باب 24- نادر في ذكر من رآه ع في الغيبة الكبرى قريبا من زماننا

 أقول وجدت رسالة مشتهرة بقصة الجزيرة الخضراء في البحر الأبيض أحببت إيرادها لاشتمالها على ذكر من رآه و لما فيه من الغرائب و إنما أفردت لها بابا لأني لم أظفر به في الأصول المعتبرة و لنذكرها بعينها كما وجدتها. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الحمد لله الذي هدانا لمعرفته و الشكر له على ما منحنا للاقتداء بسنن سيد بريته محمد الذي اصطفاه من بين خليقته و خصنا بمحبة علي و الأئمة المعصومين من ذريته صلى الله عليهم أجمعين الطيبين الطاهرين و سلم تسليما كثيرا. و بعد فقد وجدت في خزانة أمير المؤمنين ع و سيد الوصيين و حجة رب العالمين و إمام المتقين علي بن أبي طالب ع بخط الشيخ الفاضل و العالم العامل الفضل بن يحيى بن علي الطيبي الكوفي قدس الله روحه ما هذا صورته الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ و صلى الله على محمد و آله و سلم. و بعد فيقول الفقير إلى عفو الله سبحانه و تعالى الفضل بن يحيى بن علي الطيبي الإمامي الكوفي عفا الله عنه قد كنت سمعت من الشيخين الفاضلين العالمين الشيخ شمس الدين بن نجيح الحلي و الشيخ جلال الدين عبد الله بن الحرام الحلي قدس الله روحيهما و نور ضريحهما في مشهد سيد الشهداء و خامس أصحاب الكساء مولانا و إمامنا أبي عبد الله الحسين ع في النصف من شهر شعبان سنة تسع و تسعين و ستمائة من   الهجرة النبوية على مشرفها محمد و آله أفضل الصلاة و أتم التحية حكاية ما سمعاه من الشيخ الصالح التقي و الفاضل الورع الزكي زين الدين علي بن فاضل المازندراني المجاور بالغري على مشرفيه السلام حيث اجتمعا به في مشهد الإمامين الزكيين الطاهرين المعصومين السعيدين ع بسرمن‏رأى و حكى لهما حكاية ما شاهده و رآه في البحر الأبيض و الجزيرة الخضراء من العجائب فمر بي باعث الشوق إلى رؤياه و سألت تيسير لقياه و الاستماع لهذا الخبر من لقلقة فيه بإسقاط رواته و عزمت على الانتقال إلى سرمن‏رأى للاجتماع. فاتفق أن الشيخ زين الدين علي بن فاضل المازندراني انحدر من سرمن‏رأى إلى الحلة في أوائل شهر شوال من السنة المذكورة ليمضي على جاري عادته و يقيم في المشهد الغروي على مشرفيه السلام. فلما سمعت بدخوله إلى الحلة و كنت يومئذ بها قد أنتظر قدومه فإذا أنا به و قد أقبل راكبا يريد دار السيد الحسيب ذي النسب الرفيع و الحسب المنيع السيد فخر الدين الحسن بن علي الموسوي المازندراني نزيل الحلة أطال الله بقاه و لم أكن إذ ذاك الوقت أعرف الشيخ الصالح المذكور لكن خلج في خاطري أنه هو. فلما غاب عن عيني تبعته إلى دار السيد المذكور فلما وصلت إلى باب الدار رأيت السيد فخر الدين واقفا على باب داره مستبشرا فلما رآني مقبلا ضحك في وجهي و عرفني بحضوره فاستطار قلبي فرحا و سرورا و لم أملك نفسي على الصبر على الدخول إليه في غير ذلك الوقت. فدخلت الدار مع السيد فخر الدين فسلمت عليه و قبلت يديه فسأل السيد عن حالي فقال له هو الشيخ فضل بن الشيخ يحيى الطيبي صديقكم فنهض واقفا و أقعدني في مجلسه و رحب بي و أحفى السؤال عن حال أبي و أخي الشيخ صلاح الدين لأنه كان عارفا بهما سابقا و لم أكن في تلك الأوقات حاضرا بل كنت في بلدة واسط أشتغل في طلب العلم عند الشيخ العالم العامل الشيخ أبي إسحاق

    إبراهيم بن محمد الواسطي الإمامي تغمده الله برحمته و حشره في زمرة أئمته ع. فتحادثت مع الشيخ الصالح المذكور متع الله المؤمنين بطول بقائه فرأيت في كلامه أمارات تدل على الفضل في أغلب العلوم من الفقه و الحديث و العربية بأقسامها و طلبت منه شرح ما حدث به الرجلان الفاضلان العالمان العاملان الشيخ شمس الدين و الشيخ جلال الدين الحليان المذكوران سابقا عفا الله عنهما فقص لي القصة من أولها إلى آخرها بحضور السيد الجليل السيد فخر الدين نزيل الحلة صاحب الدار و حضور جماعة من علماء الحلة و الأطراف قد كانوا أتوا لزيارة الشيخ المذكور وفقه الله و كان ذلك في اليوم الحادي عشر من شهر شوال سنة تسع و تسعين و ستمائة و هذه صورة ما سمعته من لفظه أطال الله بقاءه و ربما وقع في الألفاظ التي نقلتها من لفظه تغيير لكن المعاني واحدة قال حفظه الله تعالى قد كنت مقيما في دمشق الشام منذ سنين مشتغلا بطلب العلم عند الشيخ الفاضل الشيخ عبد الرحيم الحنفي وفقه الله لنور الهداية في علمي الأصول و العربية و عند الشيخ زين الدين علي المغربي الأندلسي المالكي في علم القراءة لأنه كان عالما فاضلا عارفا بالقراءات السبع و كان له معرفة في أغلب العلوم من الصرف و النحو و المنطق و المعاني و البيان و الأصولين و كان لين الطبع لم يكن