باب 1- ما احتج صلى الله عليه و آله به على المشركين و الزنادقة و سائر أهل الملل الباطلة

 1-  م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ قوله عز و جل وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ قال الإمام ع قال أمير المؤمنين ع وَ قالُوا يعني اليهود و النصارى قالت اليهود لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أي يهوديا و قوله أَوْ نَصارى يعني و قالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا قال أمير المؤمنين ع و قد قال غيرهم قالت الدهرية الأشياء لا بدء لها و هي دائمة من خالفنا ضال مخطئ مضل و قالت الثنوية النور و الظلمة هما المدبران من خالفنا فقد ضل و قالت مشركو العرب إن أوثاننا آلهة من خالفنا في هذا ضل فقال الله تعالى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ التي يتمنونها قُلْ لهم هاتُوا بُرْهانَكُمْ على مقالتكم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ و قال الصادق ع و قد ذكر عنده الجدال في الدين و إن رسول الله ص و الأئمة ع قد نهوا عنه فقال الصادق ع لم ينه عنه مطلقا و لكنه نهي عن الجدال بغير التي هي أحسن أ ما تسمعون الله يقول وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ و قوله تعالى ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فالجدال بالتي هي أحسن قد قرنه العلماء بالدين و الجدال بغير التي هي أحسن محرم حرمه الله على شيعتنا و كيف يحرم الله الجدال جملة و هو يقول   وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى قال الله تعالى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فجعل علم الصدق الإتيان بالبرهان و هل يؤتى بالبرهان إلا في الجدال بالتي هي أحسن قيل يا ابن رسول الله فما الجدال بالتي هي أحسن و التي ليست بأحسن قال أما الجدال الذي بغير التي هي أحسن فأن تجادل مبطلا فيورد عليك باطلا فلا ترده بحجة قد نصبها الله و لكن تجحد قوله أو تجحد حقا يريد ذلك المبطل أن يعين به باطله فتجحد ذلك الحق مخافة أن يكون له عليك فيه حجة لأنك لا تدري كيف المخلص منه فذلك حرام على شيعتنا أن يصيروا فتنة على ضعفاء إخوانهم و على المبطلين أما المبطلون فيجعلون ضعف الضعيف منكم إذا تعاطى مجادلته و ضعف ما ]من خ ل[ في يده حجة له على باطله و أما الضعفاء منكم فتعمى قلوبهم لما يرون من ضعف المحق في يد المبطل و أما الجدال بالتي هي أحسن فهو ما أمر الله تعالى به نبيه أن يجادل به من جحد البعث بعد الموت و إحياءه له فقال الله تعالى حاكيا عنه وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَ نَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ فقال الله تعالى في الرد عليه قُلْ يا محمد يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ فأراد الله من نبيه أن يجادل المبطل الذي قال كيف يجوز أن يبعث هذه العظام و هي رميم فقال الله قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ أ فيعجز من ابتدأ به لا من شي‏ء أن يعيده بعد أن يبلى بل ابتداؤه أصعب عندكم من إعادته ثم قال الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً أي إذا كان قد كمن النار الحارة في الشجر الأخضر الرطب ثم يستخرجها فعرفكم أنه على إعادة من بلي أقدر ثم قال أَ وَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ أي إذا كان خلق السماوات و الأرض أعظم و أبعد في أوهامكم

  و قدركم أن يقدروا عليه من إعادة البالي فكيف جوزتم من الله خلق الأعجب عندكم و الأصعب لديكم و لم تجوزوا منه ما هو أسهل عندكم من إعادة البالي قال الصادق ع فهذا الجدال بالتي هي أحسن لأن فيها قطع عذر الكافرين و إزالة شبههم و أما الجدال بغير التي هي أحسن فأن تجحد حقا لا يمكنك أن تفرق بينه و بين باطل من تجادله و إنما تدفعه عن باطله بأن تجحد الحق فهذا هو المحرم لأنك مثله جحد هو حقا و جحدت أنت حقا آخر و قال أبو محمد الحسن بن علي العسكري ع فقام إليه رجل آخر فقال يا ابن رسول الله أ فجادل رسول الله فقال الصادق ع مهما ظننت برسول الله ص من شي‏ء فلا تظنن به مخالفة الله أ ليس الله قد قال وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ و قال قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ لمن ضرب لله مثلا أ فتظن أن رسول الله ص خالف ما أمره الله به فلم يجادل ما أمر الله به و لم يخبر عن الله بما أمره أن يخبر به

 و لقد حدثني أبي الباقر عن جدي علي بن الحسين زين العابدين عن أبيه الحسين سيد الشهداء عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين أنه اجتمع يوما عند رسول الله ص أهل خمسة أديان اليهود و النصارى و الدهرية و الثنوية و مشركو العرب فقالت اليهود نحن نقول عزير ابن الله و قد جئناك يا محمد لننظر ما تقول فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك و أفضل و إن خالفتنا خصمناك و قالت النصارى نحن نقول المسيح ابن الله اتحد به و قد جئناك لننظر ما تقول فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك و أفضل و إن خالفتنا خصمناك و قالت الدهرية نحن نقول الأشياء لا بدء لها و هي دائمة و قد جئناك لننظر ما تقول فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك و أفضل و إن خالفتنا خصمناك و قالت الثنوية نحن نقول إن النور و الظلمة هما المدبران و قد جئناك لننظر ما تقول فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك و أفضل و إن خالفتنا خصمناك  و قالت مشركو العرب نحن نقول إن أوثاننا آلهة و قد جئناك لننظر ما تقول فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك و أفضل و إن خالفتنا خصمناك فقال رسول الله ص آمنت بالله وحده لا شريك له و كفرت بالجبت و بكل معبود سواه ثم قال لهم إن الله تعالى قد بعثني كافة للناس بشيرا و نذيرا حجة على العالمين و سيرد كيد من يكيد دينه في نحره ثم قال لليهود أ جئتموني لأقبل قولكم بغير حجة قالوا لا قال فما الذي دعاكم إلى القول بأن عزيرا ابن الله قالوا لأنه أحيا لبني إسرائيل التوراة بعد ما ذهبت و لم يفعل بها هذا إلا لأنه ابنه فقال رسول الله ص فكيف صار عزير ابن الله دون موسى و هو الذي جاءهم بالتوراة و رئي منه من المعجزات ما قد علمتم فإن كان عزير ابن الله لما أظهر من الكرامة بإحياء التوراة فلقد كان موسى بالبنوة أحق و أولى و لئن كان هذا المقدار من إكرامه لعزير يوجب أنه ابنه فأضعاف هذه الكرامة لموسى توجب له منزلة أجل من البنوة و إن كنتم إنما تريدون بالبنوة الولادة على سبيل ما تشاهدونه في دنياكم هذه من ولادة الأمهات الأولاد بوطي آبائهم لهن فقد كفرتم بالله و شبهتموه بخلقه و أوجبتم فيه صفات المحدثين و وجب عندكم أن يكون محدثا مخلوقا و أن يكون له خالق صنعه و ابتدعه قالوا لسنا نعني هذا فإن هذا كفر كما ذكرت و لكنا نعني أنه ابنه على معنى الكرامة و إن لم يكن هناك ولادة كما يقول بعض علمائنا لمن يريد إكرامه و إبانته بالمنزلة عن غيره يا بني و إنه ابني لا على إثبات ولادته منه لأنه قد يقول ذلك لمن هو أجنبي لا نسب بينه و بينه و كذلك لما فعل الله بعزير ما فعل كان قد اتخذه ابنا على الكرامة لا على الولادة فقال رسول الله ص فهذا ما قلته لكم إنه إن وجب على هذا الوجه أن يكون عزير ابنه فإن هذه المنزلة لموسى أولى و إن الله يفضح كل مبطل بإقراره و يقلب عليه حجته

