باب 15- عصمته و تأويل بعض ما يوهم خلاف ذلك

 الآيات البقرة وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ و قال تعالى وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ و قال تعالى الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ آل عمران الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ و قال تعالى لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ‏ءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ النساء إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً وَ اسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً وَ لا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً إلى قوله تعالى وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَ رَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَ ما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْ‏ءٍ وَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَ كانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً الأنعام وَ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ و قال تعالى 52-  وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ وَ ما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ وَ كَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَ هؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ  الأعراف وَ إِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ الأنفال ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَ اللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَ اللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ التوبة عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ تَعْلَمَ الْكاذِبِينَ يونس فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ هود فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَ إِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ إلى قوله فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَ مَنْ تابَ مَعَكَ وَ لا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ الرعد وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا واقٍ الإسراء لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولًا و قال تعالى وَ لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً و قال سبحانه وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَ إِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَ ضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً و قال تعالى وَ لَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلًا إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً الحج وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ لِيَجْعَلَ ما  يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَ إِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ

 الشعراء فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ القصص وَ ما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ وَ لا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَ ادْعُ إِلى رَبِّكَ وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ لا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الأحزاب وَ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَ اتَّقِ اللَّهَ وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى النَّاسَ وَ اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ سبأ قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَ إِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ الزمر وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ حمعسق أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ الزخرف وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَ جَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ و قال تعالى قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ الجاثية ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً الفتح لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ النجم وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى التحريم يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ  عبس عَبَسَ وَ تَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى وَ ما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى وَ أَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى وَ هُوَ يَخْشى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ تفسير قوله لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ هذه الشرطية لا تنافي عصمته ص فإنها تصدق مع استحالة المقدم أيضا و الغرض منه يأسهم عن أن يتبعهم ص في أهوائهم الباطلة و قطع أطماعهم عن ذلك و التنبيه على سوء حالهم و شدة عذابهم لأن النبي مع غاية قربه في جنابه تعالى إذا كان حاله على تقدير هذا الفعل كذلك فكيف يكون حال غيره كما ورد أنه نزل القرآن بإياك أعني و اسمعي يا جارة. قوله تعالى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ قال البيضاوي أي الشاكين في أنه هل من ربك أو في كتمانهم الحق عالمين به و ليس المراد به نهي الرسول ص عن الشك فيه لأنه غير متوقع منه و ليس بقصد و اختيار بل إما تحقيق الأمر و أنه لا يشك فيه ناظر أو أمر الأمة باكتساب المعارف المزيحة للشك على الوجه الأبلغ. و قال في قوله تعالى لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ‏ءٌ اعتراض أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ عطف على قوله أَوْ يَكْبِتَهُمْ و المعنى أن الله مالك أمرهم فإما يهلكهم أو يكبتهم أو يتوب عليهم إن أسلموا أو يعذبهم إن أصروا و ليس لك من أمرهم شي‏ء و إنما أنت عبد مأمور لإنذارهم و جهادهم و يحتمل أن يكون معطوفا على الأمر أو شي‏ء بإضمار أن أي ليس لك من أمرهم أو من التوبة عليهم أو من تعذيبهم شي‏ء أو ليس لك من أمرهم شي‏ء أو التوبة عليهم أو تعذيبهم و أن تكون أو بمعنى إلا أن أي ليس لك من أمرهم شي‏ء إلا أن يتوب عليهم فتسر به أو يعذبهم فتشتفي منهم روي أن عتبة بن أبي وقاص شجه يوم أحد و كسر رباعيته فجعل يمسح الدم عن وجهه و يقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم فنزلت و قيل هم أن يدعو عليهم فنهاه الله لعلمه بأن فيهم من يؤمن فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ قد استحقوا التعذيب بظلمهم انتهى.