عنده معاندة في البحث و لا في المذهب لحسن ذاته. فكان إذا جرى ذكر الشيعة يقول قال علماء الإمامية بخلاف من المدرسين فإنهم كانوا يقولون عند ذكر الشيعة قال علماء الرافضة فاختصصت به و تركت التردد إلى غيره فأقمنا على ذلك برهة من الزمان أقرأ عليه في العلوم المذكورة. فاتفق أنه عزم على السفر من دمشق الشام يريد الديار المصرية فلكثرة   المحبة التي كانت بيننا عز علي مفارقته و هو أيضا كذلك فآل الأمر إلى أنه هداه الله صمم العزم على صحبتي له إلى مصر و كان عنده جماعة من الغرباء مثلي يقرءون عليه فصحبه أكثرهم. فسرنا في صحبته إلى أن وصلنا مدينة بلاد مصر المعروفة بالفاخرة و هي أكبر من مدائن مصر كلها فأقام بالمسجد الأزهر مدة يدرس فتسامع فضلاء مصر بقدومه فوردوا كلهم لزيارته و للانتفاع بعلومه فأقام في قاهرة مصر مدة تسعة أشهر و نحن معه على أحسن حال و إذا بقافلة قد وردت من الأندلس و مع رجل منها كتاب من والد شيخنا الفاضل المذكور يعرفه فيه بمرض شديد قد عرض له و أنه يتمنى الاجتماع به قبل الممات و يحثه فيه على عدم التأخير. فرق الشيخ من كتاب أبيه و بكى و صمم العزم على المسير إلى جزيرة الأندلس فعزم بعض التلامذة على صحبته و من الجملة أنا لأنه هداه الله قد كان أحبني محبة شديدة و حسن لي المسير معه فسافرت إلى الأندلس في صحبته فحيث وصلنا إلى أول قرية من الجزيرة المذكورة عرضت لي حمى منعتني عن الحركة. فحيث رآني الشيخ على تلك الحالة رق لي و بكى و قال يعز علي مفارقتك فأعطى خطيب تلك القرية التي وصلنا إليها عشرة دراهم و أمره أن يتعاهدني حتى يكون مني أحد الأمرين و إن من الله بالعافية أتبعه إلى بلده هكذا عهد إلي بذلك وفقه الله بنور الهداية إلى طريق الحق المستقيم ثم مضى إلى بلد الأندلس و مسافة الطريق من ساحل البحر إلى بلده خمسة أيام. فبقيت في تلك القرية ثلاثة أيام لا أستطيع الحركة لشدة ما أصابني من الحمى ففي آخر اليوم الثالث فارقتني الحمى و خرجت أدور في سكك تلك القرية فرأيت قفلا قد وصل من جبال قريبة من شاطئ البحر الغربي يجلبون الصوف و السمن و الأمتعة فسألت عن حالهم فقيل إن هؤلاء يجيئون من جهة قريبة من

    أرض البربر و هي قريبة من جزائر الرافضة. فحيث سمعت ذلك منهم ارتحت إليهم و جذبني باعث الشوق إلى أرضهم فقيل لي إن المسافة خمسة و عشرون يوما منها يومان بغير عمارة و لا ماء و بعد ذلك فالقرى متصلة فاكتريت معهم من رجل حمارا بمبلغ ثلاثة دراهم لقطع تلك المسافة التي لا عمارة فيها فلما قطعنا معهم تلك المسافة و وصلنا أرضهم العامرة تمشيت راجلا و تنقلت على اختياري من قرية إلى أخرى إلى أن وصلت إلى أول تلك الأماكن فقيل لي إن جزيرة الروافض قد بقي بينك و بينها ثلاثة أيام فمضيت و لم أتأخر. فوصلت إلى جزيرة ذات أسوار أربعة و لها أبراج محكمات شاهقات و تلك الجزيرة بحصونها راكبة على شاطئ البحر فدخلت من باب كبيرة يقال لها باب البربر فدرت في سككها أسأل عن مسجد البلد فهديت عليه و دخلت إليه فرأيته جامعا كبيرا معظما واقعا على البحر من الجانب الغربي من البلد فجلست في جانب المسجد لأستريح و إذا بالمؤذن يؤذن للظهر و نادى بحي على خير العمل و لما فرغ دعا بتعجيل الفرج للإمام صاحب الزمان ع. فأخذتني العبرة بالبكاء فدخلت جماعة بعد جماعة إلى المسجد و شرعوا في الوضوء على عين ماء تحت شجرة في الجانب الشرقي من المسجد و أنا أنظر إليهم فرحا مسرورا لما رأيته من وضوئهم المنقول عن أئمة الهدى ع. فلما فرغوا من وضوئهم و إذا برجل قد برز من بينهم بهي الصورة عليه السكينة و الوقار فتقدم إلى المحراب و أقام الصلاة فاعتدلت الصفوف وراءه و صلى بهم إماما و هم به مأمومون صلاة كاملة بأركانها المنقولة عن أئمتنا ع على الوجه المرضي فرضا و نفلا و كذا التعقيب و التسبيح و من شدة ما لقيته من وعثاء السفر و تعبي في الطريق لم يمكني أن أصلي معهم الظهر. فلما فرغوا و رأوني أنكروا على عدم اقتدائي بهم فتوجهوا نحوي بأجمعهم و سألوني عن حالي و من أين أصلي و ما مذهبي فشرحت لهم أحوالي و أني

