باب 2- نفخ الصور و فناء الدنيا و إن كل نفس تذوق الموت

الآيات آل عمران كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ إسراء وَ إِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً الكهف وَ تَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً طه يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَ نَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً الأنبياء 35-  وَ ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً وَ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ  المؤمنون ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ و قال تعالى فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لا يَتَساءَلُونَ النمل وَ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ وَ كُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ العنكبوت كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ يس وَ يَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَ هُمْ يَخِصِّمُونَ فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَ لا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَ لا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ص وَ ما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ الزمر 30-  إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ و قال تعالى وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ السَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ  فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَ وُضِعَ الْكِتابُ وَ جِي‏ءَ بِالنَّبِيِّينَ وَ الشُّهَداءِ وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ وَ وُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ ق وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ وَ جاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَ شَهِيدٌ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ و قال وَ اسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَ نُمِيتُ وَ إِلَيْنَا الْمَصِيرُ يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ الرحمن كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَ يَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ المدثر فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ تفسير قال البيضاوي إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ بالموت و الاستيصال أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً بالقتل و أنواع البلية كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ في اللوح المحفوظ مَسْطُوراً مكتوبا. و قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ اختلف في الصور فقيل هو قرن ينفخ فيه و قيل جمع صورة فإن الله يصور الخلق في القبور كما صورهم في أرحام الأمهات ثم ينفخ فيهم الأرواح كما نفخ و هم في أرحام أمهاتهم و قيل إنه ينفخ إسرافيل في الصور ثلاث نفخات النفخة الأولى نفخة الفزع و الثانية نفخة الصعق التي يصعق من في السماوات و الأرض بها فيموتون و الثالثة نفخة القيام لرب  العالمين فيحشر الناس بها من قبورهم فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً أي حشرنا الخلق كلهم يوم القيامة في صعيد واحد. و في قوله تعالى أَ فَإِنْ مِتَّ أي على ما يتوقعونه و ينتظرونه فَهُمُ الْخالِدُونَ أي إنهم يخلدون بعدك يعني مشركي مكة حين قالوا نتربص بمحمد ريب المنون. و في قوله تعالى فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ قيل إن المراد به نفخة الصعق عن ابن عباس و قيل نفخة البعث عن ابن مسعود و الصور جمع صورة عن الحسن و قيل قرن ينفخ فيه إسرافيل بالصوت العظيم الهائل على ما وصفه الله تعالى علامة لوقت إعادة الخلق عن أكثر المفسرين فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ أي لا يتواصلون بالأنساب و لا يتعاطفون بها مع معرفة بعضهم بعضا أي لا يرحم قريب قريبه لشغله عنه و قيل معناه لا يتفاخرون بالأنساب و المعنى أنه لا يفضل بعضهم بعضا يومئذ بنسب و إنما يتفاضلون بأعمالهم

 و قال النبي ص كل حسب و نسب منقطع يوم القيامة إلا حسبي و نسبي

 وَ لا يَتَساءَلُونَ أي و لا يسأل بعضهم بعضا عن حاله و خبره كما كانوا يسألون في الدنيا لشغل كل واحد بنفسه و قيل لا يسأل بعضهم بعضا أن يحمل عنه ذنبه و لا تنافي بينها و بين قوله فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ لأن للقيامة أحوالا و مواطن فمنها حال يشغلهم عظم الأمر فيها عن المسألة و منها حال يلتفتون فيها فيتساءلون و هذا معنى قول ابن عباس لما سئل عن الآيتين فقال هذه تارات يوم القيامة و قيل إنما يتساءلون بعد دخول الجنة. و في قوله تعالى فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ أي ماتوا لشدة الخوف و الفزع كما قال فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ و قيل هي ثلاث نفخات كما مر إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ من الملائكة الذين يثبت الله قلوبهم و هم جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل و عزرائيل و قيل هم الشهداء فإنهم لا يفزعون في ذلك اليوم روي ذلك في خبر مرفوع وَ كُلٌّ من الأحياء الذين ماتوا ثم أحيوا أَتَوْهُ أي يأتونه في المحشر داخِرِينَ أي أذلاء صاغرين وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً أي واقفة مكانها لا تسير و لا تتحرك في مرأى  العين وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ أي تسير سيرا حثيثا سير السحاب و المعنى أنك لا ترى سيرها لبعد أطرافها كما لا ترى سير السحاب إذا انبسط لبعد أطرافه و ذلك إذا أزيلت الجبال عن أماكنها للتلاشي صُنْعَ اللَّهِ أي صنع الله ذلك صنعا الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ أي خلق كل شي‏ء على وجه الإتقان. و في قوله ما يَنْظُرُونَ أي ما ينتظرون إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً يريد النفخة الأولى يعني أن القيامة تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً تَأْخُذُهُمْ الصيحة وَ هُمْ يَخِصِّمُونَ أي يختصمون في أمورهم و يتبايعون في الأسواق و في الحديث تقوم الساعة و الرجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعانه فما يطويانه حتى تقوم و الرجل يرفع أكلته إلى فيه فما تصل إلى فيه حتى تقوم و الرجل يليط حوضه ليسقي ماشيته فما يسقيها حتى تقوم و قيل و هم يختصمون هل ينزل بهم العذاب أم لا فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً يعني أن الساعة إذا أخذتهم بغتة لم يقدروا على الإيصاء بشي‏ء وَ لا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ أي و لا إلى منازلهم يرجعون من الأسواق و هذا إخبار عما يلقونه في النفخة الأولى عند قيام الساعة ثم أخبر سبحانه عن النفخة الثانية فقال وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ و هي القبور إِلى رَبِّهِمْ أي إلى الموضع الذي يحكم الله فيه لا حكم لغيره هناك يَنْسِلُونَ أي يخرجون سراعا فلما رأوا أهوال القيامة قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا أي من حشرنا من منامنا الذي كنا فيه نياما ثم يقولون هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ فيما أخبرونا عن هذا المقام و هذا البعث قال قتادة أول الآية للكافرين و آخرها للمسلمين قيل إنهم لما عاينوا أهوال القيامة عدوا أحوالهم في قبورهم بالإضافة إلى تلك رقادا قال قتادة هي النومة بين النفختين لا يفتر عذاب القبر إلا فيما بينهما فيرقدون ثم أخبر سبحانه عن سرعة بعثهم فقال إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً أي لم تكن المدة إلا مدة صيحة واحدة فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ أي فإذا الأولون و الآخرون مجموعون في عرصات القيامة فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً أي لا ينقص من له حق شيئا من حقه من الثواب أو غير ذلك و لا يفعل به ما لا يستحقه من العذاب بل