  و أما ما احتججتم به يؤديكم إلى ما هو أكبر مما ذكرته لكم لأنكم قلتم إن عظيما من عظمائكم قد يقول لأجنبي لا نسب بينه و بينه يا بني و هذا ابني لا على طريق الولادة فقد تجدون أيضا هذا العظيم يقول لأجنبي آخر هذا أخي و لآخر هذا شيخي و أبي و لآخر هذا سيدي و يا سيدي على سبيل الإكرام و إن من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول فإذا يجوز عندكم أن يكون موسى أخا لله أو شيخا له أو أبا أو سيدا لأنه قد زاده في الإكرام مما لعزير كما أن من زاد رجلا في الإكرام قال له يا سيدي و يا شيخي و يا عمي و يا رئيسي على طريق الإكرام و إن من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول أ فيجوز عندكم أن يكون موسى أخا لله أو شيخا أو عما أو رئيسا أو سيدا أو أميرا لأنه قد زاده في الإكرام على من قال له يا شيخي أو يا سيدي أو يا عمي أو يا أميري أو يا رئيسي قال فبهت القوم و تحيروا و قالوا يا محمد أجلنا نتفكر فيما قلته لنا فقال انظروا فيه بقلوب معتقدة للإنصاف يهدكم الله ثم أقبل ص على النصارى فقال و أنتم قلتم إن القديم عز و جل اتحد بالمسيح ابنه فما الذي أردتموه بهذا القول أردتم أن القديم صار محدثا لوجود هذا المحدث الذي هو عيسى أو المحدث الذي هو عيسى صار قديما لوجود القديم الذي هو الله أو معنى قولكم إنه اتحد به أنه اختصه بكرامة لم يكرم بها أحدا سواه فإن أردتم أن القديم تعالى صار محدثا فقد أبطلتم لأن القديم محال أن ينقلب فيصير محدثا و إن أردتم أن المحدث صار قديما فقد أحلتم لأن المحدث أيضا محال أن يصير قديما و إن أردتم أنه اتحد به بأن اختصه و اصطفاه على سائر عباده فقد أقررتم بحدوث عيسى و بحدوث المعنى الذي اتحد به من أجله لأنه إذا كان عيسى محدثا و كان الله اتحد به بأن أحدث به معنى صار به أكرم الخلق عنده فقد صار عيسى و ذلك المعنى محدثين و هذا  خلاف ما بدأتم تقولونه قال فقالت النصارى يا محمد إن الله تعالى لما أظهر على يد عيسى من الأشياء العجيبة ما أظهر فقد اتخذه ولدا على جهة الكرامة فقال لهم رسول الله ص قد سمعتم ما قلته لليهود في هذا المعنى الذي ذكرتموه ثم أعاد ص ذلك كله فسكتوا إلا رجلا واحدا منهم قال له يا محمد أ و لستم تقولون إن إبراهيم خليل الله قال قد قلنا ذلك فقال إذا قلتم ذلك فلم منعتمونا من أن نقول إن عيسى ابن الله فقال رسول الله ص إنهما لم يشتبها لأن قولنا إن إبراهيم خليل الله فإنما هو مشتق من الخلة أو الخلة فأما الخلة فإنما معناها الفقر و الفاقة و قد كان خليلا إلى ربه فقيرا و إليه منقطعا و عن غيره متعففا معرضا مستغنيا و ذلك لما أريد قذفه في النار فرمي به في المنجنيق فبعث الله تعالى جبرئيل ع و قال له أدرك عبدي فجاءه فلقيه في الهواء فقال كلفني ما بدا لك فقد بعثني الله لنصرتك فقال بل حسبي الله و نعم الوكيل إني لا أسأل غيره و لا حاجة لي إلا إليه فسماه خليله أي فقيره و محتاجه و المنقطع إليه عمن سواه و إذا جعل معنى ذلك من الخلة و هو أنه قد تخلل معانيه و وقف على أسرار لم يقف عليها غيره كان معناه العالم به و بأموره و لا يوجب ذلك تشبيه الله بخلقه أ لا ترون أنه إذا لم ينقطع إليه لم يكن خليله و إذا لم يعلم بأسراره لم يكن خليله و إن من يلده الرجل و إن أهانه و أقصاه لم يخرج عن أن يكون ولده لأن معنى الولادة قائم ثم إن وجب لأنه قال إبراهيم خليلي أن تقيسوا أنتم فتقولوا إن عيسى ابنه وجب أيضا أن تقولوا له و لموسى إنه ابنه فإن الذي معه من المعجزات لم يكن بدون ما كان مع عيسى فقولوا إن موسى أيضا ابنه و إنه يجوز أن تقولوا على هذا المعنى أنه شيخه و سيده و عمه و رئيسه و أميره كما ذكرته لليهود فقال بعضهم لبعض و في الكتب المنزلة أن عيسى قال أذهب إلى أبي فقال رسول الله ص فإن كنتم بذلك الكتاب تعملون فإن فيه أذهب إلى أبي و أبيكم فقولوا إن جميع الذين خاطبهم عيسى كانوا أبناء الله كما

  كان عيسى ابنه من الوجه الذي كان عيسى ابنه ثم إن ما في هذا الكتاب يبطل عليكم هذا الذي زعمتم أن عيسى من جهة الاختصاص كان ابنا له لأنكم قلتم إنما قلنا إنه ابنه لأنه اختصه بما لم يختص به غيره و أنتم تعلمون أن الذي خص به عيسى لم يخص به هؤلاء القوم الذين قال لهم عيسى أذهب إلى أبي و أبيكم فبطل أن يكون الاختصاص لعيسى لأنه قد ثبت عندكم بقول عيسى لمن لم يكن له مثل اختصاص عيسى و أنتم إنما حكيتم لفظة عيسى و تأولتموها على غير وجهها لأنه إذا قال أبي و أبيكم فقد أراد غير ما ذهبتم إليه و نحلتموه و ما يدريكم لعله عنى أذهب إلى آدم أو إلى نوح أن الله يرفعني إليهم و يجمعني معهم و آدم أبي و أبيكم و كذلك نوح بل ما أراد غير هذا فسكتت النصارى و قالوا ما رأينا كاليوم مجادلا و لا مخاصما و سننظر في أمورنا ثم أقبل رسول الله ص على الدهرية فقال و أنتم فما الذي دعاكم إلى القول بأن الأشياء لا بدء لها و هي دائمة لم تزل و لا تزال فقالوا لأنا لا نحكم إلا بما نشاهد و لم نجد للأشياء محدثا فحكمنا بأنها لم تزل و لم نجد لها انقضاء و فناء فحكمنا بأنها لا تزال فقال رسول الله ص أ فوجدتم لها قدما أم وجدتم لها بقاء أبد الأبد فإن قلتم إنكم وجدتم ذلك أثبتم لأنفسكم أنكم لم تزالوا على هيأتكم و عقولكم بلا نهاية و لا تزالون كذلك و لئن قلتم هذا دفعتم العيان و كذبكم العالمون الذين يشاهدونكم قالوا بل لم نشاهد لها قدما و لا بقاء أبد الأبد قال رسول الله ص فلم صرتم بأن تحكموا بالقدم و البقاء دائما لأنكم لم تشاهدوا حدوثها و انقضاءها أولى من تارك التميز لها مثلكم فيحكم لها بالحدوث و الانقضاء و الانقطاع لأنه لم يشاهد لها  قدما و لا بقاء أبد الأبد أ و لستم تشاهدون الليل و النهار واحدهما بعد الآخر فقالوا نعم فقال أ فترونهما لم يزالا و لا يزالان فقالوا نعم قال أ فيجوز عندكم اجتماع الليل و النهار فقالوا لا فقال ع فإذا ينقطع أحدهما عن الآخر فيسبق أحدهما و يكون الثاني جاريا بعده فقالوا كذلك هو فقال قد حكمتم بحدوث ما تقدم من ليل و نهار و لم تشاهدوهما فلا تنكروا لله قدرة ثم قال ع أ تقولون ما قبلكم من الليل و النهار متناه أم غير متناه فإن قلتم غير متناه فقد وصل إليكم آخر بلا نهاية لأوله و إن قلتم إنه متناه فقد كان و لا شي‏ء منهما قالوا نعم قال لهم أ قلتم إن العالم قديم غير محدث و أنتم عارفون بمعنى ما أقررتم به و بمعنى ما جحدتموه قالوا نعم قال رسول الله ص فهذا الذي نشاهده من الأشياء بعضها إلى بعض مفتقر لأنه لا قوام للبعض إلا بما يتصل به كما ترى البناء محتاجا بعض أجزائه إلى بعض و إلا لم يتسق و لم يستحكم و كذلك سائر ما نرى قال فإذا كان هذا المحتاج بعضه إلى بعض لقوته و تمامه هو القديم فأخبروني أن لو كان محدثا كيف كان يكون و ما ذا كانت تكون صفته قال فصمتوا و علموا أنهم لا يجدون للمحدث صفة يصفونه بها إلا و هي موجودة في هذا الذي زعموا أنه قديم فوجموا و قالوا سننظر في أمرنا ثم أقبل رسول الله ص على الثنوية الذين قالوا النور و الظلمة هما المدبران

