باب 3- السحاب و المطر و الشهاب و البروق و الصواعق و القوس و سائر ما يحدث في الجو

 الآيات البقرة الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَ السَّماءَ بِناءً وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ و قال تعالى إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَ تَصْرِيفِ الرِّياحِ وَ السَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ الأنعام وَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْ‏ءٍ الأعراف وَ هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ الرعد هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ يُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ وَ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَ الْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَ يُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَ هُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَ هُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ   إبراهيم وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ الحجر إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ و قال تعالى وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ وَ أَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَ ما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ النحل هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَ مِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ و قال تعالى وَ اللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ الحج وَ تَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ وَ أَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ و قال تعالى أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ المؤمنون وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَ إِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَ أَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ النور أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَ يَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ   لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ الفرقان وَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَ نُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَ أَناسِيَّ كَثِيراً وَ لَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً النمل وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ إلى قوله تعالى وَ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ العنكبوت وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللَّهُ الروم وَ مِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ و قال تعالى اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَ يَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ وَ لَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ لقمان وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ.

    فاطر وَ اللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ الصافات إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ الزمر أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ المؤمن هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَ يُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً حمعسق هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَ يَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَ هُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ الزخرف وَ الَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ الجاثية وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ تَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ق وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَ حَبَّ الْحَصِيدِ وَ النَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ رِزْقاً لِلْعِبادِ وَ أَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ الذاريات وَ الذَّارِياتِ ذَرْواً فَالْحامِلاتِ وِقْراً فَالْجارِياتِ يُسْراً فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً.   القمر فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ الواقعة أَ فَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَ أَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ الجن وَ أَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَ شُهُباً وَ أَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً إلى قوله تعالى وَ أَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً. تفسير وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً قال البيضاوي خروج الثمار بقدرة الله و مشيته و لكن جعل الماء الممزوج بالتراب سببا في إخراجها و مادة لها كالنطفة للحيوان بأن أجرى عادته بإفاضة صورها و كيفياتها على المادة الممزوجة منهما أو أبدع في الماء قوة فاعلة و في الأرض قوة قابلة تتولد من اجتماعهما أنواع الثمار و هو قادر على أن يوجد الأشياء كلها بلا أسباب و مواد كما أبدع نفوس الأسباب و المواد و لكن له في إنشائها مدرجا من حال إلى حال صنعا و حكما يجدد فيها لأولي الأبصار عبرا و سكونا إلى عظم قدرته ليس في إيجادها دفعة و من الأولى للابتداء سواء أريد بالسماء السحاب فإن ما علاك سماء أو الفلك فإن المطر يبتدئ من السماء إلى السحاب و منه إلى الأرض على ما دلت عليه الظواهر أو من أسباب سماوية تثير الأجزاء الرطبة من أعماق الأرض إلى جو الهواء فتنعقد سحابا ماطرا. إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ قيل إنما جمع السماوات و أفرد الأرض لأن السماوات طبقات متفاصلة بالذات مختلفة بالحقيقة بخلاف الأرضين بِما يَنْفَعُ النَّاسَ أي ينفعهم أو بالذي ينفعهم وَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ من الأولى   للابتداء و الثانية للبيان و قال البيضاوي السماء يحتمل الفلك و السحاب و جهة العلو و قال الرازي فإن قيل أ فتقولون إن الماء ينزل من السماء على الحقيقة أو من السحاب أو تجوزون ما قاله بعضهم من أن الشمس تؤثر في الأرض فتخرج منها أبخرة متصاعدة فإذا وصلت الجو بردت فثقلت فنزلت من فضاء المحيط إلى ضيق المركز اتصلت فتتولد من اتصال بعض تلك الذرات بالبعض قطرات هي قطرات المطر قلنا بل نقول إنه ينزل من السماء كما ذكر الله تعالى و هو الصادق في خبره و إذا كان قادرا على إمساك الماء في السحاب فأي بعد في أن يمسكه في السماء و أما قول من يقول إنه من بخار الأرض فهذا ممكن في نفسه لكن القطع بأنه كذلك لا يمكن إلا بعد القول بنفي الفاعل المختار و قدم العالم و ذلك كفر لأنا متى جوزنا أن الفاعل المختار قادر على خلق الجسم فكيف يمكننا مع إمكان هذا القسم أن نقطع بما قالوه انتهى. فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ أي بالنبات مجازا وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ قال البيضاوي عطف على أنزل كأنه استدل بنزول المطر و تكون النبات به و بث الحيوانات في الأرض أو على أحيا فإن الدواب ينمون بالخصب و يعيشون بالحيا و البث النشر و التفريق و قال الرازي في تصريف الرياح وجه الاستدلال أنها مخلوقة على وجه يقبل التصريف و هو الرقة و اللطافة ثم إنه سبحانه يصرفها على وجوه يقع بها النفع العظيم في الإنسان و الحيوانات ثم ذلك من وجوه أحدها أنها مادة النفس التي لو انقطع ساعة عن الحيوان لمات لا جرم كان وجدانه أسهل من وجدان كل شي‏ء و بعد الهواء الماء لأن الماء لا بد

    فيه من تكلف الاغتراف بخلاف الهواء فإن الآلات المهيأة لجذبه حاضرة أبدا ثم بعد الماء الحاجة إلى الطعام شديدة لكن دون الحاجة إلى الماء فلا جرم كان تحصيل الطعام أصعب من تحصيل الماء و بعد الطعام الحاجة إلى تحصيل المعاجين و الأدوية النادرة قليلة فلا جرم عزت هذه الأشياء و بعد المعاجين الحاجة إلى أنواع الجواهر من اليواقيت و الزبرجد نادرة جدا و لا جرم كانت في نهاية العزة فثبت أن كلما كان الاحتياج إليه أشد كان وجدانه أسهل و كلما كان الاحتياج إليه أقل كان وجدانه أصعب و ما ذلك إلا رحمة منه على العباد و لما كانت الحاجة إلى رحمة الله أعظم الحاجات نرجو أن يكون وجدانها أسهل من وجدان كل شي‏ء و ثانيها لو لا تحرك الهواء لما جرت الفلك و هذا مما لا يقدر عليه أحد إلا الله تعالى فلو أراد كل من في العالم أن يقلب الريح من الشمال إلى الجنوب إذا كان الهواء ساكنا أن يحركه لتعذر. وَ السَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ سمي السحاب سحابا لانسحابه في الهواء و معنى التسخير التذليل و إنما سماه مسخرا لوجوه أحدها أن طبع الماء يقتضي النزول فكان بقاؤه في جو الهواء على خلاف الطبع فلا بد من قاهر يقسره على ذلك و لذلك سماه بالمسخر الثاني إن هذا السحاب لو دام لعظم ضرره من حيث إنه يستر ضوء الشمس و يكثر الأمطار و لو انقطع لعظم ضرره لأنه يفضي إلى القحط و عدم العشب الثالث أن السحاب لا يقف في موضع معين بل يسوقه الله تعالى بواسطة تحريك الرياح إلى حيث أراد و شاء و ذلك هو التسخير انتهى. لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ قال البيضاوي يتفكرون فيها و ينظرون إليها بعيون عقولهم و الكلام المجمل في دلالة هذه الآيات على وجود الإله و وحدته أنها أمور ممكنة وجد كل منها بوجه مخصوص من وجوه محتملة و أنحاء مختلفة إذ كان من الجائز مثلا أن لا تتحرك السماوات أو بعضها كالأرض و أن تتحرك بعكس حركتها

    و بحيث تصير المنطقة دائرة مارة بالقطبين و أن لا يكون لها أوج و حضيض أصلا أو على هذا الوجه لبساطتها و تساوي أجزائها فلا بد لها من موجد قادر حكيم يوجدها على ما تستدعيه حكمته و تقتضيه مشيته متعاليا عن معارضة غيره إذ لو كان معه إله يقدر على ما يقدر عليه الآخر فإن توافقت إرادتهما فالفعل إن كان لهما لزم اجتماع مؤثرين على أثر واحد و إن كان لأحدهما لزم ترجيح الفاعل بلا مرجح و عجز الآخر النافي لإلهيته و إن اختلفت لزم التمانع و التطارد كما أشار إليه بقوله تعالى لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا انتهى. و أقول قد مر في كتاب التوحيد بسط القول في الاستدلال بحدوث تلك الأشياء و إمكانها على افتقارها إلى صانع قديم واجب بذاته و اشتمالها على الحكم المتناهية على قدرته سبحانه و علمه و حكمته و لطفه و بانتظامها و تلازمها على وحدة صانعها فلا نعيد الكلام فيها وَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً قال الرازي اختلف الناس فيه فقال الجبائي إنه تعالى ينزل الماء من السماء إلى السحاب و من السحاب إلى الأرض قال لأن ظاهر النص يقتضي نزول المطر من السماء و العدول عن الظاهر إلى التأويل إنما يحتاج إليه عند قيام الدليل على أن إجراء اللفظ على ظاهره غير ممكن و في هذا الموضع لم يقم دليل على امتناع نزول المطر من السماء فوجب إجراء اللفظ على ظاهره و أما قول من يقول إن البخارات الكثيرة تجتمع في باطن الأرض ثم تصعد و ترتفع إلى الهواء فينعقد الغيم منها و يتقاطر و ذلك هو المطر فقد احتج الجبائي على فساده بوجوه الأول أن البرد قد يوجد في وقت الحر بل في صميم الصيف و نجد المطر في أبرد وقت ينزل غير جامد و ذلك يبطل قولهم الثاني إن البخارات إذا ارتفعت و تصاعدت و تفرقت لم يتولد منها قطرات الماء الثالث لو كان تولد المطر من صعود البخارات فالبخارات دائمة الارتفاع من البحار فوجب أن يدوم هناك نزول المطر و حيث لم يكن الأمر كذلك علمنا   فساد قولهم قال فثبت بهذه الوجوه أنه ليس تولد المطر من بخار الأرض. ثم قال و القوم إنما احتاجوا إلى هذا القول لأنهم اعتقدوا أن الأجسام قديمة و إذا كان الأمر كذلك امتنع دخول الزيادة و النقصان فيها و حينئذ لا معنى لحدوث الحوادث إلا اتصاف تلك الذوات بصفة بعد أن كانت موصوفة بصفات أخرى فلهذا السبب احتالوا في تكوين كل شي‏ء عن مادة معينة و أما المسلمون فلما اعتقدوا أن الأجسام محدثة و أن خالق العالم فاعل مختار قادر على خلق الأجسام كيف شاء و أراد فعند هذا لا حاجة إلى استخراج هذه التكلفات فثبت أن ظاهر القرآن يدل على أن الماء إنما ينزل من السماء و لا دليل على امتناع هذا الظاهر فوجب القول بحمله على ظاهره فثبت أن الحق سبحانه ينزل المطر من السماء بمعنى أنه يخلق هذه الأجسام في السماء ثم ينزلها إلى السحاب ثم من السحاب إلى الأرض. و القول الثاني المراد أنزل من جانب السماء ماء. القول الثالث أنزل من السحاب ماء و سمى الله السحاب سماء لأن العرب تسمي كل ما فوقك سماء كسماء البيت. ثم قال نقل الواحدي في البسيط عن ابن عباس يريد بالماء هاهنا المطر. أقول و رجح في موضع آخر نزول المطر من السحاب قال لأن الإنسان ربما كان واقفا على قلة جبل عال و يرى الغيم أسفل فإذا نزل من ذلك الجبل يرى ذلك الغيم ماطرا عليهم و إذا كان هذا الأمر مشاهدا بالبصر كان النزاع فيه باطلا و لا ينزل نقطة من المطر إلا و معها ملك و الفلاسفة يحملون ذلك الملك على الطبيعة الحالة في تلك الجسمية الموجبة لذلك النزول انتهى. وَ هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً منهم من قرأ نشرا بضم النون و الشين