   الأمور جارية على مقتضى العدل و ذلك قوله وَ لا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. و في قوله ما لَها مِنْ فَواقٍ أي لا يكون لتلك الصيحة إفاقة بالرجوع إلى الدنيا و قيل معناه ما لها مثنوية أي صرف و رد و قيل ما لها من فتور كما يفتر المريض. و في قوله تعالى وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ أي ما عظموا الله حق عظمته وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ القبضة في اللغة ما قبضت عليه بجميع كفك أخبر الله سبحانه عن كمال قدرته فذكر أن الأرض كلها مع عظمها في مقدوره كالشي‏ء الذي يقبض عليه القابض بكفه فيكون في قبضته و هذا تفهيم لنا على عادة التخاطب فيما بيننا لأنا نقول هذا في قبضة فلان و في يد فلان إذا هان عليه التصرف فيه و إن لم يقبض عليه و كذا قوله وَ السَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ أي يطويها بقدرته كما يطوي أحد منا الشي‏ء المقدور له طيه بيمينه و ذكر اليمين للمبالغة في الاقتدار و التحقيق للملك كما قال تعالى أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ و قيل معناه أنها محفوظات مصونات بقوته و اليمين القوة سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ أي عما يضيفونه إليه من الشبيه و المثل وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ و هو قرن ينفخ فيه إسرافيل و وجه الحكمة في ذلك أنها علامة جعلها الله ليعلم بها العقلاء آخر أمرهم في دار التكليف فشبه ذلك بما يتعارفونه من بوق الرحيل و النزول فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ أي يموت من شدة تلك الصيحة التي تخرج من الصور جميع من في السماوات و الأرض يقال صعق فلان إذا مات بحال هائلة شبيهة بالصيحة العظيمة إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ قيل هم جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل و ملك الموت و هو المروي و قيل هم الشهداء ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى يعني نفخة البعث و هي النفخة الثانية قال قتادة في حديث رفعه إن ما بين النفختين أربعين سنة و قيل إن الله تعالى يفني الأجسام كلها بعد الصعق و موت الخلق ثم يعيدها فَإِذا هُمْ قِيامٌ إخبار عن سرعة إيجادهم لأنه سبحانه إذا نفخ الثانية أعادهم عقيب ذلك فيقومون من قبورهم أحياء يَنْظُرُونَ أي ينتظرون ما يفعل بهم و ما يؤمرون به وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها أي أضاءت الأرض بعدل ربها يوم القيامة لأن نور

