيث ينتفع بها غيرهم.  و ثالثها أن يكون معنى سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ أي لا أوتيها من هذه صفته و إذا صرفهم عنها فقد صرفها عنهم و كلا اللفظين يفيد معنى واحدا. و رابعها أن يكون المراد بالآيات العلامات التي يجعلها الله في قلوب المؤمنين ليدل بها الملائكة على الفرق بين المؤمن و الكافر فيفعلوا بكل واحد منها ما يستحقه من التعظيم أو الاستخفاف كما تأول أهل الحق الطبع و الختم اللذين ورد بهما القرآن على أن المراد بهما العلامة المميزة بين الكافر و المؤمن و يكون معنى سأصرفهم عنها أي أعدل بهم عنها و أخص بها المؤمنين المصدقين بآياتي و أنبيائي. و خامسها أن يريد تعالى أني أصرف من رام المنع من أداء آياتي و تبليغها لأن من الواجب على الله أن يحول بين من رام ذلك و بينه و لا يمكن منه لأنه ينقض الغرض في البعثة. و سادسها أن يكون الصرف هنا الحكم و التسمية و الشهادة و معلوم أن من شهد على غيره بالانصراف عن شي‏ء جاز أن يقال له صرفه عنه كما يقال له صرفه عنه كما يقال أكفره و كذبه و فسقه. و سابعها أنه تعالى لما علم أن الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق سينصرفون عن النظر في آياته و الإيمان بها إذا أظهرها على أيدي رسله جاز أن يقول سأصرف عن آياتي فيريد سأظهر ما ينصرفون بسوء اختيارهم عنه و يجري ذلك مجرى قولهم سأبخل فلانا أي أسأله ما يبخل ببذله و الآيات إما المعجزات أو جمع الأدلة. و ثامنها أن يكون الصرف هاهنا المنع من إبطال الآيات و الحجج و القدح فيها بما يخرجها عن أن تكون أدلة و حججا فيكون تقدير الكلام إني بما أؤيده من حججي و أحكمه من آياتي و بيناتي سأصرف المبطلين و المكذبين عن القدح في الآيات و الدلالات. و تاسعها أن الله عز و جل لما وعد موسى ع و أمته لهلاك عدوهم قال سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ فأراد عز و جل أنه يهلكهم و يصطلمهم و يحتاجهم على طريق العقوبة لهم بما قد كان منهم من التكذيب بآيات الله

   تعالى و الرد لحججه و هو تعالى إذا أهلك هؤلاء الجبارين فقد صرفهم عن آياته من حيث اقتطعهم عن مشاهدتها و النظر فيها. و في قوله تعالى يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وجهان أحدهما أن يكون ذلك على سبيل التأكيد و التغليظ و البيان عن أن التكبر لا يكون إلا بغير الحق. و الثاني أن في التكبر ما يكون ممدوحا لأن من تكبر و تنزه عن الفواحش و تباعد عن فعلها و تجنب أهلها يكون مستحقا للمدح و إنما التكبر المذموم هو الواقع على وجه النخوة و البغي و الاستطالة على ذوي الضعف و الفخر عليهم و المباهاة لهم. ثم المراد بالغفلة في الآية التشبيه لا الحقيقة و وجه التشبيه أنهم لما أعرضوا عن تأمل آيات الله تعالى و الانتفاع بها اشتبهت حالهم حال من كان ساهيا غافلا عنها كما قال تعالى صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ على هذا المعنى انتهى ملخص كلامه رحمه الله و قد بسط الكلام فيها بما لا مزيد عليه. و قال رضي الله عنه في قوله تعالى يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ أما النور و الظلمة المذكوران في الآية فجائز أن يكون المراد بهما الإيمان و الكفر و جائز أيضا أن يراد بهما الجنة و النار و الثواب و العقاب و قد تصح الكناية عن الثواب و النعيم في الجنة بأنه نور و عن العقاب في النار بأنه ظلمة و إذا كان المراد بهما الجنة و النار ساغ إضافة إخراجهم من الظلمات إلى النور إليه تعالى لأنه لا شبهة في أنه جل و عز هو المدخل للمؤمن الجنة و العادل به عن طريق النار و الظاهر بما ذكرناه أشبه لأنه يقتضي أن المؤمن الذي ثبت كونه مؤمنا يخرج من الظلمة إلى النور فلو حمل على الإيمان و الكفر لتناقض المعنى و لصار تقدير الكلام أنه يخرج المؤمن الذي تقدم كونه مؤمنا من الكفر إلى الإيمان و ذلك لا يصح على أنا لو حملنا الكلام على الإيمان و الكفر لصح و لم يكن مقتضيا لما توهموه و يكون وجه إضافة الإخراج إليه و إن لم يكن الإيمان من فعله من حيث دل و بين و أرشد و لطف و سهل و قد علمنا أنه لو لا هذه الأمور لم يخرج المكلف من الكفر إلى الإيمان فتصح إضافة الإخراج إليه لكون ما عددناه من جهته و على هذا يصح من أحدنا إذا أشار على غيره  بدخول بلد من البلدان و رغبة في ذلك و عرفه ما فيه من الصلاح أو بمجانبة فعل من الأفعال أن يقول أنا أدخلت فلانا البلد الفلاني و أنا أخرجته من كذا و كذا أ لا ترى أنه تعالى قد أضاف إخراجهم من النور إلى الظلمات إلى الطواغيت و إن لم يدل ذلك على أن الطاغوت هو الفاعل للكفر للكفار بل وجه الإضافة ما تقدم لأن الشياطين يغوون و يدعون إلى الكفر و يزينون فعله فكيف اقتضت الإضافة الأولى أن الإيمان من فعل الله في المؤمن و لم تقتض الإضافة الثانية أن الكفر من فعل الشياطين في الكفار لو لا بله المخالفين و غفلتهم و بعد فلو كان الأمر على ما ظنوه لما صار الله وليا للمؤمنين و ناصرا لهم على ما اقتضته الآية و الإيمان من فعله لا من فعلهم و لما كان خاذلا للكفار و مضيفا لولايتهم إلى الطاغوت و الكفر من فعله بهم و لم فصل بين الكافر و المؤمن في باب الولاية و هو المتولي لفعل الأمرين فيهما و مثل هذا لا يذهب على أحد و لا يعرض عنه إلا معاند مغالط لنفسه. و قال رضي الله عنه في قوله تعالى رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا فيه وجوه أولها أن يكون المراد بالآية ربنا لا تشدد علينا المحنة في التكليف و لا تشق علينا فيه فيفضي بنا إلى ضيق قلوبنا بعد الهداية و ليس يمتنع أن يضيفوا ما يقع من زيغ قلوبهم عند تشديده تعالى المحنة عليهم إليه كما قال تعالى في السورة أنها فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ. فإن قيل كيف يشدد المحنة عليهم قلنا بأن يقوي شهواتهم لما في عقولهم و نفورهم عن الواجب عليهم فيكون التكليف عليهم بذلك شاقا و الثواب المستحق عليهم عظيما متضاعفا و إنما يحسن أن يجعله شاقا تعريضا لهذه المنزلة. و ثانيها أن يكون ذلك دعاء بالتثبيت على الهداية و إمدادهم بالألطاف التي معها يستمرون على الإيمان. فإن قيل و كيف يكون مزيغا لقلوبهم بأن لا يفعل اللطف قلنا من حيث كان المعلوم أنه متى قطع إمدادهم بألطافه و توفيقاته زاغوا و انصرفوا عن الإيمان و يجري

