باب 1- النار و أقسامها

 الآيات يس الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ الواقعة أَ فَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَ أَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَ مَتاعاً لِلْمُقْوِينَ. تفسير قال الطبرسي رحمه الله في قوله جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً أي جعل لكم من الشجر الرطب المطفئ للنار نارا محرقة يعني بذلك المرخ و العفار و هما شجران تتخذ الأعراب زنودها منهما فبين سبحانه أن من قدر على أن يجعل في الشجر الأخضر الذي هو في غاية الرطوبة نارا حامية مع مضادة النار للرطوبة حتى إذا احتاج الإنسان حك بعضه ببعض فخرج منه النار و ينقدح قدر على الإعادة و تقول العرب في كل شجر نار و استمجد المرخ و العفار و قال الكلبي كل شجر تنقدح منه النار إلا العناب.    أَ فَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أي تستخرجونها بزنادكم من الشجر أَ أَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها التي تنقدح النار منها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ لها فلا يمكن أحدا أن يقول إنه أنشأ تلك الشجرة غير الله تعالى و العرب تقدح بالزند و الزندة و هو خشب يحك بعضه ببعض فتخرج منه النار نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً أي نحن جعلنا هذه النار تذكرة للنار الكبرى فإذا رآها الرائي ذكر جهنم و استعاذ بالله منها و قيل تذكرة لقدرة الله تعالى على المعاد وَ مَتاعاً لِلْمُقْوِينَ أي بلغة و منفعة للمسافرين يعني الذين نزلوا الأرض القي و هو القفر و قيل للمستمتعين بها من الناس أجمعين المسافرين و الحاضرين و المعنى أن جميعهم يستضيئون بها في الظلمة و يصطلون في البرد و ينتفعون بها في الطبخ و الخبز و على هذا فيكون المقوي من الأضداد أي الذي صار ذا قوة من المال و النعمة و الذاهب ماله النازل بالقواء من الأرض أي متاعا للأغنياء و الفقراء انتهى. و قال الرازي في شجرة النار وجوه أحدها أنها الشجرة التي توري النار منها بالزند و الزندة و ثانيها الشجرة التي تصلح لإيقاد النار كالحطب فإنها لو لم تكن لم يسهل إيقاد النار لأن النار لا تتعلق بكل شي‏ء كما تتعلق بالحطب و ثالثها أصول شعلها و فروعها شجرتها و لو لا أنها ذات شعب لما صلحت لإنضاج الأشياء. و قال البيضاوي نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً أي تبصرة في أمر البعث أو في الظلام أو تذكيرا أو أنموذجا لنار جهنم وَ مَتاعاً أي منفعة لِلْمُقْوِينَ للذين ينزلون القوى و هي القفراء و للذين خلت بطونهم أو مزاودهم من الطعام من أقوت الدار إذا خلت من ساكنيها انتهى.   و قال الجوهري و في المثل في كل شجر نار و استمجد المرخ و العفار أي استكثرا منها كأنهما أخذا من النار ما هو جسمهما و يقال لأنهما يسرعان الوري فشبها بمن يكثر من العطاء طلبا للمجد و قال المرخ شجر سريع الوري و العفار الزند و هو الأعلى و المرخ الزندة و هي الأسفل

1-  الخصال، عن محمد بن علي ماجيلويه عن محمد بن يحيى العطار عن أحمد بن محمد بن يحيى الأشعري عن صالح يرفعه بإسناده قال أربعة القليل منها كثير النار القليل منها كثير و النوم القليل منه كثير و المرض القليل منه كثير و العداوة القليل منها كثير

 بيان النار أي نار القيامة القليل منها كثير في الضرر أو الأعم من نار الدنيا و نار الآخرة فالقليل منها كثير في النفع و الضرر معا فإن قليلا من النار يضي‏ء كثيرا من الأمكنة و ينتفع بها في جميع الأمور و يحرق قليل منها عالما و النوم القليل منه كثير في المنفعة و المرض و العداوة في الضرر فقط و إن احتمل التعميم في الأول بل في الثاني أيضا على تكلف شديد

