باب 3- إثبات الحشر و كيفيته و كفر من أنكره

الآيات الفاتحة مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ البقرة كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ و قال تعالى وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ و قال تعالى أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَ شَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَ انْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَ لِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَ انْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ آل عمران رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ و قال تعالى وَ جاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ و قال تعالى فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَ وُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ و قال وَ لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ النساء لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ المائدة وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ  الأنعام لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ و قال تعالى قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَ ذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ و قال تعالى وَ الْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ و قال وَ أَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ و قال ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ و قال ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَ هُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ و قال وَ هُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ و قال تعالى لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ و قال تعالى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ الأعراف قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَ فِيها تَمُوتُونَ وَ مِنْها تُخْرَجُونَ و قال تعالى كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ و قال وَ هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ و قال وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ لِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ التوبة ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يونس إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ و قال فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ و قال إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ و قال ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ و قال تعالى قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ و قال تعالى وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ وَ إِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ و قال وَ يَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَ لا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ و قال وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ أَ حَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ

   و قال تعالى هُوَ يُحيِي وَ يُمِيتُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ هود وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ و قال تعالى وَ لَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ و قال وَ إِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ يوسف أَ فَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ الرعد وَ إِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَ إِذا كُنَّا تُراباً أَ إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَ أُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ إبراهيم مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَ لا خِلالٌ الحجر وَ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ و قال تعالى فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ النحل 1-  أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ و قال تعالى هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ أسرى وَ أَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً و قال تعالى مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً وَ مَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَ سَعى لَها سَعْيَها وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً و قال تعالى وَ لَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَ أَكْبَرُ تَفْضِيلًا و قال تعالى وَ قالُوا أَ إِذا كُنَّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَ يَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَ تَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا و قال تعالى   وَ مَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَ بُكْماً وَ صُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَ قالُوا أَ إِذا كُنَّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَ جَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً الكهف وَ كَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَ أَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها مريم إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَ مَنْ عَلَيْها وَ إِلَيْنا يُرْجَعُونَ و قال تعالى وَ يَقُولُ الْإِنْسانُ أَ إِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا أَ وَ لا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ يَكُ شَيْئاً و قال وَ نَرِثُهُ ما يَقُولُ وَ يَأْتِينا فَرْداً و قال وَ كُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً طه مِنْها خَلَقْناكُمْ وَ فِيها نُعِيدُكُمْ وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى الأنبياء وَ يَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَ لا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ و قال تعالى الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَ هُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ الحج يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَ غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَ نُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَ مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَ تَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ وَ أَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ وَ أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ و قال تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا وَ الصَّابِئِينَ وَ النَّصارى وَ الْمَجُوسَ وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهِيدٌ

   و قال تعالى وَ لا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ و قال اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ المؤمنون ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ و قال تعالى حكاية عن قوم هود أو قوم صالح أَ يَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَ كُنْتُمْ تُراباً وَ عِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ و قال تعالىحكاية عن المنكرين للبعث في زمن الرسول بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ قالُوا أَ إِذا مِتْنا وَ كُنَّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَ آباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَ فَلا تَتَّقُونَ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ وَ هُوَ يُجِيرُ وَ لا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ الفرقان بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَ أَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً و قال تعالى بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً الشعراء وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ النمل 4-  إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَ هُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ و قال تعالى أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ و قال قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَ ما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَ إِذا كُنَّا تُراباً وَ آباؤُنا أَ إِنَّا لَمُخْرَجُونَ لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ العنكبوت مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ  و قال سبحانه أَ وَ لَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَ يَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَ إِلَيْهِ تُقْلَبُونَ و قال تعالى وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ ارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ و قال وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الروم يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ أَ وَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَ أَجَلٍ مُسَمًّى وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ و قال اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ و قال سبحانه يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ كَذلِكَ تُخْرَجُونَ وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ و قال تعالى وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ و قال وَ هُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ و قال تعالى ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ و قال تعالى فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ لقمان ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ و قال إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ و قال ما خَلْقُكُمْ وَ لا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ التنزيل وَ قالُوا أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَ إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ سبأ وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَ رَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ وَ لا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ وَ الَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ

   و قال عز و جل وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَ الضَّلالِ الْبَعِيدِ أَ فَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ و قال سبحانه قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَ هُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ و قال تعالى وَ يَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَ لا تَسْتَقْدِمُونَ فاطر وَ اللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ يس إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ و قال وَ إِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ و قال وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَ نَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ أَ وَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ الصافات أَ إِذا مِتْنا وَ كُنَّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَ وَ آباؤُنَا الْأَوَّلُونَ قُلْ نَعَمْ وَ أَنْتُمْ داخِرُونَ فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ وَ قالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ الزمر ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ المؤمن وَ قالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَ رَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ و قال تعالى إِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ و قال سبحانه لَخَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ و قال تعالى إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ  السجدة وَ مِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ و قال سبحانه وَ لَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَ لَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ حمعسق اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ و قال تعالى وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَ الَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَ يَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ الزخرف فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ و قال وَ إِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ و قال سبحانه فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ و قال فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَ يَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ الدخان إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى وَ ما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ الجاثية وَ قالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ وَ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ الأحقاف وَ إِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَ كانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ و قال تعالى وَ الَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَ تَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَ قَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَ هُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَ لِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ و قال أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ لَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ

   و قال وَ لا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ ق فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْ‏ءٌ عَجِيبٌ أَ إِذا مِتْنا وَ كُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَ عِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ أَ فَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَ زَيَّنَّاها وَ ما لَها مِنْ فُرُوجٍ وَ الْأَرْضَ مَدَدْناها وَ أَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَ ذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَ حَبَّ الْحَصِيدِ وَ النَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ رِزْقاً لِلْعِبادِ وَ أَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ و قال تعالى أَ فَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ الذاريات وَ الذَّارِياتِ ذَرْواً فَالْحامِلاتِ وِقْراً فَالْجارِياتِ يُسْراً فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ وَ إِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ وَ السَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ و قال تعالى فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ الطور وَ الطُّورِ وَ كِتابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ وَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَ السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ وَ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ ما لَهُ مِنْ دافِعٍ يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً وَ تَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ النجم وَ أَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى القمر بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَ السَّاعَةُ أَدْهى وَ أَمَرُّ و قال تعالى سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ و قال وَ ما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ الرحمن سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ الواقعة وَ كانُوا يَقُولُونَ أَ إِذا مِتْنا وَ كُنَّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَ وَ آباؤُنَا الْأَوَّلُونَ قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ

   و قال وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ الحديد وَ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَ مَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رِضْوانٌ المجادلة يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللَّهُ وَ نَسُوهُ وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهِيدٌ و قال تعالى ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ الممتحنة يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ و قال سبحانه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ التغابن زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَ رَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ الملك وَ إِلَيْهِ النُّشُورُ و قال وَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ المعارج وَ الَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ القيامة لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ وَ لا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ و قال تعالى أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً أَ لَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثى أَ لَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى الدهر وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً المرسلات وَ الْمُرْسَلاتِ عُرْفاً فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً وَ النَّاشِراتِ نَشْراً فَالْفارِقاتِ فَرْقاً فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً عُذْراً أَوْ نُذْراً إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ النبأ عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ النازعات وَ النَّازِعاتِ غَرْقاً وَ النَّاشِطاتِ نَشْطاً وَ السَّابِحاتِ سَبْحاً فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ قُلُوبٌ  يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ أَبْصارُها خاشِعَةٌ يَقُولُونَ أَ إِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ أَ إِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ عبس ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ المطففين أَ لا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ و قال سبحانه وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَ ما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ الطارق إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَ لا ناصِرٍ التين فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ أَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ العلق إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى العاديات أَ فَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ وَ حُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ الماعون أَ رَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ تفسير قال الطبرسي رحمه الله لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ أي ليس فيه موضع ريب و شك لوضوحه و قال وَ وُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ أي وفرت كل نفس جزاء ما كسبت من ثواب و عقاب أو أعطيت ما كسبت أي اجتلبت بعملها من الثواب و العقاب وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ أي لا ينقصون عما استحقوه من الثواب و لا يزدادون على ما استحقوه من العقاب. و قال في قوله تعالى فَقَدْ رَحِمَهُ أي يثيبه لا محالة لئلا يتوهم أنه ليس إلا صرف العذاب عنه فقط أو المعنى لا يصرف العذاب عن أحد إلا برحمة الله كما روي

 أن النبي ص قال و الذي نفسي بيده ما من الناس أحد يدخل الجنة بعمله قالوا و لا أنت يا رسول الله قال و لا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه و فضل و وضع يده على فوق رأسه و طول بها صوته

رواه الحسن في تفسيره وَ ذلِكَ الْفَوْزُ أي الظفر بالبغية الْمُبِينُ الظاهر البين.  و قال في قوله تعالى وَ أَنْذِرْ أي عظ و خوف بِهِ أي بالقرآن و قيل بالله الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ يريد المؤمنين يخافون يوم القيامة و ما فيها من شدة الأهوال و قيل معناه يعلمون و قيل يخافون أن يحشروا علما بأنه سيكون عن الفراء قال و لذلك فسره المفسرون بيعلمون و إنما خص الذين يخافون الحشر لأن الحجة عليهم أوجب لاعترافهم بالمعاد

 و قال الصادق ع أنذر بالقرآن من يرجون الوصول إلى ربهم برغبتهم فيما عنده فإن القرآن شافع مشفع

و قال في قوله ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ أي إلى الموضع الذي لا يملك الحكم فيه إلا هو مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أي أمره كله حق لا يشوبه باطل و جد لا يجاوره هزل فيكون مصدرا وصف به و قيل الحق بمعنى المحق و قيل الثابت الباقي الذي لا فناء له و قيل معناه ذو الحق يريد أن أفعاله و أقواله حق و قال لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ معناه لكي يؤمنوا بجزاء ربهم فسمي الجزاء لقاء الله تفخيما لشأنه مع ما فيه من الإيجاز و الاختصار و قيل معنى اللقاء الرجوع إلى ملكه و سلطانه يوم لا يملك أحد سواه شيئا. و قال في قوله تعالى فِيها تَحْيَوْنَ أي في الأرض تعيشون وَ مِنْها تُخْرَجُونَ عند البعث يوم القيامة قال الجبائي في الآية دلالة على أن الله سبحانه يخرج العباد يوم القيامة من هذه الأرض التي حيوا فيها بعد موتهم و أنه يفنيها بعد أن يخرج العباد منها في يوم الحشر فإذا أراد إفناءها زجرهم منها زجرة فيصيرون إلى أرض أخرى يقال لها الساهرة و يفنى هذه كما قال فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ. و قال في قوله كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ أي ليس بعثكم بأشد من ابتدائكم أو كما بدأكم لا تملكون شيئا كذلك تبعثون يوم القيامة و

 يروى عن النبي ص أنه قال تحشرون يوم القيامة عراة حفاة عزلا كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ

و قيل معناه تبعثون على ما متم عليه المؤمن على إيمانه و الكافر على كفره عن ابن عباس و جابر.  و قال في قوله تعالى نشرا بقراءة النون أي منتشرة في الأرض أو محيية للأرض و بقراءة الباء أي مبشرة بالغيث و رحمته هي المطر حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ أي حملت قيل و رفعت سَحاباً ثِقالًا بالماء سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ أي إلى بلد و موت البلد بعفي مزارعه و دروس مشاربه فَأَنْزَلْنا بِهِ أي بالبلد أو بالسحاب الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ أي بهذا الماء أو بالبلد كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى أي كما أخرجنا الثمرات كذلك نخرج الموتى بأن نحييها بعد موتها لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ أي لكي تتذكروا و تتفكروا و تعتبروا بأن من قدر على إنشاء الأشجار و الثمار في البلد الذي لا ماء فيه و لا زرع بريح يرسلها فإنه يقدر على إحياء الأموات بأن يعيدها إلى ما كانت عليه و يخلق فيها الحياة و القدرة. و قال في قوله تعالى فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ فكيف تصرفون عن الحق. و قال في قوله تعالى يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ أي يجمعهم من كل مكان إلى الموقف كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ معناه أنهم استقلوا أيام الدنيا فإن المكث في الدنيا و إن طال كان بمنزلة ساعة في جنب الآخرة و قيل استقلوا أيام مقامهم في الدنيا لقلة انتفاعهم بأعمارهم فيها فكأنهم لم يلبثوا إلا ساعة لقلة فائدتها و قيل استقلوا مدة لبثهم في القبور يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ أي يعرف بعضهم بعضا ما كانوا عليه من الخطإ و الكفر قال الكلبي يتعارفون إذا خرجوا من قبورهم ثم تنقطع المعرفة إذا عاينوا العذاب و يتبرأ بعضهم من بعض بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أي العقوبة في الدنيا قالوا و منها وقعة بدر أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ أي أو نميتنك قبل أن ينزل ذلك بهم و ينزل ذلك بهم بعد موتك فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ أي إلى حكمنا مصيرهم في الآخرة فلا يفوتوننا. و قال في قوله تعالى وَ يَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ أي البعث و قيام الساعة و قيل العذاب. و في قوله تعالى أَ حَقٌّ هُوَ أي ما جئت به من القرآن و الشريعة أو ما تعدنا من البعث و القيامة و العذاب قالوا ذلك على وجه الاستفهام أو الاستهزاء. و في قوله فَإِنِّي أَخافُ أي أعلم و في قوله إِلَّا سِحْرٌ أي ليس هذا القول

