باب 19- مناظرات الرضا علي بن موسى صلوات الله عليه و احتجاجه على أرباب الملل المختلفة و الأديان المتشتتة في مجلس المأمون و غيره

 1-  يد، ]التوحيد[ ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ حدثنا أبو محمد جعفر بن علي بن أحمد الفقيه القمي ثم الإيلاقي رضي الله عنه قال أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن علي بن صدقة القمي قال حدثني أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الأنصاري الكجي قال حدثني من سمع الحسن بن محمد النوفلي ثم الهاشمي يقول لما قدم علي بن موسى الرضا ع على المأمون أمر الفضل بن سهل أن يجمع له أصحاب المقالات مثل الجاثليق و رأس الجالوت و رؤساء الصابئين و الهربذ الأكبر و أصحاب ذردهشت و نسطاس الرومي و المتكلمين ليسمع كلامه و كلامهم فجمعهم الفضل بن سهل ثم أعلم المأمون باجتماعهم فقال المأمون أدخلهم علي ففعل فرحب بهم المأمون ثم قال لهم إني إنما جمعتكم لخير و أحببت أن تناظروا ابن عمي هذا المدني القادم علي فإذا كان بكرة فاغدوا علي و لا يتخلف منكم أحد فقالوا السمع و الطاعة يا أمير المؤمنين نحن مبكرون إن شاء الله قال الحسن بن محمد النوفلي فبينا نحن في حديث لنا عند أبي الحسن الرضا ع إذ دخل علينا ياسر و كان يتولى أمر أبي الحسن الرضا ع فقال له يا سيدي إن أمير المؤمنين يقرئك السلام و يقول فداك أخوك إنه اجتمع إلي أصحاب المقالات و أهل الأديان و المتكلمون من جميع الملل فرأيك في البكور علينا إن أحببت كلامهم و إن كرهت ذلك فلا تتجشم و إن أحببت أن نصير إليك خف ذلك علينا فقال أبو الحسن ع أبلغه السلام و قل له قد علمت ما أردت و أنا صائر إليك بكرة إن شاء الله قال الحسن بن محمد النوفلي فلما مضى ياسر التفت إلينا ثم قال لي يا نوفلي أنت عراقي و رقة العراقي غير غليظة فما عندك في جمع ابن عمك علينا أهل الشرك و أصحاب المقالات فقلت جعلت فداك يريد الامتحان و يحب أن يعرف ما عندك و لقد بنى على أساس غير وثيق البنيان و بئس و الله ما بنى فقال لي و ما بناؤه في هذا الباب قلت إن أصحاب الكلام و البدع خلاف العلماء و ذلك أن العالم لا ينكر غير المنكر و أصحاب المقالات و المتكلمون و أهل الشرك أصحاب إنكار و مباهتة إن احتججت عليهم بأن الله واحد قالوا صحح وحدانيته و إن قلت إن محمدا رسول الله قالوا أثبت رسالته ثم يباهتون الرجل و هو يبطل عليهم بحجته و يغالطونه حتى يترك قوله فاحذرهم جعلت فداك قال فتبسم ع ثم قال يا نوفلي أ فتخاف أن يقطعوني على حجتي قلت لا و الله ما خفت عليك قط و إني لأرجو أن يظفرك الله بهم إن شاء الله فقال لي يا نوفلي أ تحب أن تعلم متى يندم المأمون قلت نعم

 قال إذا سمع احتجاجي على أهل التوراة بتوراتهم و على أهل الإنجيل بإنجيلهم و على أهل الزبور بزبورهم و على الصابئين بعبرانيتهم و على الهرابذة بفارسيتهم و على أهل الروم بروميتهم و على أصحاب المقالات بلغاتهم فإذا قطعت كل صنف و دحضت حجته و ترك مقالته و رجع إلى قولي علم المأمون أن الموضع الذي هو بسبيله ليس بمستحق له فعند ذلك تكون الندامة منه و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم فلما أصبحنا أتانا الفضل بن سهل فقال له جعلت فداك ابن عمك ينتظرك و قد اجتمع القوم فما رأيك في إتيانه فقال له الرضا ع تقدمني فإني سائر إلى ناحيتكم إن شاء الله ثم توضأ ع وضوءه للصلاة و شرب شربة سويق و سقانا منه ثم خرج و خرجنا معه حتى دخلنا على المأمون فإذا المجلس غاص بأهله و محمد بن جعفر في جماعة الطالبيين و الهاشميين و القواد حضور فلما دخل الرضا ع قام المأمون و قام محمد بن جعفر و جميع بني هاشم فما زالوا وقوفا و الرضا ع جالس مع المأمون حتى أمرهم بالجلوس فجلسوا فلم يزل المأمون مقبلا عليه يحدثه ساعة ثم التفت إلى الجاثليق فقال يا جاثليق هذا ابن عمي علي بن موسى بن جعفر و هو من ولد فاطمة بنت نبينا و ابن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما فأحب أن تكلمه و تحاجه و تنصفه فقال الجاثليق يا أمير المؤمنين كيف أحاج رجلا يحتج علي بكتاب أنا منكره و نبي لا أؤمن به فقال له الرضا ع يا نصراني فإن احتججت عليك بإنجيلك أ تقر به قال الجاثليق و هل أقدر على دفع ما نطق به الإنجيل نعم و الله أقر به على رغم أنفي فقال له الرضا ع سل عما بدا لك و افهم الجواب قال الجاثليق ما تقول في نبوة عيسى و كتابه هل تنكر منهما شيئا قال الرضا ع أنا مقر بنبوة عيسى و كتابه و ما بشر به أمته و أقرت به الحواريون و كافر بنبوة كل عيسى لم يقر بنبوة محمد ص و بكتابه و لم يبشر به أمته قال الجاثليق أ ليس إنما تقطع الأحكام بشاهدي عدل قال بلى قال فأقم شاهدين من غير أهل ملتك على نبوة محمد ممن لا تنكره النصرانية و سلنا مثل ذلك من غير أهل ملتنا قال الرضا ع الآن جئت بالنصفة يا نصراني أ لا تقبل مني العدل المقدم عند المسيح عيسى ابن مريم قال الجاثليق من هذا العدل سمه لي قال ما تقول في يوحنا الديلمي قال بخ بخ ذكرت أحب الناس إلى المسيح قال ع فأقسمت عليك هل نطق الإنجيل أن يوحنا قال إن المسيح أخبرني بدين محمد العربي و بشرني به أنه يكون من بعده فبشرت به الحواريين فآمنوا به قال الجاثليق قد ذكر ذلك يوحنا عن المسيح و بشر بنبوة رجل و بأهل بيته و وصيه و لم يلخص متى يكون ذلك و لم يسم لنا القوم فنعرفهم قال الرضا ع فإن جئناك بمن يقرأ الإنجيل فتلا عليك ذكر محمد و أهل بيته و أمته أ تؤمن به قال شديدا قال الرضا ع لنسطاس الرومي كيف حفظك للسفر الثالث من الإنجيل قال ما أحفظني له ثم التفت إلى رأس الجالوت فقال أ لست تقرأ الإنجيل قال بلى لعمري قال فخذ علي السفر الثالث فإن كان فيه ذكر محمد و أهل بيته و أمته فاشهدوا لي و إن لم يكن فيه ذكره فلا تشهدوا لي ثم قرأ ع السفر الثالث حتى إذا بلغ ذكر النبي ص وقف ثم قال يا نصراني إني أسألك بحق المسيح و أمه أ تعلم أني عالم بالإنجيل قال نعم ثم تلا علينا ذكر محمد و أهل بيته و أمته ثم قال ما تقول يا نصراني هذا قول عيسى ابن مريم فإن كذبت ما ينطق به الإنجيل فقد كذبت موسى و عيسى ع و متى أنكرت هذا الذكر وجب عليك القتل لأنك تكون قد كفرت بربك و بنبيك و بكتابك قال الجاثليق لا أنكر ما قد بان لي في الإنجيل و إني لمقر به قال الرضا ع اشهدوا على إقراره

 ثم قال يا جاثليق سل عما بدا لك قال الجاثليق أخبرني عن حواري عيسى ابن مريم كم كان عدتهم و عن علماء الإنجيل كم كانوا قال الرضا ع على الخبير سقطت أما الحواريون فكانوا اثني عشر رجلا و كان أفضلهم و أعلمهم ألوقا و أما علماء النصارى فكانوا ثلاثة رجال يوحنا الأكبر بأج و يوحنا بقرقيسا و يوحنا الديلمي بزجار و عنده كان ذكر النبي ص و ذكر أهل بيته و أمته و هو الذي بشر أمة عيسى و بني إسرائيل به ثم قال له يا نصراني و الله إنا لنؤمن بعيسى الذي آمن بمحمد ص و ما ننقم على عيساكم شيئا إلا ضعفه و قلة صيامه و صلاته قال الجاثليق أفسدت و الله علمك و ضعفت أمرك و ما كنت ظننت إلا أنك أعلم أهل الإسلام قال الرضا ع و كيف ذاك قال الجاثليق من قولك إن عيسى كان ضعيفا قليل الصيام قليل الصلاة و ما أفطر عيسى يوما قط و لا نام بليل قط و ما زال صائم الدهر قائم الليل قال الرضا ع فلمن كان يصوم و يصلي قال فخرس الجاثليق و انقطع قال الرضا ع يا نصراني أسألك عن مسألة قال سل فإن كان عندي علمها أجبتك قال الرضا ع ما أنكرت أن عيسى كان يحيي الموتى بإذن الله عز و جل قال الجاثليق أنكرت ذلك من قبل أن من أحيا الموتى و أبرأ الأكمه و الأبرص فهو رب مستحق لأن يعبد قال الرضا ع فإن اليسع قد صنع مثل ما صنع عيسى مشى على الماء و أحيا الموتى و أبرأ الأكمه و الأبرص فلم تتخذه أمته ربا و لم يعبده أحد من دون الله عز و جل و لقد صنع حزقيل النبي مثل ما صنع عيسى ابن مريم فأحيا خمسة و ثلاثين ألف رجل من بعد موتهم بستين سنة ثم التفت إلى رأس الجالوت فقال له يا رأس الجالوت أ تجد هؤلاء في شباب بني إسرائيل في التوراة اختارهم بخت‏نصر من سبي بني إسرائيل حين غزا بيت المقدس ثم انصرف بهم إلى بابل فأرسله الله تعالى عز و جل إليهم فأحياهم الله هذا في التوراة لا يدفعه إلا كافر منكم قال رأس الجالوت قد سمعنا به و عرفناه قال صدقت ثم قال يا يهودي خذ على هذا السفر من التوراة فتلا ع علينا من التوراة آيات فأقبل اليهودي يترجح لقراءته و يتعجب ثم أقبل على النصراني فقال يا نصراني أ فهؤلاء كانوا قبل عيسى أم عيسى كان قبلهم قال بل كانوا قبله قال الرضا ع لقد اجتمعت قريش إلى رسول الله ص فسألوه أن يحيي لهم موتاهم فوجه معهم علي بن أبي طالب ع فقال له اذهب إلى الجبانة فناد بأسماء هؤلاء الرهط الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك يا فلان و يا فلان و يا فلان يقول لكم محمد رسول الله قوموا بإذن الله عز و جل فقاموا ينفضون التراب عن رءوسهم فأقبلت قريش تسألهم عن أمورهم ثم أخبروهم أن محمدا ص قد بعث نبيا و قالوا وددنا أنا أدركناه فنؤمن به و لقد أبرأ الأكمه و الأبرص و المجانين و كلمه البهائم و الطير و الجن و الشياطين و لم نتخذه ربا من دون الله عز و جل و لم ننكر لأحد من هؤلاء فضلهم فمتى اتخذتم عيسى ربا جاز لكم أن تتخذوا اليسع و الحزقيل لأنهما قد صنعا مثل ما صنع عيسى من إحياء الموتى و غيره و إن قوما من بني إسرائيل هربوا من بلادهم من الطاعون وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فأماتهم الله في ساعة واحدة فعمد أهل تلك القرية فحظروا عليهم حظيرة فلم يزالوا فيها حتى نخرت عظامهم و صاروا رميما فمر بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل فتعجب منهم و من كثرة العظام البالية فأوحى الله عز و جل إليه أ تحب أن أحييهم لك فتنذرهم قال نعم يا رب فأوحى الله عز و جل إليه أن نادهم فقال أيتها العظام البالية قومي بإذن الله عز و جل فقاموا أحياء أجمعون ينفضون التراب عن رءوسهم ثم إبراهيم خليل

 الرحمن حين أخذ الطير فقطعهن قطعا ثم وضع عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثم ناداهن فأقبلن سعيا إليه ثم موسى بن عمران و أصحابه السبعون الذين اختارهم صاروا معه إلى الجبل فقالوا له إنك قد رأيت الله سبحانه فأرناه كما رأيته فقال لهم إني لم أره فقالوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فأخذتهم الصاعقة فاحترقوا عن آخرهم و بقي موسى وحيدا فقال يا رب إني اخترت سبعين رجلا من بني إسرائيل فجئت بهم و أرجع وحدي فكيف يصدقني قومي بما أخبرهم به ف لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَ إِيَّايَ أَ تُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا فأحياهم الله عز و جل من بعد موتهم و كل شي‏ء ذكرته لك من هذا لا تقدر على دفعه لأن التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان قد نطقت به فإن كان كل من أحيا الموتى و أبرأ الأكمه و الأبرص و المجانين يتخذ ربا من دون الله فاتخذ هؤلاء كلهم أربابا ما تقول يا يهودي قال الجاثليق القول قولك و لا إله إلا الله ثم التفت ع إلى رأس الجالوت فقال يا يهودي أقبل علي أسألك بالعشر الآيات التي أنزلت على موسى بن عمران هل تجد في التوراة مكتوبا نبأ محمد و أمته إذا جاءت الأمة الأخيرة أتباع راكب البعير يسبحون الرب جدا جدا تسبيحا جديدا في الكنائس الجدد فليفزع بنو إسرائيل إليهم و إلى ملكهم لتطمئن قلوبهم فإن بأيديهم سيوفا ينتقمون بها من الأمم الكافرة في أقطار الأرض أ هكذا هو في التوراة مكتوب قال رأس الجالوت نعم إنا لنجده كذلك ثم قال للجاثليق يا نصراني كيف علمك بكتاب شعيا قال أعرفه حرفا حرفا قال لهما أ تعرفان هذا من كلامه يا قوم إني رأيت صورة راكب الحمار لابسا جلابيب النور و رأيت راكب البعير ضوؤه مثل ضوء القمر فقالا قد قال ذلك شعيا قال الرضا ع يا نصراني هل تعرف في الإنجيل قول عيسى إني ذاهب إلى ربكم و ربي و البارقليطا جاء هو الذي يشهد لي بالحق كما شهدت له و هو الذي يفسر لكم كل شي‏ء و هو الذي يبدي فضائح الأمم و هو الذي يكسر عمود الكفر فقال الجاثليق ما ذكرت شيئا في الإنجيل إلا و نحن مقرون به قال أ تجد هذا في الإنجيل ثابتا يا جاثليق قال نعم قال الرضا ع يا جاثليق أ لا تخبرني عن الإنجيل الأول حين افتقدتموه عند من وجدتموه و من وضع لكم هذا الإنجيل قال له ما افتقدنا الإنجيل إلا يوما واحدا حتى وجدناه غضا طريا فأخرجه إلينا يوحنا و متى فقال له الرضا ع ما أقل معرفتك بسر الإنجيل و علمائه فإن كان هذا كما تزعم فلم اختلفتم في الإنجيل و إنما وقع الاختلاف في هذا الإنجيل الذي في أيديكم اليوم فلو كان على العهد الأول لم تختلفوا فيه و لكني مفيدك علم ذلك اعلم أنه لما افتقد الإنجيل الأول اجتمعت النصارى إلى علمائهم فقالوا لهم قتل عيسى ابنمريم و افتقدنا الإنجيل و أنتم العلماء فما عندكم فقال لهم ألوقا و مرقابوس إن الإنجيل في صدورنا و نحن نخرجه إليكم سفرا سفرا في كل أحد فلا تحزنوا عليه و لا تخلوا الكنائس فإنا سنتلوه عليكم في كل أحد سفرا سفرا حتى نجمعه كله فقعد ألوقا و مرقابوس و يوحنا و متى فوضعوا لكم هذا الإنجيل بعد ما افتقدتم الإنجيل الأول و إنما كان هؤلاء الأربعة تلاميذ التلاميذ الأولين أ علمت ذلك قال الجاثليق أما هذا فلم أعلمه و قد علمته الآن و قد بان لي من فضل علمك بالإنجيل و سمعت أشياء مما علمته شهد قلبي أنها حق فاستزدت كثيرا من الفهم فقال له الرضا ع فكيف شهادة هؤلاء عندك قال جائزة هؤلاء علماء الإنجيل و كل ما شهدوا به فهو حق فقال الرضا ع للمأمون و من حضره من أهل بيته و من غيرهم اشهدوا عليه قالوا قد شهدنا ثم قال للجاثليق بحق الابن و أمه هل تعلم أن متى قال إن المسيح هو ابن داود بن إبراهيم بن إسحاق بن يعقوب بن يهودا بن حضرون و قال مرقابوس في