   هذا مجرى قولهم اللهم لا تسلط علينا من لا يرحمنا معناه لا تخل بيننا و بين من لا يرحمنا فيتسلط علينا فكأنهم قالوا لا تخل بيننا و بين نفوسنا و تمنعنا ألطافك فنزيغ و نضل. و ثالثها ما ذكره الجبائي و هو أن المعنى لا تزغ قلوبنا عن ثوابك و رحمتك و معنى هذا السؤال أنهم سألوا الله أن يلطف لهم في فعل الإيمان حتى يقيموا عليه و لا يتركوه في مستقبل عمرهم فيستحقوا بترك الإيمان أن تزيغ قلوبهم عن الثواب و أن يفعل بهم بدلا منه العقاب. و رابعها أن تكون الآية محمولة على الدعاء بأن لا يزيغ القلوب عن اليقين و الإيمان و لا يقتضي ذلك أنه تعالى سئل ما كان لا يحب أن يفعله و ما لو لا المسألة لجاز فعله لأنه غير ممتنع أن ندعوه على سبيل الانقطاع إليه و الافتقار إلى ما عنده بأن يفعل ما نعلم أنه لا بد من أن يفعله و بأن لا يفعل ما نعلم أنه واجب أن لا يفعله إذا تعلق بذلك ضرب من المصلحة كما قال تعالى حاكيا عن إبراهيم وَ لا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ و كما قال تعالى في تعليمنا ما ندعو به قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَ رَبُّنَا الرَّحْمنُ و كقوله تعالى رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ و قال رضي الله عنه في قول نوح ع لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ ليس في هذه الآية ما يقتضي خلاف مذهبنا لأنه تعالى لم يقل إنه فعل الغواية أو أرادها و إنما أخبر أن نصح النبي ع لا ينفع إن كان الله يريد غوايتهم و وقوع الإرادة لذلك أو جواز وقوعها لا دلالة عليهم في الظاهر على أن الغواية هاهنا الخيبة و حرمان الثواب و يشهد بصحة ما ذكرناه في هذه اللفظة قول الشاعر.

فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره. و من يغو لا يعدم على الغي لائما.