    جمع نشور مثل رسل و رسول أي رياحا منشرة مفرقة من كل جانب و قرأ ابن عامر بضم النون و إسكان الشين بتخفيف العين و قرأ حمزة بفتح النون و إسكان الشين مصدر نشرت الثوب ضد طويته و هنا بمعنى المفعول أو بمعنى الحياة فهو بمعنى الفاعل و قرأ عاصم بالباء جمع بشير أي مبشرات بالمطر أو الرحمة حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا قال الرازي يقال أقل فلان الشي‏ء إذا حمله أي حتى إذا حملت هذه الرياح سحابا ثقالا بما فيها من الماء و المعنى أن السحاب المسيطر بالمياه العظيمة إنما يبقى معلقا في الهواء لأنه تعالى دبر بحكمته أن يحرك الرياح تحريكا شديدا. فيحصل منها فوائد أحدها أن أجزاء السحاب ينضم بعضها إلى بعض و يتراكم و ينعقد السحاب الكثيف الماطر و ثانيها أن بسبب تلك الحركات الشديدة التي في تلك الرياح يمنة و يسرة يمتنع على تلك الأجزاء المائية النزول فلا جرم يبقى معلقا في الهواء و ثالثها أن بسبب حركات تلك الرياح ينساق السحاب من موضع إلى موضع آخر و هو الموضع الذي علم الله تعالى احتياجهم إلى نزول الأمطار و انتفاعهم بها و رابعها أن حركة الرياح تارة تكون مفرقة لأجزاء السحاب مبطلة لها و خامسها أن هذه الرياح تارة تكون مقوية للزرع و الأشجار مكملة لما فيها من النشوء و النماء و هي الرياح اللواقح و تارة تكون مبطلة لها كما تكون في الخريف و سادسها أن هذه الرياح تارة تكون طيبة لذيذة موافقة للأبدان و تارة تكون مهلكة إما بسبب ما فيها من الحرارة الشديدة كما في السموم أو بسبب ما فيها من البرد الشديد كما في الرياح المهلكة جدا و سابعها أن تلك الرياح تارة تكون شرقية و تارة تكون غربية و شمالية و جنوبية و هذا ضبط ذكره بعض الناس و إلا فالرياح تهب من كل جانب من جوانب العالم و لا ضبط لها و لا اختصاص لجانب من جوانب العالم بها و ثامنها أن هذه الرياح تارة تصعد من قعر الأرض فإن من ركب البحر يشاهد أن البحر يحصل له غليان شديد فيه بسبب تولد الرياح في قعر البحر إلى ما فوق البحر و حينئذ يعظم هبوب الرياح في وجه البحر و تارة ينزل الريح من جهة الفوق فاختلاف الرياح بسبب هذه   المعاني أيضا عجيب و عن السدي أنه تعالى يرسل الرياح فيأتي بالسحاب ثم إنه تعالى يبسطه في السماء كيف يشاء ثم يفتح أبواب السماء فيسيل الماء على السحاب ثم يمطر السحاب بعد ذلك و رحمته هو المطر. إذا عرفت هذا فنقول اختلاف الرياح في الصفات المذكورة مع أن طبيعة الهواء واحدة و تأثيرات الطبائع و الأنجم و الأفلاك واحدة تدل على أن هذه الأحوال لم تحصل إلا بتدبير الفاعل المختار سبحانه و تعالى ثم قال تعالى سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ و المعنى أنا نسوق ذلك السحاب إلى بلد ميت لم ينزل فيه غيث و لا تنبت فيه خضرة و السحاب لفظه مذكر و هو جمع سحابة فيجوز فيه التذكير و التأنيث فلذا أتى بهما في الآية و اللام في قوله لبلد إما بمعنى إلى أو المعنى سقناه لأجل بلد ميت ليس فيه حب نسقيه و الضمير في قوله به إما راجع إلى البلد أو إلى السحاب و في قوله فَأَخْرَجْنا بِهِ عائد إلى الماء و قيل إلى البلد و على القول الأول فالله تعالى إنما يخلق الثمرات بواسطة الماء. و قال أكثر المتكلمين إن الثمار غير متولدة من الماء بل الله تعالى أجرى عادته بخلق النبات ابتداء عقيب اختلاط الماء بالتراب و قال جمهور الحكماء لا يمتنع أن يقال أنه تعالى أودع في الماء قوة و طبيعة ثم إن تلك القوة و الطبيعة توجبان حدوث الأحوال المخصوصة و المتكلمون احتجوا على فساد هذا القول بأن طبيعة الماء و التراب واحدة ثم إنا نرى أنه يتولد في النبات الواحد الأحوال المختلفة مثل العنب فإن قشره بارد يابس و لحمه و ماؤه حار رطب و عجمة بارد يابس فتولد الأجسام الموصوفة بالصفات المختلفة من الماء و التراب يدل على أنها إنما حدثت بإحداث الفاعل المختار لا بالطبع و الخاصية انتهى. خَوْفاً وَ طَمَعاً قال الزمخشري في انتصابهما وجوه الأول أنه لا يصح أن يكونا مفعولا لهما لأنهما ليسا بفاعل الفعل المعلل به إلا على تقدير حذف المضاف أي إرادة خوف و طمع أو على معنى إخافة و إطماعا الثاني يجوز أن

    يكونا منتصبين على الحال من البرق كأنه في نفسه خوف و طمع و التقدير ذا خوف و ذا طمع الثالث أن يكونا حالا من المخاطبين أي خائفين و طامعين. و قال الرازي في كونهما خوفا و طمعا وجوه الأول أن عند لمعان البرق يخاف وقوع الصواعق و يطمع في نزول الغيث الثاني أنه يخاف من المطر من له فيه ضرر كالمسافر و كمن في جرابه التمر و الزبيب و يطمع فيه من له نفع الثالث أن كل شي‏ء يحصل في الدنيا فهو خير بالنسبة إلى قوم و شر بالنسبة إلى آخرين فكذلك المطر خير في حق من يحتاج إليه في أوانه شر في حق من يضره ذلك إما بحسب المكان أو بحسب الزمان. ثم اعلم أن حدوث البرق دليل عجيب على قدرة الله سبحانه و بيانه أن السحاب لا شك أنه جسم مركب من أجزاء مائية و أجزاء هوائية و لا شك أن الغالب عليه الأجزاء المائية و الماء جسم بارد رطب و النار جسم حار يابس فظهور الضد من الضد التام على خلاف العقل فلا بد من صانع مختار يظهر الضد من الضد. فإن قيل لم لا يجوز أن يقال إن الريح احتقن في داخل جرم السحاب و استولى البرد على ظاهره فانجمد السطح الظاهر منه ثم إن ذلك الريح يمزقه تمزيقا عنيفا فيتولد من ذلك التمزيق الشديد حركة عنيفة و الحركة العنيفة موجبة للسخونة و هي البرق فالجواب أن كل ما ذكرتموه على خلاف المعقول و بيانه من وجوه الأول أنه لو كان الأمر كذلك لوجب أن يقال أينما يحصل البرق فلا بد و أن يحصل الرعد و هو الصوت الحادث من تمزق السحاب و معلوم أنه ليس الأمر كذلك فإنه كثيرا ما يحدث البرق القوي من غير حدوث الرعد الثاني أن السخونة الحاصلة بسبب قوة الحركة مقابلة بالطبيعة المائية الموجبة للبرد و عند حصول هذا المعارض القوي كيف تحدث النارية بل نقول النيران العظيمة تنطفئ بصب الماء عليها و السحاب كله ماء فكيف يمكن أن يحدث فيه شعلة ضعيفة نارية   الثالث من مذهبكم أن النار الصرفة لا لون لها البتة فهب أنه حصلت النارية بسبب قوة المحاكة الحاصلة في أجزاء السحاب لكن من أين حدث ذلك اللون الأحمر فثبت أن السبب الذي ذكروه ضعيف و أن حدوث النار الخالصة في جرم السحاب مع كونه ماء خالصا لا يمكن إلا بقدرة القادر الحكيم. وَ يُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ السحاب اسم الجنس و الواحدة سحابة و الثقال جمع ثقيلة أي الثقال بالماء و اعلم أن هذا أيضا من دلائل القدرة و الحكمة و ذلك لأن هذه الأجزاء المائية إما يقال إنها حدثت في جو الهواء أو يقال إنها تصاعدت من وجه الأرض فإن كان الأول وجب أن يكون حدوثها بإحداث محدث حكيم قادر و هو المطلوب و إن كان الثاني و هو أن يقال إن تلك الأجزاء تصاعدت من الأرض فلما وصلت إلى الطبقة الباردة من الهواء بردت فثقلت و رجعت إلى الأرض فنقول هذا باطل و ذلك لأن الأمطار مختلفة فتارة تكون القطرات كبيرة و تارة تكون صغيرة و تارة تكون متقاربة و أخرى تكون متباعدة تارة تدوم مدة نزول المطر زمانا طويلا و تارة قليلا فاختلاف الأمطار في هذه الصفات مع أن طبيعة الأرض واحدة و طبيعة الأشعة المسخنة للبخارات واحدة لا بد و أن يكون بتخصيص الفاعل المختار و أيضا فالتجربة دلت على أن للدعاء و التضرع في نزول الغيث أثرا عظيما و لذلك شرعت صلاة الاستسقاء فعلمنا أن المؤثر فيه هو قدرة الفاعل لا الطبيعة الخاصة انتهى. وَ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ قال الطبرسي ره تسبيح الرعد دلالته على تنزيه الله تعالى و وجوب حمده فكأنه هو المسبح و قيل إن الرعد هو الملك الذي يسوق السحاب و يزجره بصوته فهو يسبح الله و يحمده

 و روي عن النبي ص أنه قال إن ربكم سبحانه يقول لو أن عبادي أطاعوني لأسقيتهم المطر بالليل و أطلعت عليهم الشمس بالنهار و لم أسمعهم صوت الرعد و كان ص إذا سمع صوت الرعد قال سبحان من يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ

و كان ابن عباس يقول سبحان   الذي سبحت له

 و روى سالم بن عبد الله عن أبيه قال كان رسول الله ص إذا سمع الرعد و الصواعق قال اللهم لا تقتلنا بغضبك و لا تهلكنا بعذابك و عافنا قبل ذلك

قال ابن عباس من سمع الرعد فقال سبحان الذي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَ الْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ فإن أصابته صاعقة فعلي ذنبه. وَ الْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ أي و تسبح الملائكة من خيفة الله تعالى و خشيته قال ابن عباس إنهم خائفون من الله ليس كخوف ابن آدم لا يعرف أحدهم من على يمينه و من على يساره لا يشغله عن عبادة الله طعام و لا شراب و لا شي‏ء وَ يُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ و يسرفها عمن يشاء إلا أنه حذف

 و رووا عن أبي جعفر الباقر ع أن الصواعق تصيب المسلم و غير المسلم و لا تصيب ذاكرا انتهى

و قال الرازي في قوله تعالى وَ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ أقوال الأول أن الرعد اسم ملك من الملائكة و الصوت المسموع هو صوت ذلك الملك بالتسبيح و التهليل

 عن ابن عباس أن اليهود سألت النبي ص عن الرعد ما هو فقال ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث يشاء الله تعالى قالوا فالصوت الذي يسمع قال زجرة السحاب

و عن الحسن أنه خلق من الله ليس بملك فعلى هذا القول الرعد اسم للملك الموكل بالسحاب و صوته تسبيح لله تعالى و ذلك الصوت أيضا مسمى بالرعد و يؤكد هذا ما روي عن ابن عباس كان إذا سمع الرعد قال سبحان الذي سبحت له

 و عن النبي ص أن الله ينشئ السحاب فينطق أحسن المنطق و يضحك أحسن الضحك فنطقه الرعد و ضحكه البرق

و اعلم أن هذا القول غير مستبعد و ذلك لأن عند أهل السنة البنية ليست شرطا لحصول الحياة فلا يبعد من الله تعالى أن يخلق الحياة و العلم و القدرة و النطق في أجزاء السحاب فيكون هذا الصوت المسموع فعلا له فكيف   يستبعد ذلك و نحن نرى أن السمندر يتولد في النار و الضفادع تتولد في السحاب و الدودة العظيمة ربما تولدت في الثلوج القديمة و أيضا إذا لم يبعد تسبيح الجبال في زمن داود ع و لا تسبيح الحصى في زمن محمد ص فكيف يبعد تسبيح السحاب. و على هذا القول فهذا الشي‏ء المسمى بالرعد ملك أو ليس بملك فيه قولان أحدهما أنه ليس بملك لأنه عطف عليه الملائكة و الثاني أنه لا يبعد أن يكون من جنس الملائكة و أفرد بالذكر على سبيل التشريف القول الثاني إن الرعد اسم لهذا الصوت المخصوص و مع ذلك فإن الرعد يسبح لله تعالى لأن التسبيح و التقديس و ما يجري مجراهما ليس إلا وجود لفظ يدل على حصول النزاهة و التقديس لله تعالى فلما كان حدوث هذا الصوت دليلا على وجود موجود متعال عن النقص و الإمكان كان ذلك في الحقيقة تسبيحا و هو معنى قوله وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ. الثالث أن المراد من كون الرعد مسبحا أن من سمع الرعد فإنه يسبح الله تعالى فلهذا المعنى أضيف هذا التسبيح إليه. الرابع من كلمات الصوفية الرعد صعقات الملائكة و البرق زفرات أفئدتهم و المطر بكاؤهم. ثم قال و اعلم أن المحققين من الحكماء يذكرون أن هذه الآثار العلوية إنما تتم بقوى روحانية فلكية فللسحاب روح معين من الأرواح الفلكية يدبره و كذا القول في الرياح و سائر الآثار العلوية و هذا غير ما نقلنا أن الرعد اسم الملك. ثم قال أمر الصاعقة عجيب جدا و ذلك لأنها نار تتولد في السحاب فإذا نزلت من السحاب فربما غاضت البحر و أحرقت الحيتان تحت البحر و الحكماء بالغوا في وصف قوتها و وجه الاستدلال أن النار حارة يابسة و طبيعتها ضد طبيعة السحاب فوجب أن يكون طبيعتها في الحرارة و اليبوسة أضعف من طبيعة النيران   الحادثة عندنا على العادة لكنه ليس الأمر كذلك فإنها أقوى من نيران هذا العالم فثبت أن اختصاصها بمزيد تلك القوة لا بد و أن يكون بسبب تخصيص الفاعل المختار. وَ هُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ أي هؤلاء الكفار مع ظهور هذه الدلائل يجادلون في الله و هو يحتمل وجوها أحدها أن يكون المراد الرد على الكافر الذي قال أخبرنا عن ربنا أ من نحاس أم حديد و ثانيها أن يكون المراد الرد على جدالهم في إنكار البعث و إبطال الحشر و ثالثها الرد عليهم في طلب سائر المعجزات و رابعها الرد عليهم في استنزال عذاب الاستئصال. وَ هُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ المشهور أن الميم أصلية و قيل زائدة و المعنى شديد القوة و قيل شديد المكر و قيل شديد العقوبة و قيل شديد المغالبة و قيل شديد الجدال. رِزْقاً لَكُمْ قال البيضاوي أي تعيشون به و هو يشمل المطعوم و الملبوس مفعول أخرج و مِنَ الثَّمَراتِ بيان له أو حال عنه و يحتمل عكس ذلك و يجوز أن يراد به المصدر فينتصب بالعلة أو المصدر لأن أخرج في معنى رزق. إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ قال البيضاوي بدل من كل شيطان و استراق السمع اختلاسه سرا شبه به خطفتهم اليسيرة من قطان السماوات لما بينهم من المناسبة في الجوهر أو بالاستدلال من أوضاع الكواكب و حركاتها و عن ابن عباس أنهم كانوا لا يحتجبون عن السماوات فلما ولد عيسى ع منعوا من ثلاث سماوات فلما ولد محمد ص منعوا من كلها بالشهب و لا يقدح فيه تكونها قبل المولد لجواز أن يكون لها أسباب أخر و قيل الاستثناء منقطع أي و لكن من استرق السمع فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ أي فتبعه و لحقه شهاب مُبِينٌ ظاهر للمبصرين و

