باب 6- خروجه ع من الماء مع بني إسرائيل و أحوال التيه

الآيات البقرة وَ ظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَ ما ظَلَمُونا وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ وَ إِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَ قُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ وَ إِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَ اشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ وَ إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَ قِثَّائِها وَ فُومِها وَ عَدَسِها وَ بَصَلِها قالَ أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَ الْمَسْكَنَةُ وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ المائدة وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَ جَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَ آتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَ لا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَ إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَ عَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَ أَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ الأعراف وَ جاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ قالَ أَ غَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَ هُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ وَ إِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ و قال تعالى الأعراف وَ مِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ وَ قَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وَ ظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَ ما ظَلَمُونا وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ وَ إِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَ كُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَ قُولُوا حِطَّةٌ وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ تفسير قوله تعالى وَ ظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ قال الطبرسي رحمه الله أي جعلنا لكم الغمام ظلة و سترة تقيكم حر الشمس في التيه وَ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ هو الذييعرفه الناس يسقط على الشجر و قيل إنه شي‏ء كالصمغ كان يقع على الأشجار طعمه كالزبد و العسل و قيل إنه الخبز المرقق و قيل إنه جميع النعم التي أتتهم مما من الله به عليهم بلا تعب

  وَ السَّلْوى قيل هو السماني و قيل طائر أبيض يشبه السماني كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ أي قلنا لهم كلوا من الشهي اللذيذ و قيل المباح الحلال و قيل المباح الذي يستلذ أكله وَ ما ظَلَمُونا أي فكفروا هذه النعمة و ما نقصونا بكفرانهم أنعمنا وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ينقصون و قيل أي ما ضرونا و لكن كانوا أنفسهم يضرون و كان سبب إنزال المن و السلوى عليهم أنه لما ابتلاهم الله بالتيه إذ قالوا لموسى فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ حين أمرهم بالمسير إلى بيت المقدس و حرب العمالقة بقوله ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ فوقعوا في التيه فصاروا كلما ساروا تاهوا في قدر خمسة فراسخ أو ستة و كلما أصبحوا ساروا غادين فأمسوا فإذا هم في مكانهم الذي ارتحلوا منه كذلك حتى تمت المدة و بقوا فيها أربعين سنة و في التيه توفي موسى و هارون ثم خرج يوشع بن نون و قيل كان الله يرد الجانب الذي انتهوا إليه من الأرض إلى الجانب الذي ساروا منه فكانوا يضلون على الطريق لأنهم كانوا خلقا عظيما فلا يجوز أن يضلوا كلهم عن الطريق في هذه المدة المديدة و في هذا المقدار من الأرض و لما حصلوا في التيه ندموا على ما فعلوه فألطف الله بهم بالغمام لما شكوا حر الشمس و أنزل عليهم المن من وقت طلوع الفجر إلى طلوع الشمس و كانوا يأخذون منها ما يكفيهم ليومهم.

 و قال الصادق ع كان ينزل المن على بني إسرائيل من بعد الفجر إلى طلوع الشمس فمن نام في ذلك الوقت لم ينزل نصيبه فلذلك يكره النوم في هذا الوقت إلى طلوع الشمس

و قال ابن جريح و كان الرجل منهم إن أخذ من المن و السلوى زيادة على طعام يوم واحد فسد إلا يوم الجمعة فإنهم إذا أخذوا طعام يومين لم يفسد و كانوا يأخذون منها ما يكفيهم ليوم الجمعة و السبت لأنه كان لا يأتيهم يوم السبت و كانوا يخبزونه مثل القرصة و يوجد له طعم كالشهد المعجون بالسمن و كان الله تعالى يبعث لهم السحاب بالنهار فيدفع عنهم حر الشمس و كان ينزل عليهم في الليل من السماء عمود من نور يضي‏ء لهم مكان السراج و إذا ولد فيهم مولود يكون عليه ثوب يطول بطوله كالجلد حَيْثُ شِئْتُمْ أي أنى شئتم رَغَداً أي موسعا عليكم مستمتعين بما شئتم من طعام القرية و قيل إن هذه إباحة منه لغنائمها و تملك أموالها وَ قُولُوا حِطَّةٌ.

 روي عن الباقر ع أنه قال نحن باب حطتكم

 وَ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ على ما يستحقونه من الثواب تفضلا وَ إِذِ اسْتَسْقى مُوسى أي في التيه لما شكوا إليه الظماء فأوحى الله تعالى إليه أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ و هو عصاه المعروف الْحَجَرَ أي أي حجر كان أو حجر مخصوص و سيأتي ذكر الأقوال فيه قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ أي كل سبط موضع شربهم كُلُوا وَ اشْرَبُوا أي قلنا لهم كلوا و اشربوا وَ لا تَعْثَوْا أي لا تسعوا في الأرض فسادا. و قال البيضاوي و من أنكر أمثال هذه المعجزات فلغاية جهله بالله و قلة تدبره في عجائب صنعه فإنه لما أمكن أن يكون من الأحجار ما يحلق الشعر و ينفر الخل و يجذب الحديد لم يمتنع أن يخلق الله حجرا يسخره لجذب الماء من تحت الأرض أو لجذب الهواء من الجوانب و تصييره ماء بقوة التبريد عَلى طَعامٍ واحِدٍ يريد به ما رزقوا في التيه من المن و السلوى و بوحدته أنها لا تختلف و لا تتبدل الَّذِي هُوَ أَدْنى أي أدون قدرا. إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ إذ لم يبعث في أمة ما بعث في بني إسرائيل من الأنبياء وَ جَعَلَكُمْ مُلُوكاً أي و جعل منكم أو فيكم و قد تكاثر فيهم الملوك تكاثر الأنبياء بعد فرعون و قيل لما كانوا مملوكين في أيدي القبط فأنقذهم و جعلهم مالكين لأنفسهم و أمورهم سماهم ملوكا وَ آتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ من فلق البحر و تظليل الغمام و المن و السلوى و نحوها و قيل أي عالمي زمانهم. يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ أرض بيت المقدس لكونها قرار الأنبياء و مسكن المؤمنين و قيل الطور و ما حوله و قيل دمشق و فلسطين و بعض الأردن و قيل الشام. الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ قال الطبرسي أي كتب لكم في اللوح أنها لكم و قيل أي وهب الله لكم و قيل أمركم الله بدخولها فإن قيل كيف كتب الله لهم مع قوله فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ فجوابه أنها كانت هبة من الله لهم ثم حرمها عليهم و قيل الذين كتب لهم هم الذين كانوا مع يوشع بعد موت موسى بشهرين وَ لا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ أي لا ترجعوا عن الأرض التي أمرتم بدخولها أو عن طاعة الله. قال المفسرون لما عبر موسى و بنو إسرائيل البحر و هلك فرعون أمرهم الله بدخول الأرض المقدسة فلما نزلوا عند نهر الأردن خافوا من الدخول فبعث موسى ع من كل سبط رجلا و هم الذين ذكرهم الله سبحانه في قوله وَ بَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً فعاينوا من عظم شأنهم و قوتهم شيئا عجيبا فرجعوا إلى بني إسرائيل فأخبروا موسى ع بذلك فأمرهم أن يكتموا ذلك فوفى اثنان منهم يوشع بن نون من سبط بنيامين و قيل إنه كان من سبط يوسف و كالب بن يوفنا من سبط يهودا و عصى العشرة و أخبروا بذلك و قيل كتم خمسة منهم و أظهر الباقون و فشا الخبر في الناس فقالوا إن دخلنا عليهم تكون نساؤنا و أهالينا غنيمة لهم و هموا بالانصراف إلى مصر و هموا بيوشع و كالب و أرادوا أن يرجموهما بالحجارة فاغتاظ لذلك موسى ع و قال رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَ أَخِي فأوحى الله إليه أنهم يتيهون في الأرض أربعين سنة و إنما يخرج منهم من لم يعص الله في ذلك فبقوا في التيه أربعين سنة في ستة عشر فرسخا و قيل تسعة فراسخ و قيل ستة فراسخ و هم ستمائة ألف مقاتل لا تنخرق ثيابهم و تنبت معهم و ينزل عليهم المن و السلوى و مات النقباء غير يوشع بن نون و كالب و مات أكثرهم و نشأ ذراريهم فخرجوا إلى حرب أريحا و فتحوها و اختلفوا فيمن فتحها فقيل فتحها موسى