 فكأنه قال إن كان الله يريد أن يخيبكم و يعاقبكم بسوء عملكم و كفركم و يحرمكم ثوابه فليس ينفعكم نصحي ما دمتم مقيمين على ما أنتم عليه إلا أن تقلعوا و تتوبوا  و قد سمى الله تعالى العقاب غيا فقال فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا و ما قبل هذه الآية يشهد لما ذكرناه و أن القوم استعجلوا عقاب الله تعالى فقالوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ وَ لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي الآية فأخبر أن نصحه لا ينفع من يريد الله أن ينزل به العذاب و لا يغني عنه شيئا. و قال جعفر بن حرب إن الآية تتعلق بأنه كان في قوم نوح طائفة تقول بالجبر فنبههم الله تعالى بهذا القول على فساد مذاهبهم و قال لهم على طريق الإنكار عليهم و التعجب من قولهم إن كان القول كما تقولون من أن الله يفعل فيكم الكفر و الفساد فما ينفعكم نصحي فلا تطلبوا مني نصحا فأنتم على قولكم لا تنتفعون به و هذا جيد. و روي عن الحسن في هذه الآية وجه صالح و هو أنه قال المعنى فيها إن كان الله يريد أن يعذبكم فليس ينفعكم نصحي عند نزول العذاب بكم و إن قبلتموه و آمنتم به لأن من حكم الله تعالى أن لا يقبل الإيمان عند نزول العذاب و كل هذا واضح في زوال الشبهة في الآية. أقول إنما بسطنا الكلام فيما نقلناه عن الأفاضل الأعلام في تفسير تلك الآيات من كلام الملك العلام لتحيط خبرا بما ذكره أهل العدل فيها لدفع شبه المخالفين و سنتلو عليك ما ورد في تأويلها نقلا عن أئمة الدين صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين ما تتخلص به من شبه المبطلين

 1-  كا، ]الكافي[ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن ابن أبي نصر عن حماد بن عثمان عن أبي عبيدة الحذاء قال سألت أبا جعفر ع عن الاستطاعة و قول الناس فقال و تلا هذه الآية وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ يا أبا عبيدة الناس مختلفون في إصابة القول و كلهم هالك قال قلت قوله إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ قال هم شيعتنا و لرحمة خلقهم و هو قوله وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ يقول لطاعة الإمام

   عد، ]العقائد[ اعتقادنا في الفطرة و الهداية أن الله عز و جل فطر جميع الخلق على التوحيد و ذلك قوله عز و جل فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها

 2-  و قال الصادق ع في قول الله عز و جل وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ قال حتى يعرفهم ما يرضيه و ما يسخطه

 3-  و قال في قوله عز و جل فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها قال بين لها ما تأتي و ما تترك

 4-  و قال في قوله عز و جل إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً قال عرفناه إما آخذا و إما تاركا

 5-  و في قوله عز و جل وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى قال و هم يعرفون

 6-  و سئل عن قول الله عز و جل وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ قال نجد الخير و نجد الشر

 7-  و قال ع ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم

 8-  و قال ع إن الله احتج على الناس بما آتاهم و عرفهم

 9-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ الحسين بن إبراهيم القزويني عن محمد بن وهبان عن أحمد بن إبراهيم عن الحسن بن علي الزعفراني عن البرقي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع في قول الله عز و جل وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ قال نجد الخير و الشر

   -10  نهج، ]نهج البلاغة[ قال أمير المؤمنين ع عرفت الله سبحانه بفسخ العزائم و حل العقود

 11-  فس، ]تفسير القمي[ في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله تعالى قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَ أَبْصارَكُمْ وَ خَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ يقول أخذ الله منكم الهدى مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ

 12-  فس، ]تفسير القمي[ في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله وَ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَ أَبْصارَهُمْ يقول و ننكس قلوبهم فيكون أسفل قلوبهم أعلاها و نعمي أبصارهم فلا يبصرون الهدى

 13-  فس، ]تفسير القمي[ في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها يقول طبع الله عليها فلا تعقل وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ عليها غطاء عن الهدى لا يُبْصِرُونَ بِها وَ لَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها جعل في آذانهم وقرا فلم يسمعوا الهدى

 14-  فس، ]تفسير القمي[ أحمد بن محمد عن جعفر بن عبد الله عن كثير بن عياش عن أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَ بُكْمٌ يقول صم عن الهدى و بكم لا يتكلمون بخير فِي الظُّلُماتِ يعني ظلمات الكفر مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَ مَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ و هو رد على قدرية هذه الأمة يحشرهم الله يوم القيامة مع الصابئين و النصارى و المجوس فيقولون وَ اللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ يقول الله انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ قال فقال رسول الله ص ألا إن لكل أمة مجوسا و مجوس هذه الأمة الذين يقولون لا قدر و يزعمون أن المشية و القدرة إليهم و لهم

   -15  فس، ]تفسير القمي[ محمد بن عبد الله عن موسى بن عمران عن النوفلي عن السكوني قال جاء رجل إلى أبي عبد الله جعفر بن محمد صلوات الله عليه و أنا عنده فقال يا ابن رسول الله إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ و قوله أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ فقال نعم ليس لله في عباده أمر إلا العدل و الإحسان فالدعاء من الله عام و الهدى خاص مثل قوله يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ و لم يقل و يهدي جميع من دعاه إلى صراط مستقيم