   الأرض بالعدل و قيل بنور يخلقه الله عز و جل يضي‏ء به الأرض يوم القيامة من غير شمس و لا قمر وَ وُضِعَ الْكِتابُ أي كتب الأعمال التي كتبتها الملائكة على بني آدم توضع في أيديهم ليقرءوا منها أعمالهم وَ جِي‏ءَ بِالنَّبِيِّينَ وَ الشُّهَداءِ هم الذين يشهدون للأنبياء على الأمم بأنهم قد بلغوا و أن الأمم قد كذبوا و قيل هم الذين استشهدوا في سبيل الله و قيل هم عدول الآخرة يشهدون على الأمم بما شاهدوا و قيل هم الحفظة من الملائكة و قيل هم جميع الشهداء من الجوارح و المكان و الزمان و هي قوله تعالى ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ أي ذلك اليوم يوم وقوع الوعيد الذي خوف الله به عباده. وَ جاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ أي تجي‏ء كل نفس من المكلفين في يوم الوعيد و مَعَها سائِقٌ من الملائكة يسوقها أي يحثها على السير إلى الحساب وَ شَهِيدٌ من الملائكة يشهد عليها بما يعلم من حالها و شاهد بما كتبه لها و عليها فلا يجدوا إلى الهرب و لا إلى الجحود سبيلا و قيل السائق من الملائكة و الشهيد الجوارح تشهد عليه لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ أي يقال له لقد كنت في سهو و نسيان مِنْ هذا اليوم في الدنيا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ الذي كان في الدنيا يغشى قلبك و سمعك و بصرك حتى ظهر لك الأمر فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ أي فعينك اليوم حادة النظر لا يدخل عليها شك و لا شبهة و قيل معناه فعلمك بما كنت فيه من أحوال الدنيا نافذ و لا يراد به بصر العين كما يقال فلان بصير بالنجوم و الفقه. و في قوله تعالى وَ اسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ أي أصغ إلى النداء و توقعه يعني صيحة يوم القيامة و البعث و النشور ينادي به المنادي و هي النفخة الثانية و يجوز أن يكون المراد و استمع ذكر حالهم يوم ينادي المنادي و قيل إنه ينادي مناد من صخرة بيت المقدس أيتها العظام البالية و الأوصال المنقطعة و اللحوم المتمزقة قومي لفصل القضاء و ما أعد الله لك من الجزاء و قيل إن المنادي إسرافيل ع يقول يا معشر الخلائق قوموا للحساب عن مقاتل و إنما قال مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ لأنه يسمعه الخلائق كلهم على حد واحد فلا يخفى على أحد قريب و لا بعيد فكأنهم نودوا من مكان يقرب منهم يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ الصيحة المرة الواحدة من الصوت  الشديد و هذه الصيحة هي النفخة الثانية و قوله بِالْحَقِّ أي بالبعث و قيل يعني أنها كائنة حقا ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ من القبور إلى أرض الموقف و قيل هو اسم من أسماء القيامة إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَ نُمِيتُ أخبر سبحانه عن نفسه أنه هو الذي يحيي الخلق بعد أن كانوا جمادا أمواتا ثم يميتهم بعد أن كانوا أحياء ثم يحييهم يوم القيامة و هو قوله وَ إِلَيْنَا الْمَصِيرُ يَوْمَ تَشَقَّقُ أي تتشقق الْأَرْضُ عَنْهُمْ و تتصدع فيخرجون منها سِراعاً يسرعون إلى الداعي بلا تأخير ذلِكَ حَشْرٌ الحشر الجمع بالسوق من كل جهة عَلَيْنا يَسِيرٌ أي سهل علينا غير شاق مع تباعد ديارهم و قبورهم. و في قوله تعالى كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ أي كل من على الأرض من حيوان فهو هالك يفنون و يخرجون من الوجود إلى العدم وَ يَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ أي و يبقى ربك الظاهر بالأدلة ظهور الإنسان بوجهه ذُو الْجَلالِ أي ذو العظمة و الكبرياء و استحقاق الحمد و المدح وَ الْإِكْرامِ يكرم أنبياءه و أولياءه بألطافه. و في قوله تعالى فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ معناه إذا نفخ في الصور و هي كهيئة البوق و قيل إن ذلك في النفخة الأولى و هو أول الشدة الهائلة العامة و قيل النفخة الثانية و عندها يحيي الله الخلق و تقوم القيامة و هي صيحة الساعة فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ أي شديد عَلَى الْكافِرِينَ لنعم الله الجاحدين لآياته غَيْرُ يَسِيرٍ غير هين و هو بمعنى قوله عَسِيرٌ إلا أنه أعاده بلفظ آخر للتأكيد و قيل معناه عسير في نفسه غير عسير على المؤمنين لما يرون من حسن العاقبة

 1-  فس، ]تفسير القمي[ قوله وَ يَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ إلى قوله يَخِصِّمُونَ قال ذلك في آخر الزمان يصاح فيهم صيحة و هم في أسواقهم يتخاصمون فيموتون كلهم في مكانهم لا يرجع أحد منهم إلى منزله و لا يوصي بوصية و ذلك قوله فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَ لا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ قال علي بن إبراهيم ثم ذكر النفخة الثانية فقال إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ

   -2  فس، ]تفسير القمي[ قوله وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ فإنه حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن محمد بن النعمان الأحول عن سلام بن المستنير عن ثوير بن أبي فاختة عن علي بن الحسين ع قال سئل عن النفختين كم بينهما قال ما شاء الله فقيل له فأخبرني يا ابن رسول الله كيف ينفخ فيه فقال أما النفخة الأولى فإن الله يأمر إسرافيل فيحبط إلى الدنيا و معه صور و للصور رأس واحد و طرفان و بين طرف كل رأس منهما ما بين السماء و الأرض قال فإذا رأت الملائكة إسرافيل و قد هبط إلى الدنيا و معه الصور قالوا قد أذن الله في موت أهل الأرض و في موت أهل السماء قال فيهبط إسرافيل بحظيرة بيت المقدس و يستقبل الكعبة فإذا رأوا أهل الأرض قالوا أذن الله في موت أهل الأرض قال فينفخ فيه نفخة فيخرج الصوت من الطرف الذي يلي الأرض فلا يبقى في الأرض ذو روح إلا صعق و مات و يخرج الصوت من الطرف الذي يلي السماوات فلا يبقى في السماوات ذو روح إلا صعق و مات إلا إسرافيل قال فيقول الله لإسرافيل يا إسرافيل مت فيموت إسرافيل فيمكثون في ذلك ما شاء الله ثم يأمر الله السماوات فتمور و يأمر الجبال فتسير و هو قوله يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً وَ تَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً يعني تبسط و تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ يعني بأرض لم يكتسب عليها الذنوب بارزة ليس عليها الجبال و لا نبات كما دحاها أول مرة و يعيد عرشه على الماء كما كان أول مرة مستقلا بعظمته و قدرته قال فعند ذلك ينادي الجبار جل جلاله بصوت جهوري يسمع أقطار السماوات و الأرضين لِمَنِ الْمُلْكُ  الْيَوْمَ فلا يجيبه مجيب فعند ذلك ينادي الجبار جل جلاله مجيبا لنفسه لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ و أنا قهرت الخلائق كلهم و أمتهم إني أنا الله لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي و لا وزير و أنا خلقت خلقي بيدي و أنا أمتهم بمشيتي و أنا أحييهم بقدرتي قال فنفخ الجبار نفخة في الصور يخرج الصوت من أحد الطرفين الذي يلي السماوات فلا يبقى في السماوات أحد إلا حي و قام كما كان و يعود حملة العرش و يحضر الجنة و النار و يحشر الخلائق للحساب قال فرأيت علي بن الحسين صلوات الله عليهما يبكي عند ذلك بكاء شديدا