   إلا تمويها ظاهرا لا حقيقة له و في قوله غاشِيَةٌ أي عقوبة تغشاهم و تعمهم و البغتة الفجأة قال ابن عباس تهجم الصيحة بالناس و هم في أسواقهم و في قوله تعالى وَ إِنْ تَعْجَبْ يا محمد من قول هؤلاء الكفار في إنكارهم البعث مع إقرارهم بابتداء الخلق فقد وضعت التعجب موضعه لأن هذا قول عجب فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أي فقولهم عجب أَ إِذا كُنَّا تُراباً أَ إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أي أ نبعث و نعاد بعد ما صرنا ترابا هذا مما لا يمكن و هذا منهم نهاية في الأعجوبة فإن الماء إذا حصل في الرحم استحال علقة ثم مضغة ثم لحما و إذا مات و دفن استحال ترابا فإذا جاز أن يتعلق الإنشاء بالاستحالة الأولى فلم لا يجوز تعلقه بالاستحالة الثانية و سمى الله الإعادة خلقا جديدا و اختلف المتكلمون فيما يصح عليه الإعادة فقال بعضهم كل ما يكون مقدورا للقديم سبحانه خاصة و يصح عليه البقاء تصح عليه الإعادة و لا تصح الإعادة على ما يقدر على جنسه غيره تعالى و هذا قول الجبائي و قال آخرون كل ما كان مقدورا له و هو مما يبقى تصح عليه الإعادة و هو قول أبي هاشم و من تابعه فعلى هذا تصح إعادة أجزاء الحياة ثم اختلفوا فيما تجب إعادته من الحي فقال البلخي يعاد جميع أجزاء الشخص و قال أبو هاشم تعاد الأجزاء التي بها يتميز الحي من غيره و يعاد التأليف ثم رجع و قال تعاد الحياة مع البنية و قال القاضي أبو الحسن تعاد البنية و ما عدا ذلك يجوز فيه التبدل و هذا هو الأصح. أُولئِكَ المنكرون للبعث الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أي جحدوا قدرة الله على البعث وَ أُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ في الآخرة و قيل أراد به أغلال الكفر و في قوله تعالى لا بَيْعٌ فِيهِ يعني يوم القيامة و المراد بالمراد بالبيع إعطاء البدل ليتخلص به من النار وَ لا خِلالٌ أي مصادقة و في قوله أَتى أَمْرُ اللَّهِ معناه قرب أمر الله بعقاب هؤلاء المشركين المقيمين على الكفر و التكذيب أو المراد بأمر الله أحكامه و فرائضه أو هو القيامة عن الجبائي و ابن عباس فيكون أتى بمعنى يأتي فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ خطاب للمشركين المكذبين بيوم القيامة و بعذاب الله المستهزءين به و كانوا يستعجلونه و في قوله تعالى هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أي لقبض أرواحهم

   أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ أي القيامة أو العذاب و في قوله تعالى يَصْلاها أي يصير صلاها و يحترق بنارها مَذْمُوماً ملوما مَدْحُوراً مبعدا من رحمة الله و في قوله تعالى وَ قالُوا أَ إِذا كُنَّا عِظاماً وَ رُفاتاً أي غبارا و قيل ترابا قُلْ يا محمد لهم كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً أي اجهدوا في أن لا تعادوا و كونوا إن استطعتم حجارة في القوة أو حديدا في الشدة أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ أي خلقا هو أعظم من ذلك عندكم و أصعب فإنكم لا تفوتون الله و سيحييكم بعد الموت و ينشركم و قيل يعني بما يكبر في صدوركم الموت أي لو كنتم الموت لأحياكم الله و قيل يعني به السماوات و الأرض و الجبال فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ أي يحركونها تحريك المستهزئ المستخف المستبطئ لما تنذرهم به وَ يَقُولُونَ مَتى هُوَ أي متى يكون البعث قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً لأن ما هو آت قريب يَوْمَ يَدْعُوكُمْ أي من قبوركم إلى الموقف على ألسنة الملائكة و ذلك عند النفخة الثانية فيقول أيها العظام النخرة و الجلود البالية عودي كما كنت فَتَسْتَجِيبُونَ مضطرين بِحَمْدِهِ أي حامدين لله على نعمه و أنتم موحدون و قيل أي تستجيبون معترفين بأن الحمد لله على نعمه لا تنكرونه لأن المعارف هناك ضرورية قال سعيد بن جبير يخرجون من قبورهم يقولون سبحانك و بحمدك و لا ينفعهم في ذلك اليوم لأنهم حمدوا حين لم ينفعهم الحمد وَ تَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا أي تظنون أنكم لم تلبثوا في الدنيا إلا قليلا لسرعة انقلاب الدنيا إلى الآخرة و قال الحسن و قتادة استقصروا مدة لبثهم في الدنيا لما يعلمون من طول لبثهم في الآخرة و من المفسرين من يذهب إلى أن هذه الآية خطاب للمؤمنين لأنهم الذين يستجيبون الله بحمده و يحمدونه على إحسانه إليهم و يستقلون مدة لبثهم في البرزخ لكونهم في قبورهم منعمين غير معذبين و أيام السرور و الرخاء قصار و قال في قوله تعالى عَلى وُجُوهِهِمْ أي يسحبون على وجوههم إلى النار مبالغة في إهانتهم.

 و روى أنس أن رجلا قال يا نبي الله كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة قال إن الذي أمشاه على رجليه في الدنيا قادر على أن يحشره على وجهه يوم القيامة

 عُمْياً وَ بُكْماً وَ صُمًّا قيل المعنى عميا عما يسرهم بكما عن التكلم بما ينفعهم صما عما يمتعهم عن ابن عباس و قيل يحشرون على هذه الصفة قال مقاتل ذلك  حين يقال لهم اخْسَؤُا فِيها وَ لا تُكَلِّمُونِ و قيل يحشرون كذلك ثم يجعلون يبصرون و يسمعون و ينطقون عن الحسن مَأْواهُمْ أي مستقرهم جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً أي كلما سكن التهابها زدناهم اشتعالا. قوله تعالى قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ قال لأن القادر على الشي‏ء قادر على أمثاله إذا كان له مثل أو أمثال في الجنس و إذا كان قادرا على خلق أمثالهم كان قادرا على إعادتهم إذ الإعادة أهون من الإنشاء في الشاهد و قيل أراد قادر على أن يخلقهم ثانيا و أراد بمثلهم إياهم و ذلك أن مثل الشي‏ء مساو له في حالته فجاز أن يعبر به عن الشي‏ء نفسه يقال مثلك لا يفعل كذا بمعنى أنت لا تفعله و نحوه ليس كمثله شي‏ء. أقول قال الرازي في تفسير هذه الآية في قوله مِثْلَهُمْ قولان الأول المعنى قادر على أن يخلقهم ثانيا فعبر عن خلقهم ثانيا بلفظ المثل كما يقوله المتكلمون إن الإعادة مثل الابتداء و الثاني أن المراد أنه قادر على أن يخلق عبيدا آخرين يوحدونه و يقرون بكمال حكمته و قدرته و يتركون ذكر هذه الشبهات الفاسدة فهو كقوله تعالى وَ يَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ و قوله وَ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ قال الواحدي و القول هو الأول لأنه أشبه بما قبله. و قال الطبرسي رحمه الله في قوله وَ جَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لا رَيْبَ فِيهِ أي و جعل لإعادتهم وقتا لا شك فيه أنه كائن لا محالة و قيل معناه و ضرب لهم مدة ليتفكروا و يعلموا فيها أن من قدر على الابتداء قدر على الإعادة و قال في قوله تعالى وَ كَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ أي كما أمتنا أصحاب الكهف و بعثناهم أطلعنا عليهم أهل المدينة لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ بالبعث و الثواب و العقاب حَقٌّ وَ أَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها لأن من قدر أن ينيم جماعة تلك المدة المديدة أحياء ثم يوقظهم قدر أيضا على أن يميتهم ثم يحييهم بعد ذلك و في قوله تعالى وَ نَرِثُهُ ما يَقُولُ أي ما عنده من المال و الولد بإهلاكنا إياه و إبطال ملكه وَ يَأْتِينا فَرْداً أي يأتي في الآخرة وحيدا بلا مال و لا ولد و لا عدة و لا عدد و في قوله وَ يَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ أي القيامة فقال سبحانه لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ أي لو علموا الوقت الذي لا يدفعون

   فيه عذاب النار عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَ لا عَنْ ظُهُورِهِمْ يعني أن النار تحيط بهم من جميع جوانبهم وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ و جواب لو محذوف أي لعلموا صدق ما وعدوا به و لما استعجلوا و في قوله فَتَبْهَتُهُمْ أي فتحيرهم فلا يقدرون على دفعها و لا يؤخرون إلى وقت آخر و لا يمهلون لتوبة أو لمعذرة و في قوله الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ أي في حال الخلوة و الغيبة عن الناس و قيل في سرائرهم من غير رياء و في قوله تعالى إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ الريب أقبح الشك أي إن كنتم في شك من النشور فإنا خلقنا أصلكم و هو آدم من تراب فمن قدر على أن يصير التراب بشرا سويا حيا في الابتداء قدر أن يحيي العظام و يعيد الأموات ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ أي ثم خلقنا نسله من نطفة ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ و هي القطعة من الدم الجامد ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ أي شبه قطعة من اللحم ممضوغة مُخَلَّقَةٍ وَ غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ أي تامة الخلق و غير تامة و قيل مصورة و غير مصورة و هو ما كان سقطا لا تخطيط فيه و لا تصوير لِنُبَيِّنَ لَكُمْ أي لندلكم على مقدورنا بتصريفكم في ضروب الخلق أو على أن من قدر على الابتداء قدر على الإعادة وَ نُقِرُّ أي نبقي فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إلى وقت تمامه و الأشد حال اجتماع العقل و القوة وَ مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى أي يقبض روحه قبل بلوغ الأشد وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ أي أسوإ العمر و أخبثه عند أهله و هي حال الخرف لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً أي لكيلا يستفيد علما و ينسى ما كان به عالما. ثم ذكر سبحانه دلالة أخرى على البعث فقال وَ تَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً يعني هالكة أو يابسة دارسة من أثر النبات فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ و هو المطر اهْتَزَّتْ أي تحركت بالنبات و الاهتزاز شدة الحركة في الجهات وَ رَبَتْ أي زادت و أضعفت نباتها وَ أَنْبَتَتْ يعني الأرض مِنْ كُلِّ زَوْجٍ أي من كل صنف بَهِيجٍ أي مونق للعين حسن الثورة و اللون ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ أي ذلك الذي سبق ذكره من تصريف الخلق على هذه الأحوال و إخراج النبات بسبب أن الله هُوَ الْحَقُّ أي لتعلموا أن الله تحق له العبادة دون غيره و قيل هو الذي يستحق صفات التعظيم وَ أَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى لأن من قدر على الإنشاء قدر على الإعادة.

   و في قوله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ أي يبين المحق من المبطل بما يضطر إلى العلم بصحة الصحيح فيبيض وجه المحق و يسود وجه المبطل و في قوله فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ أي في شك من القرآن و في قوله عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ قيل إنه عذاب يوم بدر و سماه عقيما لأنه لا مثل له في عظم أمره لقتال الملائكة فيه أو لأنه لم يكن للكفار فيه خير فهو كالريح العقيم التي لا تأتي بخير و قيل المراد به يوم القيامة و المعنى حتى تأتيهم علامات الساعة أو عذاب يوم القيامة و سماه عقيما لأنه لا ليلة له و في قوله تعالى إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ أي و ما هذا إلا أكاذيب الأولين فقد سطروا ما لا حقيقة له. ثم احتج تعالى على هؤلاء المنكرين للبعث بأنه مع إقراركم أنه تعالى خالق السماوات و الأرض و ما فيهما و أن بيده ملكوت كل شي‏ء لا يتجه منكم إنكار البعث استبعادا له مع كونه أهون و أيسر مما ذكر و في قوله تعالى زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ أي أعمالهم التي أمرناهم بها فهم يتحيرون بالذهاب عنها أو بأن خلقنا فيهم شهوة القبيح ليجتنبوا المشتهى فَهُمْ يَعْمَهُونَ عن هذا المعنى أو حرمناهم التوفيق عقوبة لهم على كفرهم و زينت أعمالهم في أعينهم. و في قوله تعالى وَ ما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ أي متى يحشرون يوم القيامة بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ أي تتابع منهم العلم و تلاحق حتى كمل علمهم في الآخرة بما أخبروا به في الدنيا فهو على لفظ الماضي و المراد به الاستقبال و قيل إن هذا على وجه الاستفهام فحذف الألف و المراد به النفي أي لم يبلغ علمهم بالآخرة و قيل أي أدرك هذا العلم جميع العقلاء لو نظروا و تفكروا لأن العقل يقتضي أن الإهمال قبيح فلا بد من تكليف و التكليف يقتضي الجزاء و إذا لم يكن ذلك في الدنيا فلا بد من دار الجزاء و قيل إن الآية إخبار عن ثلاث طوائف طائفة أقرت بالبعث و طائفة شكت فيه و طائفة نفته كما قال فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ و قوله بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ أي عن معرفتها و هو جمع عمى و هو الأعمى القلب لتركه التدبر و النظر. و في قوله تعالى مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ أي من كان يأمل لقاء ثواب الله أو من يخاف عقاب الله فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ أي الوقت الذي وقته الله للثواب و العقاب جاء  لا محالة و في قوله لَهِيَ الْحَيَوانُ أي الحياة على الحقيقة لأنها الدائمة الباقية التي لا زوال لها و لا موت فيها و تقديره لهي دار الحيوان أو ذات الحيوان لأنه مصدر. و في قوله تعالى يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا أي يعلمون منافع الدنيا و مضارها و هم جهال بالآخرة