    عراقي الأصل و أما مذهبي فإنني رجل مسلم أقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله أرسله بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الأديان كلها وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ فقالوا لي لم تنفعك هاتان الشهادتان إلا لحقن دمك في دار الدنيا لم لا تقول الشهادة الأخرى لتدخل الجنة بغير حساب فقلت لهم و ما تلك الشهادة الأخرى اهدوني إليها يرحمكم الله فقال لي إمامهم الشهادة الثالثة هي أن تشهد أن أمير المؤمنين و يعسوب المتقين و قائد الغر المحجلين علي بن أبي طالب و الأئمة الأحد عشر من ولده أوصياء رسول الله و خلفاؤه من بعده بلا فاصلة قد أوجب الله عز و جل طاعتهم على عباده و جعلهم أولياء أمره و نهيه و حججا على خلقه في أرضه و أمانا لبريته لأن الصادق الأمين محمدا رسول رب العالمين ص أخبر بهم عن الله تعالى مشافهة من نداء الله عز و جل له ع في ليلة معراجه إلى السماوات السبع و قد صار من ربه كقاب قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى و سماهم له واحدا بعد واحد صلوات الله و سلامه عليه و عليهم أجمعين. فلما سمعت مقالتهم هذه حمدت الله سبحانه على ذلك و حصل عندي أكمل السرور و ذهب عني تعب الطريق من الفرح و عرفتهم أني على مذهبهم فتوجهوا إلي توجه إشفاق و عينوا لي مكانا في زوايا المسجد و ما زالوا يتعاهدوني بالعزة و الإكرام مدة إقامتي عندهم و صار إمام مسجدهم لا يفارقني ليلا و لا نهارا. فسألته عن ميرة أهل بلده من أين تأتي إليهم فإني لا أرى لهم أرضا مزروعة فقال تأتي إليهم ميرتهم من الجزيرة الخضراء من البحر الأبيض من جزائر أولاد الإمام صاحب الأمر ع فقلت له كم تأتيكم ميرتكم في السنة فقال مرتين و قد أتت مرة و بقيت الأخرى فقلت كم بقي حتى تأتيكم قال أربعة أشهر.   فتأثرت لطول المدة و مكثت عندهم مقدار أربعين يوما أدعو الله ليلا و نهارا بتعجيل مجيئها و أنا عندهم في غاية الإعزاز و الإكرام ففي آخر يوم من الأربعين ضاق صدري لطول المدة فخرجت إلى شاطئ البحر أنظر إلى جهة المغرب التي ذكروا أهل البلد أن ميرتهم تأتي إليهم من تلك الجهة. فرأيت شبحا من بعيد يتحرك فسألت عن ذلك الشبح أهل البلد و قلت لهم هل يكون في البحر طيرا أبيض فقالوا لي لا فهل رأيت شيئا قلت نعم فاستبشروا و قالوا هذه المراكب التي تأتي إلينا في كل سنة من بلاد أولاد الإمام عليه السلام. فما كان إلا قليل حتى قدمت تلك المراكب و على قولهم إن مجيئها كان في غير الميعاد فقدم مركب كبير و تبعه آخر و آخر حتى كملت سبعا فصعد من المركب الكبير شيخ مربوع القامة بهي المنظر حسن الزي و دخل المسجد فتوضأ الوضوء الكامل على الوجه المنقول عن أئمة الهدى ع و صلى الظهرين فلما فرغ من صلاته التفت نحوي مسلما علي فرددت عليه السلام فقال ما اسمك و أظن أن اسمك علي قلت صدقت فحادثني بالسر محادثة من يعرفني فقال ما اسم أبيك و يوشك أن يكون فاضلا قلت نعم و لم أكن أشك في أنه قد كان في صبحتنا من دمشق. فقلت أيها الشيخ ما أعرفك بي و بأبي هل كنت معنا حيث سافرنا من دمشق الشام إلى مصر فقال لا قلت و لا من مصر إلى الأندلس قال لا و مولاي صاحب العصر قلت له فمن أين تعرفني باسمي و اسم أبي. قال اعلم أنه قد تقدم إلي وصفك و أصلك و معرفة اسمك و شخصك و هيئتك و اسم أبيك و أنا أصحبك معي إلى الجزيرة الخضراء. فسررت بذلك حيث قد ذكرت و لي عندهم اسم و كان من عادته أنه لا يقيم عندهم إلا ثلاثة أيام فأقام أسبوعا و أوصل الميرة إلى أصحابها المقررة لهم فلما

    أخذ منهم خطوطهم بوصول المقرر لهم و عزم على السفر و حملني معه و سرنا في البحر. فلما كان في السادس عشر من مسيرنا في البحر رأيت ماء أبيض فجعلت أطيل النظر إليه فقال لي الشيخ و اسمه محمد ما لي أراك تطيل النظر إلى هذا الماء فقلت له إني أراه على غير لون ماء البحر. فقال لي هذا هو البحر الأبيض و تلك الجزيرة الخضراء و هذا الماء مستدير حولها مثل السور من أي الجهات أتيته وجدته و بحكمة الله تعالى أن مراكب أعدائنا إذا دخلته غرقت و إن كانت محكمة ببركة مولانا و إمامنا صاحب العصر ع فاستعملته و شربت منه فإذا هو كماء الفرات. ثم إنا لما قطعنا ذلك الماء الأبيض وصلنا إلى الجزيرة الخضراء لا زالت عامرة أهله ثم صعدنا من المركب الكبير إلى الجزيرة و دخلنا البلد فرأيته محصنا بقلاع و أبراج و أسوار سبعة واقعة على شاطئ البحر ذات أنهار و أشجار مشتملة على أنواع الفواكه و الأثمار المنوعة و فيها أسواق كثيرة و حمامات عديدة و أكثر عمارتها برخام شفاف و أهلها في أحسن الزي و البهاء فاستطار قلبي سرورا لما رأيته. ثم مضى بي رفيقي محمد بعد ما استرحنا في منزله إلى الجامع المعظم فرأيت فيه جماعة كثيرة و في وسطهم شخص جالس عليه من المهابة و السكينة و الوقار ما لا أقدر أن أصفه و الناس يخاطبونه بالسيد شمس الدين محمد العالم و يقرءون عليه القرآن و الفقه و العربية بأقسامها و أصول الدين و الفقه الذي يقرءونه عن صاحب الأمر ع مسألة مسألة و قضية قضية و حكما حكما. فلما مثلت بين يديه رحب بي و أجلسني في القرب منه و أحفى السؤال عن تعبي في الطريق و عرفني أنه تقدم إليه كل أحوالي و أن الشيخ محمد رفيقي إنما جاء بي معه بأمره من السيد شمس الدين العالم