    الشهاب شعلة نار ساطعة و قد يطلق للكوكب و السنان لما فيها من البريق انتهى. و قال الرازي لقائل أن يقول إذا جوزتم في الجملة أن يصعد الشيطان إلى السماوات و يختلط بالملائكة و يسمع أخبارا من الغيوب عنهم ثم إنها تنزل و تلقي تلك الغيوب فعلى هذا التقدير يجب أن يخرج الإخبار عن المغيبات عن كونه معجزا دليلا على الصدق و لا يقال إن الله تعالى أخبر عن أنهم عجزوا عن ذلك بعد مولد النبي ص لأنا نقول هذا المعجز لا يمكن إثباته إلا بعد القطع بكون محمد ص رسولا و القطع بهذا لا يمكن إلا بواسطة المعجز و كون الإخبار عن الغيب معجزا لا يثبت إلا بعد إبطال هذا الاحتمال و حينئذ يلزم الدور و هو باطل محال. و يمكن أن يجاب عنه بأنا نثبت كون محمد ص رسولا بسائر المعجزات ثم بعد العلم بنبوته نقطع بأن الله عجز الشياطين عن تلقف الغيب بهذا الطريق و عند ذلك يصير الإخبار عن الغيب معجزا و حينئذ يندفع الدور انتهى. و أقول يمكن أن يقال يجب في لطف الله و حكمته أن لا يمكن الكاذب في دعوى النبوة و الإمامة من هذا و إلا لزم الإغراء بالقبيح و لو بالنسبة إلى العوام و لذا قيل لا تجري الشعبذة أيضا على يد المدعي الكاذب فتأمل. وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ قيل أي و ما من شي‏ء إلا و نحن قادرون على إيجاده و تكوينه أضعاف ما وجد منه فضرب الخزائن مثلا لاقتداره أو شبه مقدوراته بالأشياء المخزونة التي لا يحوج إخراجها إلى كلفة و اجتهاد وَ ما نُنَزِّلُهُ من تلك الخزائن إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ اقتضته الحكمة و تعلقت به المشية فإن تخصيص بعضها بالإيجاد في بعض الأوقات على بعض الصفات و الحالات لا بد له من مخصص حكيم و قال علي بن إبراهيم الخزانة الماء الذي ينزل من السماء   فينبت لكل ضرب من الحيوان ما قدر الله له من الغذاء. و قال بعض المحققين أقول الأول كلام من خلا من التحصيل و الثاني تمثيل للتقريب من أفهام الجمهور و تفسير في الظاهر و أما في الباطن و التأويل فالخزائن عبارة عما كتبه القلم الأعلى أولا على الوجه الكلي في لوح القضاء المحفوظ عن التبديل الذي منه يجري ثانيا على الوجه الجزئي في لوح القدر الذي فيه المحو و الإثبات تدرجا على التنزل فإلى الأول أشير بقوله وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ و بقوله وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ و إلى الثاني بقوله وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ و منه ينزل و يظهر في عالم الشهادة

 و عن السجاد ع أن في العرش تمثال جميع ما خلق الله من البر و البحر قال و هذا تأويل قوله وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ الآية

أراد ع به ما ذكرناه انتهى. وَ أَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ قيل أي حوامل شبه الريح التي جاءت بخير من إنشاء سحاب ماطر بالحامل كما شبه ما لا يكون كذلك بالعقيم أو ملقحات للشجر و السحاب و نظيره الطوائح بمعنى المطيحات في قوله و مختبط مما تطيح الطوائح. فَأَسْقَيْناكُمُوهُ أي فجعلناه لكم سقيا يقال سقيته حتى روي و أسقيته نهرا أي جعلته شرابا له وَ ما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ أي قادرين متمكنين من إخراجه نفى عنهم ما أثبته لنفسه أو حافظين في الغدران و العيون و الآبار و ذلك أيضا يدل على المدبر الحكيم كما يدل عليه حركة الهواء في بعض الأوقات من بعض الجهات على وجه ينتفع به الناس فإن طبيعة الماء تقتضي الغور فوقوفه دون حد لا بد له من سبب مخصص لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ قيل أي ما تشربونه و لكم صلة أنزل أو خبر شراب و من تبعيضية متعلقة به و تقديمها يوهم حصر المشروب فيه و لا بأس به لأن مياه العيون و الآبار منه لقوله فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ و قوله فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ.    وَ مِنْهُ شَجَرٌ أي و منه يكون شجر يعني الشجر الذي يرعاه المواشي و قيل كل ما ينبت على الأرض شجر فِيهِ تُسِيمُونَ أي ترعون مواشيكم من سامت الماشية و أسامها صاحبها و أصلها السومة و هي العلامة لأنها تؤثر بالرعي علامات فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها أنبت فيها أنواع النبات بعد يبسها لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ أي سماع تدبر و إنصاف وَ تَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً أي ميتة يابسة من همدت النار إذا صارت رمادا اهْتَزَّتْ أي تحركت بالنبات وَ رَبَتْ أي انتفخت وَ أَنْبَتَتْ على المجاز لأن المنبت هو الله تعالى مِنْ كُلِّ زَوْجٍ أي من كل نوع من أنواع النبات بَهِيجٍ البهجة حسن الشي‏ء و نضارته و البهيج بمعنى المبهج قال المبرد هو الشي‏ء المشرق الجميل. أَ لَمْ تَرَ أي أ لم تعلم و قيل المراد الرؤية بالبصر فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ إنما لم يقل أصبحت ليدل على بقاء أثر المطر زمانا بعد زمان و إنما لم ينصب جوابا للاستفهام لأنه لو نصب لأعطي عكس ما هو الغرض لأن معناه إثبات الاخضرار فينقلب بالنصب إلى نفي الاخضرار إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ يصل علمه أو لطفه إلى كل ما جل و دق خَبِيرٌ بالتدابير الظاهرة و الباطنة. وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً قال الرازي من قال إن المراد بالسماء السحاب قال إن الله تعالى أصعد الأجزاء المائية من قعر الأرض و من البحار إلى السماء حتى صارت عذبة صافية بسبب ذلك التصعيد ثم إن تلك الذرات تأتلف و تتكيف ثم ينزله الله على قدر الحاجة إليه و لو لا ذلك لم ينتفع بتلك المياه لتفرقها في قعر الأرض و لا بماء البحر لملوحته و لأنه لا حيلة في إجراء مياه البحار على وجه الأرض لأن البحار هي الغاية في العمق و هذه الوجوه إنما يتمحلها من ينكر الفاعل المختار و أما من أقر به فلا حاجة له إلى شي‏ء منها بِقَدَرٍ أي بتقدير يسلمون معه من المضرة و يصلون به إلى المنفعة في الزرع و الغرس و الشرب

    و بمقدار ما علمنا من حاجاتهم و مصالحهم فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ قيل جعلناه ثابتا في الأرض قال ابن عباس أنزل الله تعالى من الجنة خمسة أنهار سيحون و جيحون و دجلة و الفرات و النيل ثم يرفعها عند خروج يأجوج و مأجوج و يرفع أيضا القرآن وَ إِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ أي كما قدرنا على إنزاله نقدر على رفعه و إزالته و لما نبه سبحانه على عظم نعمته بخلق الماء ذكر بعده النعم الحاصلة من الماء فقال فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَ أَعْنابٍ و إنما خصهما لكثرة منافعهما فإنهما يقومان مقام الطعام و مقام الإدام و مقام الفاكهة رطبا و يابسا و قوله لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ أي في الجنات فكما أن فيها النخيل و الأعناب فيها الفواكه الكثيرة و قوله وَ مِنْها تَأْكُلُونَ قال الزمخشري يجوز أن يكون هذا من قولهم فلان يأكل من حرفة يحترفها و من صنعة فعلها يعنون أنها طعمته و جهته التي يحصل منها رزقه كأنه قال و هذه الجنات وجوه أرزاقكم و معاشكم منها تتعيشون. أَ لَمْ تَرَ بعين عقلك و لم تعلم أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً أي يسوقه و منه البضاعة المزجاة فإنها يزجيها كل أحد ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ بأن يكون قزعا فيضم بعضها إلى بعض و بهذا الاعتبار صح بينه إذ المعنى بين أجزائه ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً أي متراكما بعضه على بعض فَتَرَى الْوَدْقَ أي المطر يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ أي من فتوقه جمع خلل كجبال في جبل وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ قيل أي من الغمام و كل ما علاك فهو سماؤك مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ قيل أي قطع عظام تشبه الجبال في عظمها أو جمودها من برد بيان للجبال و المفعول محذوف أي ينزل حينئذ ماء من السماء من جبال و يجوز أن تكون من الثانية و الثالثة للتبعيض واقعة موقع المفعول و قيل المراد بالسماء المظلة و فيها جبال من برد كما في الأرض جبال من حجر و عليه ظواهر كثير من الأخبار و لم يدل دليل قاطع على نفيه قال الرازي قال أهل الطبائع إن تكون السحاب و المطر و الثلج   و البرد و الطل و الصقيع في أكثر الأمر يكون من تكاثف البخار و في الأقل من تكاثف الهواء أما الأول فالبخار الصاعد إن كان قليلا و كان في الهواء من الحرارة ما يحلل ذلك البخار فحينئذ ينحل و ينقلب هواء و إما إن كان البخار كثيرا و لم يكن في الهواء من الحرارة ما يحلله فتلك الأبخرة المتصاعدة إما أن تبلغ في صعودها إلى الطبقة الباردة من الهواء أو لا تبلغ فإن بلغت فإما أن يكون البرد قويا أو لا يكون فإن لم يكن البرد هناك قويا تكاثف ذلك البخار بذلك القدر من البرد و اجتمع و تقاطر فالبخار المجتمع هو السحاب و المتقاطر هو المطر و الديمة و الوابل إنما يكون من أمثال هذه الغيوم و أما إن كان البرد شديدا فلا يخلو إما أن يصل البرد إلى الأجزاء البخارية قبل اجتماعها و انحلالها أو بعد صيرورتها كذلك فإن كان على الوجه الأول نزل ثلجا و إن كان على الوجه الثاني نزل بردا و أما إذا لم تبلغ الأبخرة إلى الطبقة الباردة فهي إما أن تكون قليلة أو تكون كثيرة فإن كانت كثيرة فهي تنعقد سحابا ماطرا و قد لا تنعقد أما الأول فذاك لأحد أسباب خاصة. أولها إذا منع هبوب الرياح عن تصاعد تلك الأبخرة و ثانيها أن تكون الرياح ضاغطة لها إلى اجتماع بسبب وقوف جبال قدام الريح و ثالثها أن تكون هناك رياح متقابلة متصادفة فتمنع صعود الأبخرة حينئذ و رابعها أن يعرض للجزء المتقدم وقوف لثقله و بطء حركته ثم تلتصق به سائر الأجزاء الكثيرة المدد و خامسها لشدة برد الهواء القريب من الأرض فقد يشاهد البخار يصعد في الجبال صعودا يسيرا حتى كأنه مكبة موضوعة على وهدة و يكون الناظر إليها فوق تلك الغمامة و الذين يكونون تحت الغمامة يمطرون و الذين يكونون فوقها يكونون في الشمس أما إذا كانت الأبخرة القليلة الارتفاع قليلة لطيفة فإذا ضربها برد الليل و كثفها و عقدها ما يكون محسوسا و نزل نزولا متفرقا لا يحس به إلا عند اجتماع شي‏ء يعتد به فإن لم يجمد كان طلا و إن جمد كان صقيعا و نسبة الصقيع إلى الطل نسبة الثلج إلى المطر. و إما أن يكون السحاب من انقباض الهواء و ذلك عند ما يبرد الهواء و