 و سئل أبو عبد الله ع عن قوله يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا فقال منه الزجر و النجوم

 أَ وَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ أي في حال الخلوة لأن في تلك الحال يتمكن الإنسان من نفسه و يحضره ذهنه أو في خلق الله أنفسهم و المعنى أ و لم يتفكروا فيعلموا ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ أي لإقامة الحق و معناه للدلالة على الصانع و التعريض للثواب وَ أَجَلٍ مُسَمًّى أي لوقت معلوم توفى فيه كل نفس ما كسبت. و في قوله تعالى ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ أي من القبر عن ابن عباس يأمر الله عز و جل إسرافيل ع فينفخ في الصور بعد ما يصور الصور في القبور فيخرج الخلائق كلهم من قبورهم إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ من الأرض أحياء و قيل إنه سبحانه جعل النفخة دعاء لأن إسرافيل يقول أجيبوا داعي الله فيدعو بأمر الله سبحانه و قيل معناه أخرجكم من قبوركم بعد أن كنتم أمواتا فيها فعبر عن ذلك بالدعاء إذ هو بمنزلة كن فيكون في سرعة تأتي ذلك و امتناع التعذر. و قال في قوله تعالى وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ أقوال أحدها أن معناه و هو هين عليه كقوله الله أكبر أي كبير الثاني أنه إنما قال أهون لما تقرر في العقول أن إعادة الشي‏ء أهون من ابتدائه و هم كانوا مقرين بالابتداء فكأنه قال لهم كيف تقرون بما هو أصعب عندكم و تنكرون ما هو أهون عندكم الثالث أن الهاء في عليه يعود إلى الخلق أي و الإعادة على المخلوق أهون من النشأة الأولى لأنه إنما يقال له في الإعادة كُنْ فَيَكُونُ و في النشأة الأولى كان نطفة ثم علقة ثم مضغة و هكذا فهذا على المخلوق أصعب و الإنشاء يكون أهون عليه و مثله يروى عن ابن عباس و أما ما يروى عن مجاهد أنه قال الإنشاء أهون عليه من الابتداء فقول مرغوب عنه لأنه تعالى لا يكون شي‏ء أهون عليه من شي‏ء.  أقول و قال شارح المقاصد فإن قيل ما معنى كون الإعادة أهون على الله تعالى و قدرته قديمة لا تتفاوت المقدورات بالنسبة إليها قلنا كون الفعل أهون تارة يكون من جهة الفاعل بزيادة شرائط الفاعلية و تارة من جهة القابل بزيادة استعداد القبول و هذا هو المراد هاهنا و أما من جهة قدرة الفاعل فالكل على السواء. و قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ أي لا يرد يوم القيامة أحد من الله يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ أي يتفرقون فيه فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَ فَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ و في قوله إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ معناه أن فعلة الإنسان من خير أو شر إن كانت مقدار حبة خردل في الوزن فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أي في حجرة عظيمة لأن الحبة فيها أخفى و أبعد من الاستخراج يَأْتِ بِهَا اللَّهُ أي يحضرها الله يوم القيامة و يجازي عليها أي يأتي بجزاء ما وازنها من خير أو شر و قيل معناه يعلمها الله فيأتي بها إذا شاء كذلك قليل العمل من خير أو شر يعلمه الله فيجازي عليه.

 و روى العياشي عن ابن مسكان عن أبي عبد الله ع قال اتقوا المحقرات من الذنوب فإن لها طالبا لا يقولن أحدكم أذنب و أستغفر الله تعالى إن الله تعالى يقول إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ الآية إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ باستخراجها خَبِيرٌ بمستقرها

و في قوله تعالى ما خَلْقُكُمْ وَ لا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ أي كخلق نفس واحدة و بعث نفس واحدة في قدرته فإنه لا يشق عليه ابتداء جميع الخلق و لا إعادتهم بعد إفنائهم قال مقاتل إن كفار قريش قالوا إن الله خلقنا أطوارا نطفة علقة مضغة لحما فكيف يبعثنا خلقا جديدا في ساعة واحدة فنزلت الآية. و في قوله أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أي غبنا في الأرض فصرنا ترابا و كل شي‏ء غلب عليه غيره حتى يغيب فيه فقد ضل و قيل معنى ضَلَلْنا هلكنا و في قوله تعالى وَ الَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أي و الذي عملوا بجهدهم و جدهم في إبطال حججنا مقدرين إعجاز ربهم و ظانين أنهم يفوتونه أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أي سيئ العذاب. و في قوله هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يعنون محمدا ص إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ  أي فرقتم كل تفريق و قطعتم كل تقطيع و أكلتكم الأرض و السباع و الطيور و الجديد المستأنف المعاد أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أي هل كذب على الله متعمدا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ أي جنون فهو يتكلم بما لا يعلم ثم رد سبحانه عليهم قولهم فقال بَلِ ليس الأمر على ما قالوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أي هؤلاء الذين لا يصدقون بالبعث و الجزاء فِي الْعَذابِ في الآخرة وَ الضَّلالِ الْبَعِيدِ من الحق في الدنيا ثم وعظهم سبحانه ليعتبروا فقال أَ فَلَمْ يَرَوْا أي أ فلم ينظر هؤلاء الكفار إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ كيف أحاطت بهم فلا يقدرون على الخروج منها أو المعنى أ فلم يتفكروا فيها فيستدلوا بذلك على قدرة الله تعالى ثم ذكر سبحانه قدرته على إهلاكهم فقال إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ كما خسفنا بقارون أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً أي قطعة مِنَ السَّماءِ تغطيهم و تهلكهم إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً أي إن فيما يرون من السماء و الأرض لدلالة على قدرة الله على البعث و على ما يشاء من الخسف بهم لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ أناب إلى الله و رجع إلى طاعته. و في قوله يَفْتَحُ بَيْنَنا أي يحكم بالحق و في قوله مِيعادُ يَوْمٍ أي يوم القيامة و قيل يوم وفاتهم و في قوله تعالى وَ آثارَهُمْ أي ما يكون له أثر أو أعمالهم التي صارت سنة بعدهم يقتدى فيها بهم حسنة كانت أم قبيحة و قيل أي نكتب خطاهم إلى المساجد و في قوله وَ إِنْ كُلٌّ لَمَّا إن نافية و لما بمعنى إلا و في قوله الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً أي جعل لكم من الشجر الرطب المطفئ للنار نارا محرقة يعني بذلك المرخ و العفار و هما شجرتان تتخذ الأعراب زنودها منهما فبين سبحانه أن من قدر على أن يجعل في الشجر الذي هو في غاية الرطوبة نارا حامية مع مضادة النار للرطوبة حتى إذا احتاج الإنسان حك بعضه ببعض فيخرج منه النار و ينقدح قدر أيضا على الإعادة و تقول العرب في كل شجر نار و استمجد المرخ و العفار. و قال الكلبي كل شجر تنقدح منه النار إلا العناب و قال في سبب نزول الآيات قيل إن أبي بن خلف أو العاص بن وائل جاء بعظم بال متفتت و قال يا

   محمد أ تزعم أن الله يبعث هذا فقال نعم فنزلت و المروي عن الصادق ع أنه كان أبي بن خلف. و قال الرازي في تفسير هذه الآيات أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ و هو أتم نعمه فإن سائر النعم بعد وجوده و قوله مِنْ نُطْفَةٍ إشارة إلى وجه الدلالة و ذلك لأن خلقه لو كان من أشياء مختلفة الصور كان يمكن أن يقال العظم خلق من جنس صلب و اللحم من جنس رخو و كذلك الحال في كل عضو و لما كان خلقه من نطفة متشابهة الأجزاء و هو مختلف الصور دل على الاختيار و القدرة و إلى هذا أشار بقوله تعالى يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ و قوله فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ فيه لطيفة غريبة و هي أنه تعالى قال اختلاف صور أعضائه مع تشابه أجزاء ما خلق منه آية ظاهرة و مع هذا فهنالك ما هو أظهر و هو نطقه و فهمه و ذلك لأن النطفة جسم فهب أن جاهلا يقول إنه استحال و تكون جسما آخر لكن القوة الناطقة و القوة الفاهمة من أين تقتضيها النطفة فإبداع النطق و الفهم أعجب و أغرب من إبداع الخلق و الجسم و هو إلى إدراك القدرة و الاختيار منه أقرب فقوله خَصِيمٌ أي ناطق و إنما ذكر الخصيم مكان الناطق لأنه أعلى أحوال الناطق فإن الناطق مع نفسه لا يبين كلامه مثل ما يبينه و هو يتكلم مع غيره و المتكلم مع غيره إذا لم يكن خصيما لا يبين و لا يجتهد مثل ما يجتهد إذا كان كلامه مع خصمه و قوله مُبِينٌ إشارة إلى قوة عقله و اختيار الإبانة فإن العاقل عند الإفهام أعلى درجة منه عند عدمه لأن المبين بأن عنده الشي‏ء ثم أبانه فقوله تعالى مِنْ نُطْفَةٍ إشارة إلى أدنى ما كان عليه و قوله خَصِيمٌ مُبِينٌ إشارة إلى أعلى ما حصل عليه ثم قوله تعالى وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَ نَسِيَ خَلْقَهُ إشارة إلى بيان الحشر و في هذه الآيات إلى آخر السورة غرائب و عجائب نذكرها بقدر الإمكان إن شاء الله تعالى فنقول المنكرون للحشر منهم من لم يذكر فيه دليلا و لا شبهة و اكتفى بالاستبعاد و ادعى الضرورة و هم الأكثرون و يدل عليه قوله تعالى حكاية عنهم في كثير من المواضع بلفظ الاستبعاد كما قال وَ قالُوا أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَ إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ

   أَ إِذا مِتْنا وَ كُنَّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنَّا لَمَدِينُونَ إلى غير ذلك فكذا هاهنا قال مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ على طريق الاستبعاد فبدأ أولا بإبطال استبعادهم بقوله نَسِيَ خَلْقَهُ أي أ نسي أنا خلقناه من تراب و من نطفة متشابهة الأجزاء ثم جعلنا لهم من النواصي إلى الأقدام أعضاء مختلفة الصور و القوام و ما اكتفينا بذلك حتى أودعناهم ما ليس من قبيل هذه الأجرام و هو النطق و العقل اللذين بهما استحقوا الإكرام فإن كانوا يقنعون بمجرد الاستبعاد فهلا يستبعدون إعادة النطق و العقل إلى محل كانا فيه ثم إن استبعادهم كان من جهة ما في المعاد من التفتت و التفرق حيث قالوا مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ اختاروا العظم للذكر لأنه أبعد عن الحياة لعدم الإحساس فيه و وصفوه بما يقوي جانب الاستبعاد من البلى و التفتت و الله تعالى دفع استبعادهم من جهة ما في المعيد من العلم و القدرة فقال ضَرَبَ لَنا مَثَلًا أي جعل قدرتنا كقدرتهم وَ نَسِيَ خَلْقَهُ العجيب و بدأه الغريب و منهم من ذكر شبهة و إن كان آخرها يعود إلى مجرد الاستبعاد و هي على وجهين أحدهما أنه بعد العدم لم يبق شي‏ء فكيف يصح على العدم الحكم بالوجود و أجاب عن هذه الشبهة بقوله تعالى الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ يعني كما خلق الإنسان و لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً كذلك يعيده و إن لم يكن شيئا مذكورا. و ثانيهما أن من تفرق أجزاؤه في مشارق الأرض و مغاربها و صار بعضه في أبدان السباع و بعضه في جدران الرباع كيف يجمع و أبعد من هذا هو أن إنسانا إذا أكل إنسانا و صار أجزاء المأكول في أجزاء الآكل فإن أعيد فأجزاء المأكول إما أن تعاد إلى بدن الآكل فلا يبقى للمأكول أجزاء يخلق منها أعضاء و إما أن يعاد إلى بدن المأكول منه فلا يبقى للآكل أجزاء فقال تعالى في إبطال هذه الشبهة وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ و وجهه أن في الآكل أجزاء أصلية و أجزاء فضلية و في المأكول كذلك فإذا أكل إنسان إنسانا صار الأصلي من أجزاء المأكول فضليا من أجزاء الآكل و الأجزاء الأصلية للآكل هي ما كان له قبل الأكل وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ يعلم الأصلي من الفضلي فيجمع الأجزاء الأصيلة للآكل و ينفخ فيها روحه و يجمع الأجزاء الأصلية للمأكول و