أطال الله بقاءه. ثم أمر لي بتخلية موضع منفرد في زاوية من زوايا المسجد و قال لي هذا   يكون لك إذا أردت الخلوة و الراحة فنهضت و مضيت إلى ذلك الموضع فاسترحت فيه إلى وقت العصر و إذا أنا بالموكل بي قد أتى إلي و قال لي لا تبرح من مكانك حتى يأتيك السيد و أصحابه لأجل العشاء معك فقلت سمعا و طاعة. فما كان إلا قليل و إذا بالسيد سلمه الله قد أقبل و معه أصحابه فجلسوا و مدت المائدة فأكلنا و نهضنا إلى المسجد مع السيد لأجل صلاة المغرب و العشاء فلما فرغنا من الصلاتين ذهب السيد إلى منزله و رجعت إلى مكاني و أقمت على هذه الحال مدة ثمانية عشر يوما و نحن في صحبته أطال الله بقاءه. فأول جمعة صليتها معهم رأيت السيد سلمه الله صلى الجمعة ركعتين فريضة واجبة فلما انقضت الصلاة قلت يا سيدي قد رأيتكم صليتم الجمعة ركعتين فريضة واجبة قال نعم لأن شروطها المعلومة قد حضرت فوجبت في نفسي ربما كان الإمام ع حاضرا. ثم في وقت آخر سألت منه في الخلوة هل كان الإمام حاضرا فقال لا و لكني أنا النائب الخاص بأمر صدر عنه ع فقلت يا سيدي و هل رأيت الإمام عليه السلام قال لا و لكني حدثني أبي رحمه الله أنه سمع حديثه و لم ير شخصه و أن جدي رحمه الله سمع حديثه و رأى شخصه. فقلت له و لم ذاك يا سيدي يختص بذلك رجل دون آخر فقال لي يا أخي إن الله سبحانه و تعالى يؤتي الفضل من يشاء من عباده و ذلك لحكمة بالغة و عظمة قاهرة كما أن الله تعالى اختص من عباده الأنبياء و المرسلين و الأوصياء المنتجبين و جعلهم أعلاما لخلقه و حججا على بريته و وسيلة بينهم و بينه لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ و لم يخل أرضه بغير حجة على عباده للطفه بهم و لا بد لكل حجة من سفير يبلغ عنه. ثم إن السيد سلمه الله أخذ بيدي إلى خارج مدينتهم و جعل يسير معي نحو البساتين فرأيت فيها أنهارا جارية و بساتين كثيرة مشتملة على أنواع الفواكه عظيمة الحسن و الحلاوة من العنب و الرمان و الكمثرى و غيرها

    ما لم أرها في العراقين و لا في الشامات كلها. فبينما نحن نسير من بستان إلى آخر إذ مر بنا رجل بهي الصورة مشتمل ببردتين من صوف أبيض فلما قرب منا سلم علينا و انصرف عنا فأعجبتني هيئته فقلت للسيد سلمه الله من هذا الرجل قال لي أ تنظر إلى هذا الجبل الشاهق قلت نعم قال إن في وسطه لمكانا حسنا و فيه عين جارية تحت شجرة ذات أغصان كثيرة و عندها قبة مبنية بالآجر و إن هذا الرجل مع رفيق له خادمان لتلك القبة و أنا أمضي إلى هناك في كل صباح جمعة و أزور الإمام ع منها و أصلي ركعتين و أجد هناك ورقة مكتوب فيها ما أحتاج إليه من المحاكمة بين المؤمنين فمهما تضمنته الورقة أعمل به فينبغي لك أن تذهب إلى هناك و تزور الإمام ع من القبة. فذهبت إلى الجبل فرأيت القبة على ما وصف لي سلمه الله و وجدت هناك خادمين فرحب بي الذي مر علينا و أنكرني الآخر فقال له لا تنكره فإني رأيته في صحبة السيد شمس الدين العالم فتوجه إلي و رحب بي و حادثاني و أتيا لي بخبز و عنب فأكلت و شربت من ماء تلك العين التي عند تلك القبة و توضأت و صليت ركعتين. و سألت الخادمين عن رؤية الإمام ع فقالا لي الرؤية غير ممكنة و ليس معنا إذن في إخبار أحد فطلبت منهم الدعاء فدعيا لي و انصرفت عنهما و نزلت من ذلك الجبل إلى أن وصلت إلى المدينة. فلما وصلت إليها ذهبت إلى دار السيد شمس الدين العالم فقيل لي إنه خرج في حاجة له فذهبت إلى دار الشيخ محمد الذي جئت معه في المركب فاجتمعت به و حكيت له عن مسيري إلى الجبل و اجتماعي بالخادمين و إنكار الخادم علي فقال لي ليس لأحد رخصة في الصعود إلى ذلك المكان سوى السيد شمس الدين و أمثاله فلهذا وقع الإنكار منه لك فسألته عن أحوال السيد شمس الدين أدام الله إفضاله فقال إنه من أولاد أولاد الإمام و إن بينه و بين الإمام ع خمسة آباء

    و إنه النائب الخاص عن أمر صدر منه ع. قال الشيخ الصالح زين الدين علي بن فاضل المازندراني المجاور بالغري على مشرفه السلام و استأذنت السيد شمس الدين العالم أطال الله بقاءه في نقل بعض المسائل التي يحتاج إليها عنه و قراءة القرآن المجيد و مقابلة المواضع المشكلة من العلوم الدينية و غيرها فأجاب إلى ذلك و قال إذا كان و لا بد من ذلك فابدأ أولا بقراءة القرآن العظيم. فكان كلما قرأت شيئا فيه خلاف بين القراء أقول له قرأ حمزة كذا و قرأ الكسائي كذا و قرأ عاصم كذا و أبو عمرو بن كثير كذا. فقال السيد سلمه الله نحن لا نعرف هؤلاء و إنما القرآن نزل على سبعة أحرف قبل الهجرة من مكة إلى المدينة و بعدها لما حج رسول الله ص حجة الوداع نزل عليه الروح الأمين جبرئيل ع فقال يا محمد اتل علي القرآن حتى أعرفك أوائل السور و أواخرها و شأن نزولها فاجتمع إليه علي بن أبي طالب و ولداه الحسن و الحسين ع و أبي بن كعب و عبد الله بن مسعود و حذيفة بن اليمان و جابر بن عبد الله الأنصاري و أبو سعيد الخدري و حسان بن ثابت و جماعة من الصحابة رضي الله عن المنتجبين منهم فقرأ النبي ص القرآن من أوله إلى آخره فكان كلما مر بموضع فيه اختلاف بينه له جبرئيل ع و أمير المؤمنين ع يكتب ذاك في درج من أدم فالجميع قراءة أمير المؤمنين و وصي رسول رب العالمين. فقلت له يا سيدي أرى بعض الآيات غير مرتبطة بما قبلها و بما بعدها كأن فهمي القاصر لم يصر إلى غورية ذلك.   