   أقول كون الأمر في الإهلاك و التعذيب و قبول التوبة إلى الله تعالى لا ينافي عصمته ص بوجه و أما الخبران فغير ثابتين و مع ثبوتهما أيضا لا ينافي العصمة لأن الدعاء عليهم لم يكن منهيا عنه قبل ذلك و إنما أمره تعالى بالكف لنوع من المصلحة و بعد النهي لم يدع عليهم و قد أثبتنا في باب وجوب طاعته ص الأخبار الواردة في تأويل تلك الآية. قوله تعالى بِما أَراكَ اللَّهُ قال الرازي في تفسيره أي بما أعلمك الله و سمي ذلك العلم بالرؤية لأن العلم اليقيني المبرأ عن جهات الريب يكون جاريا مجرى الرؤية في القوة و الظهور قال المحققون هذه الآية تدل على أنه ص ما كان يحكم إلا بالوحي و النص و اتفق المفسرون على أن أكثر الآيات في طعمة سرق درعا فلما طلبت الدرع منه رمى واحدا من اليهود بتلك السرقة و لما اشتدت الخصومة بين قومه و بين قوم اليهود جاءوا إلى النبي ص و طلبوا منه أن يعينهم على هذا المقصود و أن يلحق هذه الخيانة باليهودي فهم الرسول ص بذلك فنزلت الآية. وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً أي لا تكن لأجل الخائنين مخاصما لمن كان بريئا عن الذنب يعني لا تخاصم اليهود لأجل المنافقين قال الطاعنون في عصمة الأنبياء ع دلت هذه الآية على صدور الذنب من الرسول ص فإنه لو لا أن الرسول ص أراد أن يخاصم لأجل الخائن و يذب عنه لما ورد النهي عنه و الجواب أنه ص كان لم يفعل ذلك و إلا لم يرد النهي عنه بل ثبت في الرواية أن قوم طعمة لما التمسوا من الرسول ص أن يذب عن طعمة و أن يلحق السرقة باليهودي توقف و انتظر الوحي فنزلت هذه الآية و كان الغرض من هذا النهي تنبيه النبي ص على أن طعمة كذاب و أن اليهودي بري‏ء عن ذلك الجرم. فإن قيل الدليل على أن ذلك الجرم قد وقع من النبي ص قوله بعد هذه الآية   وَ اسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً فلما أمره الله تعالى بالاستغفار دل على سبق الذنب فالجواب من وجوه الأول لعله مال طبعه إلى نصرة طعمة بسبب أنه كان ظاهرا من المسلمين فأمر بالاستغفار لهذا القدر و حسنات الأبرار سيئات المقربين. الثاني أن القوم لما شهدوا على سرقة اليهودي و على براءة طعمة من تلك السرقة و لم يظهر للرسول ص ما يوجب القدح في شهادتهم هم أن يقضي بالسرقة على اليهودي ثم لما أطلعه الله على كذب هؤلاء الشهود عرف أن ذلك القضاء لو وقع كان خطاء و استغفاره كان بسبب أنه هم بذلك الحكم الذي لو وقع لكان خطاء في نفسه و إن كان معذورا عند الله فيه. الثالث قوله وَ اسْتَغْفِرِ اللَّهَ يحتمل أن يكون المراد و استغفر الله لأولئك الذين يذبون عن طعمة و يريدون أن يظهروا براءته عن السرقة و المراد بالذين يختانون أنفسهم طعمة و من عاونه من قومه ممن علم كونه سارقا و الاختيان الخيانة و إنما قال يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ لأن من أقدم على المعصية فقد حرم نفسه الثواب و أوصلها إلى العقاب فكان ذلك منه خيانة مع نفسه مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً أي طعمة حيث خان في الدرع و أثم في نسبة اليهودي إلى تلك السرقة. قوله تعالى وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَ رَحْمَتُهُ أي لو لا أن الله خصك بالفضل و هو النبوة و بالرحمة و هي العصمة لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ أي يلقونك في الحكم الباطل الخطاء وَ ما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ بسبب تعاونهم على الإثم و العدوان و شهادتهم بالزور و البهتان وَ ما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْ‏ءٍ فيه وجهان أحدهما ما يضرونك من شي‏ء في المستقبل فوعده تعالى في هذه الآية إدامة العصمة لما يريدون من إيقاعه في الباطل.

