باب 3- إراءته عليه السلام ملكوت السماوات و الأرض و سؤاله إحياء الموتى و الكلمات التي سأل ربه و ما أوحى إليه و صدر عنه من الحكم

  الآيات البقرة وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ و قال تعالى وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ النجم أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى وَ إِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى الأعلى 18-  إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى تفسير قال الطبرسي رحمه الله وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ أي اختبره و كلفه بِكَلِماتٍ فيه خلاف

 روي عن الصادق ع أنه ما ابتلاه الله به في نومه من ذبح ولده إسماعيل أبي العرب فأتمها إبراهيم و عزم عليها و سلم لأمر الله تعالى فلما عزم قال الله تعالى ثوابا له لما صدق و عمل بما أمره الله إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ثم أنزل الله عليه الحنيفية و هي الطهارة و هي عشرة أشياء خمسة منها في الرأس و خمسة منها في البدن فأما التي في الرأس فأخذ الشارب و إعفاء اللحى و طم الشعر و السواك و الخلال و أما التي في البدن فحلق الشعر من البدن و الختان و تقليم الأظفار و الغسل من الجنابة و الطهور بالماء فهذه الحنيفية الطاهرة التي جاء بها إبراهيم ع فلم تنسخ و لا تنسخ إلى يوم القيامة و هو قوله وَ اتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً ذكره علي بن إبراهيم في تفسيره

و قال قتادة و ابن عباس إنها عشرة خصال كانت فرضا في شرعه سنة في شرعنا المضمضة  و الاستنشاق و فرق الرأس و قص الشارب و السواك في الرأس و الختان و حلق العانة و نتف الإبط و تقليم الأظفار و الاستنجاء بالماء في البدن. و في رواية أخرى عن ابن عباس أنه ابتلاه بثلاثين خصلة من شرائع الإسلام و لم يبتل أحدا فأقامها كلها إلا إبراهيم أتمهن و كتب له البراءة فقال وَ إِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى و هي عشر في سورة براءة التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ إلى آخرها و عشر في سورة الأحزاب إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِماتِ إلى آخرها و عشر في سورة المؤمنين قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ إلى قوله أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ و روي عشر في سورة سأل سائل إلى قوله وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ فجعلها أربعين و في رواية ثالثة عن ابن عباس أنه أمره بمناسك الحج و قال الحسن ابتلاه الله بالكوكب و القمر و الشمس و الختان و بذبح ابنه بالنار و بالهجرة فكلهن وفى لله بهن و قال مجاهد ابتلاه الله بالآيات التي بعدها و هي قوله إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً إلى آخر القصة و قال الجبائي أراد بذلك كل ما كلفه من الطاعات العقلية و الشرعية و الآية محتملة لجميع هذه الأقاويل و كان سعيد بن المسيب يقول كان إبراهيم أول الناس أضاف الضيف و أول الناس اختتن و أول الناس قص شاربه و استحذى و أول الناس رأى الشيب فلما رآه قال يا رب ما هذا قال هذا الوقار قال يا رب فزدني وقارا

 و هذا أيضا قد رواه السكوني عن أبي عبد الله ع و لم يذكر و أول من قص شاربه و استحذى و زاد فيه و أول من قاتل في سبيل الله إبراهيم و أول من أخرج الخمس إبراهيم و أول من اتخذ النعلين إبراهيم و أول من اتخذ الرايات إبراهيم

أقول ثم روى رحمه الله من كتاب النبوة للصدوق رحمه الله نحوا مما سيأتي من  رواية مفضل مستخرجا من ل، ]الخصال[ و مع، ]معاني الأخبار[ مع ما أضاف إليه الصدوق من تحقيقه في ذلك. فَأَتَمَّهُنَّ أي وفى بهن و عمل بهن على التمام و قال البلخي الضمير في أتمهن عائد إلى الله تعالى و الكلمات هي الإمامة إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً المستفاد من لفظ الإمام أمران أحدهما أنه المقتدى به في أفعاله و أقواله. و الثاني أنه الذي يقوم بتدبير الأمة و سياستها و القيام بأمورها و تأديب جناتها و تولية ولاتها و إقامة الحدود على مستحقيها و محاربة من يكيدها و يعاديها فعلى الأول كل نبي إمام و على الثاني لا يجب في كل نبي أن يكون إماما إذ يجوز أن لا يكون مأمورا بتأديب الجناة و محاربة العداة و الدفاع عن حوزة الدين و مجاهدة الكافرين. قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي أي و اجعل من ذريتي من يوشح بالإمامة و يرشح لهذه الكرامة قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ قال مجاهد العهد الإمامة و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله ع و استدل بها أصحابنا على أن الإمام لا يكون إلا معصوما. فَخُذْ أَرْبَعَةً قيل إنهما الطاوس و الديك و الحمام و الغراب أمر أن يقطعها و يخلط ريشها بدمها عن مجاهد و ابن جريح و عطا و هو المروي عن أبي عبد الله ع ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ

 روي عن أبي عبد الله ع أن معناه فرقهن على كل جبل و كانت عشرة أجبل ثم خذ بمناقيرهن و ادعهن باسمي الأكبر و أحلفهن بالجبروت و العظمة يَأْتِينَكَ سَعْياً ففعل إبراهيم ذلك و فرقهن على عشرة أجبل ثم دعاهن فقال أجبن بإذن الله فكانت تجتمع و تألف لحم كل واحد و عظمه إلى رأسه و طارت إلى  إبراهيم

و قيل إن الجبال كانت سبعة و قيل أربعة و قيل أراد كل جبل على العموم بحسب الإمكان. و يسأل فيقال كيف قال ثُمَّ ادْعُهُنَّ و دعاء الجماد قبيح و جوابه أنه أراد بذلك الإشارة إليها و الإيماء لتقبل عليه إذا أحياها الله و قيل معنى الدعاء هنا الإخبار عن تكوينها أحياء كقوله سبحانه كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ وَ إِبْراهِيمَ أي و في صحف إبراهيم الَّذِي وَفَّى أي تمم و أكمل ما أمر به و قيل بلغ قومه و أدى ما أمر به إليهم و قيل أكمل ما أوجب الله عليه من الطاعات في كل ما أمر و امتحن به ثم بين ما في صحفهما فقال أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى الآيات إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى أي قوله قَدْ أَفْلَحَ إلى أربع آيات ثم بين الصحف الأولى فقال صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى و فيه دلالة على أن إبراهيم ع كان قد أنزل عليه الكتاب خلافا لمن يزعم أنه لم ينزل عليه كتاب

 و روي عن أبي ذر عن النبي ص أنه قال أنزل الله مائة و أربعة كتب منها على إبراهيم ع عشر صحائف و في الحديث أنه كان في صحف إبراهيم ينبغي للعاقل أن يكون حافظا للسانه عارفا بزمانه مقبلا على شأنه

و قيل إن كتب الله كلها أنزلت في شهر رمضان

 1-  فس، ]تفسير القمي[ وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ قال هو ما ابتلاه الله به مما أراه في نومه بذبح ولده فأتمها إبراهيم ع و ساق مثل ما ذكره الطبرسي إلى قوله و هو قوله وَ اتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً

 2-  فس، ]تفسير القمي[ وَ إِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى قال وفى بما أمره الله من الأمر و النهي و ذبح ابنه

 3-  فس، ]تفسير القمي[ إِنَّ هذا يعني ما قد تلوته من القرآن لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى

   -4  فس، ]تفسير القمي[ لما عزم إبراهيم على ذبح ابنه و سلما لأمر الله قال الله إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً فقال إبراهيم ع وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ أي لا يكون بعهدي إمام ظالم

 5-  م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ ج، ]الإحتجاج[ بالإسناد إلى أبي محمد العسكري عن أبيه ع قال قال رسول الله ص إن إبراهيم الخليل لما رفع في الملكوت و ذلك قول ربي وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ قوى الله بصره لما رفعه دون السماء حتى أبصر الأرض و من عليها ظاهرين و مستترين فرأى رجلا و امرأة على فاحشة فدعا عليهما بالهلاك فهلكا ثم رأى آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا ثم رأى آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا ثم رأى آخرين فهم بالدعاء عليهما بالهلاك فأوحى الله إليه يا إبراهيم اكفف دعوتك عن عبادي و إمائي فإني أنا الغفور الرحيم الجبار الحليم لا تضرني ذنوب عبادي كما لا تنفعني طاعتهم و لست أسوسهم بشفاء الغيظ كسياستك فاكفف دعوتك عن عبادي فإنما أنت عبد نذير لا شريك في المملكة و لا مهيمن علي و لا على عبادي و عبادي معي بين خلال ثلاث إما تابوا إلي فتبت عليهم و غفرت ذنوبهم و سترت عيوبهم و إما كففت عنهم عذابي لعلمي بأنه سيخرج من أصلابهم ذريات مؤمنون فأرفق بالآباء الكافرين و أتأنى بالأمهات الكافرات و أرفع عنهم عذابي ليخرج ذلك المؤمن من أصلابهم فإذا تزايلوا حق بهم عذابي و حاق بهم بلائي و إن لم يكن هذا و لا هذا فإن الذي أعددته لهم من عذابي أعظم مما تريدهم به فإن عذابي لعبادي على حسب جلالي و كبريائي يا إبراهيم فخل بيني و بين عبادي فإني أرحم بهم منك و خل بيني و بين عبادي فإني أنا الجبار الحليم العلام الحكيم أدبرهم بعلمي و أنفذ فيهم قضائي و قدري