 16-  لي، ]الأمالي للصدوق[ أبي عن علي بن محمد بن قتيبة عن حمدان بن سليمان عن نوح بن شعيب عن ابن بزيع عن صالح بن عقبة عن علقمة بن محمد الحضرمي عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه ع قال قال رسول الله ص قال الله جل جلاله عبادي كلكم ضال إلا من هديته و كلكم فقير إلا من أغنيته و كلكم مذنب إلا من عصمته

 17-  ب، ]قرب الإسناد[ ابن سعد عن الأزدي عن أبي عبد الله ع قال إن الله تبارك و تعالى إذا أراد بعبد خيرا أخذ بعنقه فأدخله في هذا الأمر إدخالا

 18-  ب، ]قرب الإسناد[ اليقطيني عن نباتة بن محمد عن أبي عبد الله ع قال سمعته يقول إن الله تبارك و تعالى إذا أراد بعبد خيرا وكل به ملكا فأخذ بعضده فأدخله في هذا الأمر

 19-  ب، ]قرب الإسناد[ هارون عن ابن صدقة عن أبي عبد الله ع أنه قال كونوا دعاة الناس بأعمالكم و لا تكونوا دعاة بألسنتكم فإن الأمر ليس حيث يذهب إليه الناس إنه من أخذ ميثاقه أنه منا فليس بخارج منا و لو ضربنا خيشومه بالسيف و من لم يكن منا ثم حبونا له الدنيا لم يحبنا

   بيان قوله ع ليس حيث يذهب إليه الناس أي أنهم يقدرون على هداية الناس بالاحتجاج عليهم و لعل المقصود في تلك الأخبار زجر الشيعة عن المعارضات و المجادلات مع المخالفين بحيث يتضررون بها فإنهم كانوا يبالغون في ذلك ظنا منهم أنهم يقدرون بذلك على هداية الخلق و ليس الغرض منع الناس عن هداية الخلق في مقام يظنون النفع و لم يكن مظنة ضرر فإن ذلك من أعظم الواجبات

 20-  ب، ]قرب الإسناد[ أحمد عن البزنطي قال قلت له قول الله تبارك و تعالى إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى قال الله يهدي من يشاء و يضل من يشاء فقلت له أصلحك الله إن قوما من أصحابنا يزعمون أن المعرفة مكتسبة و أنهم إذا نظروا منه وجه النظر أدركوا فأنكر ع ذلك و قال فما لهؤلاء القوم لا يكتسبون الخير لأنفسهم ليس أحد من الناس إلا و هو يحب أن يكون خيرا ممن هو خير منه هؤلاء بني هاشم موضعهم موضعهم و قرابتهم قرابتهم و هم أحق بهذا الأمر منكم أ فترون أنهم لا ينظرون لأنفسهم و قد عرفتم و لم يعرفوا قال أبو جعفر ع لو استطاع الناس لأحبونا

 21-  يد، ]التوحيد[ مع، ]معاني الأخبار[ الوراق و السناني عن ابن زكريا القطان عن ابن حبيب عن ابن بهلول عن أبيه عن جعفر بن سليمان البصري عن الهاشمي قال سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد ع عن قول الله عز و جل مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَ مَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً فقال إن الله تبارك و تعالى يضل الظالمين يوم القيامة عن دار كرامته و يهدي أهل الإيمان و العمل الصالح إلى جنته كما قال عز و جل وَ يُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَ يَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ و قال الله عز و جل إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ قال فقلت فقوله وَ ما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ و قوله عز و جل إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَ إِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي  يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ فقال إذا فعل العبد ما أمره الله عز و جل به من الطاعة كان فعله وفقا لأمر الله عز و جل و سمي العبد به موفقا و إذا أراد العبد أن يدخل في شي‏ء من معاصي الله فحال الله تبارك و تعالى بينه و بين تلك المعصية فتركها كان تركه لها بتوفيق الله تعالى و متى خلي بينه و بين المعصية فلم يحل بينه و بينها حتى يرتكبها فقد خذله و لم ينصره و لم يوفقه

 22-  يد، ]التوحيد[ مع، ]معاني الأخبار[ ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ ابن عبدوس عن ابن قتيبة عن حمدان بن سليمان قال سألت أبا الحسن علي بن موسى الرضا ع عن قول الله عز و جل فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ قال من يرد الله أن يهديه بإيمانه في الدنيا إلى جنته و دار كرامته في الآخرة يشرح صدره للتسليم لله و الثقة به و السكون إلى ما وعده من ثوابه حتى يطمئن إليه وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ عن جنته و دار كرامته في الآخرة لكفره به و عصيانه له في الدنيا يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً حتى يشك في كفره و يضطرب من اعتقاده قلبه حتى يصير كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ

 ج، ]الإحتجاج[ مرسلا عنه ع مثله

 23-  مع، ]معاني الأخبار[ أبي عن سعد عن ابن عيسى عن الحسن بن فضال عن ثعلبة عن زرارة عن عبد الخالق بن عبد ربه عن أبي عبد الله ع في قوله عز و جل وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً فقال قد يكون ضيقا و له منفذ يسمع منه و يبصر و الحرج هو الملتام الذي لا منفذ له يسمع به و لا يبصر منه

