باب 11- الميزان

 الآيات الأعراف وَ الْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ  الكهف أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ لِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً الأنبياء وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَ كَفى بِنا حاسِبِينَ المؤمنين فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ القارعة فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ وَ أَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ وَ ما أَدْراكَ ما هِيَهْ نارٌ حامِيَةٌ تفسير قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى وَ الْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ذكر فيه أقوال أحدها أن الوزن عبارة عن العدل في الآخرة و أنه لا ظلم فيها على أحد. و ثانيها أن الله ينصب ميزانا له لسان و كفتان يوم القيامة فتوزن به أعمال العباد الحسنات و السيئات عن ابن عباس و الحسن و به قال الجبائي و اختلفوا في كيفية الوزن لأن الأعمال أعراض لا تجوز عليها الإعادة و لا يكون لها وزن و لا تقوم بأنفسها فقيل توزن صحائف الأعمال عن ابن عمر و جماعة و قيل تظهر علامات  للحسنات و علامات للسيئات في الكفتين فتراها الناس عن الجبائي و قيل تظهر للحسنات صورة حسنة و للسيئات صورة سيئة عن ابن عباس و قيل توزن نفس المؤمن و الكافر عن عبيد بن عمير قال يؤتى بالرجل العظيم الجثة فلا يزن جناح بعوضة. و ثالثها أن المراد بالوزن ظهور مقدار المؤمن في العظم و مقدار الكافر في الذلة كما قال سبحانه فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً فمن أتى بالعمل الصالح الذي يثقل وزنه أي يعظم قدره فقد أفلح و من أتى بالعمل السيئ الذي لا وزن له و لا قيمة فقد خسر فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ إنما جمع الموازين لأنه يجوز أن يكون لكل نوع من أنواع الطاعات يوم القيامة ميزان و يجوز أن يكون كل ميزان صنفا من أصناف أعماله و يؤيد هذا ما جاء في الخبر أن الصلاة ميزان فمن وفى استوفى. و قال الرازي في تفسيره في وزن الأفعال قولان الأول في الخبر أنه تعالى ينصب ميزانا له لسان و كفتان يوم القيامة يوزن به أعمال العباد خيرها و شرها قال ابن عباس أما المؤمن فيؤتى بعمله في أحسن صورة فيوضع في كفة الميزان فتثقل حسناته على سيئاته فذلك قوله فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الناجون قال و هذا كما قال في سورة الأنبياء وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً. و أما كيفية وزن الأعمال على هذا القول ففيه وجهان الأول أن أعمال المؤمن تتصور بصورة حسنة و أعمال الكافر تتصور بصورة قبيحة فتوزن تلك الصورة كما ذكره ابن عباس و الثاني أن الوزن يعود إلى الصحف التي تكون فيها أعمال العباد مكتوبة.

 و سئل رسول الله ص عما يوزن يوم القيامة فقال الصحف

و هذا القول مذهب المفسرين في هذه الآية و عن عبد الله بن سلام أن ميزان رب العالمين ينصب بين الجن و الإنس يستقبل به العرش إحدى كفتي الميزان على الجنة و الأخرى على جهنم و لو وضعت السماوات و الأرض في إحداهما لوسعتهن و جبرئيل آخذ بعموده و ينظر إلى لسانه.  

 و عن عبد الله بن عمر قال رسول الله ص يؤتى برجل يوم القيامة إلى الميزان و يؤتى له تسعة و تسعون سجلا كل سجل منها مد البصر فيها خطاياه و ذنوبه فتوضع في كفة الميزان ثم يخرج له قرطاس كالأنملة فيها شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمد عبده و رسوله فيوضع في الآخر فيرجح

 و عن الحسن بينا رسول الله ص ذات يوم واضع رأسه في حجر عائشة قد أغفي إذ سالت الدموع من عينها فقال ما أصابك ما أبكاك قالت ذكرت حشر الناس و هل يذكر أحد أحدا فقال لها يحشرون حفاة عراة و قرأ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ لا يذكر فيها أحدا عند الصحف و عند وزن الحسنات و السيئات

و عن عبيد بن عمير يؤتى بالرجل العظيم الأكول الشروب فلا يكون له وزن بعوضة. و القول الثاني و هو قول مجاهد و الضحاك و الأعمش أن المراد من الميزان العدل و القضاء و كثير من المتأخرين ذهبوا إلى هذا القول و مالوا إليه أما بيان أن حمل لفظ الوزن على هذا المعنى جائز في اللغة فلأن العدل في الأخذ و الإعطاء لا يظهر إلا بالكيل و الوزن في الدنيا فلم يبعد جعل الوزن كناية عن العدل و مما يقوي ذلك أن الرجل إذا لم يكن له قدر و لا قيمة عند غيره يقال إن فلانا لا يقيم لفلان وزنا قال تعالى فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً و يقال أيضا فلان يستخف بفلان و يقال هذا الكلام في وزن هذا و في وزانه أي يعادله و يساويه مع أنه ليس هناك وزن في الحقيقة و قال الشاعر.

