باب 16- احتجاجات موسى بن جعفر عليهما السلام على أرباب الملل و الخلفاء و بعض ما روي عنه من جوامع العلوم

1-  يد، ]التوحيد[ أبي عن أحمد بن إدريس و محمد العطار عن الأشعري عن ابن هاشم عن محمد بن حماد عن الحسن بن إبراهيم عن يونس عن هشام بن الحكم عن جاثليق من جثالقة النصارى يقال له بريهة قد مكث جاثليق في النصرانية سبعين سنة فكان يطلب الإسلام و يطلب من يحج عليه ممن يقرأ كتبه و يعرق المسيح بصفاته و دلائله و آياته قال و عرف بذلك حتى اشتهر في النصارى و المسلمين و اليهود و المجوس حتى افتخرت به النصارى و قالت لو لم يكن في دين النصرانية إلا بريهة لأجزأنا و كان طالبا للحق و الإسلام مع ذلك و كانت معه امرأة تخدمه طال مكثها معه و كان يسر إليها ضعف النصرانية و ضعف حجتها قال فعرفت ذلك منه فضرب بريهة الأمر ظهرا لبطن و أقبل يسأل عن أئمة المسلمين و عن صلحائهم و علمائهم و أهل الحجى منهم و كان يستقرئ فرقة فرقة لا يجد عند القوم شيئا و قال لو كانت أئمتكم أئمة على الحق لكان عندكم بعض الحق فوصف له الشيعة و وصف له هشام بن الحكم فقال يونس بن عبد الرحمن فقال لي هشام بينما أنا على دكاني على باب الكرخ جالس و عندي قوم يقرءون علي القرآن فإذا أنا بفوج النصارى معه ما بين القسيسين إلى غيرهم نحو من مائة رجل عليهم السواد و البرانس و الجاثليق الأكبر فيهم بريهة حتى نزلوا حول دكاني و جعل لبريهة كرسي يجلس عليه فقامت الأساقفة و الرهابنة على عصيهم و على رءوسهم برانسهم فقال بريهة ما بقي في المسلمين أحد ممن يذكر بالعلم بالكلام إلا و قد ناظرته في النصرانية فما عندهم شي‏ء فقد جئت أناظرك في الإسلام قال فضحك هشام فقال يا بريهة إن كنت تريد مني آيات كآيات المسيح فليس أنا بالمسيح و لا مثله و لا أدانيه ذاك روح طيبة خميصة مرتفعة آياته ظاهرة و علاماته قائمة فقال بريهة فأعجبني الكلام و الوصف قال هشام إن أردت الحجاج فهاهنا قال بريهة نعم فإني أسألك ما نسبة نبيكم هذا من المسيح نسبة الأبدان قال هشام ابن عم جده لأمه لأنه من ولد إسحاق و محمد ص من ولد إسماعيل قال بريهة و كيف تنسبه إلى أبيه قال هشام إن أردت نسبته عندكم فأخبرتكم و إن أردت نسبته عندنا أخبرتك قال بريهة أريد نسبته عندنا و ظننت أنه إذا نسبه نسبتنا أغلبه قلت فانسبه بالنسبة التي ننسبه بها قال هشام نعم يقولون إنه قديم من قديم فأيهما الأب و أيهما الابن قال بريهة الذي نزل إلى الأرض الابن قال بريهة الابن رسول الأب قال هشام إن الأب أحكم من الابن لأن الخلق خلق الأب قال بريهة إن الخلق خلق الأب و خلق الابن قال هشام ما منعهما أن ينزلا جميعا كما خلقا إذ اشتركا قال بريهة كيف يشتركان و هما شي‏ء واحد إنما يفترقان بالاسم قال هشام إنما يجتمعان بالاسم قال بريهة جهل هذا الكلام قال هشام عرف هذا الكلام قال بريهة إن الابن متصل بالأب قال هشام إن الابن منفصل من الأب قال بريهة هذا خلاف ما يعقله الناس قال هشام إن كان ما يعقله الناس شاهدا لنا و علينا فقد غلبتك لأن الأب كان و لم يكن الابن فتقول هكذا يا بريهة قال لا ما أقول هكذا قال فلم استشهدت قوما لا تقبل شهادتهم لنفسك قال بريهة إن الأب اسم و الابن اسم بقدرة القديم قال هشام الاسمان قديمان كقدم الأب و الابن قال بريهة لا و لكن الأسماء محدثة قال فقد جعلت الأب ابنا و الابن أبا إن كان الابن أحدث هذه الأسماء دون الأب فهو الأب و إن كان الأب أحدث هذه الأسماء فهو الابن و الابن أب و ليس هاهنا ابن قال بريهة إن الابن اسم للروح حين نزلت إلى الأرض قال هشام فحين لم تنزل إلى الأرض فاسمها ما هو قال بريهة فاسمها ابن نزلت أو لم تنزل قال هشام فقبل النزول هذه الروح اسمها كلها واحدة أو اسمها اثنان قال بريهة هي كلها واحدة روح واحدة قال رضيت أن تجعل بعضها ابنا و بعضها أبا قال بريهة لا لأن اسم الأب و اسم الابن واحد قال هشام فالابن أبو الأب و الأب أبو الابن فالأب و الابن واحد قال الأساقفة بلسانها لبريهة ما مر بك مثل ذا قط تقوم فتحير

