باب 21- نفي العبث و ما يوجب النقص من الاستهزاء و السخرية و المكر و الخديعة عنه تعالى و تأويل الآيات فيها

الآيات البقرة اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَ يَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ النساء يُخادِعُونَ اللَّهَ وَ هُوَ خادِعُهُمْ الأنفال وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ التوبة فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ يونس قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً الرعد وَ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً النمل وَ مَكَرُوا مَكْراً وَ مَكَرْنا مَكْراً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ الطارق إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَ أَكِيدُ كَيْداً فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً تفسير قال البيضاوي اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ يجازيهم على استهزائهم سمي جزاء  الاستهزاء باسمه كما سمي جزاء السيئة سيئة إما لمقابلة اللفظ باللفظ أو لكونه مماثلا له في القدر أو يرجع وبال الاستهزاء عليهم فيكون كالمستهزئ بهم أو ينزل بهم الحقارة و الهوان الذي هو لازم الاستهزاء و الغرض منه أو يعاملهم معاملة المستهزئ أما في الدنيا فبإجراء أحكام المسلمين عليهم و استدراجهم بالإمهال و زيادة في النعمة على التمادي في الطغيان و أما في الآخرة فبأن يفتح لهم و هم في النار بابا إلى الجنة فيسرعون نحوه فإذا صاروا إليه سد عليهم الباب و ذلك قوله تعالى فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ وَ يَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ من مد الجيش و أمده إذا زاده و قواه لا من المد في العمر فإنه يعدى باللام و المعتزلة قالوا لما منعهم الله ألطافه التي يمنحها المؤمنين و خذلهم بسبب كفرهم و إصرارهم و سدهم طريق التوفيق على أنفسهم فتزايدت بسببه قلوبهم زينا و ظلمة و تزايد قلوب المؤمنين انشراحا و نورا أو مكن الشيطان من إغوائهم فزادهم طغيانا أسند ذلك إلى الله تعالى إسناد الفعل إلى المسبب و أضاف الطغيان إليهم لئلا يتوهم أن إسناد الفعل إليه على الحقيقة و مصداق ذلك أنه لما أسند المد إلى الشياطين أطلق الغي و قال وَ إِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ و قيل أصله نمد لهم يعني نملي لهم و نمد في أعمارهم كي ينتبهوا و يطيعوا فما زادوا إلا طغيانا و عمها فحذفت اللام و عدي الفعل بنفسه كما في قوله تعالى وَ اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ أو التقدير يمدهم استصلاحا و هم مع ذلك يعمهون في طغيانهم. و قال في قوله تعالى يُخادِعُونَ اللَّهَ الخدع أن توهم غيرك خلاف ما تخفيه من المكروه لتنزله عما هو بصدده و خداعهم مع الله ليس على ظاهره لأنه لا تخفى عليه خافية و لأنهم لم يقصدوا خديعته بل المراد إما مخادعة رسوله على حذف المضاف أو على أن معاملة الرسول معاملة الله من حيث إنه خليفته كما قال مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ و إما أن صورة صنعهم مع الله من إظهار الإيمان و استبطان الكفر و صنع الله معهم بإجراء أحكام المسلمين عليهم استدراجا لهم و امتثال الرسول و المؤمنين أمر الله في إخفاء حالهم مجازاة لهم بمثل صنيعهم صورة صنيع المتخادعين. و قال في قوله تعالى وَ يَمْكُرُ اللَّهُ برد مكرهم أو بمجازاتهم عليه أو بمعاملة  الماكرين معهم بأن أخرجهم إلى بدر و قلل المسلمين في أعينهم حتى حملوا عليهم فقتلوا وَ اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ إذ لا يؤبه بمكرهم دون مكره و إسناد أمثال هذا إنما يحسن للمزاوجة و لا يجوز إطلاقها ابتداء لما فيه من إيهام الذم و قال في قوله سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ جازاهم على سخريتهم