 نسبة عيسى ابن مريم أنه كلمة الله أحلها في الجسد الآدمي فصارت إنسانا و قال ألوقا إن عيسى ابن مريم و أمه كانا إنسانين من لحم و دم فدخل فيهما روح القدس ثم إنك تقول من شهادة عيسى على نفسه حقا أقول لكم يا معشر الحواريين إنه لا يصعد إلى السماء إلا من نزل منها إلا راكب البعير خاتم الأنبياء فإنه يصعد إلى السماء و ينزل فما تقول في هذا القول قال الجاثليق هذا قول عيسى لا ننكره قال الرضا ع فما تقول في شهادة ألوقا و مرقابوس و متى على عيسى و ما نسبوه إليه قال الجاثليق كذبوا على عيسى قال الرضا ع يا قوم أ ليس قد زكاهم و شهد أنهم علماء الإنجيل و قولهم حق فقال الجاثليق يا عالم المسلمين أحب أن تعفيني من أمر هؤلاء قال الرضا ع فإنا قد فعلنا سل يا نصراني عما بدا لك قال الجاثليق ليسألك غيري فلا و حق المسيح ما ظننت أن في علماء المسلمين مثلك فالتفت الرضا ع إلى رأس الجالوت فقال له تسألني أو أسألك فقال بل أسألك و لست أقبل منك حجة إلا من التوراة أو من الإنجيل أو من زبور داود أو بما في صحف إبراهيم و موسى قال الرضا ع لا تقبل مني حجة إلا بما تنطق به التوراة على لسان موسى بن عمران و الإنجيل على لسان عيسى ابن مريم و الزبور على لسان داود فقال رأس الجالوت من أين تثبت نبوة محمد قال الرضا ع شهد بنبوته موسى بن عمران و عيسى ابن مريم و داود خليفة الله عز و جل في الأرض فقال له ثبت قول موسى بن عمران قال الرضا ع هل تعلم يا يهودي أن موسى بن عمران أوصى بني إسرائيل فقال لهم إنه سيأتيكم نبي من إخوانكم فبه فصدقوا و منه فاسمعوا فهل تعلم أن لبني إسرائيل إخوة غير ولد إسماعيل إن كنت تعرف قرابة إسرائيل من إسماعيل و النسب الذي بينهما من قبل إبراهيم فقال رأس الجالوت هذا قول موسى لا ندفعه فقال له الرضا ع هل جاءكم من إخوة بني

 إسرائيل نبي غير محمد قال لا قال الرضا ع أ فليس قد صح هذا عندكم قال نعم و لكني أحب أن تصححه لي من التوراة فقال له الرضا ع هل تنكر أن التوراة تقول لكم قد جاء النور من جبل طور سيناء و أضاء لنا من جبل ساعير و استعلن علينا من جبل فاران قال رأس الجالوت أعرف هذه الكلمات و ما أعرف تفسيرها قال الرضا ع أنا أخبرك به أما قوله جاء النور من قبل طور سيناء فذلك وحي الله تبارك و تعالى الذي أنزله على موسى على جبل طور سيناء و أما قوله و أضاء الناس من جبل ساعير فهو الجبل الذي أوحى الله عز و جل إلى عيسى ابن مريم و هو عليه و أما قوله و استعلن علينا من جبل فاران فذلك جبل من جبال مكة بينه و بينها يوم و قال شعيا النبي فيما تقول أنت و أصحابك في التوراة رأيت راكبين أضاء لهما الأرض أحدهما على حمار و الآخر على جمل فمن راكب الحمار و من راكب الجمل قال رأس الجالوت لا أعرفهما فخبرني بهما قال ع أما راكب الحمار فعيسى و أما راكب الجمل فمحمد أ تنكر هذا من التوراة قال لا ما أنكره ثم قال الرضا ع هل تعرف حيقوق النبي قال نعم إني به لعارف قال ع فإنه قال و كتابكم ينطق به جاء الله بالبيان من جبل فاران و امتلأت السماوات من تسبيح أحمد و أمته يحمل خيله في البحر كما يحمل في البر يأتينا بكتاب جديد بعد خراب بيت المقدس يعني بالكتاب القرآن أ تعرف هذا و تؤمن به قال رأس الجالوت قد قال ذلك حيقوق النبي و لا ننكر قوله قال الرضا ع فقد قال داود في زبوره و أنت تقرؤه اللهم ابعث مقيم السنة بعد الفترة فهل تعرف نبيا أقام السنة بعد الفترة غير محمد قال رأس الجالوت هذا قول داود نعرفه و لا ننكره و لكن عنى بذلك عيسى و أيامه هي الفترة قال له الرضا ع جهلت إن عيسى لم يخالف السنة و كان موافقا لسنة التوراة حتى رفعه الله إليه و في الإنجيل مكتوب أن ابن البرة ذاهب و البارقليطا جاء من بعده و هو يخفف الآصار و يفسر لكم كل شي‏ء و يشهد لي كما شهدت له أنا جئتكم بالأمثال و هو يأتيكم

 بالتأويل أ تؤمن بهذا في الإنجيل قال نعم لا أنكره فقال له الرضا ع يا رأس الجالوت أسألك عن نبيك موسى بن عمران فقال سل قال ع ما الحجة على أن موسى ثبتت نبوته قال اليهودي إنه جاء بما لم يجئ به أحد من الأنبياء قبله قال له مثل ما ذا قال مثل فلق البحر و قلبه العصا حية تسعى و ضربه الحجر فانفجرت منه العيون و إخراجه يده بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ و علامات لا يقدر الخلق على مثلها قال له الرضا ع صدقت في أنه كانت حجة على نبوته إنه جاء بما لا يقدر الخلق على مثله أ فليس كل من ادعى أنه نبي ثم جاء بما لا يقدر الخلق على مثله وجب عليكم تصديقه قال لا لأن موسى لم يكن له نظير لمكانه من ربه و قربه منه و لا يجب علينا الإقرار بنبوة من ادعاها حتى يأتي من الأعلام بمثل ما جاء به قال الرضا ع فكيف أقررتم بالأنبياء الذين كانوا قبل موسى و لم يفلقوا البحر و لم يفجروا من الحجر اثنتي عشرة عينا و لم يخرجوا بأيديهم مثل إخراج موسى يده بيضاء و لم يقلبوا العصا حية تسعى قال له اليهودي قد خبرتك أنه متى ما جاءوا على نبوتهم من الآيات بما لا يقدر الخلق على مثله و لو جاءوا بما لم يجئ به موسى أو كان على غير ما جاء به موسى وجب تصديقهم قال قال الرضا ع يا رأس الجالوت فما يمنعك من الإقرار بعيسى ابن مريم و قد كان يحيي الموتى و يبرئ الأكمه و الأبرص و يخلق من الطين كهيئة الطير ثم ينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله قال رأس الجالوت يقال إنه فعل ذلك و لم نشهده قال الرضا ع أ رأيت ما جاء به موسى من الآيات شاهدته أ ليس إنما جاءت الأخبار من ثقات أصحاب موسى أنه فعل ذلك قال بلى قال فكذلك أيضا أتتكم الأخبار المتواترة بما فعل عيسى ابن مريم فكيف صدقتم بموسى و لم تصدقوا بعيسى فلم يحر جوابا قال الرضا ع و كذلك أمر محمد ص و ما جاء به و أمر كل نبي بعثه الله و من آياته أنه كان يتيما فقيرا راعيا أجيرا لم يتعلم كتابا و لم يختلف إلى معلم ثم جاء بالقرآن الذي فيه قصص الأنبياء و أخبارهم حرفا حرفا و أخبار من مضى و من بقي إلى يوم القيامة ثم كان يخبرهم بأسرارهم و ما يعملون في بيوتهم و جاء بآيات كثيرة لا تحصى قال قال رأس الجالوت لم يصح عندنا خبر عيسى و لا خبر محمد و لا يجوز لنا أن نقر لهما بما لم يصح قال الرضا ع فالشاهد الذي شهد لعيسى و لمحمد صلى الله عليهما شاهد زور فلم يحر جوابا ثم دعا بالهربذ الأكبر فقال له الرضا ع أخبرني عن زردهشت الذي تزعم أنه نبي ما حجتك على نبوته قال إنه أتى بما لم يأتنا به أحد قبله و لم نشهده و لكن الأخبار من أسلافنا وردت علينا بأنه أحل لنا ما لم يحله غيره فاتبعناه قال أ فليس إنما أتتكم الأخبار فاتبعتموه قال بلى قال فكذلك سائر الأمم السالفة أتتهم الأخبار بما أتى به النبيون و أتى به موسى و عيسى و محمد صلوات الله عليهم فما عذركم في ترك الإقرار لهم إذ كنتم إنما أقررتم بزردهشت من قبل الأخبار المتواترة بأنه جاء بما لم يجئ به غيره فانقطع الهربذ مكانه فقال الرضا ع يا قوم إن كان فيكم أحد يخالف الإسلام و أراد أن يسأل فليسأل غير محتشم فقام إليه عمران الصابئ و كان واحدا من المتكلمين فقال يا عالم الناس لو لا أنك دعوت إلى مسألتك لم أقدم عليك بالمسائل فلقد دخلت الكوفة و البصرة و الشام و الجزيرة و لقيت المتكلمين فلم أقع على أحد يثبت لي واحدا ليس غيره قائما بوحدانيته أ فتأذن لي أن أسألك قال الرضا ع إن كان في الجماعة عمران الصابئ فأنت هو قال أنا هو قال سل يا عمران و عليك بالنصفة و إياك و الخطل و الجور قال و الله يا سيدي ما أريد إلا أن تثبت لي شيئا أتعلق به فلا أجوزه قال سل عما بدا لك فازدحم الناس و انضم بعضهم إلى بعض فقال عمران الصابئ أخبرني عن الكائن الأول و عما خلق قال سألت فافهم أما الواحد فلم

 يزل واحدا كائنا لا شي‏ء معه بلا حدود و لا أعراض و لا يزال كذلك ثم خلق خلقا مبتدعا مختلفا بأعراض و حدود مختلفة لا في شي‏ء أقامه و لا في شي‏ء حده و لا على شي‏ء حذاه و مثله له فجعل الخلق من بعد ذلك صفوة و غير صفوة و اختلافا و ائتلافا و ألوانا و ذوقا و طعما لا لحاجة كانت منه إلى ذلك و لا لفضل منزلة لا يبلغها إلا به و لا رأي لنفسه فيما خلق زيادة و لا نقصانا تعقل هذا يا عمران قال نعم و الله يا سيدي قال و اعلم يا عمران أنه لو كان خلق ما خلق لحاجة لم يخلق إلا من يستعين به على حاجته و لكان ينبغي أن يخلق أضعاف ما خلق لأن الأعوان كلما كثروا كان صاحبهم أقوى و الحاجة يا عمران لا يسعها لأنه لم يحدث من الخلق شيئا إلا حدثت فيه حاجة أخرى و لذلك أقول لم يخلق الخلق لحاجة و لكن نقل بالخلق الحوائج بعضهم إلى بعض و فضل بعضهم على بعض بلا حاجة منه إلى من فضل و لا نقمة منه على من أذل فلهذا خلق قال عمران يا سيدي هل كان الكائن معلوما في نفسه عند نفسه قال الرضا ع إنما يكون المعلمة بالشي‏ء لنفي خلافه و ليكون الشي‏ء نفسه بما نفي عنه موجودا و لم يكن هناك شي‏ء يخالفه فتدعوه الحاجة إلى نفي ذلك الشي‏ء عن نفسه بتحديد ما علم منها أ فهمت يا عمران قال نعم و الله يا سيدي فأخبرني بأي شي‏ء علم ما علم أ بضمير أم بغير ذلك قال الرضا ع أ رأيت إذا علم بضمير هل تجد بدا من أن تجعل لذلك الضمير حدا تنتهي إليه المعرفة قال عمران لا بد من ذلك قال الرضا ع فما ذلك الضمير فانقطع عمران و لم يحر جوابا قال الرضا ع لا بأس إن سألتك عن الضمير نفسه تعرفه بضمير آخر فقلت نعم أفسدت عليك قولك و دعواك يا عمران أ ليس ينبغي أن تعلم أن الواحد ليس يوصف بضمير و ليس يقال له أكثر من فعل و عمل و صنع و ليس يتوهم منه مذاهب و تجربة كمذاهب المخلوقين و تجربتهم فاعقل ذلك و ابن عليه ما علمت صوابا قال عمران يا سيدي أ لا تخبرني عن حدود خلقه كيف هي و ما معانيها و على كم نوع تكون قال قد سألت فافهم إن حدود خلقه على ستة أنواع ملموس و موزون و منظور إليه و ما لا ذوق له و هو الروح و منها منظور إليه و ليس له وزن و لا لمس و لا حس و لا لون و لا ذوق و التقدير و الأعراض و الصور و الطول و العرض و منها العمل و الحركات التي تصنع الأشياء و تعملها و تغيرها من حال إلى حال و تزيدها و تنقصها فأما الأعمال و الحركات فإنها تنطلق لأنه لا وقت لها أكثر من قدر ما يحتاج إليه فإذا فرغ من الشي‏ء انطلق بالحركة و بقي الأثر و يجري مجرى الكلام الذي يذهب و يبقى أثره قال له عمران يا سيدي أ لا تخبرني عن الخالق إذا كان واحدا لا شي‏ء غيره و لا شي‏ء معه أ ليس قد تغير بخلقه الخلق قال له الرضا ع لم يتغير عز و جل بخلق الخلق و لكن الخلق يتغير بتغيره قال عمران فبأي شي‏ء عرفناه قال بغيره قال فأي شي‏ء غيره قال الرضا ع مشيته و اسمه و صفته و ما أشبه ذلك و كل ذلك محدث مخلوق مدبر قال عمران يا سيدي فأي شي‏ء هو قال هو نور بمعنى أنه هاد لخلقه من أهل السماء و أهل الأرض و ليس لك على أكثر من توحيدي إياه قال عمران يا سيدي أ ليس قد كان ساكتا قبل الخلق لا ينطق ثم نطق قال الرضا ع لا يكون السكوت إلا عن نطق قبله و المثل في ذلك أنه لا يقال للسراج