 بريهة و ذهب يقوم فتعلق به هشام قال ما يمنعك من الإسلام أ في قلبك حزازة فقلها و إلا سألتك عن النصرانية مسألة واحدة تبيت عليها ليلتك هذه فتصبح و ليست لك همة غيري قالت الأساقفة لا ترد هذه المسألة لعلها تشكل قال بريهة قلها يا أبا الحكم قال هشام أ فرأيتك الابن يعلم ما عند الأب قال نعم قال أ فرأيتك الأب يعلم كل ما عند الابن قال نعم قال أ فرأيتك تخبر عن الابن أ يقدر على كل ما يقدر عليه الأب قال نعم قال أ فرأيتك عن الأب أ يقدر على كل ما يقدر عليه الابن قال نعم قال فكيف يكون واحد منهما ابن صاحبه و هما متساويان و كيف يظلم كل واحد منهما صاحبه قال بريهة ليس منهما ظلم قال هشام من الحق بينهما أن يكون الابن أب الأب و الأب ابن الابن بت عليها يا بريهة و افترق النصارى و هم يتمنون أن لا يكونوا رأوا هشاما و لا أصحابه قال فرجع بريهة مغتما مهتما حتى صار إلى منزله فقالت امرأته التي تخدمه ما لي أراك مهتما مغتما فحكى لها الكلام الذي كان بينه و بين هشام فقالت لبريهة ويحك أ تريد أن تكون على حق أو على باطل قال بريهة بل على الحق فقالت له أينما وجدت الحق فمل إليه و إياك و اللجاجة فإن اللجاجة شك و الشك شؤم و أهله في النار قال فصوب قولها و عزم على الغدو على هشام قال فغدا إليه و ليس معه أحد من أصحابه فقال يا هشام أ لك من تصدر عن رأيه فترجع إلى قوله و تدين بطاعته قال هشام نعم يا بريهة قال و ما صفته قال هشام في نسبه أو دينه قال فيهما جميعا صفة نسبه و صفة دينه قال هشام أما النسب خير الأنساب رأس العرب و صفوة قريش و فاضل بني هاشم كل من نازعه في نسبه وجده أفضل منه لأن قريشا أفضل العرب و بنو هاشم أفضل قريش و أفضل بني هاشم خاصهم و دينهم و سيدهم و كذلك ولد السيد أفضل من ولد غيره و هذا من ولد السيد قال فصف دينه قال هشام شرائعه أو صفة بدنه و طهارته قال صفة بدنه و طهارته قال هشام معصوم فلا يعصى و سخي فلا يبخل و شجاع فلا يجبن و ما استودع من العلم فلا يجهل حافظ للدين قائم بما فرض عليه من عترة الأنبياء و جامع علم الأنبياء يحلم عند الغضب و ينصف عند الظلم و يعين عند الرضا و ينصف من العدو و الولي و لا يسألك شططا في عدوه و لا يمنع إفادة وليه يعمل بالكتاب و يحدث بالأعجوبات من أهل الطهارات يحكي قول الأئمة الأصفياء لم ينقض له حجة و لم يجعل مسألة يفتي في كل سنة و يجلو كل مدلهمة قال بريهة وصفت المسيح في صفاته و أثبته بحججه و آياته إلا أن الشخص بائن عن شخصه و الوصف قائم بوصفه فإن يصدق الوصف نؤمن بالشخص قال هشام إن تؤمن ترشد و إن تتبع الحق لا تؤنب ثم قال هشام يا بريهة ما من حجة أقامها الله على أول خلقه إلا أقامها في وسط خلقه و آخر خلقه فلا تبطل الحجج و لا تذهب الملل و لا تذهب السنن قال بريهة ما أشبه هذا بالحق و أقربه بالصدق هذه صفة الحكماء يقيمون من الحجة ما ينفون به الشبهة قال هشام نعم فارتحلا حتى أتيا المدينة و المرأة معهما و هما يريدان أبا عبد الله ع فلقيا موسى بن جعفر ع فحكى له هشام الحكاية فلما فرغ قال موسى بن جعفر ع يا بريهة كيف علمك بكتابك قال أنا به عالم قال كيف ثقتك بتأويله قال ما أوثقني بعلمي به قال فابتدأ موسى ع يقرأ الإنجيل قال بريهة و المسيح لقد كان يقرؤها هكذا و ما قرأ هذه القراءة إلا المسيح قال بريهة