   -6  ع، ]علل الشرائع[ ابن الوليد عن الصفار عن ابن يزيد عن ابن أبي عمير عن أبي أيوب عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال لما رأى إبراهيم ملكوت السماوات و الأرض التفت فرأى رجلا يزني فدعا عليه فمات ثم رأى آخر فدعا عليه فمات حتى رأى ثلاثة فدعا عليهم فماتوا فأوحى الله عز و جل إليه يا إبراهيم دعوتك مجابة فلا تدعو على عبادي فإني لو شئت لم أخلقهم إني خلقت خلقي على ثلاثة أصناف عبدا يعبدني لا يشرك بي شيئا فأثيبه و عبدا يعبد غيري فلن يفوتني و عبدا يعبد غيري فأخرج من صلبه من يعبدني ثم التفت فرأى جيفة على ساحل البحر بعضها في الماء و بعضها في البر تجي‏ء سباع البحر فتأكل ما في الماء ثم ترجع فيشتمل بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا و يجي‏ء سباع البر فتأكل منها فيشتمل بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا فعند ذلك تعجب إبراهيم مما رأى و قال يا رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى هذه أمم يأكل بعضها بعضا قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي يعني حتى أرى هذا كما رأيت الأشياء كلها قال خذ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فقطعهن و اخلطهن كما اختلطت هذه الجيفة في هذه السباع التي أكل بعضها بعضا فخلط ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً فلما دعاهن أجبنه و كانت الجبال عشرة قال و كانت الطيور الديك و الحمامة و الطاوس و الغراب

 فس، ]تفسير القمي[ أبي عن ابن أبي عمير إلى قوله من يعبدني شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي بصير مثله إيضاح إراءته ملكوت السماوات و الأرض يحتمل أن يكون ببصر العين بأن  يكون الله تعالى قوى بصره و رفع له كل منخفض و كشط له عن أطباق السماء و الأرض حتى رأى ما فيهما ببصره و أن يكون المراد رؤية القلب بأن أنار قلبه حتى أحاط بها علما و الأول أظهر نقلا و الثاني عقلا و الظاهر على التقديرين أنه أحاط علما بكل ما فيهما من الحوادث و الكائنات و أما حمله على أنه رأى الكواكب و ما خلقه الله في الأرض على وجه الاعتبار و الاستبصار و استدل بها على إثبات الصانع فلا يخفى بعده عما يظهر من الأخبار

 7-  ع، ]علل الشرائع[ ل، ]الخصال[ سمعت محمد بن عبد الله بن محمد بن طيفور يقول في قول إبراهيم ع رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى الآية إن الله عز و جل أمر إبراهيم ع أن يزور عبدا من عباده الصالحين فزاره فلما كلمه قال له إن لله تبارك و تعالى في الدنيا عبدا يقال له إبراهيم اتخذه خليلا قال إبراهيم و ما علامة ذلك العبد قال يحيي له الموتى فوقع لإبراهيم أنه هو فسأله أن يحيي له الموتى قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي يعني على الخلة و يقال إنه أراد أن يكون له في ذلك معجزة كما كانت للرسل و إن إبراهيم سأل ربه عز و جل أن يحيي له الميت فأمره الله عز و جل أن يميت لأجله الحي سواء بسواء و هو لما أمره بذبح ابنه إسماعيل و إن الله عز و جل أمر إبراهيم ع بذبح أربعة من الطير طاوسا و نسرا و ديكا و بطا فالطاوس يريد به زينة الدنيا و النسر يريد به أمل الطويل و البط يريد به الحرص و الديك يريد به الشهوة يقول الله عز و جل إن أحببت أن يحيا قلبك و يطمئن معي فاخرج عن هذه الأشياء الأربعة فإذا كانت هذه الأشياء في قلب فإنه لا يطمئن معي و سألته كيف قال أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ مع علمه بسره و حاله فقال إنه لما قال رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى كان ظاهر هذه اللفظة توهم أنه لم يكن بيقين فقرره الله عز و جل بسؤاله عنه إسقاطا للتهمة عنه و تنزيها له من الشك

 8-  كا، ]الكافي[ علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن الحسين بن الحكم  قال كتبت إلى العبد الصالح ع أخبره أني شاك و قد قال إبراهيم رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى و أني أحب أن تريني شيئا فكتب ع إلي أن إبراهيم كان مؤمنا و أحب أن يزداد إيمانا و أنت شاك و الشاك لا خير فيه