   و الثاني المعنى أنهم و إن سعوا في إلقائك في الباطل فأنت ما وقعت في الباطل لأنك بنيت الأمر على ظاهر الحال و أنت ما أمرت إلا ببناء الأحكام على الظواهر وَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ فعلى الأول المعنى لما أنزل عليك الكتاب و الحكمة و أمرك بتبليغ الشريعة إلى الخلق فكيف يليق بحكمته أن لا يعصمك عن الوقوع في الشبهات و الضلالات و على الثاني المعنى أنزل عليك الكتاب و الحكمة و أوجب فيهما بناء أحكام الشرع على الظاهر فكيف يضرك بناء الأمر على الظاهر وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَ كانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً فيه وجهان الأول أن يكون المراد ما يتعلق بالدين أي أنزل الله عليك الكتاب و الحكمة و أطلعك على سرائرهما و أوقفك على حقائقهما مع أنك ما كنت قبل ذلك عالما بشي‏ء منها فكذلك يفعل بك في مستأنف أيامك ما لا يقدر أحد من المنافقين على إضلالك و إزلالك. الثاني أن يكون المراد و علمك ما لم تكن تعلم من أخبار الأولين فكذلك يعلمك من حيل المنافقين و وجوه كيدهم ما تقدر على الاحتراز عن وجوه كيدهم و مكرهم انتهى ملخص كلامه و سيأتي شرح تلك القصة في باب ما جرى بينه ص و بين المنافقين و أهل الكتاب. و قال البيضاوي في قوله تعالى وَ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ أي عظم و شق إِعْراضُهُمْ عنك و عن الإيمان بما جئت به فَإِنِ اسْتَطَعْتَ إلى قوله بِآيَةٍ أي منفذا تنفذ فيه إلى جوف الأرض فتطلع لهم آية أو مصعدا تصعد إلى السماء فتنزل منها آية و جواب الشرط الثاني محذوف تقديره فافعل و الجملة هو جواب الأول و المقصود بيان حرصه البالغ على إسلام قومه و أنه لو قدر أن يأتيهم بآية من تحت الأرض أو من فوق السماء لأتى بها رجاء إيمانهم وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى بأن يأتيهم بآية ملجئة و لكن لم يفعل لخروجه عن الحكمة فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ بالحرص على ما لا يكون و الجزع في

   مواطن الصبر فإن ذلك من دأب الجهلة. و قال الرازي المقصود من أول الآية أن يقطع الرسول ص طمعه عن إيمانهم و أن لا يتأذى بسبب إعراضهم عن الإيمان و قوله فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ هذا النهي لا يقتضي إقدامه على مثل تلك الحالة كما أن قوله وَ لا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَ الْمُنافِقِينَ لا يدل على أنه ص أطاعهم قبل بل المقصود أنه لا ينبغي أن يشتد تحسرك على تكذيبهم و لا يجوز أن تحزن من إعراضهم عنك فإنك إن فعلت ذلك قرب حالك من حال الجاهل و قال في قوله تعالى وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ

 روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال مر الملأ من قريش على رسول الله ص و عنده صهيب و خباب و بلال و عمار و غيرهم من ضعفاء المسلمين فقالوا يا محمد أ رضيت بهؤلاء عن قومك أ فنحن نكون تبعا لهؤلاء اطردهم عن بيتك فلعلك إن طردتهم اتبعناك فقال ص ما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ فقالوا فأقمهم عنا إذا جئنا فإذا قمنا فأقعدهم معك إن شئت فقال نعم طمعا في إيمانهم