 بيان قوله ع مستقلا بعظمته أي بلا حامل و الجهوري العالي. أقول سئل عن المفيد رحمه الله في المسائل السروية عن قوله تعالى لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ إن هذا خطاب منه لمعدوم لأنه يقوله عند فناء الخلق ثم يجيب نفسه فيقول لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ و كلام المعدوم سفه لا يقع من حكيم و جوابه عن سؤاله لمعدوم أو تقريره إياه خلاف الحكمة في المعقول فأجاب المفيد رحمه الله بأن الآية غير متضمنة للخبر عن خطاب معلوم و هو قوله عز و جل لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْ‏ءٌ و يوم التلاق هو يوم المحشر عند التقاء الأرواح و الأجساد و تلاقي الخلق بالاجتماع في صعيد واحد و قوله يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ تأكيد لذلك إذ كان البروز لا يكون إلا لموجود ثم ليس في الآية أن الله هو القائل لذلك فيحتمل أن يكون القائل ملكا أمر بالنداء فأجابه أهل الموقف و يحتمل أن يكون الله تعالى هو القائل مقررا غير مستخبر و المجيبون هم البشر المبعوثون أو الملائكة الحاضرون و وجه آخر و هو أن قوله لِمَنِ الْمُلْكُ يفيد وقوعه في حال إنزال الآية دون المستقبل أ لا ترى إلى قوله لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ الآية فكان قوله لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ تنبيها على أن الملك لله تعالى وحده يومئذ و لم يقصد به إلى تقرير و لا استخبار و قوله تعالى لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ تأكيد للتنبيه و الدلالة على تفرده تعالى بالملك دون من سواه انتهى.  أقول هذه الأخبار دافعة لتلك الاحتمالات و الشبهة مندفعة بأن الخطاب قد يصدر من الحكيم من غير أن يكون الغرض إفهام المخاطب أو استعلام شي‏ء بل لحكمة أخرى كما هو الشائع بين العرب من خطاب التلال و الأماكن و المواضع لإظهار الشوق أو الحزن أو غير ذلك فلعل الحكمة هاهنا اللطف للمتكلفين من حيث الإخبار به قبل وقوعه ليكون أدعى لهم إلى ترك الدنيا و عدم الاغترار بملكها و دولاتها و إلى العلم بتفرد الصانع بالتدبير و غير ذلك من الصالح للمكلفين

 3-  فس، ]تفسير القمي[ قوله لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ قال حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن زيد النرسي عن عبيد بن زرارة قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إذا أمات الله أهل الأرض لبث كمثل ما خلق الخلق و مثل ما أماتهم و أضعاف ذلك ثم أمات أهل السماء الدنيا ثم لبث مثل ما خلق الخلق و مثل ما أمات أهل الأرض و أهل السماء الدنيا و أضعاف ذلك ثم أمات أهل السماء الثانية ثم لبث مثل ما خلق الخلق و مثل ما أمات أهل الأرض و أهل السماء الدنيا و السماء الثانية و أضعاف ذلك ثم أمات أهل السماء الثالثة ثم لبث مثل ما خلق الخلق و مثل ما أمات أهل الأرض و أهل السماء الدنيا و السماء الثانية و السماء الثالثة و أضعاف ذلك في كل سماء مثل ذلك و أضعاف ذلك ثم أمات ميكائيل ثم لبث مثل ما خلق الخلق و مثل ذلك كله و أضعاف ذلك ثم أمات جبرئيل ثم لبث مثل ما خلق الخلق و مثل ذلك و أضعاف ذلك ثم أمات إسرافيل ثم لبث مثل ما خلق الخلق و مثل ذلك كله و أضعاف ذلك ثم أمات ملك الموت ثم لبث مثل ما خلق الخلق و مثل ذلك كله و أضعاف ذلك ثم يقول الله عز و جل لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ فيرد على نفسه لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ أين الجبارون أين الذين ادعوا  معي إلها أين المتكبرون و نحوهما ثم يبعث الخلق قال عبيد بن زرارة فقلت إن هذا الأمر كله كائن طولت ذلك فقال أ رأيت ما كان هل علمت به فقلت لا قال فكذلك هذا

 ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ ابن أبي عمير مثله

 4-  كتاب زيد النرسي، عنه عن عبيد بن زرارة عنه ع مثله إلى قوله و مثل ما أمات أهل الأرض و السماء الدنيا و السماء الثانية و السماء الثالثة و أضعاف ذلك ثم أمات أهل السماء الرابعة ثم لبث مثل ما خلق الخلق و مثل ما أمات أهل الأرض و أهل السماء الدنيا و السماء الثانية و السماء الثالثة و السماء الرابعة و أضعاف ذلك ثم أمات أهل السماء الخامسة ثم لبث مثل ما خلق الخلق و مثل ما أمات أهل الأرض و أهل السماء الدنيا و الثانية و الثالثة و الرابعة و الخامسة و أضعاف ذلك ثم أمات أهل المساء السادسة ثم لبث مثل ما خلق الخلق و مثل ما أمات أهل الأرض و أهل السماء الدنيا و الثانية و الثالثة و الرابعة و الخامسة و السادسة و أضعاف ذلك ثم أمات أهل السماء السابعة ثم لبث مثل ما خلق الخلق و مثل ما أمات أهل الأرض و أهل السماوات إلى السماء السابعة و أضعاف ذلك ثم أمات ميكائيل و ساق الحديث إلى قوله أين المتكبرون و نحو هذا ثم يلبث مثل ما خلق الخلق و مثل ذلك كله و أضعاف ذلك ثم يبعث الخلق أو ينفخ في الصور قال عبيد بن زرارة قلت هذا الأمر كائن طولت ذلك فقال أ رأيت ما كان قبل أن يخلق الخلق أطول أو ذا قال قلت ذا قال فهل علمت به قال قلت لا قال فكذلك هذا