    ينقبض و حينئذ تحصل منه الأقسام المذكورة. و الجواب أنا لما دللنا على حدوث الأجسام و توسلنا بذلك إلى كونه سبحانه قادرا مختارا يمكنه إيجاد الأجسام لم يمكنا القطع بما ذكرتموه لاحتمال أنه سبحانه خلق أجزاء السحاب دفعة لا بالطريق الذي ذكرتموه و أيضا فهب أن الأمر كما ذكرتم و لكن الأجسام بالاتفاق ممكنة في ذواتها و لا بد لها من مؤثر ثم إنها متماثلة فاختصاص كل واحد منها بصفته المعينة من الصعود و الهبوط و اللطافة و الكثافة و الحرارة و البرودة لا بد له من مخصص فإذا كان هو سبحانه خالقا لتلك الطبائع و تلك الطبائع مؤثرة في هذه الأحوال و خالق السبب خالق المسبب فكان سبحانه هو الذي يزجي سحابا لأنه هو الذي خلق تلك الطبائع المحركة لتلك الأبخرة من باطن الأرض إلى جو الهواء ثم تلك الأبخرة ترادفت في صعودها و التصق بعضها بالبعض فهو سبحانه هو الذي جعله ركاما فثبت أنه على جميع التقديرات وجه الاستدلال بهذه الأشياء على القدرة و الحكمة ظاهر بين انتهى. فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَ يَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ الضميران للبرد و الإصابة بإهلاك الزرع و المال و قد يهلك الأنفس أيضا يَكادُ سَنا بَرْقِهِ أي يقرب ضوء برق السحاب أن يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ أبصار الناظرين إليه من فرط الإضاءة يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ بالمعاقبة بينهما أو بنقص أحدهما و زيادة الآخر أو بتغيير أحوالهما بالحر و البرد و الظلمة و النور أو ما يعم ذلك إِنَّ فِي ذلِكَ أي في ما تقدم ذكره لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ أي لأولي البصائر و العقول لدلالته على وجود الصانع القديم و كمال قدرته و إحاطة علمه و نفاذ مشيته و تنزهه عن الحاجة و ما يفضي إليها لمن يرجع إلى بصيرة. بُشْراً قرأ عاصم بالباء المضمومة أي مبشرات جمع بشور و ابن عامر بالنون و السكون أي ناشرات للسحاب و الكسائي بفتح النون مصدرا بَيْنَ   يَدَيْ رَحْمَتِهِ أي المطر كما مر. ماءً طَهُوراً أي مطرا و هو اسم لما يتطهر به كالوضوء و الوقود و قيل بليغا في الطهارة لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً بالنبات و التذكير لأن البلدة في معنى البلد وَ أَناسِيَّ كَثِيراً قيل يعني أهل البوادي الذين يعيشون بالحياء و لذلك نكر الأنعام و الأناسي و تخصيصهم لأن أهل المدن و القرى يقيمون بقرب الأنهار و المنابع فبهم و بما حولهم من الأنعام غنية عن سقي السماء. وَ لَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ قال البيضاوي أي صرفنا هذا القول بين الناس في القرآن و سائر الكتب أو المطر بينهم في البلدان المختلفة و الأوقات المتغايرة و الصفات المتفاوتة من وابل و طل و غيرهما و عن ابن عباس ما عام أمطر من عام و لكن الله قسم ذلك بين عباده على ما شاء و تلا هذه الآية أو في الأنهار أو في المنابع لِيَذَّكَّرُوا أي ليتفكروا و يعرفوا كمال القدرة و حق النعمة في ذلك و يقوموا بشكره أو ليعتبروا بالصرف عنهم و إليهم فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً أي إلا كفران النعمة و قلة الاكتراث لها أو جحودها بأن يقولوا مطرنا بنوء كذا و من لا يرى الأمطار إلا من الأنواء كان كافرا بخلاف من يرى أنها من خلق الله و الأنواء وسائط أو أمارات يجعله الله تعالى. فَأَنْبَتْنا عدل به عن الغيبة إلى التكلم لتأكيد اختصاص الفعل بذاته و التنبيه على أن إنبات الحدائق البهية المختلفة الأنواع المتباعدة الطبائع من المواد المتشابهة لا يقدر عليه غيره تعالى كما أشار إليه بقوله ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أي شجر الحدائق و هي البساتين من الأحداق و هو الإحاطة مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ أي بأسباب سماوية و أرضية. يُرِيكُمُ الْبَرْقَ مقدر بأن أو الفعل فيه منزل منزلة المصدر كقولهم تسمع

    بالمعيدي خير من أن تراه أو صفة لمحذوف تقديره آية يريكم بها البرق خَوْفاً من الصاعقة و للمسافر وَ طَمَعاً في الغيث و للمقيم فَيَبْسُطُهُ أي متصلا تارة فِي السَّماءِ أو في سمتها كَيْفَ يَشاءُ سائرا و واقفا مطبقا و غير مطبق من جانب دون جانب إلى غير ذلك وَ يَجْعَلُهُ كِسَفاً أي قطعا تارة أخرى فَتَرَى الْوَدْقَ أي المطر يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ في التارتين فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ يعني بلادهم و أراضيهم إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ بمجي‏ء الخصب أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ أي المطر مِنْ قَبْلِهِ تكرير للتأكيد و الدلالة على تطاول عهدهم بالبطر و استحكام يأسهم و قيل الضمير للمطر أو السحاب أو الإرسال لَمُبْلِسِينَ أي لابسين قانطين فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ أي أثر الغيث من النبات و الأشجار و أنواع الثمار و لذلك جمعه ابن عامر و حمزة و الكسائي و حفص إِنَّ ذلِكَ يعني الذي قدر على إحياء الأرض بعد موتها لَمُحْيِ الْمَوْتى لقادر على إحيائهم فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا أي فرأوا الأثر أو الزرع فإنه مدلول عليه بما تقدم و قيل السحاب لأنه إذا كان مصفرا لم يمطر و اللام موطئة للقسم دخلت على حرف الشرط و قوله لَظَلُّوا جواب سد مسد الجزاء. مِنْ كُلِّ زَوْجٍ أي صنف كَرِيمٍ أي كثير المنفعة فَتُثِيرُ سَحاباً على حكاية الحال الماضية استحضارا لتلك الصورة البديعة الدالة على كمال الحكمة و لأن المراد بيان إحداثها بهذه الخاصية و لذلك أسنده إليها و يجوز أن يكون اختلاف الأفعال للدلالة على استمرار الأمر فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ أي بالمطر النازل منه و ذكر السحاب كذكره أو بالسحاب فإنه سبب السبب أو الصائر مطرا بَعْدَ مَوْتِها أي بعد يبسها كَذلِكَ النُّشُورُ أي مثل إحياء الموات نشور الأموات في صحة المقدورية إذ ليس بينهما إلا احتمال اختلاف المادة في المقيس و ذلك لا مدخل له فيها و قيل في كيفية الإحياء فإنه تعالى يرسل ماء من تحت العرش ينبت منه أجساد الخلق.    إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ الخطف الاختلاس و المراد اختلاس كلام الملائكة مسارقة و أتبع بمعنى تبع و الشهاب ما يرى كوكبا انقض و ما قيل إنه بخار يصعد إلى الأثير فيشتعل فتخمين إن صح لم يناف ذلك إذ ليس فيه ما يدل على أنه ينقض من الفلك و لا في قوله تعالى وَ لَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَ جَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ فإن كل نير يحصل في الجو العالي فهو مصباح لأهل الأرض و زينة للسماء من حيث إنه يرى كأنه على سطحه و لا يبعد أن يصير الحادث لما ذكر في بعض الأوقات رجما للشياطين يتصعد إلى قرب الفلك للتسمع و ما روي أن ذلك حدث بميلاد النبي ص إن صح فلعل المراد كثرة وقوعه أو مصيره دحورا و اختلف في أن المرجوم يتأذى به فيرجع أو يحرق به لكن قد يصيب الصاعد مرة و قد لا يصيب كالموج لراكب السفينة و لذلك لا يرتدعون عنه رأسا و لا يقال إن الشيطان من النار فلا يحترق لأنه ليس من النار الصرف كما أن الإنسان ليس من التراب الخالص مع أن النار القوية إذا استولت على الضعيفة استهلكتها ثاقِبٌ أي مضي‏ء كأنه يثقب الجو بضوئه. أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً قال الرازي و هو المطر و قيل كل ماء كان في الأرض فهو من السماء ثم إنه تعالى ينزله إلى بعض المواضع ثم يقسمه فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ أي فأدخله و نظمه ينابيع في الأرض عيونا و مسالك و مجاري كالعروق في الأجسام ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ من خضرة و حمرة و صفرة و بياض و غير ذلك أو مختلفا أصنافه من بر و شعير و سمسم ثُمَّ يَهِيجُ و ذلك لأنه إذا تم جفافه جاز له أن ينفصل من منابته و إن لن تتفرق أجزاؤه فتلك الأجزاء كأنها هاجت للتفرق ثم يصير حُطاماً فتاتا إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى يعني أن من شاهد هذه الأحوال في النبات علم أن أحوال الحيوان و الإنسان كذلك و أنه و إن طال عمره فلا بد له من الانتهاء إلى أن يصير مصفر اللون منحطم الأعضاء و الأجزاء ثم

    عاقبته الموت فإذا كانت مشاهدة هذه الأحوال في النبات مذكرة حصول مثل هذه الأحوال في نفسه و في حياته فحينئذ تعظم نفرته من الدنيا و طيباتها قال الواحدي الينابيع جمع ينبوع و هو يفعول من نبع و هو نصب بنزع الخافض كان التقدير فسلكه في ينابيع ثُمَّ يَهِيجُ أي يخضر و الحطام ما تفتت و تكسر من النبت انتهى. مِنَ السَّماءِ رِزْقاً أي أسباب رزق كالمطر يُنَزِّلُ الْغَيْثَ قال البيضاوي أي المطر الذي يغيثهم من الجدب و لذلك خص بالنافع منها مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا أيسوا منه وَ يَنْشُرُ رَحْمَتَهُ في كل شي‏ء من السهل و الجبل و النبات و الحيوان وَ هُوَ الْوَلِيُّ الذي يتولى عباده بإحسانه و نشر رحمته الْحَمِيدُ المستحق للحمد على ذلك ماءً بِقَدَرٍ أي بمقدار ينفع و لا يضر فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً مال عنه النماء كَذلِكَ مثل ذلك الإنشاء تُخْرَجُونَ تنشرون من قبوركم مِنْ رِزْقٍ أي من مطر و سماه رزقا لأنه سببه بَعْدَ مَوْتِها بعد يبسها وَ تَصْرِيفِ الرِّياحِ باختلاف جهاتها و أحوالها ماءً مُبارَكاً أي كثير المنافع فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ أي أشجارا و ثمارا وَ حَبَّ الْحَصِيدِ أي حب الزرع الذي من شأنه أن يحصد كالبر و الشعير وَ النَّخْلَ باسِقاتٍ طوالا أو حوامل من أبسقت الشاة إذا حملت فيكون من أفعل فهو فاعل و إفرادها بالذكر لفرط ارتفاعها و كثرة منافعها لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ أي منضود بعضه فوق بعض و المراد تراكم الطلع أو كثرة ما فيه من التمر رِزْقاً لِلْعِبادِ علة لأنبتنا أو مصدر فإن الإنبات رزق وَ أَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً أي أرضا   جدته لا نماء فيها كَذلِكَ الْخُرُوجُ كما حييت هذه البلدة يكون خروجكم أحياء بعد موتكم. وَ الذَّارِياتِ ذَرْواً قال الطبرسي ره

 روي أن ابن الكواء سأل أمير المؤمنين ع و هو يخطب على المنبر فقال ما الذَّارِياتِ ذَرْواً قال الرياح قال فَالْحامِلاتِ وِقْراً قال السحاب قال فَالْجارِياتِ يُسْراً قال السفن قال فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً قال الملائكة

و روي ذلك عن ابن عباس و مجاهد فالذاريات الرياح تذرو التراب و هشيم النبت أي تفرقه فالحاملات السحاب تحمل ثقلا من الماء من بلد فتصير موقرة به و الوقر بالكسر ثقل الحمل على ظهر أو في بطن فَالْجارِياتِ يُسْراً أي السفن تجري في الماء جريا سهلا إلى حيث سيرت و قيل هي السحاب تجري يسيرا إلى حيث سيرها الله من البقاع و قيل هي النجوم السبعة السيارة فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً الملائكة يقسمون الأمور بين الخلق على ما أمروا به أقسم الله تعالى بهذه الأشياء لكثرة ما فيها من المنافع للعباد و لما تضمنته من الدلالة على وحدانية الله تعالى و بدائع صنعه و قيل التقدير القسم برب هذه الأشياء انتهى. بِماءٍ مُنْهَمِرٍ أي منصب قال الرازي المراد من الفتح و الأبواب و السماء إما حقائقها فنقول للسماء أبواب تفتح و تغلق و لا استبعاد فيه و هو على طريقة الاستعارة فإن الظاهر أن الماء كان من السحاب و على هذا فهو كما يقول القائل في المطر الوابل جرت ميازيب السماء و فتح أفواه القرب أي كأنه كان ذلك أَ فَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ قال البيضاوي أي العذب الصالح للشرب مِنَ الْمُزْنِ أي من السحاب و قيل هو السحاب الأبيض و ماؤه أعذب أَمْ نَحْنُ   الْمُنْزِلُونَ بقدرتنا جَعَلْناهُ أُجاجاً أي مالحا فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ أمثال هذه النعم الضرورية لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً أي لوسعنا عليهم الرزق و تخصيص الماء الغدق و هو الكثير بالذكر لأنه أصل المعاش و السعة و عزة وجوده بين العرب. أقول سيأتي تفسير باقي السورة في باب الجن و فيه ما يناسب هذا الباب