 24-  م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ ج، ]الإحتجاج[ بالإسناد إلى أبي محمد ع قال في قوله تعالى خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ أي وسمها بسمة يعرفها من يشاء من ملائكته إذا نظروا إليها بأنهم الذين لا يؤمنون وَ عَلى سَمْعِهِمْ كذلك بسمات وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ و ذلك أنهم لما أعرضوا عن النظر فيما كلفوه و قصروا فيما  أريد منهم و جهلوا ما لزمهم الإيمان به فصاروا كمن على عينيه غطاء لا يبصر ما أمامه فإن الله عز و جل يتعالى عن البعث و الفساد و عن مطالبة العباد بما منعهم بالقهر منه فلا يأمرهم بمغالبته و لا بالمصير إلى ما قد صدهم عنه بالقسر عنه ثم قال وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ يعني في الآخرة العذاب المعد للكافرين و في الدنيا أيضا لمن يريد أن يستصلحه بما ينزل به من عذاب الاستصلاح لينبهه لطاعته و من عذاب الاصطلام ليصيره إلى عدله و حكمته

 قال الطبرسي رحمه الله و روى أبو محمد العسكري ع مثل ما قال هو في تأويل هذه الآية من المراد بالختم على قلوب الكفار عن الصادق ع بزيادة شرح لم نذكره مخافة التطويل لهذا الكتاب

 25-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ تميم القرشي عن أبيه عن الأنصاري عن الهروي قال قال الرضا ع في قوله عز و جل وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ليس ذلك على سبيل تحريم الإيمان عليها و لكن على معنى أنها ما كانت لتؤمن إلا بإذن الله و إذنه أمره لها بالإيمان ما كانت مكلفة متعبدة و إلجاؤه إياها إلى الإيمان عند زوال التكليف و التعبد عنها

 26-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ السناني عن محمد الأسدي عن سهل عن عبد العظيم الحسني عن إبراهيم بن أبي محمود قال سألت الرضا ع عن قول الله عز و جل خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ قال الختم هو الطبع على قلوب الكفار عقوبة على كفرهم كما قال تعالى بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا

 27-  فس، ]تفسير القمي[ قوله وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يعني الحسنات و السيئات ثم قال في آخر الآية ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ و قد اشتبه هذا على عدة من العلماء فقالوا يقول الله وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ إِنْ  تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الحسنة و السيئة ثم قال في آخر الآية ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ فكيف هذا و ما معنى القولين فالجواب في ذلك من معنى القولين جميعا عن الصادقين ع أنهم قالوا الحسنات في كتاب الله على وجهين و السيئات على وجهين فمن الحسنات التي ذكرها الله الصحة و السلامة و الأمن و السعة في الرزق و قد سماها الله حسنات وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يعني بالسيئة هاهنا المرض و الخوف و الجوع و الشدة يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَ مَنْ مَعَهُ أي يتشاءموا به و الوجه الثاني من الحسنات يعني به أفعال العباد و هو قوله مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها و مثله كثير و كذا السيئات على وجهين فمن السيئات الخوف و الجوع و الشدة و هو ما ذكرناه في قوله وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَ مَنْ مَعَهُ و عقوبات الذنوب قد سماها الله السيئات كقوله تعالى جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها و الوجه الثاني من السيئات يعني بها أفعال العباد الذين يعاقبون عليها و هو قوله وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ و قوله ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ يعني ما عملت من ذنوب فعوقبت عليها في الدنيا و الآخرة فمن نفسك بأعمالك لأن السارق يقطع و الزاني يجلد و يرجم و القاتل يقتل فقد سمى الله العلل و الخوف و الشدة و عقوبات الذنوب كلها سيئات فقال ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ بأعمالك قوله قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يعني الصحة و العافية و السعة و السيئات التي هي عقوبات الذنوب من عند الله

 بيان لا يخفى أن الظاهر في الآية الأولى من الحسنة النعمة كالخصب و الظفر و الأمن و الفرح و من السيئة القحط و الهزيمة و الجوع و الخوف و يحتمل بعيدا ما ذكره علي بن إبراهيم من عقوبات الذنوب و في الآية الثانية يحتمل أن يكون المراد بالحسنة الطاعة فإنها بتوفيقه تعالى و النعمة فإنها بأنواعها من فضله تعالى و بالسيئة الذنوب فإنها باختيارنا أو عقوباتها فإنها بسبب أفعالنا و لا ينافي ذلك كونها من الله إذ تقديرها و إلزامها و إيجابها من الله و فعل ما يوجبها منا و لعل كلام علي بن إبراهيم ناظر  إلى هذا أو البلايا و المصائب فإنها بسبب ذنوبنا التي نستحقها بها و لا ينافي أيضا كونها من عند الله إذ أعمالنا أسباب لإنزال الله تعالى إياها فالفاعل هو الله و نحن الأسباب و منا البواعث و يمكن حمل الآية أيضا على الطاعات و المعاصي إذ المعاصي صادرة منا بسلب توفيقه تعالى عنا فيجوز نسبتها إليه تعالى أيضا مجازا و إن كنا نحن بقبائح أعمالنا باعثين لسلب التوفيق أيضا و لعله إنما خص بعض الصور بالذكر لظهور البواقي