فقال نعم الأمر كما رأيته و ذلك أنه لما انتقل سيد البشر محمد بن عبد الله من دار الفناء إلى دار البقاء و فعل صنما قريش ما فعلاه من غصب الخلافة الظاهرية جمع أمير المؤمنين ع القرآن كله و وضعه في إزار و أتى به إليهم و هم في المسجد. فقال لهم هذا كتاب الله سبحانه أمرني رسول الله ص أن أعرضه إليكم لقيام الحجة عليكم يوم العرض بين يدي الله تعالى فقال له فرعون هذه الأمة و نمرودها لسنا محتاجين إلى قرآنك فقال ع لقد أخبرني حبيبي محمد ص بقولك هذا و إنما أردت بذلك إلقاء الحجة عليكم. فرجع أمير المؤمنين ع به إلى منزله و هو يقول لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك لا راد لما سبق في علمك و لا مانع لما اقتضته حكمتك فكن أنت الشاهد لي عليهم يوم العرض عليك. فنادى ابن أبي قحافة بالمسلمين و قال لهم كل من عنده قرآن من آية أو سورة فليأت بها فجاءه أبو عبيدة بن الجراح و عثمان و سعد بن أبي وقاص و معاوية بن أبي سفيان و عبد الرحمن بن عوف و طلحة بن عبيد الله و أبو سعيد الخدري و حسان بن ثابت و جماعات المسلمين و جمعوا هذا القرآن و أسقطوا ما كان فيه من المثالب التي صدرت منهم بعد وفاة سيد المرسلين ص. فلهذا ترى الآيات غير مرتبطة و القرآن الذي جمعه أمير المؤمنين ع بخطه محفوظ عند صاحب الأمر ع فيه كل شي‏ء حتى أرش الخدش و أما هذا القرآن فلا شك و لا شبهة في صحته و إنما كلام الله سبحانه هكذا صدر عن صاحب الأمر ع. قال الشيخ الفاضل علي بن فاضل و نقلت عن السيد شمس الدين حفظه الله مسائل كثيرة تنوف على تسعين مسألة و هي عندي جمعتها في مجلد و سميتها بالفوائد الشمسية و لا أطلع عليها إلا الخاص من المؤمنين و ستراه إنشاء الله تعالى.

    فلما كانت الجمعة الثانية و هي الوسطى من جمع الشهر و فرغنا من الصلاة و جلس السيد سلمه الله في مجلس الإفادة للمؤمنين و إذا أنا أسمع هرجا و مرجا و جزلة عظيمة خارج المسجد فسألت من السيد عما سمعته فقال لي إن أمراء عسكرنا يركبون في كل جمعة من وسط كل شهر و ينتظرون الفرج فاستأذنته في النظر إليهم فأذن لي فخرجت لرؤيتهم و إذا هم جمع كثير يسبحون الله و يحمدونه و يهللونه جل و عز و يدعون بالفرج للإمام القائم بأمر الله و الناصح لدين الله م‏ح‏م‏د بن الحسن المهدي الخلف الصالح صاحب الزمان ع ثم عدت إلى مسجد السيد سلمه الله فقال لي رأيت العسكر فقلت نعم قال فهل عددت أمراءهم قلت لا قال عدتهم ثلاث مائة ناصر و بقي ثلاثة عشر ناصرا و يعجل الله لوليه الفرج بمشيته إنه جواد كريم. قلت يا سيدي و متى يكون الفرج قال يا أخي إنما العلم عند الله و الأمر متعلق بمشيته سبحانه و تعالى حتى إنه ربما كان الإمام ع لا يعرف ذلك بل له علامات و أمارات تدل على خروجه. من جملتها أن ينطق ذو الفقار بأن يخرج من غلافه و يتكلم بلسان عربي مبين قم يا ولي الله على اسم الله فاقتل بي أعداء الله. و منها ثلاثة أصوات يسمعها الناس كلهم الصوت الأول أَزِفَتِ الْآزِفَةُ يا معشر المؤمنين و الصوت الثاني أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ لآل محمد ع و الثالث بدن يظهر فيرى في قرن الشمس يقول إن الله بعث صاحب الأمر م‏ح‏م‏د بن الحسن المهدي ع فاسمعوا له و أطيعوا. فقلت يا سيدي قد روينا عن مشايخنا أحاديث رويت عن صاحب الأمر ع أنه قال لما أمر بالغيبة الكبرى من رآني بعد غيبتي فقد كذب فكيف فيكم من يراه فقال صدقت إنه ع إنما قال ذلك في ذلك الزمان لكثرة أعدائه من أهل بيته و غيرهم من فراعنة بني العباس حتى إن الشيعة يمنع بعضها   بعضا عن التحدث بذكره و في هذا الزمان تطاولت المدة و أيس منه الأعداء و بلادنا نائية عنهم و عن ظلمهم و عنائهم و ببركته ع لا يقدر أحد من الأعداء على الوصول إلينا. قلت يا سيدي قد روت علماء الشيعة حديثا عن الإمام ع أنه أباح الخمس لشيعته فهل رويتم عنه ذلك قال نعم إنه ع رخص و أباح الخمس لشيعته من ولد علي ع و قال هم في حل من ذلك قلت و هل رخص للشيعة أن يشتروا الإماء و العبيد من سبي العامة قال نعم و