 9-  ل، ]الخصال[ ماجيلويه عن عمه عن الكوفي عن موسى بن سعدان عن عبد الله بن القاسم عن صالح بن سهل عن أبي عبد الله ع في قول الله عز و جل فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً الآية قال أخذ الهدهد و الصرد و الطاوس و الغراب فذبحهن و عزل رءوسهن ثم نحز أبدانهن في المنحاز بريشهن و لحومهن و عظامهن حتى اختلطت ثم جزأهن عشرة أجزاء على عشرة أجبل ثم وضع عنده حبا و ماء ثم جعل مناقيرهن بين أصابعه ثم قال ايتين سعيا بإذن الله عز و جل فتطاير بعضها إلى بعض اللحوم و الريش و العظام حتى استوت الأبدان كما كانت و جاء كل بدن حتى التزق برقبته التي فيها رأسه و المنقار فخلى إبراهيم عن مناقيرهن فوقعن و شربن من ذلك الماء و التقطن من ذلك الحب ثم قلن يا نبي الله أحييتنا أحياك الله فقال إبراهيم بل الله يحيي و يميت فهذا تفسير الظاهر قال ع و تفسيره في الباطن خذ أربعة ممن يحتمل الكلام فاستودعهم علمك ثم ابعثهم في أطراف الأرضين حججا لك على الناس و إذ أردت أن يأتوك دعوتهم بالاسم الأكبر يأتوك سعيا بإذن الله عز و جل

 قال الصدوق رضي الله عنه الذي عندي في ذلك أنه ع أمر بالأمرين جميعا و روي أن الطيور التي أمر بأخذها الطاوس و النسر و الديك و البط. بيان قال الجوهري النحز الدق بالمنحاز و هو الهاون

 10-  يد، ]التوحيد[ ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ تميم القرشي عن أبيه عن حمدان بن سليمان عن علي بن محمد بن الجهم قال سأل مأمون الرضا ع عن قول إبراهيم ع رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى  قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قال الرضا ع إن الله تبارك و تعالى كان أوحى إلى إبراهيم ع أني متخذ من عبادي خليلا إن سألني إحياء الموتى أجبته فوقع في نفس إبراهيم ع أنه ذلك الخليل فقال رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي على الخلة قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فأخذ إبراهيم ع نسرا و بطا و طاوسا و ديكا فقطعهن فخلطهن ثم جعل على كل جبل من الجبال التي حوله و كانت عشرة منهن جزءا و جعل مناقيرهن بين أصابعه ثم دعاهن بأسمائهن و وضع عنده حبا و ماء فتطايرت تلك الأجزاء بعضها إلى بعض حتى استوت الأبدان و جاء كل بدن حتى انضم إلى رقبته و رأسه فخلى إبراهيم ع عن مناقيرهن فطرن ثم وقعن فشربن من ذلك الماء و التقطن من ذلك الحب و قلن يا نبي الله أحييتنا أحياك الله فقال إبراهيم ع بل الله يُحْيِ الْمَوْتى وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ الخبر

 ج، ]الإحتجاج[ مرسلا مثله بيان هذا أحد وجوه التأويل في هذه الآية و قد ذكره جماعة من المفسرين و رووه عن ابن عباس و ابن جبير و السدي. و الثاني أنه أحب أن يعلم ذلك علم عيان بعد ما كان عالما به من جهة الاستدلال و البرهان لتزول الخواطر و الوساوس و إليه يومئ خبر أبي بصير و غيره. و الثالث أن سبب السؤال منازعة نمرود إياه في الإحياء فقال أَنَا أُحْيِي وَ أُمِيتُ و أطلق محبوسا و قتل إنسانا فقال إبراهيم ليس هذا بإحياء و قال يا رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى ليعلم نمرود ذلك و روي أن نمرود توعده بالقتل إن لم يحي الله الميت بحيث يشاهده فلذلك قال لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي أي بأن لا يقتلني الجبار

   -11  فس، ]تفسير القمي[ أبي عن ابن أبي عمير عن أبي أيوب عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع أن إبراهيم ع نظر إلى جيفة على ساحل البحر تأكلها سباع البر و سباع البحر ثم يثب السباع بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا فتعجب إبراهيم ع فقال رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى فقال الله له أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فأخذ إبراهيم الطاوس و الديك و الحمام و الغراب قال الله عز و جل فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ أي قطعهن ثم اخلط لحماتهن و فرقها على عشرة جبال ثم خذ مناقيرهن و ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً ففعل إبراهيم ذلك و فرقهن على عشرة جبال ثم دعاهن فقال أجيبيني بإذن الله تعالى فكانت يجتمع و يتألف لحم كل واحد و عظمه إلى رأسه و طارت إلى إبراهيم فعند ذلك قال إبراهيم أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

 بيان قال الطبرسي رحمه الله قرأ أبو جعفر و حمزة و خلف و رويس عن يعقوب فصرهن بكسر الصاد و الباقون فَصُرْهُنَّ بضم الصاد ثم قال صرته أصوره أي أملته و صرته أصوره قطعته قال أبو عبيدة فصرهن من الصور و هو القطع و قال أبو الحسن و قد قالوا بمعنى القطع أصار يصير أيضا فمن جعل فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ بمعنى أملهن إليك حذف من الكلام و المعنى أملهن إليك فقطعهن و من قدر فصرهن على معنى فقطعهن كان لم يحتج إلى إضمار. و قال البيضاوي أي فأملهن و اضممهن إليك لتتأملها و تعرف شأنها لئلا تلتبس عليك بعد الإحياء و قال الجوهري صاره يصوره و يصيره أي أماله و قرئ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ بضم الصاد و كسرها قال الأخفش يعني وجههن يقال صر إلي و صر وجهك إلي أي أقبل علي و صرت الشي‏ء أيضا قطعته و فصلته فمن قال هذا جعل في الآية تقديما و تأخيرا  كأنه قال خذ إليك أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ. أقول يظهر مما مر من الأخبار و ما سيأتي أنه بمعنى التقطيع و إن أمكن أن يكون بيانا لحاصل المعنى