 إياك كنت أطلب منذ خمسين سنة أو مثلك قال فآمن و حسن إيمانه و آمنت المرأة و حسن إيمانها قال فدخل هشام و بريهة و المرأة على أبي عبد الله ع فحكى هشام الحكاية و الكلام الذي جرى بين موسى ع و بريهة فقال أبو عبد الله ع ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ قال بريهة جعلت فداك أنى لكم التوراة و الإنجيل و كتب الأنبياء قال هي عندنا وراثة من عندهم نقرؤها كما قرءوها و نقولها كما قالوها إن الله لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شي‏ء فيقول لا أدري فلزم بريهة أبا عبد الله ع حتى مات أبو عبد الله ع ثم لزم موسى بن جعفر ع حتى مات في زمانه فغسله و كفنه بيده و قال هذا حواري من حواري المسيح يعرف حق الله عليه فتمنى أكثر أصحابه أن يكونوا مثله

 بيان قال الفيروزآبادي الجاثليق بفتح الثاء المثلثة رئيس للنصارى في بلاد الإسلام بمدينة السلام و يكون تحت يد بطريق أنطاكية ثم المطران تحت يده ثم الأسقف يكون في كل بلد من تحت المطران ثم القسيس ثم الشماس. قوله خميصة أي جائعة نسب الجوع إلى الروح مجازا و المراد أنه كان مرتاضا لله أو كناية عن الخفاء أي مخفية كيفية حدوثها عن الخلق و قيل ساكنة مطمئنة من خمص الجرح إذا سكن ورمه. قوله إن أردت الحجاج فهاهنا في بعض النسخ فها هين فكلمة ها للإجابة و هين خبر مبتدإ محذوف أي هو عندنا هين يسير. قوله إنما يجتمعان بالاسم أي العقل يحكم بمغايرة الشخصين و استحالة اتحادهما و إنما اجتمعا حيث سميتهما باسم واحد كالقديم و الإله و الخالق و نحوها أو المعنى أنه لا يعقل اتحادهما إلا باتحاد اسمهما و اختلاف الاسم دليل على تغاير المسميات و الأول أوجه فقال بريهة هذا الكلام مجهول غير معقول قال هشام بل هو معروف عند العقلاء موجه فقال إن الابن متصل بالأب أي متحد معه فقال بل الابن يكون جزء من الأب منفصلا منه فكيف يجوز اتحاده به. قوله هذا خلاف ما يعقله الناس لعله بني الكلام على المغالطة فإن الناس يقولون إن الابن متصل بالأب غير منفصل عنه أي هو متحد معه في الحقيقة مرتبط به يشتركان في الأحوال غالبا فحمله على الواحدة الحقيقية فغير هشام الكلام إلى ما لا يحتمل المغالطة فقال لو كان شهادة الناس حجة فهم يحكمون بأن الأب متقدم وجوده زمانا على وجود الابن فلم لا تقول به. قوله بقدرة القديم أي حصل هذان الاسمان بقدرة القديم فسأله هشام عن قدم الاسمين فقال لا بل هما محدثان فاستدل هشام على بطلان الاتحاد بمنبهات فسأله عن محدث الأسماء ثم قال إن قلت إن المحدث هو الابن دون الأب فالحكم بالاتحاد يقتضي أن يكون الأب أيضا محدثا و هو خلاف الفرض و كذا العكس فأراد التفصي عن ذلك فقال الروح لما نزلت إلى الأرض سميت بالابن ثم ندم عن ذلك و رجع و قال قبل النزول أيضا كانت ابنا. و يحتمل أن يكون مراده أنها من حيث النزول و الاتصال بالبدن سميت ابنا فسبب التسمية حادث و التسمية قديم فسأله هشام هل كان قبل النزول شيئان لهما اسمان فقال لا بل كانت روح واحدة و لما كان كلامه متهافتا متناقضا وجهه هشام بأنه يكون بعضه مسمى بالابن و بعضه مسمى بالأب فلم يرض بذلك فحكم باتحاد الاسمين أيضا كاتحاد المسميين و يحتمل أن يكون مراده بالاسم هاهنا المسمى فقال هشام الابن أمر إضافي لا بد له من أب و الحكم بالاتحاد يقتضي أن يكون الابن أبا للأب و الحال أن الأب لا بد أن يكون أبا لابن فكيف يكون الأب و الابن واحدا و لا يبعد أن يكون في الأصل فالابن ابن الأب أي البنوة الإضافية تقتضي أبا و الأبوة تقتضي ابنا فكيف تحكم باتحادهما أو اتحاد الاسمين على الاحتمال الأول مع تغاير المفهومين فقوله فالأب و الابن واحد استفهام على الإنكار. قوله و هما متساويان حاصل الكلام أن الحكم بأن أحدهما ابن و الآخر أب يقتضي فرقا بينهما حتى يحكم على أحدهما بالأبوة التي هي أقوى و فيها جهة العلية و على الآخر بالبنوة التي هي أضعف و فيها جهة المعلولية فإذا حكمت بأنهما متساويان من جميع الجهات لا يتأتى هذا الحكم و أما الظلم فهو من حيث إن الأبوة شرافة و بحكم الاتحاد يتصف الابن بأبوة الأب و هذا ظلم للأب و كذا العكس و الحكم بالظلم من الطرفين أيضا مبني على الاتحاد و يحتمل أن يكون المراد غصب ما هو حق له سواء كان أشرف أم لا