 1-  يد، ]التوحيد[ مع، ]معاني الأخبار[ ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ المعاذي عن أحمد الهمداني عن علي بن الحسن بن فضال عن أبيه قال سألت الرضا ع عن قول الله عز و جل سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ و عن قوله اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ و عن قوله وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللَّهُ و عن قوله يُخادِعُونَ اللَّهَ وَ هُوَ خادِعُهُمْ فقال إن الله عز و جل لا يسخر و لا يستهزئ و لا يمكر و لا يخادع و لكنه عز و جل يجازيهم جزاء السخرية و جزاء الاستهزاء و جزاء المكر و الخديعة تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا

 ج، ]الإحتجاج[ مرسلا مثله

 2-  م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ ما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَشْعُرُونَ قال موسى بن جعفر ع لما نصب النبي ص عليا ع يوم غدير خم و أمر عمر و تمام تسعة من رؤساء المهاجرين و الأنصار أن يبايعوه بإمرة المؤمنين ففعلوا ذلك و تواطئوا بينهم أن يدفعوا هذا الأمر عن علي ع و أن يهلكوهما كان من مواطاتهم أن قال أولهم ما اعتددت بشي‏ء كاعتدادي بهذه البيعة و لقد رجوت أن يفسح الله بها لي في قصور الجنان و يجعلني فيها من أفضل النزال و السكان و قال ثانيهم بأبي أنت و أمي يا رسول الله ما وثقت بدخول الجنة و النجاة من النار إلا بهذه البيعة و الله ما يسرني إن نقضتها أو نكثت بعد ما أعطيت و إن لي طلاع ما بين الثرى إلى العرش لآلي رطبة و جواهر فاخرة و قال ثالثهم و الله يا رسول الله لقد صرت من الفرح بهذه البيعة و من السرور الفسيح من الآمال في رضوان الله ما أيقنت أنه لو كانت ذنوب أهل الأرض كلها علي لمحصت عني بهذه البيعة و حلف على ما قال من ذلك ثم تتابع بمثل هذا الاعتذار من بعدهم من الجبابرة و المتمردين فقال الله عز و جل لمحمد ص يُخادِعُونَ اللَّهَ  يعني يخادعون رسول الله صلى الله عليه و آله بإيمانهم خلاف ما في جوانحهم وَ الَّذِينَ آمَنُوا كذلك أيضا الذين سيدهم و فاضلهم علي بن أبي طالب عليه السلام ثم قال وَ ما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ ما يضرون بتلك الخديعة إلا أنفسهم فإن الله غني عنهم و عن نصرتهم و لو لا إمهاله لهم ما قدروا على شي‏ء من فجورهم و طغيانهم وَ ما يَشْعُرُونَ أن الأمر كذلك و إن الله يطلع نبيه على نفاقهم و كذبهم و كفرهم و يأمره بلعنهم في لعنة الظالمين الناكثين و ذلك اللعن لا يفارقهم في الدنيا يلعنهم خيار عباد الله و في الآخرة يبتلون بشدائد عقاب الله وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا إلى قوله يَعْمَهُونَ قال موسى ع و إذا لقي هؤلاء الناكثون للبيعة المواطئون على مخالفة علي ع و دفع الأمر عنه الذين آمنوا قالوا آمنا كإيمانكم إذا لقوا سلمان و المقداد و أبا ذر و عمار قالوا آمنا بمحمد و سلمنا له بيعة علي و فضله كما آمنتم و إن أولهم و ثانيهم و ثالثهم إلى تاسعهم ربما كانوا يلتقون في بعض طرقهم مع سلمان و أصحابه فإذا لقوهم اشمأزوا منهم و قالوا هؤلاء أصحاب الساحر و الأهوج يعنون محمدا و عليا ع فيقول أولهم انظروا كيف أسخر منهم و أكف عاديتهم عنكم فإذا التقوا قال أولهم مرحبا بسلمان بن الإسلام و يمدحه بما قال النبي ص فيه و كذا كان يمدح تمام الأربعة فلما جازوا عنهم كان يقول الأول كيف رأيتم سخريتي لهؤلاء و كفى عاديتهم عني و عنكم فيقول له لا نزال بخير ما عشت لنا فيقول لهم فهكذا فلتكن معاملتكم لهم إلى أن تنتهزوا الفرصة فيهم مثل هذا فإن اللبيب العاقل من تجرع على الغصة حتى ينال الفرصة ثم يعودون إلى أخدانهم من المنافقين المتمردين المشاركين لهم في تكذيب رسول الله ص فيما أداه إليهم عن الله عز و جل من ذكر تفضيل أمير المؤمنين ع و نصبه إماما على كافة المسلمين قالوا لهم إنا معكم فيما واطأناكم عليه من دفع علي عن هذا الأمر إن كانت لمحمد كائنة فلا يغرنكم و لا يهولنكم ما تسمعونه منا من تقريظهم و ترونا نجترئ عليهم من مداراتهم فإنا نحن مستهزءون بهم فقال الله عز و جل اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ يجازيهم جزاء استهزائهم في الدنيا

