باب 9- مناظرات الحسن و الحسين صلوات الله عليهما و احتجاجاتهما

 1-  ل، ]الخصال[ أبي عن علي عن أبيه عن ابن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس عن أبي جعفر ع قال بينا أمير المؤمنين ع في الرهبة و الناس عليه متراكمون فمن بين مستفت و من بين مستعد إذ قام إليه رجل فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة الله و بركاته فنظر إليه أمير المؤمنين ع بعينيه هاتيك العظيمتين ثم قال و عليك السلام و رحمة الله و بركاته من أنت فقال أنا رجل من رعيتك و أهل بلادك قال ما أنت من رعيتي و لا من أهل بلادي و لو سلمت علي يوما واحدا ما خفيت علي فقال الأمان يا أمير المؤمنين فقال أمير المؤمنين ع هل أحدثت في مصري هذا حدثا منذ دخلته قال لا قال فلعلك من رجال الحرب قال نعم قال إذا وضعت الحرب أوزارها فلا بأس قال أنا رجل بعثني إليك معاوية متغفلا لك أسألك عن شي‏ء بعث فيه ابن الأصفر و قال له إن كنت أحق بهذا الأمر و الخليفة بعد محمد ص فأجبني عما أسألك فإنك إذا فعلت ذلك اتبعتك و بعثت إليك بالجائزة فلم يكن عنده جواب و قد أقلقه ذلك فبعثني إليك لأسألك عنها فقال أمير المؤمنين ع قاتل الله ابن آكلة الأكباد ما أضله و أعماه و من معه و الله لقد أعتق جارية فما أحسن أن يتزوج بها حكم الله بيني و بين هذه الأمة قطعوا رحمي و أضاعوا أيامي و دفعوا حقي و صغروا عظيم منزلتي و أجمعوا على منازعتي علي بالحسن و الحسين و محمد فأحضروا فقال يا شامي هذان ابنا رسول الله و هذا ابني فاسأل أيهم أحببت فقال أسأل ذا الوفرة يعني الحسن ع و كان صبيا فقال له الحسن ع سلني عما بدا لك فقال الشامي كم بين الحق و الباطل و كم بين السماء و الأرض و كم بين المشرق و المغرب و ما قوس قزح و ما العين التي تأوي إليها أرواح المشركين و ما العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين و ما المؤنث و ما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض فقال الحسن بن علي ع بين الحق و الباطل أربع أصابع فما رأيته بعينك فهو الحق و قد تسمع بأذنيك باطلا كثيرا قال الشامي صدقت قال و بين السماء و الأرض دعوة المظلوم و مد البصر فمن قال لك غير هذا فكذبه قال صدقت يا ابن رسول الله قال و بين المشرق و المغرب مسيرة يوم للشمس تنظر إليها حين تطلع من مشرقها و حين تغيب في مغربها قال الشامي صدقت فما قوس قزح قال ويحك لا تقل قوس قزح فإن قزح اسم شيطان و هو قوس الله و علامة الخصب و أمان لأهل الأرض من الغرق و أما العين التي تأوي إليها أرواح المشركين فهي عين يقال لها برهوت و أما العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين فهي عين يقال لها سلمى و أما المؤنث فهو

 الذي لا يدرى أ ذكر هو أو أنثى فإنه ينتظر به فإن كان ذكرا احتلم و إن كانت أنثى حاضت و بدا ثديها و إلا قيل له بل على الحائط فإن أصاب بوله الحائط فهو ذكر و إن انتكص بوله كما ينتكص بول البعير فهي امرأة و أما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض فأشد شي‏ء خلقه الله عز و جل الحجر و أشد من الحجر الحديد يقطع به الحجر و أشد من الحديد النار تذيب الحديد و أشد من النار الماء يطفئ النار و أشد من الماء السحاب يحمل الماء و أشد من السحاب الريح يحمل السحاب و أشد من الريح الملك الذي يرسلها و أشد من الملك ملك الموت الذي يميت الملك و أشد من ملك الموت الموت الذي يميت ملك الموت و أشد من الموت أمر الله رب العالمين الذي يميت الموت فقال الشامي أشهد أنك ابن رسول الله حقا و أن عليا أولى بالأمر من معاوية ثم كتب هذه الجوابات و ذهب بها إلى معاوية فبعثها معاوية إلى ابن الأصفر فكتب إليه ابن الأصفر يا معاوية لم تكلمني بغير كلامك و تجيبني بغير جوابك أقسم بالمسيح ما هذا جوابك و ما هو إلا من معدن النبوة و موضع الرسالة و أما أنت فلو سألتني درهما ما أعطيتك

 ضه، ]روضة الواعظين[ ج، ]الإحتجاج[ مرسلا مثله بيان سيأتي مثله بزيادة و تغيير في كتاب الفتن قوله بعث فيه ابن الأصفر أي ملك الروم و إنما سمي الروم بنو الأصفر لأن أباهم الأول كان أصفر اللون و هو روم بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم كذا ذكره الجزري قوله ع قطعوا رحمي أي لم يراعوا الرحم التي بيني و بين رسول الله ص أو بيني و بينهم فالمراد به قريش و الأول أظهر. قوله ع و أضاعوا أيامي أي ما صدر مني من الغزوات و غيرها مما أيد الله به الدين و نصر به المسلمين و ما أظهر الله و رسوله من مناقبي فكثيرا ما يطلق الأيام و يراد بها الوقائع المشهورة الواقعة فيها و قال المفسرون في قوله تعالى وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ أي نعمه و سيأتي في بعض الروايات و أصغوا إنائي أي أمالوه لينصب ما فيه و الوفرة الشعر المجتمع على الرأس أو ما سال على الأذنين منه أو ما جاوز شحمة الأذن قوله و كان صبيا أي حدث السن فإنه ع كان في زمن خلافة أمير المؤمنين ع متجاوزا عن الثلاثين. قوله ع فمن قال غير هذا فكذبه أي لا يعلم أكثر الناس و لا يصلحهم أن يعلموا بغير هذا الوجه فلا ينافي ما ورد من تحديده في بعض الأخبار لبعض المصالح و سيأتي في كتاب السماء و العالم و سيأتي تفصيل أجزاء الخبر في مواضعها

 2-  فس، ]تفسير القمي[ الحسين بن عبد الله السكيني عن أبي سعيد البجلي عن عبد الملك بن هارون عن أبي عبد الله عن آبائه ع قال لما بلغ ملك الروم أمر أمير المؤمنين ع و معاوية و أخبر أن رجلين قد خرجا يطلبان الملك فسأل من أين خرجا فقيل له رجل بالكوفة و رجل بالشام فأمر الملك وزراءه فقال تخللوا هل تصيبون من تجار العرب من يصفهما لي فأتي برجلين من تجار الشام و رجلين من تجار مكة فسألهم من صفتهما فوصفوهما له ثم قال لخزان بيوت خزائنه أخرجوا إلي الأصنام فأخرجوها فنظر إليها فقال الشامي ضال و الكوفي هاد ثم كتب إلى معاوية أن ابعث إلي أعلم أهل بيتك و كتب إلى أمير المؤمنين ع أن ابعث إلي أعلم أهل بيتك فأسمع منهما ثم أنظر في الإنجيل كتابنا ثم أخبركما من أحق بهذا الأمر و خشي على ملكه فبعث معاوية يزيد ابنه و بعث أمير المؤمنين ع الحسن ع ابنه فلما دخل يزيد على الملك أخذ بيده فقبلها ثمقبل رأسه ثم دخل عليه الحسن بن علي صلوات الله عليهما فقال الحمد لله الذي لم يجعلني يهوديا و لا نصرانيا و لا مجوسيا و لا عابد الشمس و القمر و لا الصنم و البقر و جعلني حنيفا مسلما و لم يجعلني من المشركين تبارك الله رب العرش العظيم وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ثم جلس لا يرفع بصره فلما نظر ملك الروم إلى الرجلين أخرجهما ثم فرق بينهما ثم بعث إلى يزيد فأحضره ثم أخرج من خزائنه ثلاثمائة و ثلاثة عشر صندوقا فيها تماثيل الأنبياء و قد زينت بزينة كل نبي مرسل فأخرج صنما فعرضه على يزيد فلم يعرفه ثم عرضه عليه صنما صنما فلا يعرف منها شيئا و لا يجيب منها بشي‏ء ثم سأله عن أرزاق الخلائق و عن أرواح المؤمنين أين تجتمع و عن أرواح الكفار أين تكون إذا ماتوا فلم يعرف من ذلك شيئا ثم دعا الحسن بن علي ع فقال إنما بدأت بيزيد بن معاوية كي يعلم أنك تعلم ما لا يعلم و يعلم أبوك ما لا يعلم أبوه فقد وصف أبوك و أبوه فنظرت في الإنجيل فرأيت فيه محمدا رسول الله ص و الوزير عليا و نظرت في الأوصياء فرأيت فيها أباك وصي محمد فقال له الحسن ع سلني عما بدا لك مما تجده في الإنجيل و عما في التوراة و عما في القرآن أخبرك به إن شاء الله تعالى فدعا الملك بالأصنام فأول صنم عرض عليه في صفة القمر فقال الحسن ع فهذه صفة آدم أبو البشر ثم عرض عليه آخر في صفة الشمس فقال الحسن ع هذه صفة حواء أم البشر ثم عرض عليه آخر في صفة حسنة فقال هذه صفة شيث بن آدم و كان أول من بعث و بلغ عمره في الدنيا ألف سنة و أربعين عاما ثم عرض عليه صنم آخر فقال هذه صفة نوح صاحب السفينة و كان عمره ألفا و أربعمائة سنة و لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ثم عرض عليه صنم آخر فقال هذه صفة إبراهيم عريض الصدر طويل الجبهة ثم أخرج إليه صنم آخر فقال هذه صفة إسرائيل و هو يعقوب ثم أخرج إليه صنم آخر فقال هذه صفة إسماعيل ثم أخرج إليه صنم آخر فقال هذه صفة يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ثم أخرج صنم آخر فقال هذه صفة موسى بن عمران و كان عمره مائتين و أربعين سنة و كان بينه و بين إبراهيم خمسمائة عام ثم أخرج إليه صنم آخر فقال هذه صفة داود صاحب الحرب ثم أخرج إليه صنم آخر فقال

 هذه صفة شعيب ثم زكريا ثم يحيى ثم عيسى ابن مريم روح الله و كلمته و كان عمره في الدنيا ثلاث و ثلاثون سنة ثم رفعه الله إلى السماء و يهبط إلى الأرض بدمشق و هو الذي يقتل الدجال ثم عرض عليه صنم صنم فيخبر باسم نبي نبي ثم عرض عليه الأوصياء و الوزراء فكان يخبرهم باسم وصي وصي و وزير وزير ثم عرض عليه أصنام بصفة الملوك فقال الحسن ع هذه أصنام لم نجد صفتها في التوراة و لا في الإنجيل و لا في الزبور و لا في القرآن فلعلها من صفة الملوك فقال الملك أشهد عليكم يا أهل بيت محمد أنكم قد أعطيتم علم الأولين و الآخرين و علم التوراة و الإنجيل و الزبور و صحف إبراهيم و ألواح موسى ثم عرض عليه صنم يلوح فلما نظر إليه بكى بكاء شديدا فقال له الملك ما يبكيك فقال هذه صفة جدي محمد ص كث اللحية عريض الصدر طويل العنق عريض الجبهة أقنى الأنف أفلج الأسنان حسن الوجه قطط الشعر طيب الريح حسن الكلام فصيح اللسان كان يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر بلغ عمره ثلاثا و ستين سنة و لم يخلف بعده إلا خاتم مكتوب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله و كان يتختم في يمينه و خلف سيفه ذو الفقار و قضيبه و جبة صوف و كساء صوف كان يتسرول به لم يقطعه و لم يخطه حتى لحق بالله فقال الملك إنا نجد في الإنجيل أنه يكون له ما يتصدق على سبطيه فهل كان ذلك فقال له الحسن ع قد كان ذلك فقال الملك فبقي لكم ذلك فقال لا فقال الملك لهذه أول فتنة هذه الأمة عليها ثم على ملك نبيكم و اختيارهم على ذرية نبيهم منكم القائم بالحق الآمر بالمعروف و الناهي عن المنكر قال ثم سأل الملك الحسن ع عن سبعة أشياء خلقها الله لم تركض في رحم فقال الحسن ع أول هذا آدم ثم حواء ثم كبش إبراهيم ثم ناقة صالح ثم إبليس الملعون ثم الحية ثم الغراب التي ذكرها الله في القرآن ثم سأله عن أرزاق الخلائق فقال الحسن ع أرزاق الخلائق في السماء الرابعة تنزل بقدر و تبسط بقدر ثم سأله عن أرواح المؤمنين أين يكونون إذا ماتوا قال تجتمع عند صخرة بيت المقدس في كل ليلة الجمعة و هو عرش الله الأدنى منها يبسط الله الأرض و إليه يطويها و منها المحشر و منها استوى ربنا إلى السماء و الملائكة ثم سأله عن أرواح الكفار أين تجتمع قال تجتمع في وادي حضرموت وراء مدينة اليمن ثم يبعث الله نارا من المشرق و نارا من المغرب و يتبعهما بريحين شديدتين فيحشر الناس عند صخرة بيت المقدس فيحشر أهل الجنة عن يمين الصخرة و يزلف المتقين و يصير جهنم عن يسار الصخرة في تخوم الأرضين السابعة و فيها الفلق و السجين فيعرف الخلائق من عند الصخرة فمن وجبت له الجنة دخلها و من وجبت له النار دخلها و ذلك قوله فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَ فَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ فلما أخبر الحسن ع بصفة ما عرض عليه من الأصنام و تفسير ما سأله التفت الملك إلى يزيد بن معاوية و قال أ شعرت أن ذلك علم لا يعلمه إلا نبي مرسل أو وصي موازر قد أكرمه الله بموازرة نبيه أو عترة نبي مصطفى و غيره المعادي فقد طبع الله على قلبه و آثر دنياه على آخرته أو هواه على دينه و هو من الظالمين قال فسكت يزيد و خمد قال فأحسن الملك جائزة الحسن ع و أكرمه و قال له ادع ربك حتى يرزقني دين نبيك فإن حلاوة الملك قد حالت بيني و بين ذلك و أظنه شقاء مرديا و عذابا أليما قال فرجع يزيد إلى معاوية و كتب إليه الملك أنه يقال من آتاه الله العلم بعد نبيكم و حكم بالتوراة و ما فيها و الإنجيل و ما فيه و الزبور و ما فيه و الفرقان و ما فيه فالحق و الخلافة له و كتب إلى علي بن أبي طالب ع أن الحق و الخلافة لك و بيت النبوة فيك و في ولدك فقاتل من قاتلك يعذبه الله بيدك ثم يخلده الله نار جهنم فإن من قاتلك نجده في الإنجيل أن عليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين و عليه لعنة أهل السماوات و الأرضين

 بيان كث الشي‏ء أي كثف و القنا في الأنف طوله و دقة أرنبته مع حدب في وسطه و الفلج بالتحريك فرجة ما بين الثنايا و الرباعيات و يقال جعد قطط أي شديدة الجعودة و يقال سرولته أي ألبسته السراويل فتسرول قوله ما يتصدق على سبطيه يعني فدكا و استواء الرب من صخرة بيت المقدس إلى السماء كناية عن عروج الملائكة بأمره تعالى من ذلك الموضع إلى السماء لتسويتها و سيأتي تفسير سائر أجزاء الخبر

 3-  د، ]العدد القوية[ كتب الحسن البصري إلى الحسن بن علي ع أما بعد فأنتم أهل بيت النبوة و معدن الحكمة و إن الله جعلكم الفلك الجارية في اللجج الغامرة يلجأ إليكم اللاجئ و يعتصم بحبلكم الغالي من اقتدى بكم اهتدى و نجا و من تخلف عنكم هلك و غوى و إني كتبت إليك عند الحيرة و اختلاف الأمة في القدر فتفضي إلينا ما أفضاه الله إليكم أهل البيت فنأخذ به فكتب إليه الحسن بن علي ع أما بعد فإنا أهل بيت كما ذكرت عند الله و عند أوليائه فأما عندك و عند أصحابك فلو كنا كما ذكرت ما تقدمتمونا و لا استبدلتم بنا غيرنا و لعمري لقد ضرب الله مثلكم في كتابه حيث يقول أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ هذا لأوليائك فيما سألوا و لكم فيما استبدلتم و لو لا ما أريد من الاحتجاج عليك و على أصحابك ما كتبت إليك بشي‏ء مما نحن عليه و لئن وصل كتابي إليك لتجدن الحجة عليك و على أصحابك مؤكدة حيث يقول الله عز و جل أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ فاتبع ما كتبت إليك في القدر فإنه من لم يؤمن بالقدر خيره و شره فقد كفر و من حمل المعاصي على الله فقد فجر إن الله عز و جل لا يطاع بإكراه و لا يعصى بغلبة و لا يهمل العباد من الملكة و لكنه المالك لما ملكهم و القادر على ما أقدرهم فإن ائتمروا بالطاعة لن يكون عنها صادا مثبطا و إن ائتمروا بالمعصية فشاء أن يحول بينهم و بين ما ائتمروا به فعل و إن لم يفعل فليس هو حملهم عليها و لا كلفهم إياها جبرا بل تمكينه إياهم و عذاره إليهم طرقهم و مكنهم فجعل لهم السبيل إلى أخذ ما أمرهم به و ترك ما نهاهم عنه و وضع التكليف عن أهل النقصان و الزمانة و السلام

 4-  ف، ]تحف العقول[ جوابه ع عن مسائل سأله عنها ملك الروم حين وفد إليه و يزيد بن معاوية في خبر طويل اختصرنا منه موضع الحاجة سأله عن المجرة و عن سبعة أشياء خلقها الله لم تخلق في رحم فضحك الحسين ع فقال له ما أضحكك قال لأنك سألتني عن أشياء ما هي من منتهى العلم إلا كالقذى في عرض البحر أما المجرة فهي قوس الله و سبعة أشياء لم تخلق في رحم فأولها آدم ثم حواء و الغراب و كبش إبراهيم و ناقة الله و عصا موسى و الطير الذي خلقه عيسى ابن مريم ثم سأله عن أرزاق الخلائق فقال أرزاق العباد في السماء الرابعة ينزلها الله بقدر و يبسطها بقدر ثم سأله عن أرواح المؤمنين أين تجتمع قال تجتمع تحت صخرة بيت المقدس ليلة الجمعة و هو عرش الله الأدنى منها بسط الأرض و إليها يطويها و منها استوى إلى السماء و أما أرواح الكفار فتجتمع في دار الدنيا في حضرموت وراء مدينة اليمن ثم يبعث الله نارا من المشرق و نارا من المغرب بينهما ريحان فيحشران الناس إلى تلك الصخرة في بيت المقدس فتحبس في يمين الصخرة و تزلف الجنة للمتقين و جهنم في يسار الصخرة في تخوم الأرضين و فيها الفلق و سجين فتفرق الخلائق من عند الصخرة في بيت المقدس فمن وجبت له الجنة دخلها من عند الصخرة و من وجبت له النار دخلها من عند الصخرة

 أقول الظاهر أن هذا الخبر مختصر من الخبر السابق و إنما اشتبه اسم أحد السبطين بالآخر صلوات الله عليهما و إن أمكن صدوره منهما جميعا

 5-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ جماعة عن أبي المفضل عن ابن عقدة عن محمد بن المفضل بن إبراهيم بن قيس الأشعري عن علي بن حسان عن عبد الرحمن بن كثير عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين ع قال لما أجمع الحسن بن علي ع على صلح معاوية خرج حتى لقيه فلما اجتمعا قام معاوية خطيبا فصعد المنبر و أمر الحسن ع أن يقوم أسفل منه بدرجة ثم تكلم معاوية فقال أيها الناس هذا الحسن بن علي و ابن فاطمة رآنا للخلافة أهلا و لم ير نفسه لها أهلا و قد أتانا ليبايع طوعا ثم قال قم يا حسن فقام الحسن ع فخطب فقال الحمد لله المستحمد بالآلاء و تتابع النعماء و صارف الشدائد و البلاء عند الفهماء و غير الفهماء المذعنين من عباده لامتناعه بجلاله و كبريائه و علوه عن لحوق الأوهام ببقائه المرتفع عن كنه طيات المخلوقين من أن تحيط بمكنون غيبه رويات عقول الراءين و أشهد أن لا إله إلا الله وحده في ربوبيته و وجوده و وحدانيته صمدا لا شريك له فردا لا ظهير له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله اصطفاه و انتجبه و ارتضاه و بعثه داعيا إلى الحق سراجا منيرا و للعباد مما يخافون نذيرا و لما يأملون بشيرا فنصح للأمة و صدع بالرسالة و أبان لهم درجات العمالة شهادة عليها أمات و أحشر و بها في الآجلة أقرب و أحبر و أقول معشر الخلائق فاسمعوا و لكم أفئدة و أسماع فعوا إنا أهل بيت أكرمنا الله بالإسلام و اختارنا و اصطفانا و اجتبانا فأذهب عنا الرجس و طهرنا تطهيرا و الرجس هو الشك فلا نشك في الله الحق و دينه أبدا و طهرنا من كل أفن و غية مخلصين إلى آدم نعمة منه لم يفترق الناس قط فرقتين إلا جعلنا الله في خيرهما فأدت الأمور و أفضت الدهور إلى أن بعث الله محمدا ص للنبوة و اختاره للرسالة و أنزل عليه كتابا ثم أمره بالدعاء إلى الله عز و جل فكان أبي ع أول من استجاب لله تعالى و لرسوله ص و أول من آمن و صدق الله و رسوله و قد قال الله تعالى في كتابه المنزل على نبيه المرسل أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ فرسول الله الذي على بينة من ربه و أبي الذي يتلوه و هو شاهد منه و قد قال له رسوله ص حين أمره أن يسير إلى مكة و الموسم ببراءة سر بها يا علي فإني أمرت أن لا يسير بها إلا أنا أو رجل مني و أنت هو فعلي من رسول الله و رسول الله منه و قال له النبي حين قضى بينه و بين أخيه جعفر بن أبي طالب و مولاه زيد بن حارثة في ابنة حمزة أما أنت يا علي فمني و أنا منك و أنت ولي كل مؤمن من بعدي فصدق أبي رسول الله ص سابقا و وقاه بنفسه ثم لم يزل رسول الله في كل موطن يقدمه و لكل شديد يرسله ثقة منه به و طمأنينة إليه لعلمه بنصيحة الله و رسوله و أنه أقرب المقربين من الله و رسوله و قد قال الله عز و جل السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فكان أبي سابق السابقين إلى الله تعالى و إلى رسوله ص و أقرب الأقربين و قد قال الله تعالى لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً فأبي كان أولهم إسلاما و إيمانا و أولهم إلى الله و رسوله هجرة و لحوقا و أولهم على وجده و وسعه نفقة قال سبحانه وَ الَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَ لا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ فالناس من جميع الأمم يستغفرون له بسبقه إياهم إلى الإيمان بنبيه ص و ذلك أنه لم يسبقه إلى الإيمان به أحد و قد قال الله تعالى وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ فهو سابق جميع السابقين فكما أن الله عز و جل فضل السابقين على المتخلفين و المتأخرين فكذلك فضل سابق السابقين على السابقين و قد قال الله أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ جاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فهو المجاهد في سبيل الله حقا و فيه نزلت هذه الآية و كان ممن استجاب لرسول الله ص عمه حمزة و جعفر ابن عمه فقتلا شهيدين رضي

 الله عنهما في قتلى كثيرة معهما من أصحاب رسول الله ص فجعل الله تعالى حمزة سيد الشهداء من بينهم و جعل لجعفر جناحين يطير بهما مع الملائكة كيف يشاء من بينهم و ذلك لمكانهما من رسول الله ص و منزلتهما و قرابتهما منه و صلى رسول الله ص على حمزة سبعين صلاة من بين الشهداء الذين استشهدوا معه و كذلك جعل الله تعالى لنساء النبي ص للمحسنة منهن أجرين و للمسيئة منهن وزرين ضعفين لمكانهن من رسول الله ص و جعل الصلاة في مسجد رسول الله ص بألف صلاة في سائر المساجد إلا مسجد الحرام مسجد خليله إبراهيم ع بمكة و ذلك لمكان رسول الله ص من ربه و فرض الله عز و جل الصلاة على نبيه ص على كافة المؤمنين فقالوا يا رسول الله كيف الصلاة عليك فقال قولوا اللهم صل على محمد و آل محمد فحق على كل مسلم أن يصلي علينا مع الصلاة على النبي ص فريضة واجبة و أحل الله تعالى خمس الغنيمة لرسوله ص و أوجبها له في كتابه و أوجب لنا من ذلك ما أوجب له و حرم عليه الصدقة و حرمها علينا معه فأدخلنا و له الحمد فيما أدخل فيه نبيه ص و أخرجنا و نزهنا مما أخرجه منه و نزهه عنه كرامة أكرمنا الله عز و جل بها و فضيلة فضلنا بها على سائر العباد فقال الله تعالى لمحمد ص حين جحده كفرة أهل الكتاب و حاجوه فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ فأخرج رسول الله ص من الأنفس معه أبي و من البنين أنا و أخي و من النساء أمي فاطمة من الناس جميعا فنحن أهله و لحمه و دمه و نفسه و نحن منه و هو منا و قد قال الله تعالى إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فلما نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله ص أنا و أخي و أمي و أبي فجللنا و نفسه في كساء لأم سلمة خيبري و ذلك في حجرتها و في يومها فقال اللهم هؤلاء أهل بيتي و هؤلاء أهلي و عترتي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا فقالت أم سلمة رضي الله عنها أدخل معهم يا رسول الله قال لها رسول الله ص يرحمك الله أنت على خير و إلى خير و ما أرضاني عنك و لكنها خاصة لي و لهم

 ثم مكث رسول الله ص بعد ذلك بقية عمره حتى قبضه الله إليه يأتينا في كل يوم عند طلوع الفجر فيقول الصلاة يرحمكم الله إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً و أمر رسول الله ص بسد الأبواب الشارعة في مسجده غير بابنا فكلموه في ذلك فقال أما إني لم أسد أبوابكم و لم أفتح باب علي من تلقاء نفسي و لكني أتبع ما يوحى إلي و إن الله أمر بسدها و فتح بابه فلم يكن من بعد ذلك أحد تصيبه جنابة في مسجد رسول الله ص و يولد فيه الأولاد غير رسول الله ص و أبي علي بن أبي طالب ع تكرمة من الله تبارك و تعالى لنا و فضلا اختصنا به على جميع الناس و هذا باب أبي قرين باب رسول الله ص في مسجده و منزلنا بين منازل رسول الله ص و ذلك أن الله أمر نبيه ص أن يبني مسجده فبنى فيه عشرة أبيات تسعة لبنيه و أزواجه و عاشرها و هو متوسطها لأبي و ها هو بسبيل مقيم و البيت هو المسجد المطهر و هو الذي قال الله تعالى أَهْلَ الْبَيْتِ فنحن أهل البيت و نحن الذين أذهب الله عنا الرجس و طهرنا تطهيرا أيها الناس إني لو قمت حولا فحولا أذكر الذي أعطانا الله عز و جل و خصنا به من الفضل في كتابه و على لسان نبيه ص لم أحصه و أنا ابن النبي النذير البشير و السراج المنير الذي جعله الله رحمة للعالمين و أبي علي ع ولي المؤمنين و شبيه هارون و إن معاوية بن صخر زعم أني رأيته للخلافة أهلا و لم أر نفسي لها أهلا فكذب معاوية و ايم الله لأنا أولى الناس بالناس في كتاب الله و على لسان رسول الله ص غير أنا لم نزل أهل البيت مخيفين مظلومين مضطهدين منذ قبض رسول الله فالله بيننا و بين من ظلمنا حقنا و نزل على رقابنا و حمل الناس على أكتافنا و منعنا سهمنا في كتاب الله من الفي‏ء و الغنائم و منع أمنا فاطمة ع إرثها من أبيها إنا لا نسمي أحدا و لكن أقسم بالله قسما تاليا لو أن الناس سمعوا قول الله و رسوله لأعطتهم السماء قطرها و الأرض بركتها و لما اختلف في هذه الأمة سيفان و لأكلوها خضراء خضرة

 إلى يوم القيامة و إذا ما طمعت يا معاوية فيها و لكنها لما أخرجت سالفا من معدنها و زحزحت عن قواعدها تنازعتها قريش بينها و ترامتها كترامي الكرة حتى طمعت فيها أنت يا معاوية و أصحابك من بعدك و قد قال رسول الله ص ما ولت أمة أمرها رجلا قط و فيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا و قد تركت بنو إسرائيل و كانوا أصحاب موسى ع هارون أخاه و خليفته و وزيره و عكفوا على العجل و أطاعوا فيه سامريهم و هم يعلمون أنه خليفة موسى ع و قد سمعت هذه الأمة رسول الله ص يقول ذلك لأبي إنه مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي و قد رأوا رسول الله ص حين نصبه لهم بغدير خم و سمعوه و نادى له بالولاية ثم أمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب و قد خرج رسول الله ص حذرا من قومه إلى الغار لما أجمعوا على أن يمكروا به و هو يدعوهم لما لم يجد عليهم أعوانا و لو وجد عليهم أعوانا لجاهدهم و قد كف أبي يده و ناشدهم و استغاث أصحابه فلم يغث و لم ينصر و لو وجد عليهم أعوانا ما أجابهم و قد جعل في سعة كما جعل النبي ص في سعة و قد خذلتني الأمة و بايعتك يا ابن حرب و لو وجدت عليك أعوانا يخلصون ما بايعتك و قد جعل الله عز و جل هارون في سعة حين استضعفوه قومه و عادوه كذلك أنا و أبي في سعة من الله حين تركتنا الأمة و بايعت غيرنا و لم نجد عليه أعوانا و إنما هي السنن و الأمثال يتبع بعضها بعضا أيها الناس إنكم لو التمستم بين المشرق و الغرب رجلا جده رسول الله ص و أبوه وصي رسول الله لم تجدوا غيري و غير أخي فاتقوا الله و لا تضلوا بعد البيان و كيف بكم و أنى ذلك منكم ألا و إني قد بايعت هذا و أشار بيده إلى معاوية وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ أيها الناس إنه لا يعاب أحد بترك حقه و إنما يعاب أن يأخذ ما ليس له و كل صواب نافع و كل خطإ ضار لأهله و قد كانت القضية ففهمها سليمان فنفعت سليمان و لم تضر داود ع فأما القرابة فقد نفعت المشرك و هي و الله للمؤمن أنفع قال رسول الله ص لعمه أبي طالب و هو في الموت قل لا إله إلا الله أشفع لك بها يوم القيامة و لم يكن رسول الله ص يقول له و يعد إلا ما يكون منه على يقين و ليس ذلك لأحد من الناس كلهم غير شيخنا أعني أبا طالب يقول الله عز و جل وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَ لَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً أيها الناس اسمعوا و عوا و اتقوا الله و راجعوا و هيهات منكم الرجعة إلى الحق و قد صارعكم النكوص و خامركم الطغيان و الجحود أَ نُلْزِمُكُمُوها وَ أَنْتُمْ لَها كارِهُونَ وَ السَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى قال فقال معاوية و الله ما نزل الحسن حتى أظلمت علي الأرض و هممت أن أبطش به ثم علمت أن الإغضاء أقرب إلى العافية

 بيان الطية بالكسر النية و القصد و الأفن بالتحريك ضعف الرأي و بالفتح النقص و الغية الزنا و التألي على التفعل الحكم بالجزم و الحلف على الشي‏ء و زحزحته عن كذا أي باعدته عنه قوله ع و قد كانت القضية لعل المراد بيان أن الأوصياء و الأنبياء و عترتهم ع ليسوا كسائر الخلق في أحوالهم كما أن عدم إصابة داود ع القضية لمصلحة لم يضره و من سائر الخلق الخطأ ضار و قضية أبي طالب ع لعلها إلزام على العامة القائلين بكونه كافرا و أما التوبة فقد مضى القول فيها و النكوص الإحجام عن الشي‏ء و نكص رجع و المخامرة المخالطة. أقول سيأتي سائر احتجاجاتهما صلوات الله عليهما في أبواب تاريخهما و كتاب الفتن و إنما أوردنا هاهنا قليلا منها