 2-  ف، ]تحف العقول[ من كلام موسى بن جعفر ع مع الرشيد في خبر طويل ذكرنا منه موضع الحاجة إليه دخل إليه و قد عمد على القبض عليه لأشياء كذبت عليه عنده فأخرج طومارا طويلا فيه مذاهب و شنعة نسبها إلى شيعته فقرأه ثم قال له يا أمير المؤمنين نحن أهل بيت منينا بالتقول علينا و ربنا غفور ستور أبى أن يكشف أسرار عباده إلا في وقت محاسبته يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ثم قال حدثني أبي عن أبيه عن علي عن النبي صلوات الله عليهم الرحم إذا مست الرحم اضطربت ثم سكنت فإن رأى أمير المؤمنين أن تمس رحمي رحمه و يصافحني فعل فتحول عند ذلك عن سريره و مد يمينه إلى موسى فأخذه بيمينه ثم ضمه إلى صدره فاعتنقه و أقعده عن يمينه و قال أشهد أنك صادق و أبوك صادق و جدك صادق و رسول الله ص صادق و لقد دخلت و أنا أشد الناس عليك حنقا و غضبا لما رقي إلي فيك فلما تكلمت بما تكلمت و صافحتني سرى عني و تحول غضبي عليك رضا و سكت ساعة ثم قال له أريد أن أسألك عن العباس و علي بما صار علي أولى بميراث رسول الله ص من العباس و العباس عم رسول الله ص و صنو أبيه فقال له موسى اعفني قال لا و الله لا أعفيتك فأجبني قال فإن لم تعفني فأمني قال أمنتك قال إن النبي ص لم يورث من قدر على الهجرة فلم يهاجر إن أباك العباس آمن و لم يهاجر و إن عليا آمن و هاجر و قال الله الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا فالتمع لون هارون و تغير و قال ما لكم لا تنسبون إلى علي و هو أبوكم و تنسبون إلى رسول الله ص و هو جدكم فقال موسى ع إن الله نسب المسيح عيسى ابن مريم إلى خليله إبراهيم بأمه مريم البكر البتول التي لم يمسها بشر في قوله تعالى وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى وَ هارُونَ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَ زَكَرِيَّا وَ يَحْيى وَ عِيسى وَ إِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ فنسبه بأمه وحدها إلى خليله إبراهيم كما نسب داود و سليمان و أيوب و يوسف و موسى و هارون بآبائهم و أمهاتهم فضيلة لعيسى و منزلة رفيعة بأمه وحدها و ذلك قوله تعالى في قصة مريم إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَ طَهَّرَكِ وَ اصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ بالمسيح من غير بشر و كذلك اصطفى ربنا فاطمة ع و طهرها و فضلها على نساء العالمين بالحسن و الحسين سيدي شباب أهل الجنة فقال له هارون و قد اضطرب و ساءه ما سمع من أين قلتم الإنسان يدخله الفساد من قبل النساء و من قبل الآباء لحال الخمس الذي لم يدفع إلى أهله فقال موسى ع هذه مسألة ما سأل عنها أحد من السلاطين غيرك أمير المؤمنين و لا تيم و لا عدي و لا بنو أمية و لا سئل عنها أحد من آبائي فلا تكشفني عنها قال فإن الزندقة