 هو ساكت لا ينطق و لا يقال إن السراج ليضي‏ء فيما يريد أن يفعل بنا لأن الضوء من السراج ليس بفعل منه و لا كون و إنما هو ليس شي‏ء غيره فلما استضاء لنا قلنا قد أضاء لنا حتى استضأنا به فبهذا تستبصر أمرك قال عمران يا سيدي فإن الذي كان عندي أن الكائن قد تغير في فعله عن حاله بخلقه الخلق قال الرضا ع أحلت يا عمران في قولك إن الكائن يتغير في وجه من الوجوه حتى يصيب الذات منه ما يغيره يا عمران هل تجد النار يغيرها تغير نفسها أو هل تجد الحرارة تحرق نفسها أو هل رأيت بصيرا قط رأى بصره قال عمران لم أر هذا أ لا تخبرني يا سيدي أ هو في الخلق أم الخلق فيه قال الرضا ع جل يا عمران عن ذلك ليس هو في الخلق و لا الخلق فيه تعالى عن ذلك و سأعلمك ما تعرفه به و لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ أخبرني عن المرآة أنت فيها أم هي فيك فإن كان ليس واحد منكما في صاحبه فبأي شي‏ء استدللت بها على نفسك قال عمران بضوء بيني و بينها قال الرضا ع هل ترى من ذلك الضوء في المرآة أكثر مما تراه في عينك قال نعم قال الرضا ع فأرناه فلم يحر جوابا قال ع فلا أرى النور إلا و قد دلك و دل المرآة على أنفسكما من غير أن يكون في واحد منكما و لهذا أمثال كثرة غير هذا لا يجد الجاهل فيها مقالا وَ لِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى ثم التفت إلى المأمون فقال الصلاة قد حضرت فقال عمران يا سيدي لا تقطع علي مسألتي فقد رق قلبي قال الرضا ع نصلي و نعود فنهض و نهض المأمون فصلى الرضا ع داخلا و صلى الناس خارجا خلف محمد بن جعفر ثم خرجا فعاد الرضا ع إلى مجلسه و دعا بعمران فقال سل يا عمران قال يا سيدي أ لا تخبرني عن الله عز و جل هل يوحد بحقيقة أو يوحد بوصف قال الرضا ع إن الله المبدئ الواحد الكائن الأول لم يزل واحدا لا شي‏ء معه فردا لا ثاني معه لا معلوما و لا مجهولا و لا محكما و لا متشابها و لا مذكورا و لا منسيا و لا شيئا يقع عليه اسم شي‏ء من الأشياء غيره و لا من وقت كان و لا إلى وقت يكون و لا بشي‏ء قام و لا إلى شي‏ء

 يقوم و لا إلى شي‏ء استند و لا في شي‏ء استكن و ذلك كله قبل الخلق إذ لا شي‏ء غيره و ما أوقعت عليه من الكل فهي صفات محدثة و ترجمة يفهم بها من فهم و اعلم أن الإبداع و المشية و الإرادة معناها واحد و أسماؤها ثلاثة و كان أول إبداعه و إرادته و مشيته الحروف التي جعلها أصلا لكل شي‏ء و دليلا على كل مدرك و فاصلا لكل مشكل و بتلك الحروف تفريق كل شي‏ء من اسم حق و باطل أو فعل أو مفعول أو معنى أو غير معنى و عليها اجتمعت الأمور كلها و لم يجعل للحروف في إبداعه لها معنى غير أنفسها يتناهى و لا وجود لها لأنها مبدعة بالإبداع و النور في هذا الموضع أول فعل الله الذي هو نور السماوات و الأرض و الحروف هي المفعول بذلك الفعل و هي الحروف التي عليها الكلام و العبارات كلها من الله عز و جل علمها خلقه و هي ثلاثة و ثلاثون حرفا فمنها ثمانية و عشرون حرفا تدل على لغات العربية و من الثمانية و العشرين اثنان و عشرون حرفا تدل على لغات السريانية و العبرانية و منها خمسة أحرف متحرفة في سائر اللغات من العجم لأقاليم اللغات كلها و هي خمسة أحرف تحرفت من الثمانية و العشرين الحرف من اللغات فصارت الحروف ثلاثة و ثلاثين حرفا فأما الخمسة المختلفة فحجج لا يجوز ذكرها أكثر مما ذكرناه ثم جعل الحروف بعد إحصائها و إحكام عدتها فعلا منه كقوله عز و جل كُنْ فَيَكُونُ و كن منه صنع و ما يكون به المصنوع فالخلق الأول من الله عز و جل الإبداع لا وزن له و لا حركة و لا سمع و لا لون و لا حس و الخلق الثاني الحروف لا وزن لها و لا لون و هي مسموعة موصوفة غير منظور إليها و الخلق الثالث ما كان من الأنواع كلها محسوسا ملموسا ذا ذوق منظور إليه و الله تبارك و تعالى سابق للإبداع لأنه ليس قبله عز و جل شي‏ء و لا كان معه شي‏ء و الإبداع سابق للحروف و الحروف لا تدل على غير نفسها قال المأمون و كيف لا تدل على غير نفسها قال الرضا ع لأن الله تبارك

 و تعالى لا يجمع منها شيئا لغير معنى أبدا فإذا ألف منها أحرفا أربعة أو خمسة أو ستة أو أكثر من ذلك أو أقل لم يؤلفها لغير معنى و لم يك إلا لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك شيئا قال عمران فكيف لنا بمعرفة ذلك قال الرضا ع أما المعرفة فوجه ذلك و بيانه أنك تذكر الحروف إذا لم ترد بها غير نفسها ذكرتها فردا فقلت أ ب ت ث ج ح خ حتى تأتي على آخرها فلم تجد لها معنى غير أنفسها فإذا ألفتها و جمعت منها أحرفا و جعلتها اسما و صفة لمعنى ما طلبت و وجه ما عنيت كانت دليلة على معانيها داعية إلى الموصوف بها أ فهمته قال نعم قال الرضا ع و اعلم أنه لا تكون صفة لغير موصوف و لا اسم لغير معنى و لا حد لغير محدود و الصفات و الأسماء كلها تدل على الكمال و الوجود و لا تدل على الإحاطة كما تدل على الحدود التي هي التربيع و التثليث و التسديس لأن الله عز و جل تدرك معرفته بالصفات و الأسماء و لا تدرك بالتحديد بالطول و العرض و القلة و الكثرة و اللون و الوزن و ما أشبه ذلك و ليس يحل بالله جل و تقدس شي‏ء من ذلك حتى يعرفه خلقه بمعرفتهم أنفسهم بالضرورة التي ذكرنا و لكن يدل على الله عز و جل بصفاته و يدرك بأسمائه و يستدل عليه بخلقه حتى لا يحتاج في ذلك الطالب المرتاد إلى رؤية عين و لا استماع أذن و لا لمس كف و لا إحاطة بقلب فلو كانت صفاته جل ثناؤه لا تدل عليه و أسماؤه لا تدعو إليه و المعلمة من الخلق لا تدركه لمعناه كانت العبادة من الخلق لأسمائه و صفاته دون معناه فلو لا أن ذلك كذلك لكان المعبود الموحد غير الله لأن صفاته و أسماءه غيره أ فهمت قال نعم يا سيدي زدني قال الرضا ع إياك و قول الجهال أهل العمى و الضلال الذين يزعمون أن الله جل و تقدس موجود في الآخرة للحساب و الثواب و العقاب و ليس بموجود في الدنيا للطاعة و الرجاء و لو كان في الوجود لله عز و جل نقص و اهتضام لم يوجد في الآخرة أبدا و لكن القوم تاهوا و عموا و صموا عن الحق من حيث لا يعلمون و ذلك

 قوله عز و جل وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِيلًا يعني أعمى عن الحقائق الموجودة و قد علم ذوو الألباب أن الاستدلال على ما هناك لا يكون إلا بما هاهنا من أخذ علم ذلك برأيه و طلب وجوده و إدراكه عن نفسه دون غيرها لم يزدد من علم ذلك إلا بعدا لأن الله عز و جل جعل علم ذلك خاصة عند قوم يعقلون و يعلمون و يفهمون قال عمران يا سيدي أ لا تخبرني عن الإبداع أ خلق هو أم غير خلق قال له الرضا ع بل خلق ساكن لا يدرك بالسكون و إنما صار خلقا لأنه شي‏ء محدث و الله الذي أحدثه فصار خلقا له و إنما هو الله عز و جل و خلقه لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما فما خلق الله عز و جل لم يعد أن يكون خلقه و قد يكون الخلق ساكنا و متحركا و مختلفا و مؤتلفا و معلوما و متشابها و كل ما وقع عليه حد فهو خلق الله عز و جل و اعلم أن كل ما أوجدتك الحواس فهو معنى مدرك للحواس و كل حاسة تدل على ما جعل الله عز و جل لها في إدراكها و الفهم من القلب بجميع ذلك كله و اعلم أن الواحد الذي هو قائم بغير تقدير و لا تحديد خلق خلقا مقدرا بتحديد و تقدير و كان الذي خلق خلقين اثنين التقدير و المقدر و ليس في واحد منهما لون و لا وزن و لا ذوق فجعل أحدهما يدرك بالآخر و جعلهما مدركين بنفسهما و لم يخلق شيئا فردا قائما بنفسه دون غيره للذي أراد من الدلالة على نفسه و إثبات وجوده فالله تبارك و تعالى فرد واحد لا ثاني معه يقيمه و لا يعضده و لا يكنه و الخلق يمسك بعضه بعضا بإذن الله و مشيته و إنما اختلف الناس في هذا الباب حتى تاهوا و تحيروا و طلبوا الخلاص من الظلمة بالظلمة في وصفهم الله بصفة أنفسهم فازدادوا من الحق بعدا و لو وصفوا الله عز و جل بصفاته و وصفوا المخلوقين بصفاتهم لقالوا بالفهم و اليقين و لما اختلفوا فلما طلبوا من ذلك ما تحيروا فيه ارتبكوا فيه وَ اللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ قال عمران يا سيدي أشهد أنه كما وصفت و لكن بقيت لي مسألة قال

 سل عما أردت قال أسألك عن الحكيم في أي شي‏ء هو و هل يحيط به شي‏ء و هل يتحول من شي‏ء إلى شي‏ء أو به حاجة إلى شي‏ء قال الرضا ع أخبرك يا عمران فاعقل ما سألت عنه فإنه من أغمض ما يرد على المخلوقين في مسائلهم و ليس يفهمه المتفاوت عقله العازب حلمه و لا يعجز عن فهمه أولو العقل المنصفون أما أول ذلك فلو كان خلق ما خلق لحاجة منه لجاز لقائل أن يقول يتحول إلى ما خلق لحاجته إلى ذلك و لكنه عز و جل لم يخلق شيئا لحاجة و لم يزل ثابتا لا في شي‏ء و لا على شي‏ء إلا أن الخلق يمسك بعضه بعضا و يدخل بعضه في بعض و يخرج منه و الله جل و تقدس بقدرته يمسك ذلك كله و ليس يدخل في شي‏ء و لا يخرج منه و لا يئوده حفظه و لا يعجز عن إمساكه و لا يعرف أحد من الخلق كيف ذلك إلا الله عز و جل و من أطلعه عليه من رسله و أهل سره و المستحفظين لأمره و خزانه القائمين بشريعته و إنما أمره كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إذا شاء شيئا فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ بمشيته و إرادته و ليس شي‏ء من خلقه أقرب إليه من شي‏ء و لا شي‏ء أبعد منه من شي‏ء أ فهمت يا عمران قال نعم يا سيدي قد فهمت و أشهد أن الله على ما وصفته و وحدته و أن محمدا عبده المبعوث بالهدى و دين الحق ثم خر ساجدا نحو القبلة و أسلم قال الحسن بن محمد النوفلي فلما نظر المتكلمون إلى كلام عمران الصابئ و كان جدلا لم يقطعه عن حجته أحد قط لم يدن من الرضا ع أحد منهم و لم يسألوه عن شي‏ء و أمسينا فنهض المأمون و الرضا ع فدخلا و انصرف الناس و كنت مع جماعة من أصحابنا إذ بعث إلي محمد بن جعفر فأتيته فقال لي يا نوفلي أ ما رأيت ما جاء به صديقك لا و الله ما ظننت أن علي بن موسى ع خاض في شي‏ء من هذا قط و لا عرفناه به أنه كان يتكلم بالمدينة أو يجتمع إليه أصحاب الكلام قلت قد كان الحاج يأتونه فيسألونه عن أشياء من حلالهم و حرامهم فيجيبهم و ربما كلم من يأتيه يحاجه فقال محمد بن جعفر يا أبا محمد إني أخاف عليه أن يحسده هذا الرجل فيسمه أو يفعل به بلية فأشر عليه بالإمساك عن هذه الأشياء قلت إذا لا يقبل مني و ما أراد الرجل إلا امتحانه ليعلم هل عنده شي‏ء من علوم آبائه ع فقال لي قل له إن عمك قد كره هذا الباب و أحب أن تمسك عن هذه الأشياء لخصال شتى فلما انقلبت إلى منزل الرضا ع أخبرته بما كان من عمه محمد بن جعفر فتبسم ثم قال حفظ الله عمي ما أعرفني به لم كره ذلك يا غلام صر إلى عمران الصابئ فأتني به فقلت جعلت فداك أنا أعرف موضعه و هو عند بعض إخواننا من الشيعة قال فلا بأس قربوا إليه دابة فصرت إلى عمران فأتيته به فرحب به و دعا بكسوة فخلعها عليه و حمله و دعا بعشرة آلاف درهم فوصله بها فقلت جعلت فداك حكيت فعل جدك أمير المؤمنين ع قال هكذا يجب ثم دعا ع بالعشاء فأجلسني عن يمينه و أجلس عمران عن يساره حتى إذا فرغنا قال لعمران انصرف مصاحبا و بكر علينا نطعمك طعام المدينة فكان عمران بعد ذلك يجتمع إليه المتكلمون من أصحاب المقالات فيبطل أمرهم حتى اجتنبوه و وصله المأمون بعشرة آلاف درهم و أعطاه الفضل مالا و حمله و ولاه الرضا ع صدقات بلخ فأصاب الرغائب