  و يوشع على مقدمته و قيل فتحها يوشع و كان قد توفي موسى و بعثه الله نبيا و روي أنهم كانوا في المحاربة إذ غابت الشمس فدعا يوشع فرد الله عليهم الشمس حتى فتحوا أريحا و قيل كان وفاة موسى و هارون في التيه و توفي هارون قبل موسى بسنة و كان عمر موسى مائة و عشرين سنة في ملك أفريدون و منوچهر و كان عمر يوشع مائة و ستا و عشرين سنة و بقي بعد وفاته مدبرا لأمر بني إسرائيل سبعا و عشرين سنة قالُوا يعني بني إسرائيل إِنَّ فِيها أي في الأرض المقدسة قَوْماً جَبَّارِينَ شديدي البأس و البطش و الخلق قال ابن عباس بلغ من جبرية هؤلاء القوم أنه لما بعث موسى النقباء رآهم رجل من الجبارين يقال له عوج فأخذهم في كمه مع فاكهة كان حملها من بستانه و أتى بهم الملك فنثرهم بين يديه و قال للملك تعجبا منهم هؤلاء يريدون قتالنا فقال الملك ارجعوا إلى صاحبكم فأخبروه خبرنا قال مجاهد و كانت فاكهتهم لا يقدر على حمل عنقود منها خمسة رجال بالخشب و يدخل في قشر نصف رمانة خمسة رجال و إن موسى كان طوله عشرة أذرع و له عصا طولها عشرة أذرع و نزا من الأرض مثل ذلك بلغ كعب عوج بن عنق فقتله و قيل كان طول سريره ثمانمائة ذراع. وَ إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها يعني لقتالهم فَإِنْ يَخْرُجُوا يعني الجبارين قالَ رَجُلانِ هما يوشع و كالب و قيل رجلان كانا من مدينة الجبارين و كانا على دين موسى فلما بلغهما خبر موسى جاءاه فاتبعاه مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ الله تعالى أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا بالإسلام و قيل يخافون الجبارين أي لم يمنعهم الخوف من الجبارين أن قالوا الحق أنعم الله عليهما بالتوفيق للطاعة ادْخُلُوا يا بني إسرائيل عَلَيْهِمُ على الجبارين الْبابَ باب مدينتهم و إنما علما أنهم يظفرون بهم لما أخبر به موسى ع من وعد الله تعالى بالنصر و قيل لما رأوه من إلقاء الرعب في قلوب الجبارين إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أي هذه المدينة إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ إلى أن تظفر بهم و ترجع إلينا فحينئذ ندخل إِلَّا نَفْسِي أي لا أملك إلا تصريف نفسي في طاعتك وَ أَخِي أي و أخي كذلك لا يملك إلا نفسه أو لا أملك أيضا إلا أخي لأنه يجيبني إذا دعوت فَافْرُقْ أي فافصل بَيْنَنا و بينهم بحكمك فَإِنَّها أي الأرض المقدسة مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ تحريم منع و قيل تحريم تعبد يَتِيهُونَ أي يتحيرون في المسافة التي بينهم و بينها لا يهتدون إلى الخروج منها و قال أكثر المفسرين إن موسى و هارون كانا معهم في التيه و قيل لم يكونا فيه لأن التيه عذاب و عذبوا عن كل يوم عبدوا فيه العجل سنة و الأنبياء لا يعذبون قال الزجاج إن كانا في التيه فجائز أن يكون الله سهل عليهما ذلك كما سهل على إبراهيم النار فجعلها عليه بردا و سلاما. و متى قيل كيف يجوز على عقلاء كثيرين أن يسيروا في فراسخ يسيرة فلا يهتدوا للخروج منها فالجواب عنه من وجهين أحدهما أن يكون ذلك بأن تحول الأرض التي هم عليها إذا ناموا و ردوا إلى المكان الذي ابتدءوا منه. و الآخر أن يكون بالأسباب المانعة عن الخروج عنها إما بأن تمحى العلامات التي يستدل بها أو بأن يلقى شبه بعضها على بعض و يكون ذلك معجزا خارقا للعادة. و قال قتادة لم يدخل بلد الجبارين أحد من القوم إلا يوشع و كالب بعد موت موسى بشهرين و إنما دخلها أولادهم معهما فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ أي لا تحزن على هلاكهم لفسقهم. يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ أي يقبلون عليها ملازمين لها مقيمين عندها يعبدونها قال قتادة كان أولئك القوم من لخم و كانوا نزولا بالرقة و قال ابن جريح كانت تماثيل بقر و ذلك أول شأن العجل إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ

  ربكم و عظمته أو نعمة ربكم فيما صنع بكم مُتَبَّرٌ أي مدمر مهلك ما هُمْ فِيهِ من عبادة الأصنام أَبْغِيكُمْ أي ألتمس لكم عَلَى الْعالَمِينَ أي على عالمي زمانكم و قيل أي خصكم بفضائل لم يعطها أحدا غيركم و هو أن أرسل إليكم رجلين منكم لتكونوا أقرب إلى القبول و خلصكم من أذى فرعون و قومه على أعجب وجه وَ أَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَ دِيارَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ. وَ مِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ أي جماعة يدعون إلى الحق وَ بِهِ يَعْدِلُونَ أي و بالحق يحكمون و يعدلون في حكمهم و اختلف فيهم على أقوال أحدها أنهم قوم من وراء الصين لم يغيروا و لم يبدلوا و هو المروي عن أبي جعفر ع. قالوا و ليس لأحد منهم مال دون صاحبه يمطرون بالليل و يضحون بالنهار و يزرعون لا يصل إليهم منا أحد و لا منهم إلينا و هم على الحق. قال ابن جريح بلغني أن بني إسرائيل لما قتلوا أنبياءهم و كفروا و كانوا اثني عشر سبطا تبرأ سبط منهم مما صنعوا و اعتذروا و سألوا الله أن يفرق بينهم و بينهم ففتح الله لهم نفقا في الأرض فساروا فيه سنة و نصف سنة حتى خرجوا من وراء الصين فهم هناك حنفاء مسلمون يستقبلون قبلتنا. و قيل إن جبرئيل انطلق بالنبي ص ليلة المعراج إليهم فقرأ عليهم من القرآن عشر سور نزلت بمكة فآمنوا به و صدقوه و أمرهم أن يقيموا مكانهم و يتركوا السبت و أمرهم بالصلاة و الزكاة و لم تكن نزلت فريضة غيرهما ففعلوا. و روى أصحابنا أنهم يخرجون مع قائم آل محمد ع و روي أن ذا القرنين رآهم فقال لو أمرت بالمقام لسرني أن أقيم بين أظهركم. و ثانيها أنهم قوم من بني إسرائيل تمسكوا بالحق و بشريعة موسى ع في وقت ضلالة القوم و قتلهم أنبياءهم و كان ذلك قبل نسخ شريعتهم بشريعة عيسى ع فالتقدير كانوا يهدون. و ثالثها أنهم الذين آمنوا بالنبي ص مثل عبد الله بن سلام و ابن صوريا و غيرهما و في حديث أبي حمزة الثمالي و الحكم بن ظهير أن موسى لما أخذ الألواح قال رب إني أجد في الألواح أمة هي خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد قال رب إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون في الخلق السابقون في دخول الجنة فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد قال رب إني أجد في الألواح أمة كتبهم في صدورهم يقرءونها فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد قال رب إني أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بحسنة ثم لم يعملها كتبت له حسنة و إن عملها كتب له عشر أمثالها و إن هم بسيئة و لم يعملها لم يكتب عليه و إن عملها كتبت عليه سيئة واحدة فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد قال رب إني أجد في الألواح أمة يؤمنون بالكتاب الأول و الكتاب الآخر و يقاتلون الأعور الكذاب فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد قال رب إني أجد في الألواح أمة هم الشافعون و هم المشفوع لهم فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد قال موسى رب اجعلني من أمة أحمد قال أبو حمزة فأعطي موسى آيتين لم يعطوها يعني أمة أحمد قال الله يا موسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَ بِكَلامِي و قال وَ مِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ قال فرضي موسى كل الرضا.