قد كنت قبل لقائكم ذا قوة. عندي لكل مخاصم ميزانه.

 أراد عندي لكل مخاصم كلام يعادل كلامه فجعل الوزن مثلا للعدل إذا ثبت هذا وجب أن يكون المراد من الآية هذا المعنى فقط و الدليل عليه أن الميزان إنما يراد ليتوصل به إلى معرفة مقدار الشي‏ء و مقادير الثواب و العقاب لا يمكن إظهارها بالميزان لأن أعمال العباد أعراض و هي قد فنيت و عدمت و وزن المعدوم محال و أيضا فبتقدير بقائها كان وزنها محالا و أما قوله الموزون صحائف الأعمال أو صور مخلوقة على حسب مقادير الأعمال فنقول إن المكلف يوم القيامة إما  أن يكون مقرا بأن الله تعالى عادل حكيم أو لا يكون مقرا بذلك فإن كان مقرا بذلك فحينئذ كفاه حكم الله تعالى بمقادير الثواب و العقاب في علمه بأنه عدل و صواب و إن لم يكن مقرا بذلك لم يعرف من رجحان كفة الحسنات على كفة السيئات أو بالعكس حصول الرجحان لاحتمال أنه تعالى أظهر ذلك الرجحان لا على سبيل العدل و الإنصاف فثبت أن هذا الوزن لا فائدة فيه البتة. و أجاب الأولون و قالوا إن جميع المكلفين يعلمون يوم القيامة أنه تعالى منزه عن الظلم و الجور و الفائدة في وضع ذلك الميزان أن يظهر ذلك الرجحان لأهل القيامة فإن كان ظهور الرجحان في طرف الحسنات ازداد فرحه و سروره بسبب ظهور فضله و كمال درجته لأهل القيامة و إن كان بالضد فيزداد غمه و حزنه و حرقته و فضيحته في يوم القيامة. ثم اختلفوا في كيفية ذلك الرجحان فبعضهم قال يظهر هناك نور في رجحان الحسنات و ظلمة في رجحان السيئات و آخرون قالوا بل يظهر رجحان في الكفة. ثم الأظهر إثبات موازين في يوم القيامة لا ميزان واحد و الدليل عليه قوله تعالى وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ. و قال في هذه الآية فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ و على هذا فلا يبعد أن يكون لأفعال القلوب ميزان و لأفعال الجوارح الميزان و لما يتعلق بالقول ميزان آخر. قال الزجاج إنما جمع الله الموازين هاهنا لوجهين الأول أن العرب قد يوقع لفظ الجمع على الواحد فيقولون خرج فلان إلى مكة بالبغال و الثاني أن المراد بالموازين هاهنا جمع موزون و المراد الأعمال الموزونة و لقائل أن يقول هذان الوجهان يوجبان العدول عن ظاهر اللفظ و ذلك إنما يصار إليه عند تعذر حمل الكلام على ظاهره و لا مانع هاهنا منه فوجب إجراء اللفظ على حقيقته فكما لم يمتنع إثبات ميزان له لسان و كفتان فكذلك لا يمتنع إثبات موازين بهذه الصفة فما الموجب لتركه و المصير إلى التأويل. و قال في قوله عز و جل فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً فيه وجوه الأول  أنا نزدري بهم و ليس لهم عندنا وزن و مقدار الثاني لا نقيم لهم ميزانا لأن الميزان إنما يوضع لأهل الحسنات و السيئات من الموحدين ليميز مقدار الطاعات و مقدار السيئات الثالث قال القاضي إن من غلب معاصيه صار ما فعله من الطاعة كأن لم يكن فلا يدخل في الوزن شي‏ء من طاعته و هذا التفسير بناء على قوله بالإحباط و التكفير. و قال في قوله سبحانه وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ وصفها الله بذلك لأن الميزان قد يكون مستقيما و قد يكون بخلافه فبين أن تلك الموازين تجري على حد العدل و القسط و أكد بقوله فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً قال الفراء القسط من صفة الموازين كقولك للقوم أنتم عدل و قال الزجاج و نضع الموازين ذوات القسط و قوله لِيَوْمِ الْقِيامَةِ قال الفراء في يوم القيامة و قيل لأهل يوم القيامة ثم قال قال أئمة السلف إنه سبحانه يضع الموازين الحقيقية و يزن بها الأعمال عن الحسن و هو ميزان لها كفتان و لسان و هو بيد جبرئيل ع.