1-  تفسير علي بن إبراهيم، عن أبيه عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله ع قال خرج هشام بن عبد الملك حاجا معه الأبرش الكلبي فلقيا أبا عبد الله في المسجد الحرام فقال هشام للأبرش تعرف هذا قال لا قال هذا الذي تزعم الشيعة أنه نبي من كثرة علمه فقال الأبرش لأسألنه عن مسألة لا يجيبني فيها إلا نبي أو وصي نبي فقال هشام وددت أنك فعلت ذلك فلقي الأبرش أبا عبد الله ع فقال يا أبا عبد الله أخبرني عن قول الله أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما فما كان رتقهما و ما كان فتقهما فقال أبو عبد الله ع يا أبرش هو كما وصف نفسه كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ و الماء على الهواء و الهواء لا يحد و لم يكن يومئذ خلق غيرهما و الماء يومئذ عذب فرات فلما أراد أن يخلق الأرض أمر الرياح فضربت الماء حتى صار موجا ثم أزبد فصار زبدا واحدا فجمعه في موضع البيت ثم جعله جبلا من زبد ثم دحى الأرض من تحته فقال الله تبارك و تعالى إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً ثم مكث الرب تبارك و تعالى ما شاء فلما أراد أن يخلق السماء أمر الرياح فضربت البحور حتى أزبدتها فخرج من ذلك الموج و الزبد من وسطه دخان ساطع من غير نار فخلق منه السماء و جعل فيها   البروج و النجوم و منازل الشمس و القمر و أجراها في الفلك و كانت السماء خضراء على لون الماء الأخضر و كانت الأرض غبراء على لون الماء العذب و كانتا مرتوقتين ليس لهما أبواب و لم يكن للأرض أبواب و هو النبت و لم تمطر السماء عليها فتنبت ففتق السماء بالمطر و فتق الأرض بالنبات و ذلك قوله عز و جل أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما فقال الأبرش و الله ما حدثني بمثل هذا الحديث أحد قط أعد علي فأعاد عليه و كان الأبرش ملحدا فقال و أنا أشهد أنك ابن نبي ثلاث مرات

2-  العلل، عن أبيه عن الحميري عن هارون عن ابن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه ع قال كان علي ع يقوم في المطر أول مطر يمطر حتى يبتل رأسه و لحيته و ثيابه فيقال له يا أمير المؤمنين الكن الكن فيقول إن هذا ماء قريب العهد بالعرش ثم أنشأ يحدث فقال إن تحت العرش بحرا فيه ماء ينبت به أرزاق الحيوان و إذا أراد الله تعالى أن ينبت به ما يشاء لهم رحمة منه أوحى الله عز و جل فمطر منه ما شاء من سماء إلى سماء حتى يصير إلى السماء الدنيا فتلقيه إلى السحاب و السحاب بمنزلة الغربال ثم يوحي الله عز و جل أن اطحنيه و أذيبيه ذوبان الملح في الماء ثم انطلقي به إلى موضع كذا و كذا و عبابا و غير عباب فتقطر عليهم على النحو الذي يأمرها به فليس من قطرة تقطر إلا و معها ملك حتى يضعها موضعها و لم ينزل من السماء قطرة من مطر إلا بقدر معدود و وزن معلوم إلا ما كان يوم الطوفان على عهد نوح ع فإنه نزل منها ماء منهمر بلا عدد و لا وزن

    القرب، عن هارون عن ابن صدقة مثله

3-  التفسير، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ فهي الأنهار و العيون و الآبار

 و قال علي بن إبراهيم في قوله تعالى أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً أي يثيره من الأرض ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ فإذا غلظ بعث الله ريحا فتعصره فينزل منه الماء و هو قوله فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ أي المطر

4-  و منه، عن أبيه عن العرزمي عن أبيه عن أبي إسحاق عن حارث الأعور عن أمير المؤمنين ع قال سئل عن السحاب أين يكون قال يكون على شجر كثيف على ساحل البحر يأوي إليها فإذا أراد الله أن يرسله أرسل ريحا فأثاره

5-  قرب الإسناد، عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه ع أن عليا ع قال السحاب غربال المطر و لو لا ذلك لأفسد كل شي‏ء يقع عليه

6-  و قال ع في قوله تعالى يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ قال من ماء السماء و من ماء البحر فإذا أمطرت فتحت الأصداف أفواهها في البحر فيقع فيها من ماء المطر فيخلق اللؤلؤة الصغيرة من القطرة الصغيرة و اللؤلؤة الكبيرة من القطرة الكبيرة

    بيان هذا أحد الوجوه في تأويل الآية الكريمة و رواه المفسرون عن ابن عباس و يؤيده أن البحر العذب لا يخرج منه اللؤلؤ على المشهور و لعل الخلق من القطرتين معناه أن لهما مدخلا في خلقهما لا أنهما مادتهما و سيأتي تمام القول في ذلك في محله

6-  معاني الأخبار، عن الحاكم عبد الحميد بن عبد الرحمن النيسابوري عن أبيه عن عبيد الله بن محمد بن سليمان عن أبي عمرو الضرير عن عباد بن عباد المهلبي عن موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه قال كنا عند رسول الله ص فنشأت سحابة فقالوا يا رسول الله هذه سحابة ناشئة فقال كيف ترون قواعدها قالوا يا رسول الله ما أحسنها و أشد تمكنها قال كيف ترون بواسقها قالوا يا رسول الله ما أحسنها و أشد تراكمها قال كيف ترون جونها قالوا يا رسول الله ما أحسنه و أشد سواده قال كيف ترون رحاها قالوا يا رسول الله ما أحسنها و أشد استدارتها قال فكيف ترون برقها أ خفوا أم وميضا أم يشق شقا قالوا يا رسول الله بل يشق شقا قال رسول الله ص الحياء فقالوا يا رسول الله ما أفصحك و ما رأينا الذي هو أفصح منك فقال و ما يمنعني من ذلك و بلساني نزل القرآن بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ

 ثم قال حدثنا الحاكم قال حدثني أبي قال حدثني أبو علي الرياحي عن أبي عمرو الضرير بهذا الحديث

 و قال أخبرني محمد بن هارون الزنجاني قال حدثنا علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد قال القواعد هي أصولها المعترضة في آفاق السماء و أحسبها تشبه بقواعد البيت و هي حيطانه و الواحدة قاعدة قال الله عز و جل وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ   وَ إِسْماعِيلُ و أما البواسق ففروعها المستطيلة التي في وسط السماء إلى الأفق الآخر و كذلك كل طويل فهو باسق قال الله عز و جل وَ النَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ و الجون هو الأسود اليحمومي و جمعه جون و أما قوله فكيف ترون رحاها فإن رحاها استدارة السحابة في السماء و لهذا قيل رحى الحرب و هو الموضع الذي يستدار فيه لها و الخفو الاعتراض من البرق في نواحي الغيم و فيه لغتان يقال خفا البرق يخفو خفوا و يخفى خفيا و الوميض أن يلمع قليلا ثم يسكن و ليس له اعتراض و أما الذي شق شقا فاستطالته في الجو إلى وسط السماء من غير أن يأخذ يمينا و لا شمالا قال الصدوق الحياء المطر

بيان قال الزمخشري في الفائق

 سئل النبي ص عن سحائب مرت فقال كيف ترون قواعدها و بواسقها و رحاها أ جون أم غير ذلك ثم سئل عن البرق فقال أ خفوا أم وميضا أم يشق شقا قالوا يشق شقا فقال رسول الله ص جاءكم الحياء

أراد بالقواعد ما اعترض منها كقواعد البنيان و بالبواسق ما استطال من فروعها و بالرحى ما استدار منها الجون في الجون كالورد في الورد و الخفو و الخفي اعتراض البرق في نواحي الغيم قال أبو عمرو هو أن يلمع من غير أن يستطير و أنشد

يبيت إذا ما لاح من نحو أرضه سنا البرق يكلا خفيه و يراقبه.

 و الوميض لمعة ثم سكونه و منه أومض إذا أومأ و الشق استطالته إلى وسط السماء من غير أن يأخذ يمينا و شمالا أراد أ يخفو خفوا أم يميض وميضا   و لذلك عطف عليه يشق شقا و إظهار الفعل هنا بعد إضماره في ما قبله نظير المجي‏ء بالواو في قوله عز و جل وَ ثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ بعد تركها في ما قبلها انتهى. و أقول قد مر بعض القول فيه في المجلد السادس

7-  العلل، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أيوب بن نوح عن صفوان بن يحيى عن معاوية بن عمار قال قال أبو عبد الله ع الصاعقة لا تصيب المؤمن فقال له رجل فإنا قد رأينا فلانا يصلي في المسجد الحرام فأصابته فقال أبو عبد الله ع إنه كان يرمي حمام الحرم

8-  و بهذا الإسناد قال الصاعقة تصيب المؤمن و الكافر و لا تصيب ذاكرا

 بيان لعل المراد بالمؤمن أولا الكامل في الإيمان و ثانيا مطلق المؤمن بقرينة أن رمي حمام الحرم لا يخرج عن مطلق الإيمان و يحتمل أن يكون الرامي مخالفا و أسند الإصابة إلى الرمي تقية

9-  التفسير، عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع في خبر المعراج قال قال رسول الله ص فصعد جبرئيل و صعدت معه إلى السماء الدنيا و عليها ملك يقال له إسماعيل و هو صاحب الخطفة التي قال الله عز و جل إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ و تحته سبعون ألف ملك تحت كل ملك سبعون ألف ملك الخبر

10-  و منه وَ حِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ قال المارد الخبيث لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَ يُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ دُحُوراً يعني الكواكب التي يرمون بها وَ لَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ أي واجب إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ يعني يسمعون الكلمة   فيحفظونها فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ و هو ما يرمون به فيحرقون

 و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع قال عَذابٌ واصِبٌ أي دائم وجع قد خلص إلى قلوبهم و قوله شِهابٌ ثاقِبٌ مضى إذا أصابهم بقوة

11-  العيون، و معاني الأخبار، عن محمد بن إبراهيم الطالقاني عن أبي عقدة عن علي بن الحسن بن فضال عن أبيه قال قال الرضا ع في قول الله عز و جل هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً قال خوف للمسافر و طمع للمقيم

12-  الإحتجاج، و الخصال، في ما أجاب الحسن بن علي ع من أسئلة ملك الروم و قال السائل ما قوس قزح قال ويحك لا تقل قوس قزح فإن قزح اسم شيطان و هو قوس الله و علامة الخصب و أمان لأهل الأرض من الغرق

13-  الإحتجاج، عن الأصبغ قال سأل ابن الكواء أمير المؤمنين ع فقال يا أمير المؤمنين أخبرني عن قوس قزح قال ثكلتك أمك يا ابن الكواء لا تقل قوس قزح فإن قزح اسم الشيطان و لكن قل قوس الله إذا بدت يبدو الخصب و الريف

14-  العلل، عن محمد بن شاذان بن أحمد البرواذي عن محمد بن محمد بن الحرث السمرقندي عن صالح بن سعيد الترمذي عن عبد المنعم بن إدريس عن أبيه عن وهب بن منبه قال أهل الكتابين يقولون لما هبط نوح من السفينة أوحى الله عز و جل إليه يا نوح إنني خلقت خلقي لعبادتي و أمرتهم بطاعتي فقد عصوني و عبدوا غيري و استوجبوا بذلك غضبي فغرقتهم و إني قد جعلت قوسي أمانا لعبادي و   بلادي و موثقا بيني و بين خلقي يأمنون به إلى يوم القيامة من الغرق و من أوفى بعهده مني ففرح نوح ع بذلك و تباشر و كانت القوس فيها سهم و وتر فنزع الله عز و جل السهم و الوتر من القوس و جعلها أمانا لعباده و بلاده من الغرق

 بيان هذه الأخبار تدل على أنه ما دام يظهر القوس في الجو لا تصيبهم الطوفان و الغرق

15-  قصص الراوندي، بإسناده إلى الصدوق عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع أن قوما من بني إسرائيل قالوا لنبي لهم ادع لنا ربك يمطر علينا السماء إذا أردنا فسأل ربه ذلك فوعده أن يفعل فأمطر السماء عليهم كلما أرادوا فزرعوا فنمت زروعهم و حسنت فلما حصدوا لم يجدوا شيئا فقالوا إنما سألنا المطر للمنفعة فأوحى الله تعالى أنهم لم يرضوا بتدبيري لهم أو نحو هذا

16-  المحاسن، عن أبيه عن علي بن الحكم عن الوشاء عن أبان الأحمر عمن ذكره عن أبي عبد الله ع قال لو لا أن الله حبس الريح على أهل الدنيا لأخوت الأرض و لو لا السحاب لخربت الأرض فما أنبتت شيئا و لكن الله يأمر السحاب فيغربل الماء فينزل قطرا و إنه أرسل على قوم نوح بغير حساب

 بيان لأخوت الأرض أي خلت من الناس أو من الخير أو خربت و انهدمت قال الفيروزآبادي خوت الدار تهدمت و خوت و خويت خلت من أهلها و أرض خاوية خالية من أهلها و خوى كرمى تابع عليه الجوع و الزند لم يور كأخوى و النجوم خيا أمحلت فلم تمطر كأخوت و خوت

17-  الخصال، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن اليقطيني عن القاسم   بن يحيى عن جده الحسن عن أبي بصير و محمد بن مسلم عن أبي عبد الله ع قال قال أمير المؤمنين ع ما أنزلت السماء قطرة من ماء منذ حبسه الله عز و جل و لو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها و لأخرجت الأرض نباتها

18-  تفسير الإمام، في قوله تعالى وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً يعني المطر ينزل مع كل قطرة ملكا يضعها في موضعها الذي يأمره به ربه عز و جل

19-  العياشي، عن يونس بن عبد الرحمن أن داود قال كنا عنده فارتعدت السماء فقال سبحان من يُسَبِّحُ له الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَ الْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ فقال له أبو بصير جعلت فداك إن للرعد كلاما فقال يا أبا محمد سل عما يعنيك و دع ما لا يعنيك

 بيان يدل على أن التفكر في حقائق المخلوقات و أمثالها مما لم يؤمر الخلق به بل لا فائدة لهم فيه

20-  العياشي، عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال سألته عن الرعد أي شي‏ء يقول قال إنه بمنزلة الرجل يكون في الإبل فيزجرها هاي هاي كهيئة ذلك قلت فما البرق قال لي تلك مخاريق الملائكة تضرب السحاب فتسوقه إلى الموضع الذي قضى الله فيه المطر