2-  الخصال، عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن سنان عن المفضل قال سألت أبا عبد الله ع عن النيران فقال نار تأكل و تشرب و نار تأكل و لا تشرب و نار تشرب و لا تأكل و نار لا تأكل و لا تشرب فالنار التي تأكل و تشرب فنار ابن آدم و جميع الحيوان و التي تأكل و لا تشرب فنار الوقود و التي تشرب و لا تأكل فنار الشجرة و التي لا تأكل و لا تشرب فنار القداحة و الحباحب الخبر

 بيان فنار ابن آدم أي الحرارة الغريزية في بدن الحيوانات فإنها تحلل الرطوبات و تخرج الحيوان إلى الماء و الغذاء معا و نار الوقود النار التي   تتقد في الحطب و تشتعل فإنها تأكل الحطب مجازا أي تكسره و تفنيه و تقلبه و لا تشرب ماء بل هو مضاد لها و نار الشجرة هي الكامنة مادتها أو أصلها في الشجر الأخضر كما مر فإنها تشرب الماء ظاهرا و تصير سببا لنمو شجرتها و لا تأكل ظاهرا و إن كان للتراب أيضا مدخل في نموها أو المعنى أن عند احتكاك الغصنين الرطبين يظهر الماء فكأن النار الظاهر منها يشربها و القداحة و القداح الحجر الذي يوري النار ذكره الجوهري و قال الحباحب بالضم اسم رجل بخيل كان لا يوقد إلا نارا ضعيفة مخافة الضيفان فضربوا بها المثال حتى قالوا نار الحباحب لما تقدحه الخيل بحوافرها و ربما قالوا نار أبي حباحب و هو ذباب يطير بالليل كأنه نار و ربما جعلوا الحباحب اسما لتلك النار و قال الفيروزآبادي الحباحب بالضم ذباب يطير بالليل له شعاع كالسراج و منه نار الحباحب أو هي ما اقتدح من شرر النار في الهواء من تصادم الحجارة أو كان أبو حباحب من محارب و كان لا يوقد ناره إلا بالحطب الشخت لئلا ترى أو هي من الحبحبة الضعف أو هي الشرر يسقط من الزناد انتهى و المراد بهذه النار ما كمن منها أو من مادتها في الحجر و الحديد فإنها لا تصل إليها ماء و لا غذاء أو عند قدحها قبل اتقادها في قطن أو حطب لا تصادف ماء و لا شيئا آخر

3-  الإحتجاج، عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله ع قال قال الزنديق له أخبرني عن السراج إذا انطفأ أين يذهب نوره قال يذهب و لا يعود قال فما أنكرت أن يكون الإنسان مثل ذلك إذا مات و فارق الروح البدن لم يرجع إليه أبدا قال لم تصب القياس إن النار في الأجسام كامنة و الأجسام قائمة بأعيانها كالحجر و الحديد فإذا ضرب أحدهما الآخر سطعت من بينهما نار تقتبس منها سراج له الضوء فالنار ثابتة في أجسامها و الضوء ذاهب الخبر

    -4  تفسير علي بن إبراهيم، الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ و هو المرخ و العفار يكون في ناحية بلاد العرب فإذا أرادوا أن يستوقدوا أخذوا من ذلك الشجر ثم أخذوا عودا فحركوه فيه فيستوقدوا منه النار

