باب 2- الهواء و طبقاته و ما يحدث فيه من الصبح و الشفق و غيرهما

الآيات الأنعام فالِقُ الْإِصْباحِ المدثر وَ الصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ التكوير وَ الصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ الإنشقاق فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ وَ اللَّيْلِ وَ ما وَسَقَ وَ الْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ الفجر وَ الْفَجْرِ. تفسير إِذا تَنَفَّسَ قال الرازي إشارة إلى تكامل طلوع الصبح و في كيفية المجاز قولان أحدهما أنه إذا أقبل الصبح أقبل بإقباله روح و نسيم فجعل ذلك نفسا له على المجاز و الثاني أنه شبه الليل المظلم بالمكروب المحزون الذي خنق بحيث لا يتحرك و اجتمع الحزن في قلبه و إذا تنفس وجد راحة فهاهنا لما طلع الصبح فكأنه تخلص من ذلك الحزن فعبر عنه بالتنفس و هو استعارة لطيفة. فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ أي بالحمرة التي عند المغرب في الأفق و قيل البياض    وَ اللَّيْلِ وَ ما وَسَقَ أي و ما جمع و ما ضم مما كان منتشرا بالنهار و قيل و ما ساق لأن ظلمة الليل تسوق كل شي‏ء إلى مسكنه و قيل و ما طرد من الكواكب فإنها تظهر بالليل و تخفى بالنهار وَ الْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ أي إذا استوى و اجتمع و تكامل و تم وَ الْفَجْرِ أقسم بفجر النهار و هو انفجار الصبح كل يوم و قيل أراد بالفجر النهار كله. و اعلم أن المذكور في كتب الحكماء و الرياضيين هو أن الصبح و الشفق الأحمر و الأبيض إنما يظهر من وقوع ضوء الشمس على كرة البخار قالوا المستضي‏ء بالشمس من كرة الأرض أكثر من نصفها دائما لما بين في محله أن الكرة الصغرى إذا قبلت الضوء من الكبرى كان المستضي‏ء منها أعظم من نصفها و ظل الأرض على هيئة مخروط يلازم رأسه مدار الشمس و ينتهي في فلك الزهرة كما علم بالحساب و النهار مدة كون المخروط تحت الأفق و الليل مدة كونه فوقه فإذا ازداد قرب الشمس من شرقي الأفق ازداد ميل المخروط إلى غربيه و لا يزال كذلك حتى يرى الشعاع المحيط به و أول ما يرى منه هو الأقرب إلى موضع الناظر لأنه صدق رؤيته و هو موقع خط يخرج من بصره عمودا على الخط المماس للشمس و الأرض فيرى الضوء مرتفعا عن الأفق مستطيلا و ما بينه و بين الأفق مظلما لقربه من قاعدة المخروط الموجب لبعد الضوء هناك عن الناظر و هو الصبح الكاذب ثم إذا قربت الشمس جدا يرى الضوء معترضا و هو الصبح الصادق ثم يرى محمرا و الشفق بعكس الصبح يبدو محمرا ثم مبيضا معترضا ثم مرتفعا مستطيلا فالصبح و الشفق متشابهان شكلا و متقابلان وضعا لأن هيئة آخر غروب الشمس مثل أول طلوع الفجر و يختلفان لونا بسبب اختلاف كيفية الهواء المخلوط فإن لون البخار في جانب المشرق مائل إلى الصفا و البياض لاكتسابه الرطوبة من برودة الليل و في جانب المغرب مائل إلى الصفرة لغلبة الجزء الدخاني المكتسب بحرارة النهار و الجسم الكثيف كلما كثر صفاؤه و بياضه ازداد قبوله للضوء و كان الشعاع المنعكس منه أقوى من المنعكس من غيره و قد عرف بالآلات