 الفقيه، عن أبي بصير مثله

    -21  قال و روي أن الرعد صوت ملك أكبر من الذباب و أصغر من الزنبور

22-  الكافي، عن محمد بن يحيى عن ابن عيسى عن ابن بزيع عن محمد بن الفضيل عن الكناني عن أبي عبد الله ع قال يموت المؤمن بكل ميتة إلا الصاعقة لا تأخذه و هو يذكر الله عز و جل

23-  و منه، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن بريد قال قال أبو عبد الله ع إن الصاعقة لا تصيب ذاكرا

24-  الكافي، عن علي بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله ع قال كان علي ع يقوم في المطر أول ما يمطر حتى يبتل رأسه و لحيته و ثيابه فقيل له يا أمير المؤمنين الكن الكن فقال إن هذا ماء قريب العهد بالعرش ثم أنشأ يحدث فقال إن تحت العرش بحرا فيه ماء ينبت أرزاق الحيوانات فإذا أراد الله عز ذكره أن ينبت به ما يشاء لهم رحمة منه لهم أوحى الله إليه فمطر ما شاء من سماء إلى سماء حتى يصير إلى سماء الدنيا فيما أظن فيلقيه إلى السحاب و السحاب بمنزلة الغربال ثم يوحي إلى الريح أن اطحنيه و أذيبيه ذوبان الماء ثم انطلقي به إلى موضع كذا و كذا فامطري عليهم فيكون كذا و كذا عبابا و غير ذلك فتقطر عليهم على النحو الذي يأمرها به فليس من قطرة تقطر إلا و معها ملك حتى يضعها موضعها و لم ينزل من السماء قطرة من مطر إلا بعدد معدود و وزن معلوم إلا ما كان من يوم الطوفان على عهد   نوح ع فإنه نزل من ماء منهمر بلا وزن و لا عدد

25-  قال و حدثني أبو عبد الله ع قال قال لي أبي ع قال أمير المؤمنين ع قال رسول الله ص إن الله عز و جل جعل السحاب غرابيل للمطر هي تذيب البرد حتى يصير ماء لكي لا يضر شيئا يصيبه و الذي ترون فيه من البرد و الصواعق نقمة من الله عز و جل يصيب بها من يشاء من عباده ثم قال قال رسول الله ص لا تشيروا إلى المطر و لا إلى الهلال فإن الله يكره ذلك

 العلل، عن أبيه عن عبد الله بن جعفر الحميري عن هارون بن مسلم مثله إلى قوله فإنه نزل منها ماء منهمر بلا عدد و لا وزن

و قد مر في ما تقدم قرب الإسناد، عن هارون مثله إلى آخر الخبر بيان أول ما يمطر أي أول كل ما مطر أو المطر الذي يمطر أول السنة و في العلل أول مطر يمطر و هو يؤيد الثاني و الكن بالنصب على الإغراء أي أطلبه أو أدخله و هو بالكسر ما يستتر به من بناء و نحوه في ما أظن ليس هذا في العلل و قرب الإسناد و على تقديره هو كلام الراوي أي أظن أن الصادق ع ذكر السماء الدنيا ثم يوحي إلى الريح في الكتابين ثم يوحي الله إلى السحاب أن اطحنيه و أذيبيه ذوبان الملح في الماء و هذا ظاهر و آخر الخبر صريحا يدل على أن ما ينزل من السماء برد فإذا أراد أن يصيره مطرا أمر الريح أو السحاب أن يطحنه و يذيبه و الآية أيضا تحتمل ذلك بل هو أظهر فيها إذ الظاهر أن مفعول ينزل هو الودق لكن ذكر البحر في أول الخبر لا يلائم ذلك إلا أن يقال الجبال في ذلك البحر أو يكون مرور ذلك الماء على تلك الجبال فبذلك ينجمد أو يحمل من ذلك البرد فينزل و على ما فتحه المتفلسفون   من أبواب التأويل فالأمر هين. ماء منهمر أي منصب سائل من غير تقاطر أو كثير من غير أن يعلم وزنها و عددها الملائكة لا تشيروا إلى المطر لعل المراد به الإشارة إليهما على سبيل المدح كأن يقول ما أحسن هذا الهلال و ما أجود هذا المطر أو أنه ينبغي عند رؤيتهما الاشتغال بالدعاء لا الإشارة إليهما كما يفعله السفهاء أو لا ينبغي عند رؤيتهما التوجه إليهما عند الدعاء و التوسل بهما كما أن بعض الناس يظنون أن للهلال و أمثاله مدخلا في نظام العالم فيتوسلون به و يتوجهون إليه و هذا أظهر بالنسبة إلى الهلال و يؤيده ما روي في الفقيه

 عن الصادق ع أنه قال إذا رأيت هلال شهر رمضان فلا تشر إليه و لكن استقبل القبلة و ارفع يديك إلى الله عز و جل و خاطب الهلال الخبر

و قيل المراد بالإشارة الإشارة المعنوية و القول بأنهما مؤثران في العالم و قيل هو نهي عن الإشارة إلى كيفية حدوثهما فإن ذلك يضر باعتقاد العامة كما قيل نظيره في قوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ

26-  الكافي، عن محمد بن يحيى عن ابن عيسى عن الحسين بن سعيد عن ابن العرزمي رفعه قال قال أمير المؤمنين ع و سئل عن السحاب أين تكون قال تكون على شجر على كثيب على شاطئ البحر يأوي إليه فإذا أراد الله عز و جل أن يرسله أرسل ريحا فأثارته و وكل به ملائكة يضربونه بالمخاريق و هو البرق فيرتفع ثم قرأ هذه الآية وَ اللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ الآية و الملك اسمه الرعد

 تفسير علي بن إبراهيم، عن أبيه عن العرزمي عن أبيه عن أبي إسحاق   عن الحارث الأعور عنه ع مثله إلى قوله فيرتفع

بيان تكون على شجر يحتمل أن يكون نوع من السحاب كذلك أو يكون كناية عن انبعاثه عن البحر و ما قرب منه و قيل على شجر أي على أنواع منها ما يكون على الكثيب و هو اسم موضع على ساحل البحر اليمن يأتي السحاب إلى مكة منها و في النهاية في حديث علي ع البرق مخاريق الملائكة هي جمع مخراق و هو في الأصل ثوب يلف و يضرب به الصبيان بعضهم بعضا أراد أنها آلة تزجر بها الملائكة السحاب و تسوقه و يفسره حديث ابن عباس البرق سوط من نور تزجر بها الملائكة السحاب

27-  نوادر الراوندي، بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه ع قال قال علي ع المطر الذي منه أرزاق الحيوان من بحر تحت العرش فمن ثم كان رسول الله ص يستمطر أول مطر و يقوم حتى يبتل رأسه و لحيته ثم يقول إن هذا ماء قريب عهد بالعرش و إذا أراد الله تعالى أن يمطر أنزله من ذلك إلى سماء بعد سماء حتى يقع على الأرض و يقال المزن ذلك البحر و تهب ريح من تحت ساق عرش الله تعالى تلقح السحاب ثم ينزل من المزن الماء و مع كل قطرة ملك حتى تقع على الأرض في موضعها

28-  مجالس الشيخ، عن الحسين بن عبيد الله الغضائري عن التلعكبري عن محمد بن همام عن عبد الله الحميري عن الطيالسي عن زريق الخلقاني عن أبي عبد الله ع قال ما برقت قط في ظلمة ليل و لا ضوء نهار إلا و هي ماطرة

 الكافي، عن علي بن إبراهيم عن صالح بن السندي عن جعفر بن بشير عن زريق عن أبي العباس عنه ع مثله بيان قال الفيروزآبادي برقت السماء بروقا لمعت أو جاءت ببرق و   البرق بدا و الرجل تهدد و توعد كأبرق انتهى و الحاصل أن البرق يلزمه المطر و إن لم يمطر في كل موضع يلوح فيه البرق

29-  دعوات الراوندي، كان أمير المؤمنين ع إذا أصابه المطر مسح به صلعته و قال بركة من السماء لم يصبها يد و لا سقاء

30-  كتاب الغارات، لإبراهيم الثقفي بإسناده قال سأل ابن الكواء أمير المؤمنين ع عن قوله تعالى وَ الذَّارِياتِ ذَرْواً قال الرياح ويلك قال فما الحاملات وقرا قال السحاب ويلك قال فما الجاريات يسرا قال السفن ويلك قال فما المقسمات أمرا قال الملائكة ويلك قال فما قوس قزح قال ويلك لا تقل قوس قزح فإن قزحا الشيطان و لكنها القوس و أمان أهل الأرض فلا غرق بعد قوم نوح

31-  كتاب جعفر بن محمد بن شريح، عن عبد الله بن طلحة عن أبي عبد الله ع قال إن الصاعقة لا تصيب ذاكرا لله تعالى

32-  تفسير علي بن إبراهيم، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ فهي الأنهار و العيون و الآبار

 و قال علي بن إبراهيم في قوله أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً أي يثيره من الأرض ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ فإذا غلظ بعث الله رياحا فتعصره فينزل منه الماء و هو قوله فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ أي المطر

33-  الكافي، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل عن محمد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله ع قال يموت المؤمن بكل ميتة إلا الصاعقة لا تأخذه و هو يذكر الله

34-  و منه، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن   أذينة عن بريد العجلي قال قال أبو عبد الله ع إن الصواعق لا تصيب ذاكرا قلت و ما الذاكر قال من قرأ مائة آية

35-  و منه، عن حميد بن زياد عن الحسن بن محمد بن سماعة عن وهب بن حفص عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله ع عن ميتة المؤمن قال يموت المؤمن بكل ميتة يموت غرقا و يموت بالهدم و يبتلى بالسبع و يموت بالصاعقة و لا تصيب ذاكرا لله عز و جل

36-  توحيد المفضل، قال قال الصادق ع فكر يا مفضل في الصحو و المطر كيف يعتقبان على هذا العالم لما فيه صلاحه و لو دام واحد منهما عليه كان في ذلك فساده أ لا ترى أن الأمطار إذا توالت عفنت البقول و الخضر و استرخت أبدان الحيوان و خصر الهواء فأحدث ضروبا من الأمراض و فسدت الطرق و المسالك و إن الصحو إذا دام جفت الأرض و احترق النبات و غيض ماء العيون و الأودية فأضر ذلك بالناس و غلب اليبس على الهواء فأحدث ضروبا أخرى من الأمراض فإذا تعاقبا على العالم هذا التعاقب اعتدل الهواء و دفع كل واحد منهما عادية الأخرى فصلحت الأشياء و استقامت فإن قال قائل و لم لا يكون في شي‏ء من ذلك مضرة البتة قيل له ليمض ذلك الإنسان و يؤلمه بعض الألم فيرعوي عن المعاصي فكما أن الإنسان إذا سقم بدنه احتاج إلى الأدوية المرة البشعة ليقوم طباعه و يصلح ما فسد منه كذلك إذا طغى و أشر احتاج إلى ما يعضه و يؤلمه ليرعوي و يقصر عن مساويه و يتنبه على ما فيه حظه و رشده و لو أن ملكا من الملوك قسم في أهل مملكته قناطير من ذهب و فضة أ لم يكن سيعظم عندهم و يذهب له به الصوت فأين هذا من مطرة رواء إذ يعمر به البلاد   و يزيد في الغلات أكثر من قناطير الذهب و الفضة في أقاليم الأرض كلها أ فلا ترى المطرة الواحدة ما أكبر قدرها و أعظم النعمة على الناس فيها و هم عنها ساهون و ربما عاقت عن أحدهم حاجة لا قدر لها فيذمر و يسخط إيثارا للخسيس قدرة على العظيم نفعه جهلا بمحمود العاقبة و قلة معرفة لعظيم الغناء و المنفعة فيها تأمل نزوله على الأرض و تدبر في ذلك فإنه جعل ينحدر عليها من علو ليغشى ما غلظ و ارتفع منها فيرويه و لو كان إنما يأتيها من بعض نواحيها لما علا الموضع المشرفة منها و لقل ما يزرع في الأرض أ لا ترى أن الذي يزرع سيحا أقل من ذلك فالأمطار هي التي تطبق الأرض و ربما تزرع هذه البراري الواسعة و سفوح الجبال و ذراها فتغل الغلة الكثيرة و بها يسقط عن الناس في كثير من البلدان مئونة سياق الماء من موضع إلى موضع و ما يجري في ذلك بينهم من التشاجر و التظالم حتى يستأثر بالماء ذو العزة و القوة و يحرمه الضعفاء ثم إنه حين قدر أن ينحدر على الأرض انحدارا جعل ذلك قطرا شبيها بالرش ليغور في قعر الأرض فيرويها و لو كان يسكبه انسكابا كان ينزل على وجه الأرض فلا يغور فيها ثم كان يحطم الزرع القائمة إذا اندفق عليها فصار ينزل نزولا رقيقا فينبت الحب و المزروع و يحيي الأرض و الزرع القائم و في نزوله أيضا مصالح أخرى فإنه يلين الأبدان و يجلو كدر الهواء فيرتفع الوباء الحادث من ذلك و يغسل ما يسقط على الشجر و الزرع من الداء المسمى اليرقان إلى أشباه هذا من المنافع فإن قال قائل أ و ليس قد يكون منه في بعض السنين الضرر العظيم الكثير لشدة ما يقع منه أو برد يكون فيه تحطم الغلات و بخوره يحدثها في الهواء فيتولد كثير من الأمراض في الأبدان و الآفات في الغلات قيل بلى قد يكون ذلك الفرط لما فيه من صلاح الإنسان و كفه عن ركوب المعاصي و التمادي فيها فيكون المنفعة فيها يصلح له من دينه أرجح مما عصى أن يرزأ في ماله