 و روي أن داود ع سأل ربه أن يريه الميزان فلما رأى غشي عليه ثم أفاق فقال يا إلهي من الذين يقدر أن يزن بمل‏ء كفته حسنات فقال يا داود إني إذا رضيت عن عبد ملأتها بتمرة

ثم قال على هذا القول في كيفية وزن الأعمال طريقان أحدهما أن توزن صحائف الأعمال و الثاني أن يجعل في كفة الحسنات جواهر بيض مشرقة و في كفة السيئات جواهر سود مظلمة ثم قال و الدليل على وجود الموازين الحقيقية أن العدول عن الحقيقة إلى المجاز من غير ضرورة غير جائز لا سيما و قد جاءت الأحاديث الكثيرة بالأسانيد الصحيحة و إنما جمع الموازين لكثرة من يوزن أعمالهم و هذا تفخيم و يجوز أن يرجع إلى الوزنات و أما قوله تعالى وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ فالمعنى أنه لا ننقص من إحسان محسن و لا نزداد في إساءة مسي‏ء. و قال الطبرسي رحمه الله في قوله عز و جل فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ أي رجحت حسناته و كثرت خيراته فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ أي معيشة ذات رضي يرضاها صاحبها وَ أَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ أي خفت حسناته و قلت طاعاته فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ أي فمأواه  جهنم و مسكنه النار و إنما سماها أمه لأنه يأوي إليها كما يأوي الولد إلى أمه و قيل إنما قال فأمه لأن العاصي يهوي على أم رأسه في النار وَ ما أَدْراكَ ما هِيَهْ هذا تفخيم و تعظيم لأمرها و الهاء للوقف ثم فسرها فقال نارٌ حامِيَةٌ أي هي نار حارة شديدة الحرارة

 1-  م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ عن النبي ص قال إن الله يبعث يوم القيامة أقواما يمتلئ من جهة السيئات موازينهم فيقال لهم هذه السيئات فأين الحسنات و إلا فقد عصيتم فيقولون يا ربنا ما نعرف لنا حسنات فإذا النداء من قبل الله عز و جل لئن لم تعرفوا لأنفسكم عبادي حسنات فإني أعرفها لكم و أوفرها عليكم ثم يأتي بصحيفة صغيرة يطرحها في كفة حسناتهم فترجح بسيئاتهم بأكثر مما بين السماء و الأرض فيقال لأحدهم خذ بيد أبيك و أمك و إخوانك و أخواتك و خاصتك و قراباتك و أخدامك و معارفك فأدخلهم الجنة فيقول أهل المحشر يا رب أما الذنوب فقد عرفناها فما ذا كانت حسناتهم فيقول الله عز و جل يا عبادي مشى أحدهم ببقية دين لأخيه إلى أخيه فقال خذها فإني أحبك بحبك علي بن أبي طالب فقال له الآخر قد تركتها لك بحبك عليا و لك من مالي ما شئت فشكر الله تعالى ذلك لهما فحط به خطاياهما و جعل ذلك في حشو صحيفتهما و موازينهما و أوجب لهما و لوالديهما الجنة ثم قال يا بريدة يدخل النار ببغض علي أكثر من حصى الخذف الذي يرمى عند الجمرات فإياك أن تكون منهم

 2-  أقول روى الصدوق في كتاب فضائل الشيعة، بإسناده عن أبي جعفر الباقر عن آبائه ع قال قال رسول الله ص حبي و حب أهل بيتي نافع في سبعة مواطن أهوالهن عظيمة عند الوفاة و في القبر و عند النشور و عند الكتاب و عند الحساب و عند الميزان و عند الصراط

 3-  ج، ]الإحتجاج[ روى هشام بن الحكم أنه سأل الزنديق أبا عبد الله ع فقال أ و ليس توزن الأعمال قال لا إن الأعمال ليست بأجسام و إنما هي صفة ما عملوا و إنما يحتاج إلى وزن الشي‏ء من جهل عدد الأشياء و لا يعرف ثقلها و خفتها و إن الله  لا يخفى عليه شي‏ء قال فما معنى الميزان قال العدل قال فما معناه في كتابه فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ قال فمن رجح عمله الخبر