    الرصدية أن انحطاط الشمس من الأفق عند طلوع الصبح الأول و آخر غروب الشفق يكون ثماني عشرة درجة من دائرة الارتفاع المارة بمركز الشمس في جميع الآفاق و لكن لاختلاف مطالع قوس الانحطاط تختلف الساعات التي بين طلوع الصبح و الشمس و كذا بين غروب الشمس و الشفق. قال العلامة رحمه الله في كتاب المنتهى اعلم أن ضوء النهار من ضياء الشمس و إنما يستضي‏ء بها ما كان كذا في نفسه كثيفا في جوهره كالأرض و القمر و أجزاء الأرض المتصلة و المنفصلة و كلما يستضي‏ء من جهة الشمس فإنه يقع له ظل من ورائه و قد قدر الله تعالى بلطف حكمته دوران الشمس حول الأرض فإذا كانت تحتها وقع ظلها فوق الأرض على شكل مخروط و يكون الهواء المستضي‏ء بضياء الشمس محيطا بجوانب ذلك المخروط فتستضي‏ء نهايات الظل بذلك الهواء المضي‏ء لكن ضوء الهواء ضعيف إذ هو مستعار فلا ينفذ كثيرا في أجزاء المخروط بل كلما ازداد بعدا ازداد ضعفا فإذن متى تكون في وسط المخروط تكون في أشد الظلام فإذا قربت الشمس من الأفق الشرقي مال مخروط الظل عن سمت الرأس و قربت الأجزاء المستضيئة في حواشي الظل بضياء الهواء من البصر و فيه أدنى قوة فيدركه البصر عند قرب الصباح و على هذا كلما ازدادت الشمس قربا من الأفق ازداد ضوء نهايات الظل قربا من البصر إلى أن تطلع الشمس و أول ما يظهر الضوء عند قرب الصباح يظهر مستدقا مستطيلا كالعمود و يسمى الصبح الكاذب و يشبه بذنب السرحان لدقته و استطالته و يسمى الأول لسبقه على الثاني و الكاذب لكون الأفق مظلما أي لو كان يصدق أنه نور الشمس لكان المنير مما يلي الشمس دون ما يبعد منه و يكون ضعيفا دقيقا و يبقى وجه الأرض على ظلامه بظل الأرض ثم يزداد هذا الضوء إلى أن يأخذ طولا و عرضا فينبسط في أرض الأفق كنصف دائرة و هو الفجر الثاني الصادق لأنه صدقك عن الصبح و بينه لك

1-  الكافي، عن علي بن محمد و محمد بن الحسن عن سهل بن زياد عن ابن   محبوب عن أبي ولاد قال قال أبو عبد الله ع إن الله خلق حجابا من ظلمة مما يلي المشرق و وكل به ملكا فإذا غابت الشمس اغترف ذلك الملك غرفة بيديه ثم استقبل بها المغرب يتبع الشفق و يخرج من بين يديه قليلا قليلا و يمضي فيوافي المغرب عند سقوط الشفق فيسرح في الظلمة ثم يعود إلى المشرق فإذا طلع الفجر نشر جناحيه فاستاق الظلمة من المشرق إلى المغرب حتى يوافي بها المغرب عند طلوع الشمس

 بيان هذا الخبر من معضلات الأخبار و لعله من غوامض الأسرار و من في قوله ع من ظلمة يحتمل البيان و التبعيض و الاستياق السوق و لعل الكلام مبني على استعارة تمثيلية لبيان أن شيوع الظلمة و اشتدادها تابعان لقلة الشفق و غيبوبته و كذا العكس و أن جميع ذلك بتدبير المدبر الحكيم و بتقدير العزيز العليم و ربما يؤول الخبر بأن المراد بالحجاب الظلماني ظل الأرض المخروطي من الشمس و بالملك الموكل به روحانية الشمس المحركة لها الدائرة بها و بإحدى يديه القوة المحركة لها بالذات التي هي سبب لنقل ضوئها من محل إلى آخر و بالأخرى القوة المحركة لظل الأرض بالعرض بتبعية تحريك الشمس التي هي سبب لنقل الظلمة من محل إلى آخر و عوده إلى المشرق إنما هو بعكس البدء بالإضافة إلى الضوء و الظل و بالنسبة إلى فوق الأرض و تحتها و نشر جناحيه كأنه كناية عن نشر الضوء من جانب و الظلمة من آخر و أقول لعل السكوت عن أمثال ذلك و رد علمها إلى الإمام ع أحوط و أولى