 28-  يد، ]التوحيد[ ابن الوليد عن ابن أبان عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن عبد الله الفراء عن محمد بن مسلم و محمد بن مروان عن أبي عبد الله ع قال ما علم رسول الله ص أن جبرئيل ع من قبل الله عز و جل إلا بالتوفيق

 29-  يد، ]التوحيد[ القطان عن السكري عن الجوهري عن ابن عمارة عن أبيه عن جابر الجعفي عن أبي جعفر ع قال سألته عن معنى لا حول و لا قوة إلا بالله فقال معناه لا حول لنا عن معصية الله إلا بعون الله و لا قوة لنا على طاعة الله إلا بتوفيق الله عز و جل

 30-  سن، ]المحاسن[ محمد بن إسماعيل عن أبي إسماعيل السراج عن ابن مسكان عن ثابت أبي سعيد قال قال أبو عبد الله ع يا ثابت ما لكم و للناس كفوا عن الناس و لا تدعوا أحدا إلى أمركم فو الله لو أن أهل السماوات و أهل الأرضين اجتمعوا على أن يهدوا عبدا يريد الله ضلالته ما استطاعوا أن يهدوه و لو أن أهل السماوات و أهل الأرضين اجتمعوا على أن يضلوا عبدا يريد الله هداه ما استطاعوا أن يضلوه كفوا عن الناس و لا يقل أحدكم أخي و ابن عمي و جاري فإن الله إذا أراد بعبد خيرا طيب روحه فلا يسمع معروفا إلا عرفه و لا منكرا إلا أنكره ثم يقذف الله في قلبه كلمة يجمع بها أمره

 سن، ]المحاسن[ أبي عن عبد الله بن يحيى عن عبد الله بن مسكان عن ثابت مثله

 31-  سن، ]المحاسن[ عبد الله بن يحيى عن هشام بن سالم عن سليمان بن خالد قال قال لي أبو عبد الله ع يا سليمان إن لك قلبا و مسامع و إن الله إذا أراد أن يهدي عبدا  فتح مسامع قلبه و إذا أراد به غير ذلك ختم مسامع قلبه فلا يصلح أبدا و هو قول الله عز و جل أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها

 32-  سن، ]المحاسن[ القاسم بن محمد و فضالة عن كليب بن معاوية الأسدي قال قال أبو عبد الله ع ما أنتم و الناس إن الله إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة بيضاء فإذا هو يجول لذلك و يطلبه

 33-  سن، ]المحاسن[ فضالة عن القاسم بن يزيد عن سليمان بن خالد قال قال أبو عبد الله ع إذا أراد الله بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة بيضاء فجال القلب يطلب الحق ثم هو إلى أمركم أسرع من الطير إلى وكره

 34-  سن، ]المحاسن[ أبي عن فضالة عن أبي بصير عن خيثمة بن عبد الرحمن الجعفي قال سمعت أبا جعفر ع يقول إن القلب ينقلب من لدن موضعه إلى حنجرته ما لم يصب الحق فإذا أصاب الحق قر ثم ضم أصابعه و قرأ هذه الآية فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً

 شي، ]تفسير العياشي[ عن خيثمة مثله

 35-  سن، ]المحاسن[ حماد بن عيسى عن ربعي عن الفضيل عن أبي عبد الله ع قال لا تدعوا إلى هذا الأمر فإن الله إذا أراد بعبد خيرا أخذ بعنقه فأدخله في هذا الأمر

 سن، ]المحاسن[ يحيى بن إبراهيم بن أبي البلاد عن أبيه عن جده عن أبي جعفر ع مثله

 36-  سن، ]المحاسن[ النضر عن يحيى الحلبي عن عمران قال قال أبو عبد الله ع إن الله إذا أراد بعبد خيرا أخذ بعنقه فأدخله في هذا الأمر

   سن، ]المحاسن[ علي بن إسماعيل الميثمي عن ربعي عن حذيفة بن منصور عن أبي عبد الله ع مثله سن، ]المحاسن[ صفوان عن العلاء عن محمد عن أبي عبد الله ع مثله

 37-  سن، ]المحاسن[ صفوان عن محمد بن مروان عن فضيل قال قلت لأبي عبد الله ع ندعو الناس إلى هذا الأمر فقال لا يا فضيل إن الله إذا أراد بعبد خيرا وكل ملكا فأخذ بعنقه فأدخله في هذا الأمر طائعا أو كارها

 38-  سن، ]المحاسن[ ابن أبي عمير عن أبي أيوب عن معاذ بن كثير قال قلت لأبي عبد الله إني لا أسألك إلا عما يعنيني إن لي أولادا قد أدركوا فأدعوهم إلى شي‏ء من هذا الأمر فقال لا إن الإنسان إذا خلق علويا أو جعفريا يأخذ الله بناصيته حتى يدخله في هذا الأمر