 4-  فس، ]تفسير القمي[ وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ قال المجازاة وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها أي جازينا بها و هي ممدودة آتينا بها

 بيان قال البيضاوي أتينا بها أي أحضرناها و قرئ آتينا بها بمعنى جازينا بها من الإيتاء فإنه قريب من أعطينا أو من المواتاة فإنهم آتوه بالأعمال و آتاهم بالجزاء. و قال الطبرسي رحمه الله و قرأ آتينا بها بالمد ابن عباس و جعفر بن محمد و مجاهد و سعيد بن جبير و العلاء بن سيابة و الباقون أَتَيْنا بالقصر و روي عن الصادق ع أنه قال معناه جازينا بها

 5-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ فيما كتب الرضا ع للمأمون و تؤمن بعذاب القبر و منكر و نكير و البعث بعد الموت و الميزان و الصراط الخبر

 6-  مع، ]معاني الأخبار[ القطان عن عبد الرحمن بن محمد الحسني عن أحمد بن عيسى العجلي عن محمد بن أحمد بن عبد الله العرزمي عن علي بن حاتم المنقري عن هشام بن سالم قال سألت أبا عبد الله ع عن قول الله عز و جل وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً قال هم الأنبياء و الأوصياء ع

 كا، ]الكافي[ العدة عن أحمد بن محمد عن إبراهيم الهمداني رفعه إلى أبي عبد الله ع مثله

 7-  كا، ]الكافي[ الحسين بن محمد عن المعلى عن الوشاء عن عبد الله بن سنان عن رجل من أهل المدينة عن علي بن الحسين ع قال قال رسول الله ص ما يوضع في ميزان امرئ يوم القيامة أفضل من حسن الخلق

   -8  كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن ابن عيسى و علي عن أبيه جميعا عن ابن محبوب عن عبد الله بن غالب الأسدي عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن علي بن الحسين ع فيما كان يعظ به قال ثم رجع القول من الله في الكتاب على أهل المعاصي و الذنوب فقال عز و جل وَ لَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فإن قلتم أيها الناس إن الله عز و جل إنما عنى بهذا أهل الشرك فكيف ذلك و هو يقول وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَ كَفى بِنا حاسِبِينَ اعلموا عباد الله أن أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين و لا تنشر لهم الدواوين و إنما يحشرون إلى جهنم زمرا و إنما نصب الموازين و نشر الدواوين لأهل الإسلام الخبر

 9-  يد، ]التوحيد[ بإسناده عن أبي معمر السعداني عن أمير المؤمنين ع في حديث من سأل عن الآيات التي زعم أنها متناقضة قال ع و أما قوله تبارك و تعالى وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً فهو ميزان العدل يؤخذ به الخلائق يوم القيامة يدين الله تبارك و تعالى الخلق بعضهم من بعض بالموازين و في غير هذا الحديث الموازين هم الأنبياء و الأوصياء ع و قوله عز و جل فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً فإن ذلك خاصة و أما قوله فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ فإن رسول الله ص قال قال الله عز و جل لقد حقت كرامتي أو قال مودتي لمن يراقبني و يتحاب بحلالي إن وجوههم يوم القيامة من نور على منابر من نور عليهم ثياب خضر قيل من هم يا رسول الله قال قوم ليسوا بأنبياء و لا شهداء و لكنهم تحابوا بحلال الله و يدخلون الجنة بغير حساب نسأل الله أن يجعلنا برحمته و أما قوله فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ و خَفَّتْ مَوازِينُهُ فإنما يعني الحساب توزن الحسنات و السيئات فالحسنات ثقل الميزان و السيئات خفة الميزان   -10  عد، ]العقائد[ اعتقادنا في الحساب و الميزان أنهما حق منه ما يتولاه الله عز و جل و منه ما يتولاه حججه فحساب الأنبياء و الأئمة صلوات الله عليهم يتولاه الله عز و جل و يتولى كل نبي حساب أوصيائه و يتولى الأوصياء حساب الأمم و الله تبارك و تعالى هو الشهيد على الأنبياء و الرسل و هم الشهداء على الأوصياء و الأئمة شهداء على الناس و ذلك قول الله عز و جل لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَ تَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ و قوله عز و جل فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً و قال عز و جل أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ و الشاهد أمير المؤمنين ع و قوله تعالى إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ و سئل الصادق ع عن قول الله عز و جل وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً قال الموازين الأنبياء و الأوصياء و من الخلق من يدخل الجنة بغير حساب فأما السؤال فهو واقع على جميع الخلق لقول الله تعالى فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَ لَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ يعني عن الدين و أما غير الدين فلا يسأل إلا من يحاسب قال الله عز و جل فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَ لا جَانٌّ يعني من شيعة النبي و الأئمة ع دون غيرهم كما ورد في التفسير و كل محاسب معذب و لو بطول الوقوف و لا ينجو من النار و لا يدخل الجنة أحد إلا برحمة الله تعالى و الله يخاطب عباده من الأولين و الآخرين بحساب عملهم مخاطبة واحدة يسمع منها كل واحد قضيته دون غيرها و يظن أنه مخاطب دون غيره لا يشغله عز و جل مخاطبة عن مخاطبة و يفرغ من حساب الأولين و الآخرين في مقدار ساعة من ساعات الدنيا و يخرج الله عز و جل لكل إنسان كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً ينطق عليه بجميع أعماله لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها فيجعله الله حاسب نفسه و الحاكم عليها بأن يقال له اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً و يختم الله تبارك و تعالى على قوم أفواههم و تشهد أيديهم و أرجلهم و جميع جوارحهم بما