 ج، ]الإحتجاج[ مرسلا مثله إلا أنه أسقط بعض المطالب الغامضة

بيان قال الفيروزآبادي الهرابذة قومة بيت النار للهند أو عظماء الهند أو علمائهم أو خدم نار المجوس الواحد كزبرج و قال نسطاس بالكسر علم و بالرومية العالم بالطب. قوله ع و رقة العراقي غير غليظة لعل المراد بالرقة سرعة الفهم أي هو قليل الفهم أو كثيره أي ليس في دقة فهمه غلظة بل هو في غاية الدقة و يمكن أن يقرأ رقة بتخفيف القاف كعدة و هي الأرض التي يصيبها المطر في القيظ فتنبت فتكون خضراء فتكون في الكلام استعارة أي ليس فيما ينبت في ساحة ضميره من المعاني غلظة و في بعض النسخ رية العراقي و هذا مثل مشهور بين العرب و العجم يعبر به عن الجبن و لعله أظهر و إن اتفقت أكثر نسخ الكتب الثلاثة على الأول و قال الجوهري المنزل غاص بالقوم أي ممتلئ بهم. قوله شديدا أي أؤمن إيمانا شديدا و في بعض النسخ بالسين المهملة على فعيل أو يكون سد أمرا من ساد يسود و يدا تمييزاأو يكون أصله أسد يدا أي أنعم علينا و على المعجمة أيضا يحتمل أن يكون شد بالتشديد أمرا و يدا مفعولا لكنه بعيد. قوله ع على الخبير سقطت منهم من قرأ على الجبير بالجيم أي وقعت من السطح على من يقدر جبر كسرك و الأشهر بالخاء المعجمة قوله و ما ننقم بكسر القاف أي نعيب. قوله ع أ تجد هؤلاء في شباب بني إسرائيل أي هؤلاء الذين أحياهم حزقيل كانوا من تلك الشباب و يحتمل أن يكون اسم الإشارة راجعا إلى حزقيل و اليسع و ما ذكره ع أخيرا من قوله إن قوما من بني إسرائيل هربوا هي قصة إحياء حزقيل كما سيأتي في باب أحواله في أخبار كثيرة أن الذي أحياهم كان حزقيل و إن كان ظاهر الخبر أنه غيره. قوله ع يترجح لقراءته أي يتحرك و يميل يمينا و شمالا من كثرة التعجب قال الفيروزآبادي ترجحت به الأرجوحة مالت و ترجح تذبذب و في بعض النسخ بالجيمين أي يضطرب و الغض الطري. قوله ع فيما تقول أنت و أصحابك في التوراة أي في الأسفار الملحقة بالتوراة و إلا فشيعا مؤخر عن موسى ع و لذا قال فيما تقول أنت و أصحابك أي تدعون أنها حق و ملحقة بالتوراة. قوله ع يحمل خيله في البحر إشارة إلى إجراء النبي ص و أصحابه خيلهم على الماء كما مر في خبر معجزاته ص و سيأتي. قوله ع إن عيسى لم يخالف السنة لعل المعنى أن ظاهر قوله مقيم السنة أنه يأتي بسنة جديدة و عيسى لم ينسخ شرعه التوراة بل أحل لهم بعض الذي حرم عليهم. قوله ع لا في شي‏ء أقامه أي في مادة قديمة كما زعمته الفلاسفة قوله و مثله له أي مثل أولا ذلك الشي‏ء للشي‏ء الكائن ثم خلق الكائن على حذوه كما هو شأن المخلوقين و يحتمل أن يكون ضمير له راجعا إلى الصانع تعالى. قوله ع و الحاجة يا عمران لا يسعها أي لا يسع الخلق الحاجة و لا يدفعها لأن كل من خلق لو كان على وجه الاحتياج لكان يحتاج لحفظه و تربيته و رزقه و دفع الشرور عنه إلى أضعافه من الخلق و هكذا قوله هل كان الكائن معلوما في نفسه عند نفسه أقول هذا الكلام و جوابه في غاية الإغلاق و قد خطر بالبال في حله وجوه لا يخلو كل منها من شي‏ء. الأول أن يكون المراد بالكائن الصانع تعالى و المعنى أن الصانع تعالى هل كان معلوما في نفسه عند نفسه قبل وجوده فأجاب ع بأن المعلمة قبل الشي‏ء إنما يكون لشي‏ء يوجده غيره فيصوره في نفسه حتى يدفع عنه ما ينافي وجوده و كماله ثم يوجده على ما تصوره و الواجب الوجود بذاته ذاته مقتض لوجوده و لا مانع لوجوده حتى يحتاج إلى ذلك فلذلك هو أزلي غير معلول. الثاني أن يكون المراد بالكائن الصانع أيضا و يكون المعنى هل هو معلوم عند نفسه بصورة حاصلة في ذاته و لذا قال في نفسه فأجاب ع بأن الصورة الحاصلة إنما تكون لشي‏ء يشترك مع غيره في شي‏ء من الذاتيات و يخالفه في غيرها فيحتاج إلى الصورة الحاصلة لتعينه و تشخيصه و امتيازه عما يشاركه فأما البسيط المطلق الذي تشخصه من ذاته و لم يشارك غيره في شي‏ء من الذاتيات فلا يحتاج لمعرفة نفسه إلى حصول صورة بل هو حاضر بذاته عند ذاته فقوله و لم يكن هناك شي‏ء يخالف أي شي‏ء يخالف في بعض الذاتيات فتدعوه الحاجة إلى نفي ذلك الشي‏ء عن نفسه بتحديد ما علم من ذاته بجنس و فصل و تشخيص.

  الثالث أن يكون المراد بالكائن الحادث المعلول و المراد معلوميته عند الصانع بصورة حاصلة منه فيه و حاصل الجواب على هذا أن المخلوق إذا أراد صنع شي‏ء يصوره أولا في نفسه لعجزه عن الإتيان بكل ما يريد و لإمكان وجود ما يخالفه و يعارضه فيما يريده فيصوره في نفسه على وجه لا يعارضه شي‏ء في حصول ما أراد منه و ينفي الموانع عن نفسه بتحديد ما علم منه و أما الصانع تعالى فهو لا يحتاج إلى ذلك لكمال قدرته و لعدم تخيل الموانع عن الإيجاد ثمة بل إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فليس المراد نفي العلم رأسا بل نفي العلم على الوجه الذي تخيله السائل بوجه يوافق فهمه و ضمير منها راجع إلى الشي‏ء الكائن باعتبار النفس أو إلى النفس أي علما ناشئا من النفس. الرابع أن يكون المراد كون الحادث معلوما لنفسه عند نفسه قبل وجوده لا كونه معلوما لصانعه فالجواب أن الشي‏ء بعد وجوده و تشخصه يكون معلوما لنفسه على وجه يمتاز عن غيره و أما الأعدام ففي مرتبة عدمها لا يكون بينها تمييز حتى يحتاج كل عدم إلى العلم بامتيازه عن غيره و الحاصل أن الامتياز العيني للشي‏ء لا يكون إلا بعد وجوده لافتقار وجوده إلى التميز عن غيره مما يخالفه في ذاته و تشخصه و أما امتيازه في علمه تعالى فليس على نحو الوجود العيني فلا يستلزم علم كل حادث هناك بنفسه كما يكون لذوي العقول بعد وجودها. قوله ع بأي شي‏ء علم ما علم بضمير أم بغير ذلك أي بصورة ذهنية حصلت في الذهن أم بغيرها فأجاب ع بأن العلم لو لم يكن إلا بحصول صورة لشي‏ء فالعلم بالمعلوم لا بد أن يكون موقوفا على العلم بالصورة التي هي آلة ملاحظة المعلوم و تحديدها و تصويرها قال عمران لا بد من ذلك فقال ع لا بد لك أن تعرف تلك الصورة و حقيقتها فبين لنا حقيقتها فلما عجز عن الجواب ألزم ع عليه الإيراد بوجه آخر و هو أنه على قولك إنه لا بد لكل معلوم أن يعرف بصورة فالصورة أيضا معلوم لا بد أن تعرف بصورة أخرى و هكذا إلى ما لا نهاية له و إن قلت إن الصورة تعرف بنفسها بالعلم الحضوري من غير احتياج إلى صورة أخرى

  فلم لا يجوز أن يكون علمه تعالى بأصل الأشياء على وجه لا يحتاج إلى صورة و ضمير. ثم لما أفسد ع الأصل الذي هو مبنى كلام السائل أقام البرهان على امتناع حلول الصور فيه و اتصافه بالضمير لمنافاته لوحدته الحقيقية و استلزامه التجزؤ و التبعض و كونه متصفا بالصفات الزائدة و كل ذلك ينافي وجوب الوجود فليس فيه تعالى عند إيجاد المخلوقين سوى التأثير من غير عمل و روية و تفكر و تصوير و خطور و تجربة و ذهاب الفكر إلى المذاهب و سائر ما يكون الناقصين العاجزين من الممكنات. قوله ع على ستة أنواع لعل الأول ما يكون ملموسا و موزونا و منظورا إليه و الثاني ما لا يكون له تلك الأوصاف كالروح و إنما عبر عنه بما لا ذوق له اكتفاء ببعض صفاته و في بعض النسخ و ما لا لون له و هو الروح و هو أظهر للمقابلة و الثالث ما يكون منظورا إليه و لا يكون ملموسا و لا محسوسا و لا موزونا و لا لون له كالهواء أو السماء فالمراد بكونه منظورا إليه أنه يظهر للنظر بآثاره أو قد يرى و لا لون له بذاته أو يراد به الجن و الملك و أشباههما و الظاهر أن قوله و لا لون زيد من النساخ و الرابع التقدير و يدخل فيه الصور و الطول و العرض. و الخامس الأعراض القارة المدركة بالحواس كاللون و الضوء و هو الذي عبر عنه بالأعراض و السادس الأعراض الغير القارة كالأعمال و الحركات التي تذهب هي و تبقى آثارها و يمكن تصوير التقسيم بوجوه أخر تركناها لمن تفكر فيه. قوله ع مشيته و اسمه و صفته يحتمل أن يكون المعنى آثار المشية و الصفات فإنها قد عرفنا الله بها و هي محدثات أو المعنى أن كل ما نتعقل من صفاته تعالى و ندركه بأذهاننا فهي مخلوقة مصنوعة و الله تعالى غيرها و قد مر تحقيق ذلك في كتاب التوحيد. قوله ع و ليس لك على أكثر من توحيدي إياه أي لا يمكنني أن أبين لك من ذات الصانع و صفاته إلا ما يرجع إلى توحيده تعالى و تنزيهه عن مشابهة من سواه أو لا يلزمني البيان لك في هذا الوقت إلا توحيده لترجع عما أنت عليه من الشرك. قوله ع لا يكون السكوت إلا عن نطق قبله حاصله أن السكوت عدم ملكة فلا يقال للسراج إنه ساكت حيث لا ينطق إذ ليس من شأنه النطق و كذلك الله سبحانه لا يوصف بالنطق بالمعنى الذي فهمت و هو مزاولته بلسان و شفة أو بغير ذلك مما يوجب التغير في ذاته بل كلامه هو إيجاده للأصوات و الحروف في الأجسام. ثم لما كان هذا أيضا موهما لنوع تغير في ذاته تعالى بأن يتوهم أن إيجاده بمزاولة الجوارح و الآلات و الأعمال أزال ذلك التوهم بأن الألفاظ كثيرا ما تطلق في بعض الموارد مقارنا لبعض الأشياء فيتوهم اشتراط تلك المقارنات في استعمالها و ليس كذلك و الخلق و الإيجاد كذلك فإنهما يطلقان في المخلوقين غالبا مقارنا لمزاولتهم الأعمال و تحريكهم الجوارح و استعانتهم بالآلات فيتوهم الجهال أنهما لا يطلقان إلا بذلك فبين ذلك بالتشبيه بالسراج أيضا فإنه يقال إنه يضي‏ء و ليس معنى إضاءته أنه يفعل فعلا يزاول فيه الأعمال و الجوارح و الآلات أو أنه يحدث له عند ذلك إرادة و خطور بال كما يكون في ضرب زيد و قتل عمرو بل ليس إلا استتباع ضوئه لاستضاءتنا فكذلك الصانع تعالى ليس إيجاده بما يوجب تغييرا في ذاته من حدوث أمر فيه أو مزاولة عمل أو روية أو تفكر أو استعمال جارحة أو آلة كما يكون في المخلوقين غالبا و ليس الغرض التشبيه الكامل في ذلك حتى يلزم عدم كون إيجاده تعالى على وجه الإرادة و الاختيار بل فيما ذكرناه من الوجوه. فقوله ع و لا يقال إن السراج ليضي‏ء فيما يريد أن يفعل بنا النفي فيه راجع إلى القيد أي لا يطلق إضاءة السراج على فعل يريده أن يفعل بنا لأن الضوء من السراج ليس بفعل منه و لا كون و إحداث و إنما هو السراج حسب ليس معه إرادة و لا فعل و لا مزاولة عمل فلما استضأنا به و حصل الضوء فينا من قبله نسبنا إليه