 بيان يعتقبان أي يأتي كل منهما عقيب صاحبه و خصر الهواء   بكسر الصاد المهملة يقال خصر يومنا أي اشتد برده و ماء خاصر بارد و في أكثر النسخ بالحاء المهملة و السين من حسر أي كل و هو لا يستقيم إلا بتكلف و تجوز و في بعضها بالخاء المعجمة و الثاء المثلثة من قولهم خثر إذا غلظ و البشع الكريه المطعم الذي يأخذ بالحلق و القنطار معيار و يروى أنه ألف و مائتا أوقية و يقال هو مائة و عشرون رطلا و يقال هو مل‏ء مسك الثور ذهبا قوله ع و يذهب له به الصوت أي يملأ صيت كرمه و جوده الآفاق و الذمر الملامة و التهدد و الحطم الكسر و الاندفاق الانصباب و اليرقان آفة للزرع و قوله مما عسى أن يرزأ من الرزء المصيبة

37-  الدر المنثور، عن ابن عباس قال السحاب الأسود فيه المطر و الأبيض فيه الندى و هو الذي ينضج الثمار

38-  و عن ابن عباس قال ما من عام بأقل مطرا من عام و لكن الله يصرفه حيث يشاء ثم قرأ هذه الآية وَ لَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا الآية

39-  و عن عمر مولى عفرة قال سأل النبي ص جبرئيل فقال إني أحب أن أعلم أمر السحاب فقال جبرئيل هذا ملك السحاب فاسأله فقال تأتينا صكاك مختمة اسق بلاد كذا و كذا كذا و كذا قطرة

40-  و عن ابن عباس قال إذا رمي الشهاب لم يخط من رمي به و تلا فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ

41-  و في رواية أخرى عنه قال لا يقتلون بالشهاب و لا يموتون و لكنها تخرق و تخرج من غير قتل

42-  و عن ابن عباس قال ما أرسل الله شيئا من ريح أو ماء إلا بمكيال   إلا يوم نوح و يوم عاد فأما يوم نوح فإن الماء طغى على خزانه فلم يكن لهم عليه سبيل ثم قرأ إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ و أما يوم عاد فإن الريح عتت على خزانها فلم يكن لهم عليها سبيل ثم قرأ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ

 و عن علي ع مثله إلا أنه قال لم تنزل قطرة من ماء إلا بمكيال على يد ملك

43-  و عن الزهري عن علي بن الحسين ع عن ابن عباس قال كان رسول الله ص جالسا في نفر من أصحابه فرمى بنجم فاستنار قال ما كنتم تقولون إذا كان هذا في الجاهلية قالوا كنا نقول يولد عظيم أو يموت عظيم قال فإنها لا يرمى بها لموت أحد و لا لحياته و لكن ربنا إذا قضى أمرا سبح حملة العرش ثم يسبح أهل السماء الذين يلون حملة العرش فيقول الذين يلون حملة العرش لحملة العرش ما ذا قال ربكم فيخبر أهل كل سماء سماء حتى ينتهي الخبر إلى أهل هذه السماء و تخطف الجن السمع فيرمون فما جاءوا به على وجهه فهو حق و لكنهم يحرفونه و يزيدون فيه قال معمر قلت للزهري أ كان يرمى بها في الجاهلية قال نعم قال أ رأيت أَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً قال غلظت و شدد أمرها حين بعث رسول الله ص

تتميم

 اعلم أن الفلاسفة أثبتوا عناصر أربعة النار و الهواء و الماء و الأرض و قالوا النار حار يابس و الهواء حار رطب و الماء بارد رطب و الأرض بارد يابس و كرة النار عندهم ملاصقة لكرة فلك القمر متحركة بحركتها بالتبع و   لها كرة واحدة و تحتها الهواء و له أربع طبقات الأولى ما يمتزج منه مع النار و هي التي تتلاشى فيها الأدخنة المرتفعة من السفل و تتكون فيها الكواكب ذوات الأذناب و ما يشبهها من النيازك و الأعمدة و غيرها الثانية الهواء الصرفة أو القريب من الصرافة و تضمحل فيها الأدخنة اللطيفة و يحصل منها الشهب الثالثة الهواء الباردة بما يخالطه من الأبخرة الباقي على برودته لعدم وصول أثر الشعاع المنعكس من وجه الأرض إليه الرابعة الهواء الكثيف المجاور للأرض و الماء الغير الباقي على صرافة برودته المكتسبة لمكان الأشعة المنعكسة. ثم كرة الماء و هي غير تامة محيطة بثلاثة أرباع الأرض تقريبا ثم الأرض و هي كرة مصمتة و قد أحاط بقريب من ثلاثة أرباعها الماء فالماء على هيئة كرة مجوفة غير تامة قد قطع بعض جوانبها و ملئت من الأرض فالآن مجموع الماء و الأرض بمنزلة كرة واحدة تامة الهيئة و للماء طبقة واحدة هي البحر المحيط بالأرض و لم يبق على صرافته لنفوذ آثار الأشعة فيه و مخالطته بالأجزاء الأرضية و ليس له ما يميز بين أبعاضه بحيث تختلف في الأحكام اختلافا يعتد به و الأرض ساكنة في الوسط بحيث ينطبق مركز حجمها على مركز العالم هذا هو المشهور بينهم و زعم بعض الأوائل منهم أن الأرض متحركة حركة وضعية دورية من المغرب إلى المشرق و أن شروق الكواكب و غروبها بسبب ذلك لا بسبب حركة الفلك و هذا قول ضعيف متروك عندهم. و للأرض ثلاث طبقات الأولى الأرض الصرفة المحيطة بالمركز الثانية الطبقة الطينية و هي المجاورة للماء الثالثة الطبقة المنكشفة من الماء و هي التي تحتبس فيها الأبخرة و الأدخنة و تتولد فيها المعادن و النباتات و الحيوانات و تنقسم إلى البراري و الجبال و هي المعروفة بالربع المسكون المنقسم إلى الأقاليم السبعة و أما السبب في انكشافها فقد قيل هو انجذاب الماء إلى ناحية الجنوب لغلبة الحرارة فيها بسبب قرب الشمس لكون حضيض الشمس في البروج الجنوبية و كونها في القرب أشد شعاعا من كونها في البعد و كون الحرارة اللازمة من الشعاع   الأشد أقوى لا محالة و شأن الحرارة جذب الرطوبات و على هذا يمكن أن تنتقل العمارة من الشمال إلى الجنوب ثم من الجنوب إلى الشمال و هكذا بسبب انتقال الأوج من أحدهما إلى الآخر و تكون العمارة دائما إلى حيث أوج الشمس لئلا يجتمع في الصيف قرب الشمس من سمت الرأس و قربها من الأرض فتبلغ الحرارة إلى حد النكاية و الإحراق و لا البعدان في الشتاء فيبلغ البرد إلى حد النكاية و التفجيع و قيل سببه كثرة الوهاد و الأغوار في ناحية الشمال باتفاق من الأسباب الخارجة فتنحدر المياه إليها بالطبع و تبقى المواضع المرتفعة مكشوفة و قيل ليس له سبب معلوم غير العناية الإلهية ليصير مستقرا للإنسان و غيره من الحيوانات و مادة لما يحتاج إليه من المعادن و النباتات. ثم إنهم يقولون بأن كلا من تلك العناصر الأربعة قابل للكون و الفساد أي ينقلب بعضها إلى بعض بلا توسط أو بتوسط واحد أو أكثر كالماء ينقلب حجر المرمر فإنه يحصل من مياه صافية جارية مشروبة تجتمع في وهاد تتحجر حجرا قريب الحجم من حجمها في زمان قليل كما ينقل من بعض محال مراغة من بلاد آذربايجان و قيل الحق أن ذلك إنما هو بخاصية في بعض المواضع من الأرض خلق الله فيها قوة معدنية شديدة التأثير في التحجير إذا صادفتها المياه تحجرت و ربما كانت في باطن الأرض فظهرت بالزلازل و من هذا القبيل ما نقل من انقلاب بعض الناس حجرا و قد شوهدت في بعض البلاد أشباح حجرية على هيئة أشخاص إنسية من رجال و نساء و ولدان لا يعوزها من التشكيل و التخطيط شي‏ء و أشخاص بهيمية و سائر أمور تتعلق بالإنسان على حالات مخصوصة و أوضاع يغلب على الظن أنها كانت قوالب إنسية و ما يتعلق بها فلا يبعد ظهور مثل هذه القوة على قوم غضب الله عليهم انتهى. و قالوا الحجر ينحل بالحيل الإكسيرية ماء سيالا و الهواء ينقلب ماء كما يشاهد في قلل الجبال و غيرها أن الهواء بسبب البرد يغلظ و يصير سحابا متقاطرا و كما يشاهد من ركوب القطرات على الطاس المكبوب على الجمد و الماء ينقلب

    هواء بالحر الحاصل من تسخين الشمس أو النار كما يشاهد من البخار الصاعد من الماء المسخن فإن البخار أجزاء هوائية متكونة من الماء مستصحبة لأجزاء مائية لطيفة مختلطة بها و الهواء ينقلب نارا كما في كور الحدادين إذا ألح النفخ عليها و سد الطرق التي يدخل منها الهواء الجديد يحدث فيه نار من انقلاب الهواء إليها و من هذا القبيل الهواء الحار الذي منه السموم المحرقة و النار أيضا تنقلب هواء كما يشاهد في شعلة المصباح فإنها لو بقيت على النارية لتحركت إلى مكانها الطبيعي على خط مستقيم فاحترقت ما حاذاها و ليس كذلك. ثم إنهم قالوا إذا تصغرت تلك العناصر و امتزجت و تماست و فعل بعضها في بعض بقواها المتضادة تحصل منها كيفية متوسطة هي المزاج و التركيب قد يكون تاما يحصل به مزاج و يستعد بذلك لإفاضة صورة نوعية تحفظ التركيب زمانا طويلا و قد يكون ناقصا لا يبقى مدة مديدة بل تنحل بأدنى سبب مثل كائنات الجو. قال صاحب المقاصد المركبات التي لا مزاج لها ثلاثة أنواع لأن حدوثه إما فوق الأرض أعني في الهواء و إما على وجه الأرض و إما في الأرض فالنوع الأول منه ما يتكون من البخار و منه ما يتكون من الدخان و كلاهما بالحرارة فإنها تحلل من الرطب أجزاء هوائية و مائية و هي البخار و من اليابس أجزاء أرضية تخالطها أجزاء نارية و قلما يخلو عن هوائية و هي الدخان فالبخار المتصاعد قد يلطف بتحليل الحرارة أجزاؤه المائية فيصير هواء و قد يبلغ الطبقة الزمهريرية فيتكاثف فيجتمع سحابا و يتقاطر قطرا إن لم يكن البرد شديدا و إن أصابه برد شديد يجمد السحاب قبل تشكله بشكل القطرات نزل ثلجا أو بعد تشكله بذلك نزل بردا صغيرا مستديرا إن كان من سحاب بعيد لذوبان الزوايا بالحركة و الاصطكاك و إلا فكبيرا غير مستدير في الغالب و إنما يكون البرد في هواء ربيعي أو خريفي لفرط التحليل في الصيفي و الجمود في الشتوي و قد لا يبلغ البخار المتصاعد الطبقة الزمهريرية فإن كثر صار ضبابا و إن قل و تكاثف ببرد   الليل فإن انجمد نزل صقيعا و إلا فطلا فنسبة الصقيع إلى الطل نسبة الثلج إلى المطر و قد يكون السحاب الماطر من بخار كثير تكاثف بالبرد من غير أن يتصعد إلى الزمهريرية لمانع مثل هبوب الرياح المانعة للأبخرة من التصاعد أو الضاغطة إياها إلى الاجتماع بسبب وقوف جبال قدام الريح و ثقل الجزء المتقدم و بطء حركته. و قد يكون مع البخار المتصاعد دخان فإذا ارتفعا معا إلى الهواء البارد و قد انعقد البخار سحابا و احتبس الدخان فيه فإن بقي الدخان على حرارته قصد الصعود و إن برد قصد النزول و كيف كان فإنه يمزق السحاب تمزيقا عنيفا فيحدث من تمزيقه و مصاكته صوت هو الرعد و نارية لطيفة هي البرق أو كثيفة هي الصاعقة. و قد يشتعل الدخان الغليظ بالوصول إلى كرة النار كما يشاهد عند وصول دخان سراج منطفئ إلى سراج مشتعل فيرى فيه الاشتعال فيرى كأنه كوكب انقض و هو الشهاب و قد يكون لغلظه لا يشتعل بل يحترق و يدوم فيه الاحتراق فيبقى على هيئة ذؤابة أو ذنب أو حية أو حيوان له قرون و ربما يقف تحت كوكب و يدور مع النار بدوران الفلك إياها و ربما تظهر فيه علامات هائلة حمر و سود بحسب زيادة غلظ الدخان و إذا لم ينقطع اتصال الدخان من الأرض و نزل اشتعاله إلى الأرض يرى كان تنينا ينزل من السماء إلى الأرض و هو الحريق انتهى. و قال في المواقف و أما الدخان فربما يخالط السحاب فيحرقه إما في صعوده بالطبع أو عند هبوطه للتكاثف بالبرد فيحدث من خرقه له و مصاكته إياه صوت هو الرعد و قد يشتعل بقوة التسخين الحاصل من الحركة و المصاكة فلطيفه ينطفئ سريعا و هو البرق و كثيفه لا ينطفئ حتى يصل إلى الأرض و هي الصاعقة. و قال شارحه و إذا وصل إليها فربما صار لطيفا ينفذ في المتخلخل و لا يحرقه و يذيب الأجسام المندمجة فيذيب الذهب و الفضة في الصرة مثلا و لا يحرقها إلا