 39-  سن، ]المحاسن[ صفوان عن حذيفة بن منصور عن أبي عبد الله ع قال كان أبي ع يقول إذا أراد الله بعبد خيرا أخذ بعنقه فأدخله في هذا الأمر قال و أومأ بيده إلى رأسه

 40-  سن، ]المحاسن[ حماد بن عيسى عن نباتة بن محمد البصري قال أدخلني ميسر بن عبد العزيز على أبي عبد الله ع و في البيت نحو من أربعين رجلا فجعل ميسر يقول جعلت فداك هذا فلان بن فلان من أهل بيت كذا و كذا حتى انتهى إلي فقال إن هذا ليس في أهل بيته أحد يعرف هذا الأمر غيره فقال أبو عبد الله ع إن الله إذا أراد بعبد خيرا وكل به ملكا فأخذ بعضده فأدخله في هذا الأمر

 41-  سن، ]المحاسن[ علي بن الحكم عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع في قول الله تبارك و تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ فقال يحول بينه و بين أن يعلم أن الباطل حق

 بيان أي يهديه إلى الحق.  و قال السيد المرتضى رضي الله عنه في الغرر و الدرر فيه وجوه. أولها أن يريد بذلك أنه تعالى يحول بين المرء و بين الانتفاع بقلبه بالموت و هذا حث منه عز و جل على الطاعات و المبادرة لها قبل الفوت. و ثانيها أنه يحول بين المرء و قلبه بإزالة عقله و إبطال تميزه و إن كان حيا و قد يقال لمن فقد عقله و سلب تمييزه إنه بغير قلب قال تعالى إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ. و ثالثها أن يكون المعنى المبالغة في الإخبار عن قربه من عباده و علمه بما يبطنون و يخفون و أن الضمائر المكنونة له ظاهرة و الخفايا المستورة لعلمه بادية و يجري ذلك مجرى قوله تعالى وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ و نحن نعلم أنه تعالى لم يرد قرب المسافة بل المعنى الذي ذكرناه و إذا كان جل و عز هو أعلم بما في قلوبنا منا و كان ما نعلمه أيضا يجوز أن ننساه و نسهو عنه و نضل عن علمه و كل ذلك لا يجوز عليه جاز أن يقول إنه يحول بيننا و بين قلوبنا لأنه معلوم في الشاهد أن كل شي‏ء يحول بين شيئين فهو أقرب إليهما و العرب تضع كثيرا لفظة القرب على غير معنى المسافة فيقول فلان أقرب إلى قلبي من فلان. و رابعها ما أجاب به بعضهم من أن المؤمنين كانوا يفكرون في كثرة عدوهم و قلة عددهم فيدخل قلوبهم الخوف فأعلمهم تعالى أنه يحول بين المرء و قلبه بأن يبدله بالخوف الأمن و يبدل عدوهم بظنهم أنهم قادرون عليهم الجبن و الخور. و يمكن في الآية وجه خامس و هو أن يكون المراد أنه تعالى يحول بين المرء و بين ما يدعوه إليه قلبه من قبائح بالأمر و النهي و الوعد و الوعيد انتهى. أقول يمكن أن تكون الحيلولة بالهدايات و الألطاف الخاصة زائدا على  الأمر و النهي و يحتمل أن يكون مخصوصا بالمقربين الذين يملك الله قلوبهم و يستولي عليها بلطفه و يتصرف فيها بأمره فلا يشاءون شيئا إلا أن يشاء الله و لا يريدون إلا ما أراد الله فهو تعالى في كل آن يفيض على أرواحهم و يتصرف في أبدانهم فهم ينظرون بنور الله و يبطشون بقوة الله كما قال تعالى فيهم فبي يسمع و بي يبصر و بي ينطق و بي يمشي و بي يبطش و قال جل و عز كنت سمعه و بصره و يده و رجله و لسانه و سيأتي مزيد تحقيق لذلك في كتاب المكارم و قد مر الكلام في الآية في باب العلم

 42-  شي، ]تفسير العياشي[ عن ابن أبي يعفور قال قال أبو عبد الله ع لبسوا عليهم لبس الله عليهم فإن الله يقول وَ لَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ

 43-  شي، ]تفسير العياشي[ عن علي بن عقبة عن أبيه قال سمعت أبا عبد الله ع يقول اجعلوا أمركم هذا لله و لا تجعلوا للناس فإنه ما كان لله فهو لله و ما كان للناس فلا يصعد إلى الله و لا تخاصموا الناس بدينكم فإن الخصومة ممرضة للقلب إن الله قال لنبيه يا محمد إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ و قال أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ذروا الناس فإن الناس أخذوا من الناس و إنكم أخذتم من رسول الله و علي و لا سواء إني سمعت أبي ع و هو يقول إن الله إذا كتب إلى عبد أن يدخل في هذا الأمر كان أسرع إليه من الطير إلى وكره

 44-  شي، ]تفسير العياشي[ البزنطي عن الرضا ع قال قال الله في قوم نوح وَ لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ قال الأمر إلى الله يهدي و يضل