  الإضاءة و قلنا قد أضاء فلا يشترط في استعمال تلك الأفعال إلا الاستتباع و السببية من غير اشتراط شي‏ء آخر و الأظهر بدل فلما استضاء لنا قوله فلما استضأنا به كما لا يخفى. قوله ع هل تجد النار يغيرها تغير نفسها حاصله أن الشي‏ء لا يؤثر في نفسه بتغيير و إفناء و تأثير بل إنما يتأثر من غيره فالنار لا تتغير إلا بتأثير غيرها فيها و الحرارة لا تحرق نفسها و البصر لا ينطبع من نفسه بل من صورة غيره فالله سبحانه لا يمكن أن يتأثر و يتغير بفعل نفسه و تأثير غيره تعالى فيه محال و أما الإنسان إذا ضرب عضوا منه على عضو آخر فيتأثر فليس من ذلك لأن أحد العضوين مؤثر و الآخر متأثر أو يقال الإنسان أثر في نفسه بتوسط غيره و هو عضو منه و الله سبحانه لا يتأتى فيه ذلك لوحدته الحقيقية و بساطته المطلقة فلا يعقل تغيره بفعل نفسه بوجه ثم لما توهم عمران أن الخلق و التأثير لا يكون إلا بكون المؤثر في الأثر أو الأثر في المؤثر أجاب بذكر بعض الشرائط و العلل الناقصة على التنظير فمثل بالمرآة حيث يشترط انطباع صورة البصر في المرآة و انطباع صورة المرآة في البصر بوجود ضوء قائم بالهواء المتوسط بينهما فالضوء علة ناقصة لتأثر البصر و المرآة مع عدم حصوله في شي‏ء منهما و عدم حصول شي‏ء منهما فيه فلم لا يجوز تأثير الصانع في العالم مع عدم حصول العالم فيه و لا حصوله في العالم. قوله هل يوحد بحقيقة بالحاء المهملة المشددة المفتوحة أي هل يتأتى توحيده مع تعقل كنه حقيقته أو إنما يوحد مع تعقله بوجه من وجوهه و بوصف من أوصافه و في بعض النسخ يوجد بالجيم من الوجدان أي يعرف و هو أظهر فأجاب ع بأنه إنما يعرف بالوجوه التي هي محدثة في أذهاننا و هي مغايرة لحقيقته تعالى و ما ذكره أولا لبيان أنه قديم أزلي و القديم يخالف المحدثات في الحقيقة و كل شي‏ء غيره فهو حادث. قوله ع لا معلوما تفصيل للثاني أي ليس معه غيره لا معلوم و لا مجهول و المراد بالمحكم ما يعرف حقيقته و بالمتشابه ضده و يحتمل أن يكون إشارة إلى نفي قول من قال بقدم القرآن فإن المحكم و المتشابه يطلقان على آياته و هذا الخبر أيضا يدل على أن إرادته تعالى من صفات الفعل و هي عين الإبداع و هي محدثة و قد مر الأخبار في ذلك و شرحها في كتاب التوحيد و يدل على أن أول مبدعاته تعالى الحروف. قوله ع و لم يجعل للحروف في إبداعه لها معنى أي إنما خلق الحروف المفردة التي ليس لها موضوع غير أنفسها و لم يجعل لها وضعا و لا معنى ينتهي إليه و يوجد و يعرف بذلك الحرف و يحتمل أن يكون المراد بالمعنى الصفة أي أول ما خلقها كان غير موصوف بمعنى و صفة ينتهي إليها و يوجد لأنها كانت مبدعة بمحض الإبداع و لم يكن هناك شي‏ء غير الإبداع و الحروف حتى يكون معنى للحروف أو صفة لها و المراد بالنور الوجود إذ به يظهر الأشياء كما تظهر الموجودات للحس بالنور فالإبداع هو الإيجاد و بالإيجاد تصير الأشياء موجودة فالإبداع هو التأثير و الحروف هي الأثر موجودة بالتأثير و بعبارة أخرى الحروف محل تأثير يعبر عنه بالمفعول و الفعل و الأثر هو الوجود. قوله ع و أما الخمسة المختلفة فبحجج كذا في النسخ أي إنما حدثت تلك الحروف بحجج جمع الحجة أي أسباب و علل من انحراف لهجات الخلق و اختلاف منطقهم لا ينبغي ذكرها و الأظهر أنه ع كان ذكر تلك الحروف فاشتبه على الرواة و صحفوها فالخمسة الكاف الفارسية في قولهم بگو بمعنى تكلم و الجيم الفارسية المنقوطة بثلاث نقاط كما في قولهم چه ميگوئى و الزاي الفارسية المنقوطة بثلاث نقاط كما يقولون ژاله و الباء المنقوطة بثلاث نقاط كما في پياله و پياده و التاء الهندية ثم ركب الحروف و أوجد بها الأشياء و جعلها فعلا منه كما قال إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فكن صنع و إيجاد للأشياء و ما يوجد به هو المصنوع فأول صادر عنه تعالى هو الإيجاد و هو معنى لا وزن له و لا حركة و ليس بمسموع و لا ملون و لا محسوس و الخلق الثاني يعني الحرف غير موزون و لا ملون لكنها مسموعة موصوفة و لا يمكن إبصارها و الخلق الثالث و هو

  ما وجد بهذه الحروف من السماوات و الأرضين و غيرهما فهي محسوسة ملموسة مذوقة مبصرة فالله مقدم بوجوده على الإبداع الذي هو خلقه الأول لأنه ليس شي‏ء قبله حتى يسبقه أيضا إبداع و لا كان شي‏ء دائما معه و الإبداع متقدم على الحروف لوجودها به و معنى كون الحروف غير دالة على معنى غير نفسها هو أن الحروف المفردة إنما وضعت للتركيب و ليس لها معنى تدل عليه إلا بعد التركيب و ظاهر كلامه ع أن كل معنى يدل عليه الكلمات و يوضع بإزائها الألفاظ إنما هي محدثة و أما الأسماء الدالة على الرب تعالى فإنما وضعت لمعان محدثة ذهنية و هي تدل عليه تعالى و لم توضع أولا لكنه حقيقته المقدسة و لا لكنه صفاته الحقيقية لأنها إنما وضعت لمعرفة الخلق و دعائهم و لا يمكنهم الوصول إلى كنه الذات و الصفات و لذا قال لم يك إلا لمعنى لم يكن قبل ذلك شيئا و إن أمكن أن يكون المراد بها غير أسمائه تعالى. قوله ع و الصفات و الأسماء كلها تدل على الكمال و الوجود أي صفات الله و أسماؤه كلها دالة على وجوده و كماله لا على ما يشتمل على النقص كالإحاطة و قوله كما تدل بيان للمنفي أي كأن يدل الحدود التي هي التربيع و التثليث و التسديس و يحتمل أن يكون المعنى لأن الإحاطة تدل على أن المحاط مشتمل على الحدود. قوله ع بمعرفتهم أنفسهم أي على نحو ما يعرفون أنفسهم أو بسبب معرفة أنفسهم قوله ع بالضرورة التي ذكرنا أي لأنه ضروري أنه لا يحد بالحدود و لا يوصف بها أو المعنى أنه تعالى لا يعرف بالتحديد لأنه لا يحل فيه الحدود و قد ذكرنا أنه ضروري أنه لا حد لغير محدود فلو عرف بالحدود يلزم كونه محدودا بها و لعل غرضه تنزيهه تعالى عن صفات تلك المعرفات بأن الحروف و إن دلت عليه لكن ليس فيه صفاتها و المعاني الذهنية و إن دلتنا عليه لكن فيه حدودها و لوازمها. ثم استدل ع بأنه لا بد أن ينتقل الناس من تلك الأسماء و الصفات التي

  يدركونها إلى ذاته تعالى بوجه و إلا يلزم أن يكون الخلق عابدين للأسماء و الصفات لا لله تعالى لأن صفاته و أسماءه المدركة غيره تعالى فهذه الصفات المدركة و إن كانت مخالفة بالحقيقة له تعالى لكنها آلة لملاحظته و وسيلة للانتقال إليه و توجه العبادة نحوه و المعلمة محل العلم و الإدراك من القوى و المشاعر و يمكن أن يقرأ على صيغة اسم الفاعل. قوله لمعناه الضمير راجع إلى الخلق أي لقصد الخلق إليه أو إلى الله فيكون بدلا من الضمير و الأظهر لا تدرك معناه قوله إن الله جل و تقدس موجود في الآخرة مأخوذ من الوجدان أي يعرفونه و يجدونه بالبصر و استدل ع على ذلك بأنه لو كان إدراكه بالبصر نقصا له كما هو الواقع لم يدرك في الآخرة أيضا به و لو كان كمالا له لكان مبصرا في الدنيا أيضا قوله عن الحقائق الموجودة أي المدركة قوله على ما هناك أي ما عند الله تعالى من صفاته إلا بما هاهنا أي لا يمكن الاستبداد في معرفته تعالى بالعقل بل لا بد من الرجوع في ذلك إلى ما أوحى إلى أنبيائه ع و يحتمل أن يكون المراد بقوله هناك الآخرة و بقوله هاهنا الدنيا أي إنما يقاس أحوال الآخرة بالدنيا فكيف يجوز رؤيته تعالى في الآخرة مع استحالته في الدنيا و الأول أظهر كما يدل عليه ما بعده. قوله بل خلق ساكن أي نسبة و إضافة بين العلة و المعلول فكأنه ساكن فيهما أو عرض قائم بمحل لا يمكنه مفارقته. و قوله لا يدرك بالسكون أي أمر اعتباري إضافي ينتزعه العقل و لا يشار إليه في الخارج و إنما قلنا إنه خلق لأن هذه النسبة و التأثير غيره تعالى و هو محدث و كل محدث معلول فلا تتوهم أنه خلق يحتاج إلى تأثير آخر و هكذا حتى يتسلسل بل ليس في الحقيقة إلا الرب و مخلوقه الذي أوجده و الإيجاد معنى صار سببا لوجود المعلول بتأثيره تعالى فكل شي‏ء خلقه الله لم يعد و لم يتجاوز أن يصدق عليه أن الله خلقه فهذا هو معنى الإبداع لا غير و هذا المعنى يقع عليه حد و كل ما يقع عليه حد فهو خلق الله. قوله ع و كان الذي خلق خلقين اثنين لعله إشارة إلى الخلق الأول و هي الحروف ففي خلق الحروف يخلق شيئان حرف و تحديد و تقدير قائم به و ليس شي‏ء من الحرف و العرض القائم به ذا لون و وزن و ذوق و جعل أحدهما يدرك بالآخر أي الحرف يعرف بالحدود القائمة به فيعرف بأنه شي‏ء محدود أو المعنى أنه لو لم يكن محدودا لم يكن مدركا بالحواس و جعل الحرف و حده كليهما مدركين بنفسهما لا بآثارهما فإن الأمور المحسوسة إنما تدرك بأنفسها لا بآثارها و لم يخلق شيئا فردا عن الحدود و التقديرات قائما بنفسه دون غيره أي من غير أن يخلق معه غيره كالحدود لأنه أراد أن يكون حروفا و أصواتا دالة على نفسه و إثبات وجوده و ما يكون دالا على المعاني هاديا للناس إلى المعرفة لا يكون إلا محسوسا و كل محسوس يكون محدودا و المعنى أنه أراد أن يكون محدودا ليدل بكونه على هذه الحالة على إمكانه و افتقاره إلى الصانع فيكون بوجوده بنفسه دالا على الصانع لا باعتبار مدلوله. قوله ع و لا يكنه أي لا يستره و قال الجوهري ارتبك الرجل في الأمر أي نشب فيه و لم يكد يتخلص منه قوله المتفاوت عقله أي المتباعد عنه عقله من التفاوت بمعنى التباعد أو بمعنى الاختلاف أي لا يثبت عقله على أمر ثابت بل يكون دائما في الشك و التردد. أقول هذا الخبر من متشابهات الأخبار التي لا يعلم تأويلها إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ و لا يلزمنا فيها سوى التسليم و إنما ذكرنا فيها ما ذكرنا على سبيل الاحتمال على قدر ما يصل إليه فهمي الناقص مع أن في تلك الأخبار الطويلة المشتملة على المعاني المعضلة كثيرا ما يقع التحريف و الإسقاط من الرواة و الله يعلم و حججه صلوات الله عليهم حقائق كلامهم

  -2  يد، ]التوحيد[ ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ بالإسناد المتقدم عن الحسن بن محمد النوفلي قال قدم سليمان المروزي متكلم خراسان على المأمون فأكرمه و وصله ثم قال له إن ابن عمي علي بن موسى قدم علي من الحجاز و هو يحب الكلام و أصحابه فلا عليك أن تصير إلينا يوم التروية لمناظرته فقال سليمان يا أمير المؤمنين إني أكره أن أسأل مثله في مجلسك في جماعة من بني هاشم فينتقص عند القوم إذا كلمني و لا يجوز الاستقصاء عليه قال المأمون إنما وجهت إليك لمعرفتي بقوتك و ليس مرادي إلا أن تقطعه عن حجة واحدة فقط فقال سليمان حسبك يا أمير المؤمنين اجمع بيني و بينه و خلني و الذم فوجه المأمون إلى الرضا ع فقال إنه قد قدم علينا رجل من أهل مرو و هو واحد خراسان من أصحاب الكلام فإن خف عليك أن تتجشم المصير إلينا فعلت فنهض ع للوضوء و قال لنا تقدموني و عمران الصابئ معنا فصرنا إلى الباب فأخذ ياسر و خالد بيدي فأدخلاني على المأمون فلما سلمت قال أين أخي أبو الحسن أبقاه الله قلت خلفته يلبس ثيابه و أمرنا أن نتقدم ثم قلت يا أمير المؤمنين إن عمران مولاك معي و هو بالباب فقال من عمران قلت الصابئ الذي أسلم على يديك قال فليدخل فدخل فرحب به المأمون ثم قال له يا عمران لم تمت حتى صرت من بني هاشم قال الحمد لله الذي شرفني بكم يا أمير المؤمنين فقال له المأمون يا عمران هذا سليمان المروزي متكلم خراسان قال عمران يا أمير المؤمنين إنه يزعم أنه واحد خراسان في النظر و ينكر البداء قال فلم لا تناظره قال عمران ذاك إليه فدخل الرضا ع فقال في أي شي‏ء كنتم قال عمران يا ابن رسول الله هذا سليمان المروزي فقال سليمان أ ترضى بأبي الحسن و بقوله فيه قال عمران قد رضيت بقول أبي الحسن في البداء على أن يأتيني فيه بحجة أحتج بها على نظرائي من أهل النظر قال المأمونيا أبا الحسن ما تقول فيما تشاجرا فيه قال و ما أنكرت من البداء يا سليمان و الله عز و جل يقول أَ وَ لا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ يَكُ شَيْئاً و يقول عز و جل وَ هُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ و يقول بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ و يقول عز و جل يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ و يقول وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ و يقول عز و جل وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَ إِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ و يقول عز و جل وَ ما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَ لا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ قال سليمان هل رويت فيه عن آبائك شيئا قال نعم رويت عن أبي عن أبي عبد الله ع أنه قال إن لله عز و جل علمين علما مخزونا مكنونا لا يعلمه إلا هو من ذلك يكون البداء و علما علمه ملائكته و رسله فالعلماء من أهل بيت نبيك يعلمونه قال سليمان أحب أن تنزعه لي من كتاب الله عز و جل قال قول الله تعالى لنبيه ص فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ أراد هلاكهم ثم بدا لله تعالى فقال وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ قال سليمان زدني جعلت فداك قال الرضا ع لقد أخبرني أبي عن آبائه ع أن رسول الله ص قال إن الله عز و جل أوحى إلى نبي من أنبيائه أن أخبر فلان الملك أني متوفيه إلى كذا و كذا فأتاه ذلك النبي فأخبره فدعا الله الملك و هو على سريره حتى سقط من السرير و قال يا رب أجلني حتى يشب طفلي و أقضي أمري فأوحى الله عز و جل إلى ذلك النبي أن ائت فلان الملك فأعلمه أني قد أنسيت أجله و زدت في عمره خمس عشرة سنة فقال ذلك النبي يا رب إنك لتعلم أني لم أكذب قط فأوحى الله عز و جل إليه إنما أنت عبد مأمور فأبلغه ذلك و الله لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ثم التفت إلى سليمان فقال أحسبك ضاهيت اليهود في هذا الباب قال أعوذ بالله من ذلك و ما قالت اليهود قال قالت اليهود يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ يعنون أن الله تعالى قد فرغ من الأمر فليس يحدث شيئا فقال الله عز و جل غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَ لُعِنُوا بِما قالُوا و لقد سمعت قوما سألوا أبي موسى بن جعفر عن البداء فقال و ما ينكر الناس من البداء و أن يقف الله قوما يرجئهم لأمره قال سليمان أ لا تخبرني عن

  إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ في أي شي‏ء أنزلت قال يا سليمان ليلة القدر يقدر الله عز و جل فيها ما يكون من السنة إلى السنة من حياة أو موت أو خير أو شر أو رزق فما قدره في تلك الليلة فهو من المحتوم قال سليمان الآن قد فهمت جعلت فداك فزدني قال يا سليمان إن من الأمور أمورا موقوفة عند الله تبارك و تعالى يقدم منها ما يشاء و يؤخر ما يشاء يا سليمان إن عليا ع كان يقول العلم علمان فعلم علمه الله ملائكته و رسله فما علمه ملائكته و رسله فإنه يكون و لا يكذب نفسه و لا ملائكته و لا رسله و علم عنده مخزون لم يطلع عليه أحدا من خلقه يقدم منه ما يشاء و يؤخر ما يشاء و يمحو ما يشاء و يثبت ما يشاء قال سليمان للمأمون يا أمير المؤمنين لا أنكر بعد يومي هذا البداء و لا أكذب به إن شاء الله فقال المأمون يا سليمان سل أبا الحسن عما بدا لك و عليك بحسن الاستماع و الإنصاف قال سليمان يا سيدي أسألك قال الرضا سل عما بدا لك قال ما تقول فيمن جعل الإرادة اسما و صفة مثل حي و سميع و بصير و قدير قال الرضا ع إنما قلتم حدثت الأشياء و اختلفت لأنه شاء و أراد و لم تقولوا حدثت و اختلفت لأنه سميع بصير فهذا دليل على أنها ليست مثل سميع و لا بصير و لا قدير قال سليمان فإنه لم يزل مريدا قال يا سليمان فإرادته غيره قال نعم قال فقد أثبت معه شيئا غيره لم يزل قال سليمان ما أثبت قال الرضا ع أ هي محدثة قال سليمان لا ما هي محدثة فصاح به المأمون و قال يا سليمان مثله يعايا أو يكابر عليك بالإنصاف أ ما ترى من حولك من أهل النظر ثم قال كلمه يا أبا الحسن فإنه متكلم خراسان فأعاد عليه المسألة فقال هي محدثة يا سليمان فإن الشي‏ء إذا لم يكن أزليا كان محدثا و إذا لم يكن محدثا كان أزليا قال سليمان إرادته منه كما أن سمعه منه و بصره منه و علمه منه قال

 الرضا ع فإرادته نفسه قال لا قال فليس المريد مثل السميع و البصير قال سليمان إنما أراد نفسه كما سمع نفسه و أبصر نفسه و علم نفسه قال الرضا ع ما معنى أراد نفسه أراد أن يكون شيئا أو أراد أن يكون حيا أو سميعا أو بصيرا أو قديرا قال نعم قال الرضا ع أ فبإرادته كان ذلك قال سليمان نعم قال الرضا ع فليس لقولك أراد أن يكون حيا سميعا بصيرا معنى إذا لم يكن ذلك بإرادته قال سليمان بلى قد كان ذلك بإرادته فضحك المأمون و من حوله و ضحك الرضا ع ثم قال لهم ارفقوا بمتكلم خراسان فقال يا سليمان فقد حال عندكم عن حاله و تغير عنها و هذا ما لا يوصف الله عز و جل به فانقطع ثم قال الرضا ع يا سليمان أسألك مسألة قال سل جعلت فداك قال أخبرني عنك و عن أصحابك تكلمون الناس بما تفقهون و تعرفون أو بما لا تفقهون و لا تعرفون قال بما نفقه و نعلم قال الرضا ع فالذي يعلم الناس أن المريد غير الإرادة و أن المريد قبل الإرادة و أن الفاعل قبل المفعول و هذا يبطل قولكم إن الإرادة و المريد شي‏ء واحد قال جعلت فداك ليس ذاك منه على ما يعرف الناس و لا على ما يفقهون قال فأراكم ادعيتم علم ذلك بلا معرفة و قلتم الإرادة كالسمع و البصر و إذا كان ذلك عندكم على ما لا يعرف و لا يعقل فلم يحر جوابا ثم قال الرضا ع يا سليمان هل يعلم الله جميع ما في الجنة و النار قال سليمان نعم قال فيكون ما علم الله عز و جل أنه يكون من ذلك قال نعم قال فإذا كان حتى لا يبقى منه شي‏ء إلا كان أ يزيدهم أو يطويه عنهم قال سليمان بل يزيدهم قال فأراه في قولك قد زادهم ما لم يكن في علمه أنه يكون قال جعلت فداك فالمزيد لا غاية له قال فليس يحيط علمه عندكم بما يكون فيهما إذا لم يعرف غاية ذلك و إذا لم يحط علمه بما يكون فيهما لم يعلم ما يكون فيهما أن يكون تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا قال سليمان إنما قلت لا يعلمه لأنه لا غاية لهذا لأن الله عز و جل وصفهما بالخلود و كرهنا أن نجعل لهما انقطاعا قال الرضا ع ليس علمه بذلك بموجب لانقطاعه عنهم لأنه قد يعلم ذلك ثم يزيدهم ثم لا يقطعه عنهم و كذلك قال عز و جل في كتابه كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ و قال لأهل الجنة عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ و قال عز و جل وَ فاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَ لا مَمْنُوعَةٍ فهو جل و عز يعلم ذلك و لا يقطع عنهم الزيادة أ رأيت ما أكل أهل الجنة و ما شربوا أ ليس يخلف مكانه قال بلى قال أ فيكون يقطع ذلك عنهم و قد أخلف مكانه قال سليمان لا قال فكذلك كلما يكون فيها إذا أخلف مكانه فليس بمقطوع عنهم قال سليمان بل يقطعه عنهم و لا يزيدهم قال الرضا ع إذا يبيد ما فيهما و هذا يا سليمان إبطال الخلود و خلاف الكتاب لأن الله عز و جل يقول لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَ لَدَيْنا مَزِيدٌ و يقول عز و جل عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ و يقول عز و جل وَ ما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ و يقول عز و جل خالِدِينَ فِيها أَبَداً و يقول عز و جل وَ فاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَ لا مَمْنُوعَةٍ فلم يحر جوابا ثم قال الرضا ع يا سليمان أ لا تخبرني عن الإرادة فعل هي أم غير فعل قال بلى هي فعل قال فهي محدثة لأن الفعل كله محدث قال ليست بفعل قال فمعه غيره لم يزل قال سليمان الإرادة هي الإنشاء قال يا سليمان هذا الذي عبتموه على ضرار و أصحابه من قولهم إن كل ما خلق الله عز و جل

 في سماء أو أرض أو بحر أو بر من كلب أو خنزير أو قرد أو إنسان أو دابة إرادة الله و إن إرادة الله تحيا و تموت و تذهب و تأكل و تشرب و تنكح و تلد و تظلم و تفعل الفواحش و تكفر و تشرك فنبرأ منها و نعاديها و هذا حدها قال سليمان إنها كالسمع و البصر و العلم قال الرضا ع قد رجعت إلى هذا ثانية فأخبرني عن السمع و البصر و العلم أ مصنوع قال سليمان لا قال الرضا ع فكيف نفيتموه فمرة قلتم لم يرد و مرة قلتم أراد و ليست بمفعول له قال سليمان إنما ذلك كقولنا مرة علم و مرة لم يعلم قال الرضا ع ليس ذلك سواء لأن نفي المعلوم ليس بنفي العلم و نفي المراد نفي الإرادة أن تكون لأن الشي‏ء إذا لم يرد لم يكن إرادة و قد يكون العلم ثابتا و إن لم يكن المعلوم بمنزلة البصر فقد يكون الإنسان بصيرا و إن لم يكن المبصر و يكون العلم ثابتا و إن لم يكن المعلوم قال سليمان إنها مصنوعة قال فهي محدثة ليست كالسمع و البصر لأن السمع و البصر ليسا بمصنوعين و هذه مصنوعة قال سليمان إنها صفة من صفاته لم تزل قال فينبغي أن يكون الإنسان لم يزل لأن صفته لم تزل قال سليمان لا لأنه لم يفعلها قال الرضا ع يا خراساني ما أكثر غلطك أ فليس بإرادته و قوله تكون الأشياء قال سليمان لا قال فإذا لم تكن بإرادته و لا مشيته و لا أمره و لا بالمباشرة فكيف يكون ذلك تعالى الله عن ذلك فلم يحر جوابا ثم قال الرضا ع أ لا تخبرني عن قول الله عز و جل وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها يعني بذلك أنه يحدث إرادة قال له نعم قال فإذا أحدث إرادة كان قولك إن الإرادة هي هو أو شي‏ء منه باطلا لأنه لا يكون أن يحدث نفسه و لا يتغير عن حاله تعالى الله عن ذلك قال سليمان إنه لم يكن عنى بذلك أنه يحدث إرادة قال فما عنى به قال عنى به فعل الشي‏ء قال الرضا ع ويلك كم تردد هذه المسألة و قد أخبرتك أن الإرادة محدثة لأن فعل الشي‏ء محدث قال فليس لها معنى قال الرضا ع قد وصف نفسه عندكم حتى وصفها بالإرادة بما لا معنى له فإذا لم يكن لها معنى قديم و لا حديث بطل قولكم إن الله لم يزل مريدا قال سليمان إنما عنيت أنها فعل من الله لم يزل قال أ لا تعلم أن ما لم يزل لا يكون مفعولا و قديما حديثا في حالة واحدة فلم يحر جوابا قال الرضا ع لا بأس أتمم مسألتك قال سليمان قلت إن الإرادة صفة من صفاته قال الرضا ع كم تردد علي أنها صفة من صفاته فصفته محدثة أو لم تزل قال سليمان محدثة قال الرضا ع الله أكبر فالإرادة محدثة و إن كانت صفة من صفاته لم تزل فلم يرد شيئا قال الرضا ع إن ما لم يزل لا يكون مفعولا قال سليمان ليس الأشياء إرادة و لم يرد شيئا قال الرضا ع وسوست يا سليمان فقد فعل و خلق ما لم يزل خلقه و فعله و هذه صفة من لا يدري ما فعل تعالى الله عن ذلك قال سليمان يا سيدي فقد أخبرتك أنها كالسمع و البصر و العلم قال المأمون ويلك يا سليمان كم هذا الغلط و الترداد اقطع هذا و خذ في غيره إذ لست تقوى على غير هذا الرد قال الرضا ع دعه يا أمير المؤمنين لا تقطع عليه مسألته فيجعلها حجة تكلم يا سليمان قال قد أخبرتك أنها كالسمع و البصر و العلم قال الرضا ع لا بأس أخبرني عن معنى هذه أ معنى واحد أو معاني مختلفة قال سليمان معنى واحد قال الرضا ع فمعنى الإرادات كلها معنى واحد قال سليمان نعم قال الرضا ع فإن كان معناها معنى واحدا كانت إرادة القيام إرادة القعود و إرادة الحياة إرادة الموت إذ كانت إرادته واحدة لم يتقدم بعضها بعضا و لم يخالف بعضها بعضا و كان شيئا واحدا قال سليمان إن معناها مختلف قال فأخبرني عن المريد أ هو الإرادة أو غيرها قال سليمان بل هو الإرادة قال

 الرضا ع فالمريد عندكم مختلف إذ كان هو الإرادة قال يا سيدي ليس الإرادة المريد قال فالإرادة محدثة و إلا فمعه غيره افهم و زد في مسألتك قال سليمان فإنها اسم من أسمائه قال الرضا ع هل سمى نفسه بذلك قال سليمان لا لم يسم نفسه بذلك قال الرضا ع فليس لك أن تسميه بما لم يسم به نفسه قال قد وصف نفسه بأنه مريد قال الرضا ع ليس صفته نفسه أنه مريد إخبارا عن أنه إرادة و لا إخبارا عن أن الإرادة اسم من أسمائه قال سليمان لأن إرادته علمه قال الرضا ع يا جاهل فإذا علم الشي‏ء فقد أراده قال سليمان أجل قال فإذا لم يرده لم يعلمه قال سليمان أجل قال من أين قلت ذاك و ما الدليل على أن إرادته علمه و قد يعلم ما لا يريده أبدا و ذلك قوله عز و جل وَ لَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ فهو يعلم كيف يذهب به و لا يذهب به أبدا قال سليمان لأنه قد فرغ من الأمر فليس يزيد فيه شيئا قال الرضا ع هذا قول اليهود فكيف قال ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ قال سليمان إنما عنى بذلك أنه قادر عليه قال أ فيعد ما لا يفي به فكيف قال يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ و قال عز و جل يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ و قد فرغ من الأمر فلم يحر جوابا قال الرضا ع يا سليمان هل يعلم أن إنسانا يكون و لا يريد أن يخلق إنسانا أبدا أو أن إنسانا يموت و لا يريد أن يموت اليوم قال سليمان نعم قال الرضا ع فيعلم أنه يكون ما يريد أن يكون أو يعلم أنه يكون ما لا يريد أن يكون قال يعلم أنهما يكونان جميعا قال الرضا ع إذا يعلم أن إنسانا حي ميت قائم قاعد أعمى بصير في حالة واحدة و هذا هو المحال قال جعلت فداك فإنه يعلم أن يكون أحدهما دون الآخر قال لا بأس فأيهما يكون الذي أراد أن يكون أو الذي لم يرد أن يكون قال سليمان الذي أراد أن يكون فضحك الرضا ع و المأمون و أصحاب المقالات قال الرضا ع غلطت و تركت قولك إنه يعلم أن إنسانا يموت اليوم و هو لا يريد أن يموت اليوم و إنه يخلق خلقا و إنه لا يريد أن يخلقهم و إذا لم يجز العلم عندكم بما لم يرد أن يكون فإنما يعلم أن يكون ما أراد أن يكون قال سليمان فإنما قولي إن الإرادة ليست هو و لا غيره قال الرضا ع يا جاهل إذا قلت ليست هو فقد جعلتها غيره فإذا قلت ليست هي غيره فقد جعلتها هو قال سليمان فهو يعلم كيف يصنع الشي‏ء قال نعم قال سليمان فإن ذلك إثبات للشي‏ء قال الرضا ع أحلت لأن الرجل قد يحسن البناء و إن لم يبن و يحسن الخياطة و إن لم يخط و يحسن صنعة الشي‏ء و إن لم يصنعه أبدا ثم قال له يا سليمان هل يعلم أنه واحد لا شي‏ء معه قال نعم قال أ فيكون ذلك إثباتا للشي‏ء قال سليمان ليس يعلم أنه واحد لا شي‏ء معه قال الرضا ع أ فتعلم أنت ذاك قال نعم قال فأنت يا سليمان أعلم منه إذا قال سليمان المسألة محال قال محال عندك أنه واحد لا شي‏ء معه و أنه سميع بصير حكيم قادر قال نعم قال فكيف أخبر عز و جل أنه واحد حي سميع بصير حكيم قادر عليم خبير و هو لا يعلم ذلك و هذا رد ما قال و تكذيبه تعالى الله عن ذلك ثم قال له الرضا ع فكيف يريد صنع ما لا يدري صنعه و لا ما هو و إذا كان الصانع لا يدري كيف يصنع الشي‏ء قبل أن يصنعه فإنما هو متحير تعالى الله عن ذلك قال سليمان فإن الإرادة القدرة قال الرضا ع و هو عز و جل يقدر على ما لا يريده أبدا و لا بد من ذلك لأنه قال تبارك و تعالى وَ لَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ فلو كانت الإرادة هي القدرة كان قد أراد أن يذهب به لقدرته فانقطع سليمان قال المأمون عند ذلك يا سليمان هذا أعلم هاشمي ثم تفرق القوم