 فائدة اعلم أن المشهور بين الحكماء و المتكلمين أن العناصر أربعة النار و الهواء و الماء و الأرض كما تشهد به الشواهد الحسية و التجربية و التأمل في أحوال التركيبات و التحليلات و لقدماء الفلاسفة فيها اختلافات فمنهم من جعل أصل العناصر واحدا و البواقي تحصل بالاستحالة فقيل هو النار و قيل الهواء و قيل الماء و قيل الأرض و قيل البخار و منهم من جعله اثنين فقيل النار و الأرض و قيل الماء و الأرض و قيل الهواء و الأرض و منهم من جعله ثلاثة فقيل النار و الهواء و الأرض و إنما الماء هواء متكاثف و قيل الهواء و الماء و الأرض و إنما النار هواء شديد الحرارة و هذه الأقوال عندهم ضعيفة و قد مر في الأخبار ما يدل على كون أصل العناصر بل الأفلاك الماء أو هو مع النار أو هما مع الهواء و بالجملة لا ريب في وجود تلك العناصر الأربعة تحت فلك القمر و إنما الإشكال في وجود كرة النار و على تقدير وجودها هل كانت هواء انقلبت نارا بحركة الفلك أو كانت في الأصل نارا و المشهور أن هذه الأربعة عناصر المركبات التامة و أسطقساتها و منها تتركب و إليها تنحل و قيل النار غير موجودة في المركبات لأنها لا تنزل عن الأثير إلا بالقسر و لا قاسر هناك. ثم المشهور أن صور البسائط باقية في المركبات و قال الشيخ في الشفاء لكن قوما اخترعوا في قريب من زماننا هذا مذهبا غريبا قالوا إن البسائط إذا امتزجت و انفعل بعضها من بعض تأدى ذلك بها إلى أن يخلع صورها فلا تكون لواحد منها صورته الخاصة و ليست حينئذ صورة خاصة واحدة فيصير لها هيولى   واحدة و صورة واحدة فمنهم من جعل تلك الصورة أمرا متوسطا بين صورها و منهم من جعلها صورة أخرى من النوعيات و احتج على فساد هذا المذهب بوجوه تركناها. و ذهب انكساغورس و أصحابه إلى الخلط و الكمون و البروز و أنكروا التغيير في الكيفية و الصورة و زعموا أن الأركان الأربعة لا يوجد شي‏ء منها صرفا بل هي تختلط من تلك الطبائع النوعية كاللحم و العظم و العصب و التمر و العسل و العنب و غير ذلك و إنما سمي بالغالب الظاهر منها و يعرض لها عند ملاقاة الغير أن يبرز منها ما كان كامنا فيها فيغلب و يظهر للحس بعد ما كان مغلوبا غائبا عنه لا على أنه حدث بل على أنه برز و يكمن فيها ما كان بارزا فيصير مغلوبا و غائبا بعد ما كان غالبا و ظاهرا و بإزائهم قوم زعموا أن الظاهر ليس على سبيل البروز بل على سبيل النفوذ من غيره فيه كالماء مثلا فإنه إنما يتسخن بنفوذ أجزاء نارية فيه من النار و المجاورة له و هذان القولان سخيفان و المشهور عندهم أن العناصر تفعل بعضها في بعض فيستحيل في كيفيتها و تحصل للجميع كيفية متوسطة متشابهة هي المزاج فتستعد بذلك لإفاضة صورة مناسبة لها من المبدإ. ثم المشهور بينهم أن النار التي تسطع عند ملاقاة الحجر و الحديد أو عند احتكاك الخشبتين الرطبتين أو اليابستين إنما هي بانقلاب الهواء الذي بينهما نارا بسبب حرارة حدثت فيه من الاصطكاك و الاحتكاك لا بأن يخرج من الحجر أو الحديد أو الشجر نار و ظواهر الآيات و الأخبار المتقدمة لا ينافي ذلك. و أما قوله ع في حديث هشام أن النار في الأجسام كامنة فالمراد بها إما النار التي تركب الجسم منها و من سائر العناصر أو المعنى أن ما هو سبب لإحداث النار حاصل في الأجسام و إن انطفت النيران المتولدة منها و انقلبت هواء و الأول أظهر و الحاصل أن قياسك الروح على نار الفتيلة و غيرها حيث لم يمكن إعادتها إلى الأجسام قياس مع الفارق فإن الروح إما جسم أو جوهر مجرد ثابت محفوظ يمكن إعادته و النار الذي ذكرت انقلبت هواء و ذهبت فعلى تقدير استحالة

    إعادتها لا توجب إعادة الروح بل ما يشبه الروح هو النار الكامن في الجسم الموجود فيه لا هذا الضوء الذاهب و أما نار الشجرة فذات احتمالات أومأنا إليها سابقا