  فقال و أنتم فما الذي دعاكم إلى ما قلتموه من هذا فقالوا لأنا قد وجدنا العالم صنفين خيرا و شرا و وجدنا الخير ضدا للشر فأنكرنا أن يكون فاعل واحد يفعل الشي‏ء و ضده بل لكل واحد منهما فاعل أ لا ترى أن الثلج محال أن يسخن كما أن النار محال أن تبرد فأثبتنا لذلك صانعين قديمين ظلمة و نورا فقال لهم رسول الله ص أ فلستم قد وجدتم سوادا و بياضا و حمرة و صفرة و خضرة و زرقة و كل واحد ضد لسائرها لاستحالة اجتماع اثنين منها في محل واحد كما كان الحر و البرد ضدين لاستحالة اجتماعهما في محل واحد قالوا نعم قال فهلا أثبتم بعدد كل لون صانعا قديما ليكون فاعل كل ضد من هذه الألوان غير فاعل الضد الآخر قال فسكتوا ثم قال و كيف اختلط هذا النور و الظلمة و هذا من طبعه الصعود و هذا من طبعه النزول أ رأيتم لو أن رجلا أخذ شرقا يمشي إليه و الآخر غربا يمشي إليه أ كان يجوز أن يلتقيا ما داما سائرين على وجوههما قالوا لا فقال وجب أن لا يختلط النور و الظلمة لذهاب كل واحد منهما في غير جهة الآخر فكيف حدث هذا العالم من امتزاج ما محال أن يمتزج بل هما مدبران جميعا مخلوقان فقالوا سننظر في أمورنا ثم أقبل على مشركي العرب و قال و أنتم فلم عبدتم الأصنام من دون الله فقالوا نتقرب بذلك إلى الله تعالى فقال أ و هي سامعة مطيعة لربها عابدة له حتى تتقربوا بتعظيمها إلى الله فقالوا لا قال فأنتم الذين نحتموها بأيديكم فلأن تعبدكم هي لو كان يجوز منها العبادة أحرى من أن تعبدوها إذا لم يكن أمركم بتعظيمها من هو العارف بمصالحكم و عواقبكم و الحكيم فيما يكلفكم قال فلما قال رسول الله ص هذا اختلفوا فقال بعضهم إن الله قد حل في هياكل رجال كانوا على هذه الصور فصورنا هذه الصور نعظمها لتعظيمنا تلك الصور التي حل فيها ربنا  و قال آخرون منهم إن هذه صور أقوام سلفوا كانوا مطيعين لله قبلنا فمثلنا صورهم و عبدناها تعظيما لله و قال آخرون منهم إن الله لما خلق آدم و أمر الملائكة بالسجود له كنا نحن أحق بالسجود لآدم من الملائكة ففاتنا ذلك فصورنا صورته فسجدنا له تقربا إلى الله تعالى كما تقربت الملائكة بالسجود لآدم إلى الله تعالى و كما أمرتم بالسجود بزعمكم إلى جهة مكة ]كعبة خ ل[ ففعلتم ثم نصبتم في ذلك البلد بأيديكم محاريب سجدتم إليها و قصدتم الكعبة لا محاريبكم و قصدكم بالكعبة إلى الله عز و جل لا إليها فقال رسول الله ص أخطأتم الطريق و ضللتم أما أنتم و هو يخاطب الذين قالوا إن الله يحل في هياكل رجال كانوا على هذه الصور التي صورناها فصورنا هذه نعظمها لتعظيمنا لتلك الصور التي حل فيها ربنا فقد وصفتم ربكم بصفة المخلوقات أ و يحل ربكم في شي‏ء حتى يحيط به ذلك الشي‏ء فأي فرق بينه إذا و بين سائر ما يحل فيه من لونه و طعمه و رائحته و لينه و خشونته و ثقله و خفته و لم صار هذا المحلول فيه محدثا و ذلك قديما دون أن يكون ذلك محدثا و هذا قديما و كيف يحتاج إلى المحال من لم يزل قبل المحال و هو عز و جل كما لم يزل و إذا وصفتموه بصفة المحدثات في الحلول فقد لزمكم أن تصفوه بالزوال أما ما وصفتموه بالزوال و الحدوث فصفوه بالفناء لأن ذلك أجمع من صفات الحال و المحلول فيه و جميع ذلك يغير الذات فإن كان لم يتغير ذات الباري عز و جل بحلوله في شي‏ء جاز أن لا يتغير بأن يتحرك و يسكن و يسود و يبيض و يحمر و