 و في حديث غير أبي حمزة قال النبي ص لما قرأ وَ مِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ هذه لكم و قد أعطى الله قوم موسى مثلها

 وَ قَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً أي و فرقنا بني إسرائيل اثنتي عشرة فرقة أَسْباطاً يعني أولاد يعقوب ع فإنهم كانوا اثني عشر و كان لكل واحد منهم أولاد و نسل فصار كل فرقة منهم سبطا و أمة و إنما جعلهم سبحانه أمما ليتميزوا في مشربهم و مطعمهم و يرجع كل أمة منهم إلى رئيسهم فيخف الأمر على موسى و لا يقع بينهم اختلاف و تباغض فَانْبَجَسَتْ الانبجاس خروج الماء الجاري بقلة و الانفجار خروجه بكثرة و كان يبتدئ الماء من الحجر بقلة ثم يتسع حتى يصير إلى الكثرة

 1-  فس، ]تفسير القمي[ وَ جَعَلَكُمْ مُلُوكاً يعني في بني إسرائيل لم يجمع الله لهم النبوة و الملك في بيت واحد ثم جمع الله ذلك لنبيه قوله وَ قَطَّعْناهُمُ أي ميزناهم

 2-  فس، ]تفسير القمي[ وَ ظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوى الآية فإن بني إسرائيل لما عبر بهم موسى البحر نزلوا في مفازة فقالوا يا موسى أهلكتنا و قتلتنا و أخرجتنا من العمران إلى مفازة لا ظل و لا شجر و لا ماء و كانت تجي‏ء بالنهار غمامة تظلهم من الشمس و ينزل عليهم بالليل المن فيقع على النبات و الشجر و الحجر فيأكلونه و بالعشي يجي‏ء طائر مشوي فيقع على موائدهم و إذا أكلوا و شبعوا طار و مر و كان مع موسى حجر يضعه في وسط العسكر ثم يضربه بعصاه فتنفجر منه اثنتا عشرة عينا كما حكى الله فيذهب الماء إلى كل سبط في رحله و كانوا اثني عشر سبطا فلما طال عليهم الأمد قالوا يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَ قِثَّائِها وَ فُومِها وَ عَدَسِها وَ بَصَلِها و الفوم هي الحنطة فقال لهم موسى أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ فقالوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَ إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ فنصف الآية في سورة البقرة و تمامها و جوابها لموسى في سورة المائدة قوله وَ قُولُوا حِطَّةٌ أي حط عنا ذنوبنا فبدلوا ذلك و قالوا حنطة و قال الله فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا آل محمد صلوات الله عليهم حقهم رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ

 بيان قال البيضاوي الفوم الحنطة و يقال للخبز و قيل الثوم و قال الفيروزآبادي الفوم بالضم الثوم و الحنطة و الحمص و الخبز و سائر الحبوب التي تخبز

 3-  فس، ]تفسير القمي[ قوله يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ فإن ذلك نزل لما قالوا لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فقال لهم موسى اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ فقالوا إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَ إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ فنصف الآية هاهنا و نصفها في سورة البقرة فلما قالوا لموسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَ إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فقال لهم موسى لا بد أن تدخلوها فقالوا له فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ فأخذ موسى بيد هارون و قال كما حكى الله إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَ أَخِي يعني هارون فَافْرُقْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قومنا الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ فقال الله فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يعني مصر أن يدخلوها أربعين سنة يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فلما أراد موسى أن يفارقهم فزعوا و قالوا إن خرج موسى من بيننا نزل علينا العذاب ففزعوا إليه و سألوه أن يقيم معهم و يسأل الله أن يتوب عليهم فأوحى الله إليه قد تبت عليهم على أن يدخلوا مصرا و حرمتها عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ عقوبة لقولهم فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقاتِلا فدخلوا كلهم في التوبة و التيه إلا قارون فكانوا يقومون في أول الليل و يأخذون في قراءة التوراة فإذا أصبحوا على باب مصر دارت بهم الأرض فردتهم إلى مكانهم و كان بينهم و بين مصر أربع فراسخ فبقوا على ذلك أربعين سنة فمات هارون و موسى في التيه و دخلها أبناؤهم و أبناء أبنائهم

 بيان تفسير الأرض المقدسة بمصر خلاف ما أجمع عليه المفسرون و المؤرخون كما سيأتي و أما قوله تعالى اهْبِطُوا مِصْراً فقيل أراد مصر فرعون الذي خرجوا منه و قيل بيت المقدس و قيل أراد مصرا من الأمصار يعني أن ما تسألونه إنما يكون في الأمصار كما سيجي‏ء في الأخبار و قوله إلا قارون أي أنه لم يدخل في التوبة و سيأتي شرحه و تمام القصة في باب قصص قارون

 4-  فس، ]تفسير القمي[ وَ جاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ فإنه لما غرق الله فرعون و أصحابه و عبر موسى و أصحابه البحر نظر أصحاب موسى إلى قوم يعكفون على أصنام لهم فقالوا لموسى يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ فقال موسى إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ قالَ أَ غَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَ هُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ إلى قوله وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ و هو محكم

 أقول روى الثعلبي عن محمد بن قيس قال جاء يهودي إلى علي بن أبي طالب ع فقال يا أبا الحسن ما صبرتم بعد نبيكم إلا خمسا و عشرين سنة حتى قتل بعضكم بعضا قال بلى و لكن ما جف أقدامكم من البحر حتى قلتم يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ

 5-  ختص، ]الإختصاص[ ابن الوليد عن الصفار عن ابن عيسى عن البزنطي عن أبان عن أبي حمزة عن أبي جعفر ع قال لما انتهى بهم إلى الأرض المقدسة قال لهم ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ إلى قوله فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ قالوا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَ أَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ فلما أبوا أن يدخلوها حرمها الله عليهم فتاهوا في أربعة فراسخ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ

 قال أبو عبد الله ع و كانوا إذا أمسوا نادى مناديهم أمسيتم الرحيل فيرتحلون بالحداء و الرجز حتى إذا أسحروا أمر الله الأرض فدارت بهم فيصبحون في منزلهم الذي ارتحلوا منه فيقولون قد أخطأتم الطريق فمكثوا بهذا أربعين سنة و نزل عليهم المن و السلوى حتى هلكوا جميعا إلا رجلين يوشع بن نون و كالب بن يوفنا و أبناءهم و كانوا يتيهون في نحو من أربعة فراسخ فإذا أرادوا أن يرتحلوا ثبت ثيابهم عليهم و خفافهم قال و كان معهم حجر إذا نزلوا ضربه موسى بعصاه فانفجرت اثنتا عشرة عينا لكل سبط عين فإذا ارتحلوا رجع الماء فدخل في الحجر و وضع الحجر على الدابة

 6-  ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ الصدوق عن ابن الوليد عن الصفار عن ابن هاشم عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن أبي حمزة عن أبي جعفر ع قال لما انتهى بهم موسى ع إلى الأرض المقدسة قال لهم ادخلوا فأبوا أن يدخلوها فتاهوا في أربعة فراسخ أربعين سنة و كانوا إذا أمسوا نادى مناديهم أمسيتم الرحيل حتى إذا انتهوا إلى مقدار ما أرادوا أمر الله الأرض فدارت بهم إلى منازلهم الأولى فيصبحون في منزلهم الذي ارتحلوا منه فمكثوا بذلك أربعين سنة ينزل عليهم المن و السلوى فهلكوا فيها أجمعين إلا رجلين يوشع بن نون و كالب بن يوفنا اللذين أنعم الله عليهما و مات موسى و هارون ع فدخلها يوشع بن نون و كالب و أبناؤهم و كان معهم حجر كان موسى يضربه بعصاه فينفجر منه الماء لكل سبط عين

 7-  ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد إلى الصدوق بإسناده إلى وهب بن منبه عن ابن عباس رضي الله عنه قال قال بنو إسرائيل لموسى ع حين جاز بهم البحر خبرنا يا موسى بأي قوة و أي عدة و على أي حمولة نبلغ الأرض المقدسة و معك الذرية و النساء و الهرمى و الزمنى فقال موسى ع ما أعلم قوما ورثه الله من عرض الدنيا ما ورثكم و لا أعلم أحدا آتاه منها مثل الذي آتاكم فمعكم من ذلك ما لا يحصيه إلا الله تعالى و قال موسى سيجعل الله لكم مخرجا فاذكروه و ردوا إليه أموركم فإنه أرحم بكم من أنفسكم قالوا فادعه يطعمنا و يسقنا و يكسنا و يحملنا من الرجلة و يظلنا من الحر فأوحى الله تعالى إلى موسى قد أمرت السماء أن يمطر عليهم المن و السلوى و أمرت الريح أن يشوي لهم السلوى و أمرت الحجارة أن تنفجر و أمرت الغمام أن تظلهم و سخرت ثيابهم أن تنبت بقدر ما ينبتون فلما قال لهم موسى ذلك سكتوا فسار بهم موسى فانطلقوا يؤمون الأرض المقدسة و هي فلسطين و إنما قدسها لأن يعقوب ع ولد بها و كانت مسكن أبيه إسحاق و يوسف ع و نقلوا كلهم بعد الموت إلى أرض فلسطين

 8-  ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد إلى الصدوق عن الطالقاني عن ابن عقدة عن جعفر بن عبد الله عن كثير بن عياش عن أبي الجارود عن الباقر ع قال في قوله تعالى وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً إن ذلك حين فصل موسى من أرض التيه فدخلوا العمران و كان بنو إسرائيل أخطئوا خطيئة فأحب الله أن ينقذهم منها إن تابوا فقال لهم إذا انتهيتم إلى باب القرية فاسجدوا وَ قُولُوا حِطَّةٌ تنحط عنكم خطاياكم فأما المحسنون ففعلوا ما أمروا به و أما الذين ظلموا فزعموا حنطة حمراء فبدلوا فأنزل الله تعالى رجزا

 بيان قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى وَ إِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً أجمع المفسرون على أن المراد بالقرية هاهنا بيت المقدس و يؤيده قوله في موضع آخر ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ و قال ابن زيد إنها أريحا قرية قرب بيت المقدس و كان فيها بقايا من قوم عاد فيهم عوج بن عنق و الباب قيل هو باب حطة من بيت المقدس و هو الباب الثامن عن مجاهد و قيل باب القبة التي يصلي إليها موسى و بنو إسرائيل و قال قوم هو باب القرية التي أمروا بدخولها و قال الجبائي و الآية على باب القبة أدل لأنهم لم يدخلوا القرية في حياة موسى و آخر الآية يدل على أنهم كانوا يدخلون على غير ما أمروا به في أيام موسى. و قوله سُجَّداً قيل معناه ركعا و هو شدة الانحناء عن ابن عباس و قال غيره إن معناه ادخلوا خاضعين متواضعين و قيل معناه ادخلوا الباب فإذا دخلتموه فاسجدوا لله سبحانه شكرا عن وهب وَ قُولُوا حِطَّةٌ قال أكثر أهل العلم معناه حط عنا ذنوبنا و هو أمر بالاستغفار و قال ابن عباس أمروا أن يقولوا هذا الأمر حق و قال عكرمة أمروا أن يقولوا لا إله إلا الله لأنها تحط الذنوب و اختلف في تبديلهم فقيل إنهم قالوا بالسريانية حطا سمقاثا معناه حنطة حمراء فيها شعيرة و كان قصدهم في ذلك الاستهزاء و مخالفة الأمر و قيل إنهم قالوا حنطة تجاهلا و استهزاء و كانوا أمروا أن يدخلوا الباب سجدا و طوطئ لهم الباب ليدخلوه كذلك فدخلوه زاحفين على أستاههم قوله رِجْزاً أي عذابا و قال ابن زيد هلكوا بالطاعون فمات منهم في ساعة واحدة أربعة و عشرون ألفا من كبرائهم.

 9-  شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي بصير عن أحدهما ع أن رأس المهدي يهدى إلى موسى بن عيسى على طبق قلت فقد مات هذا و هذا قال فقد قال الله ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ فلم يدخلوها و دخلها الأبناء أو قال أبناء الأبناء فكان ذلك دخولهم فقلت أ و ترى أن الذي قال في المهدي و في ابن عيسى يكون مثل هذا فقال نعم يكون في أولادهم فقلت ما ينكر أن يكون ما كان في ابن الحسن يكون في ولده قال ليس ذاك مثل ذا

 10-  شي، ]تفسير العياشي[ عن حريز عن بعض أصحابه عن أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص و الذي نفسي بيده لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة حتى لا تخطئون طريقهم و لا يخطئكم سنة بني إسرائيل ثم قال أبو جعفر ع قال موسى لقومه يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ فردوا عليه و كانوا ستمائة ألف فقالوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَ إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا أحدهما يوشع بن نون و الآخر كالب بن يافنا قال و هما ابنا عمه فقالا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ إلى قوله إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ قال فعصى أربعون ألفا و سلم هارون و ابناه و يوشع بن نون و كالب بن يافنا فسماهم الله فاسقين فقال فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ فتاهوا أربعين سنة لأنهم عصوا فكان حذو النعل بالنعل إن رسول الله ص لما قبض لم يكن على أمر الله إلا علي و الحسن و الحسين و سلمان و المقداد و أبو ذر فمكثوا أربعين حتى قام علي فقاتل من خالفه