 قد كثرت في الإسلام و هؤلاء الزنادقة الذين يرفعون إلينا في الأخبار هم المنسوبون إليكم فما الزنديق عندكم أهل البيت فقال ع الزنديق هو الراد على الله و على رسوله و هم الذين يحادون الله و رسوله قال الله لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ إلى آخر الآية و هم الملحدون عدلوا عن التوحيد إلى الإلحاد فقال هارون أخبرني عن أول من ألحد و تزندق فقال موسى ع أول من ألحد و تزندق في السماء إبليس اللعين فاستكبر و افتخر على صفي الله و نجيبه آدم فقال اللعين أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ فعتا عن أمر ربه و ألحد فتوارث الإلحاد ذريته إلى أن تقوم الساعة فقال و لإبليس ذرية فقال نعم أ لم تسمع إلى قول الله إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَ هُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً لأنهم يضلون ذرية آدم بزخارفهم و كذبهم و يشهدون أن لا إله إلا الله كما وصفهم الله في قوله تعالى وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ أي أنهم لا يقولون ذلك إلا تلقينا و تأديبا و تسمية و من لم يعلم و إن شهد كان شاكا حاسدا معاندا و لذلك قالت العرب من جهل أمرا عاداه و من قصر عنه عابه و ألحد فيه لأنه جاهل غير عالم و كان له مع أبي يوسف القاضي كلام طويل ليس هذا موضعه ثم قال الرشيد بحق آبائك لما اختصرت كلمات جامعة لما تجاريناه فقال نعم و أتي بدواة و قرطاس فكتب  بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ جميع أمور الأديان أربعة أمر لا اختلاف فيه و هو إجماع الأمة على الضرورة التي يضطرون إليها الأخبار المجمع عليها و هي الغاية المعروض عليها كل شبهة و المستنبط منها كل حادثة و أمر يحتمل الشك و الإنكار فسبيله استيضاح أهله لمنتحليه بحجة من كتاب الله مجمع على تأويلها و سنة مجمع عليها لا اختلاف فيها أو قياس تعرف العقول عدله و يسع خاصة الأمة و عامتها الشك فيه و الإنكار له و هذان الأمران من أمر التوحيد فما دونه و أرش الخدش فما فوقه فهذا المعروض الذي يعرض عليه أمر الدين فما ثبت لك برهانه اصطفيته و ما غمض عليك صوابه نفيته فمن أورد واحدة من هذه الثلاث فهي الحجة البالغة التي بينها الله في قوله لنبيه قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ يبلغ الحجة البالغة الجاهل فيعلمها بجهله كما يعلمه العالم بعلمه لأن الله عدل لا يجور يحتج على خلقه بما يعلمون و يدعوهم إلى ما يعرفون لا إلى ما يجهلون و ينكرون فأجازه الرشيد و رده و الخبر طويل