  يصفر و تحله الصفات التي تتعاقب على الموصوف بها حتى يكون فيه جميع صفات المحدثين و يكون محدثا عز الله تعالى عن ذلك ثم قال رسول الله ص فإذا بطل ما ظننتموه من أن الله يحل في شي‏ء فقد فسد ما بنيتم عليه قولكم قال فسكت القوم و قالوا سننظر في أمورنا ثم أقبل على الفريق الثاني فقال أخبرونا عنكم إذا عبدتم صور من كان يعبد الله فسجدتم له و صليتم فوضعتم الوجوه الكريمة على التراب بالسجود لها فما الذي أبقيتم لرب العالمين أ ما علمتم أن من حق من يلزم تعظيمه و عبادته أن لا يساوي به عبده أ رأيتم ملكا أو عظيما إذا ساويتموه بعبيده في التعظيم و الخشوع و الخضوع أ يكون في ذلك وضع من الكبير كما يكون زيادة في تعظيم الصغير فقالوا نعم قال أ فلا تعلمون أنكم من حيث تعظمون الله بتعظيم صور عباده المطيعين له تزرون على رب العالمين قال فسكت القوم بعد أن قالوا سننظر في أمورنا ثم قال رسول الله ص للفريق الثالث لقد ضربتم لنا مثلا و شبهتمونا بأنفسكم و لا سواء و ذلك لأنا عباد الله مخلوقون مربوبون نأتمر له فيما أمرنا و ننزجر عما زجرنا و نعبده من حيث يريده منا فإذا أمرنا بوجه من الوجوه أطعناه و لم نتعد إلى غيره مما لم يأمرنا و لم يأذن لنا لأنا لا ندري لعله أراد منا الأول و هو يكره الثاني و قد نهانا أن نتقدم بين يديه فلما أمرنا أن نعبده بالتوجه إلى الكعبة أطعنا ثم أمرنا بعبادته بالتوجه نحوها في سائر البلدان التي نكون بها فأطعنا فلم نخرج في شي‏ء من ذلك عن اتباع أمره و الله عز و جل حيث أمرنا بالسجود لآدم لم يأمر بالسجود لصورته التي هي غيره فليس لكم أن تقيسوا ذلك عليه لأنكم لا تدرون لعله يكره ما تفعلون إذ لم يأمركم به ثم قال لهم رسول الله ص أ رأيتم لو أذن لكم رجل في دخول داره يوما بعينه أ لكم أن تدخلوها بعد ذلك بغير أمره أو لكم أن تدخلوا دارا له أخرى مثلها بغير أمره أو وهب لكم رجل ثوبا من ثيابه أو عبدا من  عبيده أو دابة من دوابه أ لكم أن تأخذوا ذلك فإن لم تأخذوه أخذتم آخر مثله قالوا لا لأنه لم يأذن لنا في الثاني كما أذن لنا في الأول قال فأخبروني الله أولى بأن لا يتقدم على ملكه بغير أمره أو بعض المملوكين قالوا بل الله أولى بأن لا يتصرف في ملكه بغير إذنه قال فلم فعلتم و متى أمركم أن تسجدوا لهذه الصور قال فقال القوم سننظر في أمورنا و سكتوا و قال الصادق ع فو الذي بعثه بالحق نبيا ما أتت على جماعتهم إلا ثلاثة أيام حتى أتوا رسول الله ص فأسلموا و كانوا خمسة و عشرين رجلا من كل فرقة خمسة و قالوا ما رأينا مثل حجتك يا محمد نشهد أنك رسول الله ص و قال الصادق ع قال أمير المؤمنين ع فأنزل الله تعالى الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ فكان في هذه الآية ردا على ثلاثة أصناف منهم لما قال الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فكان رد على الدهرية الذين قالوا الأشياء لا بدء لها و هي دائمة ثم قال وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ فكان ردا على الثنوية الذين قالوا إن النور و الظلمة هما المدبران ثم قال ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ فكان ردا على مشركي العرب الذين قالوا إن أوثاننا آلهة ثم أنزل الله تعالى قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ إلى آخرها فكان ردا على من ادعى من دون الله ضدا أو ندا قال فقال رسول الله ص لأصحابه قولوا إِيَّاكَ نَعْبُدُ أي نعبد واحدا لا نقول كما قالت الدهرية إن الأشياء لا بدء لها و هي دائمة و لا كما قالت الثنوية الذين قالوا إن النور و الظلمة هما المدبران و لا كما قال مشركو العرب إن أوثاننا آلهة فلا نشرك بك شيئا و لا ندعي من دونك إلها كما يقول هؤلاء الكفار و لا نقول كما قالت اليهود و النصارى إن لك ولدا تعاليت عن ذلك قال فذلك قوله وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى و قال غيرهم من هؤلاء

  الكفار ما قالوا قال الله يا محمد تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ التي يتمنونها بلا حجة قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ و حجتكم على دعواكم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ كما أتى محمد ببراهينه التي سمعتموها ثم قال بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ يعني كما فعل هؤلاء الذين آمنوا برسول الله ص لما سمعوا براهينه و حججه وَ هُوَ مُحْسِنٌ في عمله لله فَلَهُ أَجْرُهُ ثوابه عِنْدَ رَبِّهِ يوم فصل القضاء وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ حين يخاف الكافرون ما يشاهدونه من العذاب وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ عند الموت لأن البشارة بالجنان تأتيهم عند ذلك

 ج، ]الإحتجاج[ بإسناده إلى أبي محمد ع قال ذكر عند الصادق ع الجدال في الدين و أن رسول الله ص و الأئمة ع قد نهوا عنه و ساق الحديث إلى قوله و قالوا ما رأينا مثل حجتك يا محمد نشهد أنك رسول الله

 بيان قوله ص من الخلة أو الخلة و الأولى بالفتح و هي بمعنى الفقر و الحاجة و الثانية بالضم و هي بمعنى غاية الصداقة و المحبة اشتق من الخلال لأن المحبة تخللت قلبه فصارت خلاله أي في باطنه و قد ذكر اللغويون أنه يحتمل كون الخليل مشتقا من الخلة بالفتح أو الضم. قوله ص قد حكمتم بحدوث ما تقدم من ليل و نهار تدرج ع في الاحتجاج فنزلهم أولا عن مرتبة الإنكار إلى مدرجة الشك بهذا الكلام و حاصله أنكم كثيرا ما تحكمون بأشياء لم تروها كحكمكم هذا بعدم اجتماع الليل و النهار فيما سبق من الأزمان فليس لكم أن تجعلوا عدم مشاهدتكم لشي‏ء حجة للجزم بإنكاره فلا تنكروا لله قدرة أي فلا تنكروا أن الأشياء مقدورة لله تعالى و أن الله خالقها أو لا تنكروا قدرة الله على إحداثها من كتم العدم و من غير مادة ثم أخذ ص في إقامة البرهان على حدوثها و هو يحتمل وجهين. الأول أن يكون إلى آخر الكلام برهانا واحدا حاصله أنه لا يخلو من أن يكون الليل و النهار أي الزمان غير متناه من طرف الأزل منتهيا إلينا أو متناهيا من  طرف الأزل أيضا فعلى الثاني فالأشياء لحدوثها لا بد لها من صانع يتقدمها ضرورة فهذا معنى قوله فقد كان و لا شي‏ء منهما أي كان الصانع قبل وجود شي‏ء منهما ثم أخذ ص في إبطال الشق الأول بأنكم إنما حكمتم بقدمها لئلا تحتاج إلى صانع و العقل السليم يحكم بأن القديم الذي لا يحتاج إلى صانع لا بد أن يكون مباينا في الصفات و الحالات للحادث الذي يحتاج إلى الصانع مع أن ما حكمتم بقدمه لم يتميز عن الحادث في شي‏ء من التغيرات و الصفات و الحالات أو المعنى أن ما يوجب الحكم في الحادث بكونه محتاجا إلى الصانع من التركب و اعتوار الصفات المتضادة عليه و كونها في معرض الانحلال و الزوال كلها موجودة فيما حكمتم بقدمه و عدم احتياجه إلى الصانع فيجب أن يكون هذا أيضا حادثا مصنوعا. الثاني أن يكون قوله أ تقولون إلى قوله قال لهم أ قلتم برهانا واحدا بأن يكون قوله فقد وصل إليكم آخر بلا نهاية لأوله إبطالا للشق الأول بالإحالة على الدلائل التي أقيمت على إبطال الأمور الغير المتناهية المترتبة بناء على عدم اشتراط وجودها معا في إجرائها كما زعمه أكثر المتكلمين و يكون بعد ذلك دليلا واحدا كما مر سياقه و يمكن أن يقرر ما قبله أيضا برهانا ثالثا على إثبات الصانع بأن يكون المراد بقوله ص حكمتم بحدوث ما تقدم من ليل و نهار لبيان أن حكمهم بحدوث كل ليل و نهار يكفي لاحتياجها إلى الصانع و لا ينفعكم قدم طبيعة الزمان فإن كل ليل و كل نهار لحدوثه بشخصه يكفي لإثبات ذلك. قوله ص و كيف اختلط هذا النور و الظلمة إشارة إلى ما ذكره المانوية من الثنوية و هو أن العالم مصنوع مركب من أصلين قديمين أحدهما نور و الآخر ظلمة و أنهما أبديان لم يزلا و لا يزالان ثم اختلفوا في المزاج و سببه فقال بعضهم كان ذلك بالخبط و الاتفاق و قال بعضهم وجوها ركيكة أخرى و قالوا جميع أجزاء النور أبدا في الصعود و الارتفاع و أجزاء الظلمة أبدا في النزول و التسفل فرد النبي ص عليهم بأنكم إذا اعترفتم بأن النور يقتضي بطبعه الصعود و الظلمة تقتضي بطبعها النزول و لا تعترفون بصانع يقسرهما على الاجتماع و الامتزاج فمن أين جاء امتزاجهما و اختلاطهما  ليحصل هذا العالم و كيف يتأتى الخبط و الاتفاق مع كون الطبيعتين قاسرتين لهما على الافتراق و تفصيل القول و بسط الكلام في أمثال ذلك يوجب الخروج عن موضوع الكتاب و إنما نكتفي بإشارات مقنعة لأولي الألباب في كل باب