 بيان القذة ريش السهم و قوله و سلم هارون أي التسليم الكامل و لعله ع حسب الأربعين من زمان إظهار النبي ص خلافة أمير المؤمنين ع و إنكار المنافقين ذلك بقلوبهم حتى أظهروه بعد وفاته ص

 11-  شي، ]تفسير العياشي[ عن زرارة و حمران و محمد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد الله ع عن قوله يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ قال كتبها لهم ثم محاها

  -12  شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي بصير قال قال أبو عبد الله ع لي إن بني إسرائيل قال لهم ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ فلم يدخلوها حتى حرمها عليهم و على أبنائهم و إنما دخلها أبناء الأبناء

 13-  شي، ]تفسير العياشي[ عن إسماعيل الجعفي عن أبي عبد الله ع قال قلت له أصلحك الله ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ أ كان كتبها لهم قال إي و الله لقد كتبها لهم ثم بدا له لا يدخلوها قال ثم ابتدأ هو فقال إن الصلاة كانت ركعتين عند الله فجعلها للمسافر و زاد للمقيم ركعتين فجعلها أربعا

 14-  شي، ]تفسير العياشي[ عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله ع أنه سئل عن قول الله ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ قال كتبها لهم ثم محاها ثم كتبها لأبنائهم فدخلوها و الله يمحو ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ

 15-  شي، ]تفسير العياشي[ عن الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله ع قال ذكر أهل مصر و ذكر قوم موسى و قولهم فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ فحرمها الله عليهم أربعين سنة و تيههم فكان إذا كان العشاء أخذوا في الرحيل و نادوا الرحيل الرحيل الوحا الوحا فلم يزالوا كذلك حتى تغيب الشفق حتى إذا ارتحلوا و استوت بهم الأرض قال الله للأرض ديري بهم فلم يزالوا كذلك حتى إذا أسحروا و قارب الصبح قالوا إن هذا الماء قد أتيتموه فانزلوا فإذا أصبحوا إذا أبنيتهم و منازلهم التي كانوا فيها بالأمس فيقول بعضهم لبعض يا قوم لقد ضللتم و أخطأتم الطريق فلم يزالوا كذلك حتى أذن الله لهم فدخلوها و قد كان كتبها لهم

 16-  شي، ]تفسير العياشي[ عن داود الرقي قال سمعت أبا عبد الله ع يقول كان أبو جعفر ع يقول نعم الأرض الشام و بئس القوم أهلها و بئس البلاد مصر أما أنها سجن من سخط الله عليه و لم يكن دخول بني إسرائيل مصر إلا من سخط و معصية منهم لله لأن الله قال ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ يعني الشام فأبوا أن يدخلوها فتاهوا في الأرض أربعين سنة في مصر و فيافيها ثم دخلوها بعد أربعين سنة قال و ما كان خروجهم من مصر و دخولهم الشام إلا من بعد توبتهم و رضي الله عنهم و قال إني لأكره أن آكل من شي‏ء طبخ في فخارها و ما أحب أن أغسل رأسي من طينها مخافة أن يورثني ترابها الذل و يذهب بغيرتي

 17-  شي، ]تفسير العياشي[ عن ابن سنان عن أبي عبد الله ع في قول الله تعالى ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ قال كان في علمه أنهم سيعصون و يتيهون أربعين سنة ثم يدخلونها بعد تحريمه إياها عليهم

 18-  يب، ]تهذيب الأحكام[ قال الصادق ع نومة الغداة مشومة تطرد الرزق و تصفر اللون و تغيره و تقبحه و هو نوم كل مشوم إن الله تعالى يقسم الأرزاق ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس و إياكم و تلك النومة و كان المن و السلوى ينزل على بني إسرائيل من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فمن نام تلك الساعة لم ينزل نصيبه و كان إذا انتبه فلا يرى نصيبه احتاج إلى السؤال و الطلب

 19-  م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ قوله عز و جل وَ ظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَ ما ظَلَمُونا وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ قال الإمام ع قال الله عز و جل و اذكروا يا بني إسرائيل إذ ظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ لما كنتم في التيه تقيكم حر الشمس و برد القمر وَ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوى المن الترنجبين كان يسقط على شجرهم فيتناولونه و السلوى السماني أطيب طير لحما يسترسل لهم فيصطادونه قال الله عز و جل لهم كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ و اشكروا نعمتي و عظموا من عظمته و وقروا من وقرته ممن أخذت عليكم العهود و المواثيق لهم محمد و آله الطيبين قال الله عز و جل وَ ما ظَلَمُونا لما بدلوا و قالوا غير ما به أمروا و لم يفوا بما عليه عوهدوا لأن كفر الكافر لا يقدح في سلطاننا و ممالكنا كما أن إيمان المؤمن لا يزيد في سلطاننا وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ يضرون بها لكفرهم و تبديلهم ثم قال رسول الله ص عباد الله عليكم باعتقاد ولايتنا أهل البيت و لا تفرقوا بيننا و انظروا كيف وسع الله عليكم حيث أوضح لكم الحجة ليسهل عليكم معرفة الحق ثم وسع لكم في التقية لتسلموا من شرور الخلق ثم إن بدلتم و غيرتم عرض عليكم التوبة و قبلها منكم فكونوا لنعماء الله من الشاكرين ثم قال الله عز و جل وَ إِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ إلى قوله تعالى وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ قال الإمام ع قال الله عز و جل و اذكروا يا بني إسرائيل إذ قلنا لأسلافكم ادخلوا هذه القرية و هي أريحا من بلاد الشام و ذلك حين خرجوا من التيه فَكُلُوا مِنْها من القرية حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً واسعا بلا تعب وَ ادْخُلُوا الْبابَ القرية سُجَّداً مثل الله تعالى على الباب مثال محمد و علي و أمرهم أن يسجدوا تعظيما لذلك المثال و أن يجددوا على أنفسهم بيعتهما و ذكر موالاتهما و ليذكروا العهد و الميثاق المأخوذين عليهم لهما وَ قُولُوا حِطَّةٌ أي قولوا إن سجودنا لله تعظيما لمثال محمد و علي و اعتقادنا لولايتهما حطة لذنوبنا و محو لسيئاتنا قال الله تعالى نَغْفِرْ لَكُمْ أي بهذا الفعل خَطاياكُمْ السالفة و نزيل عنكم آثامكم الماضية وَ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ من كان فيكم لم يقارف الذنوب التي قارفها من خالف الولاية و ثبت على ما أعطى الله من نفسه من عهد الولاية فإنا نزيدهم بهذا الفعل زيادة درجات و مثوبات و ذلك قوله عز و جل وَ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ قوله عز و جل فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ أي لم يسجدوا كما أمروا و لا قالوا ما أمروا و لكن دخلوها من مستقبليها بأستاههم و قالوا هنطا سمقانا أي حنطة حمراء ينقونها أحب إلينا من هذا الفعل و هذا القول قال الله