من سبي غيرهم لأنه ع قال عاملوهم بما عاملوا به أنفسهم و هاتان المسألتان زائدتان على المسائل التي سميتها لك. و قال السيد سلمه الله أنه يخرج من مكة بين الركن و المقام في سنة وتر فليرتقبها المؤمنون. فقلت يا سيدي قد أحببت المجاورة عندكم إلى أن يأذن الله بالفرج فقال لي اعلم يا أخي أنه تقدم إلي كلام بعودك إلى وطنك و لا يمكنني و إياك المخالفة لأنك ذو عيال و غبت عنهم مدة مديدة و لا يجوز لك التخلف عنهم أكثر من هذا فتأثرت من ذلك و بكيت. و قلت يا مولاي و هل تجوز المراجعة في أمري قال لا قلت يا مولاي و هل تأذن لي في أن أحكي كلما قد رأيته و سمعته قال لا بأس أن تحكي للمؤمنين لتطمئن قلوبهم إلا كيت و كيت و عين ما لا أقوله. فقلت يا سيدي أ ما يمكن النظر إلى جماله و بهائه ع قال لا و لكن اعلم يا أخي أن كل مؤمن مخلص يمكن أن يرى الإمام و لا يعرفه فقلت يا سيدي أنا من جملة عبيده المخلصين و لا رأيته. فقال لي بل رأيته مرتين مرة منها لما أتيت إلى سرمن‏رأى و هي أول مرة جئتها و سبقك أصحابك و تخلفت عنهم حتى وصلت إلى نهر لا ماء فيه فحضر عندك فارس على فرس شهباء و بيده رمح طويل و له سنان دمشقي فلما رأيته خفت

    على ثيابك فلما وصل إليك قال لك لا تخف اذهب إلى أصحابك فإنهم ينتظرونك تحت تلك الشجرة فأذكرني و الله ما كان فقلت قد كان ذلك يا سيدي. قال و المرة الأخرى حين خرجت من دمشق تريد مصرا مع شيخك الأندلسي و انقطعت عن القافلة و خفت خوفا شديدا فعارضك فارس على فرس غراء محجلة و بيده رمح أيضا و قال لك سر و لا تخف إلى قرية على يمينك و نم عند أهلها الليلة و أخبرهم بمذهبك الذي ولدت عليه و لا تتق منهم فإنهم مع قرى عديدة جنوبي دمشق مؤمنون مخلصون يدينون بدين علي بن أبي طالب و الأئمة المعصومين من ذريته ع. أ كان ذلك يا ابن فاضل قلت نعم و ذهبت إلى عند أهل القرية و نمت عندهم فأعزوني و سألتهم عن مذهبهم فقالوا لي من غير تقية مني نحن على مذهب أمير المؤمنين و وصي رسول رب العالمين علي بن أبي طالب و الأئمة المعصومين من ذريته ع فقلت لهم من أين لكم هذا المذهب و من أوصله إليكم قالوا أبو ذر الغفاري رضي الله عنه حين نفاه عثمان إلى الشام و نفاه معاوية إلى أرضنا هذه فعمتنا بركته فلما أصبحت طلبت منهم اللحوق بالقافلة فجهزوا معي رجلين ألحقاني بها بعد أن صرحت لهم بمذهبي. فقلت له يا سيدي هل يحج الإمام ع في كل مدة بعد مدة قال لي يا ابن فضل الدنيا خطوة مؤمن فكيف بمن لم تقم الدنيا إلا بوجوده و وجود آبائه ع نعم يحج في كل عام و يزور آباءه في المدينة و العراق و طوس على مشرفيها السلام و يرجع إلى أرضنا هذه. ثم إن السيد شمس الدين حث علي بعدم التأخير بالرجوع إلى العراق و عدم الإقامة في بلاد المغرب و ذكر لي أن دراهمهم مكتوب عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله محمد بن الحسن القائم بأمر الله و أعطاني السيد منها خمسة دراهم و هي محفوظة عندي للبركة. ثم إنه سلمه الله وجهني المراكب مع التي أتيت معها إلى أن وصلنا إلى   تلك البلدة التي أول ما دخلتها من أرض البربر و كان قد أعطاني حنطة و شعيرا فبعتها في تلك البلدة بمائة و أربعين دينارا ذهبا من معاملة بلاد المغرب و لم أجعل طريقي على الأندلس امتثالا لأمر السيد شمس الدين العالم أطال الله بقاءه و سافرت منها مع الحجج المغربي إلى مكة شرفها الله تعالى و حججت و جئت إلى العراق و أريد المجاورة في الغري على مشرفيها السلام حتى الممات. قال الشيخ زين الدين علي بن فاضل المازندراني لم أر لعلماء الإمامية عندهم ذكرا سوى خمسة السيد المرتضى الموسوي و الشيخ أبو جعفر الطوسي و محمد بن يعقوب الكليني و ابن بابويه و الشيخ أبو القاسم جعفر بن سعيد الحلي هذا آخر ما سمعته من الشيخ الصالح التقي و الفاضل الزكي علي بن فاضل المذكور أدام الله إفضاله و أكثر من علماء الدهر و أتقيائه أمثاله و الحمد لله أولا و آخرا ظاهرا و باطنا و صلى الله على خير خلقه سيد البرية محمد و على آله الطاهرين المعصومين و سلم تسليما كثيرا. بيان اللقلقة بفتح اللامين الصوت و القفل بالتحريك اسم جمع للقافل و هو الراجع من السفر و به سمي القافلة قوله تنوف أي تشرف و ترتفع و تزيد. أقول و لنلحق بتلك الحكاية بعض الحكايات التي سمعتها عمن قرب من زماننا. فمنها ما أخبرني جماعة عن السيد الفاضل أمير علام قال كنت في بعض الليالي في صحن الروضة المقدسة بالغري على مشرفها السلام و قد ذهب كثير من الليل فبينا أنا أجول فيها إذ رأيت شخصا مقبلا نحو الروضة المقدسة فأقبلت إليه فلما قربت منه عرفت أنه أستاذنا الفاضل العالم التقي الذكي مولانا أحمد الأردبيلي قدس الله روحه.