 2-  م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ ج، ]الإحتجاج[ بالإسناد إلى أبي محمد العسكري ع أنه قال قلت لأبي علي بن محمد ع هل كان رسول الله ص يناظر اليهود و المشركين إذا عاتبوه و يحاجهم قال بلى مرارا كثيرة منها ما حكى الله تعالى من قولهم وَ قالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَ يَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ إلى قوله رَجُلًا مَسْحُوراً وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً إلى قوله كِتاباً نَقْرَؤُهُ ثم قيل له في آخر ذلك لو كنت نبيا كموسى لنزلت علينا الصاعقة في مسألتنا إليك لأن مسألتنا أشد من مسائل قوم موسى لموسى قال و ذلك أن رسول الله ص كان قاعدا ذات يوم بمكة بفناء الكعبة إذا اجتمع جماعة من رؤساء قريش منهم الوليد بن المغيرة المخزومي و أبو البختري بن هشام و أبو جهل بن هشام و العاص بن وائل السهمي و عبد الله بن أبي أمية المخزومي و كان معهم جمع ممن يليهم كثير و رسول الله ص في نفر من أصحابه يقرأ عليهم كتاب الله و يؤدي إليهم عن الله أمره و نهيه فقال المشركون بعضهم لبعض لقد استفحل أمر محمد و عظم خطبه فتعالوا نبدأ بتقريعه و تبكيته و توبيخه و الاحتجاج عليه و إبطال ما جاء به ليهون خطبه على أصحابه و يصغر قدره عندهم فلعله أن ينزعه عما هو فيه من غيه و باطله و تمرده و طغيانه فإن انتهى و إلا عاملناه بالسيف الباتر قال أبو جهل فمن الذي يلي كلامه و مجادلته قال عبد الله بن أبي أمية المخزومي  أنا إلى ذلك أ فما ترضاني له قرنا حسيبا و مجادلا كفيا قال أبو جهل بلى فأتوه بأجمعهم فابتدأ عبد الله بن أبي أمية المخزومي فقال يا محمد لقد ادعيت دعوى عظيمة و قلت مقالا هائلا زعمت أنك رسول رب العالمين و ما ينبغي لرب العالمين و خالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسوله بشرا مثلنا تأكل كما نأكل و تمشي في الأسواق كما نمشي فهذا ملك الروم و هذا ملك الفرس لا يبعثان رسولا إلا كثير مال عظيم حال له قصور و دور و فساطيط و خيام و عبيد و خدام و رب العالمين فوق هؤلاء كلهم و هم عبيده و لو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك و نشاهده بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبيا لكان إنما يبعث إلينا ملكا لا بشرا مثلنا ما أنت يا محمد إلا مسحورا و لست بنبي فقال رسول الله ص هل بقي من كلامك شي‏ء قال بلى لو أراد الله أن يبعث إلينا رسولا لبعث أجل من فيما بيننا مالا و أحسنه حالا فهلا نزل هذا القرآن الذي تزعم أن الله أنزله عليك و انبعثك به رسولا عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ إما الوليد بن المغيرة بمكة و إما عروة بن مسعود الثقفي بالطائف فقال رسول الله ص هل بقي من كلامك شي‏ء يا عبد الله فقال بلى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً بمكة هذه فإنها ذات أحجار وعرة و جبال تكسح أرضها و تحفرها و تجري فيها العيون فإننا إلى ذلك محتاجون أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَ عِنَبٍ فتأكل منها و تطعمنا فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها خلال تلك النخيل و الأعناب تَفْجِيراً أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً فإنك قلت لنا وَ إِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ فلعلنا نقول ذلك ثم قال أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَ الْمَلائِكَةِ قَبِيلًا تأتي به و بهم و هم لنا مقابلون أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ تعطينا منه و تغنينا به فلعلنا نطغى فإنك قلت لنا كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى ثم قال أَوْ تَرْقى  فِي السَّماءِ

أي تصعد في السماء وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ أي لصعودك حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ من الله العزيز الحكيم إلى عبد الله بن أبي أمية المخزومي و من معه بأن آمنوا بمحمد بن عبد الله بن عبد المطلب فإنه رسولي فصدقوه في مقاله فإنه من عندي ثم لا أدري يا محمد إذا فعلت هذا كله أؤمن بك أو لا أؤمن بك بل لو رفعتنا إلى السماء و فتحت أبوابها و أدخلتناها لقلنا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا أو سحرتنا فقال رسول الله ص يا عبد الله أ بقي شي‏ء من كلامك فقال يا محمد أ و ليس فيما أوردته عليك كفاية و بلاغ ما بقي شي‏ء فقل ما بدا لك و أفصح عن نفسك إن كانت لك حجة و أتنا بما سألناك فقال رسول الله ص اللهم أنت السامع لكل صوت و العالم بكل شي‏ء تعلم ما قاله عبادك فأنزل الله عليه يا محمد وَ قالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَ يَمْشِي فِي الْأَسْواقِ إلى قوله رَجُلًا مَسْحُوراً ثم قال الله تعالى انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا ثم قال يا محمد تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَ يَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً و أنزل عليه يا محمد فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَ ضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ الآية و أنزل عليه يا محمد وَ قالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَ لَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ إلى قوله وَ لَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ فقال له رسول الله ص يا عبد الله أما ما ذكرت من أني آكل الطعام كما تأكلون و زعمت أنه لا يجوز لأجل هذه أن أكون لله رسولا فإنما الأمر لله يَفْعَلُ ما يَشاءُ و يَحْكُمُ ما يُرِيدُ و هو محمود و ليس لك و لا لأحد الاعتراض عليه بلم و كيف أ لا ترى أن الله كيف أفقر بعضا و أغنى بعضا و أعز بعضا و أذل بعضا و أصح بعضا و أسقم بعضا و شرف بعضا و وضع بعضا و كلهم ممن يأكل الطعام ثم ليس للفقراء أن يقولوا لم أفقرتنا و أغنيتهم و لا للوضعاء أن يقولوا لم وضعتنا و شرفتهم لا للزمنى و الضعفاء أن يقولوا لم أزمنتنا و أضعفتنا و صححتهم و لا للأذلاء أن يقولوا لم أذللتنا و أعززتهم و لا لقباح الصور أن يقولوا لم أقبحتنا و جملتهم بل إن قالوا ذلك كانوا على ربهم رادين و له في أحكامه منازعين و به كافرين و لكان جوابه لهم أنا