  كانوا يكتمون وَ قالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ وَ هُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَ لا أَبْصارُكُمْ وَ لا جُلُودُكُمْ وَ لكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ أقول قال الشيخ المفيد رحمه الله الحساب هو المقابلة بين الأعمال و الجزاء عليها و المواقفة للعبد على ما فرط منه و التوبيخ على سيئاته و الحمد على حسناته و معاملته في ذلك باستحقاقه و ليس هو كما ذهبت العامة إليه من مقابلة الحسنات بالسيئات و الموازنة بينهما على حسب استحقاق الثواب و العقاب عليهما إذ كان التحابط بين الأعمال غير صحيح و مذهب المعتزلة فيه باطل غير ثابت و ما يعتمد الحشوية في معناه غير معقول و الموازين هي التعديل بين الأعمال و الجزاء عليها و وضع كل جزاء في موضعه و إيصال كل ذي حق إلى حقه فليس الأمر في معنى ذلك على ما ذهب إليه أهل الحشو من أن في القيامة موازين كموازين الدنيا لكل ميزان كفتان توضع الأعمال فيها إذ الأعمال أعراض و الأعراض لا يصح وزنها و إنما توصف بالثقل و الخفة على وجه المجاز و المراد بذلك أن ما ثقل منها هو ما كثر و استحق عليه عظيم الثواب و ما خف منها ما قل قدره و لم يستحق عليه جزيل الثواب و الخبر الوارد أن أمير المؤمنين و الأئمة من ذريته ع هم الموازين فالمراد أنهم المعدلون بين الأعمال فيما يستحق عليها و الحاكمون فيها بالواجب و العدل و يقال فلان عندي في ميزان فلان و يراد به نظيره و يقال كلام فلان عندي أوزن من كلام فلان و المراد به أن كلامه أعظم و أفضل قدرا و الذي ذكره الله تعالى في الحساب و الخوف منه إنما هو المواقفة على الأعمال لأن من وقف على أعماله لم يتخلص من تبعاتها و من عفا الله تعالى عنه في ذلك فاز بالنجاة و من ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ بكثرة استحقاقه الثواب فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ بقلة أعمال الطاعات فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ و القرآن إنما أنزل بلغة العرب و حقيقة كلامها و مجازه و لم ينزل على ألفاظ العامة و ما سبق إلى قلوبها من الأباطيل انتهى كلامه قدس سره. أقول قد سبق الكلام منا في الإحباط و أما إنكار الميزان بهذه الوجوه فليس

  بمرضي لما عرفت من وجوه التوجيه فيه نعم قد سبق بعض الأخبار الدالة على أن ليس المراد الميزان الحقيقي فبتلك العلة يمكن القول بذلك و إن أمكن تأويل بعض الأخبار بأن الأنبياء و الأوصياء ع هم الحاضرون عند الميزان الحاكمون عليها لكن بعض الأخبار لا يمكن تأويلها إلا بتكلف تام فنحن نؤمن بالميزان و نرد علمه إلى حملة القرآن و لا نتكلف علم ما لم يوضح لنا بصريح البيان و الله الموفق و عليه التكلان