باب 19- خبر سعد بن عبد الله و رؤيته للقائم و مسائله عنه ع

1-  ك، ]إكمال الدين[ محمد بن علي بن محمد بن حاتم النوفلي عن أحمد بن عيسى الوشاء عن أحمد بن طاهر القمي عن محمد بن بحر بن سهل الشيباني عن أحمد بن مسرور عن سعد بن عبد الله القمي قال كنت امرأ لهجا بجمع الكتب المشتملة على غوامض العلوم و دقائقها كلفا باستظهار ما يصح من حقائقها مغرما بحفظ مشتبهها و مستغلقها شحيحا على ما أظفر به ما معاضلها و مشكلاتها متعصبا لمذهب الإمامية راغبا عن الأمن و السلامة في انتظار التنازع و التخاصم و التعدي إلى التباغض و التشاتم معيبا للفرق ذوي الخلاف كاشفا عن مثالب أئمتهم هتاكا لحجب قادتهم إلى أن بليت بأشد النواصب منازعة و أطولهم مخاصمة و أكثرهم جدلا و أشنعهم سؤالا و أثبتهم على الباطل قدما فقال ذات يوم و أنا أناظره تبا لك و لأصحابك يا سعد إنكم معاشر الرافضة تقصدون على المهاجرين و الأنصار بالطعن عليهما و تجحدون من رسول الله ولايتهما و إمامتهما هذا الصديق الذي فاق جميع الصحابة بشرف سابقته أما علمتم أن رسول الله ص ما أخرجه مع نفسه إلى الغار إلا علما منه بأن الخلافة له من بعده و أنه   هو المقلد لأمر التأويل و الملقى إليه أزمة الأمة و عليه المعول في شعب الصدع و لم الشعث و سد الخلل و إقامة الحدود و تسريب الجيوش لفتح بلاد الشرك فكما أشفق على نبوته أشفق على خلافته إذ ليس من حكم الاستتار و التواري أن يروم الهارب من الشي‏ء مساعدة إلى مكان يستخفي فيه و لما رأينا النبي ص متوجها إلى الانجحار و لم تكن الحال توجب استدعاء المساعدة من أحد استبان لنا قصد رسول الله ص بأبي بكر إلى الغار للعلة التي شرحناها و إنما أبات عليا ع على فراشه لما لم يكن ليكترث له و لم يحفل به و لاستثقاله له و لعلمه بأنه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها قال سعد فأوردت عليه أجوبة شتى فما زال يقصد كل واحد منها بالنقض و الرد علي ثم قال يا سعد دونكها أخرى بمثلها تخطف آناف الروافض أ لستم تزعمون أن الصديق المبرى من دنس الشكوك و الفاروق المحامي عن بيضة الإسلام كانا يسران النفاق و استدللتم بليلة العقبة أخبرني عن الصديق و الفاروق أسلما طوعا أو كرها قال سعد فاحتلت لدفع هذه المسألة عني خوفا من الإلزام و حذرا من أني إن أقررت لهما بطواعيتهما للإسلام احتج بأن بدء النفاق و نشوه في القلب لا يكون إلا عند هبوب روائح القهر و الغلبة و إظهار البأس الشديد في حمل المرء على من ليس ينقاد له قلبه نحو قول الله عز و جل فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا   و إن قلت أسلما كرها كان يقصدني بالطعن إذا لم يكن ثم سيوف منتضاة كانت تريهم البأس قال سعد فصدرت عنه مزورا قد انتفخت أحشائي من الغضب و تقطع كبدي من الكرب و كنت قد اتخذت طومارا و أثبت فيه نيفا و أربعين مسألة من صعاب المسائل لم أجد لها مجيبا على أن أسأل فيها خير أهل بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي محمد ع فارتحلت خلفه و قد كان خرج قاصدا نحو مولانا بسرمن‏رأى فلحقته في بعض المناهل فلما تصافحنا قال لخير لحاقك بي قلت الشوق ثم العادة في الأسئلة قال قد تكافأنا على هذه الخطة الواحدة فقد برح بي القرم إلى لقاء مولانا أبي محمد ع و أريد أن أسأله عن معاضل في التأويل و مشاكل في التنزيل فدونكها الصحبة المباركة فإنها تقف بك على ضفة بحر لا تنقضي عجائبه و لا تفنى غرائبه و هو إمامنا فوردنا سرمن‏رأى فانتهينا منها إلى باب سيدنا ع فاستأذنا فخرج إلينا الإذن بالدخول عليه و كان على عاتق أحمد بن إسحاق جراب قد غطاه بكساء طبري فيه ستون و مائة صرة من الدنانير و الدراهم على كل صرة منها ختم صاحبها قال سعد فما شبهت مولانا أبا محمد ع حين غشينا نور وجهه إلا ببدر قد استوفى من لياليه أربعا بعد عشر و على فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة و المنظر و على رأسه فرق بين وفرتين كأنه ألف بين واوين و بين يدي مولانا رمانة ذهبية تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المركبة عليها قد كان أهداها إليه بعض رؤساء أهل البصرة و بيده قلم إذا أراد أن يسطر به على البياض قبض