2-  الكافي، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن أحمد بن أشيم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله ع قال سمعته يقول وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق و تدري كيف ذلك قلت لا قال لأن المشرق مطل   على المغرب هكذا و رفع يمينه فوق يساره فإذا غابت هاهنا ذهبت الحمرة من هاهنا

 بيان أطل عليه أي أشرف و في بعض النسخ بالظاء المعجمة و المعنيان متقاربان و المراد بالمشرق إما النصف الشرقي من السماء أو ما قرب من الأفق الشرقي منها و الحاصل أن المغرب و المعتبر في دخول وقت الصلاة و الإفطار هو غيبوبة القرص و ذهاب آثاره من جانب المشرق مطلقا سواء كانت على الجدران و الجبال أو على كرة البخار و سيأتي تمام القول في ذلك في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى

3-  الكافي، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحجال عن ثعلبة بن ميمون عن عمران الحلبي قال سألت أبا عبد الله ع متى تجب العتمة فقال إذا غاب الشفق و الشفق الحمرة فقال عبيد الله أصلحك الله إنه يبقى بعد ذهاب الحمرة ضوء شديد معترض فقال أبو عبد الله ع إن الشفق إنما هو الحمرة و ليس الضوء من الشفق

4-  و منه، عن علي بن إبراهيم عن علي بن محمد القاساني عن سليمان بن حفص المروزي عن أبي الحسن العسكري ع قال إذا انتصف الليل ظهر بياض في وسط السماء شبه عمود من حديد تضي‏ء له الدنيا فيكون ساعة ثم يذهب و يظلم فإذا بقي ثلث الليل ظهر بياض من قبل المشرق فأضاءت له الدنيا فيكون ساعة ثم يذهب فيكون وقت صلاة الليل ثم يظلم قبل الفجر ثم يطلع الفجر الصادق من قبل المشرق و قال و من أراد أن يصلي صلاة الليل في نصف الليل فذاك له

    بيان قوله و يظلم أي البياض مجازا و في بعض النسخ بالتاء أي الدنيا و يمكن أن يكون المراد بالإضاءة ظهور الأنوار المعنوية للمقربين بسبب فتح أبواب سماء الرحمة و نزول الملائكة لإرشاد العباد و تنبيههم و ندائهم إياهم من ملكوت السماوات كما ورد في سائر الروايات و يمكن أن تكون أنوارا ضعيفة تخفى على أكثر الناس في أكثر الأوقات و تظهر على أبصار العارفين الذين ينظرون بنور الله كما أن الملائكة يراهم الأنبياء و الأوصياء ع و لا يراهم غيرهم و قد يقال ظهور البياض كناية عن نزول الملك الذي ينزل نصف الليل إلى سماء الدنيا لينادي العباد فتضي‏ء له الدنيا أي يقوم الناس للعبادة فيظهر له نور من الأرض بسبب عبادتهم كما ورد في الخبر أنهم يضيئون لأهل السماء ثم يذهب لأنهم ينامون قليلا كما ورد من سيرة رسول الله ص ثم يقومون إذا بقي ثلث الليل و ظهور البياض من قبل المشرق لأن الملك ينتقل إليه ثم يظلم قبل الفجر أي ينامون قليلا و بالجملة الخبر من المتشابهات و علمه عند من صدر عنه إن لم يكن من الموضوعات

5-  الخرائج، روي عن صفوان الجمال قال كنت بالحيرة مع أبي عبد الله ع إذ أقبل الربيع و قال أجب أمير المؤمنين فلم يلبث أن عاد قلت أسرعت الانصراف قال إنه سألني عن شي‏ء فاسأل الربيع عنه فقال صفوان و كان بيني و بين الربيع لطف فخرجت إلى الربيع و سألته فقال أخبرك بالعجب إن الأعراب خرجوا يجتنون الكمأة فأصابوا في البر خلقا ملقى فأتوني به فأدخلته على الخليفة فلما رآه قال نحه و ادع جعفرا فدعوته فقال يا أبا عبد الله أخبرني عن الهواء ما فيه قال في الهواء موج مكفوف قال ففيه سكان قال نعم قال و ما سكانه قال خلق أبدانهم أبدان الحيتان و رءوسهم رءوس الطير و لهم أعرفة كأعرفة الديكة و نغانغ كنغانغ الديكة و أجنحة كأجنحة الطير من ألوان أشد بياضا من الفضة المجلوة فقال الخليفة هلم الطشت فجئت بها و فيها ذلك الخلق و إذا هو و الله كما وصفه جعفر فلما خرج جعفر   قال يا ربيع هذا الشجا المعترض في حلقي من أعلم الناس