 12-  ل، ]الخصال[ ابن موسى عن العلوي عن جعفر بن محمد بن مالك الكوفي عن محمد بن الحسين بن زيد الزيات عن محمد بن زياد الأزدي عن المفضل بن عمر عن الصادق جعفر بن محمد ع قال سألته عن قول الله عز و جل وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ ما هذه الكلمات قال هي الكلمات التي تلقاها آدم ع من ربه فتاب عليه و هو أنه قال يا رب أسألك بحق محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين إلا تبت علي فتاب الله عليه إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ فقلت له يا ابن رسول الله فما يعني عز و جل بقوله فَأَتَمَّهُنَّ قال يعني فأتمهن إلى القائم ع اثني عشر إماما تسعة من ولد الحسين ع قال المفضل فقلت له يا ابن رسول الله فأخبرني عن قول الله عز و جل وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ قال يعني بذلك الإمامة جعلها الله في عقب الحسين ع إلى يوم القيامة قال فقلت له يا ابن رسول الله فكيفصارت الإمامة في ولد الحسين دون ولد الحسن و هما جميعا ولدا رسول الله و سبطاه و سيدا شباب أهل الجنة فقال ع إن موسى و هارون كانا نبيين مرسلين أخوين فجعل الله النبوة في صلب هارون دون صلب موسى و لم يكن لأحد أن يقول لم فعل الله ذلك فإن الإمامة خلافة الله عز و جل ليس لأحد أن يقول لم جعلها الله في صلب الحسين دون صلب الحسن لأن الله هو الحكيم في أفعاله لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ

 و لقول الله تبارك و تعالى وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ وجه آخر و ما ذكرناه أصله. و الابتلاء على ضربين أحدهما مستحيل على الله تعالى ذكره و الآخر جائز فأما ما يستحيل فهو أن  يختبره ليعلم ما تكشف الأيام عنه و هذا ما لا يصح لأنه عز و جل علام الغيوب و الضرب الآخر من الابتلاء أن يبتليه حتى يصبر فيما يبتليه به فيكون ما يعطيه من العطاء على سبيل الاستحقاق و لينظر إليه الناظر فيقتدي به فيعلم من حكمة الله عز و جل أنه لم يكل أسباب الإمامة إلا إلى الكافي المستقل الذي كشفت الأيام عنه بخير فأما الكلمات فمنها ما ذكرناه و منها اليقين و ذلك قول الله عز و جل وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ. و منها المعرفة بقدم بارئه و توحيده و تنزيهه عن التشبيه حين نظر إلى الكوكب و القمر و الشمس و استدل بأفول كل واحد منها على حدثه و بحدثه على محدثه ثم علمه بأن الحكم بالنجوم خطأ في قوله عز و جل فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ و إنما قيده الله سبحانه بالنظرة الواحدة لأن النظرة الواحدة لا توجب الخطاء إلا بعد النظرة الثانية

 بدلالة قول النبي ص لما قال لأمير المؤمنين ع يا علي أول النظرة لك و الثانية عليك لا لك

و منها الشجاعة و قد كشفت الأصنام عنه بدلالة قوله عز و جل إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ قالُوا أَ جِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَ أَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ وَ تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ و مقاومة الرجل الواحد ألوفا من أعداء الله عز و جل تمام الشجاعة ثم الحلم مضمن معناه في قوله عز و جل إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ ثم السخاء و بيانه في حديث ضيف إبراهيم المكرمين ثم العزلة عن أهل البيت و العشيرة مضمن معناه في قوله وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ الآية و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بيان ذلك في قوله عز و جل يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَ لا يُبْصِرُ وَ لا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً يا أَبَتِ  إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا و دفع السيئة بالحسنة و ذلك لما قال أبوه أَ راغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَ اهْجُرْنِي مَلِيًّا فقال في جواب أبيه سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا و التوكل بيان ذلك في قوله الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَ الَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَ يَسْقِينِ وَ إِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَ الَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَ الَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ. ثم الحكم و الانتماء إلى الصالحين في قوله رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ يعني بالصالحين الذين لا يحكمون إلا بحكم الله عز و جل و لا يحكمون بالآراء و المقاييس حتى يشهد له من يكون بعده من الحجج بالصدق بيان ذلك في قوله وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ أراد به هذه الأمة الفاضلة فأجابه الله و جعل له و لغيره من أنبيائه لسان صدق في الآخرين و هو علي بن أبي طالب ع و ذلك قوله عز و جل وَ جَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا و المحنة في النفس حين جعل في المنجنيق و قذف به في النار ثم المحنة في الولد حين أمر بذبح ابنه إسماعيل ثم المحنة بالأهل حين خلص الله عز و جل حرمته من عزازة القبطي في الخبر المذكور في هذه القصة. ثم الصبر على سوء خلق سارة ثم استقصار النفس في الطاعة في قوله وَ لا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ثم النزاهة في قوله عز و جل ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَ لا نَصْرانِيًّا وَ لكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثم الجمع لأشراط الطاعات في قوله إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ فقد جمع في قوله مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ جميع أشراط الطاعات كلها حتى لا يعزب عنها عازبة و لا تغيب عن معانيها منها غائبة ثم استجابة الله عز و جل دعوته حين قال

   رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى و هذه آية متشابهة معناها أنه سأل عن الكيفية و الكيفية من فعل الله عز و جل متى لم يعلمها العالم لم يلحقه عيب و لا عرض في توحيده نقص فقال الله عز و جل أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى هذا شرط عام من آمن به متى سئل واحد منهم أ و لم تؤمن وجب أن يقول بلى كما قال إبراهيم ع و لما قال الله عز و جل لجميع أرواح بني آدم أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى قال أول من قال بلى محمد ص فصار بسبقه إلى بلى سيد الأولين و الآخرين و أفضل النبيين و المرسلين فمن لم يجب عن هذه المسألة بجواب إبراهيم فقد رغب عن ملته قال الله عز و جل وَ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ثم اصطفاء الله عز و جل إياه في الدنيا ثم شهادته في العاقبة أنه من الصالحين في قوله عز و جل وَ لَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ و الصالحون هم النبي و الأئمة صلوات الله عليهم الآخذون عن الله أمره و نهيه و الملتمسون للصلاح من عنده و المجتنبون للرأي و القياس في دينه في قوله عز و جل إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ ثم اقتداء من بعده من الأنبياء ع في قوله عز و جل وَ وَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَ يَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ و في قوله عز و جل لنبيه ص ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ و في قوله عز و جل مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ و أشراط كلمات الإمام مأخوذة من جهته مما يحتاج إليه الأمة من مصالح الدنيا و الآخرة و قول إبراهيم ع وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي من حرف تبعيض ليعلم أن من الذرية من يستحق الإمامة و منهم من لا يستحق الإمامة هذا من جملة المسلمين و ذلك أنه يستحيل أن يدعو إبراهيم ع بالإمامة للكافر أو للمسلم الذي ليس بمعصوم فصح أن باب التبعيض وقع على خواص المؤمنين و الخواص إنما صاروا خواصا بالبعد من الكفر ثم من اجتنب الكبائر صار من جملة الخواص أخص ثم المعصوم هو الخاص الأخص و لو كان للتخصيص صورة أدنى عليه لجعل ذلك من أوصاف الإمام. و قد سمى الله عز و جل عيسى من ذرية إبراهيم و كان ابن ابنته من بعده و  لما صح أن ابن البنت ذرية و دعا إبراهيم لذريته بالإمامة وجب على محمد ص الاقتداء به في وضع الإمامة في المعصومين من ذريته حذو النعل بالنعل بعد ما أوحى الله عز و جل إليه و حكم عليه بقوله ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً الآية و لو خالف ذلك لكان داخلا في قوله عز و جل وَ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ جل نبي الله عن ذلك و قال الله عز و جل إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا و أمير المؤمنين أبو ذرية النبي ص و أوضع الإمامة فيه وضعها في ذرية المعصومين و قوله عز و جل لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ عنى به أن الإمامة لا تصلح لمن قد عبد صنما أو وثنا أو أشرك بالله طرفة عين و إن أسلم بعد ذلك و الظلم وضع الشي‏ء في غير موضعه و أعظم الظلم الشرك قال الله عز و جل إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ و كذلك لا يصلح الإمامة لمن قد ارتكب من المحارم شيئا صغيرا كان أو كبيرا و إن تاب منه بعد ذلك و كذلك لا يقيم الحد من في جنبه حد فإذا لا يكون الإمام إلا معصوما و لا تعلم عصمته إلا بنص الله عليه على لسان نبيه ص لأن العصمة ليست في ظاهر الخلقة فترى كالسواد و البياض و ما أشبه ذلك و هي مغيبة لا تعرف إلا بتعريف علام الغيوب عز و جل

 مع، ]معاني الأخبار[ الدقاق عن العلوي مثله إلى آخر ما أضاف إليه من كلامه

بيان قوله ثم علمه بأن الحكم بالنجوم خطأ مبني على أن نظره ع إنما كان موافقة للقوم و الحكم بالسقم للتورية كما مر