    فأخفيت نفسي عنه حتى أتى الباب و كان مغلقا فانفتح له عند وصوله إليه و دخل الروضة فسمعته يكلم كأنه يناجي أحدا ثم خرج و أغلق الباب فمشيت خلفه حتى خرج من الغري و توجه نحو مسجد الكوفة. فكنت خلفه بحيث لا يراني حتى دخل المسجد و صار إلى المحراب الذي استشهد أمير المؤمنين صلوات الله عليه عنده و مكث طويلا ثم رجع و خرج من المسجد و أقبل نحو الغري. فكنت خلفه حتى قرب من الحنانة فأخذني سعال لم أقدر على دفعه فالتفت إلي فعرفني و قال أنت مير علام قلت نعم قال ما تصنع هاهنا قلت كنت معك حيث دخلت الروضة المقدسة إلى الآن و أقسم عليك بحق صاحب القبر أن تخبرني بما جرى عليك في تلك الليلة من البداية إلى النهاية فقال أخبرك على أن لا تخبر به أحدا ما دمت حيا فلما توثق ذلك مني قال كنت أفكر في بعض المسائل و قد أغلقت علي فوقع في قلبي أن آتي أمير المؤمنين ع و أسأله عن ذلك فلما وصلت إلى الباب فتح لي بغير مفتاح كما رأيت فدخلت الروضة و ابتهلت إلى الله تعالى في أن يجيبني مولاي عن ذلك فسمعت صوتا من القبر أن ائت مسجد الكوفة و سل عن القائم ع فإنه إمام زمانك فأتيت عند المحراب و سألته عنها و أجبت و ها أنا أرجع إلى بيتي. و منها ما أخبرني به والدي رحمه الله قال كان في زماننا رجل شريف صالح كان يقال له أمير إسحاق الأسترآبادي و كان قد حج أربعين حجة ماشيا و كان قد اشتهر بين الناس أنه تطوى له الأرض. فورد في بعض السنين بلدة أصفهان فأتيته و سألته عما اشتهر فيه فقال كان سبب ذلك أني كنت في بعض السنين مع الحاج متوجهين إلى بيت الله الحرام فلما وصلنا إلى موضع كان بيننا و بين مكة سبعة منازل أو تسعة تأخرت عن القافلة لبعض الأسباب حتى غابت عني و ضللت عن الطريق و تحيرت و غلبني العطش حتى أيست من الحياة.   فناديت يا صالح يا أبا صالح أرشدونا إلى الطريق يرحمكم الله فتراءى لي في منتهى البادية شبح فلما تأملته حضر عندي في زمان يسير فرأيته شابا حسن الوجه نقي الثياب أسمر على هيئة الشرفاء راكبا على جمل و معه إداوة فسلمت عليه فرد علي السلام و قال أنت عطشان قلت نعم فأعطاني الإداوة فشربت ثم قال تريد أن تلحق القافلة قلت نعم فأردفني خلفه و توجه نحو مكة. و كان من عادتي قراءة الحرز اليماني في كل يوم فأخذت في قراءته فقال ع في بعض المواضع اقرأ هكذا قال فما مضى إلا زمان يسير حتى قال لي تعرف هذا الموضع فنظرت فإذا أنا بالأبطح فقال انزل فلما نزلت رجعت و غاب عني. فعند ذلك عرفت أنه القائم ع فندمت و تأسفت على مفارقته و عدم معرفته فلما كان بعد سبعة أيام أتت القافلة فرأوني في مكة بعد ما أيسوا من حياتي فلذا اشتهرت بطي الأرض. قال الوالد رحمه الله فقرأت عنده الحرز اليماني و صححته و أجازني و الحمد لله. و منها ما أخبرني به جماعة عن جماعة عن السيد السند الفاضل الكامل ميرزا محمد الأسترآبادي نور الله مرقده أنه قال إني كنت ذات ليلة أطوف حول بيت الله الحرام إذ أتى شاب حسن الوجه فأخذ في الطواف فلما قرب مني أعطاني طاقة ورد أحمر في غير أوانه فأخذت منه و شممته و قلت له من أين يا سيدي قال من الخرابات ثم غاب عني فلم أره. و منها ما أخبرني به جماعة من أهل الغري على مشرفه السلام أن رجلا من أهل قاشان أتى إلى الغري متوجها إلى بيت الله الحرام فاعتل علة شديدة حتى يبست رجلاه و لم يقدر على المشي فخلفه رفقاؤه و تركوه عند رجل من الصلحاء كان يسكن في بعض حجرات المدرسة المحيطة بالروضة المقدسة و ذهبوا إلى الحج.

    فكان هذا الرجل يغلق عليه الباب كل يوم و يذهب إلى الصحاري للتنزه و لطلب الدراري التي تؤخذ منها فقال له في بعض الأيام إني قد ضاق صدري و استوحشت من هذا المكان فاذهب بي اليوم و اطرحني في مكان و اذهب حيث شئت. قال فأجابني إلى ذلك و حملني و ذهب بي إلى مقام القائم صلوات الله عليه خارج النجف فأجلسني هناك و غسل قميصه في الحوض و طرحها على شجرة كانت هناك و ذهب إلى الصحراء و بقيت وحدي مغموما أفكر فيما يؤول إليه أمري. فإذا أنا بشاب صبيح الوجه أسمر اللون دخل الصحن و سلم علي و ذهب إلى بيت المقام و صلى عند المحراب ركعات بخضوع و خشوع لم أر مثله قط فلما فرغ من الصلاة خرج و أتاني و سألني عن حالي فقلت له ابتليت ببلية ضقت بها لا يشفيني الله فأسلم منها و لا يذهب بي فأستريح فقال لا تحزن سيعطيك الله كليهما و ذهب. فلما خرج رأيت القميص وقع على الأرض فقمت و أخذت القميص و غسلتها و طرحتها على الشجر فتفكرت في أمري و قلت أنا كنت لا أقدر على القيام و الحركة فكيف صرت هكذا فنظرت إلى نفسي فلم أجد شيئا مما كان بي فعلمت أنه كان القائم صلوات الله عليه فخرجت فنظرت في الصحراء فلم أر أحدا فندمت ندامة شديدة. فلما أتاني صاحب الحجرة سألني عن حالي و تحير في أمري فأخبرته بما جرى فتحسر على ما فات منه و مني و مشيت معه إلى الحجرة. قالوا فكان هكذا سليما حتى أتى الحاج و رفقاؤه فلما رآهم و كان معهم قليلا مرض و مات و دفن في الصحن فظهر صحة ما أخبره ع من وقوع الأمرين معا. و هذه القصة من المشهورات عند أهل المشهد و أخبرني به ثقاتهم و صلحاؤهم.   