 روي أن عمر قال له لو فعلت ذلك حتى ننظر إلى ما يصيرون ثم ألحوا و قالوا للرسول ص اكتب بذلك كتابا فدعا بالصحيفة فنزلت الآية

و اعتذر عمر من مقالته فقال سلمان و خباب فينا نزلت فكان رسول الله يقعد معنا و ندنو منه حتى يمس ركبنا ركبته و كان يقوم عنا إذا أراد القيام فنزل قوله وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ فترك القيام عنا إلى أن نقوم عنه و قال الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع قوم من أمتي معكم المحيا و معكم الممات. ثم قال احتج الطاعنون في عصمة الأنبياء بهذه الآية من وجوه.  الأول أنه ص طردهم و الله تعالى نهاه عن ذلك الطرد و كان ذلك الطرد ذنبا. و الثاني أنه تعالى قال فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ و قد ثبت أنه طردهم فيلزم أن يقال إنه كان من الظالمين. و الثالث أنه تعالى حكى عن نوح ع أنه قال وَ ما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ ثم أنه تعالى أمر محمدا ص بمتابعة الأنبياء في جميع الأعمال الحسنة أنه قال أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ و بهذا الطريق وجب على محمد ص أن لا يطردهم فلما طردهم كان ذلك ذنبا. الرابع أنه تعالى ذكر هذه الآية في سورة الكهف فزاد فيها فقال تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثم أنه تعالى نهاه عن الالتفات إلى زينة الحياة الدنيا في آية أخرى فقال وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا فكان ذلك ذنبا. و الخامس نقل أن أولئك الفقراء كلما دخلوا على رسول الله ص بعد هذه الواقعة فكان ص يقول مرحبا بمن عاتبني ربي فيهم أو لفظا هذا معناه و ذلك يدل أيضا على الذنب. و الجواب عن الأول أنه ص ما طردهم لأجل الاستخفاف بهم و الاستنكاف من فقرهم و إنما عين لجلوسهم وقتا معينا سوى الوقت الذي كان يحضر فيه أكابر قريش  و كان غرضه ص منه التلطف و إدخالهم في الإسلام و لعله ص كان يقول هؤلاء الفقراء لا يفوتهم بسبب هذه أمرهم في الدنيا و في الدين و هؤلاء الكفار فإنهم يفوتهم الدين و الإسلام و كان ترجيح هذا الجانب أولى فأقصى ما يقال إن هذا الاجتهاد وقع خطأ إلا أن الخطاء في الاجتهاد مغفور. أما قوله ثانيا إن طردهم يوجب كونه ص من الظالمين فجوابه أن الظلم عبارة عن وضع الشي‏ء في غير موضعه و المعنى أن أولئك الفقراء كانوا يستحقون التعظيم من الرسول ص فإذا طردهم عن ذلك المجلس فكان ذلك ظلما إلا أنه من باب ترك الأولى و الأفضل لا من باب ترك الواجبات و كذا الجواب عن سائر الوجوه فإنا نحمل كل هذه الوجوه على ترك الأفضل و الأكمل و الأولى و الأحرى انتهى كلامه. و أقول جملة القول في تلك الآية أنها لا تدل على وقوع الطرد عنه ص و لعله ص بعد ما ذكروا ذلك انتظر الوحي فنهاه الله تعالى عن ذلك و الأخبار الدالة على ذلك غير ثابتة فلا يحكم بها مع معارضة الأدلة العقلية و النقلية الدالة على عصمته ص و قد تقدم بعضها في باب عصمة الأنبياء ص و لو سلم أنه وقع منه ما ذكروه فلعله كان مأذونا في إيقاع كل ما يراه موجبا لهداية الخلق و ترغيبهم في الإسلام و لما أظهروا أنهم يسلمون عند وقوع المناوبة فعله ص رغبة في إسلامهم و لما علم الله أنهم لا يسلمون بذلك و إنما غرضهم في ذلك الإضرار بالمسلمين نهاه الله تعالى عن ذلك فصار بعد النهي حراما و إنما بين تعالى أنه لو ارتكب ذلك بعد النهي يكون من الظالمين لا قبله و إنما أكد ذلك لقطع أطماع الكفار عن مثل ذلك و لبيان الاعتناء بشأن فقراء المؤمنين و أما قول نوح ع ما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ فلعل المراد الطرد بالكلية أو على غير جهة المصلحة و من غير وعد لإسلام الكافرين معلقا عليه أو يقال إنه ع لعله نهاه الله عن ذلك و لما لم ينه النبي ص بعد كان يجوز له ذلك و أما قوله تعالى فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ فليس المراد الاقتداء في جميع الأمور لاختلاف الشرائع بل المراد الاقتداء بهم في الأمور التي