 بيان قال الفيروزآبادي الكم‏ء نبات معروف و الجمع أكمؤ و كمأة أو هي اسم للجمع أو هي للواحد و الكم‏ء للجمع و قال النغنغ الفرج ذو الربلات و موضع بين اللهاة و شوارب الحنجور و اللحمة في الحلق عند اللحام و الذي يكون عند عنق البعير إذا اجتر تحرك و قال الديك بالكسر معروف و الجمع ديوك و أدياك و ديكة كقردة و قال الشجا ما اعترض في الحلق من عظم و نحوه انتهى و لما كان ع مستحقا للخلافة متصفا بشرائطها دونه و لم يمكنه دفعه شبهه بالشجا المعترض في الحلق الذي لا يمكن إساغته و لا دفعه و لعل المراد بالموج المكفوف البحر المواج المكفوف عن السيلان و يحتمل أن يكون إشارة إلى البحر المحيط و يكون هذا الحيوان مما ارتفع منه مع السحاب لكن ظاهر هذا الخبر و الخبر الآتي أنه بحر بين السماء و الأرض غير المحيط

6-  كشف الغمة، قال محمد بن طلحة إن أبا جعفر محمد بن علي ع لما توفي والده علي الرضا ع و قدم الخليفة إلى بغداد بعد وفاته بسنة اتفق أنه خرج إلى الصيد فاجتاز بطرف البلد في طريقه و الصبيان يلعبون و محمد واقف معهم و كان عمره يومئذ إحدى عشرة سنة فما حولها فلما أقبل المأمون انصرف الصبيان هاربين و وقف أبو جعفر محمد ع فلم يبرح مكانه فقرب منه الخليفة فنظر إليه و كان الله عز و علا قد ألقى عليه مسحة من قبول فوقف الخليفة و قال له يا غلام ما منعك من الانصراف مع الصبيان فقال له محمد مسرعا يا أمير المؤمنين لم يكن بالطريق ضيق لأوسعه عليك بذهابي و لم يكن لي جريمة فأخشاها و ظني بك حسن أنك لا تضر من لا ذنب له فوقف فأعجبه كلامه و وجهه فقال له ما اسمك قال محمد قال ابن من أنت قال يا أمير المؤمنين أنا ابن علي الرضا فترحم على أبيه و ساق جواده إلى وجهته و كان معه بزاة فلما بعد عن العمارة أخذ بازيا   فأرسله على دراجة فغاب عن عينه غيبة طويلة ثم عاد من الجو و في منقاره سمكة صغيرة و بها بقايا الحياة فعجب الخليفة من ذلك غاية العجب ثم أخذها في يده إلى داره في الطريق الذي أقبل منه فلما وصل إلى ذلك المكان وجد الصبيان على حالهم فانصرفوا كما فعلوا أول مرة و أبو جعفر لم ينصرف و وقف كما وقف أولا فلما دنا منه الخليفة قال يا محمد قال لبيك يا أمير المؤمنين قال ما في يدي فألهمه الله عز و جل أن قال يا أمير المؤمنين إن الله تعالى خلق بمشيته في بحر قدرته سمكا صغارا تصيدها بزاة الملوك و الخلفاء فيختبرون بها سلالة أهل النبوة فلما سمع المأمون كلامه عجب منه و جعل يطيل نظره إليه و قال أنت ابن الرضا حقا و ضاعف إحسانه إليه

 قال علي بن عيسى إني رأيت في كتاب لم يحضرني الآن اسمه أن البزاة عادت و في أرجلها حيات خضر و أنه سئل بعض الأئمة فقال قبل أن يفصح عن السؤال إن بين السماء و الأرض حيات خضر تصيدها بزاة شهب يمتحن بها أولاد الأنبياء و ما هذا معناه و الله أعلم