و منها ما أخبرني به بعض الأفاضل الكرام و الثقات الأعلام قال أخبرني بعض من أثق به يرويه عمن يثق به و يطريه أنه قال لما كان بلدة البحرين تحت ولاية الأفرنج جعلوا واليها رجلا من المسلمين ليكون أدعى إلى تعميرها و أصلح بحال أهلها و كان هذا الوالي من النواصب و له وزير أشد نصبا منه يظهر العداوة لأهل البحرين لحبهم لأهل البيت ع و يحتال في إهلاكهم و إضرارهم بكل حيلة. فلما كان في بعض الأيام دخل الوزير على الوالي و بيده رمانة فأعطاها الوالي فإذا كان مكتوبا عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله أبو بكر و عمر و عثمان و علي خلفاء رسول الله فتأمل الوالي فرأى الكتابة من أصل الرمانة بحيث لا يحتمل عنده أن يكون من صناعة بشر فتعجب من ذلك و قال للوزير هذه آية بينة و حجة قوية على إبطال مذهب الرافضة فما رأيك في أهل البحرين. فقال له أصلحك الله إن هؤلاء جماعة متعصبون ينكرون البراهين و ينبغي لك أن تحضرهم و تريهم هذه الرمانة فإن قبلوا و رجعوا إلى مذهبنا كان لك الثواب الجزيل بذلك و إن أبوا إلا المقام على ضلالتهم فخيرهم بين ثلاث إما أن يؤدوا الجزية و هم صاغرون أو يأتوا بجواب عن هذه الآية البينة التي لا محيص لهم عنها أو تقتل رجالهم و تسبي نساءهم و أولادهم و تأخذ بالغنيمة أموالهم. فاستحسن الوالي رأيه و أرسل إلى العلماء و الأفاضل الأخيار و النجباء و السادة الأبرار من أهل البحرين و أحضرهم و أراهم الرمانة و أخبرهم بما رأى فيهم إن لم يأتوا بجواب شاف من القتل و الأسر و أخذ الأموال أو أخذ الجزية على وجه الصغار كالكفار فتحيروا في أمرها و لم يقدروا على جواب و تغيرت وجوههم و ارتعدت فرائصهم. فقال كبراؤهم أمهلنا أيها الأمير ثلاثة أيام لعلنا نأتيك بجواب ترتضيه و إلا فاحكم فينا ما شئت فأمهلهم فخرجوا من عنده خائفين مرعوبين متحيرين. فاجتمعوا في مجلس و أجالوا الرأي في ذلك فاتفق رأيهم على أن يختاروا

    من صلحاء البحرين و زهادهم عشرة ففعلوا ثم اختاروا من العشرة ثلاثة فقالوا لأحدهم اخرج الليلة إلى الصحراء و اعبد الله فيها و استغث بإمام زماننا و حجة الله علينا لعله يبين لك ما هو المخرج من هذه الداهية الدهماء. فخرج و بات طول ليلته متعبدا خاشعا داعيا باكيا يدعو الله و يستغيث بالإمام ع حتى أصبح و لم ير شيئا فأتاهم و أخبرهم فبعثوا في الليلة الثانية الثاني منهم فرجع كصاحبه و لم يأتهم بخبر فازداد قلقهم و جزعهم. فأحضروا الثالث و كان تقيا فاضلا اسمه محمد بن عيسى فخرج الليلة الثالثة حافيا حاسر الرأس إلى الصحراء و كانت ليلة مظلمة فدعا و بكى و توسل إلى الله تعالى في خلاص هؤلاء المؤمنين و كشف هذه البلية عنهم و استغاث بصاحب الزمان. فلما كان آخر الليل إذا هو برجل يخاطبه و يقول يا محمد بن عيسى ما لي أراك على هذه الحالة و لما ذا خرجت إلى هذه البرية فقال له أيها الرجل دعني فإني خرجت لأمر عظيم و خطب جسيم لا أذكره إلا لإمامي و لا أشكوه إلا إلى من يقدر على كشفه عني. فقال يا محمد بن عيسى أنا صاحب الأمر فاذكر حاجتك فقال إن كنت هو فأنت تعلم قصتي و لا تحتاج إلى أن أشرحها لك فقال له نعم خرجت لما دهمكم من أمر الرمانة و ما كتب عليها و ما أوعدكم الأمير به قال فلما سمعت ذلك توجهت إليه و قلت له نعم يا مولاي قد تعلم ما أصابنا و أنت إمامنا و ملاذنا و القادر على كشفه عنا. فقال صلوات الله عليه يا محمد بن عيسى إن الوزير لعنه الله في داره شجرة رمان فلما حملت تلك الشجرة صنع شيئا من الطين على هيئة الرمانة و جعلها نصفين و كتب في داخل كل نصف بعض تلك الكتابة ثم وضعهما على الرمانة و شدهما عليها و هي صغيرة فأثر فيها و صارت هكذا. فإذا مضيتم غدا إلى الوالي فقل له جئتك بالجواب و لكني لا أبديه إلا في دار الوزير فإذا مضيتم إلى داره فانظر عن يمينك ترى فيها غرفة فقل للوالي لا أجيبك

    إلا في تلك الغرفة و سيأبى الوزير عن ذلك و أنت بالغ في ذلك و لا ترض إلا بصعودها فإذا صعد فاصعد معه و لا تتركه وحده يتقدم عليك فإذا دخلت الغرفة رأيت كوة فيها كيس أبيض فانهض إليه و خذه فترى فيه تلك الطينة التي عملها لهذه الحيلة ثم ضعها أمام الوالي و ضع الرمانة فيها لينكشف له جلية الحال. و أيضا يا محمد بن عيسى قل للوالي إن لنا معجزة أخرى و هي أن هذه الرمانة ليس فيها إلا الرماد و الدخان و إن أردت صحة ذلك فأمر الوزير بكسرها فإذا كسرها طار الرماد و الدخان على وجهه و لحيته. فلما سمع محمد بن عيسى ذلك من الإمام فرح فرحا شديدا و قبل بين يدي الإمام صلوات الله عليه و انصرف إلى أهله بالبشارة و السرور. فلما أصبحوا مضوا إلى الوالي ففعل محمد بن عيسى كل ما أمره الإمام و ظهر كل ما أخبره فالتفت الوالي إلى محمد بن عيسى و قال له من أخبرك بهذا فقال إمام زماننا و حجة الله علينا فقال و من إمامكم فأخبره بالأئمة واحدا بعد واحد إلى أن انتهى صاحب الأمر صلوات الله عليهم. فقال الوالي مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله و أن الخليفة بعده بلا فصل أمير المؤمنين علي ع ثم أقر بالأئمة إلى آخرهم عليهم السلام و حسن إيمانه و أمر بقتل الوزير و اعتذر إلى أهل البحرين و أحسن إليهم و أكرمهم. قال و هذه القصة مشهورة عند أهل البحرين و قبر محمد بن عيسى عندهم معروف يزوره الناس