 عز و جل فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا غيروا و بدلوا ما قيل لهم و لم ينقادوا لولاية محمد و علي و آلهما الطيبين رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ يخرجون عن أمر الله و طاعته قال و الرجز الذي أصابهم أنه مات منهم بالطاعون في بعض يوم مائة و عشرون ألفا و هم من علم الله تعالى منهم أنهم لا يؤمنون و لا يتوبون و لم ينزل هذا الرجز على من علم أنه يتوب أو يخرج من صلبه ذرية طيبة يوحد الله و يؤمن بمحمد و يعرف الولاية لعلي وصيه و أخيه ثم قال الله تعالى وَ إِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ قال و اذكروا يا بني إسرائيل إذ استسقى موسى لقومه طلب لهم السقي لما لحقهم العطش في التيه و ضجوا بالبكاء إلى موسى و قالوا هلكنا بالعطش فقال موسى إلهي بحق محمد سيد الأنبياء و بحق علي سيد الأوصياء و بحق فاطمة سيدة النساء و بحق الحسن سيد الأولياء و بحق الحسين سيد الشهداء و بحق عترتهم و خلفائهم سادة الأزكياء لما سقيت عبادك هؤلاء فأوحى الله تعالى يا موسى اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فضربه بها فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ كل قبيلة من بني أب من أولاد يعقوب مَشْرَبَهُمْ فلا يزاحم الآخرين في مشربهم قال الله تعالى كُلُوا وَ اشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ الذي آتاكموه وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ و لا تسعوا فيها و أنتم مفسدون عاصون ثم قال الله عز و جل وَ إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ اذكروا إذ قال أسلافكم لن نصبر على طعام واحد المن و السلوى و لا بد لنا من خلط معه فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَ قِثَّائِها وَ فُومِها وَ عَدَسِها وَ بَصَلِها قالَ موسى أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ يريد أ تستدعون الأدنى ليكون لكم بدلا من الأفضل ثم قال اهْبِطُوا مِصْراً من الأمصار من هذه التيه فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ في المصر ثم قال الله عز و جل وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أي الجزية أخزوا بها عند ربهم و عند مؤمني عباده وَ الْمَسْكَنَةُ هي الفقر و الذلة وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ احتملوا الغضب و اللعنة من الله ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا ذلك الذي لحقهم من الذلة و المسكنة و احتملوا من غضب الله بأنهم كانوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ قبل أن ضرب عليهم هذه الذلة و المسكنة وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ و كانوا يقتلونهم بغير حق بلا جرم كان منهم إليهم و لا إلى غيرهم ذلِكَ بِما عَصَوْا ذلك الخذلان الذي استولى عليهم حتى فعلوا الآثام التي من أجلها ضربت عليهم الذلة و المسكنة و باءوا بغضب من الله بما عصوا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ يتجاوزون أمر الله إلى أمر إبليس

 20-  كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن موسى بن سعدان عن عبد الله بن القاسم عن أبي سعيد الخراساني عن أبي عبد الله ع قال قال أبو جعفر ع إن القائم ع إذا قام بمكة و أراد أن يتوجه إلى الكوفة نادى مناديه ألا لا يحمل أحد منكم طعاما و لا شرابا و يحمل حجر موسى بن عمران و هو وقر بعير فلا ينزل منزلا إلا انبعث عين منه فمن كان جائعا شبع و من كان ظامئا روي فهو زادهم حتى ينزل النجف من ظهر الكوفة

 21-  م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ أقبل رسول الله على اليهود و قال احذروا أن ينالكم بخلاف أمر الله و خلاف كتاب الله ما أصاب أوائلكم الذين قال الله فيهم فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ و أمروا بأن يقولوه فقال الله تعالى فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً عذابا مِنَ السَّماءِ طاعونا نزل بهم فمات منهم مائة و عشرون ألفا ثم أخذهم بعد ذلك فمات منهم مائة و عشرون ألفا أيضا و كان خلافهم أنهم لما أن بلغوا الباب رأوا بابا مرتفعا فقالوا ما بالنا نحتاج إلى أن نركع عند الدخول هاهنا ظننا أنه باب منحط لا بد من الركوع فيه و هذا باب مرتفع إلى متى يسخر بنا هؤلاء يعنون موسى و يوشع بن نون و يسجدوننا في الأباطيل و جعلوا أستاههم نحو الباب و قالوا بدل قولهم حطة الذي أمروا به حطا سمقانا يعنون حنطة حمراء فذلك تبديلهم

 تتميم قال الثعلبي إن الله عز و جل وعد موسى ع أن يورثه و قومه الأرض المقدسة و هي الشام و كان يسكنها الكنعانيون الجبارون و هم العمالقة من ولد عملاق بن لاوذ بن سام بن نوح وعد الله موسى أن يهلكهم و يجعل أرض الشام مساكن بني إسرائيل فلما استقرت ببني إسرائيل الدار بمصر أمرهم الله بالسير إلى أريحا أرض الشام و هي الأرض المقدسة و قال يا موسى إني قد كتبتها لكم دارا و قرارا فاخرج إليها و جاهد من فيها من العدو فإني ناصركم عليهم و خذ من قومك اثني عشر نقيبا من كل سبط نقيبا ليكون كفيلا على قومه بالوفاء منهم على ما أمروا به فاختار موسى النقباء من كل سبط نقيبا و أمره عليهم فسار موسى ع ببني إسرائيل قاصدين أريحا فبعث هؤلاء النقباء إليها يتجسسون له الأخبار و يعلمون علمها و حال أهلها فلقيهم رجل من الجبارين يقال له عوج بن عناق قال ابن عمر كان طول عوج ثلاثة و عشرين ألف ذراع و ثلاثمائة و ثلاث و ثلاثين ذراعا و ثلث ذراع بذراع الملك و كان عوج يحتجر بالسحاب و يشرب و يتناول الحوت من قرار البحر فيشويه بعين الشمس يرفعه إليها ثم يأكله. و يروى أنه أتى نوحا ع أيام الطوفان فقال له احملني معك في سفينتك فقال له اذهب يا عدو الله فإني لم أومر بك و طبق الماء ما على الأرض من جبل و ما جاوز ركبتي عوج و عاش عوج ثلاثة آلاف سنة حتى أهلكه الله تعالى على يد موسى ع و كان لموسى ع عسكر فرسخ في فرسخ فجاء عوج حتى نظر إليهم ثم أتى الجبل و قور منه صخرة على قدر العسكر ثم حملها ليطبقها عليهم فبعث الله تعالى إليه الهدهد و معه المسن يعني بمنقاره حتى قور الصخرة فانتقبت فوقعت في عنق عوج فطوقته فصرعته فأقبل موسى ع و طوله عشرة أذرع و طول عصاه عشرة أذرع و نزا في السماء عشرة أذرع فما أصاب إلا كعبه و هو مصروع بالأرض فقتله قالوا فأقبلت جماعة كثيرة و معهم الخناجر فجهدوا حتى جزوا رأسه فلما قتل وقع على نيل مصر فجسرهم سنة قالوا و كانت أمه عنق و يقال عناق إحدى بنات آدم ع من صلبه فلما لقيهم عوج و على رأسه حزمة حطب أخذ الاثني عشر و جعلهم في حجزته و انطلق بهم إلى امرأته و قال انظري إلى هؤلاء القوم الذين يزعمون أنهم