 ج، ]الإحتجاج[ مرسلا مثله إلا أنه أسقط بعض الخبر اختصارا بيان اعلم أنه لما كان للبداء معان أثبتها ع بمعانيها. الأول أن يكون المراد به إحداث أمر لم يكن و إيجاد شي‏ء بعد عدمه و هذا الذي نسب إلى اليهود نفيه حيث قالوا خلق جميع الأشياء في الأزل و فرغ من الأمر و لذا قالوا يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ و إلى نفيه أشار بقوله أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ و قوله تعالى وَ هُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ و قوله بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ و قوله وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ و قوله وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ. الثاني نسخ الأحكام و إليه أشار بقوله وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ. و الثالث تقدير الأشياء و إثباتها في الألواح السماوية و محوها و تغييرها بحسب المصالح و إليه أشار بقوله وَ ما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَ لا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ و غيرها مما ذكره و المعروف من البداء هو المعنى الأخير كما مر بيانه في بابه و يمكن تطبيق بعض الآيات السابقة عليه أيضا بأن يراد بالخلق التقدير لا الإيجاد. قوله و أن يقف الله قوما يرجئهم لأمره يحتمل أن يكون تفسيرا للبداء لأنه أيضا نوع من البداء حيث لا يظهر أولا في التقدير كونهم معذبين أو مرحومين ثم يظهر للخلق بعد ذلك و يحتمل أن يكون أمرا آخر كانوا ينكرونه ذكره ع استطرادا لشباهته بالبداء و ذكر الآية الدالة عليه سابقا يؤيد الأول قوله اسما و صفة مثل حي أي جعلوها من الصفات الذاتية القديمة لا من صفات الفعل الحادثة. قوله مثله يعايا أي تتكلم معه على سبيل المباهتة و المغالطة قال الجوهري المعاياة أن تأتي بشي‏ء لا يهتدى له. قوله فأعاد عليه المسألة أي أعاد المروزي سؤال الحدوث و القدم عنه ع و يحتمل أن يكون المراد أنه ع أعاد السؤال السابق فأجاب المروزي بمثل جوابه سابقا فرد الإمام ع عليه و قال هي محدثة و يحتمل أن يكون فقال بيانا للإعادة. قوله أ فبإرادته كان ذلك قال سليمان نعم كذا في أكثر نسخ الكتاب الثلاثة و في بعض نسخ التوحيد قال سليمان لا و هو الأظهر و على ما في أكثر النسخ يكون حاصل جوابه ع أن ما ذكرت من كون حياته و سمعه و بصره محدثا مسبوقا بالإرادة معلوم الانتفاء كما أوضحه أخيرا و بينه بأنه يوجب التغير في ذاته تعالى و كونه محلا للحوادث. قوله ع فأراكم ادعيتم علم ذلك لعل المعنى أنك لما ادعيت أن ذلك على خلاف ما يعقله الناس فلم يحصل لك من ذلك سوى احتمال أن يكون كذلك و لم تقم دليلا على ذلك و محض الاحتمال لا يكفي في مقام الاستدلال أو المعنى أنه إذا كان هذا الأمر على خلاف ما يعقله الناس و يفهمونه فلا يمكن التصديق به إذ التصديق فرع تصور الأطراف. قوله الإرادة هي الإنشاء لعله كان مراده أنها عين المنشإ ثم اعلم أن ما نسبه المتكلمون إلى ضرار هو كون إرادته تعالى عين ذاته لا عين المخلوقات و لعله كان قائلا بأحدهما ثم رجع إلى الآخر. قوله كقولنا مرة علم و مرة لم يعلم لعله أراد أن العلم أيضا يمكن نفيه قبل حصول المعلوم فأجاب ع ببطلان ذلك و يحتمل أن يكون أشار بذلك إلى ما في بعض الآيات من قوله لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ و أمثاله فأجاب ع بأنها مأولة بالعلم بعد الحصول و إلا فأصل العلم لا يتوقف على الحصول و يحتمل أن يكون مراده أنه لا يمكن نفي الإرادة كما لا يمكن نفي العلم.

  قوله لأن صفته لم تزل الظاهر صنعته بدل صفته أي لا يتوقف صنعه و إيجاده إلا على إرادته تعالى إيجاده فإذا كانت الإرادة قديمة كان المراد أيضا قديما و لو كان صفته فالمراد أيضا ما ذكرنا بنوع من التكلف أي صفة إيجاده بإرجاع الضمير إلى الإنسان أو إلى الله تعالى فأجاب الخراساني بأن قدم الإرادة لا يستلزم قدم المراد إذ الإيجاد فعل فلعله مع وجود الإرادة لم يفعله فأجاب ع بأن إرادته تعالى لا يتخلف عن الإيجاد لقوله تعالى إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ثم أجاب أخيرا بأن إيجاده تعالى ليس بمباشرة و مزاولة بل ليس إلا بمحض إرادته فإذا لم تكن الإرادة كافية في الإيجاد فعلى أي شي‏ء يتوقف. قوله حتى وصفها بالإرادة بما لا معنى له أي كيف يعقل أن يقال إن الإرادة لا معنى لها و الحال أن الله تعالى وصف نفسه بها و ذكرها في كتابه و هل يجوز أن يذكر الله شيئا لا معنى له. قوله ع فلم يرد شيئا إذا الإرادة الأزلية إما أن يتعلق بقديم فالقديم لا يكون مسبوقا بالإرادة كما مر في الأخبار أو بحادث فيلزم تخلف المراد عن الإرادة و هو غير جائز كما مر في هذا الخبر أو هو بالتشديد من الرد أي لم يرد الخراساني جوابا فكلمة إن وصلية قوله ليس الأشياء إرادة و لم يرد شيئا أي ليست الأشياء عين الإرادة كما قال ضرار و لم يتعلق إرادته أيضا بشي‏ء و يحتمل أن يكون كلمة إلا استثناء كما في بعض النسخ أي ليس إلا شيئا واحدا أراده و هو أصل الخلق من غير تفصيل أو الإرادة فقال ع لقد وسوست على بناء المجهول أي وسوس إليك الشيطان حتى تكلمت بذلك أو خبط الشيطان عقلك حيث تتكلم بهذه الخرافات ثم بين ضعف قوله بأنه على قولك إنه أراد الإرادة القديمة و لم يرد غيرها أن يكون الإرادة متعلقة بأمر قديم لم يزل مع الله و تأثير الشي‏ء فيما يكون معه دائما لا يكون على وجه الإرادة و الاختيار بل يكون على وجه الاضطرار كإحراق النار و في بعض نسخ التوحيد ما لم يرد خلقه و هو أظهر أي يلزم على قولك أن يكون صدور الأشياء عنه تعالى بغير إرادة و هذه صفة من لا يدري ما فعل كالنار في إحراقه تعالى الله عن ذلك. قوله و إلا فمعه غيره أي يلزم تعدد القدماء قوله لأن إرادته علمه أي ما نسب إلى نفسه بلفظ الإرادة أراد به العلم و الظاهر أن اللام زيد من النساخ و السائل رجع عن كلامه السابق لعجزه عن جواب ما يرد عليه إلى كلام آخر قوله فإن ذلك إثبات للشي‏ء أي في الأزل إنما قال ذلك ظنا منه أن العلم بالشي‏ء يستلزم وجوده. أقول قد مر شرح بعض أجزاء الخبر في كتاب التوحيد و قال الصدوق رحمة الله عليه في الكتابين بعد إيراد هذا الخبر كان المأمون يجلب على الرضا ع من متكلمي الفرق و أهل الأهواء المضلة كل من سمع به حرصا على انقطاع الرضا ع من الحجة مع واحد منهم و ذلك حسدا منه له و لمنزلته من العلم فكان لا يكلمه أحد إلا أقر له بالفضل و التزم الحجة له عليه لأن الله تعالى ذكره يأبى إلا أن يعلي كلمته و يتم نوره و ينصر حجته و هكذا وعد تبارك و تعالى في كتابه فقال إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا يعني بالذين آمنوا الأئمة الهداة ع و أتباعهم العارفين بهم و الآخذين عنهم ينصرهم بالحجة على مخالفيهم ما داموا في الدنيا و كذلك يفعل بهم في الآخرة و إن الله لا يخلف وعده

 3-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ الهمداني و المكتب و الوراق عن أبيه عن علي عن صفوان بن يحيى صاحب السابري قال سألني أبو قرة صاحب الجاثليق أن أوصله إلى الرضا ع فاستأذنته في ذلك فقال أدخله علي فلما دخل عليه قبل بساطه و قال هكذا علينا في ديننا أن نفعل بأشراف أهل زماننا ثم قال له أصلحك الله ما تقول في فرقة ادعت دعوى فشهدت لهم فرقة أخرى معدلون قال الدعوى لهم قال فادعت فرقة أخرى دعوى فلم يجدوا شهودا من غيرهم قال لا شي‏ء لهم قال فإنا نحن ادعينا أن عيسى روح الله و كلمته فوافقنا على ذلك المسلمون و ادعى المسلمون أن محمدا نبي فلم نتابعهم عليه و ما أجمعنا عليه خير مما افترقنا فيه فقال له الرضا ع ما اسمك قال يوحنا قال يا يوحنا إنا آمنا بعيسى روح الله و كلمته الذي كان يؤمن بمحمد و يبشر به و يقر على نفسه أنه عبد مربوب فإن كان عيسى الذي هو عندك روح الله و كلمته ليس هو الذي آمن بمحمد و بشر به و لا هو الذي أقر لله بالعبودية و الربوبية فنحن منه براء فأين اجتمعنا فقام فقال لصفوان بن يحيى قم فما كان أغنانا عن هذا المجلس

 4-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ تميم بن عبد الله بن تميم القرشي عن أبيه عن أحمد بن علي الأنصاري عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي قال سأل مأمون أبا الحسن علي بن موسى الرضا ع عن قول الله عز و جل وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا فقال إن الله تبارك و تعالى خلق العرش و الماء و الملائكة قبل خلق السماوات و الأرض فكانت الملائكة تستدل بأنفسها و بالعرش و الماء على الله عز و جل ثم جعل عرشه على الماء ليظهر بذلك قدرته للملائكة فتعلم أنه على كل شي‏ء قدير ثم رفع العرش بقدرته و نقله فجعله فوق السماوات السبع ثم خلق السماوات و الأرض في ستة أيام و هو مستول على عرشه و كان قادرا على أن يخلقها في طرفة عين و لكنه عز و جل خلقها في ستة أيام ليظهر للملائكة ما يخلقه منها شيئا بعد شي‏ء فتستدل بحدوث ما يحدث على الله تعالى ذكره مرة بعد مرة و لم يخلق الله العرش لحاجة به إليه لأنه غني عن العرش و عن جميع ما خلق لا يوصف بالكون على العرش لأنه ليس بجسم تعالى عن صفة خلقه علوا كبيرا و أما قوله عز و جل لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا فإنه عز و جل خلق خلقه ليبلوهم بتكليف طاعته و عبادته لا على سبيل الامتحان و التجربة لأنه لم يزل عليما بكل شي‏ء فقال المأمون فرجت عني يا أبا الحسن فرج الله عنك ثم قال له يا ابن رسول الله فما معنى قول الله جل ثناؤه وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فقال الرضا ع حدثني أبي موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بنعلي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسن بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام قال إن المسلمين قالوا لرسول الله ص لو أكرهت يا رسول الله من قدرت عليه من الناس على الإسلام لكثر عددنا و قوينا على عدونا فقال رسول الله ما كنت لألقى الله عز و جل ببدعة لم يحدث إلي فيها شيئا وَ ما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ فأنزل الله عز و جل عليه يا محمد وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً على سبيل الإلجاء و الاضطرار في الدنيا كما يؤمنون عند المعاينة و رؤية البأس في الآخرة و لو فعلت ذلك بهم لم يستحقوا مني ثوابا و لا مدحا و لكني أريد منهم أن يؤمنوا مختارين غير مضطرين ليستحقوا مني الزلفى و الكرامة و دوام الخلود في جنة الخلد أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ و أما قوله عز و جل وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فليس ذلك على سبيل تحريم الإيمان عليها و لكن على معنى أنها ما كانت لتؤمن إلا بإذن الله و إذنه أمره لها بالإيمان ما كانت مكلفة متعبدة و إلجاؤه إياها إلى الإيمان عند زوال التكليف و التعبد عنها فقال المأمون فرجت عني يا أبا الحسن فرج الله عنك فأخبرني عن قول الله عز و جل الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَ كانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً فقال إن غطاء العين لا يمنع من الذكر الذكر لا يرى بالعين و لكن الله عز و جل شبه الكافرين بولاية علي بن أبي طالب ع بالعميان لأنهم كانوا يستثقلون قول النبي ص فيه و لا يستطيعون له سمعا فقال المأمون فرجت عني فرج الله عنك

 ج، ]الإحتجاج[ الهروي مثله

 5-  ج، ]الإحتجاج[ عن صفوان بن يحيى قال سألني أبو قرة المحدث صاحب شبرمة أن أدخله إلى أبي الحسن الرضا ع فاستأذنته فأذن له فدخل فسأله عن أشياء من الحلال و الحرام و الفرائض و الأحكام حتى بلغ سؤاله إلى التوحيد فقال له أخبرني جعلني الله فداك عن كلام الله لموسى فقال الله أعلم بأي لسان كلمه بالسريانية أم بالعبرانية فأخذ أبو قرة بلسانه فقال إنما أسألك عن هذا اللسان فقال أبو الحسن ع سبحان الله عما تقول و معاذ الله أن يشبه خلقه أو يتكلم بمثل ما هم متكلمون و لكنه تبارك و تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ و لا كمثله قائل فاعل قال كيف ذلك قال كلام الخالق لمخلوق ليس ككلام المخلوق لمخلوق و لا يلفظ بشق فم و لا لسان و لكن يقول له كن فكان بمشيته ما خاطب به موسى من الأمر و النهي من غير تردد في نفس فقال أبو قرة فما تقول في الكتب فقال أبو الحسن ع التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان و كل كتاب أنزل كان كلام الله تعالى أنزله للعالمين نورا و هدى و هي كلها محدثة و هي غير الله حيث يقول أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً و قال ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ يَلْعَبُونَ و الله أحدث الكتب كلها التي أنزلها فقال أبو قرة فهل يفنى فقال أبو الحسن ع أجمع المسلمون على أن ما سوى الله فان و ما سوى الله فعل الله و التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان فعل الله تعالى أ لم تسمع الناس يقولون رب القرآن و إن القرآن يقول يوم القيامة يا رب هذا فلان و هو أعرف به قد أظمأت نهاره و أسهرت ليله فشفعني فيه و كذلك التوراة و الإنجيل و الزبور كلها محدثة مربوبة أحدثها من لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ هدى لقوم يعقلون فمن زعم أنهن لم يزلن فقد أظهر أن الله ليس بأول قديم و لا واحد و أن الكلام لم يزل معه و ليس له بدء و ليس بإله قال أبو قرة و إنا روينا أن الكتب كلها تجي‏ء يوم القيامة و الناس في صعيد واحد صفوف قيام لرب العالمين ينظرون حتى ترجع فيه لأنها منه و هي جزء منه فإليه تصير قال أبو الحسن ع فهكذا قالت النصارى