7-  الدلائل، للطبري عن علي بن هبة الله عن الصدوق عن محمد بن موسى بن المتوكل عن علي بن الحسين السعدآبادي عن أحمد البرقي عن أبيه عن محمد بن سنان عن داود بن كثير الرقي عن أبي عبد الله ع أنه لما خرج من عند المنصور نزل الحيرة فبينا هو بها إذ أتاه الربيع فقال أجب أمير المؤمنين فركب إليه و قد كان وجد في الصحراء صورة عجيبة لا تعرف خلقتها ذكر من وجدها أنه رآها و قد سقطت مع المطر فلما دخل عليه قال له يا أبا عبد الله أخبرني عن الهواء أي شي‏ء فيه قال بحر مكفوف قال له فله سكان قال نعم قال و ما سكانه قال أبدانهم أبدان الحيتان و رءوسهم رءوس الطير و لهم   أعرفة كأعرفة الديكة و نغانغ كنغانغ الديكة و أجنحة كأجنحة الطير من ألوان أشد بياض من الفضة فدعا المنصور بالطست فإذا الخلق فيها لا يزيد و لا ينقص فأذن له فانصرف ثم قال للربيع ويلك يا ربيع هذا الشجا المعترض في حلقي من أعلم الناس

8-  شرح النهج، ]نهج البلاغة[ لمحمد بن الحسين الكيدري و لابن ميثم رحمة الله عليهما قالا روي أن زرارة و هشاما اختلفا في الهواء أ هو مخلوق أم لا فرفع إلى الصادق ع بعض مواليه و قال إني متحير فإني أرى أصحابنا يختلفون فقال ليس هذا بخلاف يؤدي إلى الكفر و الضلال

 بيان يدل على أن الخطاء في أمثال تلك الأمور التي لا تعلق لها بأصول الدين و لا فروعه لا يوجب ضلالا و وبالا بل يومئ إلى أن العلم بها ليس مما يورث للإنسان فضلا و كمالا ثم إنه يحتمل أن يكون اختلافهما في وجود الهواء بمعنى الخلإ و البعد الذي هو مكان عند المتكلمين كما ذكره ابن ميثم و قد تقدم كلامه في ذلك في الباب الأول و يحتمل أن يراد به الهواء الذي هو أحد العناصر. فائدة اعلم أن في عدد طبقات الهواء مع طبقات سائر العناصر بين الحكماء خلافا فقال نصير الملة و الدين في التذكرة طبقات العناصر ثمان طبقة للنار الصرفة ثم طبقة لما يمتزج من النار و الهواء الحار التي تتلاشى فيه الأدخنة المرتفعة من السفل و تتكون فيها الكواكب ذوات الأذناب و النيازك و ما يشبههما من الأعمدة و ذوات القرون و نحوها و ربما يوجد هذه الأمور المتكونة في هذه الطبقة متحركة بحركة الفلك الأعظم ثم طبقة الهواء الغالب التي تحدث فيها الشهب ثم طبقة الزمهريرية الباردة التي هي منشأ السحب و الرعد و البرق و الصواعق ثم طبقة الهواء الحار الكثيف المجاور للأرض و الماء ثم طبقة الماء و بعض هذه الطبقة منكشفة عن الأرض عناية من الحضرة الإلهية لتكون مسكنا للحيوانات المتنفسة ثم طبقة الأرض المخالطة لغيرها التي تتولد فيها الجبال و المعادن و كثير من النباتات و الحيوانات ثم طبقة الأرض الصرفة المحيطة بالمركز.   و قيل إنها تسع ثامنها الطبقة الطينية التي يخلط فيها الأرض بالماء و تاسعها طبقة الأرض الصرفة و باقي الطبقات على النحو المذكور و قيل إنها سبع الأولى طبقة النار الصرفة ثم الطبقات الخمس التي تحت النار الصرفة على النحو المذكور و سابع الطبقات هي طبقة الأرض و قيل إنها سبع الأولى طبقة للنار و طبقة للماء و الطبقات الثلاث الأخيرة التي تعلقت بالأرض بحالها على النحو المذكور و الهواء ينقسم إلى طبقتين باعتبار مخالطة الأبخرة و عدمها إحداهما الهواء اللطيف الصافي من الأبخرة و الأدخنة و الهيئات المتصاعدة من كرتي الأرض و الماء بسبب أشعة الشمس و غيرها من الكواكب لأن تلك الهيئات تنتهي في ارتفاعها إلى حد لا يتجاوزه و هو من سطح الأرض و جميع نواحيها أحد و خمسون ميلا و كسر قريب من تسعة عشر فرسخا فمن هذه النهاية إلى كرة الأثير هو الهواء الصافي و هو شفاف لا يقبل النور و الظلمة و الألوان كالأفلاك. و ثانيتهما هي الهواء المتكاثف بما فيهما من الأجزاء الأرضية و المائية و شكل هذا الهواء شكل كرة محيطة بالأرض و الماء على مركزها و سطح مواز لسطحها لتساوي غاية ارتفاع الهيئات المذكورة عن مركز الأرض في جميع النواحي المستلزم لكرية هذه الطبقة لكنها مختلفة القوام لأن الأقرب إلى الأرض أكثف من الأبعد لأن الألطف يتصاعد أكثر من الأكثف لكن لا يبلغ في التكاثف بحيث يحجب ما وراءه عن الإبصار و هذه الكرة تسمى كرة البخار و عالم النسيم يعني مهب الرياح لأن ما فوقها من الهواء الصافي ساكن لا يضطرب و تسمى كرة الليل و النهار إذ هي القابلة للنور و الظلمة بما فيها من الأجزاء الأرضية و المائية القابلة لهما دون ما عداهما من الهواء الصافي. و قال بعض المحققين منهم الأولى أن يقال طبقات العنصريات سبع أولاها طبقة النار الصرفة و ثانيتها طبقة الهواء الصافي الذي يصل إليه الدخان و ثالثتها طبقة الهواء الذي يصل الدخان إليه و لم يصل إليه البخار و يتكون في الطرف الأعلى منه النيازك و شبهها و في الطرف الأدنى منه الشهب و رابعتها طبقة الهواء