  و الآخرة وَ يَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ يمهلهم و يتأتى بهم و يدعوهم إلى التوبة و يعدهم إذا تابوا المغفرة و هم يعمهون لا يرعون عن قبيح و لا يتركون أذى بمحمد و علي يمكنهم إيصاله إليهما إلا بلغوه قال العالم ع أما استهزاء الله بهم في الدنيا فهو إجراؤه إياهم على ظاهر أحكام المسلمين لإظهارهم السمع و الطاعة و أما استهزاؤه بهم في الآخرة فهو أن الله عز و جل إذا أقرهم في دار اللعنة و الهوان و عذبهم بتلك الألوان العجيبة من العذاب و أقر هؤلاء المؤمنين في الجنان بحضرة محمد صفي الله الملك الديان أطلعهم على هؤلاء المستهزءين بهم في الدنيا حتى يروا ما هم فيه من عجائب اللعائن و بدائع النقمات فيكون لذتهم و سرورهم بشماتتهم كلذتهم و سرورهم بنعيمهم في جنان ربهم فالمؤمنون يعرفون أولئك الكافرين المنافقين بأسمائهم و صفاتهم و الكافرون و المنافقونينظرون فيرون هؤلاء المؤمنين الذين كانوا بهم في الدنيا يسخرون لما كانوا من موالاة محمد و علي و آلهما يعتقدون فيرونهم في أنواع الكرامة و النعيم فيقول هؤلاء المؤمنون المشرفون على هؤلاء الكافرين المنافقين يا فلان و يا فلان و يا فلان حتى ينادوهم بأسمائهم ما بالكم في مواقف خزيكم ماكثون هلموا إلينا نفتح لكم أبواب الجنان لتخلصوا من عذابكم و تلحقوا بنا فيقولون يا ويلنا أنى لنا هذا فيقول المؤمنون انظروا إلى هذه الأبواب فينظرون إلى أبواب من الجنان مفتحة يخيل إليهم أنها إلى جهنم التي فيها يعذبون و يقدرون أنهم يتمكنون من أن يخلصوا إليها فيأخذون في السباحة في بحار حميمها و عدوا من بين أيدي زبانيتها و هم يلحقونهم يضربونهم بأعمدتهم و مرزباتهم و سياطهم فلا يزالون هكذا يسيرون هناك و هذه الأصناف من العذاب و تمسهم حتى إذا قدروا أن قد بلغوا تلك الأبواب وجدوها مردومة عنهم و  تدهدههم الزبانية بأعمدتها فتنكسهم إلى سواء الجحيم و يستلقي أولئك المؤمنون على فرشهم في مجالسهم يضحكون منهم مستهزءين بهم فذلك قول الله عز و جل فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ

 بيان قال في القاموس الهوج محركة طول في حمق و طيش و تسرع و الهوجاء الناقة المسرعة. أقول سيأتي تمام الخبر في موضعه إن شاء الله تعالى