   الغلام على أصابعه فكان مولانا ع يدحرج الرمانة بين يديه و يشغله بردها لئلا يصده عن كتبة ما أراد فسلمنا عليه فألطف في الجواب و أومأ إلينا بالجلوس فلما فرغ من كتبة البياض الذي كان بيده أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طي كسائه فوضعه بين يديه فنظر الهادي ع إلى الغلام و قال له يا بني فض الخاتم عن هدايا شيعتك و مواليك فقال يا مولاي أ يجوز أن أمد يدا طاهرة إلى هدايا نجسة و أموال رجسة قد شيب أحلها بأحرمها فقال مولاي ع يا ابن إسحاق استخرج ما في الجراب ليميز ما بين الأحل و الأحرم منها فأول صرة بدأ أحمد بإخراجها فقال الغلام هذه لفلان بن فلان من محلة كذا بقم تشتمل على اثنين و ستين دينارا فيها من ثمن حجيرة باعها صاحبها و كانت إرثا له من أخيه خمسة و أربعون دينارا و من أثمان تسعة أثواب أربعة عشر دينارا و فيها من أجرة حوانيت ثلاثة دنانير فقال مولانا ع صدقت يا بني دل الرجل على الحرام منها فقال ع فتش عن دينار رازي السكة تاريخه سنة كذا قد انطمس من نصف إحدى صفحتيه نقشه و قراضة آملية وزنها ربع دينار و العلة في تحريمها أن صاحب هذه الجملة وزن في شهر كذا من سنة كذا على حائك من جيرانه من الغزل منا و ربع من فأتت على ذلك   مدة قيض في انتهائها لذلك الغزل سارقا فأخبر به الحائك صاحبه فكذبه و استرد منه بدل ذلك منا و نصف من غزلا أدق مما كان دفعه إليه و اتخذ من ذلك ثوبا كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه فلما فتح رأس الصرة ثم أخرج صرة أخرى فقال الغلام ع هذه لفلان بن فلان من محلة كذا بقم تشتمل على خمسين دينارا لا يحل لنا مسها قال و كيف ذاك قال لأنها من ثمن حنطة حاف صاحبها على أكاره في المقاسمة و ذلك أنه قبض حصته منها بكيل واف و كال ما خص الأكار بكيل بخس فقال مولانا ع صدقت يا بني ثم قال يا ابن إسحاق احملها بأجمعها لتردها أو توصي بردها على أربابها فلا حاجة لنا في شي‏ء منها و ائتنا بثوب العجوز قال أحمد و كان ذلك الثوب في حقيبة لي فنسيته فلما انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب نظر إلي مولانا أبو محمد ع فقال ما جاء بك يا سعد فقلت شوقني أحمد بن إسحاق إلى لقاء مولانا قال فالمسائل التي أردت أن تسأل عنها قلت على حالها يا مولاي قال فسل قرة عيني و أومأ إلى الغلام عما بدا لك منها فقلت له مولانا و ابن مولانا إنا روينا عنكم أن رسول الله ص جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين ع حتى أرسل يوم الجمل إلى عائشة إنك قد أرهجت على الإسلام و أهله بفتنتك و أوردت بنيك حياض الهلاك بجهلك فإن كففت عني غربك و إلا طلقتك و نساء رسول الله ص قد كان طلقهن وفاته قال ما الطلاق قلت تخلية السبيل قال و إذا كان وفاة رسول الله ص قد خلا لهن السبيل فلم لا يحل لهن الأزواج قلت لأن الله تبارك و تعالى حرم الأزواج عليهن قال و كيف و قد خلى الموت سبيلهن قلت فأخبرني يا ابن مولاي عن معنى الطلاق الذي فوض رسول الله ص حكمه إلى أمير المؤمنين