 أقول سيأتي الخبر بإسناد آخر في أبواب تاريخه ع بتغيير و اعلم أن عدم توريث من لم يهاجر غير مشهور بين علمائنا و سيأتي القول فيه في كتاب الميراث و قد مر شرح آخر الخبر في كتاب العلم

 3-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي أن قوما من اليهود قالوا للصادق ع أي معجز يدل على نبوة محمد ص قال كتابه المهيمن الباهر لعقول الناظرين مع ما أعطي من الحلال و الحرام و غيرهما مما لو ذكرناه لطال شرحه فقال اليهود كيف لنا أن نعلم أن هذا كما وصفت فقال لهم موسى بن جعفر ع و هو صبي و كان حاضرا و كيف لنا بأن نعلم ما تذكرون من آيات موسى أنها على ما تصفون قالوا علمنا ذلك بنقل الصادقين قال لهم موسى بن جعفر ع فاعلموا صدق ما أنبأتكم به بخبر طفل لقنه الله تعالى من غير تعليم و لا معرفة عن الناقلين فقالوا نشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و أنكم الأئمة الهادية و الحجج من عند الله على خلقه فوثب أبو عبد الله ع فقبل بين عيني موسى بن جعفر ع ثم قال أنت القائم من بعدي فلهذا قالت الواقفة إن موسى بن جعفر ع حي و إنه القائم ثم كساهم أبو عبد الله و وهب لهم و انصرفوا مسلمين و لا شبهة في ذلك لأن كل إمام يكون قائما بعد أبيه فأما القائم الذي يملأ الأرض عدلا فهو المهدي بن الحسن العسكري

 أقول سيأتي احتجاجه ع على اليهود في بيان معجزات النبي ص بطوله في أبواب معجزاته ص

 4-  شي، ]تفسير العياشي[ عن الحسن بن علي بن النعمان قال لما بنى المهدي في المسجد الحرام بقيت دار في تربيع المسجد فطلبها من أربابها فامتنعوا فسأل عن ذلك الفقهاء فكل قال له إنه لا ينبغي أن تدخل شيئا في المسجد الحرام غصبا فقال له علي بن يقطين يا أمير المؤمنين لو كتبت إلى موسى بن جعفر ع لأخبرك بوجه الأمر في ذلك فكتب إلى والي المدينة أن سل موسى بن جعفر ع عن دار أردنا أن ندخلها في المسجد الحرام فامتنع علينا صاحبها فكيف المخرج من ذلك فقال ذلك لأبي الحسن ع فقال أبو الحسن ع و لا بد من الجواب في هذا فقال له الأمر لا بد منه فقال اكتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إن كانت الكعبة هي النازلة بالناس فالناس أولى ببنيانها و إن كان الناس هم النازلون بفناء الكعبة فالكعبة أولى بفنائها فلما أتى الكتاب المهدي أخذ الكتاب فقبله ثم أمر بهدم الدار فأتى أهل الدار أبا الحسن ع فسألوه أن يكتب لهم إلى المهدي كتابا في ثمن دارهم فكتب إليه أن ارضخ لهم شيئا فأرضاهم

 بيان الرضخ العطاء القليل

 5-  ف، ]تحف العقول[ قال عبد الله بن يحيى كتبت إليه في دعاء الحمد لله منتهى علمه فكتب لا تقولن منتهى علمه فإنه ليس لعلمه منتهى و لكن قل الحمد لله منتهى رضاه

 6-  و سأله رجل عن الجواد فقال إن لكلامك وجهين فإن كنت تسأل عن المخلوق فإن الجواد الذي يؤدي ما افترض الله عليه و البخيل من بخل بما افترض الله عليه و إن كنت تعني الخالق فهو الجواد إن أعطى و هو الجواد إن منع لأنه إن أعطاك أعطاك ما ليس لك و إن منعك منعك ما ليس لك

 7-  و قال له وكيله و الله ما خنتك فقال له خيانتك و تضييعك علي مالي سواء و الخيانة شرهما عليك