 45-  شي، ]تفسير العياشي[ عن إسحاق بن عمار قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن رسول  الله ص كان يدعو أصحابه فمن أراد به خيرا سمع و عرف ما يدعوه إليه و من أراد به شرا طبع على قلبه فلا يسمع و لا يعقل و هو قوله أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ سَمْعِهِمْ وَ أَبْصارِهِمْ وَ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ

 46-  شي، ]تفسير العياشي[ عن حمران عن أبي جعفر ع في قول الله إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها مشددة منصوبة تفسيرها كثرنا و قال لا قرأتها مخففة

 بيان قال الفيروزآبادي أمر كفرح أمرا و أمرة كثر و تم فهو آمر و الأمر اشتد و الرجل كثرت ماشيته و أمره الله و أمره كنصره لغية كثر ماشيته و نسله

 47-  شي، ]تفسير العياشي[ عن حمران عن أبي جعفر ع في قول الله إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها قال تفسيرها أمرنا أكابرها

 48-  تفسير النعماني، بالإسناد الآتي في كتاب القرآن عن أمير المؤمنين ع قال الضلالة على وجوه فمنه محمود و منه مذموم و منه ما ليس بمحمود و لا مذموم و منه ضلال النسيان فأما الضلال المحمود و هو المنسوب إلى الله تعالى كقوله يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ هو ضلالهم عن طريق الجنة بفعلهم و المذموم هو قوله تعالى وَ أَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ وَ أَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَ ما هَدى و مثل ذلك كثير و أما الضلال المنسوب إلى الأصنام فقوله في قصة إبراهيم وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ الآية و الأصنام لا يضللن أحدا على الحقيقة إنما ضل الناس بها و كفروا حين عبدوها من دون الله عز و جل و أما الضلال الذي هو النسيان فهو قوله تعالى أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى و قد ذكر الله تعالى الضلال في مواضع من كتابه فمنهم ما نسبه إلى نبيه على ظاهر اللفظ كقوله سبحانه وَ وَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى معناه وجدناك في قوم لا يعرفون نبوتك فهديناهم بك و أما الضلال المنسوب إلى الله تعالى الذي هو ضد الهدى و الهدى هو البيان و هو معنى قوله سبحانه أَ وَ لَمْ يَهْدِ لَهُمْ معناه أ و لم أبين لهم مثل قوله سبحانه فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى أي بينا لهم و هو قوله تعالى وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ و أما معنى الهدى فقوله عز و جل إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ و معنى  الهادي المبين لما جاء به المنذر من عند الله و قد احتج قوم من المنافقين على الله إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها و ذلك أن الله تعالى لما أنزل على نبيه وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ قال طائفة من المنافقين ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً فأجابهم الله تعالى بقوله إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها إلى قوله يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَ يَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ فهذا معنى الضلال المنسوب إليه تعالى لأنه أقام لهم الإمام الهادي لما جاء به المنذر فخالفوه و صرفوا عنه بعد أن أقروا بفرض طاعته و لما بين لهم ما يأخذون و ما يذرون فخالفوه ضلوا هذا مع علمهم بما قاله النبي ص و هو قوله لا تصلوا علي صلاة مبتورة إذا صليتم علي بل صلوا على أهل بيتي و لا تقطعوهم مني فإن كل سبب و نسب منقطع يوم القيامة إلا سببي و نسبي و لما خالفوا الله تعالى ضلوا فأضلوا فحذر الله تعالى الأمة من اتباعهم فقال سبحانه وَ لا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَ أَضَلُّوا كَثِيراً وَ ضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ و السبيل هاهنا الوصي و قال سبحانه وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ الآية فخالفوا ما وصاهم الله تعالى به و اتبعوا أهواءهم فحرفوا دين الله جلت عظمته و شرائعه و بدلوا فرائضه و أحكامه و جميع ما أمروا به كما عدلوا عمن أمروا بطاعته و أخذ عليهم العهد بموالاته و اضطرهم ذلك إلى استعمال الرأي و القياس فزادهم ذلك حيرة و التباسا و منه قوله سبحانه وَ لِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ فكان تركهم اتباع الدليل الذي أقام لهم ضلالة لهم فصار ذلك كأنه منسوب إليه تعالى لما خالفوا أمره في اتباع الإمام ثم افترقوا و اختلفوا و لعن بعضهم بعضا و استحل بعضهم دماء بعض فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ

 49-  نهج، ]نهج البلاغة[ قال ع و قد سئل عن معنى قولهم لا حول و لا قوة إلا بالله  إنا لا نملك مع الله شيئا و لا نملك إلا ما ملكنا فمتى ملكنا ما هو أملك به منا كلفنا و متى أخذه منا وضع تكليفه عنا

 50-  كنز الكراجكي، قال قال الصادق ع ما كل من نوى شيئا قدر عليه و لا كل من قدر على شي‏ء وفق له و لا كل من وفق لشي‏ء أصاب له فإذا اجتمعت النية و القدرة و التوفيق و الإصابة فهنالك تمت السعادة