 13-  ع، ]علل الشرائع[ أبي عن سعد عن ابن يزيد عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله ع في قول الله عز و جل وَ إِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى قال إنه كان يقول إذا أصبح و أمسى أصبحت و ربي محمود أصبحت لا أشرك بالله شيئا و لا أدعو مع الله إلها آخر و لا أتخذ من دونه وليا فسمي بذلك عبدا شكورا

   -14  ل، ]الخصال[ مع، ]معاني الأخبار[ علي بن عبد الله الأسواري عن أحمد بن محمد بن قيس الشجري عن عمرو بن حفص عن عبد الله بن محمد بن أسد عن الحسين بن إبراهيم عن يحيى بن سعيد البصري عن ابن جريح عن عطا عن عتبة بن عمير الليثي عن أبي ذر رحمه الله عن النبي ص قال أنزل الله على إبراهيم عشرين صحيفة قلت يا رسول الله ما كانت صحف إبراهيم قال كانت أمثالا كلها و كان فيها أيها الملك المبتلى المغرور إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض و لكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم فإني لا أردها و إن كانت من كافر و على العاقل ما لم يكن مغلوبا أن يكون له ثلاث ساعات ساعة يناجي فيها ربه عز و جل و ساعة يحاسب فيها نفسه و ساعة يتفكر فيما صنع الله عز و جل إليه و ساعة يخلو فيها بحظ نفسه من الحلال فإن هذه الساعة عون لتلك الساعات و استجمام للقلوب و توزيع لها و على العاقل أن يكون بصيرا بزمانه مقبلا على شأنه حافظا للسانه فإن من حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه و على العاقل أن يكون طالبا لثلاث مرمة لمعاش أو تزود لمعاد أو تلذذ في غير محرم قلت يا رسول الله فما كانت صحف موسى ع قال كانت عبرا كلها و فيها عجب لمن أيقن بالموت كيف يفرح و لمن أيقن بالنار لم يضحك و لمن يرى الدنيا و تقلبها بأهلها لم يطمئن إليها و لمن يؤمن بالقدر كيف ينصب و لمن أيقن بالحساب لم لا يعمل قلت يا رسول الله هل في أيدينا مما أنزل الله عليك شي‏ء مما كان في صحف إبراهيم و موسى قال يا أبا ذر اقرأ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَ أَبْقى إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى

   بيان ما لم يكن مغلوبا أي بالمرض أو بالعدو أو بالمصائب أو على عقله فيكون تأكيدا و قوله ع و ساعة يخلو معطوف على قوله ثلاث ساعات و لعله كان أربع ساعات كما في الأخبار الأخر و قوله ينصب من النصب بمعنى التعب

 15-  ير، ]بصائر الدرجات[ محمد عن الحجال عن ثعلبة عن عبد الرحيم عن أبي جعفر ع في هذه الآية وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ قال كشط له عن الأرض حتى رآها و من فيها و عن السماء حتى رآها و من فيها و الملك الذي يحملها و العرش و من عليه و كذلك أري صاحبكم

 شي، ]تفسير العياشي[ عن زرارة مثله

 16-  شي، ]تفسير العياشي[ عن زرارة عن أبي جعفر و أبي عبد الله ع في قول الله وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ فقال أبو جعفر كشط له عن السماوات حتى نظر إلى العرش و ما عليه قال و السماوات و الأرض و العرش و الكرسي و قال أبو عبد الله ع كشط له عن الأرض حتى رآها و عن السماء و ما فيها و الملك الذي يحملها و الكرسي و ما عليه

 17-  و في رواية أخرى عن زرارة عن أبي جعفر ع وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ قال أعطي بصره من القوة ما يعدو السماوات فرأى ما فيها و رأى العرش و ما فوقه و رأى ما في الأرض و ما تحتها

 18-  ير، ]بصائر الدرجات[ أحمد بن محمد عن أبيه عن ابن المغيرة عن ابن مسكان قال قال أبو عبد الله ع وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ قال كشط لإبراهيم ع السماوات السبع حتى نظر إلى ما فوق العرش و كشط له الأرض حتى رأى ما في الهواء و فعل بمحمد ص مثل ذلك و إني لأرى صاحبكم و الأئمة من بعده قد فعل بهم مثل ذلك

   شي، ]تفسير العياشي[ عن عبد الرحيم مثله أقول سيأتي بعض الأخبار في أبواب فضائل الأئمة ع

 19-  شي، ]تفسير العياشي[ روى أبو بصير عن أبي عبد الله ع قال كانت الجبال عشرة و كانت الطيور و الديك و الحمامة و الطاوس و الغراب و قال فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ فقطعهن بلحمهن و عظامهن و ريشهن ثم أمسك رءوسهن ثم فرقهن على عشرة جبل منهن جزءا فجعل ما كان في هذا الجبل يذهب إلى هذا الجبل برأسه و لحمه و دمه ثم يأتيه حتى يضع رأسه في عنقه حتى فرغ من أربعتهن