    الذي يصل إليه البخار و يبقى على برودته الحاصلة و هي الطبقة الزمهريرية التي تتكون فيها السحب و الرعد و البرق و الصواعق و خامستها طبقة الهواء الكثيف المجاور للأرض و الماء و سادستها طبقة الماء و سابعتها طبقة الأرض و هو الترتيب المختار عند بعض في تفسير قوله تعالى اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ بأن يكون المراد بالأرض غير السماوات و ما فيها و قالوا إن الزرقة التي يظن الناس أنها لون السماء فإنها تظهر في كرة البخار لأنه لما كان الألطف منه أشد صعودا عن الأكثف كانت الأجزاء القريبة من سطح كرة البخار أقل قبولا للضوء لكثرة البعد و اللطافة من الأجزاء القريبة من الأرض و لهذا تكون كالظلمة بالنسبة إلى هذه الأجزاء فيرى الناظر في كرة البخار لونا متوسطا بين الظلام و الضياء لأن الناظر إذا رأى شيئا مظلما من خلف شي‏ء مضي‏ء رأى لونا مخلوطا من الظلمة و الضياء أو لأن كرة البخار مستضيئة دائما بأشعة الكواكب و ما وراءها لعدم قبول الضوء كالمظلم بالنسبة إليها فإذا نفذ نور البصر من الأجزاء المستنيرة بأشعة الكواكب و وصل إلى المظلم رأى الناظر ما فوقه من الجو المظلم بما يمازجه من الضياء الأرضي و الضياء الكوكبي لونا متوسطا بين الظلام و الضياء و هو اللون اللاجوردي كما إذا نظرنا من وراء جسم مشف أحمر مثلا إلى جسم أخضر فإنه يظهر لنا لون مركب من الحمراء و الخضرة و هذا اللون اللاجوردي أشد الألوان مناسبة و تقوية بالنسبة إلى الأبصار فظهوره للأبصار إنما هو من العناية الإلهية ليكون للناظرين المتأملين في السماوات لذة و قوة للأبصار في النظر كما يكون لعقولهم لذة عقلية في التأمل فيها. أقول هذا ما قالوا في ذلك رجما بالغيب و أخذا بالظن و الله يعلم حقائق مخلوقاته و حججه الكرام ع