 بيان كأن المراد بقول الراوي ذا الإشارة إلى الزمان قبل خلق الخلق لأنه غير متناه و إن كان مراده هذه الأزمنة لم ينبهه ع على خطائه و أجاب بوجه آخر رفع استبعاده و ظاهره أنهم لا يحسون بتلك الأزمنة الطويلة إما لانعدامهم بالمرة كما سيأتي أو لكونهم منعمين لا يضرهم طول الأزمنة و الأول أظهر ثم إنه ينافي ظواهر الآيات و الأخبار الدالة على أن موت أهل السماوات بالنفخة دفعة و يمكن التوفيق بينهما  بتكلفات بعيدة لكن هذا الخبر لجهالة النرسي لا يصلح لمعارضة تلك الآيات و الأخبار

 5-  فس، ]تفسير القمي[ قال علي بن إبراهيم في قوله يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ قال تنشق الأرض بأهلها و الرادفة الصيحة و الزجرة النفخة الثانية في الصور

 6-  فس، ]تفسير القمي[ فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً قال يشيب الولدان من الفزع حيث يسمعون الصيحة

 7-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ بالأسانيد الثلاثة عن الرضا عن آبائه ع قال قال رسول الله ص إذا كان يوم القيامة يقول الله عز و جل لملك الموت يا ملك الموت و عزتي و جلالي و ارتفاعي و علوي لأذيقنك طعم الموت كما أذقت عبادي

 صح، ]صحيفة الرضا عليه السلام[ عنه عن آبائه ع مثله

 ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ ابن الصلت عن ابن عقدة عن علي بن محمد عن داود عن الرضا ع مثله و فيه في علو مكاني

 8-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ بالأسانيد الثلاثة عنه ع قال قال رسول الله ص لما نزلت هذه الآية إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ قلت يا رب أ يموت الخلائق و يبقى الأنبياء فنزلت كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ

 صح، ]صحيفة الرضا عليه السلام[ عنه ع مثله و فيه و تبقى الملائكة

بيان الصواب ما في صحيفة الرضا ع و ما في العيون لا يستقيم إلا بتكلفات بعيدة

 9-  يد، ]التوحيد[ ابن المتوكل عن محمد العطار عن محمد بن أحمد عن عبد الله بن محمد عن علي بن مهزيار قال كتب أبو جعفر ع إلى رجل بخطه و قرأته في دعاء كتب به أن يقول يا ذا الذي كان قبل كل شي‏ء ثم خلق كل شي‏ء ثم يبقى و يفنى كل شي‏ء الخبر

 10-  ع، ]علل الشرائع[ علي بن حبشي بن قوني عن حميد بن زياد عن القاسم بن إسماعيل عن محمد بن سلمة عن يحيى بن أبي العلاء الرازي عن أبي عبد الله ع قال يوم الوقت المعلوم يوم ينفخ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ فيموت إبليس ما بين النفخة الأولى و الثانية الخبر

   -11  شي، ]تفسير العياشي[ عن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر ع عن قوله تعالى وَ إِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً قال إنما أمة محمد من الأمم فمن مات فقد هلك

 12-  شي، ]تفسير العياشي[ عن ابن سنان عن أبي عبد الله ع في قول الله وَ إِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ قال هو الفناء بالموت أو غيره و في رواية أخرى عنه قال بالقتل و الموت و غيره

 13-  م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ إن الله ينزل بين نفختي الصور بعد ما ينفخ النفخة الأولى من دوين سماء الدنيا من البحر المسجور الذي قال الله وَ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ و هي من مني كمني الرجل فيمطر ذلك على الأرض فيلقى الماء المني مع الأموات البالية فينبتون من الأرض و يحيون

 14-  كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن أبي المغراء قال حدثني يعقوب الأحمر قال دخلنا على أبي عبد الله ع نعزيه بإسماعيل فترحم عليه ثم قال إن الله عز و جل نعى إلى نبيه ص نفسه فقال إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ قال كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثم أنشأ يحدث فقال إنه يموت أهل الأرض حتى لا يبقى أحد ثم يموت أهل السماء حتى لا يبقى أحد إلا ملك الموت و حملة العرش و جبرئيل و ميكائيل قال فيجي‏ء ملك الموت حتى يقوم بين يدي الله عز و جل فيقال له من بقي و هو أعلم فيقول يا رب لم يبق إلا ملك الموت و حملة العرش و جبرئيل و ميكائيل فيقال قل لجبرئيل و ميكائيل فليموتا فيقول الملائكة عند ذلك يا رب رسولاك و أميناك فيقول إني قد قضيت على كل نفس فيها الروح الموت ثم يجي‏ء ملك الموت حتى يقف بين يدي الله عز و جل فيقال له من بقي و هو أعلم فيقول يا رب لم يبق إلا ملك الموت و حملة العرش فيقول قل لحملة العرش فليموتوا قال ثم يجي‏ء كئيبا حزينا لا يرفع طرفه فيقال له من بقي فيقول يا رب لم يبق إلا ملك الموت فيقال له مت يا ملك الموت فيموت ثم يأخذ الأرض بيمينه و السماوات بيمينه و يقول أين الذين كانوا يدعون معي شريكا أين الذين كانوا يجعلون معي إلها آخر

   ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ فضالة مثله و فيه و السماوات بيمينه فيهزهن هزا مرات ثم يقول

 15-  ج، ]الإحتجاج[ عن هشام بن الحكم في خبر الزنديق الذي سأل الصادق ع عن مسائل إلى أن قال أ يتلاشى الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق قال بل هو باق إلى وقت ينفخ في الصور فعند ذلك تبطل الأشياء و تفنى فلا حس و لا محسوس ثم أعيدت الأشياء كما بدأها مدبرها و ذلك أربعمائة سنة تسبت فيها الخلق و ذلك بين النفختين

 بيان هذا الخبر يدل على فناء الأشياء و انعدامها بعد نفخ الصور و على أن الزمان أمر موهوم و إلا فلا يمكن تقديره بأربعمائة سنة بعد فناء الأفلاك و يمكن أن يكون المراد ما سوى الأفلاك أو ما سوى فلك واحد يتقدر به الأزمان

 16-  نهج، ]نهج البلاغة[ هو المفني لها بعد وجودها حتى يصير موجودها كمفقودها و ليس فناء الدنيا بعد ابتداعها بأعجب من إنشائها و اختراعها و كيف و لو اجتمع جميع حيوانها من طيرها و بهائمها و ما كان من مراحها و سائمها و أصناف أسناخها و أجناسها و متبلدة أممها و أكياسها على إحداث بعوضة ما قدرت على إحداثها و لا عرفت كيف السبيل إلى إيجادها و لتحيرت عقولها في علم ذلك و تاهت و عجزت قواها و تناهت و رجعت خاسئة حسيرة عارفة بأنها مقهورة مقرة بالعجز عن إنشائها مذعنة بالضعف عن إفنائها و إنه سبحانه يعود بعد فناء الدنيا وحده لا شي‏ء معه كما كان قبل ابتدائها كذلك  يكون بعد فنائها بلا وقت و لا مكان و لا حين و لا زمان عدمت عند ذلك الآجال و الأوقات و زالت السنون و الساعات فلا شي‏ء إلا الواحد القهار الذي إليه مصير جميع الأمور بلا قدرة منها كان ابتداء خلقها و بغير امتناع منها كان فناؤها و لو قدرت على الامتناع لدام بقاؤها لم يتكأده صنع شي‏ء منها إذ صنعه و لم يؤده منها خلق ما خلقه و برأه و لم يكونها لتشديد سلطان و لا لخوف من زوال و نقصان و لا للاستعانة بها على ند مكاثر و لا للاحتراز بها من ضد مثاور و لا للازدياد بها في ملكه و لا لمكاثرة شريك في شركه و لا لوحشة كانت منه فأراد أن يستأنس إليها ثم هو يفنيها بعد تكوينها لا لسأم دخل عليه في تصريفها و تدبيرها و لا لراحة واصلة إليه و لا لثقل شي‏ء منها عليه لم يمله طول بقائها فيدعوه إلى سرعة إفنائها لكنه سبحانه دبرها بلطفه و أمسكها بأمره و أتقنها بقدرته ثم يعيدها بعد الفناء من غير حاجة منه إليها و لا استعانة بشي‏ء منها عليها

 أقول قد مرت الخطبة بتمامها و شرحها في كتاب التوحيد. تتميم اعلم أن ظاهر هذا الخبر فناء جميع المخلوقات عند انقضاء العالم كما هو مذهب جماعة من المتكلمين قال شارح المواقف قد سبقت في مباحث الجسم إشارة إلى أن الأجسام باقية غير متزايلة على ما يراه النظام و قابلة للفناء غير دائمة البقاء على ما يراه الفلاسفة قولا بأنها أزلية أبدية و الجاحظ و جمع من الكرامية قولا بأنها أبدية غير أزلية و توقف أصحاب أبي الحسين في صحة الفناء و اختلف القائلون بها في أن الفناء بإعدام معدم أو بحدوث ضد أو بانتفاء شرط أما الأول فذهب القاضي و بعض المعتزلة إلى أن الله تعالى يعدم العالم بلا واسطة فيصير معدوما كما أوجده كذلك فصار موجودا و ذهب أبو الهذيل إلى أنه تعالى يقول له افن فيفنى كما قال له كن فكان و أما الثاني فذهب جمهور المعتزلة إلى أن فناء الجوهر بحدوث ضد له هو الفناء فذهب ابن إخشيد إلى أن الفناء و إن لم يكن متحيزا لكنه يكون حاصلا في جهة معينة فإذا أحدثه الله تعالى فيها عدمت الجواهر بأسرها و ذهب ابن شبيب إلى أن الله تعالى يحدث في كل جوهر فناء ثم ذلك الفناء يقتضي عدم الجوهر في الزمان الثاني و ذهب أبو علي و أتباعه إلى أنه يخلق بعدد كل جوهر فناء  لا في محل فتفنى الجواهر و قال أبو هاشم و أشياعه يخلق فناء واحدا لا في محل فيفنى به الجواهر بأسرها و أما الثالث و هو أن فناء الجوهر بانقطاع شرط وجوده فزعم بشر أن ذلك الشرط بقاء يخلقه الله تعالى لا في محل فإذا لم يخلقه الله تعالى عدم الجوهر و ذهب الأكثرون من أصحابنا و الكلبي من المعتزلة إلى أنه بقاء قائم به يخلقه الله حالا فحالا فإذا لم يخلقه الله تعالى فيه انتفى الجوهر و قال إمام الحرمين إنها الأعراض التي يجب اتصاف الجسم بها فإذا لم يخلقها الله تعالى فيه فنى و قال القاضي في أحد قوليه هو الأكوان التي يخلقها الله في الجسم حالا فحالا فمتى لم يخلقها الله فيه انعدم و قال النظام إنه ليس بباق بل يخلق الله حالا فحالا فمتى لم يخلق فنى و أكثر هذه الأقاويل من قبيل الأباطيل سيما القول بكون الفناء أمرا محققا في الخارج ضدا للبقاء قائما بنفسه أو بالجوهر و كون البقاء موجودا لا في محل و لعل وجه البطلان غني عن البيان ثم القائلون بصحة الفناء و بحقية حشر الأجساد اختلفوا في أن ذلك بالإيجاد بعد الفناء أو بالجمع بعد تفرق الأجزاء و الحق التوقف و هو اختيار إمام الحرمين حيث قال يجوز عقلا أن تعدم الجواهر ثم تعاد و أن تبقى و تزول أعراضها المعهودة ثم تعاد بنيتها و لم يدل قاطع سمعي على تعيين أحدهما فلا يبعد أن يغير أجساد العباد على صفة أجسام التراب ثم يعاد تركيبها إلى ما عهد و لا يحيل أن يعدم منها شي‏ء ثم يعاد و الله أعلم. احتج الأولون بوجوه الأول الإجماع على ذلك قبل ظهور المخالفين كبعض المتأخرين من المعتزلة و أهل السنة و رد بالمنع كيف و قد أطبقت معتزلة بغداد على خلافه نعم كان الصحابة يجمعون على بقاء الحق و فناء الخلق بمعنى هلاك الأشياء و موت الأحياء و تفرق الأجزاء لا بمعنى انعدام الجواهر بالكلية لأن الظاهر أنهم لم يكونوا يخوضون في هذه التدقيقات. الثاني هو قوله تعالى هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ أي في الوجود و لا يتصور ذلك إلا بانعدام ما سواه و ليس بعد القيامة وفاقا فيكون قبلها و أجيب بأنه يجوز أن