   قال إن الله تبارك و تعالى عظم شأن نساء النبي ص فخصهن بشرف الأمهات فقال رسول الله ص يا أبا الحسن إن هذا الشرف باق لهن ما دمن لله على الطاعة فأيتهن عصت الله بعدي بالخروج عليك فأطلق لها في الأزواج و أسقطها من شرف أمومة المؤمنين قلت فأخبرني عن الفاحشة المبينة التي إذا أتت المرأة بها في أيام عدتها حل للزوج أن يخرجها من بيته قال الفاحشة المبينة هي السحق دون الزنى فإن المرأة إذا زنت و أقيم عليها الحد ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزويج بها لأجل الحد و إذا سحقت وجب عليها الرجم و الرجم خزي و من قد أمر الله عز و جل برجمه فقد أخزاه و من أخزاه فقد أبعده و من أبعده فليس لأحد أن يقربه قلت فأخبرني يا ابن رسول الله عن أمر الله تبارك و تعالى لنبيه موسى ع فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً فإن فقهاء الفريقين يزعمون أنها كانت من إهاب الميتة فقال ع من قال ذلك فقد افترى على موسى و استجهله في نبوته لأنه ما خلا الأمر فيها من خطبين إما أن تكون صلاة موسى فيها جائزة أو غير جائزة فإن كانت صلاته جائزة جاز له لبسهما في تلك البقعة إذ لم تكن مقدسة و إن كانت مقدسة مطهرة فليس بأقدس و أطهر من الصلاة و إن كانت صلاته غير جائزة فيهما فقد أوجب على موسى ع أنه لم يعرف الحلال من الحرام و علم ما جاز فيه الصلاة و ما لم تجز و هذا كفر قلت فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيهما قال إن موسى ع ناجى ربه بالواد المقدس فقال يا رب إني قد أخلصت لك المحبة مني و غسلت قلبي عمن سواك و كان شديد الحب لأهله فقال الله تبارك و تعالى فَاخْلَعْ   نَعْلَيْكَ أي انزع حب أهلك من قلبك إن كانت محبتك لي خالصة و قلبك من الميل إلى من سواي مغسولا قلت فأخبرني يا ابن رسول الله عن تأويل كهيعص قال هذه الحروف من أنباء الغيب أطلع الله عليها عبده زكريا ع ثم قصها على محمد ص و ذلك أن زكريا ع سأل ربه أن يعلمه أسماء الخمسة فأهبط عليه جبرئيل ع فعلمه إياها فكان زكريا إذا ذكر محمدا و عليا و فاطمة و الحسن سري عنه همه و انجلى كربه و إذا ذكر اسم الحسين خنقته العبرة و وقعت عليه البهرة فقال ذات يوم إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعا منهم تسليت بأسمائهم من همومي و إذا ذكرت الحسين تدمع عيني و تثور زفرتي فأنبأه الله تبارك و تعالى عن قصته و قال كهيعص فالكاف اسم كربلاء و الهاء هلاك العترة و الياء يزيد و هو ظالم الحسين و العين عطشه و الصاد صبره فلما سمع ذلك زكريا ع لم يفارق مسجده ثلاثة أيام و منع فيها الناس من الدخول عليه و أقبل على البكاء و النحيب و كانت ندبته إلهي أ تفجع خير خلقك بولده أ تنزل بلوى هذه الرزية بفنائه إلهي أ تلبس عليا و فاطمة ثياب هذه المصيبة إلهي أ تحل كربة هذه الفجيعة بساحتهما ثم كان يقول إلهي ارزقني ولدا تقر به عيني على الكبر و اجعله وارثا وصيا و اجعل محله محل الحسين فإذا رزقتنيه فافتني بحبه ثم أفجعني به كما تفجع محمدا حبيبك بولده فرزقه الله يحيى ع و فجعه به و كان حمل يحيى ستة أشهر و حمل الحسين ع كذلك و له قصة طويلة قلت فأخبرني يا مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم قال مصلح أو مفسد قلت مصلح قال فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد بما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد قلت بلى قال فهي العلة أوردها لك ببرهان يثق به عقلك

   أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله و أنزل الكتب عليهم و أيدهم بالوحي و العصمة إذ هم أعلام الأمم و أهدى إلى الاختيار منهم مثل موسى و عيسى هل يجوز مع وفور عقلهما و كمال علمهما إذا هما بالاختيار أن تقع خيرتهما على المنافق و هما يظنان أنه مؤمن قلت لا فقال هذا موسى كليم الله مع وفور عقله و كمال علمه و نزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه و وجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلا ممن لا يشك في إيمانهم و إخلاصهم فوقعت خيرته على المنافقين قال الله عز و جل وَ اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا إلى قوله لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوة واقعا على الأفسد دون الأصلح و هو يظن أنه الأصلح دون الأفسد علمنا أن لا اختيار إلا لمن يعلم ما تخفي الصدور و تكن الضمائر و يتصرف عليه السرائر و أن لا خطر لاختيار المهاجرين و الأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لما أرادوا أهل الصلاح ثم قال مولانا ع يا سعد و حين ادعى خصمك أن رسول الله ص ما أخرج مع نفسه مختار هذه الأمة إلى الغار إلا علما منه أن الخلافة له من بعده و أنه هو المقلد أمور التأويل و الملقى إليه أزمة الأمة المعول عليه في لم الشعث و سد الخلل و إقامة الحدود و تسريب الجيوش لفتح بلاد الكفر فكما أشفق على نبوته أشفق على خلافته إذ لم يكن من حكم الاستتار و التواري أن يروم الهارب من البشر مساعدة من غيره إلى مكان يستخفي فيه و إنما أبات عليا على فراشه لما لم يكن يكترث له و لا يحفل به و لاستثقاله إياه و علمه بأنه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها فهلا نقضت عليه دعواه بقولك أ ليس قال رسول الله ص الخلافة بعدي ثلاثون سنة فجعل هذه موقوفة على أعمار الأربعة الذين هم الخلفاء الراشدون في   مذهبكم و كان لا يجد بدا من قوله لك بلى فكنت تقول له حينئذ أ ليس كما علم رسول الله ص أن الخلافة بعده لأبي بكر علم أنها من بعد أبي بكر لعمر و من بعد عمر لعثمان و من بعد عثمان لعلي فكان أيضا لا يجد بدا من قوله لك نعم ثم كنت تقول له فكان الواجب على رسول الله ص أن يخرجهم جميعا على الترتيب إلى الغار و يشفق عليهم كما أشفق على أبي بكر و لا يستخف بقدر هؤلاء الثلاثة بتركه إياهم و تخصيصه أبا بكر بإخراجه مع نفسه دونهم و لما قال أخبرني عن الصديق و الفاروق أسلما طوعا أو كرها لم لم تقل له بل أسلما طمعا لأنهما كانا يجالسان اليهود و يستخبرانهم عما كانوا يجدون في التوراة و سائر الكتب المتقدمة الناطقة بالملاحم من حال إلى حال من قصة محمد ص و من عواقب أمره فكانت اليهود تذكر أن محمدا ص يسلط على العرب كما كان بخت‏نصر سلط على بني إسرائيل و لا بد له من الظفر بالعرب كما ظفرت بخت‏نصر ببني إسرائيل غير أنه كاذب في دعواه فأتيا محمدا فساعداه على قول شهادة أن لا إله إلا الله و بايعاه طمعا في أن ينال كل منهما من جهته ولاية بلد إذا استقامت أموره و استتبت أحواله فلما أيسا من ذلك تلثما و صعدا العقبة مع أمثالهما من المنافقين على أن يقتلوه فدفع الله كيدهم و ردهم بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً كما أتى طلحة و الزبير عليا ع فبايعاه و طمع كل واحد منهما أن ينال من جهته ولاية بلد فلما أيسا نكثا بيعته و خرجا عليه فصرع الله كل واحد منهما مصرع أشباههما من الناكثين قال سعد ثم قام مولانا الحسن بن علي الهادي ع إلى الصلاة مع الغلام فانصرفت عنهما و طلبت أثر أحمد بن إسحاق فاستقبلني باكيا فقلت ما أبطأك و أبكاك قال قد فقدت الثوب الذي سألني مولاي إحضاره فقلت لا عليك فأخبره فدخل عليه و انصرف من عنده متبسما و هو يصلي على محمد و آل محمد فقلت ما الخبر قال وجدت الثوب مبسوطا تحت قدمي مولانا ع يصلي عليه