   ينفخ فيها روحه و كذلك يجمع الأجزاء المتفرقة في البقاع المتبددة في الأصقاع بحكمته الشاملة و قدرته الكاملة ثم إنه تعالى عاد إلى تقرير ما تقدم من دفع استبعادهم و إبطال إنكارهم و عنادهم فقال الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً و وجهه هو أن الإنسان مشتمل على جسم يحس به و حياة سارية فيه و هو الحرارة جارية فيه فإن استبعدتم وجود حرارة و حياة فيه فلا تستبعدوه فإن النار في الشجر الأخضر الذي يقطر منه الماء أعجب و أغرب و أنتم تحضرون حيث منه توقدون و إن استبعدتم خلق جسمه فخلق السماوات و الأرض أكبر من خلق أنفسكم فلا تستبعدوه فإن الله خلق السماوات و الأرض فبان لطف قوله تعالى الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ و قوله أَ وَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ و قد ذكر النار في الشجر على ذكر الخلق الأكبر لأن استبعادهم كان بالصريح واقعا على الإحياء حيث قالوا مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ و لم يقولوا من يجمعها و يؤلفها و النار في الشجر مناسب الحياة و قوله الْخَلَّاقُ إشارة إلى أنه في القدرة كامل و قوله الْعَلِيمُ إشارة إلى أنه بعلمه شامل ثم أكد بيانه بقوله إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ هذا إظهار فساد تمثيلهم و تشبيههم و ضرب مثلهم حيث ضربوا لله مثلا و قالوا لا يقدر أحد على مثل هذا قياسا للغائب على الشاهد فقال في الشاهد الخلق يكون بالآلات البدنية و الانتقالات المكانية فلا تقع إلا في الأزمنة الممتدة و الله يخلق بكن فيكون انتهى. و قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى وَ أَنْتُمْ داخِرُونَ أي صاغرون أشد الصغار ثم ذكر أن بعثهم يقع بزجرة واحدة فقال فَإِنَّما هِيَ أي إنما قصة البعث زَجْرَةٌ واحِدَةٌ أي صيحة واحدة من إسرافيل يعني نفخة البعث و الزجرة الصرفة عن الشي‏ء بالمخافة فكأنهم زجروا عن الحال التي هم فيها إلى المحشر فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ إلى البعث الذي كذبوا به و قيل فإذا هم أحياء ينتظرون ما ينزل بهم من العذاب وَ قالُوا أي و يقولون معترفين بالعصيان يا وَيْلَنا من العذاب و هو كلمة يقولها القائل عند الوقوع في الهلكة هذا يَوْمُ الدِّينِ أي يوم الحساب أو يوم الجزاء

   هذا يَوْمُ الْفَصْلِ بين الخلائق و الحكم و تمييز الحق من الباطل و هذا كلام بعضهم لبعض و قيل بل هو كلام الملائكة و في قوله تعالى خاشِعَةً أي غبراء دارسة متهشمة أي كان حالها حال الخاضع المتواضع و قيل ميتة يابسة لا نبات فيها و في قوله وَ لَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي أي لست على يقين من البعث فإن كان الأمر على ذلك و رددت إلى ربي إِنَّ لِي عِنْدَهُ الحالة الحسنى أو المنزلة الحسنى و هي الجنة سيعطيني في الآخرة مثل ما أعطاني في الدنيا و في قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ أي يدخلهم المرية و الشك فِي السَّاعَةِ فيخاصمون في مجيئها على وجه الإنكار لها. و في قوله نَمُوتُ وَ نَحْيا قال فيه أقوال أحدها أن تقديره نحيا و نموت فقدم و أخر و الثاني أن معناه نموت و تحيا أولادنا و الثالث يموت بعضنا و يحيا بعضنا. أقول و قال البيضاوي أي نكون أمواتا نطفا و ما قبلها و نحيا بعد ذلك و يحتمل أنهم أرادوا به التناسخ فإنه عقيدة أكثر عبدة الأوثان وَ ما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ أي مرور الزمان. و قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا و إنما لم يجبهم الله تعالى إلى ذلك لأنهم قالوا ذلك متعنتين مقترحين لا طالبين الرشد و في قوله وَ إِذا حُشِرَ النَّاسُ أي إذا قامت القيامة صارت آلهتهم التي عبدوها أعداء لهم وَ كانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ يعني أن الأوثان ينطقهم الله حتى يجحدوا أن يكونوا دعوا إلى عبادتها و يكفروا بعبادة الكفار لهم و في قوله وَ قَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي أي مضت الأمم و ماتوا قبلي فما أخرجوا و لا أعيدوا و قيل معناه خلت القرون على هذا المذهب ينكرون البعث وَ هُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ أي يستصرخان الله و يطلبان منه الغوث ليلطف له بما يؤمن عنده و يقولان له وَيْلَكَ آمِنْ بالقيامة و بما يقوله محمد ص إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ بالبعث و النشور و الثواب و العقاب حَقٌّ فَيَقُولُ في جوابهما ما هذا القرآن و ما تدعونني إليه إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ أي كلمة العذاب فِي أُمَمٍ أي مع أمم مضوا على مثل حالهم و اعتقادهم وَ لِكُلٍّ من المؤمنين و الكافرين   دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا أي على مراتبهم و مقادير أعمالهم فدرجات الأبرار في عليين و درجات الفجار دركات في سجين و قيل معناه لكل مطيع درجات ثواب و إن تفاضلوا في مقاديرها. و في قوله وَ لا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ أي العذاب لأنه كائن واقع بهم عن قريب كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ أي من العذاب في الآخرة لَمْ يَلْبَثُوا في الدنيا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ أي إذا عاينوا العذاب صار طول لبثهم في الدنيا و البرزخ كأنه ساعة من النهار لأن ما مضى كأن لم يكن و إن كان طويلا. و في قوله ذلِكَ أي ذلك الرد الذي يقولون رَجْعٌ بَعِيدٌ أي رد بعيد عن الأوهام و إعادة بعيدة عن الكون و المعنى أنه لا يكون ذلك لأنه غير ممكن ثم قال سبحانه قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ أي ما تأكل الأرض من لحومهم و دمائهم و تبليه من عظامهم فلا يتعذر علينا ردهم وَ عِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ أي حافظ لعدتهم و أسمائهم و هو اللوح المحفوظ لا يشذ عنه شي‏ء و قيل حفيظ أي محفوظ عن البلى و الدروس و هو كتاب الحفظة الذين يكتبون أعمالهم بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ و الحق هو القرآن و قيل هو الرسول فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ أي مختلط فمرة قالوا مجنون و تارة قالوا ساحر و تارة قالوا شاعر فتحيروا في أمره لجهلهم بحاله. قوله مِنْ فُرُوجٍ أي شقوق و فتوق و قيل معناه ليس فيها تفاوت و اختلاف قوله تعالى مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ أي من كل صنف حسن المنظر و قوله وَ حَبَّ الْحَصِيدِ أي حب البر و الشعير و كل ما يحصد وَ النَّخْلَ باسِقاتٍ أي طويلات عاليات لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ أي نضد بعضه على بعض و في قوله أَ فَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ أي أ فعجزنا حين خلقناهم أولا و لم يكونوا شيئا فكيف نعجز عن بعثهم و إعادتهم بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ أي بل هم في ضلال و شك من إعادة الخلق جديدا. و قال البيضاوي في قوله تعالى وَ الذَّارِياتِ ذَرْواً يعني الرياح تذرو التراب أو غيره أو النساء الولودات فإنهن يذرين الأولاد أو الأسباب التي تذري الخلائق من الملائكة و غيرها فَالْحامِلاتِ وِقْراً فالسحب الحاملة للأمطار أو الرياح الحاملة

   للسحاب أو النساء الحوامل و أسباب ذلك فَالْجارِياتِ يُسْراً فالسفن الجارية في البحر سهلا أو الرياح الجارية في مهابها أو الكواكب التي تجري في منازلها و يسرا صفة مصدر محذوف أي جريا ذا يسر فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً فالملائكة التي تقسم الأمور من الأمطار و الأرزاق و غيرها أو ما يعمهم و غيرها من أسباب القسمة أو الرياح تقسم الأمطار بتصريف السحاب إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ وَ إِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ جواب للقسم كأنه استدل باقتداره على هذه الأشياء العجيبة المخالفة لمقتضى الطبيعة على اقتداره على البعث الموعود و ما موصولة أو مصدرية و الدين الجزاء و الواقع الحاصل وَ السَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ ذات الطرائق و المراد إما الطرائق المحسوسة التي هي مسير الكواكب أو المعقولة التي يسلكها النظار و يتوصل بها إلى المعارف أو النجوم فإن لها طرائق أو أنها تزينها كما يزين الموشي طرائق الوشي إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ في الرسول و هو قولهم تارة إنه شاعر و تارة إنه ساحر و تارة إنه مجنون أو في القرآن أو القيامة أو أمر الديانة يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ يصرف عن الرسول أو الإيمان أو القرآن من صرف إذ لا صرف أشد منه فكأنه لا صرف بالنسبة إليه أو يصرف من صرف في علم الله و قضائه و يجوز أن يكون الضمير للقول على معنى يصدر إفك من أفك عن القول المختلف و بسببه قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ الكذابون من أصحاب القول المختلف و أصله الدعاء بالقتل أجري مجرى اللعن الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ في جهل يغمرهم ساهُونَ غافلون عما أمروا به يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ أي فيقولون متى يوم الجزاء أي وقوعه يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ يحرقون فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً أي للذين ظلموا رسول الله ص بالتكذيب نصيبا من العذاب مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ مثل نصيب نظرائهم من الأمم السابقة و هو مأخوذ من مقاسمة السقاة الماء بالدلاء فإن الذنوب هو الدلو العظيم المملوء فَلا يَسْتَعْجِلُونِ جواب لقولهم مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ أي من القيامة أو يوم بدر. و قال في قوله تعالى وَ الطُّورِ يريد طور سينين أو ما طار من أوج الإيجاد إلى حضيض المواد أو من عالم الغيب إلى عالم الشهادة وَ كِتابٍ مَسْطُورٍ مكتوب

   و المراد به القرآن أو ما كتبه الله تعالى في اللوح المحفوظ أو ألواح موسى ع أو في قلوب أوليائه من المعارف و الحكم أو ما تكتبه الحفظة فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ الرق الجلد الذي يكتب فيه استعير لما كتب فيه الكتاب وَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ يعني الكعبة و عمارتها بالحجاج و المجاورين أو الضراح و هو في السماء الرابعة و عمرانه بكثرة غاشيته من الملائكة أو قلب المؤمن و عمارته بالمعرفة و الإخلاص وَ السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ يعني السماء وَ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ أي المملوء و هو المحيط أو الموقد روي أن الله تعالى يجعل يوم القيامة البحار نارا يسجر بها جهنم أو المختلط إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ لنازل ما لَهُ مِنْ دافِعٍ يدفعه و وجه دلالة هذه الأمور المقسم بها على ذلك أنها أمور تدل على كمال قدرة الله و حكمته و صدق اختياره و ضبط أعمال العباد للمجازاة يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً أي تضطرب و المور تردد في المجي‏ء و الذهاب و قيل تحرك في تموج تَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً أي تسير عن وجه الأرض فتصير هباء فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ أي إذا وقع ذلك فويل لهم الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ أي في الخوض في الباطل و في قوله ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى أي يجزى العبد سعيه بالجزاء الأوفر فنصب بنزع الخافض و يجوز أن يكون مصدرا و أن يكون الهاء للجزاء المدلول عليه بيجزى و الجزاء بدله. و قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى وَ ما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ أي و ما أمرنا بمجي‏ء الساعة في السرعة إلا كطرف البصر و المعنى إذا أردنا قيام الساعة أعدنا الخلق و جميع الحيوانات في قدر لمح البصر في السرعة و قيل معناه و ما أمرنا إذا أردنا أن نكون شيئا إلا مرة واحدة لم نحتج فيه إلى ثانية إنما نقول له كن فيكون كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ في سرعته من غير إبطاء و لا تأخير. و في قوله تعالى سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ أي سنقصد لحسابكم أيها الجن و الإنس عن الزجاج قال و الفراغ في اللغة على ضربين أحدهما القصد للشي‏ء و الآخر الفراغ من شغل و الله لا يشغله شأن عن شأن و قيل معناه سنعمل عمل من  يفرغ للعمل فيجوده من غير تضجيع فيه و قيل سنفرغ لكم من الوعيد بتقضي أيامكم المتوعد فيها فشبه ذلك بمن فرغ من شي‏ء و أخذ في آخر. و قال البيضاوي إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ أي إلى ما وقت به الدنيا و حد من يوم معين عند الله معلوم له و في قوله قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ يعني عامة الكفار أو اليهود قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ لكفرهم بها أو لعلمهم بأنه لا حظ لهم فيها لعنادهم الرسول المنعوت في التوراة المؤيد بالآيات كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ أن يبعثوا أو يثابوا أو ينالهم خير منهم و على الأول وضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على أن الكفر آيسهم. و قال الطبرسي رحمه الله أي كما يئس الكفار الذين ماتوا و صاروا في القبور من أن يكون لهم في الآخرة حظ و قيل يريد بالكفار هاهنا الذين يدفنون الموتى أي كما يئس الذين دفنوا الموتى منهم. و قال في قوله لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ قيل إن لا زائدة و معناه أقسم و قيل إن لا رد على الذين أنكروا البعث و النشور فكأنه قال لا كما تظنون ثم ابتدأ القسم و قيل أي لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ لظهورها بالدلائل العقلية و السمعية أو لا أقسم بها فإنكم لا تقرون بها. و قال البيضاوي إدخال لاء النافية على فعل القسم للتأكيد شائع في كلامهم وَ لا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ أي بالنفس المتقية التي تلوم النفوس المقصرة في التقوى يوم القيامة على تقصيرهن أو التي تلوم نفسها أبدا و إن اجتهدت في الطاعة أو النفس المطمئنة اللائمة للنفس الأمارة أو بالجنس