 20-  شي، ]تفسير العياشي[ عن معروف بن خربوذ قال سمعت أبا جعفر ع يقول إن الله لما أوحى إلى إبراهيم ع أن خذ أربعة من الطير عمد إبراهيم فأخذ النعامة و الطاوس و الوزة و الديك فنتف ريشهن بعد الذبح ثم جعلهن في مهراسة فهرسهن ثم فرقهن على جبال الأردن و كانت يومئذ عشرة أجبال فوضع على كل جبل منهن جزءا ثم دعاهن بأسمائهن فأقبلن إليه سعيا يعني مسرعات فقال إبراهيم عند ذلك أعلم أن الله على كل شي‏ء قدير

 21-  شي، ]تفسير العياشي[ عن علي بن أسباط أن أبا الحسن الرضا ع سئل عن قول الله قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي أ كان في قلبه شك قال لا و لكنه أراد من الله الزيادة في يقينه قال و الجزء واحد من عشرة

 22-  شي، ]تفسير العياشي[ عن عبد الصمد بن بشير قال جمع لأبي جعفر جميع القضاة فقال لهم رجل أوصى بجزء من ماله فكم الجزء فلم يعلموا كم الجزء و اشتكوا إليه فيه فأبرد بريدا إلى صاحب المدينة أن يسأل جعفر بن محمد ع رجل أوصى بجزء من ماله فكم الجزء فقد أشكل ذلك على القضاة فلم يعلموا كم الجزء فإن هو أخبرك به و إلا فاحمله  على البريد و وجهه إلي فأتى صاحب المدينة أبا عبد الله ع فقال له إن أبا جعفر بعث إلي أن أسألك عن رجل أوصى بجزء من ماله و سأل من قبله من القضاة فلم يخبروه ما هو و قد كتب إلي إن فسرت ذلك له و إلا حملتك على البريد إليه فقال أبو عبد الله ع هذا في كتاب الله بين إن الله يقول لما قال إبراهيم رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى إلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً فكانت الطير أربعة و الجبال عشرة يخرج الرجل من كل عشرة أجزاء جزءا واحدا و إن إبراهيم دعا بمهراس فدق فيه الطيور جميعا و حبس الرءوس عنده ثم إنه دعا بالذي أمر به فجعل ينظر إلى الريش كيف يخرج و إلى العروق عرقا عرقا حتى تم جناحه مستويا فأهوى نحو إبراهيم فقال إبراهيم ببعض الرءوس فاستقبله به فلم يكن الرأس الذي استقبله به لذلك البدن حتى انتقل إليه غيره فكان موافقا للرأس فتمت العدة و تمت الأبدان

 23-  شي، ]تفسير العياشي[ عن حريز بن عبد الله عمن ذكره عن أحدهما ع أنه كان يقرأ هذه الآية رب اغفر لي و لولدي يعني إسماعيل و إسحاق

 24-  و في رواية أخرى عمن ذكره عن أحدهما أنه قرأ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ قال هذه كلمة صحفها الكتاب إنما كان استغفار إبراهيم لأبيه عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ و إنما قال ربنا اغفر لي و لولدي يعني إسماعيل و إسحاق و الحسن و الحسين و الله ابنا رسول الله ص

 25-  غو، ]غوالي اللئالي[ في الحديث أن إبراهيم ع لقي ملكا فقال له من أنت قال أنا ملك الموت فقال أ تستطيع أن تريني الصورة التي تقبض فيها روح المؤمن قال نعم أعرض عني فأعرض عنه فإذا هو شاب حسن الصورة حسن الثياب حسن الشمائل طيب الرائحة فقال يا ملك الموت لو لم يلق المؤمن إلا حسن صورتك لكان حسبه ثم قال له هل تستطيع أن تريني الصورة التي تقبض فيها روح الفاجر فقال لا تطيق  فقال بلى قال فأعرض عني فأعرض عنه ثم التفت إليه فإذا هو رجل أسود قائم الشعر منتن الرائحة أسود الثياب يخرج من فيه و من مناخره النيران و الدخان فغشي على إبراهيم ثم أفاق و قد عاد ملك الموت إلى حالته الأولى فقال يا ملك الموت لو لم يلق الفاجر إلا صورتك هذه لكفته

 26-  كا، ]الكافي[ علي عن أبيه و محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد جميعا عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان عن عبد الرحمن بن سيابة عن أبي عبد الله ع قال إن الله عز و جل أمر إبراهيم ع فقال اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً و كانت الجبال يومئذ عشرة

 27-  كا، ]الكافي[ علي عن أبيه و عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد جميعا عن ابن فضال عن ثعلبة بن ميمون عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله ع مثله

 28-  كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن حماد عن أبان بن تغلب قال قال أبو جعفر ع الجزء واحد من عشرة لأن الجبال كانت عشرة و الطيور أربعة

 29-  كا، ]الكافي[ بإسناده عن أبي عبد الله ع قال قال النبي ص أنزل صحف إبراهيم ع في أول ليلة من شهر رمضان