   لا تختلف باختلاف الملل و الشرائع. و قال البيضاوي في قوله تعالى وَ إِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ أي ينخسنك منه نخس أي وسوسة تحملك على خلاف ما أمرت به كاعتراء غضب و فكر. و قال الرازي احتج الطاعنون في عصمة الأنبياء ع بهذه الآية و قالوا لو لا أنه يجوز من الرسول الإقدام على المعصية و الذنب لم يقل له ذلك. و الجواب عنه من وجوه الأول أن حاصل هذا الكلام أنه تعالى قال إن حصل في قلبك من الشيطان نزغ و لم يدل ذلك على الحصول كما أنه تعالى قال لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ و لم يدل ذلك على أنه أشرك و قال لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا و لم يدل ذلك على أنه حصل فيهما آلهة. الثاني هب أنا سلمنا أن الشيطان يوسوس إلى الرسول ص إلا أن هذا لا يقدح في عصمته ص إنما القادح في عصمته لو قبل الرسول ص وسوسته و الآية لا تدل على ذلك

 و عن الشعبي قال قال رسول الله ص ما من إنسان إلا و معه شيطان قالوا و أنت يا رسول الله قال و أنا لكنه أسلم بعون الله و لقد أتاني فأخذت بحلقه و لو لا دعوة سليمان ع لأصبحن في المسجد طريحا

و هذا كالدلالة على أن الشيطان يوسوس إلى الرسول ص. الثالث هب أنا سلمنا أن الشيطان يوسوس إليه و أنه ص يقبل أثر وسوسته إلا أنا نخص هذه الحالة بترك الأفضل و الأولى

 قال ص و إنه ليران على قلبي و إني لأستغفر الله في اليوم و الليلة سبعين مرة

انتهى.  أقول على أنه يحتمل أن يكون من قبيل الخطاب العام أو يكون الخطاب متوجها إليه ص و المراد به أمته كما مر مرارا و سيأتي تأويل قوله تعالى ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى في باب قصة بدر. قوله تعالى عَفَا اللَّهُ عَنْكَ قال الرازي في تفسيره احتج بعضهم بهذه الآية على صدور الذنب عن الرسول ص من وجهين. الأول أنه تعالى قال عَفَا اللَّهُ عَنْكَ و العفو يستدعي سابقة الذنب. و الثاني أنه تعالى قال لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ و هذا استفهام بمعنى الإنكار فدل هذا على أن ذلك الإذن كان معصية. و الجواب عن الأول لا نسلم أن قوله عَفَا اللَّهُ عَنْكَ يوجب الذنب و لم لا يجوز أن يقال إن ذلك يدل على مبالغة الله تعالى في تعظيمه و توقيره كما يقول الرجل لغيره إذا كان معظما عنده عفا الله عنك ما صنعت في أمري و رضي الله عنك ما جوابك عن كلامي و عافاك الله لا عرفت حقي فلا يكون غرضه من هذا الكلام إلا مزيد التبجيل و التعظيم و قال علي بن الجهم فيما يخاطب به المتوكل و قد أمر بنفيه. عفا الله عنك أ لا حرمة يجوز. بفضلك عن أبعدا. و الجواب عن الثاني أن نقول لا يجوز أن يكون المراد بقوله لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ الإنكار لأنا نقول إما أن يكون صدر عن الرسل ذنب في هذه الواقعة أو لم يصدر عنه ذنب فإن قلنا إنه ما صدر عنه امتنع على هذا التقدير أن يكون قوله لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ إنكارا عليه و إن قلنا إنه كان قد صدر عنه ذنب فقوله عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ يدل على حصول العفو عنه و بعد حصول العفو عنه يستحيل أن يتوجه الإنكار عليه فثبت أن على جميع التقادير يمتنع أن يقال إن قوله لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ يدل على كون الرسول ص مذنبا و هذا جواب شاف قاطع و عند هذا يحمل قوله لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ

   على ترك الأولى و الأكمل لا سيما و هذه الواقعة كانت من أحسن ما يتعلق بالحروب و مصالح الدنيا انتهى. و قال السيد المرتضى رضي الله عنه في كتاب تنزيه الأنبياء أما قوله تعالى عَفَا اللَّهُ عَنْكَ فليس يقتضي وقوع معصية و لا غفران عقاب و لا يمتنع أن يكون المقصد به التعظيم و الملاطفة في المخاطبة لأن أحدنا قد يقول لغيره إذا خاطبه أ رأيت رحمك الله و غفر الله لك و هو لا يقصد إلى الاستصفاح له عن عقاب ذنوبه بل ربما لم يخطر بباله أن له ذنبا و إنما الغرض الإجمال في المخاطبة و استعمال ما قد صار في العادة علما على تعظيم المخاطب و توقيره و أما قوله تعالى لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ فظاهره الاستفهام و المراد به التقرير و استخراج ذكر علة إذنه و ليس بواجب حمل ذلك على العتاب لأن أحدنا قد يقول لغيره لم فعلت كذا و كذا تارة معاتبا و أخرى مستفهما و تارة مقررا فليست هذه اللفظة خاصة للعتاب و الإنكار و أكثر ما يقتضيه و غاية ما يمكن أن يدعى فيها أن تكون دالة على أنه ص ترك الأولى و الأفضل و قد بينا أن ترك الأولى ليس بذنب و إن كان الثواب ينقص معه فإن الأنبياء ع يجوز أن يتركوا كثيرا من النوافل و قد يقول أحدنا لغيره إذا ترك الندب لم تركت الأفضل و لم عدلت عن الأولى و لا يقتضي ذلك إنكارا و لا قبيحا انتهى كلامه زيد إكرامه. أقول يجوز أن يكون إذنه ص لهم حسنا موافقا لأمره تعالى و يكون العتاب متوجها إلى المستأذنين الذين علم الله من قبلهم النفاق أو إلى جماعة حملوا النبي ص على ذلك كما مر مرارا و من هذا القبيل قوله تعالى يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ و لا تنافي بين كون استيذانهم حراما و إذنه ص بحسب ما يظهرونه من الأعذار ظاهرا واجبا أو مباحا أو تركا للأولى.  قوله تعالى فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ قال الرازي في تفسيره اختلف المفسرون في أن المخاطب بهذا الخطاب من هو فقيل هو النبي ص و قيل غيره فأما من قال بالأول فاختلفوا فيه على وجوه. الأول أن الخطاب مع النبي ص في الظاهر و المراد غيره كقوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ و كقوله يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَ لا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَ الْمُنافِقِينَ و كقوله لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ و كقوله لعيسى ع أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ و من الأمثلة المشهورة إياك أعني و اسمعي يا جارة و الذي يدل على صحة ما ذكرناه وجوه الأول قوله تعالى في آخر السورة يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فبين أن المذكور في أول الآية على سبيل الرمز هم المذكورون في هذه الآية على سبيل التصريح. و الثاني أن الرسول لو كان شاكا في نبوة نفسه لكان شك غيره في نبوته أولى و هذا يوجب سقوط الشريعة بالكلية. و الثالث أن بتقدير أن يكون شاكا في نبوة نفسه فكيف تزول ذلك الشك بإخبار أهل الكتاب عن نبوته مع أنهم في الأكثر كانوا كفارا و إن حصل فيهم من كان مؤمنا إلا أن قوله ليس بحجة لا سيما و قد تقرر أن ما في أيديهم من التوراة و الإنجيل مصحف محرف فثبت أن الحق هو أن هذا الخطاب و إن كان في الظاهر مع الرسول إلا أن المراد هو الأمة و مثل هذا معتاد فإن السلطان الكبير إذا كان له أمير و كان تحت راية ذلك الأمير جمع فإذا أراد أن يأمر الرعية بأمر مخصوص فإنه لا يوجه خطابه عليهم بل يوجه ذلك الخطاب على ذلك الأمير الذي أمره عليهم ليكون