  الملك الخافض الرافع المغني المفقر المعز المذل المصحح المسقم و أنتم العبيد ليس لكم إلا التسليم لي و الانقياد لحكمي فإن سلمتم كنتم عبادا مؤمنين و إن أبيتم كنتم بي كافرين و بعقوباتي من الهالكين ثم أنزل الله عليه يا محمد قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يعني آكل الطعام يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ يعني قل لهم أنا في البشرية مثلكم و لكن ربي خصني بالنبوة دونكم كما يخص بعض البشر بالغنى و الصحة و الجمال دون بعض من البشر فلا تنكروا أن يخصني أيضا بالنبوة ثم قال رسول الله ص و أما قولك هذا ملك الروم و ملك الفرس لا يبعثان رسولا إلا كثير المال عظيم الحال له قصور و دور و فساطيط و خيام و عبيد و خدام و رب العالمين فوق هؤلاء كلهم فإنهم عبيده فإن الله له التدبير و الحكم لا يفعل على ظنك و حسبانك و لا باقتراحك بل يَفْعَلُ ما يَشاءُ و يَحْكُمُ ما يُرِيدُ و هو محمود يا عبد الله إنما بعث الله نبيه ليعلم الناس دينهم و يدعوهم إلى ربهم و يكد نفسه في ذلك آناء ليله و نهاره فلو كان صاحب قصور يحتجب فيها و عبيد و خدم يسترونه عن الناس أ ليس كانت الرسالة تضيع و الأمور تتباطأ أ و ما ترى الملوك إذا احتجبوا كيف يجري الفساد و القبائح من حيث لا يعلمون به و لا يشعرون يا عبد الله إنما بعثني الله و لا مال لي ليعرفكم قدرته و قوته و أنه هو الناصر لرسوله لا تقدرون على قتله و لا منعه من رسالته فهذا أبين في قدرته و في عجزكم و سوف يظفرني الله بكم فأوسعكم قتلا و أسرا ثم يظفروني الله ببلادكم و يستولي عليها المؤمنون من دونكم و دون من يوافقكم على دينكم ثم قال رسول الله ص و أما قولك و لو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك و نشاهده بل لو أراد أن يبعث إلينا نبيا لكان إنما يبعث لنا ملكا لا بشرا مثلنا فالملك لا تشاهده حواسكم لأنه من جنس هذا الهواء لا عيان منه و لو شاهدتموه بأن يزاد في قوى أبصاركم لقلتم ليس هذا ملكا بل هذا بشر لأنه إنما كان يظهر لكم بصورة البشر الذي قد ألفتموه لتفهموا عنه مقالته و تعرفوا خطابه و مراده فكيف كنتم تعلمون صدق الملك و أن ما يقوله حق بل إنما بعث الله بشرا و أظهر على

  يده المعجزات التي ليست في طبائع البشر الذين قد علمتم ضمائر قلوبهم فتعلمون بعجزكم عما جاء به أنه معجزة و أن ذلك شهادة من الله بالصدق له و لو ظهر لكم ملك و ظهر على يده ما يعجز عنه البشر لم يكن في ذلك ما يدلكم أن ذلك ليس في طبائع سائر أجناسه من الملائكة حتى يصير ذلك معجزا أ لا ترون أن الطيور التي تطير ليس ذلك منها بمعجز لأن لها أجناسا يقع منها مثل طيرانها و لو أن آدميا طار كطيرانها كان ذلك معجزا فالله عز و جل سهل عليكم الأمر و جعله بحيث يقوم عليكم حجته و أنتم تقترحون علم الصعب الذي لا حجة فيه ثم قال رسول الله ص و أما قولك ما أنت إلا رجل مسحور فكيف أكون كذلك و قد تعلمون أني في صحة التمييز و العقل فوقكم فهل جربتم علي منذ نشأت إلى أن استكملت أربعين سنة خزية أو ذلة أو كذبة أو جناية أو خطأ من القول أو سفها من الرأي أ تظنون أن رجلا يعتصم طول هذه المدة بحول نفسه و قوتها أو بحول الله و قوته و ذلك ما قال الله تعالى انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا إلى أن يثبتوا عليك عمى بحجة أكثر من دعاويهم الباطلة التي يبين عليك التحصيل بطلانها ثم قال رسول الله ص و أما قولك لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ الوليد بن المغيرة بمكة أو عروة بالطائف فإن الله ليس يستعظم مال الدنيا كما تستعظمه أنت و لا خطر له عنده كما له عندك بل لو كانت الدنيا عنده تعدل جناح بعوضة لما سقى كافرا به مخالفا له شربة ماء و ليس قسمة رحمة الله إليك بل الله هو القاسم للرحمات و الفاعل لما يشاء في عبيده و إمائه و ليس هو عز و جل ممن يخاف أحدا كما تخافه أنت لماله و حاله فعرفته بالنبوة لذلك و لا ممن يطمع في أحد في ماله أو حاله كما تطمع فتخصه بالنبوة لذلك و لا ممن يحب أحدا محبة الهوى كما تحب فيقدم من لا يستحق التقديم و إنما معاملته بالعدل فلا يؤثر لأفضل مراتب الدين و خلاله إلا الأفضل في طاعته و الأجد في خدمته و كذا لا يؤخر في مراتب  الدين و خلاله إلا أشدهم تباطؤا عن طاعته و إذا كان هذا صفته لم ينظر إلى مال و لا إلى حال بل هذا المال و الحال من تفضله و ليس لأحد من عباده عليه ضريبة لازمة فلا يقال له إذا تفضلت بالمال على عبد فلا بد أن تتفضل عليه بالنبوة أيضا لأنه ليس لأحد إكراهه على خلاف مراده و لا إلزامه تفضلا لأنه تفضل قبله بنعمة أ لا ترى يا عبد الله كيف أغنى واحدا و قبح صورته و كيف حسن صورة واحد و أفقره و كيف شرف واحدا و أفقره و كيف أغنى واحدا و وضعه ثم ليس لهذا الغني أن يقول هلا أضيف إلى يساري جمال فلان و لا للجميل أن يقول هلا أضيف إلى جمالي مال فلان و لا للشريف أن يقول هلا أضيف إلى شرفي مال فلان و لا للوضيع أن يقول هلا أضيف إلى ضعتي شرف فلان و لكن الحكم لله يقسم كيف يشاء و يفعل كما يشاء و هو حكيم في أفعاله محمود في أعماله و ذلك قوله وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ قال الله تعالى أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ يا محمد نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فأحوجنا بعضا إلى بعض أحوج هذا إلى مال ذلك و أحوج ذلك إلى سلعة هذا و إلى خدمته فترى أجل الملوك و أغنى الأغنياء محتاجا إلى أفقر الفقراء في ضرب من الضروب إما سلعة معه ليست معه و إما خدمة يصلح لها لا يتهيأ لذلك الملك أن يستغني إلا به و إما باب من العلوم و الحكم هو فقير إلى أن يستفيدها من هذا الفقير الذي يحتاج إلى مال ذلك الملك الغني و ذلك الملك يحتاج إلى علم هذا الفقير أو رأيه أو معرفته ثم ليس للملك أن يقول هلا اجتمع إلى مالي علم هذا الفقير و لا للفقير أن يقول هلا اجتمع إلى رأيي و علمي و ما أتصرف فيه من فنون الحكم مال هذا الملك الغني