  يريدون قتالنا فطرحهم بين يديها و قال أ لا أطحنهم برجلي فقالت امرأته لا بل خل عنهم حتى يخبروا قومهم بما رأوا ففعل ذلك فجعلوا يتعرفون أحوالهم و كان لا يحمل عنقود عنبهم إلا خمسة أنفس بالخشب و يدخل في شطر الرمانة إذا نزع حبها خمسة أنفس أو أربعة فلما خرجوا قال بعضهم لبعض يا قوم إنكم إن أخبرتم بني إسرائيل خبر القوم شكوا و ارتدوا عن نبي الله و لكن اكتموا شأنهم و أخبروا موسى و هارون فيريان فيه رأيهما فأخذ بعضهم على بعض الميثاق بذلك ثم انصرفوا إلى موسى ع بعد أربعين يوما و جاءوا بحبة من عنبهم وقر رجل و أخبروا بما رأوا ثم إنهم نكثوا العهد و جعل كل واحد منهم ينهى سبطه و قريبه عن قتالهم و يخبرهم بما رأوا من حالهم إلا رجلان منهم وفيا بما قالا يوشع بن نون و كالب بن يوفنا ختن موسى ع على أخته مريم فلما سمع القوم ذلك من الجواسيس رفعوا أصواتهم بالبكاء و قالوا يا ليتنا متنا في أرض مصر و ليتنا نموت في هذه البرية و لا يدخلنا الله القرية فتكون نساؤنا و أولادنا و أثقالنا غنيمة لهم و جعل الرجل يقول لأصحابه تعالوا نجعل علينا رأسا و ننصرف إلى مصر فذلك قوله تعالى إخبارا عنهم قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ قال قتادة كانت لهم أجسام طويلة و خلقه عجيبة ليست لغيرهم وَ إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ فقال لهم موسى ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ فإن الله عز و جل سيفتحها عليكم و إن الذي أنجاكم و فلق البحر هو الذي يظهركم عليهم فلم يقبلوا و ردوا عليه أمره و هموا بالانصراف إلى مصر فخرق يوشع و كالب ثيابهما و هما اللذان أخبر الله عز و جل عنهما في قوله قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا بالتوفيق و العصمة ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ يعني قرية الجبارين فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ لأن الله عز و جل منجز وعده و إنا رأيناهم و خبرناهم فكانت أجسامهم قوية و قلوبهم ضعيفة فلا تخشوهم وَ عَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فأراد بنو إسرائيل أن يرجموهما بالحجارة و عصرهما و قالوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ فغضب موسى و دعا عليهم فقال رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَ أَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ أي فاقض و افصل بيننا و بين القوم العاصين و كانت عجلة عجلها موسى ع فظهر الغمام على باب قبة الزمر فأوحى الله تعالى إلى موسى ع إلى متى يعصيني هذا الشعب و إلى متى لا يصدقون بالآيات لأهلكنهم جميعا و لأجعلن لك شعبا أقوى و أكثر منهم. فقال موسى إلهي لو أنك قتلت هذا الشعب كلهم كرجل واحد لقالت الأمم الذين سمعوا إنما قتل هذا الشعب من أجل أنه لم يستطع أن يدخلهم الأرض المقدسة فقتلهم في البرية و إنك طويل صبرك كثيرة نعمتك و أنت تغفر الذنوب و تحفظ الآباء على الأبناء و الأبناء على الآباء فاغفر لهم و لا توبقهم فقال الله عز و جل قد غفرت لهم بكلمتك و لكن بعد ما سميتهم فاسقين و دعوت عليهم بي حلفت لأحرمن عليهم دخول الأرض المقدسة غير عبدي يوشع و كالب و لأتيهنهم في هذه البرية أربعين سنة مكان كل يوم من الأيام التي تجسسوا فيها سنة و كانت أربعين يوما و لنلقين جيفهم في هذه القفار و أما بنوهم الذين لم يعلموا الخير و الشر فإنهم يدخلون الأرض المقدسة فذلك قوله تعالى فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً في ستة فراسخ و كانوا ستمائة ألف مقاتل فكانوا يسيرون كل يوم جادين حتى إذا أمسوا و باتوا فإذا هم في الموضع الذي ارتحلوا منه و مات النقباء العشرة الذين أفشوا الخبر بغتة و كل من دخل التيه ممن جاوز عشرين سنة مات في التيه غير يوشع و كالب و لم يدخل أريحا أحد ممن قالوا إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً فلما هلكوا و انقضت الأربعون السنة و نشأت النواشي من ذراريهم ساروا إلى حرب الجبارين و فتح الله لهم

  في ذكر النعم التي أنعم الله تعالى على بني إسرائيل في التيه قال الله سبحانه يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ أي على أجدادكم و أسلافكم و ذلك أن الله سبحانه و تعالى فلق البحر لهم و أنجاهم من فرعون و أهلك عدوهم و أورثهم ديارهم و أموالهم و أنزل عليهم التوراة فيها بيان كل شي‏ء يحتاجون إليه و أعطاهم ما أعطاهم في التيه و ذلك أنهم قالوا لموسى في التيه أهلكتنا و أخرجتنا من العمران و البنيان إلى مفازة لا ظل فيها و لا كن فأنزل الله تعالى عليهم غماما أبيض رقيقا و ليس بغمام المطر أرق و أطيب و أبرد منه فأظلهم و كان يسير معهم إذا ساروا و يدوم عليهم من فوقهم إذا نزلوا فذلك قوله تعالى وَ ظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ يعني في التيه تقيكم من حر الشمس و منها أنه جعل لهم عمودا من نور يضي‏ء لهم بالليل إذا لم يكن ضوء القمر فقالوا هذا الظل و النور قد حصل فأين الطعام فأنزل الله تعالى عليهم المن و اختلفوا فيه فقال مجاهد هو شي‏ء كالصمغ كان يقع على الأشجار و طعمه كالشهد و قال الضحاك هو الترنجبين و قال وهب هو الخبز الرقاق و قال السدي هو عسل كان يقع على الشجر من الليل فيأكلون منه و قال عكرمة هو شي‏ء أنزله الله عليهم مثل الرب الغليظ و قال الزجاج جملة المن ما يمن الله به مما لا تعب فيه و لا نصب