 لما روي أنه ص قال ليس من نفس برة و لا فاجرة إلا و تلوم نفسها يوم القيامة إن عملت خيرا كيف لم أزد و إن عملت شرا قالت ليتني كنت قصرت

أو نفس آدم فإنها لم تزل تتلوم على ما خرجت به من الجنة أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ يعني الجنس و إسناد الفعل إليه لأن فيهم من يحسب أو الذي نزل فيه و هو عدي بن ربيعة سأل رسول الله ص عن أمر القيامة فأخبره به فقال لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك أو يجمع الله هذه العظام أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ  بعد تفرقها بَلى نجمعها قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ نجمع سلامياته و نضم بعضها إلى بعض كما كانت مع صغرها و لطافتها فكيف بكبار العظام أو عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ الذي هو أطرافه فكيف بغيرها بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ ليدوم على فجوره فيما يستقبله من الزمان يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ متى يكون استبعادا و استهزاء. و في قوله تعالى أَنْ يُتْرَكَ سُدىً أي مهملا لا يكلف و لا يجازى و في قوله كانَ شَرُّهُ أي شدائده مُسْتَطِيراً فاشيا منتشرا غاية الانتشار من استطار الحريق و الفجر و في قوله تعالى وَ الْمُرْسَلاتِ عُرْفاً قال أقسم بطوائف من الملائكة أرسلهن الله بأوامره متتابعة فعصفن عصف الرياح في امتثال أمره و نشرن الشرائع في الأرض أو نشرن النفوس الموتى بالجهل بما أوحين من العلم ففرقن بين الحق و الباطل فألقين إلى الأنبياء ذِكْراً عُذْراً للمحقين و نُذْراً للمبطلين أو بآيات القرآن المرسلة بكل عرف إلى محمد ص فعصفن سائر الكتب و الأديان بالنسخ و نشرن آثار الهدى و الحكم في الشرق و الغرب و فرقن بين الحق و الباطل فألقين ذكر الحق فيما بين العالمين أو بالنفوس الكاملة المرسلة إلى الأبدان لاستكمالها فعصفن ما سوى الحق و نشرن أثر ذلك في جميع الأجزاء ففرقن بين الحق بذاته و الباطل بنفسه فيرون كل شي‏ء هالكا إلا وجهه فألقين ذكرا بحيث لا يكون في القلوب و الألسنة إلا ذكر الله أو برياح عذاب أرسلن فعصفن و رياح رحمة نشرن السحاب في الجو ففرقن فألقين ذكرا أي تسببن له فإن العاقل إذا شاهد هبوبها و آثارها ذكر الله تعالى و يذكر كمال قدرته و عرفا إما نقيض النكر و انتصابه على العلة أي أرسلن للإحسان و المعروف أو بمعنى المتتابعة من عرف الفرس و انتصابه على الحال عُذْراً أَوْ نُذْراً مصدران لعذر إذا محا الإساءة و أنذر إذا خوف أو جمعان لعذير بمعنى المعذرة و نذير بمعنى الإنذار أو بمعنى العاذر و المنذر و نصبهما على الأولين بالعلية أي عذرا للمحقين و نذرا للمبطلين أو البدلية من ذكرا على أن المراد به الوحي أو ما يعم التوحيد و الشرك و الإيمان و الكفر و على الثالث بالحالية إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ جواب القسم و معناه أن الذي توعدونه من مجي‏ء القيامة كائن لا محالة.

   و في قوله تعالى عَمَّ يَتَساءَلُونَ أصله عما فحذف الألف و معنى هذا الاستفهام تفخيم شأن ما يتساءلون عنه كأنه لفخامته خفي جنسه فيسأل عنه و الضمير لأهل مكة كانوا يتساءلون عن البعث فيما بينهم أو يسألون الرسول ص و المؤمنين عنه استهزاء عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ بيان للشأن المفخم أو صلة يتساءلون و عم متعلق بمضمر مفسر به الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ بجزم النفي و الشك فيه أو بالإقرار و الإنكار كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ردع عن التساؤل و وعيد عليه ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ تكرير للمبالغة و ثم للإشعار بأن الوعيد الثاني أشد و قيل الأول عند النزع و الثاني في القيامة أو الأول للبعث و الثاني للجزاء. و في قوله تعالى وَ النَّازِعاتِ غَرْقاً هذه صفات ملائكة الموت فإنهم ينزعون أرواح الكفار من أبدانهم غرقا أي إغراقا في النزع فإنهم ينزعونها من أقاصي الأبدان أو نفوسا غرقة في الأجساد و ينشطون أي يخرجون أرواح المؤمنين برفق من نشط الدلو من البئر إذا أخرجها و يسبحون في إخراجها سبح الغواص الذي يخرج الشي‏ء من أعماق البحر فيسبقون بأرواح الكفار إلى النار و بأرواح المؤمنين إلى الجنة فيدبرون أمر عقابها و ثوابها بأن يهيئوها لإدراك ما أعد لها من الآلام و اللذات أو الأوليان لهم و الباقيات لطوائف من الملائكة يسبحون في مضيها أي يسرعون فيه فيسبقون إلى ما أمروا به فيدبرون أمره أو صفات النجوم فإنها تنزع من المشرق إلى المغرب غرقا في النزع بأن تقطع الفلك حتى تنحط في أقصى المغرب و تنشط من برج إلى برج أي تخرج من نشط الثور إذا خرج من بلد إلى بلد و يسبحون في الفلك فيسبق بعضها في السير لكونه أسرع حركة فتدبر أمرا نيط بها كاختلاف الفصول و تقدير الأزمنة و ظهور مواقيت العبادات و لما كانت حركتها من المشرق إلى المغرب قسرية و حركاتها من برج إلى برج ملائمة سمي الأولى نزعا و الثانية نشطا أو صفات النفوس الفاضلة حال المفارقة فإنها تنزع عن الأبدان غرقا أي نزعا شديدا من إغراق النازع في القوس فتنشط إلى عالم الملكوت و تسبح فيها فتسبق إلى حظائر القدس فتصير لشرفها و قوتها من المدبرات أو حال سلوكها فإنها تنزع عن الشهوات و تنشط إلى عالم القدس فتسبح

   في مراتب الارتقاء فتسبق إلى الكمالات حتى تصير من المكملات أو صفات أنفس الغزاة أو أيديهم تنزع القسي بإغراق السهام و ينشطون بالسهم للرمي و يسبحون في البر و البحر فيسبقون إلى حرب العدو فيدبرون أمرها أو صفات خيلهم فإنها تنزع في أعنتها نزعا تغرق فيه الأعنة لطول أعناقها و تخرج من دار الإسلام إلى دار الكفر و تسبح في جريها فتسبق إلى العدو فتدبر أمر الظفر أقسم الله بها على قيام الساعة و إنما حذف لدلالة ما بعده عليه يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ و هو منصوب به و المراد بالراجفة الأجرام الساكنة التي تشتد حركتها حينئذ كالأرض و الجبال لقوله يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ أو الواقعة التي ترجف الأجرام عندها و هي النفخة الأولى تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ التابعة و هي السماء و الكواكب تنشق و تنتثر أو النفخة الثانية و الجملة في موقع الحال قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ شديدة الاضطراب من الوجيف و هي صفة لقلوب و الخبر أَبْصارُها خاشِعَةٌ أي أبصار أصحابها ذليلة من الخوف و لذلك أضافها إلى القلوب يَقُولُونَ أَ إِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ في الحالة الأولى يعنون الحياة بعد الموت من قولهم رجع فلان في حافرته أي طريقه التي جاء فيها فحفرها أي أثر فيها بمشيه على النسبة كقوله عِيشَةٍ راضِيَةٍ أَ إِذا كُنَّا عِظاماً ناخرة أي بالية أو نَخِرَةً و هي أبلغ قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ ذات خسران أو خاسر أصحابها و المعنى أنها إن صحت فنحن إذا خاسرون لتكذيبنا بها و هو استهزاء منهم فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ متعلق بمحذوف أي لا يستصعبوها فما هي إلا صيحة واحدة يعني النفخة الثانية فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ فإذا هم أحياء على وجه الأرض بعد ما كانوا أمواتا في بطنها و الساهرة الأرض البيضاء المستوية و قيل اسم جهنم. و في قوله تعالى يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ أي تتعرف و تميز بين ما طاب من الضمائر و ما خفي من الأعمال و ما خبث منها فَما لَهُ للإنسان مِنْ قُوَّةٍ من منعه في نفسه يمتنع بها وَ لا ناصِرٍ يمنعه. و في قوله تعالى فَما يُكَذِّبُكَ أي فأي شي‏ء يكذبك يا محمد دلالة أو نطقا بَعْدُ بِالدِّينِ بالجزاء بعد ظهور هذه الدلائل و قيل ما بمعنى من و قيل الخطاب للإنسان على الالتفات و المعنى فما الذي يحملك على هذا التكذيب أَ لَيْسَ اللَّهُ  بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ تحقيق لما سبق و المعنى أ ليس الذي فعل ذلك من الخلق و الرد بأحكم الحاكمين صنعا و تدبيرا و من كان كذلك كان قادرا على الإعادة و الجزاء و قال الرجعى مصدر كالبشرى. و في قوله تعالى أَ فَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ أي بعث ما فِي الْقُبُورِ من الموتى وَ حُصِّلَ جمع محصلا في الصحف أو ميز ما فِي الصُّدُورِ من خير أو شر و تخصيصه لأنه الأصل إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ يوم القيامة لَخَبِيرٌ عالم بما أعلنوا و ما أسروا فيجازيهم. و في قوله تعالى أَ رَأَيْتَ استفهام معناه التعجب الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ بالجزاء أو الإسلام

 1-  لي، ]الأمالي للصدوق[ الهمداني عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل عن الصادق جعفر بن محمد ع قال إذا أراد الله عز و جل أن يبعث الخلق أمطر السماء أربعين صباحا فاجتمعت الأوصال و نبتت اللحوم

 ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ ابن أبي عمير مثله

 2-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن عبد الله بن أبي شيخ إجازة عن محمد بن أحمد الحكمي عن عبد الرحمن بن عبد الله البصري عن وهب بن جرير عن أبيه عن محمد بن إسحاق بن بشار عن سعيد بن مينا عن غير واحد من أصحابه أن نفرا من قريش اعترضوا الرسول ص منهم عتبة بن ربيعة و أمية بن خلف و الوليد بن المغيرة و العاص بن سعيد فقالوا يا محمد هلم فلنعبد ما تعبد و تعبد ما نعبد فنشترك نحن و أنت في الأمر فإن يكن الذي نحن عليه الحق فقد أخذت بحظك منه و إن يكن الذي أنت عليه الحق فقد أخذنا بحظنا منه فأنزل الله تبارك و تعالى قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما  تَعْبُدُونَ وَ لا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ إلى آخر السورة ثم مشى أبي بن خلف بعظم رميم ففته في يده ثم نفخه و قال أ تزعم أن ربك يحيي هذا بعد ما ترى فأنزل الله تعالى وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَ نَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ إلى آخر السورة

 3-  فس، ]تفسير القمي[ أبي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن هارون بن خارجة عن أبي عبد الله ع في خبر طويل يذكر فيه قصة بخت‏نصر أنه لما قتل ما قتل من بني إسرائيل خرج إرميا على حمار و معه تين قد تزوده و شي‏ء من عصير فنظر إلى سباع البر و سباع البحر و سباع الجو تأكل تلك الجيف ففكر في نفسه ساعة ثم قال أنى يحيي الله هؤلاء و قد أكلتهم السباع فأماته الله مكانه و هو قول الله تبارك و تعالى أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ أي أحياه فلما رحم الله بني إسرائيل و أهلك بخت‏نصر رد بني إسرائيل إلى الدنيا و كان عزير لما سلط الله بخت‏نصر على بني إسرائيل هرب و دخل في عين و غاب فيها و بقي إرميا ميتا مائة سنة ثم أحياه الله فأول ما أحيا منه عينيه في مثل غرقئ البيض فنظر فأوحى الله تعالى إليه كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً ثم نظر إلى الشمس قد ارتفعت فقال أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فقال الله تبارك و تعالى بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَ شَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ أي لم يتغير وَ انْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَ لِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَ انْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فجعل ينظر إلى العظام البالية المنفطرة تجتمع إليه و إلى اللحم الذي قد أكلته السباع يتألف إلى العظام من هاهنا و هاهنا و يلتزق بها حتى قام و قام حماره فقال أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ

 بيان الغرقئ كزبرج القشرة الملتزقة ببياض البيض أو البياض الذي يؤكل و قال الطبرسي رحمه الله أَوْ كَالَّذِي مَرَّ أي أو هل رأيت كالذي مر عَلى قَرْيَةٍ و هو عزير عن قتادة و عكرمة و السدي و هو المروي عن أبي عبد الله ع و قيل هو إرميا عن وهب و هو المروي عن أبي جعفر ع و قيل هو الخضر عن ابن إسحاق و القرية التي مر عليها هي بيت المقدس لما خربه بخت‏نصر و قيل هي الأرض المقدسة  و قيل هي القرية التي خرج منها الألوف حذر الموت وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها أي خالية و قيل خراب و قيل ساقطة على أبنيتها و سقوفها كان السقوف سقطت و وقع البنيان عليها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها أي كيف يعمر الله هذه القرية بعد خرابها و قيل كيف يحيي الله أهلها بعد ما ماتوا و لم يقل ذلك إنكارا و لا تعجبا و لا ارتيابا و لكنه أحب أن يريه الله إحياءها مشاهدة فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ أي أحياه قالَ كَمْ لَبِثْتَ في التفسير أنه سمع نداء من السماء كم لبثت يعني في مبيتك و منامك و قيل إن القائل نبي و قيل ملك و قيل بعض المعمرين ممن شاهده عند موته و إحيائه قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ لأن الله تعالى أماته في أول النهار و أحياه بعد مائة سنة في آخر النهار فقال يَوْماً ثم التفت فرأى بقية من الشمس فقال أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ثم قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَ شَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ أي لم تغيره السنون و إنما قال لَمْ يَتَسَنَّهْ على الواحد لأنه أراد جنس الطعام و الشراب و قيل أراد به الشراب لأنه أقرب و قيل أراد عصيرا و تينا و عنبا و هذه الثلاثة أسرع الأشياء تغيرا و فسادا فوجد العصير حلوا و التين و العنب كما جنيا لم يتغير وَ انْظُرْ إِلى حِمارِكَ كيف تفرقت أجزاؤه و تبددت عظامه ثم انظر كيف يحييه الله و إنما قال ذلك له ليستدل بذلك على طول مماته وَ لِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ فعلنا ذلك و قيل معناه فعلنا ذلك إجابة لك إلى ما أردت وَ لِنَجْعَلَكَ آيَةً أي حجة لِلنَّاسِ في البعث وَ انْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها كيف نحييها و بالزاي كيف نرفعها من الأرض فنردها إلى أماكنها من الجسد و نركب بعضها إلى بعض ثُمَّ نَكْسُوها أي نلبسها لَحْماً و اختلف فيه فقيل أراد عظام حماره و قيل أراد عظامه قالوا أول ما أحيا الله منه عينه و هو مثل غرقئ البيض فجعل ينظر إلى العظام البالية المتفرقة تجتمع إليه و إلى اللحم الذي قد أكلته السباع تتألف إلى العظام من هاهنا و من هاهنا و تلتزم و تلتزق بها حتى قام و قام حماره فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أي ظهر و علم قالَ أَعْلَمُ أي أيقن أَنَّ اللَّهَ عَلى  كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ أي لم أقل ما قلت عن شك و ارتياب و يحتمل أنه إنما قال ذلك لأنه ازداد لما عاين و شاهد يقينا و علما إذ كان قبل ذلك علمه علم استدلال فصار علمه ضرورة و معاينة انتهى. أقول سيأتي تفصيل هذه القصة و ما سيأتي من قصة إبراهيم ع في كتاب النبوة مع سائر ما يتعلق بهما من الأخبار

 4-  فس، ]تفسير القمي[ وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ الآية حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن أبي أيوب عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع أن إبراهيم ع نظر إلى جيفة على ساحل البحر تأكلها سباع البر و سباع البحر ثم يثب السباع بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا فتعجب إبراهيم فقال رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى فقال الله له أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فأخذ إبراهيم صلوات الله عليه الطاوس و الديك و الحمام و الغراب قال الله عز و جل فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ أي قطعهن ثم اخلط لحماتهن و فرقها على كل عشرة جبال ثم خذ مناقيرهن و ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً ففعل إبراهيم ذلك و فرقهن على عشرة جبال ثم دعاهن فقال أجيبيني بإذن الله تعالى فكانت يجتمع و يتألف لحم كل واحد و عظمه إلى رأسه و طارت إلى إبراهيم فعند ذلك قال إبراهيم أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

 بيان يظهر من هذا الخبر و غيره من الأخبار أن إبراهيم ع أراد بهذا السؤال أن يظهر للناس جواب شبهة تمسك بها الملاحدة المنكرون للمعاد حيث قالوا  لو أكل إنسان إنسانا و صار غذاء له جزءا من بدنه فالأجزاء المأكولة إما أن تعاد في بدن الآكل أو في بدن المأكول و أيا ما كان لا يكون أحدهما بعينه معادا بتمامه على أنه لا أولوية لجعلها جزءا من أحدهما دون الآخر و لا سبيل إلى جعلها جزءا من كل منهما و أيضا إذا كان الآكل كافرا و المأكول مؤمنا يلزم تنعيم الأجزاء العاصية أو تعذيب الأجزاء المطيعة. و أجيب بأنا نعني بالحشر إعادة الأجزاء الأصلية الباقية من أول العمر إلى آخره لا الحاصلة بالتغذية فالمعاد من كل من الآكل و المأكول الأجزاء الأصلية الحاصلة في أول الفطرة من غير لزوم فساد ثم أوردوا على ذلك بأنه يجوز أن تصير تلك الأجزاء الأصلية في المأكول الفضلية في الآكل نطفة و أجزاء أصلية لبدن آخر و يعود المحذور. و أجيب بأنه لعل الله يحفظها من أن تصير جزءا لبدن آخر فضلا عن أن تصير جزءا أصليا و تلك الأخبار تدل على أن ما في الآية الكريمة إشارة إلى هذا الكلام أي أنه تعالى يحفظ أجزاء المأكول في بدن الآكل و يعود في الحشر إلى بدن المأكول كما أخرج تلك الأجزاء المختلطة و الأعضاء الممتزجة من تلك الطيور و ميز بينها ثم قوله تعالى فَصُرْهُنَّ قيل هو مأخوذ من صاره يصوره إذا أماله ففي الكلام تقدير أي أملهن و ضمهن إليك و قطعهن ثم اجعل و قال ابن عباس و ابن جبير و الحسن و مجاهد صرهن إليك معناه قطعهن يقال صار الشي‏ء يصوره صورا إذا قطعه و ظاهر قوله ع فقطعهن أنه تفسير لقوله تعالى فَصُرْهُنَّ و يحتمل أن يكون بيانا لحاصل المعنى فلا ينافي الأول و أما سبب سؤال إبراهيم ع و سائر ما يتعلق بهذه القصة فسيأتي في كتاب النبوة

 5-  ج، ]الإحتجاج[ عن هشام بن الحكم أنه قال الزنديق للصادق ع أنى للروح بالبعث و البدن قد بلي و الأعضاء قد تفرقت فعضو في بلدة تأكلها سباعها و عضو بأخرى تمزقه هوامها و عضو قد صار ترابا بني به مع الطين حائط قال إن الذي أنشأه من غير شي‏ء و صوره على غير مثال كان سبق إليه قادر أن يعيده كما بدأه قال أوضح لي ذلك  قال إن الروح مقيمة في مكانها روح المحسنين في ضياء و فسحة و روح المسي‏ء في ضيق و ظلمة و البدن يصير ترابا منه خلق و ما تقذف به السباع و الهوام من أجوافها فما أكلته و مزقته كل ذلك في التراب محفوظ عند من لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ في ظلمات الأرض و يعلم عدد الأشياء و وزنها و إن تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب فإذا كان حين البعث مطرت الأرض فتربو الأرض ثم تمخض مخض السقاء فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء و الزبد من اللبن إذا مخض فيجتمع تراب كل قالب فينقل بإذن الله تعالى إلى حيث الروح فتعود الصور بإذن المصور كهيئتها و تلج الروح فيها فإذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئا الخبر

 بيان فتربو الأرض أي تنمو و تنتفخ يقال ربا السويق أي صب عليه الماء فانتفخ

 6-  ج، ]الإحتجاج[ عن حفص بن غياث قال شهدت المسجد الحرام و ابن أبي العوجاء يسأل أبا عبد الله ع عن قوله تعالى كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ ما ذنب الغير قال ويحك هي هي و هي غيرها فقال فمثل لي ذلك شيئا من أمر الدنيا قال نعم أ رأيت لو أن رجلا أخذ لبنة فكسرها ثم ردها في ملبنها فهي هي و هي غيرها

 إيضاح يحتمل أن يكون المراد أنه يعود شخصه بعينه و إنما الاختلاف في الصفات و العوارض غير المشخصات أو أن المادة متحدة و إن اختلفت التشخصات و العوارض و سيأتي تحقيقه

   -7  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ جماعة عن أبي المفضل عن الحسن بن علي بن عاصم عن سليمان بن داود عن حفص بن غياث قال كنت عند سيد الجعافرة جعفر بن محمد ع لما أقدمه المنصور فأتاه ابن أبي العوجاء و كان ملحدا فقال له ما تقول في هذه الآية كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها هب هذه الجلود عصت فعذبت فما ذنب الغير قال أبو عبد الله ع ويحك هي هي و هي غيرها قال أعقلني هذا القول فقال له أ رأيت لو أن رجلا عمد إلى لبنة فكسرها ثم صب عليها الماء و جبلها ثم ردها إلى هيئتها الأولى أ لم تكن هي هي و هي غيرها فقال بلى أمتع الله بك

 8-  فس، ]تفسير القمي[ أبي عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله ع قال إذا أراد الله أن يبعث أمطر السماء على الأرض أربعين صباحا فاجتمعت الأوصال و نبتت اللحوم و قال أتى جبرئيل رسول الله ص فأخذه فأخرجه إلى البقيع فانتهى به إلى قبر فصوت بصاحبه فقال قم بإذن الله فخرج منه رجل أبيض الرأس و اللحية يمسح التراب عن وجهه و هو يقول الحمد لله و الله أكبر فقال جبرئيل عد بإذن الله ثم انتهى به إلى قبر آخر فقال قم بإذن الله فخرج منه رجل مسود الوجه و هو يقول يا حسرتاه يا ثبوراه ثم قال له جبرئيل عد إلى ما كنت بإذن الله فقال يا محمد هكذا يحشرون يوم القيامة و المؤمنون يقولون هذا القول و هؤلاء يقولون ما ترى

   -9  ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ إبراهيم بن أبي البلاد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عن أبيه ع قال أتى جبرئيل ع إلى النبي ص فأخذ بيده فأخرجه إلى البقيع فانتهى إلى قبر فصوت بصاحبه فقال قم بإذن الله قال فخرج منه رجل مبيض الوجه يمسح التراب عن وجهه و ساقه مثل ما مر

 10-  ب، ]قرب الإسناد[ السندي بن محمد عن صفوان الجمال عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص لجبرئيل يا جبرئيل أرني كيف يبعث الله تبارك و تعالى العباد يوم القيامة قال نعم فخرج إلى مقبرة بني ساعدة فأتى قبرا فقال له اخرج بإذن الله فخرج رجل ينفض رأسه من التراب و هو يقول وا لهفاه و اللهف هو الثبور ثم قال ادخل فدخل ثم قصد به إلى قبر آخر فقال اخرج بإذن الله فخرج شاب ينفض رأسه من التراب و هو يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله و أشهد أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ثم قال هكذا يبعثون يوم القيامة يا محمد

 11-  ل، ]الخصال[ الخليل بن أحمد عن محمد بن إسحاق عن علي بن حجر عن شريك عن منصور بن المعتمر عن ربعي بن خراش عن علي ع قال قال رسول الله ص  لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربعة حتى يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أني رسول الله بعثني بالحق و حتى يؤمن بالبعث بعد الموت و حتى يؤمن بالقدر

 12-  ع، ]علل الشرائع[ ابن الوليد عن الصفار عن ابن يزيد عن ابن أبي عمير عن أبي أيوب قال حدثني أبو بصير عن أبي عبد الله ع قال لما رأى إبراهيم ملكوت السماوات و الأرض التفت فرأى رجلا يزني فدعا عليه فمات ثم رأى آخر فدعا عليه فمات حتى رأى ثلاثة فدعا عليهم فماتوا فأوحى الله عز و جل إليه يا إبراهيم دعوتك مجابة فلا تدعو على عبادي فإني لو شئت لم أخلقهم إني خلقت خلقي على ثلاثة أصناف عبدا يعبدني لا يشرك بي شيئا فأثيبه و عبدا يعبد غيري فلن يفوتني و عبدا يعبد غيري فأخرج من صلبه من يعبدني ثم التفت فرأى جيفة على ساحل البحر بعضها في الماء و بعضها في البر تجي‏ء سباع البحر فتأكل ما في الماء ثم ترجع فيشتمل بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا و تجي‏ء سباع البر فتأكل منها فيشتمل بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا فعند ذلك تعجب إبراهيم ع مما رأى و قال يا رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى هذه أمم يأكل بعضها بعضا قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي

 يعني حتى أرى هذا كما رأيت الأشياء كلها

قال خذ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فقطعهن و اخلطهن كما اختلطت هذه الجيفة في هذه السباع التي أكل بعضها بعضا فخلط ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً فلما دعاهن أجبنه و كانت الجبال عشرة قال و كانت الطيور الديك و الحمامة و الطاوس و الغراب

 كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى و علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبي أيوب الخزاز مثله إلى قوله و كانت الجبال عشرة