    ما احترق من الذوب و قد أخبرنا أهل التواتر بأن الصاعقة وقعت بشيراز على قبة الشيخ الكبير أبي عبد الله بن حفيف فأذاب قنديلا فيها و لم يحرق شيئا منها و ربما كان كثيفا غليظا جدا فيحرق كل شي‏ء أصابه و كثيرا ما تقع على الجبل فتدكه دكا و يحكى أن صبيا كان في صحراء فأصاب ساقيه صاعقة فسقط رجلاه و لم يخرج منه دم لحصول الكي بحرارتها و قال الرازي في المباحث المشرقية إذا ارتفع بخار دخاني لزج دهني و تصاعد حتى وصل إلى حيز النار من غير أن ينقطع اتصاله عن الأرض اشتعلت النار فيه نازلة فيرى كأن تنينا ينزل من السماء إلى الأرض فإذا وصلت إلى الأرض احترقت تلك المادة بالكلية و ما يقرب منها و سبيل ذلك سبيل السراج المنطفئ إذا وضع تحت السراج المشتعل فاتصل الدخان من الأول إلى الثاني فانحدر اللهب إلى فتيلته. و قال في شرح المواقف في سبب الهالة و القوس قد تحدث في الجو أجزاء رطبة رشية صقيلة كدائرة تحيط تلك الأجزاء بغيم رقيق لطيف لا تحجب ما وراءه عن الإبصار فينعكس منها أي من تلك الأجزاء الواقعة على ذلك الوضع ضوء البصر لصقالتها إلى القمر فيرى في تلك الأجزاء ضوؤه دون شكله فإن الصقيل الذي ينعكس منه شعاع البصر إذا صغر جدا بحيث لا ينقسم في الحس أدى الضوء و اللون دون الشكل و التخطيط كما في المرآة الصغيرة و تلك الأجزاء الرشية مرايا صغار متراصة على هيئة الدائرة فيرى جميع تلك الدائرة كأنها منورة بنور ضعيف و تسمى الهالة و إنا لا نرى الجزء الأول الذي يقابل القمر من ذلك الغيم لأن قوة الشعاع تخفي حجم السحاب الذي لا يستره فلا يرى فيه خيال القمر كيف و الشي‏ء إنما يرى على الاستقامة نفسه لا شبحه بخلاف أجزائه التي لا تقابله فإنها تؤدي خيال ضوئه كما عرفت قيل و أكثر ما تتولد الهالة عند عدم الريح فإن تمزقت من جميع الجهات دلت على الصحو و إن ثخن   السحاب حتى بطلت دلت على المطر لأن الأجزاء المائية قد كثرت و إن انخرقت من جهة دلت علي ريح تأتي من تلك الجهة و إن اتفق أن توجد سحابتان على الصفة المذكورة إحداهما تحت الأخرى حدثت هناك هالة تحت هالة و تكون التحتانية أعظم لأنها أقرب إلينا و زعم بعضهم أنه رأى سبع هالات معا. و اعلم أن هالة الشمس و تسمى الطفاوة نادرة جدا لأن الشمس تحلل السحب الرقيقة و مع ذلك فقد زعم ابن سينا أنه رأى حول الشمس هالة تامة في ألوان قوس قزح و رأى بعد ذلك هالة فيها قوسية قليلة و إنما تنفرج هالة الشمس إذا كثف السحاب و أظلم و حكي أيضا أنه رأى حول القمر هالة قوسية اللون لأن السحاب كان غليظا فشوش في أداء الضوء و عرض ما يعرض للقوس و قد يحدث مثل ذلك الذي ذكرناه من الأجزاء الرشية الصقيلة على هيئة الاستدارة في جهة خلاف الشمس و هي قوس قزح. و تفصيله أنه إذا وجد في خلاف جهة الشمس أجزاء رشية لطيفة صافية على تلك الهيئة و كان وراءها جسم كثيف إما جبل أو سحاب كدر و كانت الشمس قريبة من الأفق فإذا أدبر على الشمس و نظر إلى تلك الأجزاء انعكس شعاع البصر عنها إلى الشمس و لما كانت صغيرة جدا لم يؤد الشكل بل اللون الذي يكون مركبا من ضوء الشمس في لون المرآة و تختلف ألوانها بحسب اختلاف أجزاء السحاب في ألوانها و بحسب ألوان ما وراءها من الجبال و ألوان ما ينعكس منها الضوء من الأجرام الكثيفة. و في المباحث المشرقية زعم بعضهم أن السبب في حدوث أمثال هذه الحوادث اتصالات فلكية و قوى روحانية اقتضت وجودها و حينئذ لا تكون من قبيل الخيالات و هو أن يرى صورة شي‏ء مع صورة شي‏ء آخر مظهر له كالمرآة فيظن أن الصورة الأولى حاصلة في الشي‏ء الثاني و لا يكون فيه بحسب نفس الأمر. قال الإمام هذا الذي ذكره لا ينافي ما ذكرناه فإن الصحة و المرض قد يستندان إلى أسباب عنصرية تارة و إلى اتصالات فلكية و تأثيرات نفسانية

    أخرى لكن هذا الوجه يؤيده أن أصحاب التجارب شهدوا بأن أمثال هذه الحوادث في الجو تدل على حدوث حوادث في الأرض فلو لا أنها موجودات مستندة إلى تلك الاتصالات و الأوضاع لم يستمر هذا الاستدلال انتهى. و قال بعضهم إن الله سبحانه إذا أراد أن يلطف بقوم أو يغضب عليهم بإحداث حدث في الأرض و تكوين كائن من إمطار مطر أو إرسال ريح و ما أشبههما أمر الملائكة السماوية خصوصا الملكين الموكلين بالشمس أن يفعلوا في الأرض بتوسط الملائكة الموكلين بها أفاعيل الملائكة أن يحركوا شيئا منها و يخلطوه حتى يحصل من اختلاطه ما يشاء فإن كل ما يتكون في الجو و الأرض إنما يحدث من اختلاط العناصر و الأرضيات فأول ما يحدث من ذلك قبل أن يمتزج امتزاجا تاما يحصل بسبب الكيفية الوحدانية المسماة بالمزاج هو البخار و الدخان و ذلك لأن الملائكة إذا هيجوا بإسخان السماويات الحرارة بخروا من الأجسام المائية و دخنوا من الأجسام الأرضية و أثاروا أجزاء إما هوائية و مائية مختلطين و هو البخار و إما نارية و أرضية كذلك و هو الدخان ثم حصل بتوسطهما موجودات شتى غير تامة المزاج من الغيم و المطر و الثلج و البرد و الضباب و الطل و الصقيع و الرعد و البرق و الصاعقة و القوس و الهالات و الشهب و الرياح و الزلازل و انفجارات العيون و القنوات و الآبار و النزوز كل ذلك بإذن الله سبحانه و توسط ملائكته كما قال سبحانه إشارة إلى بعض ذلك أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً الآية و التأمل في بناء الحمام و عوارضه نعم العون على إدراك ماهية الجو و كثير من حوادثه بل التدبر في ما يرتفع من أرض معدة الإنسان إلى زمهرير دماغه ثم ينزل منه في ثقب وجهه يعين على ذلك كسائر الأمور الأنفسية على الأحكام الآفاقية انتهى. و قال بعض المحققين في تحقيق ألوان القوس توضيح المقام يستدعي مقدمتين الأولى أن سائر الألوان المتوسطة بين الأسود و الأبيض إنما تحدث عن اختلاط هذين اللونين و بالجملة الأبيض إذا رئي بتوسط الأسود أو بمخالطة   الأسود حدثت عن ذلك الألوان الأخر فإن كان النير هو الغالب رئي الأحمر و إن لم يكن غالبا رئي الكراثي و الأرجواني و غلبته في الكراثي أكثر و في الأرجواني أقل الثانية أن اللون الأسود هو بمنزلة عدم الإبصار لأنا إذا لم نر الشمس و المضي‏ء ظننا أنا نرى شيئا أسود فالمكان من الغمام الذي يكون الأبيض فيه غالبا على الأسود نراه أحمر و المكان الذي يكون فيه الأسود غالبا نراه أرجوانيا و المكان الذي فيه الأسود بين الغالب و المغلوب نراه كراثيا. فإذا تمهد هذا فنقول إذا رأى البصر النير بتوسط الغمام على تلك الشرائط رأى القوس على الأكثر ذات ألوان ثلاثة الأول منها و هو الدور الخارج الذي يلي السماء أحمر لقلة سواده و كثرة بياضه و الثاني و هو الذي دونه كراثي لتوسطه بين الأول و الثالث في قلة السواد و كثرته و قلة البياض و كثرته و الدور الثالث مما يلي الأرض أرجواني لكثرة سواده و قلة بياضه فأما الدور الأصفر الذي قد يرى أحيانا بين الدور الأحمر و الكراثي فإنه ليس يحدث بنحو الانعكاس فإنما يرى بمجاورة الأحمر اللون الكراثي و العلة في ذلك أن الأبيض إذا وقع على جنب الأسود رئي أكثر بياضا و لما كان الدور الأحمر فيه بياضا و الكراثي مائلا إلى السواد رئي طرف الأحمر لقربه من الكراثي أكثر بياضا من الأحمر و ما هو أكثر بياضا من الأحمر هو الأصفر فلهذا يرى طرف الدور الأحمر القريب من الكراثي أصفر و قد يظهر أحيانا قوسان معا كل واحدة منهما ذات ثلاثة ألوان على النحو الذي ذكرناه في الواحدة لكن وضع ألوان القوس الخارجة بالعكس من الداخلة يعني دورها الخارج الذي يلي السماء أرجواني و الذي يليه كراثي و الذي يتلو هذا أحمر و لا يبعد أن يكون أحد القوسين عكسا للآخر انتهى. و أقول هذا ما ذكره القوم في هذا المقام و كلها مخالفة لما ورد في لسان الشريعة و لم يكلف الإنسان الخوض فيها و التفكر في حقائقها و لو كان مما ينفع المكلف لم يهمل صاحب الشرع بيانها و قد ورد في كثير من الأخبار النهي عن

    تكلف ما لم يؤمر المرء بعلمه قال صاحب المواقف و شارحه بعد إيراد هذه المباحث ما ذكرناه كله آراء الفلاسفة حيث نفوا القادر المختار فأحالوا اختلاف الأجسام بالصور إلى استعداد في موادها و أحالوا اختلاف آثارها إلى صورها المتباينة و أمزجتها المتخالفة و كل ذلك إلى حركات الأفلاك و أوضاعها و أما المتكلمون فقالوا الأجسام متجانسة بالذات لتركبها من الجواهر الفردة و أنها متماثلة لا اختلاف فيها و إنما يعرض الاختلاف للأجسام لا في ذواتها بل بما يحصل فيها من الأعراض بفعل القادر المختار انتهى. ثم اعلم أن ما يشاهد من انعقاد السحب في قلل الجبال و تقاطرها مع أن الواقف على قلة الجبل لا يرى سحابا و لا مطرا و لا ماء و الذين تحت السحاب ينزل عليهم المطر لا ينافي الظواهر الدالة على أن المطر من السماء بوجهين أولهما أنه يمكن أن ينزل عليهم المطر من السماء إلى السحاب رشحا ضعيفا لا يحس به أو قبل انعقاد السحاب على الموضع الذي يرتفع منه و ثانيهما أن نقول بحصول الوجهين معا و انقسام المطر إلى القسمين فمنه ما ينزل من السماء و منه ما يرتفع من بخار البحار و الأراضي الندية و يؤيده ما رواه

 شيخنا البهائي قدس الله روحه في كتاب مفتاح الفلاح حيث قال نقل الخاص و العام أن المأمون ركب يوما للصيد فمر ببعض أزقة بغداد على جماعة من الأطفال فخافوا و هربوا و تفرقوا و بقي واحد منهم في مكانه فتقدم إليه المأمون و قال له كيف لم تهرب كما هرب أصحابك فقال لأن الطريق ليس ضيقا فيتسع بذهابي و لا بي عندك ذنب فأخافك لأجله فلأي شي‏ء أهرب فأعجب كلامه المأمون فلما خرج إلى خارج بغداد أرسل صقره فارتفع في الهواء و لم يسقط على وجه الأرض حتى رجع و في منقاره سمكة صغيرة فتعجب المأمون من ذلك فلما رجع تفرق الأطفال و هربوا إلا ذلك الطفل فإنه بقي في مكانه كما في المرة الأولى فتقدم إليه المأمون و هو ضام كفه على السمكة و قال له قل أي شي‏ء في يدي فقال إن الغيم حين أخذ من ماء البحر تداخله سمك صغار فتسقط منه فيصطادها الملوك   فيمتحنون بها سلالة النبوة فأدهش ذلك المأمون فقال له من أنت قال أنا محمد بن علي الرضا و كان ذلك بعد واقعة الرضا ع و كان عمره ع في ذلك الوقت إحدى عشرة و قيل عشر سنة فنزل المأمون عن فرسه و قبل رأسه و تذلل له ثم زوجه ابنته

أقول و قد مر في أبواب تاريخه ع و سئل السيد المرتضى الرعد و البرق و الغيم ما هو و قوله تعالى وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ و هل هناك برد أم لا فأجاب قدس سره أن الغيم جسم كثيف و هو مشاهد لا شك فيه و أما الرعد و البرق فقد روي أنهما ملكان و الذي نقوله هو أن الرعد صوت من اصطكاك أجرام السحاب و البرق أيضا من تصادمهما و قوله من جبال إلى آخره لا شبهة فيه أنه كلام الله و أنه لا يمتنع أن تكون جبال البرد مخلوقة في حال ما ينزل البرد