   قال سعد فحمدنا الله جل ذكره على ذلك و جعلنا نختلف بعد ذلك إلى منزل مولانا ع أياما فلا نرى الغلام بين يديه فلما كان يوم الوداع دخلت أنا و أحمد بن إسحاق و كهلان من أرضنا و انتصب أحمد بن إسحاق بين يديه قائما و قال يا ابن رسول الله قد دنت الرحلة و اشتدت المحنة و نحن نسأل الله أن يصلي على المصطفى جدك و علي المرتضى أبيك و على سيدة النساء أمك و على سيدي شباب أهل الجنة عمك و أبيك و على الأئمة الطاهرين من بعدهما آبائك و أن يصلي عليك و على ولدك و نرغب إلى الله أن يعلى كعبك و يكبت عدوك و لا جعل الله هذا آخر عهدنا من لقائك قال فلما قال هذه الكلمة استعبر مولانا ع حتى استهلت دموعه و تقاطرت عبراته ثم قال يا ابن إسحاق لا تكلف في دعائك شططا فإنك ملاق الله في صدرك هذا فخر أحمد مغشيا عليه فلما أفاق قال سألتك بالله و بحرمة جدك إلا شرفتني بخرقة اجعلها كفنا فأدخل مولانا ع يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهما فقال خذها و لا تنفق على نفسك غيرها فإنك لن تعدم ما سألت و إن الله تبارك و تعالى لا يضيع أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا قال سعد فلما صرنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا ع من حلوان على ثلاثة فراسخ حم أحمد بن إسحاق و صارت عليه علة صعبة أيس من حياته فيها فلما وردنا حلوان و نزلنا في بعض الخانات دعا أحمد بن إسحاق برجل من أهل بلده كان قاطنا بها ثم قال تفرقوا عني هذه الليلة و اتركوني وحدي فانصرفنا عنه و رجع كل واحد منا إلى مرقده قال سعد فلما حان أن ينكشف الليل عن الصبح أصابتني فكرة ففتحت عيني فإذا أنا بكافور الخادم خادم مولانا أبي محمد ع و هو يقول أحسن الله بالخير عزاكم و جبر بالمحبوب رزيتكم قد فرغنا من غسل صاحبكم و تكفينه فقوموا   لدفنه فإنه من أكرمكم محلا عند سيدكم ثم غاب عن أعيننا فاجتمعنا على رأسه بالبكاء و العويل حتى قضينا حقه و فرغنا من أمره رحمه الله

 دلائل الإمامة للطبري عن عبد الباقي بن يزداد عن عبد الله بن محمد الثعالبي عن أحمد بن محمد العطار عن سعد بن عبد الله مثله ج، ]الإحتجاج[ عن سعد مثله مع اختصار في إيراد المطالب بيان لهجا أي حريصا و كذا كلفا و مغرما بالفتح أي محبا مشتاقا و تسريب الجيوش بعثها قطعة قطعة و الازورار عن الشي‏ء العدول عنه. و القرم بالتحريك شدة شهوة اللحم و المراد هنا شدة الشوق و قال الفيروزآبادي الفرق الطريق في شعر الرأس و المفرق كمقعد و مجلس وسط الرأس و هو الذي يفرق فيه الشعر. قوله قيض انتهاءها أي هيأ انتهاء تلك المدة سارقا لذلك الغزل و الإسناد مجازي و في الاحتجاج فأتى على ذلك زمان كثير فسرقه سارق من عنده و الحقيبة ما يجعل في مؤخر القتب أو السرج من الخرج و يقال لها بالفارسية الهكبة و الإرهاج إثارة الغبار. و قال الجوهري غرب كل شي‏ء حده يقال في لسانه غرب أي حدة و غرب الفرس حدته و أول جريه تقول كففت من غربه و استهلت دموعه أي سالت و الشطط التجاوز عن الحد قوله في صدرك في رجوعك. أقول قال النجاشي بعد توثيق سعد و الحكم بجلالته لقي مولانا أبا محمد ع و رأيت بعض أصحابنا يضعفون لقاءه لأبي محمد ع و يقولون هذه حكاية موضوعة عليه. أقول الصدوق أعرف بصدق الأخبار و الوثوق عليها من ذلك البعض الذي   لا يعرف حاله و رد الأخبار التي تشهد متونها بصحتها بمحض الظن و الوهم مع إدراك سعد زمانه و إمكان ملاقاة سعد له ع إذ كان وفاته بعد وفاته ع بأربعين سنة تقريبا ليس إلا للإزراء بالأخبار و عدم الوثوق بالأخيار و التقصير في معرفة شأن الأئمة الأطهار إذ وجدنا أن الأخبار المشتملة على المعجزات الغريبة إذا وصل إليهم فهم إما يقدحون فيها أو في راويها بل ليس جرم أكثر المقدوحين من أصحاب الرجال إلا نقل مثل تلك الأخبار