 8-  و قال ع من تكلم في الله هلك و من طلب الرئاسة هلك و من دخله العجب هلك

 9-  و قال اشتدت مئونة الدنيا و الدين فأما مئونة الدنيا فإنك لا تمد يدك إلى شي‏ء منها إلا وجدت فاجرا قد سبقك إليه و أما مئونة الآخرة فإنك لا تجد عوانا يعينونك عليه

 10-  و قال أربعة من الوسواس أكل الطين و فت الطين و تقليم الأظفار بالأسنان و أكل اللحية و ثلاث يجلين البصر النظر إلى الخضرة و النظر إلى الماء الجاري و النظر إلى الوجه الحسن

 11-  و قال ع إذا كان الجور أغلب من الحق لم يحل لأحد أن يظن بأحد خيرا حتى يعرف ذلك منه

 12-  و قال ع ليس القبلة على الفم إلا للزوجة و الولد الصغير

  -13  و قال ع تفقهوا في دين الله فإن الفقه مفتاح البصيرة و تمام العبادة و السبب إلى المنازل الرفيعة و الرتب الجليلة في الدين و الدنيا و فضل الفقيه على العابد كفضل الشمس على الكواكب و من لم يتفقه في دينه لم يرض الله له عملا

 14-  و قال ع لعلي بن يقطين كفارة عمل السلطان الإحسان إلى الإخوان

 15-  و قال ع إذا كان الإمام عادلا كان له الأجر و عليك الشكر و إذا كان جائرا كان عليه الوزر و عليك الصبر

 16-  و قال أبو حنيفة حججت في أيام أبي عبد الله الصادق ع فلما أتيت المدينة دخلت داره فجلست في الدهليز أنتظر إذنه إذ خرج صبي يدرج فقلت يا غلام أين يضع الغريب الغائط من بلدكم قال على رسلك ثم جلس مستندا إلى الحائط ثم قال توق شطوط الأنهار و مساقط الثمار و أفنية المساجد و قارعة الطريق و توار خلف جدار و شل ثوبك و لا تستقبل القبلة و لا تستدبرها و ضع حيث شئت فأعجبني ما سمعت من الصبي فقلت له ما اسمك فقال أنا موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع فقلت له يا غلام ممن المعصية فقال إن السيئات لا تخلو من إحدى ثلاث إما أن تكون من الله و ليست منه فلا ينبغي للرب أن يعذب العبد على ما لا يرتكب و إما أن تكون منه و من العبد و ليست كذلك فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف و إما أن تكون من العبد و هي منه فإن عفا فبكرمه و جوده و إن عاقب فبذنب العبد و جريرته قال أبو حنيفة فانصرفت و لم ألق أبا عبد الله ع و استغنيت بما سمعت

  -17  كنز الكراجكي، روى محمد بن سنان عن داود الرقي أن أبا حنيفة قال لابن أبي ليلى مر بنا إلى موسى بن جعفر ع لنسأله عن أفاعيل العباد و ذلك في حياة الصادق ع و موسى ع يومئذ غلام فلما صارا إليه سلما عليه ثم قالا له أخبرنا عن أفاعيل العباد ممن هي فقال لهما إن كانت أفاعيل العباد من الله دون خلقه فالله أعلى و أعز و أعدل من يعذب عبيده على فعل نفسه و إن كانت من الله و من خلقه فإنه أعلى و أعز من أن يعذب عبيده على فعل قد شاركهم فيه و إن كانت أفاعيل العباد من العباد فإن عذب فبعدله و إن غفر ف هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ثم أنشأ يقول شعر

لم تخل أفعالنا اللاتي نذم بها إحدى ثلاث معان حين نأتيهاإما تفرد بارينا بصنعتها فيسقط الذم عنا حين ننشيهاأو كان يشركنا فيها فيلحقه ما سوف يلحقنا من لائم فيهاأو لم يكن لإلهي في جنايتها ذنب فما الذنب إلا ذنب جانيها

 أقول سيأتي أكثر مناظراته و احتجاجاته في أبواب تاريخه صلوات الله عليه و كثير مما صدر عنه من جوامع العلوم في كتاب الروضة