بيان في الكافي و قال رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قال كيف تخرج ما تناسل الذي أكل بعضها بعضا فيكون إشارة إلى انعقاد النطفة من أجزاء بدن آخر و تولد شخص آخر من النطفة كما أشرنا إليه سابقا

   -13  ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد إلى الصدوق عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن الحسين بن سيف عن أخيه علي عن أبيه عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال كان فيما وعظ به لقمان ع ابنه أن قال يا بني إن تك في شك من الموت فارفع عن نفسك النوم و لن تستطيع ذلك و إن كنت في شك من البعث فارفع عن نفسك الانتباه و لن تستطيع ذلك فإنك إذا فكرت في هذا علمت أن نفسك بيد غيرك و إنما النوم بمنزلة الموت و إنما اليقظة بعد النوم بمنزلة البعث بعد الموت

 14-  سن، ]المحاسن[ علي بن الحكم عن هشام بن سالم عن الثمالي عن علي بن الحسين ع قال عجبت للمتكبر الفخور كان أمس نطفة و هو غدا جيفة و العجب كل العجب لمن شك في الله و هو يرى الخلق و العجب كل العجب لمن أنكر الموت و هو يرى من يموت كل يوم و ليلة و العجب كل العجب لمن أنكر النشأة الأخرى و هو يرى الأولى و العجب كل العجب لعامر دار الفناء و يترك دار البقاء

 15-  سن، ]المحاسن[ أبان عن ابن سيابة عن أبي النعمان عن أبي جعفر ع مثله ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ الحسين بن إبراهيم القزويني عن محمد بن وهبان عن أحمد بن إبراهيم عن الحسن بن علي الزعفراني عن البرقي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام مثله

 16-  شي، ]تفسير العياشي[ عن ابن معمر عن علي ع في قوله الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ يقول يوقنون أنهم مبعوثون و الظن منهم يقين

 17-  شي، ]تفسير العياشي[ عن ابن نباتة عن أمير المؤمنين ع قال وَ تَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ يعني يوم القيامة

 18-  شي، ]تفسير العياشي[ عن الحلبي عن أبي عبد الله ع قال جاء أبي بن خلف فأخذ عظما باليا من حائط ففته ثم قال يا محمد إِذا كُنَّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ  فأنزل الله مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ

 19-  م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ قال ع في قصة ذبح البقرة فأخذوا قطعة و هي عجب الذنب الذي منه خلق ابن آدم و عليه يركب إذا أريد خلقا جديدا فضربوه بها

 20-  كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن عيسى عن محمد بن الحسين عن عبد الرحمن بن أبي هاشم عن أبي خديجة عن أبي عبد الله ع قال تنوقوا في الأكفان فإنكم تبعثون بها

 21-  كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن أحمد بن الحسن عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله ع قال سئل عن الميت يبلى جسده قال نعم حتى لا يبقى لحم و لا عظم إلا طينته التي خلق منها فإنها لا تبلى تبقى في القبر مستديرة حتى يخلق منها كما خلق أول مرة

 توضيح مستديرة أي بهيئة الاستدارة أو متبدلة متغيرة في أحوال مختلفة ككونها رميما و ترابا و غير ذلك فهي محفوظة في كل الأحوال و هذا يؤيد ما ذكره المتكلمون من أن تشخص الإنسان إنما هو بالأجزاء الأصلية و لا مدخل لسائر الأجزاء و العوارض فيه

 22-  في تفسير النعماني، فيما رواه عن أمير المؤمنين ع قال و أما احتجاجه على الملحدين في دينه و كتابه و رسله فإن الملحدين أقروا بالموت و لم يقروا بالخالق فأقروا بأنهم لم يكونوا ثم كانوا قال الله تعالى ق وَ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ إلى قوله بَعِيدٌ و كقوله عز و جل وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلًا إلى قوله أَوَّلَ مَرَّةٍ و مثله قوله تعالى وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَ يَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ فرد الله تعالى عليهم ما يدلهم على صفة  ابتداء خلقهم و أول نشئهم يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ إلى قوله لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً فأقام سبحانه على الملحدين الدليل عليهم من أنفسهم ثم قال مخبرا لهم وَ تَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً إلى قوله وَ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ و قال سبحانه وَ اللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ إلى قوله كَذلِكَ النُّشُورُ فهذا مثال أقام الله عز و جل لهم به الحجة في إثبات البعث و النشور بعد الموت و أما الرد على الدهرية الذي يزعمون أن الدهر لم يزل أبدا على حال واحدة و أنه ما من خالق و لا مدبر و لا صانع و لا بعث و لا نشور قال تعالى حكاية لقولهم وَ قالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ وَ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ وَ قالُوا أَ إِذا كُنَّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً إلى قوله أَوَّلَ مَرَّةٍ و مثل هذا في القرآن كثير و ذلك على من كان في حياة رسول الله ص يقول هذه المقالة و من أظهر له الإيمان و أبطن الكفر و الشرك و بقوا بعد رسول الله ص و كانوا سبب هلاك الأمة فرد الله تعالى بقوله يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ الآية و قوله وَ تَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً الآية و ما جرى مجرى ذلك في القرآن و قوله سبحانه في سورة ق كما مر فهذا كله رد على الدهرية و الملاحدة ممن أنكر البعث و النشور

 فس، ]تفسير القمي[ و أما ما هو رد على الدهرية و ذكر نحوا مما سبق

 23-  فس، ]تفسير القمي[ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَ أَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ فإن الظن في كتاب الله على وجهين فمنه ظن يقين و منه ظن شك ففي هذا الموضع الظن يقين

 24-  فس، ]تفسير القمي[ إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا أي لا يؤمنون به

 25-  فس، ]تفسير القمي[ قوله تعالى الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً و  هو المرخ و العفار يكون في ناحية بلاد العرب فإذا أرادوا أن يستوقدوا أخذوا من ذلك الشجر ثم أخذوا عودا فحركوه فيه فاستوقدوا منه النار قوله داخِرُونَ أي مطروحون في النار قوله هذا يَوْمُ الدِّينِ يعني يوم الحساب و المجازاة قوله يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ يخاصمون

 26-  فس، ]تفسير القمي[ ق جبل محيط بالدنيا وراء يأجوج و مأجوج و هو قسم بَلْ عَجِبُوا يعني قريشا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ يعني رسول الله ص فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْ‏ءٌ عَجِيبٌ أَ إِذا مِتْنا وَ كُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ قال نزلت في أبي بن خلف قال لأبي جهل تعال إلي لأعجبك من محمد ثم أخذ عظما ففته ثم قال يزعم محمد أن هذا يحيا فقال الله بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ يعني مختلف ثم احتج عليهم و ضرب للبعث و النشور مثلا فقال أَ فَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ إلى قوله بَهِيجٍ أي حسن قوله وَ حَبَّ الْحَصِيدِ قال كل حب يحصد وَ النَّخْلَ باسِقاتٍ أي مرتفعات لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ يعني بعضه على بعض كَذلِكَ الْخُرُوجُ جواب لقولهم أَ إِذا مِتْنا وَ كُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ فقال الله كما أن الماء إذا أنزلناه من السماء فيخرج النبات كذلك أنتم تخرجون من الأرض

 27-  فس، ]تفسير القمي[ وَ الْمُرْسَلاتِ عُرْفاً قال آيات يتبع بعضها بعضا فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً قال القبر وَ النَّاشِراتِ نَشْراً قال نشر الأموات فَالْفارِقاتِ فَرْقاً قال الدابة فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً قال الملائكة عُذْراً أَوْ نُذْراً أي أعذركم و أنذركم بما أقول و هو قسم و جوابه إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ

 بيان قوله القبر لعل المعنى أن المراد بها آيات القبر و أهوالها و الملائكة السائلون  فيها كما ورد أنهم يأتون كالريح العاصف كما أن المراد بما بعده أنه لبيان نشر الأموات فالناشرات الملائكة الموكلون بالنشر و الدابة المراد بها دابة الأرض يفرق بين المؤمن و الكافر و لعل المعنى أنها من الفارقات

 28-  فس، ]تفسير القمي[ وَ النَّازِعاتِ غَرْقاً قال نزع الروح وَ النَّاشِطاتِ نَشْطاً قال الكفار ينشطون في الدنيا وَ السَّابِحاتِ سَبْحاً قال المؤمنون الذين يسبحون الله و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً يعني أرواح المؤمنين سبق أرواحهم إلى الجنة بمثل الدنيا و أرواح الكافرين إلى النار بمثل ذلك و قال علي بن إبراهيم في قوله يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ قال تنشق الأرض بأهلها و الرادفة الصيحة قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ أي خائفة يَقُولُونَ أَ إِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ قال قالت قريش أ نرجع بعد الموت إِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً أي بالية تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ قال قالوا هذا على حد الاستهزاء فقال الله فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ قال الزجرة النفخة الثانية في الصور و الساهرة موضع بالشام عند بيت المقدس و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله أَ إِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ يقول أي في خلق جديد و أما قوله فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ الساهرة الأرض كانوا في القبور فلما سمعوا الزجرة خرجوا من قبورهم فاستووا على الأرض

 بيان قال الفيروزآبادي سبح كمنع سبحانا و سبح تسبيحا قال سبحان الله

   -29  فس، ]تفسير القمي[ إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ كما خلقه من نطفة يقدر أن يرده إلى الدنيا و إلى القيامة يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ قال يكشف عنها حدثنا جعفر بن أحمد عن عبيد الله بن موسى عن ابن البطائني عن أبيه عن أبي بصير في قوله فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَ لا ناصِرٍ قال ما له قوة يقوى بها على خالقه و لا ناصر من الله ينصره إن أراد به سوءا

 30-  نهج، ]نهج البلاغة[ قال ع بالموت تختم الدنيا و بالدنيا تحرز الآخرة و بالقيامة تزلف الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ و تبرز الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ و إن الخلق لا مقصر لهم عن القيامة مرقلين في مضمارها إلى الغاية القصوى إلى قوله قد شخصوا من مستقر الأجداث و صاروا إلى مصائر الغايات لكل دار أهلها لا يستبدلون بها و لا ينقلون عنها

 عد، ]العقائد[ اعتقادنا في البعث بعد الموت أنه حق

 31-  و قال النبي ص يا بني عبد المطلب إن الرائد لا يكذب أهله و الذي بعثني بالحق لتموتن كما تنامون و لتبعثن كما تستيقظون و ما بعد الموت دار إلا جنة أو نار و خلق جميع الخلق و بعثهم على الله عز و جل كخلق نفس واحدة و بعثها قال الله تعالى ما خَلْقُكُمْ وَ لا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ

 تذنيب اعلم أن القول بالمعاد الجسماني مما اتفق عليه جميع المليين و هو من ضروريات الدين و منكره خارج عن عداد المسلمين و الآيات الكريمة في ذلك ناصة لا يعقل تأويلها و الأخبار فيه متواترة لا يمكن ردها و لا الطعن فيها و قد نفاه أكثر ملاحدة الفلاسفة تمسكا بامتناع إعادة المعدوم و لم يقيموا دليلا عليه بل تمسكوا تارة بادعاء البداهة و أخرى بشبهات واهيه لا يخفى ضعفها على من نظر فيها بعين البصيرة و اليقين و ترك تقليد الملحدين من المتفلسفين قال الرازي في كتاب نهاية العقول قد عرفت أن من الناس من أثبت النفس الناطقة فلا جرم اختلف أقوال أهل العالم في أمر المعاد  على وجوه أربعة أحدها قول من قال إن المعاد ليس إلا للنفس و هذا مذهب الجمهور من الفلاسفة و ثانيها قول من قال المعاد ليس إلا لهذا البدن و هذا قول نفاه النفس الناطقة و هم أكثر أهل الإسلام و ثالثها قول من أثبت المعاد للأمرين و هم طائفة كثيرة من المسلمين مع أكثر النصارى و رابعها قول من نفى المعاد عن الأمرين و لا أعرف عاقلا ذهب إليه بلى كان جالينوس من المتوقفين في أمر المعاد و غرضنا إثبات المعاد البدني و للناس فيه قولان أحدهما أن الله تعالى يعدم أجزاء الخلق ثم يعيدها و ثانيهما أنه تعالى يميتهم و يفرق أجزاءهم ثم إنه تعالى يجمعها و يرد الحياة إليها ثم قال و الدليل على جواز الإعادة في الجملة أنا قد دللنا فيما مضى أن الله تعالى قادر على كل الممكنات عالم بكل المعلومات من الجزئيات و الكليات و العلم بهذه الأصول لا يتوقف على العلم بصحة المعاد البدني و إذا كان كذلك أمكن الاستدلال بالسمع على صحة المعاد لكنا نعلم باضطرار إجماع الأنبياء صلوات الله عليهم من أولهم إلى آخرهم على إثبات المعاد البدني فوجب القطع بوجود هذا المعاد. و قال العلامة رحمه الله في شرح الياقوت اتفق المسلمون على إعادة الأجساد خلافا للفلاسفة و اعلم أن الإعادة تقال بمعنيين أحدهما جمع الأجزاء و تأليفها بعد تفرقها و انفصالها و الثاني إيجادها بعد إعدامها و أما الثاني فقد اختلف الناس فيه و اختار المصنف جوازه أيضا. و قال العلامة الدواني في شرحه على العقائد العضدية و المعاد أي الجسماني فإنه المتبادر عن إطلاق أهل الشرع إذ هو الذي يجب الاعتقاد به و يكفر من أنكره حق بإجماع أهل الملل الثلاثة و شهادة نصوص القرآن في المواضع المتعددة بحيث لا يقبل التأويل كقوله تعالى أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ إلى قوله بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ قال المفسرون نزلت هذه الآية في أبي بن خلف خاصم رسول الله ص و أتاه بعظم قد رم و بلي ففته بيده و قال يا محمد أ ترى الله يحيي هذه بعد ما رم فقال ص نعم و يبعثك و يدخلك النار و هذا مما يقلع عرق التأويل بالكلية و لذلك قال الإمام الإنصاف