  ثم قال وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا ثم قال يا محمد قل لهم وَ رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ أي ما يجمعه هؤلاء من أموال الدنيا ثم قال رسول الله ص و أما قولك لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً إلى آخر ما قلته فإنك اقترحت على محمد رسول الله أشياء منها ما لو جاءك به لم يكن برهانا لنبوته و رسول الله يرتفع أن يغتنم جهل الجاهلين و يحتج عليهم بما لا حجة فيه و منها ما لو جاءك به كان معه هلاكك و إنما يؤتى بالحجج و البراهين ليلزم عباد الله الإيمان بها لا ليهلكوا بها فإنما اقترحت هلاكك و رب العالمين أرحم بعباده و أعلم بمصالحهم من أن يهلكهم بما يقترحون و منها المحال الذي لا يصح و لا يجوز كونه و رسول رب العالمين يعرفك ذلك و يقطع معاذيرك و يضيق عليك سبيل مخالفته و يلجئك بحجج الله إلى تصديقه حتى لا يكون لك عند ذلك محيد و لا محيص و منها ما قد اعترفت على نفسك أنك فيه معاند متمرد لا تقبل حجة و لا تصغي إلى برهان و من كان كذلك فدواؤه عذاب الله النازل من سمائه أو في جحيمه أو بسيوف أوليائه و أما قولك يا عبد الله لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً بمكة هذه فإنها ذات حجارة و صخور و جبال تكسح أرضها و تحفرها و تجري فيها العيون فإننا إلى ذلك محتاجون فإنك سألت هذا و أنت جاهل بدلائل الله يا عبد الله أ رأيت لو فعلت هذا كنت من أجل هذا نبيا قال لا قال أ رأيت الطائف التي لك فيها بساتين أ ما كان هناك مواضع فاسدة صعبة أصلحتها و ذللتها و كسحتها و أجريت فيها عيونا استنبطتها قال بلى قال و هل لك فيها في هذا نظراء قال بلى قال أ فصرت بذلك أنت و هم أنبياء قال لا قال فكذلك لا يصير هذا حجة لمحمد  لو فعله على نبوته فما هو إلا كقولك لن نؤمن لك حتى تقوم و تمشي على الأرض أو حتى تأكل الطعام كما يأكل الناس و أما قولك يا عبد الله أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَ عِنَبٍ فتأكل منها و تطعمنا و تفجر الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً أ و ليس لأصحابك و لك جنات من نخيل و عنب بالطائف تأكلون و تطعمون منها و تفجرون الأنهار خلالها تفجيرا أ فصرتم أنبياء بهذا قال لا قال فما بال اقتراحكم على رسول الله ص أشياء لو كانت كما تقترحون لما دلت على صدقه بل لو تعاطاها لدل تعاطيها على كذبه لأنه حينئذ يحتج بما لا حجة فيه و يختدع الضعفاء عن عقولهم و أديانهم و رسول رب العالمين يجل و يرتفع عن هذا ثم قال رسول الله ص يا عبد الله و أما قولك أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً فإنك قلت وَ إِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ فإن في سقوط السماء عليكم هلاككم و موتكم فإنما تريد بهذا من رسول الله ص أن يهلكك و رسول رب العالمين أرحم بك من ذلك لا يهلكك و لكنه يقيم عليك حجج الله و ليس حجج الله لنبيه على حسب اقتراح عباده لأن العباد جهال بما يجوز من الصلاح و بما لا يجوز من منه خ ل الفساد و قد يختلف اقتراحهم و يتضاد حتى يستحيل وقوعه و الله لا يجري تدبيره على ما يلزم به المحال ثم قال رسول الله ص و هل رأيت يا عبد الله طيبا كان دواؤه للمرضى على حسب اقتراحاتهم و إنما يفعل به ما يعلم صلاحه فيه أحبه العليل أو كرهه فأنتم المرضى و الله طيبكم فإن أنفذتم لدوائه شفاكم و إن تمردتم عليه أسقمكم و بعد فمتى رأيت يا عبد الله مدعي حق من قبل رجل أوجب عليه حاكم من حكامهم فيما مضى بينة على دعواه على حسب اقتراح المدعى عليه إذا ما كان يثبت لأحد على أحد دعوى و لا حق و لا كان بين ظالم و مظلوم و لا بين صادق و كاذب فرق ثم قال يا عبد الله و أما قولك أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَ الْمَلائِكَةِ قَبِيلًا يقابلوننا و نعاينهم

  فإن هذا من المحال الذي لا خفاء به لأن ربنا عز و جل ليس كالمخلوقين يجي‏ء و يذهب و يتحرك و يقابل شيئا حتى يؤتى به فقد سألتموه بهذا المحال و إنما هذا الذي دعوت إليه صفة أصنامكم الضعيفة المنقوصة التي لا تسمع و لا تبصر و لا تعلم و لا تغني عنكم شيئا و لا عن أحد يا عبد الله أ و ليس لك ضياع و جنات بالطائف و عقار بمكة و قوام عليها قال بلى قال أ فتشاهد جميع أحوالها بنفسك أو بسفراء بينك و بين معامليك قال بسفراء قال أ رأيت لو قال معاملوك و أكرتك و خدمك لسفرائك لا نصدقكم في هذه السفارة إلا أن تأتونا بعبد الله بن أبي أمية لنشاهده فنسمع ما تقولون عنه شفاها كنت تسوغهم هذا أ و كان يجوز لهم عندك ذلك قال لا قال فما الذي يجب على سفرائك أ ليس أن يأتوهم عنك بعلامة صحيحة تدلهم على صدقهم يجب عليهم أن يصدقوهم قال بلى قال يا عبد الله أ رأيت سفيرك لو أنه لما سمع منهم هذا عاد إليك و قال قم معي فإنهم قد اقترحوا علي مجيئك معي أ ليس يكون لك مخالفا و تقول له إنما أنت رسول لا مشير و آمر قال بلى قال فكيف صرت تقترح على رسول رب العالمين ما لا تسوغ على أكرتك و معامليك أن يقترحوه على رسولك إليهم و كيف أردت من رسول رب العالمين أن يستذم على ربه بأن يأمر عليه و ينهى و أنت لا تسوغ مثل هذا على رسولك إلى أكرتك و قوامك هذه حجة قاطعة لإبطال جميع ما ذكرته في كل ما اقترحته يا عبد الله و أما قولك يا عبد الله أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ و هو الذهب أ ما بلغك أن لعظيم مصر بيوتا من زخرف قال بلى قال أ فصار بذلك نبيا قال لا قال فكذلك لا توجب لمحمد لو كانت له نبوة و محمد لا يغتنم جهلك بحجج الله و أما قولك يا عبد الله أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ ثم قلت وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ يا عبد الله الصعود إلى السماء أصعب من النزول عنها و إذا  اعترفت على نفسك أنك لا تؤمن إذا صعدت فكذلك حكم النزول ثم قلت حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ ثم من بعد ذلك لا أدري أؤمن بك أو لا أؤمن بك فأنت يا عبد الله بأنك تعاند حجة الله عليك فلا دواء لك إلا تأديبه على يد أوليائه البشر أو ملائكته الزبانية و قد أنزل الله علي حكمة جامعة لبطلان كل ما اقترحته فقال تعالى قُلْ يا محمد سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا ما أبعد ربي عن أن يفعل الأشياء على ما تقترحه الجهال بما يجوز و بما لا يجوز و هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا لا يلزمني إلا إقامة حجة الله التي أعطاني و ليس لي أن آمر على ربي و لا أنهى و لا أشير فأكون كالرسول الذي بعثه ملك إلى قوم من مخالفيه فرجع إليه يأمره أن يفعل بهم ما اقترحوه عليه فقال أبو جهل يا محمد هاهنا واحدة أ لست زعمت أن قوم موسى احترقوا بالصاعقة لما سألوه أن يريهم الله جهرة قال بلى قال فلو كنت نبيا لاحترقنا نحن أيضا فقد سألنا أشد مما سأل قوم موسى لأنهم زعمت أنهم قالوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً و نحن نقول لن نؤمن لك حتى تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَ الْمَلائِكَةِ قَبِيلًا نعاينهم فقال رسول الله ص يا أبا جهل أ ما علمت قصة إبراهيم الخليل ع لما رفع في الملكوت و ذلك قول ربي وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ قوى الله بصره لما رفعه دون السماء حتى أبصر الأرض و من عليها ظاهرين و مستترين فرأى رجلا و امرأة على فاحشة فدعا عليهما بالهلاك فهلكا ثم رأى آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا ثم رأى آخرين فهم بالدعاء عليهما فأوحى الله إليه أن يا إبراهيم اكفف دعوتك عن عبادي و إمائي فإني أنا الغفور الرحيم الجبار الحليم لا تضرني ذنوب عبادي و إمائي كما لا تنفعني طاعتهم و لست