   يكون المعنى هو مبدأ كل موجود و غاية كل مقصود أو هو المتوحد في الألوهية أو في صفات الكمال كما إذا قيل لك هذا أول من زارك أو آخرهم فتقول هو الأول و الآخر و تريد أنه لا زائر سواه أو هو الأول و الآخر بالنسبة إلى كل حي بمعنى أنه يبقى بعد موت جميع الأحياء أو هو الأول خلقا و الآخر رزقا كما قال خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ و بالجملة فليس المراد أنه آخر كل شي‏ء بحسب الزمان للاتفاق على أبدية الجنة و من فيها. الثالث قوله تعالى كُلُّ شَيْ‏ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ فإن المراد به الانعدام لا الخروج عن كونه منتفعا به لأن الشي‏ء بعد التفرق يبقى دليلا على الصانع و ذلك من أعظم المنافع و أجيب بأن المعنى أنه هالك في حد ذاته لكونه ممكنا لا يستحق الوجود إلا بالنظر إلى العلة أو المراد بالهلاك الموت أو الخروج عن الانتفاع المقصود به اللائق بحاله كما يقال هلك الطعام إذا لم يبق صالحا للأكل و إن صلح لمنفعة أخرى و معلوم أن ليس مقصود الباري تعالى من كل جوهر الدلالة عليه و إن صلح لذلك كما أن من كتب كتابا ليس مقصوده بكل كلمة الدلالة على الكاتب أو المراد الموت كما في قوله تعالى إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ و قيل معناه كل عمل لم يقصد به وجه الله تعالى فهو هالك أي غير مثاب عليه. الرابع قوله تعالى وَ هُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ و البدء من العدم فكذا العود و أيضا إعادة الخلق بعد إبدائه لا يتصور بدون تخلل العدم و أجيب بأنا لا نسلم أن المراد بإبداء الخلق الإيجاد و الإخراج عن العدم بل الجمع و التركيب على ما يشعر به قوله تعالى وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ و لهذا يوصف بكونه مرئيا مشاهدا كقوله تعالى أَ وَ لَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ أَ وَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ و أما القول بأن الخلق حقيقة في التركيب تمسكا بمثل قوله تعالى خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ أي ركبكم وَ تَخْلُقُونَ إِفْكاً أي تركبونه فلا يكون حقيقة في الإيجاد دفعا للاشتراك فضعيف جدا لإطباق

   أهل اللغة على أنه إحداث و إيجاد مع تقدير سواء كان عن مادة كما في خلقكم من تراب أو بدونه كما في خلق الله العالم. الخامس قوله تعالى كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ و الفناء هو العدم و أجيب بالمنع بل هو خروج الشي‏ء من الصفة التي ينتفع به عندها كما يقال فنى زاد القوم و فنى الطعام و الشراب و لذا يستعمل في الموت مثل أفناهم الحرب و قيل معنى الآية كل من على وجه الأرض من الأحياء فهو ميت قال الإمام و لو سلم كون الفناء و الهلاك بمعنى العدم فلا بد في الآيتين من تأويل إذ لو حملتا على ظاهرهما لزم كون الكل هالكا فانيا في الحال و ليس كذلك و ليس التأويل بكونه آئلا إلى العدم على ما ذكرتم أولى من التأويل بكونه قابلا له و هذه منه إشارة إلى ما اتفق عليه أئمة العربية من كون اسم الفاعل و نحوه مجازا في الاستقبال و أنه لا بد من الاتصاف بالمعنى المشتق منه و إنما الخلاف في أنه هل يشترط بقاء ذلك المعنى و قد توهم صاحب التلخيص أنه كالمضارع يشترك بين الحال و الاستقبال فاعترض بأن حمله على الاستقبال ليس تأويلا و صرفا عن الظاهر. و احتج الآخرون بوجوه الأول أنه لو كان كذلك لما كان الجزاء واصلا إلى مستحقه و اللازم باطل عندنا سمعا للنصوص الواردة في أن الله لا يضيع أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا و عقلا عند المعتزلة لما سبق من وجوب ثواب المطيع و عقاب العاصي و بيان اللزوم أن المنشأ لا يكون هو المبتدأ بل مثله لامتناع إعادة المعدوم بعينه و رد بالمنع و قد مر بيان ضعف أدلته و لو سلم فلا يقوم على من يقول ببقاء الروح أو الأجزاء الأصلية و إعدام البواقي ثم إيجادها و إن لم يكن الثاني هو الأول بعينه بل مغايرا له في وصفه الابتداء و الإعادة أو باعتبار آخر و لا شك أن العمدة في الاستحقاق هو الروح على ما مر و قد يقرر بأنها لو عدمت لما علم إيصال الجزاء إلى مستحقه لأنه لا يعلم أن ذلك المحشور هو الأول أعيد بعينه أم مثل له خلق على صفته أما على تقدير الفناء بالكلية فظاهر و أما على تقدير بقاء الروح و الأجزاء الأصلية فلانعدام التركيب و الهيئات و الصفات التي بها يتمايز المسلمون سيما على قول من يجعل  الروح أيضا من قبيل الأجسام و اللازم منتف لأن الأدلة قائمة على وصول الجزاء إلى المستحق. لا يقال لعل الله يحفظ الروح و الأجزاء الأصلية عن التفرق و الانحلال بل الحكمة تقتضي ذلك ليعلم وصول الحق إلى المستحق لأنا نقول المقصود إبطال رأي من يقول بفناء الأجساد بجميع الأجزاء بل أجسام العالم بأسرها ثم الإيجاد و قد حصل و لو سلم فقد علمت أن العمدة في الحشر هو الأجزاء الأصلية لا الفضلية و قد سلمتم أنها لا تتفرق فضلا عن الانعدام بالكلية بل الجواب أن المعلوم بالأدلة هو أن الله تعالى يوصل الجزاء إلى المستحق و لا دلالة على أنا نعلم ذلك عند الإيصال البتة وَ كَفى بِاللَّهِ عَلِيماً و لو سلم فلعل الله تعالى يخلق علما ضروريا أو طريقا جليا جزئيا أو كليا. الثاني و هو للمعتزلة أن فعل الحكيم لا بد أن يكون لغرض لامتناع العبث عليه و لا يتصور له غرض في الإعدام إذ لا منفعة فيه لأحد لأنها إنما تكون مع الوجود بل الحياة و ليس به أيضا جزاء المستحق كالعذاب و السؤال و الحساب و نحو ذلك و هذا ظاهر و رد بمنع انحصار الغرض في المنفعة و الجزاء فلعل لله في ذلك حكما و مصالح لا يعلمها غيره على أن في الإخبار بالإعدام لطفا للمكلفين و إظهارا لغاية العظمة و الاستغناء و التفرد بالدوام و البقاء ثم الإعدام تحقيق لذلك و تصديق. الثالث النصوص الدالة على كون النشور بالإحياء بعد الموت و الجمع بعد التفريق كقوله تعالى وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى الآية و كقوله تعالى أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها إلى قوله وَ انْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً و كقوله تعالى و كَذلِكَ النُّشُورُ وَ كَذلِكَ تُخْرَجُونَ و كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ بعد ما ذكر بدء الخلق من الطين و على وجه نرى و نشاهد مثل أَ وَ لَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ أَ وَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ و كقوله تعالى

   يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ إلى غير ذلك من الآيات المشعرة بالتفريق دون الإعدام. و الجواب أنها لا تنفي الانعدام و إن لم تدل عليه و إنما سيقت لكيفية الإحياء بعد الموت و الجمع بعد التفريق لأن السؤال وقع عن ذلك و لأنه أظهر في بادئ النظر و الشواهد عليه أكثر ثم هي معارضة بالآيات المشعرة بالإعدام و الفناء انتهى كلامه. و الحق أنه لا يمكن الجزم في تلك المسألة بأحد الجانبين لتعارض الظواهر فيها و على تقدير ثبوته لا يتوقف انعدامها على شي‏ء سوى تعلق إرادة الرب تعالى بإعدامها و أكثر متكلمي الإمامية على عدم الانعدام بالكلية لا سيما في الأجساد قال المحقق الطوسي رحمه الله في التجريد و السمع دل عليه و يتأول في المكلف بالتفريق كما في قصة إبراهيم ع انتهى. و أما الصور فيجب الإيمان به على ما ورد في النصوص الصريحة و تأويله بأنه جمع للصورة كما مر من الطبرسي و قد سبقه الشيخ المفيد رحمه الله فهو خروج عن ظواهر الآيات بل صريحها إذ لا يتأتى ذلك في النفخة الأولى و يأبى عنه أيضا توحيد الضمير في قوله تعالى ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى و إطراح للنصوص الصحيحة الصريحة من غير حاجة و قد قال سيد الساجدين صلوات الله عليه في الدعاء الثالث من الصحيفة الكاملة و إسرافيل صاحب الصور الشاخص الذي ينتظر منك الإذن و حلول الأمر فينبه بالنفخة صرعى رهائن القبور