 في المسيح إنه روحه جزء منه و يرجع فيه و كذلك قالت المجوس في النار و الشمس إنهما جزء منه يرجع فيه تعالى ربنا أن يكون متجزئا أو مختلفا و إنما يختلف و يأتلف المتجزي لأن كل متجزئ متوهم و القلة و الكثرة مخلوقة دالة على خالق خلقها فقال أبو قرة فإنا روينا أن الله قسم الرؤية و الكلام بين نبيين فقسم لموسى الكلام و لمحمد ص الرؤية فقال أبو الحسن ع فمن المبلغ عن الله إلى الثقلين من الجن و الإنس أنه لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ و لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً و لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ أ ليس محمد قال بلى قال أبو الحسن ع فكيف يجي‏ء رجل إلى الخلق جميعا فيخبرهم أنه جاء من عند الله و أنه يدعوهم إلى الله بأمر الله و يقول إنه لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ و لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً و لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ ثم يقول أنا رأيته بعيني و أحطت به علما و هو على صورة البشر أ ما تستحيون ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون أتى عن الله بأمر ثم يأتي بخلافه من وجه آخر فقال أبو قرة فإنه يقول وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى فقال أبو الحسن ع إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى حيث يقول ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى يقول ما كذب فؤاد محمد ص ما رأت عيناه ثم أخبر بما رأت عيناه فقال لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى فآيات الله غير الله و قال وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً فإذا رأته الأبصار فقد أحاطت به العلم و وقعت المعرفة فقال أبو قرة فتكذب بالرواية فقال أبو الحسن ع إذا كانت الرواية مخالفة للقرآن كذبتها و ما أجمع المسلمون عليه أنه لا يحاط به علما و لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ و لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ و سأله عن قول الله سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فقال أبو الحسن قد أخبر الله تعالى أنه أسرى به ثم أخبر لم أسرى به فقال لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا فآيات الله غير الله لقد أعذر و بين لم فعل به ذلك و ما رآه فقال فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَ آياتِهِ يُؤْمِنُونَ فأخبر أنه غير الله فقال أبو قرة فأين الله فقال أبو الحسن ع الأين مكان و هذه مسألة شاهد عن غائب و الله تعالى ليس بغائب و لا يقدمه قادم و هو بكل مكان موجود مدبر صانع حافظ ممسك السماوات و الأرض فقال أبو قرة أ ليس هو فوق السماء دون ما سواها فقال أبو الحسن ع هُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَ فِي الْأَرْضِ وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلهٌ و هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ و هو الذي اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَ هِيَ دُخانٌ و هو الذي اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ و هو الذي اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ قد كان و لا خلق و هو كما كان إذ لا خلق لم ينتقل مع المنتقلين فقال أبو قرة فما بالكم إذا دعوتم رفعتم أيديكم إلى السماء فقال أبو الحسن ع إن الله استعبد خلقه بضروب من العبادة و لله مفازع يفزعون إليه و يستعبد فاستعبد عباده بالقول و العلم و العمل و التوجيه و نحو ذلك استعبدهم بتوجيه الصلاة إلى الكعبة و وجه إليها الحج و العمرة و استعبد خلقه عند الدعاء و الطلب و التضرع ببسط الأيدي و رفعها إلى السماء لحال الاستكانة و علامة العبودية و التذلل له فقال أبو قرة فمن أقرب إلى الله الملائكة أو أهل الأرض قال أبو الحسن ع إن كنت تقول بالشبر و الذراع فإن الأشياء كلها باب واحد هي فعله لا يشتغل ببعضها عن بعض يدبر أعلى الخلق من حيث يدبر أسفله و يدبر أوله من حيث يدبر آخره من غير عناء و لا كلفة و لا مئونة و لا مشاورة و لا نصب و إن كنت تقول من أقرب إليه في الوسيلة فأطوعهم له و أنتم تروون أن أقرب ما يكون العبد إلى الله

 و هو ساجد و رويتم أن أربعة أملاك التقوا أحدهم من أعلى الخلق و أحدهم من أسفل الخلق و أحدهم من شرق الخلق و أحدهم من غرب الخلق فسأل بعضهم بعضا فكلهم قال من عند الله أرسلني بكذا و كذا ففي هذا دليل على أن ذلك في المنزلة دون التشبيه و التمثيل فقال أبو قرة أ تقر أن الله تعالى محمول فقال أبو الحسن ع كل محمول مفعول و مضاف إلى غيره محتاج فالمحمول اسم نقص في اللفظ و الحامل فاعل و هو اللفظ في ممدوح و كذلك قول القائل فوق و تحت و أعلى و أسفل و قد قال الله تعالى وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها و لم يقل في شي‏ء من كتبه أنه محمول بل هو الحامل في البر و البحر و الممسك للسماوات و الأرض و المحمول ما سوى الله و لم نسمع أحدا آمن بالله و عظمه قط قال في دعائه يا محمول قال أبو قرة أ فتكذب بالرواية أن الله إذا غضب إنما يعرف غضبه أن الملائكة الذين يحملون العرش يجدون ثقله على كواهلهم فيخرون سجدا فإذا ذهب الغضب خف فرجعوا إلى مواقفهم فقال ع أخبرني عن الله تبارك و تعالى منذ لعن إبليس إلى يومك هذا و إلى يوم القيامة غضبان هو على إبليس و أوليائه أو راض عنهم فقال نعم هو غضبان عليه قال فمتى رضي فخفف و هو في صفتك لم يزل غضبان عليه و على أتباعه ثم قال ويحك كيف تجتري أن تصف ربك بالتغير من حال إلى حال و أنه يجري عليه ما يجري على المخلوقين سبحانه لم يزل مع الزائلين و لم يتغير مع المتغيرين قال صفوان فتحير أبو قرة و لم يحر جوابا حتى قام و خرج

 بيان قوله و ليس له بدء أي ليس للكلام علة لأن القديم غير مصنوع و ليس بإله أي و الحال أن الكلام ليس بإله حتى لا يحتاج إلى الصانع أو الصانع يلزم أن لا يكون إلها لوجود الشريك معه في القدم و في بعض النسخ و ليس بآلة بالتاء أي يلزم أن لا يكون الكلام آلة للتفهيم و ليس في بعض النسخ قوله و ليس له بدء و الأظهر حينئذ كون الضمير راجعا إلى الصانع كما مر في الوجه الثاني. قوله لأن كل متجزئ متوهم كأنه على سبيل القلب أي كل ما يتوهم فيه العقل الاختلاف و الائتلاف يكون متجزئا أو المعنى أن كل متجزئ يتوهم فيه العقل و القلة و الكثرة و الزيادة و النقصان و هذه صفات الإمكان و المخلوقية قوله و ما أجمع المسلمون معطوف على القرآن. أقول قد مر شرح أجزاء الخبر في كتاب التوحيد

 6-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ روى ابن جرير بن رستم الطبري عن أحمد الطوسي عن أشياخه في حديث أنه انتدب للرضا ع قوم يناظرون في الإمامة عند المأمون فأذن لهم فاختاروا يحيى بن الضحاك السمرقندي فقال سل يا يحيى فقال يحيى بل سل أنت يا ابن رسول الله لتشرفني بذلك فقال ع يا يحيى ما تقول في رجل ادعى الصدق لنفسه و كذب الصادقين أ يكون صادقا محقا في دينه أم كاذبا فلم يحر جوابا ساعة فقال المأمون أجبه يا يحيى فقال قطعني يا أمير المؤمنين فالتفت إلى الرضا ع فقال ما هذه المسألة التي أقر يحيى بالانقطاع فيها فقال ع إن زعم يحيى أنه صدق الصادقين فلا إمامة لمن شهد بالعجز على نفسه فقال على منبر الرسول وليتكم و لست بخيركم و الأمير خير من الرعية و إن زعم يحيى أنه صدق الصادقين فلا إمامة لمن أقر على نفسه على منبر الرسول ص أن لي شيطانا يعتريني و الإمام لا يكون فيه الشيطان و إن زعم يحيى أنه صدق الصادقين فلا إمامة لمن أقر عليه صاحبه فقال كانت إمامة أبي بكر فلتة وقى الله شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه فصاح المأمون عليهم فتفرقوا ثم التفت إلى بني هاشم فقال لهم أ لم أقل لكم أن لا تفاتحوه و لا تجمعوا عليه فإن هؤلاء علمهم من علم رسول الله ص

  -7  و في كتاب الصفواني أنه قال الرضا ع لابن قرة النصراني ما تقول في المسيح قال يا سيدي إنه من الله فقال و ما تريد بقولك من و من على أربعة أوجه لا خامس لها أ تريد بقولك من كالبعض من الكل فيكون مبعضا أو كالخل من الخمر فيكون على سبيل الاستحالة أو كالولد من الوالد فيكون على سبيل المناكحة أو كالصنعة من الصانع فيكون على سبيل المخلوق من الخالق أو عندك وجه آخر فتعرفناه فانقطع

 8-  أبو إسحاق الموصلي إن قوما من ما وراء النهر سألوا الرضا ع عن الحور العين مم خلقن و عن أهل الجنة إذا دخلوها ما أول ما يأكلون و عن معتمد رب العالمين أين كان و كيف كان إذ لا أرض و لا سماء و لا شي‏ء فقال ع أما الحور العين فإنهن خلقن من الزعفران و التراب لا يفنين و أما أول ما يأكلون أهل الجنة فإنهم يأكلون أول ما يدخلونها من كبد الحوت التي عليها الأرض و أما معتمد الرب عز و جل فإنه أين الأين و كيف الكيف و إن ربي بلا أين و لا كيف و كان معتمده على قدرته سبحانه و تعالى

 9-  أقول و روى السيد المرتضى رضي الله عنه في كتاب الفصول، عن شيخه المفيد رحمه الله أنه قال روي أنه لما سار المأمون إلى خراسان و كان معه الرضا علي بن موسى ع فبينا هما يسيران إذ قال له المأمون يا أبا الحسن إني فكرت في شي‏ء فنتج لي الفكر الصواب فيه فكرت في أمرنا و أمركم و نسبنا و نسبكم فوجدت الفضيلة فيه واحدة و رأيت اختلاف شيعتنا في ذلك محمولا على الهوى و العصبية فقال له أبو الحسن ع إن لهذا الكلام جوابا إن شئت ذكرته لك و إن شئت أمسكت فقال له المأمون إني لم أقله إلا لأعلم ما عندك فيه قال له الرضا ع أنشدك الله يا أمير المؤمنين لو أن الله بعث نبيه محمدا ص فخرج علينا من وراء أكمة من هذه الآكام يخطب إليك ابنتك كنت مزوجه إياها فقال يا سبحان الله و هل يرغب أحد عن رسول الله ص فقال له الرضا ع أ فتراه كان يحل له أن يخطب إلي قال فسكت المأمون هنيئة ثم قال أنتم و الله أمس برسول الله ص رحما

 قال الشيخ و إنما المعنى في هذا الكلام أن ولد عباس يحلون لرسول الله ص كما تحل له البعداء في النسب منه و أن ولد أمير المؤمنين ع من فاطمة ع و من أمامة بنت زينب ابنة رسول الله ص يحرمن عليه لأنهن من ولده في الحقيقة فالولد ألصق بالوالد و أقرب و أحرز للفضل من ولد العم بلا ارتياب بين أهل الدين و كيف يصح مع ذلك أن يتساووا في الفضل بقرابة رسول الله ص فنبه الرضا ع على هذا المعنى و أوضحه له

 10-  قال و حدثني الشيخ أدام الله عزه أيضا قال قال المأمون يوما للرضا ع أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين ع يدل عليها القرآن قال فقال له الرضا ع فضيلة في المباهلة قال الله جل جلاله فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ فدعا رسول الله ص الحسن و الحسين ع فكانا ابنيه و دعا فاطمة ع فكانت في هذا الموضع نساؤه و دعا أمير المؤمنين ع فكان نفسه بحكم الله عز و جل فقد ثبت أنه ليس أحد من خلق الله تعالى أجل من رسول الله ص و أفضل فوجب أن لا يكون أحد أفضل من نفس رسول الله ص بحكم الله تعالى قال فقال له المأمون أ ليس قد ذكر الله تعالى الأبناء بلفظ الجمع و إنما دعا رسول الله ابنيه خاصة و ذكر النساء بلفظ الجمع و إنما دعا رسول الله ص ابنته وحدها فألا جاز أن يذكر الدعاء لمن هو نفسه و يكون المراد نفسه في الحقيقة دون غيره فلا يكون لأمير المؤمنين ع ما ذكرت من الفضل قال فقال له الرضا ع ليس يصح ما ذكرت يا أمير المؤمنين و ذلك أن الداعي إنما يكون داعيا لغيره كما أن الآمر آمر لغيره و لا يصح أن يكون داعيا لنفسه في الحقيقة كما لا يكون آمرا لها في الحقيقة و إذا لم يدع رسول الله ص رجلا في المباهلة إلا أمير المؤمنين ع فقد ثبت أنه نفسه التي عناها الله سبحانه في كتابه و جعل حكمه ذلك في تنزيله قال فقال المأمون إذا ورد الجواب سقط السؤال

 11-  الدرة الباهرة من الأصداف الطاهرة، قال للرضا ع الصوفية إن المأمون قد رد إليك هذا الأمر و أنت أحق الناس به إلا أنه تحتاج أن تلبس الصوف و ما يحسن لبسه فقال ع ويحكم إنما يراد من الإمام قسطه و عدله إذا قال صدق و إذا حكم عدل و إذا وعد أنجز قال الله تعالى قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ إن يوسف ع لبس الديباج المنسوج بالذهب و جلس على متكآت آل فرعون

 12-  و أراد المأمون قتل رجل فقال له ما تقول يا أبا الحسن فقال إن الله لا يزيد لحسن العفو إلا عزا فعفا عنه

 13-  و أتي المأمون بنصراني زنى بهاشمية فلما رآه أسلم فقال الفقهاء أهدر الإسلام ما قبله فسأل الرضا ع فقال اقتله فإنه ما أسلم حتى رأى البأس قال الله تعالى فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا الآيتان