 كقول النبي ص الكمأة من المن و ماؤها شفاء للعين

قالوا و كان ينزل عليهم هذا المن كل ليلة يقع على أشجارهم مثل الثلج لكل إنسان منهم صاع كل ليلة فقالوا يا موسى قتلنا هذا المن حلاوته فادع لنا ربك يطعمنا اللحم فدعا موسى ع فأنزل الله عليهم السلوى و اختلفوا فيه فقال ابن عباس و أكثر الناس هو طائر يشبه السماني و قال أبو العالية و مقاتل هي طير حمر بعث الله سبحانه سحابة فمطرت السماني عليهم في عرض ميل و قدر طول رمح في السماء بعضها على بعض و كانت السماء تمطر عليهم ذلك و قيل كانت طيرا مثل فراخ الحمام طيبا و سمنا قد تمعط ريشها و زغبها فكانت الريح تأتي بها إليهم فيصبحون و هو في معسكرهم و قيل إنها طير كانت تأتيهم فتسترسل لهم فيأخذونها بأيديهم و قال عكرمة هي طير تكون بالهند أكبر من العصفور و قيل هو العسل بلغة كنانة فكان الله تعالى يرسل عليهم المن و السلوى فيأخذ كل واحد منهما ما يكفيه يوما و ليلة فإذا كان يوم الجمعة أخذ ما يكفيه يومين لأنه لم يكن ينزل عليهم يوم السبت فذلك قوله تعالى وَ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوى كُلُوا أي و قلنا لهم كلوا مِنْ طَيِّباتِ حلالات ما رَزَقْناكُمْ و لا تدخروا لغد فخبوا لغد و تدود و فسد ما ادخروا و قطع الله عنهم ذلك قال الله تعالى وَ ما ظَلَمُونا أي ما يضرونا بالمعصية و مخالفة الأمر وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ يضرون باستيجابهم قطع مادة الرزق الذي كان ينزل عليهم بلا مئونة و لا مشقة في الدنيا و لا حساب و لا تبعة في العقبى و منها أنهم عطشوا في التيه فقالوا يا موسى من أين لنا الشراب فاستسقى لهم موسى ع فأوحى الله سبحانه إليه أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ و اختلف العلماء فيه فقال وهب كان موسى ع يقرع لهم أقرب حجر من عرض الحجارة فتنفجر عيونا لكل سبط عين و كانوا اثني عشر سبطا ثم تسيل كل عين في جدول إلى سبط فقالوا إن فقد موسى عصاه متنا عطشا فأوحى الله عز و جل إلى موسى لا تقرعن الحجارة بالعصا و لكن كلمها تطعك لعلهم يعتبرون و كان يفعل ذلك فقالوا كيف بنا لو أفضينا إلى الوحل و إلى الأرض التي ليست فيها حجارة فأمر موسى فحمل معه حجرا فحيث ما نزلوا ألقاه. و قال الآخرون كان حجرا مخصوصا بعينه و الدليل عليه قوله الحجر فأدخل الألف و اللام للتعريف و التخصيص مثل قولك رأيت الرجل. ثم اختلفوا في ذلك الحجر ما هو فقال ابن عباس كان حجرا خفيفا مربعا مثل رأس الرجل أمر أن يحمله فكان يضع في مخلاته فإذا احتاجوا إلى الماء ألفاه و ضربه بعصاه فسقاهم و قال أبو روق كان الحجر من الكدان و هو حجارة رخوة كالمدر و كان فيه اثنتا عشرة حفرة ينبع من كل حفرة عين ماء عذب فيأخذونه فإذا فرغوا و أراد موسى حمله ضربه بعصاه فيذهب الماء و كان يسقي كل يوم ستمائة ألف. و منها أنهم قالوا لموسى في التيه من أين لنا اللباس فجدد الله لهم ثيابهم التي كانت عليهم حتى لا تزيد على كرور الأيام و مرور الأعوام إلا جدة و طراوة و لا تخلق و لا تبلى و تنمو على صبيانهم كما ينمون انتهى. أقول لا يخفى عليك مما أوردنا في تلك الأبواب أن موسى و هارون ع لم يخرجا من التيه و أن حجر موسى ع كان حجرا مخصوصا و هو عند قائمنا ع و سيأتي الأخبار في ذلك في كتاب الغيبة. و روى الثعلبي عن وهب بن منبه قال أوحى الله تعالى إلى موسى أن يتخذ مسجدا لجماعتهم و بيت المقدس للتوراة و لتابوت السكينة و قبابا للقربان و أن يجعل لذلك المسجد سرادقات ظاهرها و باطنها من الجلود الملبسة عليها و تكون تلك الجلود من جلود ذبائح القربان و حبالها التي تمد بها من أصواف تلك الذبائح و عهد أن لا تغزل تلك الحبال حائض و أن لا يدبغ تلك الجلود جنب و أمره أن ينصب تلك السرادقات على عمد من نحاس طول كل عمود منها أربعون ذراعا و يجعل منه اثني عشر قسما مشرحا

  فإذا انقضى و صار اثني عشر جزءا حمل كل جزء بما فيه من العمد سبط من أسباط بني إسرائيل و أمره أن يجعل سعة تلك السرادقات ستمائة ذراع في ستمائة ذراع و أن ينصب فيه سبع قباب ستة منها مشبكة بقضبان الذهب و الفضة كل واحدة منهن منصوبة على عمود من فضة طوله أربعون ذراعا و عليها أربعة دسوت ثياب الباطن منها سندس أخضر و الثاني أرجوان أحمر و الثالث ديباج و الرابع من جلود القربان وقاية لها من المطر و الغبار و حبالها التي تمد بها من صوف القربان و أن يجعل سعتها أربعين ذراعا و أن ينصب في جوفها موائد من فضة مربعة يوضع عليها القربان سعة كل مائدة منهن ذراع في أربعة أذرع كل مائدة على أربع قوائم من فضة طول كل قائمة ثلاثة أذرع لا ينال الرجل منها إلا قائما و أمره أن ينصب بيت القدس على عمود من ذهب طوله سبعون ذراعا و أن يضعه على سبيكة من ذهب طوله سبعون ذراعا مرصع بألوان الجواهر و أن يجعل أسفله مشبكا بقضبان الذهب و الفضة و أن يجعل حبالها التي تمد بها من صوف القربان مصبوغا بألوان من أحمر و أصفر و أخضر و أن يلبسه سبعة من الجلال الباطن منها سندس أخضر و الثاني أرجوان أحمر و الثالث أبيض و أصفر من الحرير و سائرها من الديباج و الوشي و الظاهر غاشية له من جلود القربان وقاية من الأذى و الندى و أمره أن يجعل سعته سبعين ذراعا و أن يفرش القباب بالقز الأحمر فأمره أن ينصب فيه تابوتا من ذهب لتابوت الميثاق مرصعا بألوان الجواهر و الياقوت الأحمر و الأكهب و الزمرد الأخضر و قوائمه من ذهب و أن يجعل سعته تسعة أذرع في أربعة أذرع و سمكه قامة موسى و أن يجعل له أربعة أبواب باب يدخل منه الملائكة و باب يدخل منه موسى بن عمران ع و باب يدخل منه هارون ع و باب يدخل منه أولاد هارون و هم سدنة ذلك البيت و خزان التابوت و أمر الله سبحانه نبيه موسى ع أن يأخذ من كل محتلم فصاعدا من بني إسرائيل مثقالا من ذهب فينفقه على هذا البيت و ما فيه و أن يجعل باقي المال الذي يحتاج من ذلك من الحلي و الأموال التي ورثها موسى و أصحابه من فرعون و قومه ففعل موسى ذلك فبلغ عدد رجال بني إسرائيل ستمائة ألف و سبع مائة و ثمانين رجلا فأخذ منهم ذلك المال فأوحى الله عز و جل إلى موسى ع أني منزل عليك من السماء نارا لا دخان لها و لا تحرق شيئا و لا تنطفئ أبدا لتأكل القرابين المتقبلة و لتسرج منها القناديل التي في بيت المقدس و هي من ذهب معلقة بسلاسل من ذهب منظومة باليواقيت و اللآلي و أنواع الجواهر و أمره أن يضع في وسط البيت صخرة عظيمة من رخام و ينقر فيها نقرة لتكون كانون تلك النار التي تنزل فيها من السماء فدعا موسى أخاه هارون فقال إن الله قد اصطفاني بنار ينزلها من السماء لتأكل القرابين المقبولة و ليسرج منها في بيت المقدس و أوصاني بها و إني قد اصطفيتك لها و أوصيك بها فدعا هارون ابنيه و قال لهما إن الله تعالى قد اصطفى موسى بأمر و أوصاه به و إنه اصطفاني له و أوصاني به و إني قد اصطفيتكما له و أوصيكما به و كان أولاد هارون هم الذين يلون

  سدانة بيت القدس و أمر القربان و النيران. بيان كما أن سدانة بيت القدس و النار التي نزلت من السماء و معابد بني إسرائيل كانت لأولاد هارون ع فكذلك سدانة الكعبة و بيوت العلم و الحكمة و أنوار العلم و المعرفة التي نزلت من السماء و لم يكن فيها دخان الشك و الشبهة و مثل الله بها في آية النور لأولاد أمير المؤمنين ع الذي هو من النبي ص كهارون من موسى سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا