باب 1- إعجاز أم المعجزات القرآن الكريم و فيه بيان حقيقة الإعجاز و بعض النوادر

الآيات البقرة إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ و قال تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَ ادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ لَنْ تَفْعَلُوا و قال سبحانه وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَ الْمَسْكَنَةُ و قال تعالى وَ إِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَ تُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ و قال تعالى قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَ لَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ و قال تعالى عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ آل عمران قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَ تُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَ بِئْسَ الْمِهادُ و قال تعالى قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ الآية و قال تعالى وَ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَ اكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ و قال تعالى قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ و قال سبحانه لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَ إِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَ حَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ و قال تعالى وَ إِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ إلى قوله تعالى لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ و قال تعالى وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ النساء وَ يَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَ اللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ و قال تعالى أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً و قال سبحانه سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَ يَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها و قال عز و جل يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَ هُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَ كانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً المائدة يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ و قال تعالى فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ و قال سبحانه فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ الآية و قال تعالى وَ إِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَ قَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَ هُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ و قال تعالى وَ أَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ و قال عز و جل وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ الأنعام وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ و قال تعالى وَ هذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ و قال سبحانه وَ مَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ و قال سبحانه وَ لَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَ كَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَ حَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ و قال تعالى وَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ الأعراف سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ إِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها و قال تعالى وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ الأنفال وَ إِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ و قال تعالى وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ و قال سبحانه فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ براءة يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ يَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ و قال تعالى يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَ لَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَ هَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا و قال سبحانه فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَ لَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إلى قوله قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ و قال سبحانه وَ لَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَ اللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ

  و قال تعالى وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا يونس وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَ لا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ و قال تعالى وَ ما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَ تَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ هود أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ و قال تعالى تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَ لا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ الرعد وَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ الحجر وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ النحل وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ و قال تعالى وَ إِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هُدىً وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَ هذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ أسرى وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ و قال سبحانه قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً الكهف وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً الأنبياء وَ أَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَ فَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَ أَنْتُمْ تُبْصِرُونَ قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَ فَهُمْ يُؤْمِنُونَ الفرقان وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَ أَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَ زُوراً وَ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَ أَصِيلًا قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً و قال تعالى وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا الشعراء وَ إِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ وَ إِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ أَ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ وَ لَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ النمل قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ و قال تعالى إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ القصص إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ العنكبوت وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَ لا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ الروم الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ وَ يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ

 سبأ وَ يَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ الزمر اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ و قال تعالى قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ السجدة وَ إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ إلى قوله تعالى وَ لَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ ءَ أَعْجَمِيٌّ وَ عَرَبِيٌّ الدخان فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَ قَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَ قالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ الفتح سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَ أَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ إلى قوله تعالى سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا و قال تعالى وَ أُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها وَ كانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيراً و قال تعالى لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّالْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ الطور أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ و قال تعالى وَ إِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ القمر سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَ يُوَلُّونَ الدُّبُرَ الصف يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ الجمعة وَ لا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ الحاقة إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَ ما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ وَ لا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ المرسلات فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ الكوثر إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ إلى قوله إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ تبت سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ تفسير قوله تعالى سَواءٌ عَلَيْهِمْ أقول الظاهر أن المراد به جماعة بأعيانهم فيكون إخبارا بما سيقع و قد وقع و إلا لأنكر عليه معاندوه ص. قوله تعالى فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ قال النيسابوري في تفسيره قد ذكر في كون القرآن معجزا طريقان. الأول إما أن يكون مساويا لكلام سائر الفصحاء أو زائدا عليه بما لا ينقض العادة أو بما ينقضها و الأولان باطلان لأنهم مع كونهم أئمة الفصاحة تحدوا بسورة منه مجتمعين أو منفردين ثم لم يأتوا بها مع أنهم كانوا متهالكين في إبطال أمره حتى بذلوا النفوس و الأموال و ارتكبوا المخاوف و المحن و كانوا في الحمية و الأنفة إلى حد لا يقبلون الحق كيف الباطل فتعين القسم الثالث. الطريق الثاني أن يقال إن بلغت السورة المتحدى بها في الفصاحة إلى حد الإعجاز فقد حصل المقصود و إلا فامتناعهم من المعارضة مع شدة دواعيهم إلى توهين أمره معجز فعلى التقديرين يحصل الإعجاز. فإن قيل و ما يدريك أنه لن يعارض في مستقبل الزمان و إن لم يعارض إلى الآن قلت لأنه لا يحتاج إلى المعارضة أشد مما وقت التحدي و إلا لزم تقرير المشبه للحق و حيث لم تقع المعارضة وقتئذ علم أن لا معارضة و إلى هذا أشار سبحانه بقوله وَ لَنْ تَفْعَلُوا و اعلم أن شأن الإعجاز لا يدرك و لا يمكن وصفه و من فسر الإعجاز بأنه صرف

  الله تعالى البشر عن معارضته أو بأنه هو كون أسلوبه مخالفا لأساليب الكلام أو بأنه هو كونه مبرأ عن التناقض أو بكونه مشتملا على الإخبار بالغيوب و بما ينخرط في سلك هذا الآراء فقد كذب ابن أخت خالته فإنا نقطع أن الاستغراب من سماع القرآن إنما هو من أسلوبه و نظمه المؤثر في القلوب تأثيرا لا يمكن إنكاره لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَ هُوَ شَهِيدٌ ثم إنه قد اجتمع في القرآن وجوه كثيرة تقتضي نقصان الفصاحة و مع ذلك فإنه قد بلغ في الفصاحة النهاية فدل ذلك على كونه معجزا. منها أن فصاحة العرب أكثرها في وصف المشاهدات كبعير أو فرس أو جارية أو ملك أو ضربة أو طعنة أو وصف حرب و ليس في القرآن من هذه الأشياء مقدار كثير. و منها أنه تعالى راعى طريق الصدق و تبرأ عن الكذب و قد قيل إن أحسن الشعر أكذبه و لهذا فإن لبيد بن ربيعة و حسان بن ثابت لما أسلما و تركا سلوك سبيل الكذب و التخييل رك شعرهما. و منها أن الكلام الفصيح و الشعر الفصيح إنما يتفق في بيت أو بيتين من قصيدة و القرآن كله فصيح بكل جزء منه. و منها أن الشاعر الفصيح إذا كرر كلامه لم يكن الثاني في الفصاحة بمنزلة الأول و كل مكرر في القرآن فهو في نهاية الفصاحة و غاية الملاحة.

أعد ذكر نعمان لنا إن ذكره هو المسك ما كررته يتضوع

 و منها أنه اقتصر على إيجاب العبادات و تحريم المنكرات و الحث على مكارم الأخلاق و الزهد في الدنيا و الإقبال على الآخرة و لا يخفى ضيق عطن البلاغة في هذه المواد. و منها أنهم قالوا إن شعر إمرئ القيس يحسن في وصف النساء و صفة الخيل و شعر النابغة عند الحرب و شعر الأعشى عند الطرب و وصف الخمر و شعر زهير عند الرغبة و الرجاء و القرآن جاء فصيحا في كل فن من فنون الكلام. و منها أن القرآن أصل العلوم كلها كعلم الكلام و علم الأصول و علم الفقه و اللغة و الصرف و النحو و المعاني و البيان و علم الأحوال و علم الأخلاق و ما شئت. و أما قوله فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ لَنْ تَفْعَلُوا فإنه يدل على إعجاز القرآن و صحة نبوة محمد ص من وجوه. أحدها أنا نعلم بالتواتر أن العرب كانوا يعادونه أشد المعاداة و يتهالكون في إبطال أمره و فراق الأوطان و العشيرة و بذل النفوس و المهج منهم من أقوى ما يدل على ذلك فإذا انضاف إليه مثل هذا التقريع و هو قوله فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ لَنْ تَفْعَلُوا فلو أمكنهم الإتيان بمثله لأتوا به و حيث لم يأتوا به ظهر كونه معجزا. و ثانيها أنه ص إن كان متهما عندهم فيما يتعلق بالنبوة فقد كان معلوم الحال في وفور العقل فلو خاف عاقبة أمره لتهمة فيه حاشاه عن ذلك لم يبالغ في التحدي إلى هذه الغاية. و ثالثها أنه لو لم يكن قاطعا بنبوته لكان يجوز خلافه و بتقدير وقوع خلافه يظهر كذبه فالمبطل المزور لا يقطع في الكلام قطعا و حيث جزم دل على صدقه. و رابعها أن قوله وَ لَنْ تَفْعَلُوا و في لن تأكيد بليغ في نفي المستقبل إلى يوم الدين إخبار بالغيب و قد وقع كما قال لأن أحدا لو عارضه لامتنع أن لا يتواصفه الناس و يتناقلوه عادة لا سيما و الطاعنون فيه أكثف عددا من الذابين عنه و إذا لم تقع المعارضة إلى الآن حصل الجزم بأنها لا تقع أبدا لاستقرار الإسلام و قلة شوكة الطاعنين انتهى و قال البيضاوي مِنْ مِثْلِهِ صفة سورة أي بسورة كائنة من مثله و الضمير لما نزلنا و من للتبعيض أو للتبيين و زائدة عند الأخفش أي بسورة مماثلة للقرآن في البلاغة و حسن النظم أو لعبدنا و من للابتداء أي بسورة كائنة ممن هو على حاله ص من كونه بشرا أميا لم يقرأ الكتب و لم يتعلم العلوم أو صلة فأتوا و الضمير للعبد و الرد إلى المنزل أوجه وَ ادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أمر بأن يستعينوا بكل من ينصرهم و يعينهم و الشهداء جمع شهيد بمعنى الحاضر أو القائم بالشهادة أو الناصر أو الإمام و من متعلقة بادعوا و المعنى و ادعوا لمعارضته من حضركم أو رجوتم معونته

  من إنسكم و جنكم و آلهتكم غير الله فإنه لا يقدر أن يأتي بمثله إلا الله أو ادعوا من دون الله شهداء يشهدون لكم بأن ما آتيتم به مثله و لا تستشهدوا بالله فإنه من ديدن المبهوت العاجز عن إقامة الحجة أو شهدائكم الذين اتخذتموهم من دون الله أولياء أو آلهة و زعمتم أنها تشهد لكم يوم القيامة أو الذين يشهدون لكم بين يدي الله على زعمكم ليعينوكم و قيل من دون الله أي من دون أولياء الله يعني فصحاء العرب و وجوه الشاهد ليشهدوا لكم أن ما آتيتم به مثله إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أنه من كلام البشر. و قال النيشابوري في قوله تعالى وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَ الْمَسْكَنَةُ أي أحيطت بهم كالقبة المضروبة على الشخص أو ألصقت بهم كما يضرب الطين على الحائط فاليهود صاغرون أذلاء أهل مسكنة إما على الحقيقة و إما لتصاغرهم و تفاقرهم خيفة أن تضاعف عليهم الجزية و هذا من جملة الإخبار بالغيب الدال على كون القرآن وحيا نازلا من السماء. أقول و كذا قوله وَ إِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ ظاهر أن هذه الإخبار كان على وجه الإعجاز إذ المنافقون كانوا يبذلون جهدهم في إخفاء أسرارهم و إبداء إيمانهم و عدم اطلاع المسلمين على بواطنهم و لو كان هذا الخبر مخالفا للواقع لأنكروا أشد الإنكار و بينوا كذبه و ظهر على سائر الخلق بتفحص أحوالهم براءتهم من ذلك و لأنكر معاندوه ص ذلك عليه و هذا بين من أحوال من يدعي أمرا لا يستأهل له و يخبر بأمور لا حقيقة لها. و قال البيضاوي في قوله تعالى قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً خاصة بكم كما قلتم لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً مِنْ دُونِ النَّاسِ أي سائرهم أو المسلمين فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ لأن من أيقن أنه من أهل الجنة اشتاقها كما قال علي ع لا أبالي سقطت على الموت أو سقط الموت علي وَ لَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ من موجبات النار و هذه الجملة إخبار بالغيب و كان كما أخبر لأنهم لو تمنوا لنقل و اشتهر فإن التمني ليس من عمل القلب ليخفى بل هو أن يقول ليت كذا و إن كان بالقلب لقالوا تمنينا و عن النبي ص لو تمنوا الموت لغص كل إنسان بريقه فمات مكانه و ما بقي على وجه الأرض يهودي. و قال الطبرسي رحمه الله هذه القصة شبيه بقصة المباهلة و إن النبي ص لما دعا النصارى إلى المباهلة امتنعوا لقلة ثقتهم بما هم عليه و خوفهم من صدق النبي ص لو باهلوني لرجعوا لا يجدون أهلا و لا مالا فلما لم يتمن اليهود الموت افتضحوا كما أن النصارى لما أحجموا عن المباهلة افتضحوا و ظهر الحق انتهى. قوله تعالى عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ أقول ظاهره أنهم كانوا يسرون خيانتهم و يخفونها فأبداها الله تعالى إذ نسبة الله تعالى هذا العلم إلى نفسه يدل على خفائها كما لا يخفى فهذا أيضا من الإخبار بالغيب. و قال البيضاوي في قوله تعالى قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ أي قل لمشركي مكة ستغلبون يعني يوم بدر و قيل لليهود فإنه ص جمعهم بعد بدر في سوق بني قينقاع فحذرهم أن ينزل بهم ما نزل بقريش فقالوا لا يغرنك أنك أصبت أغمارا لا علم لهم بالحرب لئن قاتلتنا لعلمت أنا نحن الناس فنزلت و قد صدق الله وعده بقتل قريظة و إجلاء بني النضير و فتح خيبر و ضرب الجزية على من عداهم و هو من دلائل النبوة. قوله تعالى قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ قال الطبرسي رحمه الله قيل لما فتح رسول الله ص مكة و وعد أمته ملك فارس و الروم قالت المنافقون و اليهود هيهات من أين لمحمد

  ملك فارس و الروم أ لم تكفه المدينة و مكة حتى طمع في الروم و فارس فنزلت هذه الآية عن ابن عباس و أنس و قيل إن النبي ص خط الخندق عام الأحزاب و قطع لكل عشرة أربعين ذراعا فاحتج المهاجرون و الأنصار في سلمان و كان رجلا قويا فقال المهاجرون سلمان منا و قالت الأنصار سلمان منا فقال النبي ص سلمان منا أهل البيت فقال عمرو بن عوف كنت أنا و سلمان و حذيفة و النعمان بن مقرن المزني و ستة من الأنصار في أربعين ذراعا فحفرنا حتى إذا كنا بجب ذي باب أخرج الله من باطن الخندق صخرة مروة كسرت حديدنا و شقت علينا فقلنا يا سلمان ارق إلى رسول الله ص و أخبره خبر هذه الصخرة فإما أن نعدل عنها فإن المعدل قريب و إما أن يأمرنا فيه بأمره فإنا لا نحب أن نجاوز خطه قال فرقي سلمان إلى رسول الله ص و هو ضارب عليه قبة تركية فقال يا رسول الله خرجت علينا صخرة بيضاء مروة من بطن الخندق فكسرت حديدنا و شقت علينا حتى ما يحتك منها قليل و لا كثير فمرنا فيها بأمرك فإنا لا نحب أن نتجاوز خطك قال فهبط رسول الله ص مع سلمان الخندق و التسعة على شفة الخندق فأخذ رسول الله ص المعول من يد سلمان فضربها به ضربة صدعها و برق منها برق أضاء ما بين لابتيها حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم فكبر رسول الله ص تكبيرة فتح و كبر المسلمون ثم ضربها رسول الله ص ثانية فبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم فكبر رسول الله ص تكبيرة فتح و كبر المسلمون ثم ضربها رسول الله ص ثالثة فكسرها و برق منها برق أضاء ما بين لابتيها حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم فكبر رسول الله ص تكبيرة فتح و كبر المسلمون و أخذ بيد سلمان فرقا فقال سلمان بأبي أنت و أمي يا رسول الله لقد رأيت منك شيئا ما رأيته منك قط فالتفت رسول الله ص إلى القوم و قال رأيتم ما يقول سلمان فقالوا نعم فقال ضربت ضربتي الأول فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منه قصور الحيرة و مدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب فأخبرني جبرئيل أن أمتي ظاهرة عليها ثم ضربت ضربتي الثانية فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منه قصور الحمر من أرض الروم فكأنها أنياب الكلاب فأخبرني جبرئيل أن أمتي ظاهرة عليها ثم ضربت ضربتي الثالثة فبرق لي ما رأيتم أضاءت لي منه قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب فأخبرني جبرئيل أن أمتي ظاهرة عليها فأبشروا فاستبشر المسلمون و قالوا الحمد لله موعد صدق وعدنا النصر بعد الحصر فقال المنافقون أ لا تعجبون يمنيكم و يعدكم الباطل و يعلمكم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة و مدائن كسرى و أنها تفتح لكم و أنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق و لا تستطيعون أن تبرزوا فنزل القرآن إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً و أنزل الله تعالى في هذه القصة قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ الآية. رواه الثعلبي بإسناده عن عمرو بن عوف. و قال في قوله تعالى وَ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ قال الحسن و السدي تواطأ أحد عشر رجلا من أحبار يهود خيبر و قرى عرينة و قال بعضهم لبعض ادخلوا في دين محمد أول النهار باللسان دون الاعتقاد و اكفروا به آخر النهار و قولوا إنا نظرنا في كتبنا و شاورنا علماءنا فوجدنا محمدا ليس بذلك و ظهر لنا كذبه و بطلان دينه

  فإذا فعلتم ذلك شك أصحابه في دينهم و قالوا إنهم من أهل الكتاب و هم أعلم به منا فيرجعون عن دينه إلى دينكم و قال مجاهد و المقاتل و الكلبي كان هذا في شأن القبلة لما حولت إلى الكعبة و صلوا شق ذلك على اليهود فقال كعب بن الأشرف لأصحابه آمنوا بما أنزل على محمد من أمر الكعبة و صلوا إليها وجه النهار و ارجعوا إلى قبلتكم آخره لعلهم يشكون ثم قال و في هذه الآيات معجزة باهرة لنبينا ص إذ فيها إخبار عن سرائر القوم التي لا يعلمها إلا علام الغيوب. قوله تعالى قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ قال الطبرسي رحمه الله أنكر اليهود تحليل النبي ص لحوم الإبل فقال ص كل ذلك كان حلالا لإبراهيم ع فقالت اليهود كل شي‏ء نحرمه فإنه كان محرما على نوح و إبراهيم و هلم جرا حتى انتهى إلينا فنزلت الآية عن الكلبي و أبي روق فقال تعالى كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ معناه أن كل الطعام كان حلالا لبني إسرائيل قبل أن تنزل التوراة على موسى ع فإنها تضمنت تحريم ما كان حلالا لبني إسرائيل و اختلفوا فيما حرم عليهم و حالها بعد نزولها التوراة فقيل إنه حرم عليهم ما كان يحرمونه قبل نزولها اقتداء بيعقوب ع عن السدي و قيل لم يحرمه الله تعالى عليهم في التوراة و إنما حرم عليهم بعد التوراة بظلمهم و كفرهم و قيل لم يكن شي‏ء من ذلك حراما عليهم في التوراة و إنما هو شي‏ء حرموه على أنفسهم اتباعا لأبيهم و أضافوا تحريمه إلى الله فكذبهم الله تعالى و قال قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها حتى يتبين أنه كما قلت لا كما قلتم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في دعواكم فاحتج عليهم بالتوراة و أمرهم بالإتيان بها و بأن يقرءوا ما فيها فإنه كان في التوراة أنها كانت حلالا للأنبياء و إنما حرمها إسرائيل على نفسه فلم يجسروا على إتيان التوراة

  لعلمهم بصدق النبي ص و كذبهم و كان ذلك دليلا ظاهرا على صحة نبوة نبينا ص إذ علم بأن في التوراة ما يدل على كذبهم من غير أن يعلم التوراة و قراءتها قوله تعالى لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً قال الطبرسي رحمه الله قال مقاتل إن رءوس اليهود مثل كعب بن الأشرف و أبي رافع و أبي ناشر و كنانة و ابن صوريا عمدوا إلى مؤمنيهم كعبد الله بن سلام و أصحابه فأنبوهم على إسلامهم فنزلت لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وعد الله المؤمنين أنهم منصورون و أن أهل الكتاب لا يقدرون عليهم و لا تنالهم من جهتهم مضرة إلا أذى من جهة القول و هو كذبهم على الله و تحريفهم كتاب الله و قيل هو ما كانوا يسمعون المؤمنين من الكلام المؤذي وَ إِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ منهزمين ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ أي لا يعانون لكفرهم و في هذه الآية دلالة على صحة نبوة نبينا ص لوقوع مخبره على وفق خبره لأن يهود المدينة من بني قريظة و النضير و بني قينقاع و يهود خيبر الذين حاربوا النبي ص و المسلمين لم يثبتوا لهم قط و انهزموا و لم ينالوا من المسلمين إلا بالسب و الطعن أَيْنَ ما ثُقِفُوا أي وجدوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ أي بعهد من الله وَ حَبْلٍ مِنَ النَّاسِ و عهد من الناس على وجه الذمة و غيرها من وجوه الأمان. قوله تعالى عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ أي أطراف الأصابع مِنَ الْغَيْظِ أي من الغضب و الحنق لما يرون من ائتلاف المؤمنين و اجتماع كلمتهم و نصرة الله إياهم. أقول و في هذا أيضا إخبار ببواطن أمورهم و بما كانوا يخفونه عن المسلمين على سبيل الإعجاز و كذا قوله لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إخبار بما سيكون و قد كان و كذا قوله لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ فإنه تعالى قد أخبر بالوعد و أنه قد وقع و لو لم يكن لأنكر عليه المعاندون و لو أنكروا عليه لنقل و سيأتي تفسيره و كذا قوله بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ إخبار بسرائر أمورهم. قوله تعالى لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً قال الرازي ذكروا في تفسير سلامته عن الاختلاف ثلاثة أوجه. الأول قال أبو بكر الأصم معناه أن هؤلاء المنافقين كانوا يتواطئون في السر على أنواع كثيرة من المكر و الكيد و الله تعالى كان يطلع الرسول على تلك الأحوال حالا فحالا و يخبره عنها على سبيل التفصيل و ما كانوا يجدون في كل ذلك إلا الصدق فقيل لهم إن ذلك لو لم يكن بإخبار الله تعالى لما اطرد الصدق فيه و لظهر في قول محمد أنواع الاختلاف و التفاوت فلما لم يظهر ذلك علمنا أن ذلك بإعلام الله تعالى. و الثاني و هو الذي ذهب إليه أكثر المتكلمين أن المراد منه أن القرآن كتاب كبير و هو مشتمل على أنواع كثيرة من العلوم فلو كان ذلك من عند غير الله لوقع فيه أنواع من الكلمات المتناقضة لأن الكتاب الكبير الطويل لا ينفك عن ذلك و لما لم يوجد فيه ذلك علمنا أنه ليس من عند غير الله. الثالث ما ذكره أبو مسلم الأصفهاني و هو أن المراد منه الاختلاف في رتبة الفصاحة حتى لا يكون في جملته ما يعد في الكلام الركيك بل بقيت الفصاحة فيه من أوله إلى آخره على نهج واحد و من المعلوم أن الإنسان و إن كان في غاية البلاغة و نهاية الفصاحة فإذا كتب كتابا طويلا مشتملا على المعاني الكثيرة فلا بد و أن يظهر التفاوت في كلامه بحيث يكون بعضه قويا متينا و بعضه سخيفا نازلا و لما لم يكن القرآن كذلك علمنا أنه المعجز من عند الله تعالى انتهى. و أقول قوله تعالى سَتَجِدُونَ آخَرِينَ إخبار بما سيكون و الكلام فيه كالكلام

  فيما مر و سيأتي تفسيره و كذا قوله تعالى يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ و ما قبله و ما بعده يدل على أن الله تعالى أخبر بما كانوا به مستخفين و أظهر ما كانوا له مسرين و سيأتي قصته. قوله يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ قال الرازي قال ابن عباس أخفوا صفة محمد ص و أخفوا الرجم ثم إن الرسول ص بين ذلك لهم و هذا معجز لأنه ص لم يقرأ كتابا و لم يتعلم علما من أحد فلما أخبرهم بأسرار ما في كتابهم كان ذلك إخبارا عن الغيب فيكون معجزا. قوله وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ أي لا يظهر كثيرا مما تكتمونه أنتم لأنه لا حاجة إلى إظهاره في الدين. قوله تعالى فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ قال الطبرسي يعني فتح مكة و قيل فتح بلاد المشركين أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فيه إعزاز المسلمين و إذلال المشركين و قيل هو إظهار نفاق المنافقين و قيل هو القتل و سبي الذراري لبني قريظة و الإجلاء لبني النضير. أقول و هذا أيضا إخبار بما لم يقع و قد وقع و عسى من الله موجبة. قوله تعالى فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ هذا أيضا إخبار بما لم يكن فكان و سيأتي الأخبار المستفيضة في كتاب أحوال أمير المؤمنين ع أنها نزلت فيه ع حيث قاتل الناكثين و القاسطين و المارقين. و قوله وَ قَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ إخبار عن أسرار المنافقين و كذا قوله تعالى وَ أَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ أي بين اليهود و النصارى أو بين فرق اليهود و فرق النصارى. كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ قال الطبرسي رحمه الله أي لحرب محمد ص و في هذا معجزة و دلالة لأن الله أخبر فوافق خبره المخبر فقد كانت اليهود أشد أهل الحجاز بأسا و أمنعهم دارا حتى أن قريشا تعتضد بهم و الأوس و الخزرج تستبق إلى مخالفتهم و تتكثر بنصرتهم فأباد الله خضراءهم و استأصل شأفتهم و اجتث أصلهم فأجلى النبي ص بني النضير و بني قينقاع و قتل بني قريظة و شرد أهل خيبر و غلب على فدك و دان أهل وادي القرى فمحا الله سبحانه آثارهم صاغرين و قال قتادة معناه أن الله سبحانه أذلهم ذلا لا يعزون بعده أبدا. و قال رحمه الله في قوله تعالى وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ في هذه الآية دلالة على صدق النبي ص و صحة نبوته من وجهين. أحدهما أنه وقع مخبره على ما أخبر به. و الثاني أنه لا يقدم على الإخبار به إلا و هو يأمن أن يكون مخبره على ما أخبر به

 و روي أن النبي ص لما نزلت هذه الآية قال لحراس من أصحابه كانوا يحرسونه منهم سعد و حذيفة الحقوا بملاحقكم فإن الله سبحانه عصمني من الناس

قوله تعالى وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قال الرازي هذا من شبهات منكري نبوة محمد ص قالوا لو كان رسولا من عند الله فهلا أنزل عليه آية قاهرة و معجزة باهرة و يروى أن بعض الملحدة طعن فقال لو كان محمد قد أتى بآية و معجزة لما صح أن يقول أولئك الكفار لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ. و الجواب عنه أن القرآن معجزة قاهرة بدليل أنه ص تحداهم به فعجزوا عن معارضته و ذلك يدل على كونه معجزا بقي أن يقال فإذا كان الأمر كذلك فكيف قالوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فنقول الجواب عنه من وجوه. الأول لعل القوم طعنوا في كون القرآن معجزا على سبيل اللجاج و العناد و قالوا إنه من جنس الكتب و الكتاب لا يكون من جنس المعجزات فلأجل هذه الشبهة طلبوا المعجزة. الثاني أنهم طلبوا معجزات من جنس معجزات سائر الأنبياء مثل فلق البحر و إظلال الجبل. الثالث أنهم طلبوا مزيد الآيات و المعجزات على سبيل التعنت و اللجاج مثل إنزال الملائكة و إسقاط السماء كسفا و سائر ما حكاه عن الكافرين فيحتمل أن يكون المراد ما حكاه الله عن بعضهم في قوله اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ ثم إنه تعالى أجاب عن سؤالهم بقوله قُلْ إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً يعني أنه تعالى قادر على إيجاد ما طلبتموه وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ و اختلفوا في تفسيره على وجوه. فالأول أن يكون المراد أنه تعالى لما أنزل آية باهرة و معجزة قاهرة و هي القرآن كان طلب الزيادة جاريا مجرى التحكم و التعنت الباطل و الله سبحانه له الحكم و الأمر فإن شاء فعل و إن شاء لم يفعل لأن فاعليته لا يكون إلا بحسب محض المشية على قول أهل السنة أو على وفق المصلحة على مذهب المعتزلة و على التقديرين فإنها لا تكون على وفق اقتراحات الناس فإن شاء أجابهم و إن شاء لم يجبهم. الثاني لما ظهرت المعجزة القاهرة و الدلالة الكافية لم يبق لهم عذر و لا علة فعند ذلك لو أجابهم في ذلك الاقتراح فلعلهم يقترحون اقتراحا ثانيا و ثالثا و رابعا و هكذا إلى ما لا غاية له و ذلك يقضي إلى أنه لا يستقر الدليل و لا تتم الحجة فوجب في أول الأمر سد هذا الباب و الاكتفاء بما سبق من المعجزة الباهرة. الثالث أنه تعالى لو أعطاهم ما طلبوه فلو لم يؤمنوا عند ظهورها لاستحقوا عذاب الاستيصال فاقتضت رحمة الله صونهم عن هذا البلاء و إن كانوا لا يعلمون كيفية هذه الرحمة و لذا قال وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ. الرابع أنه تعالى علم منهم أنهم إنما يطلبون هذه المعجزات لا لطلب الفائدة

  بل للعناد و التعصب و علم أنه لو أعطاهم مطلوبهم فهم لا يؤمنون و لا يفترون فلهذا السبب ما أعطاهم مطلوبهم لعلمه تعالى أنه لا فائدة في ذلك فالمراد من قوله وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ هو أن القوم لا يعلمون أنهم لما طلبوا ذلك على سبيل التعنت و التعصب ما أعطاهم و لو كانوا عالمين لطلبوا ذلك على سبيل طلب الفائدة فكان الله يعطيهم ذلك على أكمل الوجوه انتهى كلامه. أقول يمكن أن يقال في المقام الأول إن ما ذكروه من إنزال الآية كالصريح في أنهم إنما طلبوا أمرا بينا يرون نزوله من السماء كنزول الملائكة عيانا أو نزول الكتاب كذلك أو نزول كسف من السماء و هذا لا ينافي وقوع سائر المعجزات من الإخبار بالمغيبات و إحياء الأموات و شق القمر و غير ذلك و ورود الإنزال في سائر الآيات في إنزال القرآن و الأحكام و غيرها مجازا لا يوجب صرف تلك الآية أيضا عن الحقيقة مع عدم الداعي إليه بل وجود القرينة على المعنى الحقيقي قوله تعالى مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ لكونه مطابقا لها في الأصول و لشهادته بحقيقتها و لورودها بصفة التي نطقت بها الكتب المتقدمة قوله تعالى وَ مَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ قال الطبرسي رحمه الله قال الزجاج هذا جواب لقولهم لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا فادعوا ثم لم يفعلوا و بذلوا النفوس و الأموال و استعملوا سائر الحيل في إطفاء نور الله و أبى الله إلا أن يتم نوره و قيل المراد به عبد الله بن سعد بن أبي سرح أملى عليه رسول الله ص ذات يوم وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ إلى قوله ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فجرى على لسان ابن أبي سرح فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ فأملاه عليه و قال هكذا أنزل فارتد عدو الله و قال إن كان محمد صادقا فلقد أوحي إلي كما أوحي إليه و لئن كان كاذبا فلقد قلت كما قال و ارتد عن الإسلام و هدر رسول الله ص دمه فلما كان يوم الفتح جاء به عثمان و قد أخذ بيده و رسول الله ص في المسجد فقال يا رسول الله اعف عنه فسكت رسول الله ص ثم أعاد فسكت ثم أعاد فقال هو لك فلما مر قال رسول الله ص لأصحابه أ لم أقل من رآه فليقتله فقال عباد بن بشر كانت عيني إليك يا رسول الله أن تشير إلي فأقتله فقال ص الأنبياء لا يقتلون بالإشارة انتهى. و في قوله تعالى ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إخبار عن عدم إيمان جماعة و لم يؤمنوا. قوله إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ قال الطبرسي أي أن يجبرهم على الإيمان و هو المروي عن أهل البيت ع. قوله تعالى سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ إذا كان المراد سأصرف عن إبطال آياتي و المنع من تبليغها هؤلاء المتكبرين بالإهلاك أو المنع من غير إهلاك فلا يقدرون على القدح فيها و يكون المراد بها المكذبين من هذه الأمة لا أمة موسى ع كما ذكره جماعة من المفسرين ففيها إخبار بما لم يكن و كذا قوله لا يُؤْمِنُوا بِها و في الآية وجوه أخر تركنا إيرادها لعدم احتياجنا هنا إليها. قوله وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ قال الرازي بمعنى آذن أي أعلم و اللام في قوله لَيَبْعَثَنَّ جواب القسم لأن قوله وَ إِذْ تَأَذَّنَ جار مجرى القسم و هذه الآية نزلت في اليهود على أنه لا دولة و لا عز لهم و أن الذل يلزمهم و الصغار لا يفارقهم و لما أخبر الله تعالى في زمان محمد ص عن هذه الواقعة ثم شاهدنا بأن الأمر كذلك كان هذا إخبارا صدقا عن المغيب فكان معجزا انتهى.

  و قوله تعالى وَ إِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ يدل على أنه ص وعدهم من قبل الله تعالى بما قد وقع و سيأتي شرحه. قوله تعالى قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا قال البيضاوي هو قول نضر بن الحارث و إسناده إلى الجمع إسناد ما فعله رئيس القوم إليهم فإنه كان قاضيهم و قيل هو قول الذين ائتمروا في أمره ص و هذا غاية مكابرتهم و فرط عنادهم إذ لو استطاعوا من ذلك فما منعهم أن يشاءوا و قد تحداهم و قرعهم بالعجز عشر سنين ثم قارعهم بالسيف فلم يعارضوا سواه مع أنفتهم و فرط استنكافهم أن يغلبوا خصوصا في باب البيان إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ما سطره الأولون من القصص. قوله تعالى فَسَيُنْفِقُونَها قال الطبرسي رحمه الله قيل نزلت في أبي سفيان بن حرب استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش يقاتل بهم النبي ص سوى من استجاشهم من العرب و قيل نزلت في المطعمين يوم بدر و قيل لما أصيبت قريش يوم بدر و رجع فلهم إلى مكة مشى صفوان بن أمية و عكرمة بن أبي جهل في رجال من قريش أصيب آباؤهم و إخوانهم ببدر فكلموا أبا سفيان بن حرب و من كانت له في تلك العير تجارة فقالوا يا معشر قريش إن محمدا وتركم و قتل خياركم فأعينونا بهذا المال الذي أفلت على حربه لعلنا أن ندرك منه ثارا بمن أصيب منا ففعلوا فأنزل الله فيهم هذه الآية رواه محمد بن إسحاق عن رجاله. ثم قال و في هذا دلالة على صحة نبوة النبي ص لأنه أخبر بالشي‏ء قبل كونه فوجد على ما أخبر به. قوله تعالى يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ قال الرازي المقصود منه بيان نوع ثالث من الأفعال القبيحة الصادرة عن رؤساء اليهود و النصارى و هو سعيهم في إبطال أمر محمد ص و جدهم في إخفاء الدلائل الدالة على صحة شرعه و قوة دينه و المراد من النور الدلائل الدالة على صحة نبوته ص و هي أمور كثيرة. أحدها المعجزات القاهرة التي ظهرت على يده فإن المعجز إما أن يكون دليلا على الصدق أو لا يكون فعلى الأول فحيث ظهر المعجز لا بد من حصول الصدق و إن لم يدل على الصدق قدح ذلك في نبوة موسى و عيسى ع. و ثانيها القرآن العظيم الذي ظهر على لسان محمد ص مع أنه من أول عمره إلى آخره ما تعلم و ما استفاد و ما نظر في كتاب و ذلك من أعظم المعجزات. و ثالثها أن حاصل شريعته تعظيم الله و الثناء عليه و الانقياد لطاعته و صرف النفس عن حب الدنيا و الترغيب في سعادات الآخرة و العقل يدل على أنه لا طريق إلى الله إلا من هذا الوجه. و رابعها أن شرعه كان خاليا عن جميع العيوب فليس فيه إثبات ما لا يليق بالله و ليس فيه دعوة إلى غير الله و قد ملك البلاد العظيمة و ما غير طريقته في استحقار الدنيا و عدم الالتفات إليها و لو كان مقصوده طلب الدنيا لما بقي الأمر كذلك فهذه الأحوال دلائل نيرة و براهين باهرة على صحة قوله و أنهم بكلماتهم الركيكة و شبهاتهم السخيفة و أنواع كفرهم و مكرهم أرادوا إبطال هذه الدلائل فكان هذا جاريا مجرى من يريد إبطال نور الشمس بأن ينفخ فيها ثم إنه تعالى وعد محمدا ص مزيد النصرة و إعلاء الدرجة فقال وَ يَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ. و قال في قوله تعالى هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ اعلم أن كمال حال الأنبياء لا يحصل إلا بأمور.

  أولها كثرة الدلائل و المعجزات و هو المراد من قوله أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى و ثانيها كون دينه مشتملا على أمور يظهر لكل أحد كونها موصوفة بالصواب و الصلاح و مطابقة الحكمة و موافقة المنفعة في الدنيا و الآخرة و هو المراد من قوله وَ دِينِ الْحَقِّ. و ثالثها صيرورة دينه مستعليا على سائر الأديان غالبا لأضداده قاهرا لمنكريه و هو المراد من قوله لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ. فإن قيل ظاهر قوله لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ يقتضي كونه غالبا لجميع الأديان و ليس الأمر كذلك فإن الإسلام لم يصر غالبا لسائر الأديان في أرض الهند و الروم و الصين و سائر أراضي الكفرة. فالجواب عنه من وجوه. الأول أنه لا دين لخلاف الإسلام إلا و قد قهرهم المسلمون و ظهروا عليهم في بعض المواضع و إن لم يكن ذلك في جميع مواضعهم فقهروا اليهود و أخرجوهم من بلاد العرب و غلبوا النصارى على بلاد الشام و ما والاها إلى ناحية الروم و غلبوا المجوس على ملكهم و غلبوا عباد الأصنام على كثير من بلادهم مما يلي الترك و الهند و كذلك سائر الأديان فثبت أن الذي أخبر الله عنه في هذه الآية قد وقع و حصل فكان ذلك إخبارا عن الغيب فكان معجزا. الثاني أنه روي عن أبي هريرة أنه قال هذا وعد من الله بأنه تعالى يجعل الإسلام غالبا على جميع الأديان و تمام هذا إنما يحصل عند خروج عيسى ع. و قال السدي ذلك عند خروج المهدي لا يبقى أحد إلا دخل في الإسلام أو أدى الخراج. الثالث أن المراد ليظهر الإسلام على الدين كله في جزيرة العرب و قد حصل ذلك فإنه تعالى ما أبقى فيها أحدا من الكفار. الرابع أن المراد الغلبة بالحجة و البيان. قوله تعالى يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا قال الطبرسي رحمه الله اختلف فيمن نزلت فيه هذه الآية فقيل إن رسول الله ص كان جالسا في ظل حجرته فقال إنه سيأتيكم إنسان فينظر إليكم بعين شيطان فلم يلبثوا أن طلع رجل أزرق فدعاه رسول الله ص فقال علام تشتمني أنت و أصحابك فانطلق الرجل فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما قالوا فأنزل الله هذه الآية عن ابن عباس و قيل خرج المنافقون مع رسول الله ص إلى تبوك فكانوا إذا خلا بعضهم ببعض سبوا رسول الله ص و أصحابه و طعنوا في الدين فنقل ذلك حذيفة إلى رسول الله ص فقال لهم ما هذا الذي بلغني عنكم فحلفوا بالله ما قالوا شيئا من ذلك عن الضحاك و قيل نزلت في الجلاس بن سويد بن الصامت و ذلك أن رسول الله ص خطب ذات يوم بتبوك و ذكر المنافقين فسماهم رجسا و عابهم فقال الجلاس و الله لئن كان محمد صادقا فيما يقول فنحن شر من الحمير فسمعه عامر بن قيس فقال أجل و الله إن محمدا صادق و أنتم شر من الحمير فلما انصرف رسول الله ص إلى المدينة أتاه عامر بن قيس فأخبره بما قال الجلاس فقال الجلاس كذب يا رسول الله فأمرهما رسول الله أن يحلفا عند المنبر فقام الجلاس عند المنبر فحلف بالله ما قاله ثم قام عامر فحلف بالله لقد قاله ثم قال اللهم أنزل على نبيك الصادق منا الصدوق فقال رسول الله و المؤمنون آمين فنزل جبرئيل ع قبل أن يتفرقا بهذه الآية حتى بلغ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ فقام الجلاس فقال يا رسول الله اسمع الله قد عرض علي التوبة صدق عامر بن قيس فيما قال لك لقد قلته و أنا أستغفر الله و أتوب

  إليه فقبل رسول الله ص ذلك منه عن الكلبي و محمد بن إسحاق و مجاهد و قيل نزلت في عبد الله بن أبي سلول حين قال لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ عن قتادة و قيل نزلت في أهل العقبة في أنهم ائتمروا في أن يغتالوا رسول الله ص في عقبة مرجعهم من تبوك و أرادوا أن يقطعوا أنساع راحلته ثم ينخسوا فأطلعه تعالى على ذلك و كان من جملة معجزاته لأنه لا يمكن معرفة ذلك إلا بوحي من الله فسار رسول الله ص في العقبة وحده و عمار و حذيفة معه أحدهما يقود ناقته و الآخر يسوقها و أمر الناس كلهم بسلوك بطن الوادي و كان الذين هموا بقتله اثني عشر رجلا أو خمسة عشر رجلا على الخلاف فيه عرفهم رسول الله ص و سماهم بأسمائهم واحدا واحدا عن الزجاج و الواقدي و الكلبي و قال الباقر ع كانت ثمانية منهم من قريش و أربعة من العرب انتهى. و أما قوله لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَ لَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا فيحتمل الدعاء عليهم و الإخبار عن امتداد شقاوتهم و الأخير أظهر فيكون من باب المعجزات و كذا قوله لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ إخبار بسرائرهم و كذا قوله وَ اللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ و كذا قوله نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ فإنها كلها إخبار عما كانوا يسرون من المسلمين قوله ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قال الرازي في الفرق بينهما إن المراد بالأول الإتيان بكتاب آخر لا على ترتيب هذا القرآن و لا على نظمه و بالثاني تغيير هذا القرآن كأن يضع مكان ذم بعض الأشياء مدحها و مكان آية رحمة آية عذاب أو المراد بالأول الإتيان بغيره مع كون هذا الكتاب باقيا بحاله و بالثاني أن يغير هذا الكتاب ثم إن سؤالهم إما أن يكون على سبيل السخرية و الاستهزاء أو كان غرضهم التماس كتاب لا يشتمل على سب آلهتهم و الطعن في طرائقهم فأمر بأن يجيبهم بأن هذا التبديل غير جائز مني إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ و إنما لم يتعرض للإتيان بقرآن غير هذا لأنه لما بين أنه لا يجوز له أن يبدله من تلقاء نفسه لأنه وارد من الله تعالى و لا يقدر على مثله كما لا يقدر سائر العرب على مثله و كان ذلك متقررا في نفوسهم بسبب ما تقدم من تحديه لهم بمثل هذا القرآن فقد دلهم بذلك على أنه لا يتمكن من قرآن غير هذا ثم لما كان هذا الالتماس لأجل أنهم اتهموه بأنه هو الذي يأتي بهذا الكتاب من عند نفسه على سبيل الاختلاق فلهذا احتج عليهم بأن أولئك الكفار كانوا قد شاهدوا رسول الله ص من أول عمره إلى ذلك الوقت و كانوا عالمين بأحواله و أنه ما طالع كتابا و لا تلمذ لأستاذ و لا تعلم من أحد ثم بعد انقراض أربعين سنة على هذا الوجه جاءهم بهذا الكتاب العظيم المشتمل على نفائس علم الأصول و دقائق علم الأحكام و لطائف علم الأخلاق و أسرار قصص الأولين و عجز عن معارضته العلماء و الفصحاء و البلغاء فكل من له عقل سليم فإنه يعرف أن مثل هذا لا يحصل إلا بالوحي و الإلهام من الله فقوله لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَ لا أَدْراكُمْ بِهِ حكم منه ص بأن هذا القرآن وحي من عند الله و قوله فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ إشارة إلى الدليل الذي قررناه قوله وَ لا أَدْراكُمْ بِهِ أي و لا أعلمكم به و قال في قوله تعالى وَ ما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى حاصله أن هذا القرآن لا يقدر عليه أحد إلا الله عز و جل ثم إنه احتج على هذه الدعوى بأمور. الأول قوله وَ لكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ و تقريره من وجوه الأول أنه ص كان رجلا أميا ما سافر إلى بلدة لأجل التعلم و ما كانت مكة بلدة العلماء و ما كان فيها شي‏ء من كتب العلم ثم إنه ص أتى بهذا القرآن و كان مشتملا على أقاصيص و القوم كانوا في غاية العداوة له فلو لم تكن هذه الأقاصيص موافقة لما في التوراة و الإنجيل لقدحوا فيه و لبالغوا في الطعن فيه فلما لم يفعلوا علمنا

  أنها مطابقة لما في التوراة و الإنجيل مع أنه ما طالعها و لا تلمذ لأحد فيها فليس إلا بوحي منه تعالى. و الثاني أن كتب الله المنزلة دلت على مقدم محمد ص و إذا كان الأمر كذلك كان مجيئه ص تصديقا لما في تلك الكتب. الثالث أنه أخبر في القرآن عن الغيوب الكثيرة في المستقبل فوقعت مطابقة لذلك الخبر كقوله تعالى الم غُلِبَتِ الرُّومُ و كقوله تعالى لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا و كقوله وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ و ذلك يدل على أن الإخبار عن هذه الغيوب إنما حصلت بالوحي من الله تعالى بين يديه. و النوع الثاني من الدلائل قوله تعالى وَ تَفْصِيلَ كُلِّ شَيْ‏ءٍ و تحقيقه أن العلوم إما أن تكون دينية أو لا و لا شك أن الأول أرفع حالا و أعظم شأنا من الثاني و أما الدينية فإما أن تكون علم العقائد و الأديان و إما أن تكون علم الأعمال فالأول هو معرفة الله تعالى و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر و أما معرفة الله فهي عبارة عن معرفة ذاته و صفة جلاله و صفة إكرامه و معرفة أفعاله و معرفة أحكامه و معرفة أسمائه و القرآن مشتمل على دلائل هذه المسائل و تفاريعها و تفاصيلها على وجه لا يساويه شي‏ء من الكتب بل لا يقرب منه شي‏ء من المصنفات و أما علم الأعمال فهو إما علم التكاليف المتعلقة بالظواهر و هو الفقه و معلوم أن جميع الفقهاء إنما استنبطوا مباحثهم عن القرآن و إما علم بصفة الباطن و رياضة القلوب و قد حصل في القرآن من مباحث هذا العلم ما لا يكاد يوجد في غيره فثبت أن القرآن مشتمل على تفاصيل جميع العلوم الشريفة عقليها و نقليها اشتمالا يمتنع حصوله في سائر الكتب فكان ذلك معجزا. و أما قوله لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ فتقريره أن الكتاب الطويل المشتمل على هذه العلوم الكثيرة لا بد و أن يشتمل على نوع من أنواع التناقض و حيث خلا عنه علمنا أنه من عند الله ثم بعد إيراد هذه الدلائل أعاد الكلام مرة أخرى بلفظ الاستفهام على سبيل الإنكار فقال أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ. ثم ذكر حجة أخرى على إبطال هذا القول فقال قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ. فإن قيل لم قال في سورة البقرة مِنْ مِثْلِهِ و هنا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ. قلنا إن محمدا ص كان رجلا أميا لم يتلمذ لأحد و لم يطالع كتابا فقيل في سورة البقرة فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ أي فليأت إنسان يساوي محمدا ص في عدم التلمذ و عدم مطالعة الكتب بسورة تساوي هذه السورة و حيث ظهر العجز ظهر المعجز فهذا لا يدل على أن السورة في نفسها معجزة و لكنه يدل على أن ظهور مثل هذه السورة من إنسان مثل محمد ص معجز ثم إنه تعالى بين في هذه السورة أن تلك السورة في نفسها معجز فإن الخلق إن تلمذوا و تعلموا و طالعوا و تفكروا فإنه لا يمكنهم الإتيان بمعارضة سورة واحدة من هذه السور فلا جرم قال تعالى في هذه الآية فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ فإن قيل قوله بِسُورَةٍ مِثْلِهِ هل يتناول جميع السور الصغار و الكبار أو يخص بالسور الكبار. قلنا هذه الآية في سورة يونس و هي مكية فالمراد مثل هذه السورة لأنها أقرب ما يمكن أن يشار إليه. و اعلم أنه قد ظهر بما قررنا أن مراتب تحدي رسول الله ص بالقرآن ستة. فأولها أنه تحداهم بكل القرآن كما قال قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الآية و ثانيها أنه تحداهم بِعَشْرِ سُوَرٍ.

  و ثالثها أنه تحداهم بِسُورَةٍ واحدة. و رابعها أنه تحداهم بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ. و خامسها أن في تلك المراتب الأربعة كان يطلب أن يأتي بالمعارضة رجل يساوي رسول الله ص في عدم التلمذ و التعلم ثم في سورة يونس طلب منهم معارضة سورة واحدة من أي إنسان سواه تعلم العلوم أو لم يتعلمها. و سادسها أن في المراتب المتقدمة تحدى كل واحد من الخلق و في هذه المرتبة تحدى جميعهم و جوز أن يستعين البعض بالبعض في الإتيان بهذه المعارضة كما قال وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ. و قال في قوله تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ أي من الأخبار التي كانت غائبة عن الخلق ما كنت تعرف هذه القصة أنت و لا قومك. فإن قيل أ ليس كان قصة نوح مشهورة عند أهل العالم. قلنا بحسب الإجمال كانت مشهورة و أما التفاصيل المذكورة فما كانت معلومة. و قال في قوله لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ اعلم أن من الناس من زعم أنه لم يظهر معجز في صدق محمد ص سوى القرآن لدلالة هذا الكلام عليه و الجواب عنه من وجهين. الأول لعل المراد منه طلب معجزات سوى التي شاهدوها منه ص كحنين الجزع و نبوع الماء من بين أصابعه و إشباع الخلق الكثير من الطعام القليل و طلبوا منه معجزات غيرها مثل فلق البحر و قلب العصا ثعبانا. و الثاني أنه لعل الكفار ذكروا هذا الكلام قبل مشاهدة سائر المعجزات. و قال في قوله تعالى وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ بعد أن ذكر وجوها. الرابع قال ابن عباس كانت امرأة حسناء تصلي خلف رسول الله ص فكان قوم يتقدمون إلى الصف الأول لئلا يروها و آخرون يتخلفون و يتأخرون ليروها إذا ركعوا و يجافون أيديهم لينظروا من تحت آباطهم فأنزل الله هذه الآية انتهى. أقول فعلى هذا فيه إخبار بأسرار القوم. قوله تعالى وَ إِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ المراد به النسخ وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ اعتراض دخل في الكلام و المعنى الله أعلم بما ينزل من الناسخ و المنسوخ و التغليظ و التخفيف في مصالح العباد و هذا توبيخ للكفار على قولهم إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ أي حقيقة القرآن و فائدة النسخ. قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ قال في الكشاف أي جبرئيل أضيف إلى القدس و هو الطهر و المراد الروح المقدس لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا أي ليبلوهم بالنسخ حتى إذا قالوا فيه هو الحق من ربنا حكم لهم بثبات القدم في الدين. قوله إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ قال الرازي اختلف في هذا البشر قيل هو عبد لبني عامر بن لؤي يقال له يعيش و كان يقرأ الكتب و قيل عداس غلام عتبة بن ربيعة و قيل عبد بني الحضرمي صاحب كتب و كان اسمه خيرا و كانت قريش تقول عبد

  الحضرمي يعلم خديجة و تعلم خديجة محمدا ص و قيل كان بمكة نصراني أعجمي اللسان اسمه بلعام و يقال ابن ميسرة يتكلم بالرومية و قيل سلمان الفارسي. قوله تعالى لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أي يميلون القول إليه أَعْجَمِيٌّ قال أبو الفتح الموصلي تركيب ع ج م وضع في كلام العرب للإبهام و الإخفاء و ضد البيان و عجم الزبيب يسمى لاختفائه و العجماء البهيمة لأنها لا توضح ما في نفسها ثم إن العرب تسمي كل من لا يعرف لغة و لا يتكلم بلسانهم أعجمي قال الفراء و أحمد بن يحيى الأعجم الذي في لسانه عجمة و إن كان من العرب أ لا ترى أنهم قالوا زياد الأعجم لأنه كانت في لسانه عجمة مع أنه كان عربيا و أما تقرير الجواب فاعلم أنه إنما يظهر إذا قلنا إن القرآن إنما كان معجزا لما فيه من الفصاحة العائدة إلى اللفظ و كأنه قيل هب أنه يتعلم المعاني من ذلك الأعجمي إلا أن القرآن إنما كان معجزا لما في ألفاظه من الفصاحة فبتقدير أن يكونوا صادقين في أن محمدا ص يتعلم تلك المعاني من ذلك الرجل إلا أن ذلك لا يقدح في المقصود لأن القرآن إنما كان معجزا لفصاحته اللفظية. قوله وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ قال الرازي فيه وجوه. الأول أن المعنى أنه لو أظهر تلك المعجزات ثم لم يؤمنوا بها بل بقوا مصرين على كفرهم فحينئذ يصيرون مستحقين لعذاب الاستيصال و هو على هذه الأمة غير جائز لأن الله تعالى علم منهم من سيؤمن أو يؤمن أولادهم فلذا ما أجابهم الله تعالى إلى مطلوبهم و ما أظهر تلك المعجزات روى ابن عباس أن أهل مكة سألوا الرسول أن يجعل الصفا ذهبا و أن يزيل عنهم الجبال حتى يزرعوا تلك الأراضي فطلب الرسول ذلك من الله تعالى فقال الله تعالى إن شئت فعلت ذلك لكن لو أنهم كفروا أهلكتهم فقال الرسول لا أريد ذلك. الثاني أن المراد لا نظهر هذه المعجزات لأن آباءكم الذين رأوها لم يؤمنوا بها و أنتم مقلدون لهم فأنتم لو رأيتموها لم تؤمنوا بها أيضا. الثالث أن الأولين شاهدوا هذه المعجزات و كذبوها فعلم الله منكم أيضا أنكم لو شاهدتموها لكذبتم بها فكان إظهارها عبثا و العبث لا يفعله الحكيم. قوله لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ قال الرازي فإن قيل هب أنه ظهر عجز الإنسان عن معارضته فكيف عرفتم عجز الجن و أيضا فلم لا يجوز أن يقال إن هذا القرآن نظم الجن ألقوه على محمد ص. أجاب العلماء عن الأول بأن عجز البشر عن معارضته يكفي في إثبات كونه معجزا. و عن الثاني أن ذلك لو وقع لوجب في حكمة الله أن يظهر ذلك التلبيس و حيث لم يظهر ذلك دل على عدمه. قوله تعالى وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قال الرازي إنا قد ذكرنا أن الشي‏ء يجب أن يكون كاملا في ذاته ثم يكون مكملا لغيره فقوله وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً إشارة إلى كونه كاملا في ذاته و قوله قَيِّماً إلى كونه مكملا لغيره لأن القيم عبارة عن القائم بمصالح الغير. و في نفي العوج وجوه. أحدها نفي التناقض عن آياته. و ثانيها أن كل ما ذكره الله فيه من التوحيد و النبوة و الأحكام و التكاليف فهو حق و صدق و لا خلل في شي‏ء منها البتة. و ثالثها أن الإنسان كأنه خرج من عالم الغيب متوجها إلى عالم الآخرة و إلى حضرة جلال الله و هذه الدنيا كأنها رباط بني على حد عالم القيامة حتى

  أن المسافر إذا نزل فيه اشتغل بالمهمات التي تجب رعايتها في هذا السفر ثم يرتحل منه متوجها إلى عالم الآخرة فكل ما دعاه من الدنيا إلى عالم الآخرة و من الجسمانيات إلى الروحانيات و من الخلق إلى الحق فهو السير المستقيم و كل ما دعاه من عالم الآخرة إلى الدنيا فهو السير المعوج و القرآن مملو من الدعوة من الخلق إلى الحق و من الدنيا إلى الآخرة و من اللذات الشهوانية الجسدانية إلى الاستنارة بالأنوار الصمدية فثبت أنه مبرأ من العوج و الانحراف و الباطل. قوله تعالى وَ أَسَرُّوا النَّجْوَى قال البيضاوي أي بالغوا في إخفائها هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ كأنهم استدلوا بكونه بشرا على كذبه في ادعاء الرسالة لادعائهم أن الرسول لا يكون إلا ملكا و استلزموا منه أن ما جاء به من الخوارق كالقرآن سحر بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ إضراب لهم عن قولهم هو سحر إلى أنه تخاليط الأحلام ثم إلى أنه كلام افتراه ثم إلى أنه قول شاعر و الظاهر أن بل الأولى لتمام حكاية و الابتداء بأخرى أو للإضراب عن تحاورهم في شأن الرسول و ما ظهر عليه من الآيات إلى تقاولهم في أمر القرآن و الثانية و الثالثة لإضرابهم عن كونه أباطيل خيلت إليه و خلطت عليه إلى كونه مفتريات اختلقها من تلقاء نفسه ثم إلى أنه كلام شعري يخيل إلى السامع معاني لا حقيقة لها و يرغبه فيها و يجوز أن يكون الكل من الله تعالى تنزيلا لأقوالهم في درج الفساد لأن كونه شعرا أبعد من كونه مفترى لأنه مشحون بالحقائق و الحكم و ليس فيه ما يناسب قول الشعراء و هو من كونه أحلاما لأنه مشتمل على مغيبات كثيرة طابقت الواقع و المفترى لا يكون كذلك بخلاف الأحلام و لأنهم جربوا رسول الله ص نيفا و أربعين سنة ما سمعوا منه كذبا قط و هو من كونه سحرا لأنه مجانسه من حيث إنهما من الخوارق فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ أي كما أرسل به الأولون مثل اليد البيضاء و العصا و إبراء الأكمه و إحياء الموتى ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أي من أهل قرية أَهْلَكْناها باقتراح الآيات لما جاءتهم أَ فَهُمْ يُؤْمِنُونَ لو جئتهم بها و هم أطغى منهم و فيه دليل على أن عدم الإتيان بالمقترح للإبقاء عليهم إذ لو أتى به لم يؤمنوا و استوجبوا عذاب الاستيصال كمن قبلهم. قوله إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ قال الرازي قال الكلبي و مقاتل نزلت في النضر بن الحارث و هو الذي قال هذا القول وَ أَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ يعني عامرا مولى حويطب بن عبد العزى و يسارا غلام عامر بن الحضرمي و جبيرا مولى عامر هؤلاء الثلاثة كانوا من أهل الكتاب و كانوا يقرءون التوراة و يحدثون أحاديث منها فلما أسلموا و كان النبي ص يتعهدهم فلأجل ذلك قال النضر ما قال فأجاب الله تعالى عن هذه الشبهة بقوله فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَ زُوراً و إنما كفى هذا القدر جوابا لأنه قد علم كل عاقل أنه ص تحداهم بالقرآن و هو النهاية في الفصاحة و قد بلغوا في الخوض على إبطال أمره كل غاية حتى أحوجهم ذلك إلى ما وصفوه به في هذه الآية فلو أمكنهم أن يعارضوه لفعلوا و لكان ذلك أقرب إلى أن يبلغوا مرادهم مما أوردوه في هذه الآيات و غيرها و لو استعان ص بغيره في ذلك لأمكنهم أيضا أن يستعينوا بغيرهم لأنه ص كأولئك في معرفة اللغة و المكنة في العبارة فلما لم يبلغوا ذلك و الحالة هذه علم أن القرآن قد بلغ الغاية في الفصاحة و انتهى إلى حد الإعجاز و لما تقدمت هذه الدلالة مرات و كرات في القرآن و ظهر بسببها سقوط هذا السؤال ظهر أن إعادة هذا السؤال بعد تقدم تلك الدلالة الواضحة لا يكون إلا التمادي في الجهل و العناد فلذلك اكتفى الله في الجواب بقوله فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَ زُوراً.

  و الشبهة الثانية لهم قوله تعالى وَ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ما سطره المتقدمون كأحاديث رستم و إسفنديار اكْتَتَبَها انتسخها محمد ص من أهل الكتاب يعني عامرا و بشارا و جبيرا و معنى اكتتب هنا أمر أن يكتب له كما يقال احتجم و افتصد إذا أمر بذلك فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ أي يلقى عليه كتابه ليتحفظها بُكْرَةً وَ أَصِيلًا قال الضحاك ما يملى عليه بكرة و أصيلا يقرؤه عليكم و قال الحسن هو قوله تعالى جوابا عن قولهم كأنه قال إن هذه الآيات تملى عليه بالوحي حالا بعد حال فكيف ينسب إلى أنه أساطير الأولين و جمهور المفسرين على أنه من كلام القوم فأجاب تعالى بقوله قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ الآية و تقريره ما قدمنا أنه ص تحداهم و ظهر عجزهم فلو كان استعان بغيره لكان عليهم أن يستعينوا بأحد فلما عجزوا ثبت أنه وحي الله تعالى و كلامه فلهذا قال قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ و ذلك لأن القادر على تركيب ألفاظ القرآن لا بد و أن يكون عالما بكل المعلومات ظاهرها و خفيها وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً و لاشتماله على الأحكام التي هي مقتضية لمصالح العباد و نظام العالم و ذلك لا يكون إلا من العالم بكل المعلومات و لاشتماله على أنواع العلوم و ذلك لا يأتي إلا من العالم بكل المعلومات إلى غير ذلك مما مر من وجوه الإعجاز في القرآن. قوله لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً قال الرازي هذا هو الشبهة الخامسة لمنكري نبوة محمد ص فإن أهل مكة قالوا تزعم أنك رسول من عند الله أ فلا تأتينا بالقرآن جملة كما أنزل التوراة جملة على موسى و الإنجيل على عيسى و الزبور على داود و أجاب الله عنه بقوله كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ بيانه من وجوه. أحدها أنه ص لم يكن من أهل القراءة و الكتابة فلو نزل عليه جملة واحدة كان لا يضبط و لجاز عليه الخطأ و الغلط. و ثانيها أن من كان الكتاب عنده فربما اعتمد على الكتاب و تساهل في الحفظ فالله تعالى ما أعطاه الكتاب دفعة بل كان ينزل عليه وظيفة ليكون حفظه له أكمل فيكون أبعد عن المساهلة و قلة التحصيل. و ثالثها أنه تعالى لو أنزل الكتاب جملة لنزلت الشرائع بأسرها دفعة واحدة على الخلق فكان يثقل عليهم ذلك لا جرم نزلت التكاليف قليلا قليلا فكان تحملها أسهل. و رابعها أنه إذا شاهد جبرئيل حالا بعد حال يقوى قلبه بمشاهدته فكان أقوى على الصبر على عوارض النبوة و على احتمال أذية قومه و على الجهاد. و خامسها أنه لما شرط الإعجاز فيه مع كونه منجما ثبت كونه معجزا فإنه لو كان ذلك مقدورا للبشر لوجب أن يأتوا بمثله منجما مفرقا. و سادسها كان القرآن ينزل بحسب أسئلتهم و الوقائع الواقعة لهم و كانوا يزدادون بصيرة لأن بسبب ذلك كان ينضم مع الفصاحة الإخبار عن الغيوب. و سابعها أن القرآن لما نزل منجما مفرقا و هو ص كان يتحداهم من أول الأمر و كان يتحداهم بكل واحد من نجوم القرآن فلما عجزوا عنه فعن معارضة الكل

  أولى فبهذا الطريق ثبت في فؤاده أن القوم عاجزون عن المعارضة لا محالة. و ثامنها أن السفارة بين الله و بين أنبيائه و تبليغ كلامه إلى الخلق منصب عظيم فيحتمل أن يقال إنه تعالى لو أنزل القرآن على محمد دفعة واحدة لبطل المنصب على جبرئيل ع فلما أنزله مفرقا منجما بقي ذلك المنصب العالي عليه و الترتيل في الكلام أن يأتي بعضه على أثر بعض على تؤدة و مهل. قوله تعالى عَلى قَلْبِكَ أي فهمك إياه و أثبته في قلبك إثبات ما لا ينسى و الباء في قوله بِلِسانٍ إما أن يتعلق بالمنذرين فالمعنى فتكون من الذين أنذروا بهذا اللسان و إما أن يتعلق بنزل فالمعنى أنزله باللسان العربي لتنذر به لأنه لو أنزله باللسان الأعجمي لقالوا ما نصنع بما لا نفهمه. و أما قوله وَ إِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ فيحتمل هذه الأخبار خاصة أو صفة القرآن أو صفة محمد ص أو المراد وجوه التخويف أَ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً حجة ثانية على نبوته ص و تقريره أن جماعة من علماء بني إسرائيل أسلموا و نصوا على مواضع في التوراة و الإنجيل ذكر فيها الرسول ص بنعته و صفته و قد كان مشركو قريش يذهبون إلى اليهود و يتعرفون منهم هذا الخبر و هذا يدل دلالة ظاهرة على نبوته ص. أقول قوله تعالى لا يُؤْمِنُونَ بِهِ إخبار بعدم إيمان هؤلاء المكذبين المعاندين و كذا قوله تعالى عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ أي تبعكم و لحقكم إخبار بما وقع عليهم قريبا في غزوة بدر و قد مر أن عسى من الله تعالى موجبة. قوله تعالى أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ قال البيضاوي كالتشبيه و التنزيه و أحوال الجنة و النار و عزير و المسيح. قوله تعالى لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قال الرازي قيل المراد به مكة و ارتداده إليها يوم الفتح و تنكيره لتعظيمه لأنه كان له فيه شأن عظيم من استيلائه عليها و قهره لأهلها و إظهار عز الإسلام و إذلال حزب الكفر و السورة مكية فكأن الله تعالى وعده و هو بمكة في أذى و غلبة من أهلها أنه يهاجر منها و يعيده إليها و قال مقاتل إنه ص خرج من الغار و سار في غير الطريق مخافة الطلب فلما رجع إلى الطريق و نزل بالجحفة بين مكة و المدينة و عرف الطريق إلى مكة اشتاق إليها و ذكر مولده و مولد أبيه فنزل جبرئيل و قال تشتاق إلى بلدك و مولدك فقال ص نعم فقال جبرئيل ع إن الله يقول إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ يعني مكة ظاهرا عليهم و هذا مما يدل على نبوته لأنه أخبر عن الغيب و وقع كما أخبر. قوله تعالى لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ قال الرازي فيه معنى لطيف و هو أن النبي صلى الله عليه و آله إذا كان قارئا كاتبا ما كان يوجب كون الكلام كلامه فإن جميع كتبة الأرض و قراءها لا يقدرون عليه لكن على ذلك التقديريكون للمبطل وجه ارتياب و على ما هو عليه لا وجه لارتيابه فهو أدخل في البطلان. قوله تعالى غُلِبَتِ الرُّومُ قال الطبرسي رحمه الله قال المفسرون غلبت فارس الروم و ظهروا عليهم على عهد رسول الله ص و فرح بذلك كفار قريش من حيث إن أهل فارس لم يكونوا أهل كتاب و ساء ذلك المسلمين و كان بيت المقدس لأهل الروم كالكعبة للمسلمين فدفعهم فارس عنه. و قوله فِي أَدْنَى الْأَرْضِ أي أدنى الأرض من أرض العرب و قيل في أدنى الأرض من أرض الشام إلى أرض فارس يريد الجزيرة و هي أقرب أرض الروم إلى فارس و قيل يريد أزرعات و كسكر وَ هُمْ يعني الروم مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ أي غلبة فارس

  إياهم سَيَغْلِبُونَ فارس فِي بِضْعِ سِنِينَ و هذه من الآيات الدالة على أن القرآن من عند الله عز و جل لأن فيه أنباء ما سيكون و لا يعلم ذلك إلا الله عز و جل لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ أي من قبل أن غلبت الروم و من بعد ما غلبت فإن شاء جعل الغلبة لأحد الفريقين على الآخر و إن شاء جعل الغلبة للفريق الآخر عليهم و إن شاء أهلكهما جميعا وَ يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ أي و يوم يغلب الروم فارسا يفرح المؤمنون بدفع الروم فارسا عن بيت المقدس لا بغلبة الروم على بيت المقدس فإنهم كفار و يفرحون أيضا لوجه آخر و هو اغتمام المشركين بذلك و لتصديق خبر الله و خبر رسوله و لأنه مقدمة لنصرهم على المشركين يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ من عباده وَ هُوَ الْعَزِيزُ في الانتقام من أعدائه الرَّحِيمُ بمن أناب إليه من خلقه وَعْدَ اللَّهِ أي وعد الله ذلك لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ بظهور الروم على فارس وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يعني كفار مكة لا يَعْلَمُونَ صحة ما أخبرنا به لجهلهم بالله. القصة عن الزهري قال كان المشركون يجادلون المسلمين و هم بمكة يقولون إن أهل الروم أهل كتاب و قد غلبهم الفرس و أنتم تزعمون أنكم ستغلبون بالكتاب الذي أنزل على نبيكم فسنغلبكم كما غلبت فارس الروم فأنزل الله تعالى الم غُلِبَتِ الرُّومُ إلى قوله فِي بِضْعِ سِنِينَ قال فأخبرني عبيد الله بن عتبة بن مسعود أن أبا بكر ناحب بعض المشركين قبل أن يحرم القمار على شي‏ء إن لم يغلب فارس في سبع سنين فقال رسول الله ص لم فعلت فكل ما دون العشرة بضع فكان ظهور فارس على الروم في تسع سنين ثم أظهر الله الروم على فارس زمن الحديبية ففرح المسلمون بظهور أهل الكتاب و روى أبو عبد الله الحافظ بالإسناد عن ابن عباس في قوله الم غُلِبَتِ الرُّومُ قال قد مضى كان ذلك في أهل فارس و الروم و كانت فارس قد غلبت عليهم ثم غلبت الروم بعد ذلك و لقي نبي الله مشركي العرب و التقت الروم و فارس فنصر الله النبي ص و من معه من المسلمين على مشركي العرب و نصر أهل الكتاب على مشركي العجم ففرح المؤمنون بنصر الله إياهم و نصر أهل الكتاب على العجم قال عطية و سألت أبا سعيد الخدري عن ذلك فقال التقينا مع رسول الله ص و مشركو العرب و التقت الروم فارس فنصرنا الله على مشركي العرب و نصر أهل الكتاب على المجوس ففرحنا بنصر الله إيانا على مشركي العرب و نصر أهل الكتاب على المجوس فذلك قوله وَ يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ و قال سفيان الثوري سمعت أنهم ظهروا يوم بدر و قال مقاتل لما كان يوم بدر غلب المسلمون كفار مكة و أخبر الله رسوله أن الروم غلبت فارسا ففرح المؤمنون بذلك و روي أنهم استردوا بيت المقدس و أن ملك الروم مشى إليه شكرا بسطت له الرياحين فمشى عليها و قال الشعبي لم تمض تلك المدة التي عقدها أبو بكر مع أبي بن خلف حتى غلب الروم فارسا و ربطوا خيولهم بالمدائن و بنوا الرومية فأخذ أبو بكر الخطر من ورثته و جاء به إلى رسول الله ص فتصدق به و روي أن أبا بكر لما أراد الهجرة تعلق به أبي و أخذ ابنه عبد الله بن أبي بكر كفيلا فلما أراد أن يخرج أبي إلى حرب أحد تعلق به عبد الله بن أبي بكر و أخذ منه ابنه كفيلا و جرح أبي في أحد و عاد إلى مكة و مات من تلك الجراحة جرحه رسول الله ص و جاءت الرواية عن النبي ص أنه قال لفارس نطحة أو نطحتان ثم لا فارس بعدها أبدا و الروم ذات القرون كلما ذهب قرن خلف قرن هبهب إلى آخر الأبد انتهى. قوله تعالى وَ يَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أي أهل الكتابين أو مطلق أهل العلم قوله تعالى اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ قال الطبرسيرحمه الله هو أحسن الحديث لفرط فصاحته و لإعجازه و لاشتماله على جميع ما يحتاج إليه المكلف من التنبيه على أدلة التوحيد و العدل و بيان أحكام الشرع و غير ذلك من المواعظ و قصص الأنبياء و الترغيب و الترهيب كِتاباً مُتَشابِهاً يشبه بعضه بعضا و يصدق بعضه بعضا ليس فيه

  اختلاف و لا تناقض أو يشبه كتب الله المتقدمة و إن كان أعم و أجمع أنفع و قيل متشابها في حسن النظم و جزالة اللفظ و جودة المعاني مَثانِيَ سمي بذلك لأنه تثنى فيه القصص و الأخبار و الأحكام و المواعظ بتصريفها في ضروب البيان و يثنى أيضا في التلاوة فلا يمل لحسن مسموعه تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ أي يأخذهم قشعريرة خوفا مما في القرآن من الوعيد ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَ قُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ إذا سمعوا ما فيه من الوعد بالثواب و الرحمة. قوله تعالى وَ إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ قال البيضاوي أي كثير النفع عديم النظير أو منيع لا يتأتى إبطاله و تحريفه لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ لا يتطرق إليه الباطل من جهة من الجهات أو مما فيه من الأخبار الماضية و الأمور الآتية وَ لَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا جواب لقولهم هلا نزل القرآن بلغة العجم لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ بينت بلسان نفقهه ءَ أَعْجَمِيٌّ وَ عَرَبِيٌّ أ كلام أعجمي و مخاطب عربي إنكار مقرر للتحضيض. قوله تعالى فَارْتَقِبْ أي فانتظرهم يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ أكثر المفسرين على أنه إخبار بقحط و مجاعة أصابتهم بسوء أعمالهم فالمراد يوم شدة و مجاعة فإن الجائع يرى بينه و بين السماء كهيئة الدخان من ضعف بصره أو لأن الهواء يظلم عام القحط لقلة الأمطار و كثرة الغبار أو لأن العرب تسمي الشر الغالب دخانا و قد قحطوا حتى أكلوا جيف الكلاب و عظامها و قيل إشارة إلى ظهور الدخان المعدود من أشراط الساعة كما مر في كتاب المعاد يَغْشَى النَّاسَ أي يحيط بهم و قوله هذا عَذابٌ أَلِيمٌ إلى قوله مُؤْمِنُونَ مقدر بقول وقع حالا و إنا مؤمنون وعد بالإيمان إن كشف العذاب عنهم أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى من أين لهم و كيف يتذكرون لهذه الحال وَ قَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ يبين لهم ما هو أعظم منها في إيجاب الادكار من الآيات و المعجزات ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَ قالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ قال بعضهم يعلمه غلام أعجمي لبعض ثقيف و قال

  آخرون إنه مجنون إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ بدعاء النبي ص فإنه دعا فرفع القحط قَلِيلًا كشفا قليلا أو زمانا قليلا و هو ما بقي من أعمارهم إِنَّكُمْ عائِدُونَ إلى الكفر غب الكشف يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى يوم القيامة أو يوم بدر ظرف لفعل دل عليه إِنَّا مُنْتَقِمُونَ و قال الطبرسي رحمه الله إن رسول الله ص دعا على قومه لما كذبوه فقال اللهم سني كسني يوسف فأجدبت الأرض فأصابت قريشا المجاعة و كان الرجل لما به من الجوع يرى بينه و بين السماء كالدخان و أكلوا الميتة و العظام ثم جاءوا إلى النبي ص و قالوا يا محمد جئت تأمرنا بصلة الرحم و قومك قد هلكوا فسأل الله تعالى لهم بالخصب و السعة فكشف عنهم ثم عادوا إلى الكفر عن ابن مسعود و الضحاك انتهى. قوله تعالى سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ أقول هذا إخبار بما سيقع و قد وقع. و قوله يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ إخبار بما في ضميرهم و كذا قوله سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ إخبار بما وقع بعد الإخبار من غزوة خيبر و قولهم ذلك كما سيأتي شرحه في غزوة الحديبية و غزوة خيبر. و كذا قوله تعالى سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ قال الطبرسي رحمه الله هم هوازن و حنين و قيل هم هوازن و ثقيف و قيل هم بنو حنيفة مع مسيلمة و قيل هم أهل فارس و قيل هم الروم و قيل هم أهل صفين أصحاب معاوية و الصحيح أن المراد بالداعي في قوله سَتُدْعَوْنَ هو النبي ص لأنه قد دعاهم بعد ذلك إلى غزوات كثيرة و قتال أقوام ذوي نجدة و شدة مثل أهل خيبر و حنين و الطائف و مؤتة و إلى تبوك و غيرها فلا معنى لحمل ذلك على بعد وفاته. و قال في قوله تعالى وَ أُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها معناه و وعدكم الله مغانم أخرى لم تقدروا عليها بعد أو قرية أخرى لم تقدروا عليها قد أعدها الله لكم و هي مكة و قيل هي ما فتح الله على المسلمين بعد ذلك إلى اليوم و قيل المراد فارس و الروم قالوا إن النبي ص بشرهم كنوز كسرى و قيصر و ما كانت العرب تقدر على قتال فارس و الروم و فتح مدائنها بل كانوا خولا لهم حتى قدروا عليها بالإسلام قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها أي قدر الله عليها و أحاط بها علما انتهى. أقول و كذا قوله تعالى لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ إخبار بالغيب كما سيأتي تفسيره. قوله تعالى أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ قال البيضاوي أي اختلقه من تلقاء نفسه بَلْ لا يُؤْمِنُونَ فيرمون بهذه المطاعن لكفرهم و عنادهم فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ مثل القرآن إِنْ كانُوا صادِقِينَ في زعمهم إذ فيهم كثير ممن عدوا فصحاء فهو رد للأقوال المذكورة بالتحدي انتهى. قوله تعالى عَذاباً دُونَ ذلِكَ أقول على قول من قال إن المراد به القتل يوم بدر أو القحط سبع سنين فهو أيضا إخبار بالغيب و قد وقع و كذا قوله تعالى سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَ يُوَلُّونَ الدُّبُرَ إشارة إلى غزوة بدر و هو من المعجزات و كذا قوله وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ و قوله لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ و قد مر بيانه و كذا قوله وَ لا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً كما مر. قال البيضاوي وَ ما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ كما تزعمون تارة قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ تصدقون لما ظهر لكم صدقه تصديقا قليلا لفرط عنادكم وَ لا بِقَوْلِ كاهِنٍ كما تزعمون أخرى قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ تذكرون تذكرا قليلا فلذلك يلتبس الأمر عليكم و ذكر الإيمان مع نفي الشاعرية و التذكر مع الكاهنية لأن عدم مشابهة القرآن للشعر أمر بين لا ينكرها إلا معاند بخلاف مباينته للكهانة فإنها تتوقف على تذكر أحوال

  الرسول ص و معاني القرآن المنافية لطريقة الكهنة و معاني أقوالهم فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ أي بعد القرآن يُؤْمِنُونَ إذا لم يؤمنوا به و هو معجز في ذاته مشتمل على الحجج الواضحة و المعاني الشريفة. قوله تعالى إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ أقول هو فوعل صيغة مبالغة في الكثرة و المراد به الكثرة في العلوم و المعارف و الفضائل و الأخلاق الكريمة و الآداب الحسنة و الذرية الطيبة و الأوصياء و العلماء و الأتباع و الأمة و الدرجات الأخروية و الشفاعة و لا يخفى وقوع ما يتعلق بالدنيا منها فهو من المعجزات. و أما قوله إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ فروي أنها نزلت في العاص بن وائل السهمي و ذلك أنه رأى رسول الله ص يخرج من المسجد فالتقيا عند باب بني سهم و تحدثا و أناس من صناديد قريش جلوس في المسجد فلما دخل العاص قالوا من الذي كنت تحدث معه قال ذاك الأبتر و كان قد توفي قبل ذلك عبد الله بن رسول الله ص و هو من خديجة و كانوا يسمون من ليس له ابن أبتر فسمته قريش عند موت ابنه أبتر و صنبورا كذا روي عن ابن عباس ففيه أيضا إعجاز بين و كذا سورة تبت بتمامها تدل على عدم إيمان أبي لهب و زوجته و قد ظهر صدقه فهو أيضا من المعجزات

 1-  فس، ]تفسير القمي[ وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ أي في شك وَ ادْعُوا شُهَداءَكُمْ يعني الذين عبدوهم و أطاعوهم من دون الله

 2-  فس، ]تفسير القمي[ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ فإنها نزلت بعد بدر لما رجع رسول الله ص من بدر أتى بني قينقاع و هم بناديهم و كان بها سوق يسمى سوق النبط فأتاهم رسول الله ص فقال يا معشر اليهود قد علمتم ما نزل بقريش و هم أكثر عددا و سلاحا و كراعا منكم فادخلوا في الإسلام فقالوا يا محمد إنك تحسب حربنا مثل حرب قومك و الله لو قد لقيتنا للقيت رجالا فنزل عليه جبرئيل فقال يا محمد قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الآية

 3-  فس، ]تفسير القمي[ سَتَجِدُونَ آخَرِينَ الآية نزلت في عيينة بن حصن الفزاري أجدبت بلادهم فجاء إلى رسول الله ص و وادعه على أن يقيم ببطن نخل و لا يتعرض له و كان منافقا ملعونا و هو الذي سماه رسول الله ص الأحمق المطاع في قومه

 4-  فس، ]تفسير القمي[ قوله يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً الآية قال يبين النبي ص ما أخفيتموه مما في التوراة من أخباره و يدع كثيرا لا يبينه

 5-  فس، ]تفسير القمي[ وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ أي هلا أنزل وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ قال لا يعلمون أن الآية إذا جاءت و لم يؤمنوا بها يهلكوا

 و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً و سيريك في آخر الزمان آيات منها دابة الأرض و الدجال و نزول عيسى ابن مريم ع و طلوع الشمس من مغربها

 6-  فس، ]تفسير القمي[ قوله مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ يعني التوراة و الإنجيل و الزبور قوله وَ لِيَقُولُوا دَرَسْتَ قال كانت قريش تقول لرسول الله ص إن الذي تخبرنا به من الأخبار تتعلمه من علماء اليهود و تدرسه قوله قُبُلًا أي عيانا قوله تعالى سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ يعني أصرف القرآن عن الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ قوله مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ قال نزلت في اليهود لا تكون لهم دولة أبدا قوله إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ قال العير أو قريش قوله فَسَيُنْفِقُونَها قال نزلت في قريش لما وافاهم ضمضم و أخبرهم بخروج رسول الله ص في طلب العير فأخرجوا أموالهم و حملوا و أنفقوا و خرجوا إلى محاربة رسول الله ص ببدر فقتلوا و صاروا إلى النار و كان ما أنفقوا حسرة عليهم قوله يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا قال نزلت في الذين تحالفوا في الكعبة أن لا يردوا هذا الأمر في بني هاشم فهي كلمة الكفر ثم قعدوا لرسول الله ص في العقبة و هموا بقتله و هو قوله وَ هَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا قوله نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ يعني المنافقين ثُمَّ انْصَرَفُوا أي تفرقوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ عن الحق إلى الباطل باختيارهم الباطل على الحق قوله بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا فإن قريشا قالت لرسول الله ص ائتنا بقرآن غير هذا فإن هذا شي‏ء تعلمته من اليهود و النصارى فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أي قد لبثت فيكم أربعين سنة قبل أن أوحي إلي لم آتكم بشي‏ء منه حتى أوحي إلي

 7-  فس، ]تفسير القمي[ وَ إِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ قال كان إذا نسخت آية قالوا لرسول الله ص أَنْتَ مُفْتَرٍ فرد الله عليهم فقال قُلْ لهم يا محمد نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ يعني جبرئيل ع

 و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله رُوحُ الْقُدُسِ قال الروح هو جبرئيل ع و القدس الطاهر لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا هم آل محمد قوله لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ هو لسان أبي فهيكة مولى ابن الحضرمي كان أعجمي اللسان و كان قد اتبع نبي الله و آمن به و كان من أهل الكتاب فقالت قريش و الله يعلم محمدا علمه بلسانه يقول الله وَ هذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ

 8-  فس، ]تفسير القمي[ وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً قال هذا مقدم و مؤخر لأن معناه الذي أنزل على عبده الكتاب قيما و لم يجعل له عوجا فقد قدم حرفا على حرف

 9-  فس، ]تفسير القمي[ وَ لَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ قال الصادق ع لو نزل القرآن على العجم ما آمنت به العرب و قد نزل على العرب فآمنت به العجم

 10-  فس، ]تفسير القمي[ قال علي بن إبراهيم في قوله وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ هو معطوف على قوله في سورة الفرقان فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَ أَصِيلًا فرد الله عليهم فقال كيف يدعون أن الذي تقرؤه أو تخبر به تكتبه عن غيرك و أنت ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَ لا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ أي شكوا

 11-  فس، ]تفسير القمي[ أبي عن ابن أبي عمير عن جميل عن أبي عبيدة عن أبي جعفر ع قال سألته عن قول الله الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ قال يا با عبيدة إن لهذا تأويلا لا يعلمه إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ من الأئمة ع إن رسول الله ص لما هاجر إلى المدينة و قد ظهر الإسلام كتب إلى ملك الروم كتابا و بعث إليه رسولا يدعوه إلى الإسلام و كتب إلى ملك فارس كتابا و بعث إليه رسولا يدعوه إلى الإسلام فأما ملك الروم فإنه عظم كتاب رسول الله و أكرم رسوله و أما ملك فارس فإنه مزق كتابه و استخف برسول الله ص و كان ملك فارس يومئذ يقاتل ملك الروم و كان المسلمون يهوون أن يغلب ملك الروم ملك فارس و كانوا لناحية ملك الروم أرجى منهم لملك فارس فلما غلب ملك فارس ملك الروم كبا لذلك المسلمون و اغتموا فأنزل الله الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ يعني غلبتها فارس في أدنى الأرض و هي الشامات و ما حولها ثم قال و فارس مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ الروم سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ قوله لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ أن يأمر وَ مِنْ بَعْدُ أن يقضي بما يشاء قوله وَ يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ قلت أ ليس الله يقول فِي بِضْعِ سِنِينَ و قد مضى للمسلمين سنون كثيرة مع رسول الله ص و في إمارة أبي بكر و إنما غلبت المؤمنون فارس في إمارة عمر قال أ لم أقل لك إن لهذا تأويلا و تفسيرا و القرآن يا با عبيدة ناسخ و منسوخ أ ما تسمع قوله لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ يعني إليه المشية في القول أن يؤخر ما قدم و يقدم ما أخر إلى يوم يحتم القضاء بنزول النصر فيه على المؤمنين و ذلك قوله وَ يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ

 كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد و العدة عن سهل جميعا عن ابن محبوب عن جميل بن صالح عن أبي عبيدة إلى قوله و هي الشامات و ما حولها يعني و فارس مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ الروم سَيَغْلِبُونَ يعني يغلبهم المسلمون فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ وَ يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ عز و جل فلما غزا المسلمون فارس و افتتحوها فرح المسلمون بنصر الله عز و جل قال قلت أ ليس الله عز و جل يقول فِي بِضْعِ سِنِينَ و قد مضى للمؤمنين سنون كثيرة مع رسول الله ص و في إمارة أبي بكر و إنما غلب المؤمنون فارس في إمارة عمر فقال أ لم أقل لكم إن لهذا تأويلا و تفسيرا و القرآن يا با عبيدة ناسخ و منسوخ أ ما تسمع لقول الله عز و جل لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ يعني إليه المشية في القول أن يؤخر ما قدم و يقدم ما أخر في القول إلى يوم يحتم القضاء بنزول النصر فيه على المؤمنين فذلك قوله عز و جل وَ يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ أي يوم يحتم القضاء بالنصر

 بيان قال الفيروزآبادي الكبوة العثرة و الوقفة منك لرجل عند الشي‏ء تكرهه. و قال البيضاوي و قرئ غلبت بالفتح و سيغلبون بالضم و معناه أن الروم غلبوا على ريف الشام و المسلمون سيغلبونهم و في السنة التاسعة من نزوله غزاهم المسلمون و فتحوا بعض بلادهم و على هذا يكون إضافة الغلب إلى الفاعل انتهى. قوله ع يعني غلبتها فارس أقول يحتمل وجهين. الأول أن يكون إضافة غلبتها في كلامه ع إضافة إلى المفعول يعني مغلوبية الروم من فارس أو يقرأ على صيغة الماضي المعلوم فيكون في قراءتهم ع غُلِبَتِ و سيغلبون كلاهما على المجهول فيكون مركبا من القراءتين و لم ينقل عن أحد و لكنه ليس بمستبعد و مثله كثير. الثاني أن يكون إضافة غلبتها إلى الفاعل و يكون قراءتهم ع موافقة لما نقلنا عن البيضاوي فيكون إشارة إلى ثلاث وقائع غلبة الروم على فارس في قوله غُلِبَتِ الرُّومُ و غلبة فارس على الروم في قوله وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ فضمير هم راجع إلى فارس لظهوره بقرينة المقام و كذا ضمير غلبهم و الإضافة في غَلَبِهِمْ إضافة إلى الفاعل و إلى غلبة المسلمين على فارس بقوله سيغلبون على المجهول. قوله أ ليس الله عز و جل يقول فِي بِضْعِ سِنِينَ أقول لما كان البضع بكسر الباء في اللغة إنما يطلق على ما بين الثلاث إلى التسع و كان تمام الغلبة على فارس في السابع عشر أو آخر السادس عشر من الهجرة فعلى المشهور بين المفسرين من نزول الآية في مكة قبل الهجرة لا بد من أن يكون بين نزول الآية و بين الفتح ست عشرة سنة و على ما هو الظاهر من الخبر من كون نزول الآية بعد مراسلة قيصر و كسرى و كانت على الأشهر في السنة السادسة فيزيد على البضع أيضا بقليل اعترض السائل بذلك فأجاب ع بأن الآية مشعرة باحتمال وقوع البداء في المدة حيث قال لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ أي لله أن يقدم الأمر قبل البضع و يؤخره بعده كما هو الظاهر من تفسيره ع

 12-  فس، ]تفسير القمي[ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ قال لا يأتيه الباطل من قبل التوراة و لا من قبل الإنجيل و الزبور و أما من خلفه لا يأتيه من بعده كتاب يبطله قوله ءَ أَعْجَمِيٌّ وَ عَرَبِيٌّ قال لو كان هذا القرآن أعجميا لقالوا كيف نتعلمه و لساننا عربي و أتيتنا بقرآن أعجمي فأحب أن ينزل بلسانهم و فيه قال الله عز و جل وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ

 13-  فس، ]تفسير القمي[ قال قريش قد اجتمعنا لننتصر و نقتلك يا محمد فأنزل الله أَمْ يَقُولُونَ يا محمد نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَ يُوَلُّونَ الدُّبُرَ يعني يوم بدر حين هزموا و أسروا و قتلوا

 14-  فس، ]تفسير القمي[ إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ قال الكوثر نهر في الجنة أعطى الله محمدا عوضا من ابنه إبراهيم قال دخل رسول الله ص على عمرو بن العاص و الحكم بن أبي العاص فقال عمرو يا با الأبتر و كان الرجل في الجاهلية إذا لم يكن له ولد يسمى أبتر ثم قال عمرو إني لأشنأ محمدا أي أبغضه فأنزل الله على رسوله ص إِنَّ شانِئَكَ أي مبغضك عمرو بن العاص هُوَ الْأَبْتَرُ يعني لا دين له و لا نسب

 15-  كا، ]الكافي[ الحسين بن محمد عن أحمد بن محمد السياري عن أبي يعقوب البغدادي قال قال ابن السكيت لأبي الحسن ع لما ذا بعث الله موسى بن عمران ع بالعصا و يده البيضاء و آلة السحر و بعث عيسى ع بآلة الطب و بعث محمدا ص على جميع الأنبياء بالكلام و الخطب فقال أبو الحسن ع إن الله لما بعث موسى ع كان الغالب على أهل عصره السحر فأتاهم من عند الله بما لم يكن في وسعهم مثله و ما أبطل به سحرهم و أثبت به الحجة عليهم و إن الله بعث عيسى ع في وقت قد ظهرت فيه الزمانات و احتاج الناس إلى الطب فأتاهم من عند الله بما لم يكن عندهم مثله و بما أحيا لهم الموتى و أبرأ الأكمه و الأبرص بإذن الله و أثبت به الحجة عليهم و إن الله بعث محمدا ص في وقت كان الغالب على أهل عصره الخطب و الكلام و أظنه قال الشعر فأتاهم من عند الله من مواعظه و أحكامه ما أبطل به قولهم و أثبت به الحجة عليهم فقال ابن السكيت تالله ما رأيت مثلك قط

 بيان قوله و آلة السحر أي ما يشبهه أو يبطله و الأول أظهر بقرينة الثاني

 16-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ البيهقي عن الصولي عن محمد بن موسى الرازي عن أبيه قال ذكر الرضا ع يوما القرآن فعظم الحجة فيه و الآية المعجزة في نظمه فقال هو حبل الله المتين و عروته الوثقى و طريقته المثلى المؤدي إلى الجنة و المنجي من النار لا يخلق من الأزمنة و لا يغث على الألسنة لأنه لم يجعل لزمان دون زمان بل جعل دليل البرهان و حجة على كل إنسان لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ

 بيان قال الجوهري غث اللحم يغث و يغث إذا كان مهزولا و كذلك غث حديث القوم و أغث أي ردؤ و فسد و فلان لا يغث عليه شي‏ء أي لا يقول في شي‏ء إنه ردي‏ء فيتركه انتهى. أقول في هذا الحديث إشارة إلى وجه آخر من إعجاز القرآن و هو عدم تكرره بتكرر القراءة و الاستماع بل كلما أكثر الإنسان من تلاوته يصير أشوق إليه و لا يوجد هذا في كلام غيره

 17-  عم، ]إعلام الورى[ كان رسول الله ص لا يكف عن عيب آلهة المشركين و يقرأ عليهم القرآن فيقولون هذا شعر محمد و يقول بعضهم بل هو كهانة و يقول بعضهم بل هو خطب و كان الوليد بن المغيرة شيخا كبيرا و كان من حكام العرب يتحاكمون إليه في الأمور و ينشدونه الأشعار فما اختاره من الشعر كان مختارا و كان له بنون لا يبرحون من مكة و كان له عبيد عشرة عند كل عبد ألف دينار يتجر بها و ملك القنطار في ذلك الزمان و القنطار جلد ثور مملو ذهبا و كان من المستهزءين برسول الله ص و كان عم أبي جهل بن هشام فقال له يا با عبد شمس ما هذا الذي يقول محمد أ سحر أم كهانة أم خطب فقال دعوني أسمع كلامه فدنا من رسول الله ص و هو جالس في الحجر فقال يا محمد أنشدني من شعرك قال ما هو بشعر و لكنه كلام الله الذي به بعث أنبياءه و رسله فقال اتل علي منه فقرأ عليه رسول الله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فلما سمع الرحمن استهزأ فقال تدعو إلى رجل باليمامة يسمى الرحمن قال لا و لكني أدعو إلى الله و هو الرحمن الرحيم ثم افتتح سورة حم السجدة فلما بلغ إلى قوله فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَ ثَمُودَ و سمعه اقشعر جلده و قامت كل شعرة في رأسه و لحيته ثم قام و مضى إلى بيته و لم يرجع إلى قريش فقالت قريش يا أبا الحكم صبأ أبو عبد شمس إلى دين محمد أ ما تراه لم يرجع إلينا و قد قبل قوله و مضى إلى منزله فاغتمت قريش من ذلك غما شديدا و غدا عليه أبو جهل فقال يا عم نكست برءوسنا و فضحتنا قال و ما ذاك يا ابن أخ قال صبوت إلى دين محمد قال ما صبوت و إني على دين قومي و آبائي و لكني سمعت كلاما صعبا تقشعر منه الجلود قال أبو جهل أ شعر هو قال ما هو بشعر قال فخطب هي قال لا إن الخطب كلام متصل و هذا كلام منثور و لا يشبه بعضه بعضا له طلاوة قال فكهانة هي قال لا قال فما هو قال دعني أفكر فيه فلما كان من الغد قالوا يا با عبد شمس ما تقول قال قولوا هو سحر فإنه آخذ بقلوب الناس فأنزل الله تعالى فيه ذَرْنِي وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً وَ جَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً وَ بَنِينَ شُهُوداً إلى قوله عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ

 و في حديث حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة قال جاء الوليد بن المغيرة إلى رسول الله ص فقال له اقرأ علي فقرأ عليه إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فقال أعد فأعاد فقال و الله إن له لحلاوة و إن عليه لطلاوة إن أعلاه لمثمر و إن أسفله لمعذق و ما يقول هذا بشر

 بيان صبأ فلان إذا خرج من دين إلى دين غيره و قد يترك الهمز و الطلاوة بالكسر و الفتح الرونق و الحسن و أعذق الشجر أي صارت لها عذوق و شعب أو أزهر

  -18  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ البيهقي عن الصولي عن أبي ذكوان عن إبراهيم بن العباس عن الرضا عن أبيه ع أن رجلا سأل أبا عبد الله ع ما بال القرآن لا يزداد على النشر و الدرس إلا غضاضة فقال لأن الله تبارك و تعالى لم يجعله لزمان دون زمان و لا لناس دون ناس فهو في كل زمان جديد و عند كل قوم غض إلى يوم القيامة

 19-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي أن ابن أبي العوجاء و ثلاثة نفر من الدهرية اتفقوا على أن يعارض كل واحد منهم ربع القرآن و كانوا بمكة عاهدوا على أن يجيئوا بمعارضته في العام القابل فلما حال الحول و اجتمعوا في مقام إبراهيم أيضا قال أحدهم إني لما رأيت قوله وَ قِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَ يا سَماءُ أَقْلِعِي وَ غِيضَ الْماءُ كففت عن المعارضة و قال الآخر و كذا أنا لما وجدت قوله فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا آيست من المعارضة و كانوا يسرون بذلك إذ مر عليهم الصادق ع فالتفت إليهم و قرأ عليهم قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ فبهتوا

  -20  م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا إلى قوله تعالى أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ قال العالم موسى بن جعفر عليه السلام فلما ضرب الله الأمثال للكافرين المجاهرين الدافعين لنبوة محمد صلى الله عليه و آله و سلم و الناصبين المنافقين لرسول الله الدافعين ما قاله محمد صلى الله عليه و آله و سلم في أخيه علي عليه السلام و الدافعين أن يكون ما قاله عن الله عز و جل و هي آيات محمد و معجزاته مضافة إلى آياته التي بينها لعلي ع بمكة و المدينة و لم يزدادوا إلا عتوا و طغيانا قال الله تعالى لمردة أهل مكة و عتاة أهل المدينة إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا حتى تجحدوا أن يكون محمد رسول الله و أن يكون هذا المنزل عليه كلامي مع إظهاري عليه بمكة الباهرات من الآيات كالغمامة التي كانت تظلهفي أسفاره و الجمادات التي كانت تسلم عليه من الجبال و الصخور و الأحجار و الأشجار و كدفاعه قاصديه بالقتل عنه و قتله إياهم و كالشجرتين المتباعدتين اللتين تلاصقتا فقعد خلفهما لحاجته ثم تراجعتا إلى أمكنتهما كما كانتا و كدعائه الشجرة فجاءته مجيبة خاضعة ذليلة ثم أمره لها بالرجوع فرجعت سامعة مطيعة فَأْتُوا يا معاشر قريش و اليهود و يا معشر النواصب المنتحلين الإسلام الذين هم منه برآء و يا معشر العرب الفصحاء البلغاء ذوي الألسن بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ من مثل محمد ص من مثل رجل منكم لا يقرأ و لا يكتب و لم يدرس كتابا و لا اختلف إلى عالم و لا تعلم من أحد و أنتم تعرفونه في أسفاره و حضره بقي كذلك أربعين سنة ثم أوتي جوامع العلم حتى علم علم الأولين و الآخرين فإن كنتم في ريب من هذه الآيات فأتوا من مثل هذا الرجل بمثل هذا الكلام ليبين أنه كاذب كما تزعمونلأن كل ما كان من عند غير الله فسيوجد له نظير في سائر خلق الله و إن كنتم معاشر قراء الكتب من اليهود و النصارى في شك مما جاءكم به محمد صلى الله عليه و آله من شرائعه و من نصبه أخاه سيد الوصيين وصيا بعد أن أظهر لكم معجزاته التي منها أن كلمته الذراع المسمومة و ناطقه ذئب و حن إليه العود و هو على المنبر و دفع الله عنه السم الذي دسته اليهود في طعامهم و قلب عليهم البلاء و أهلكهم به و كثر القليل من الطعام فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ يعني من مثل هذا القرآن من التوراة و الإنجيل و الزبور و صحف إبراهيم و الكتب الأربعة عشر فإنكم لا تجدون في سائر كتب الله سورة كسورة من هذا القرآن و كيف يكون كلام محمد المتقول أفضل من سائر كلام الله و كتبه يا معشر اليهود و النصارى ثم قال لجماعتهم وَ ادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ ادعوا أصنامكم التي تعبدونها أيها المشركون و ادعوا شياطينكم يا أيها اليهود و النصارى و ادعوا أقرناءكم من الملحدين يا منافقي المسلمين من النصاب لآل محمد الطيبين و سائر أعوانكم على آرائكم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أن محمدا تقول هذا القرآن من تلقاء نفسه لم ينزله الله عليه و أن ما ذكره من فضل علي على جميع أمته و قلده سياستهم ليس بأمر أحكم الحاكمين ثم قال عز و جل فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا أي لم تأتوا يا أيها المقرعون بحجة رب العالمين وَ لَنْ تَفْعَلُوا أي و لا يكون هذا منكم أبدا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا حطبها النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ توقد تكون عذابا على أهلها أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ المكذبين لكلامه و نبيه الناصبين العداوة لوليه و وصيه قال فاعلموا بعجزكم عن ذلك أنه من قبل الله تعالى و لو كان من قبل المخلوقين لقدرتم على معارضته فلما عجزوا بعد التقريع و التحدي قال الله عز و جل قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً

 و قال علي بن الحسين ع قوله عز و جل وَ إِنْ كُنْتُمْ أيها المشركون و اليهود و سائر النواصب من المكذبين لمحمد في القرآن في تفضيله عليا أخاه المبرز على الفاضلين الفاضل على المجاهدين الذي لا نظير له في نصرة المتقين و قمع الفاسقين و إهلاك الكافرين و بث دين الله في العالمين إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا في إبطال عبادة الأوثان من دون الله و في النهي عن موالاة أعداء الله و معاداة أولياء الله و في الحث على الانقياد لأخي رسول الله ص و اتخاذه إماما و اعتقاده فاضلا راجحا لا يقبل الله عز و جل إيمانا و لا طاعة إلا بموالاته و تظنون أن محمدا تقوله من عنده و نسبه إلى ربه فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ مثل محمد أمي لم يختلف قط إلى أصحاب كتب و علم و لا تلمذ لأحد و لا تعلم منه و هو من قد عرفتموه في حضره و سفره لم يفارقكم قط إلى بلد ليس معه منكم جماعة يراعون أحواله و يعرفون أخباره ثم جاءكم بعد بهذا الكتاب المشتمل على هذه العجائب فإن كان متقولا كما تزعمونه فأنتم الفصحاء و البلغاء و الشعراء و الأدباء الذين لا نظير لكم في سائر الأديان و من سائر الأمم فإن كان كاذبا فاللغة لغتكم و جنسه جنسكم و طبعه طبعكم و سيتفق لجماعتكم أو لبعضكم معارضة كلامه هذا بأفضل منه أو مثله لأن ما كان من قبل البشر لا عن الله فلا يجوز إلا أن يكون في البشر من يتمكن من مثله فأتوا بذلك لتعرفوه و سائر النظار إليكم في أحوالكم أنه مبطل مكذب على الله وَ ادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ الذين يشهدون بزعمكم أنكم محقون و أن ما تجيئون به نظير لما جاء به محمد و شهداءكم الذين تزعمون أنهم شهداءكم عند رب العالمين لعبادتكم لها و تشفع لكم إليه إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في قولكم إن محمدا تقوله ثم قال الله عز و جل فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا هذا الذي تحديتكم به وَ لَنْ تَفْعَلُوا أي و لا يكون ذلك منكم و لا تقدرون عليه فاعلموا أنكم مبطلون و أن محمدا الصادق الأمين المخصوص برسالة رب العالمين المؤيد بالروح الأمين و بأخيه أمير المؤمنين و سيد الوصيين فصدقوه فيما يخبر به عن الله من أوامره و نواهيه و فيما يذكره من فضل علي وصيه و أخيه فَاتَّقُوا بذلك عذاب النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا حطبها النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ حجارة الكبريت أشد الأشياء حرا أُعِدَّتْ تلك النار لِلْكافِرِينَ بمحمد و الشاكين في نبوته و الدافعين لحق علي أخيه و الجاحدين لإمامته

 إيضاح اعلم أن هذا الخبر يدل على أن إرجاع الضمير في مثله إلى النبي و إلى القرآن كليهما مراد الله تعالى بحسب بطون الآية الكريمة

 21-  م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ قال الإمام ع كذبت قريش و اليهود بالقرآن و قالوا سحر مبين تقوله فقال الله عز و جل الم ذلِكَ الْكِتابُ أي يا محمد هذا الكتاب الذي أنزلته عليك هو بالحروف المقطعة التي منها ألف لام ميم و هو بلغتكم و حروف هجائكم فأتوا بمثله إن كنتم صادقين و استعينوا على ذلك بسائر شهدائكم ثم بين أنهم لا يقدرون عليه بقوله قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ثم قال الله تعالى الم هو القرآن الذي افتتح بالم هو ذلِكَ الْكِتابُ الذي أخبرت به موسى و من بعده من الأنبياء و أخبروا بني إسرائيل أني سأنزله عليك يا محمد كتابا عربيا عزيزا لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ لا رَيْبَ فِيهِ لا شك فيه لظهوره عندهم كما أخبرهم أنبياؤهم أن محمدا ينزل عليه الكتاب لا يمحوه الماء يقرؤه هو و أمته على سائر أحوالهم هُدىً بيان من الضلالة لِلْمُتَّقِينَ الذين يتقون الموبقات و يتقون تسليط السفه على أنفسهم حتى إذا علموا ما يجب عليهم علمه عملوا بما يوجب لهم رضا ربهم

 قال و قال الصادق ع ثم الألف حرف من حروف قولك الله دل بالألف على قولك الله و دل باللام على قولك الملك العظيم القاهر للخلق أجمعين و دل بالميم على أنه المجيد المحمود في كل أفعاله و جعل هذا القول حجة على اليهود و ذلك أن الله لما بعث موسى بن عمران ع ثم من بعده من الأنبياء إلى بني إسرائيل لم يكن فيهم أحد إلا أخذ عليهم العهود و المواثيق ليؤمنن بمحمد العربي الأمي المبعوث بمكة الذي يهاجر إلى المدينة يأتي بكتاب بالحروف المقطعة افتتاح بعض سوره يحفظه أمته فيقرءونه قياما و قعودا و مشاة و على كل الأحوال يسهل الله حفظه عليهم و يقرن بمحمد أخاه و وصيه علي بن أبي طالب الآخذ عنه علومه التي علمها و المتقلد عنه الأمانة التي قلدها و مذلل كل من عاند محمدا بسيفه الباتر و مفحم كل من جادله و خاصمه بدليله القاهر يقاتل عباد الله على تنزيل كتاب محمد ص حتى يقودهم إلى قبوله طائعين و كارهين ثم إذا صار محمد إلى رضوان الله و ارتد كثير ممن كان أعطاه ظاهر الإيمان و حرفوا تأويلاته و غيروا معانيه و وضعوها على خلاف وجوهها قاتلهم بعد علي على تأويلاته حتى يكون إبليس الغاوي بهم هو الخاسئ الذليل المطرود المغلول قال فلما بعث الله محمدا ص و أظهره بمكة ثم سيره منها إلى المدينة و أظهره بها ثم أنزل عليه الكتاب و جعل افتتاح سورته الكبرى ب الم يعني الم ذلِكَ الْكِتابُ و هو ذلك الكتاب الذي أخبرت أنبيائي السالفين أني سأنزله عليك يا محمد لا رَيْبَ فِيهِ فقد ظهر كما أخبرهم به أنبياؤهم أن محمدا ينزل عليه كتاب مبارك لا يمحوه الماء يقرؤه هو و أمته على سائر أحوالهم

 بيان لا يمحوه الماء لعله مخصوص بالقرآن الذي بخط أمير المؤمنين ع أو المراد عدم محو جميعها بالماء أو إذا محي بالماء لا يذهب لأنه آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ و في بعض النسخ لا يمحوه الزمان و هو ظاهر

 22-  م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ قال الإمام عليه السلام أخبر عن علمه فيهم و هم الذين قد علم الله أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ

 23-  م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ وَ إِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قال الإمام ع لما بهر رسول الله ص هؤلاء اليهود بمعجزته و قطع معاذيرهم بواضح دلالته لم يمكنهم مراجعته في حجته و لا إدخال التلبيس عليه في معجزته قالوا يا محمد قد آمنا بأنك الرسول الهادي المهدي و أن عليا أخاك هو الوصي و الولي و كانوا إذا خلوا باليهود الآخرين يقولون لهم إن إظهارنا له الإيمان به أمكن لنا من مكروهه و أعون لنا على اصطلامه و اصطلام أصحابه لأنهم عند اعتقادهم أننا معهم يقفوننا على أسرارهم و لا يكتموننا شيئا فنطلع عليهم أعداءهم فيقصدون أذاهم بمعاونتنا و مظاهرتنا في أوقات اشتغالهم و اضطرابهم و أحوال تعذر المدافعة و الامتناع من الأعداء عليهم و كانوا مع ذلك ينكرون على سائر اليهود الإخبار للناس عما كانوا يشاهدونه من آياته و يعاينون من معجزاته فأظهر محمدا ص على سوء اعتقادهم و قبح دخيلاتهم و على إنكارهم على من اعترف بما شاهده من آيات محمد و واضحات بيناته و باهرات معجزاته

 24-  م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ الآيات قال الإمام ع قال الحسن بن علي بن أبي طالب ع إن الله تعالى لما وبخ هؤلاء اليهود على لسان رسول الله ص و قطع معاذيرهم و أقام عليهم الحجج الواضحة بأن محمدا سيد النبيين و خير الخلائق أجمعين و أن عليا سيد الوصيين و خير من يخلفه بعده في المسلمين و أن الطيبين من آله هم القوام بدين الله و الأئمة لعباد الله و انقطعت معاذيرهم و هم لا يمكنهم إيراد حجة و لا شبهة فلجئوا إلى أن كابروا فقالوا لا ندري ما تقول و لكنا نقول إن الجنة خالصة لنا من دونك يا محمد و دون علي و دون أهل دينك و أمتك فإنا بكم مبتلون ممتحنون و نحن أولياء الله المخلصون و عباده الخيرون و مستجاب دعاؤنا غير مردود علينا شي‏ء من سؤالنا فلما قالوا ذلك قال الله تعالى لنبيه ص قُلْ يا محمد لهؤلاء اليهود إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ الجنة و نعيمها خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ محمد و علي و الأئمة و سائر الأصحاب و مؤمني الأمة و أنكم بمحمد و ذريته ممتحنون و أن دعاءكم مستجاب غير مردود فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ للكاذبين منكم و من مخالفيكم فإن محمدا و عليا و ذويهما يقولون إنهم أولياء الله عز و جل من دون الناس الذين يخالفونهم في دينهم و هم المجاب دعاؤهم فإن كنتم معاشر اليهود كما تدعون فتمنوا الموت للكاذب منكم و من مخالفيكم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أنكم أنتم المحقون المجاب دعاؤكم على مخالفيكم فقولوا اللهم أمت الكاذب منا و من مخالفينا ليستريح منه الصادقون و ليزداد حجتك وضوحا بعد أن قد صحت و وجبت ثم قال لهم رسول الله ص بعد ما عرض هذا عليهم لا يقولها أحد منكم إلا غض بريقه فمات مكانه و كانت اليهود عالمين بأنهم هم الكاذبون و أن محمدا و عليا و مصدقيهما هم الصادقون فلم يجسروا أن يدعوا بذلك لعلمهم بأنهم إن دعوا فهم الميتون فقال الله تعالى وَ لَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ يعني اليهود لن يتمنوا الموت بما قدمت أيديهم من الكفر بالله و بمحمد رسوله و نبيه و صفيه و بعلي أخي نبيه و وصيه و بالطاهرين من الأئمة المنتجبين فقال تعالى وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ يعني اليهود إنهم لا يجسرون أن يتمنوا الموت للكاذب لعلمهم أنهم هم الكاذبون و لذلك أمرتك أن تبهرهم بحجتك و تأمرهم أن يدعوا على الكاذب ليمتنعوا من الدعاء و يتبين للضعفاء أنهم هم الكاذبون

 أقول قد مضى تمامه في كتاب الإحتجاج و هو مشتمل على معجزات غريبة ظهرت في تلك الحال تركناها حذرا من التكرار ثم اعلم أن الآيات المشتملة على الإخبار بالغيوب و مكنونات الضمائر و الأسرار كثيرة و كذا الأخبار المتعلقة بتفسيرها و هي مبثوثة في سائر أبواب هذا المجلد و سائر المجلدات و فيما أوردنا في هذا الباب غنى و كفاية لمن جانب العناد و الله يهدي إلى سبيل الرشاد. تذنيب فيه مقاصد الأول في حقيقة المعجزة و هي أمر تظهر بخلاف العادة من المدعي للنبوة أو الإمامة عند تحري المنكرين على وجه يدل على صدقه و لا يمكنهم معارضته و لها سبعة شروط. الأول أن يكون فعل الله أو ما يقوم مقامه من التروك كما إذا قال معجزتي أن أضع يدي على رأسي و أنتم لا تقدرون عليه ففعل و عجزوا. الثاني أن يكون خارقا للعادة. الثالث أن يتعذر معارضته فيخرج السحر و الشعبدة. الرابع أن يكون مقرونا بالتحدي و لا يشترط التصريح بالدعوى بل تكفي قرائن الأحوال. الخامس أن يكون موافقا للدعوى فلو قال معجزتي كذا و فعل خارقا آخر لم يدل على صدقه كما نقل من فعل مسيلمة و أنه تفل في البئر ليزيد ماؤه فنضب و يبس. السادس أن لا يكون ما أظهره مكذبا له كما لو أنطق الضب فقال إنه كاذب فلا يعلم صدقه بل يزداد اعتقاد كذبه بخلاف أن يحيي الميت فيكذبه فإن الصحيح أنه لا يخرج عن المعجزة لأن إحياءه معجزة و هو غير مكذب و إنما المكذب ذلك الشخص بكلامه و هو بعد الإحياء مختار في تصديقه و تكذيبه فلا يقدح تكذيبه و منهم من قدح فيه مطلقا و منهم من فرق بين استمرار حياته و بين ما إذا خر ميتا في الحال فقدح في الثاني دون الأول و الأظهر ما ذكرنا. السابع أن لا تكون المعجزة متقدما على الدعوى بل مقارنا لها أو متأخرا عنها بزمان يسير معتاد مثله و المشهور أن الخوارق المتقدمة على دعوى النبوة كرامات و إرهاصات أي تأسيسات للنبوة. الثاني في وجه دلالة المعجزة على صدق النبي أو الإمام فذهبت المعتزلة و الإمامية إلى أن خلق المعجزة على يد الكاذب مقدور لله تعالى لعموم قدرته لكنه ممتنع وقوعه في حكمته لأن فيه إيهام صدقه و هو قبيح من الله فيمتنع صدوره عنه كسائر القبائح فعلى هذا يتوقف على العلم بوجود الصانع و عموم علمه و قدرته و امتناع صدور القبيح منه و قالت الأشاعرة جرت عادة الله تعالى بخلق العلم بالصدق عقيب ظهور المعجزة فإن إظهار المعجز على يد الكاذب و إن كان ممكنا عقلا فمعلوم انتفاؤه عادة فلا تكون دلالته عقلية لتخلف الصدق عنه في الكاذب بل عادية كسائر العاديات لأن من قال أنا نبي ثم نتق الجبل و أوقفه على رءوسهم و قال إن كذبتموني وقع عليكم و إن صدقتموني أنصرف عنكم فكلما هموا بتصديقه بعد عنهم و إذا هموا بتكذيبه قرب منهم علم بالضرورة أنه صادق في دعواه و العادة قاضية بامتناع ذلك من الكاذب مع كونه ممكنا منه إمكانا عقليا لشمول قدرته للممكنات بأسرها و قد ضربوا لذلك مثلا قالوا إذا ادعى الرجل بمشهد الجم الغفير أني رسول هذا الملك إليكم ثم قال للملك إن كنت صادقا فخالف عادتك و قم من الموضع المعتاد من السرير و انتقل بمكان لا تعتاده ففعل كان ذلك نازلا منزلة التصديق بصريح مقاله و لم يشك أحد في صدقه بقرينة الحال و ليس هذا من باب قياس الغائب على الشاهد بل ندعي في إفادته العلم بالضرورة العادية و نذكر هذا المثال للتفهيم. الثالث في بيان إعجاز القرآن و وجهه زائدا على ما تقدم و هو أنه ص تحدى بالقرآن و دعا إلى الإتيان بسورة مثله مصاقع البلغاء و الفصحاء من العرب العرباء مع كثرتهم كثرة رمال الدهناء و حصى البطحاء و شهرتهم بغاية العصبية و حمية الجاهلية و تهالكهم على المباهاة و المباراة و الدفاع عن الأحساب و ركوب الشطط في هذا الباب فعجزوا حتى آثروا المقارعة على المعارضة و بذلوا المهج و الأرواح دون المدافعة فلو قدروا على المعارضة لعارضوا و لو عارضوا لنقل إلينا لتوفر الدواعي و عدم الصارف و العلم

  بجميع ذلك قطعي كسائر العاديات لا يقدح فيه احتمال أنهم تركوا المعارضة مع القدرة عليها أو عارضوا و لم ينقل إلينا لمانع كعدم المبالاة و قلة الالتفات و الاشتغال بالمهمات. و أما وجه إعجازه فالجمهور من العامة و الخاصة و منهم الشيخ المفيد قدس الله روحه على أن إعجاز القرآن بكونه في الطبقة العليا من الفصاحة و الدرجة القصوى من البلاغة على ما يعرفه فصحاء العرب بسليقتهم و علماء الفرق بمهارتهم في فن البيان و إحاطتهم بأساليب الكلام هذا مع اشتماله على الإخبار عن المغيبات الماضية و الآتية و على دقائق العلوم الإلهية و أحوال المبدإ و المعاد و مكارم الأخلاق و الإرشاد إلى فنون الحكمة العلمية و العملية و المصالح الدينية و الدنيوية على ما يظهر للمتدبرين و يتجلى للمتفكرين و قيل وجه إعجازه اشتماله على النظم الغريب و الأسلوب العجيب المخالف لنظم العرب و نثرهم في مطالعه و مقاطعه و فواصله فإنها وقعت في القرآن على وجه لم يعهد في كلامهم و كانوا عاجزين عنه و عليه بعض المعتزلة و قال الباقلاني وجه الإعجاز مجموع الأمرين البلاغة و النظم الغريب و قيل هو اشتماله على الإخبار بالغيب و قيل عدم اختلافه و تناقضه مع ما فيه من الطول و الامتداد و ذهب السيد المرتضى منا و جماعة من العامة منهم النظام إلى الصرفة على معنى أن العرب كانت قادرة على كلام مثل القرآن قبل البعثة لكن الله صرفهم عن معارضته و اختلفوا في كيفيته فقال النظام و أتباعه صرفهم الله تعالى عنها مع قدرتهم عليها و ذلك بصرف دعاويهم إليها مع توفر الأسباب الداعية في حقهم كالتقريع بالعجز و الاستنزال عن الرئاسات و التكليف بالانقياد فهذا الصرف خارق للعادة فيكون معجزا و قال السيد رحمه الله فيما نسب إليه كان عندهم العلم بنظم القرآن و العلم بأنه كيف يؤلف كلام يساويه أو يدانيه و المعتاد أن من كان عنده هذان العلمان يتمكن من الإتيان بالمثل إلا أنهم كلما حاولوا ذلك أزال الله تعالى عن قلوبهم تلك العلوم و الحق هو الأول.

  أقول و للشيخ الراوندي قدس الله روحه هنا كلام طويل الذيل في بيان إعجاز القرآن و دفع الشبهة الواردة عليه و الفرق بين الحيلة و المعجزة عسى أن نورده في كتاب القرآن إن شاء الله تعالى