  أسوسهم بشفاء الغيظ كسياستك فاكفف دعوتك عن عبادي فإنما أنت عبد نذير لا شريك في المملكة و لا مهيمن علي و عبادي معي بين خلال ثلاث إما تابوا إلي فتبت عليهم و غفرت ذنوبهم و سترت عيوبهم و إما كففت عنهم عذابي لعلمي بأنه سيخرج من أصلابهم ذريات مؤمنون فأرفق بالآباء الكافرين و أتأنى بالأمهات الكافرات و أرفع عنهم عذابي ليخرج ذلك المؤمن من أصلابهم فإذا تزايلوا حق بهم عذابي و حاق بهم بلائي و إن لم يكن هذا و لا هذا فإن الذي أعددته لهم من عذابي أعظم مما تريده بهم فإن عذابي لعبادي على حسب جلالي و كبريائي يا إبراهيم فخل بيني و بين عبادي فإني أرحم بهم منك و خل بيني و بين عبادي فإني أنا الجبار الحليم العلام الحكيم أدبرهم بعلمي و أنفذ فيهم قضائي و قدري ثم قال رسول الله ص إن الله يا أبا جهل إنما دفع عنك العذاب لعلمه بأنه سيخرج من صلبك ذرية طيبة عكرمة ابنك و سيلي من أمور المسلمين ما إن أطاع الله فيه كان عند الله جليلا و إلا فالعذاب نازل عليك و كذلك سائر قريش السائلين لما سألوا من هذا إنما أمهلوا لأن الله علم أن بعضهم سيؤمن بمحمد و ينال به السعادة فهو لا يقتطعه عن تلك السعادة و لا يبخل بها عليه أو من يولد منه مؤمن فهو ينظر أباه لإيصال ابنه إلى السعادة و لو لا ذلك لنزل العذاب بكافتكم فانظر نحو السماء فنظر إلى أكنافها و إذا أبوابها مفتحة و إذا النيران نازلة منها مسامتة لرءوس القوم تدنو منهم حتى وجدوا حرها بين أكتافهم فارتعدت فرائص أبي جهل و الجماعة  فقال رسول الله ص و لا تروعنكم فإن الله لا يهلككم بها و إنما أظهرها عبرة لكم ثم نظروا و إذا قد خرج من ظهور الجماعة أنوار قابلتها و رفعتها و دفعتها حتى أعادتها في السماء كما جاءت منها فقال رسول الله ص بعض هذه الأنوار أنوار من قد علم الله أنه سيسعده بالإيمان بي منكم من بعد و بعضها أنوار ذرية طيبة ستخرج عن بعضكم ممن لا يؤمن و هم يؤمنون

 توضيح استفحل الأمر تفاقم و عظم قوله تكسح أرضها أي تكنسها عن تلك الأحجار قوله فلعلنا نقول ذلك لعل الأظهر فلعلنا لا نقول ذلك و يحتمل أن يكون المعنى افعل ذلك لعلنا نقول ذلك فيكون مصدقا لقولك و حجة لك علينا و كذا الكلام في قوله فلعلنا نطغى و الضريبة ما يؤدي العبد إلى سيده من الخراج المقدر عليه و يقال استذم الرجل إلى الناس أي أتى بما يذم عليه

 3-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد قال أخبرني أبو محمد عبد الله بن أبي شيخ إجازة قال حدثنا أبو محمد بن أحمد الحكيمي قال أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله أبو سعيد البصري قال حدثنا وهب بن جرير عن أبيه قال حدثنا محمد بن إسحاق بن بشار المدني قال حدثني سعيد بن مينا عن غير واحد من أصحابه أن نفرا من قريش اعترضوا الرسول ص منهم عتبة بن ربيعة و أمية بن خلف و الوليد بن المغيرة و العاص بن سعيد فقالوا يا محمد هلم فلنعبد ما تعبد و تعبد ما نعبد فنشترك نحن و أنت في الأمر فإن يكن الذي نحن عليه الحق فقد أخذت بحظك منه و إن يكن الذي أنت عليه الحق فقد أخذنا بحظنا منه فأنزل الله تبارك و تعالى قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ وَ لا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ إلى آخر السورة  ثم مشى أبي بن خلف بعظم رميم ففته في يده ثم نفخه و قال أ تزعم أن ربك يحيي هذا بعد ما ترى فأنزل الله تعالى وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَ نَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ إلى آخر السورة

 4-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي أن أعرابيا أتى النبي ص فقال إني أريد أن أسألك عن أشياء فلا تغضب قال سل عما بدا لك فإن كان عندي أجبتك و إلا سألت جبرئيل فقال أخبرنا عن الصليعاء و عن القريعاء و عن أول دم وقع على وجه الأرض و عن خير بقاع الأرض و عن شرها فقال يا أعرابي هذا ما سمعت به و لكن يأتيني جبرئيل فأسأله فهبط فقال هذه أسماء ما سمعت بها قط فعرج إلى السماء ثم هبط فقال أخبر الأعرابي أن الصليعاء هي المسباخ التي يزرعها أهلها فلا تنبت شيئا و أما القريعاء فالأرض التي يزرعها أهلها فتنبت هاهنا طاقة و هاهنا طاقة فلا يرجع إلى أهلها نفقاتهم و خير بقاع الأرض المساجد و شرها الأسواق و هي ميادين إبليس إليها يغدو و إن أول دم وقع على الأرض مشيمة حواء حين ولدت قابيل بن آدم

 بيان قال الجزري في حديث علي ع أن أعرابيا سأل النبي ص عن الصليعاء و القريعاء الصليعاء تصغير الصلعاء الأرض التي لا تنبت و القريعاء أرض لعنها الله إذا أنبتت أو زرع فيها نبت في حافيتها و لم ينبت في متنها شي‏ء

 5-  م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَ الْمَلائِكَةُ وَ قُضِيَ الْأَمْرُ وَ إِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ قال الإمام لما بهرهم رسول الله ص بآياته و قد رد معاذيرهم بمعجزاته أبى بعضهم الإيمان و اقترح عليه الاقتراحات الباطلة و هي ما قال الله تعالى وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً أَوْ تَكُونَ  لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَ عِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَ الْمَلائِكَةِ قَبِيلًا و سائر ما ذكر في الآية فقال الله تعالى يا محمد هَلْ يَنْظُرُونَ أي هل ينظر هؤلاء المكذبون بعد إيضاحنا لهم الآيات و قطعنا معاذيرهم بالمعجزات إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَ الْمَلائِكَةُ و يأتيهم الملائكة كما كانوا اقترحوا عليك اقتراحهم المحال في الدنيا في إتيان الله الذي لا يجوز عليه و إتيان الملائكة الذين لا يأتون إلا مع زوال هذا التعبد و حين وقوع هلاك الظالمين بظلمهم و هذا وقت التعبد لا وقت مجي‏ء الأملاك بالهلاك فهم في اقتراحهم لمجي‏ء الأملاك جاهلون وَ قُضِيَ الْأَمْرُ أي هل ينظرون إلا مجي‏ء الملائكة فإذا جاءوا و كان ذلك قضي الأمر بهلاكهم وَ إِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ فهو يتولى الحكم فيما يحكم بالعقاب على من عصاه و يوجب كريم المآب لمن أرضاه

 قال علي بن الحسين ع طلب هؤلاء الكفار الآيات و لم يقنعوا بما أتاهم به منها بما فيه الكفاية و البلاغ حتى قيل لهم هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ أي إذا لم يقنعوا بالحجة الواضحة الدافعة فهل ينظرون إلا أن يأتيهم الله و ذلك محال لأن الإتيان على الله لا يجوز

 6-  كنز الكراجكي، جاء في الحديث أن قوما أتوا رسول الله ص فقالوا له أ لست رسول الله قال لهم بلى قالوا له و هذا القرآن الذي أتيت به كلام الله قال نعم قالوا فأخبرني عن قوله إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ إذا كان معبودهم معهم في النار فقد عبدوا المسيح أ فتقول إنه في النار فقال لهم رسول الله ص إن الله سبحانه أنزل القرآن علي بكلام العرب و المتعارف في لغتها أن ما لما لا يعقل و من لمن يعقل و الذي يصلح لهما  جميعا فإن كنتم من العرب فأنتم تعلمون هذا قال الله تعالى إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ يريد الأصنام التي عبدوها و هي لا تعقل و المسيح ع لا يدخل في جملتها فإنه يعقل و لو كان قال إنكم و من تعبدون لدخل المسيح في الجملة فقال القوم صدقت يا رسول الله