   أنه لا يمكن الجمع بين الإيمان بما جاء به النبي ص و بين إنكار الحشر الجسماني قلت و لا الجمع بين القول بقدم العالم على ما يقوله الفلاسفة و بين الحشر الجسماني لأن النفوس الناطقة على هذا التقدير غير متناهية فيستدعي حشرها جميعا أبدانا غير متناهية و أمكنة غير متناهية و قد ثبت تناهي الأبعاد بالبرهان و باعترافهم يحشر الأجساد و يعاد فيها الأرواح بإعادة البدن المعدوم بعينه عند المتكلمين بل أكثرهم و بأن تجمع أجزاؤه المتفرقة كما كانت أولا عند بعضهم و هم الذين ينكرون جواز إعادة المعدوم موافقة للفلاسفة و إذا استحال إعادة المعدوم تعين الوجه الثاني و هو أن يكون بجمع الأجزاء المتفرقة و تأليفها كما كانت أولا. لا يقال لو ثبت استحالة إعادة المعدوم لزم بطلان الوجه الثاني أيضا لأن أجزاء بدن الشخص كبدن زيد مثلا و إن لم يكن له جزء صوري لا يكون بدن زيد إلا بشرط اجتماع خاص و شكل معين فإذا تفرقت أجزاؤه و انتفى الاجتماع و الشكل المعينان لم يبق بدن زيد ثم إذا أعيد فإما أن يعاد ذلك الاجتماع و الشكل بعينهما أو لا و على الأول يلزم إعادة المعدوم و على الثاني لا يكون المعاد بعينه هو البدن الأول بل مثله و حينئذ يكون تناسخا و من ثم قيل ما من مذهب إلا و للتناسخ فيه قدم راسخ. لأنا نقول إنما يلزم التناسخ إذا لم يكن البدن المحشور مؤلفا من الأجزاء الأصلية للبدن الأول أما إذا كان كذلك فلا يستحيل إعادة الروح إليه و ليس ذلك من التناسخ و إن سمي ذلك تناسخا كان مجرد اصطلاح فإن الذي دل على استحالته تعلق نفس زيد ببدن آخر لا يكون مخلوقا من أجزاء بدنه و أما تعلقه بالبدن المؤلف من أجزائه الأصلية بعينها مع تشكلها بشكل مثل الشكل السابق فهو الذي نعنيه بالحشر الجسماني و كون الشكل و الاجتماع غير السابق لا يقدح في المقصود و هو حشر الأشخاص الإنسانية بأعيانها فإن زيدا مثلا شخص واحد محفوظ وحدته الشخصية من أول عمره إلى آخره بحسب العرف و الشرع و لذلك يؤاخذ شرعا و عرفا بعد التبدل بما لزمه قبل و كما لا يتوهم أن في ذلك تناسخا لا ينبغي أن يتوهم في هذه الصورة أيضا و إن كان الشكل مخالفا للشكل الأول

 كما ورد في  الحديث أنه قال يحشر المتكبرون كأمثال الذر و أن ضرس الكافر مثل أحد و أن أهل الجنة جرد مرد مكحولون

و الحاصل أن المعاد الجسماني عبارة عن عود النفس إلى بدن هو ذلك البدن بحسب الشرع و العرف و مثل هذه التبدلات و المغايرات التي لا تقدح في الوحدة بحسب الشرع و العرف لا تقدح في كون المحشور هو المبدأ فافهم. و اعلم أن المعاد الجسماني مما يجب الاعتقاد به و يكفر منكره أما المعاد الروحاني أعني التذاذ النفس بعد المفارقة و تألمها باللذات و الآلام العقلية فلا يتعلق التكليف باعتقاده و لا يكفر منكره و لا منع شرعا و لا عقلا من إثباته قال الإمام في بعض تصانيفه أما القائلون بالمعاد الروحاني و الجسماني معا فقد أرادوا أن يجمعوا بين الحكمة و الشريعة فقالوا دل العقل على أن سعادة الأرواح بمعرفة الله تعالى و محبته و أن سعادة الأجساد في إدراك المحسوسات و الجمع بين هاتين السعادتين في هذه الحياة غير ممكن لأن الإنسان مع استغراقه في تجلي أنوار عالم القدس لا يمكنه أن يلتفت إلى اللذات الجسمانية و مع استغراقه في استيفاء هذه اللذات لا يمكنه أن يلتفت إلى اللذات الروحانية و إنما تعذر هذا الجمع لكون الأرواح البشرية ضعيفة في هذا العالم فإذا فارقت بالموت و استمدت من عالم القدس و الطهارة قويت قادرة على الجمع بين الأمرين و لا شبهة في أن هذه الحالة هي الحالة القصوى من مراتب السعادات قلت سياق هذا الكلام مشعر بأن إثبات الروحاني إنما هو من حيث الجمع بين الشريعة و الفلسفة و إثباتهما ليس من المسائل الكلامية و هذا كما أن الرئيس أبا علي مع إنكاره للمعاد الجسماني على ما هو بسطه في كتاب المعاد و بالغ فيه و أقام الدليل بزعمه على نفيه قال في كتاب النجاة و الشفاء إنه يجب أن يعلم أن المعاد منه ما هو مقبول من الشرع و لا سبيل إلى إثباته إلا من طرق الشريعة و تصديق خبر النبوة و هو الذي للبدن عند البعث و خيراته و شروره معلوم لا يحتاج إلى أن يعلم و قد بسطت الشريعة الحقة التي أتانا به سيدنا و مولانا محمد ص حال السعادة و الشقاوة التي بحسب البدن و منه ما هو مدرك بالعقل و القياس البرهاني و قد صدقه النبوة و هو السعادة و الشقاوة الثابتتان بالقياس إلى نفس الأمر و إن كان الأوهام منا تقصر عن تصورهما الآن و سياق

   هذا الكلام مشعر بأن إثباته للمعاد الروحاني ليس من حيث الحكمة بل هو من حيث الشريعة فإن التمسك بالدلائل النقلية ليس من وظائف الفلسفة فلا يتوهم أن إثباته من المسائل الحكمية و هو أراد أن يجمع بين الفلسفة و الشريعة. فذلكة اعلم أن خلاصة القول في ذلك هو أن للناس في تفرق الجسم و اتصاله مذاهب فالقائلون بالهيولى يقولون بانعدام الصورة الجسمية و النوعية و بقاء الهيولى عند تفرق الجسم و النافون للهيولى و الجزء الذي لا يتجزى كالمحقق الطوسي رحمه الله يقولون بعدم انعدام جزء من الجسم عند التفرق بل ليس الجسم إلا الصورة و هي باقية في حال الاتصال و الانفصال و كذا القائلون بالجزء يقولون ببقاء الأجزاء عند التفرق و الاتصال فأما على القول الأول فلا بد في القول بإثبات المعاد بمعنى عود الشخص بجميع أجزائه من القول بإعادة المعدوم و أما القائلون بالأخيرين فقد ظنوا أنهم قد تفصوا عن ذلك و يمكنهم القول بالحشر الجسماني بهذا المعنى مع عدم القول بجواز إعادة المعدوم و فيه نظر إذ ظاهر أنه إذا أحرق جسد زيد و ذرت الرياح ترابه لا يبقى تشخص زيد و إن بقيت الصورة و الأجزاء بل لا بد في عود الشخص بعينه من عود تشخصه بعد انعدامه كما مرت الإشارة إليه نعم ذكر بعض المتكلمين أن تشخص الشخص إنما يقوم بأجزائه الأصلية المخلوقة من المني و تلك الأجزاء باقية في مدة حياة الشخص و بعد موته و تفرق أجزائه فلا يعدم التشخص و قد مضى ما يومئ إليه من الأخبار و على هذا فلو انعدم بعض العوارض الغير المشخصة و أعيد غيرها مكانها لا يقدح في كون الشخص باقيا بعينه فإذا تمهد هذا فاعلم أن القول بالحشر الجسماني على تقدير عدم القول بامتناع إعادة المعدوم حيث لم يتم الدليل عليه بين لا إشكال فيه و أما على القول به فيمكن أن يقال يكفي في المعاد كونه مأخوذا من تلك المادة بعينها أو من تلك الأجزاء بعينها لا سيما إذا كان شبيها بذلك الشخص في الصفات و العوارض بحيث لو رأيته لقلت إنه فلان إذ مدار اللذات و الآلام على الروح و لو بواسطة الآلات و هو باق بعينه و لا تدل النصوص إلا على إعادة ذلك الشخص بمعنى أنه يحكم عليه عرفا أنه ذلك الشخص كما أنه يحكم على الماء الواحد إذا أفرغ في إناءين أنه هو الماء الذي كان في إناء

   واحد عرفا و شرعا و إن قيل بالهيولى و لا يبتني الإطلاقات الشرعية و العرفية و اللغوية على أمثال تلك الدقائق الحكمية و الفلسفية و قد أومأنا في تفسير بعض الآيات و شرح بعض الأخبار إلى ما يؤيد ذلك كقوله تعالى عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ و قوله تعالى بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها. قال شارح المقاصد اتفق المحققون من الفلاسفة و المليين على حقيقة المعاد و اختلفوا في كيفيته فذهب جمهور الفلاسفة إلى أنه روحاني فقط لأن البدن ينعدم بصوره و أعراضه فلا يعاد و النفس جوهر مجرد باق لا سبيل إليه للفناء فيعود إلى عالم المجردات بقطع التعلقات و ذهب كثير من علماء الإسلام كالغزالي و الكعبي و الحليمي و الراغب و القاضي أبو زيد الدبوسي إلى القول بالمعاد الروحاني و الجسماني جميعا ذهابا إلى أن النفس جوهر مجرد يعود إلى البدن و هذا رأي كثير من الصوفية و الشيعة و الكرامية و به يقول جمهور النصارى و التناسخية قال الإمام الرازي إلا أن الفرق أن المسلمين يقولون بحدوث الأرواح و ردها إلى الأبدان لا في هذا العالم بل في الآخرة و التناسخية بقدمها و ردها إليها في هذا العالم و ينكرون الآخرة و الجنة و النار و نبهنا على هذا الفرق لأنه جبلت على الطباع العامية أن هذا المذهب يجب أن يكون كفرا و ضلالا لكونه مما ذهب إليه التناسخية و النصارى و لا يعلمون أن التناسخية إنما يكفرون لإنكارهم القيامة و الجنة و النار و النصارى لقولهم بالتثليث و أما القول بالنفوس المجردة فلا يرفع أصلا من أصول الدين بل ربما يؤيده و يبين الطريق إلى إثبات المعاد بحيث لا يقدح فيه شبه المنكرين كذا في نهاية العقول. و قد بالغ الإمام الغزالي في تحقيق المعاد الروحاني و بيان أنواع الثواب و العقاب بالنسبة إلى الروح حتى سبق إلى كثير من الأوهام و وقع في ألسنة بعض العوام أنه ينكر حشر الأجساد افتراء عليه كيف و قد صرح به في مواضع من كتاب الإحياء و غيره و ذهب إلى أن إنكاره كفر و إنما لم يشرحه في كتبه كثير شرح لما قال إنه ظاهر لا يحتاج إلى زيادة بيان نعم ربما يميل كلامه و كلام كثير من القائلين بالمعادين إلى أن معنى ذلك أن يخلق الله تعالى من الأجزاء المتفرقة لذلك البدن بدنا فيعيد

   إليه نفسه المجردة الباقية بعد خراب البدن و لا يضرنا كونه غير البدن الأول بحسب الشخص و لا امتناع إعادة المعدوم بعينه و ما شهد به النصوص من كون أهل الجنة جردا مردا و كون ضرس الكافر مثل جبل أحد يعضد ذلك و كذا قوله تعالى كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها و لا يبعد أن يكون قوله تعالى أَ وَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ إشارة إلى هذا. فإن قيل فعلى هذا يكون المثاب و المعاقب باللذات و الآلام الجسمانية غير من عمل الطاعة و ارتكب المعصية قلنا العبرة في ذلك بالإدراك و إنما هو للروح و لو بواسط الآلات و هو باق بعينه و كذا الأجزاء الأصلية من البدن و لذا يقال للشخص من الصباء إلى الشيخوخة إنه هو بعينه و إن تبدلت الصور و الهيئات بل كثير من الأعضاء و الآلات و لا يقال لمن جنى في الشباب فعوقب في المشيب أنها عقوبة لغير الجاني انتهى. أقول الأحوط و الأولى التصديق بما تواتر في النصوص و علم ضرورة من ثبوت الحشر الجسماني و سائر ما ورد فيها من خصوصياته و عدم الخوض في أمثال ذلك إذ لم نكلف بذلك و ربما أفضى التفكر فيها إلى القول بشي‏ء لم يطابق الواقع و لم نكن معذورين في ذلك و الله الموفق للحق و السداد في المبدإ و المعاد