   ذلك أقوى تأثيرا في قلوبهم. الثاني أنه تعالى علم أن الرسول لم يشك في ذلك إلا أن المقصود أنه متى سمع هذا الكلام فإنه يصرح و يقول يا رب لا أشك و لا أطلب الحجة من قول أهل الكتاب بل يكفيني ما أنزلته علي من الدلائل الظاهرة و نظيره قوله تعالى للملائكة أَ هؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ و كما قال لعيسى ع أَ أَنْتَ قُلْتَ و المقصود منه أن يصرح عيسى ع بالبراءة من ذلك فكذا هنا و الثالث هو أن محمدا ص كان من البشر و كان حصول الخواطر المشوشة و الأفكار المضطربة في قلبه من الجائزات و تلك الخواطر لا تندفع إلا بإيراد الدلائل و تقرير البينات فهو تعالى أنزل هذا النوع من التقريرات حتى أن بسببها يزول عن خاطره تلك الوسواس و نظيره قوله تعالى فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ و أقول تمام التقرير في هذا الباب أن قوله إن كنت في شك فافعل كذا و كذا قضية شرطية و القضية الشرطية لا إشعار فيها البتة بأن الشرط وقع أو لم يقع و لا بأن الجزاء وقع أو لم يقع بل ليس فيها إلا بيان أن ماهية ذلك الشرط مستلزمة لماهية ذلك الجزاء فقط فالفائدة في إنزال هذه الآية تكثير الدلائل و تقويتها بما يزيد في قوة اليقين و طمأنينة النفس و سكون الصدر و لهذا السبب أكثر الله في كتابه من تقرير دلائل التوحيد و النبوة. الرابع أن المقصود استمالة قلوب الكفار و تقريبهم من قبول الإيمان و ذلك لأنهم طالبوه مرة بعد أخرى بما يدل على صحة نبوته و كأنهم استحيوا من تلك المعاودات و المطالبات فصار مانعا لهم من قبول الإيمان فقال تعالى و إن كنت في شك من نبوتك فتمسك بالدليل الفلاني يعني أن أولى الناس أن لا يشك في نبوته هو نفسه ثم مع هذا إن طلب هو من نفسه دليلا على نبوة نفسه بعد ما سبق من الدلائل الباهرة  فإنه ليس فيه عيب و لا يحصل بسببه نقصان فإذا لم يستقبح ذلك منه في حق نفسه فلأن لا يستقبح من غيره طلب الدلائل كان أولى فثبت أن المقصود بهذا الكلام استمالة القوم و إزالة الحياء عنهم في تكثير المناظرات. الخامس أن يكون التقدير أنك لست بشاك البتة و لو كنت شاكا لكان لك طرق كثيرة في إزالة ذلك الشك كقوله تعالى لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا و المعنى لو فرض ذلك الممتنع واقعا لزم منه المحال الفلاني و كذلك هاهنا لو فرضنا وقوع هذا الشك فارجع إلى التوراة و الإنجيل لتعرف بهما أن هذا الشك زائل و هذه الشبهة باطلة. السادس قال الزجاج إن الله تعالى خاطب الرسول ص و هو يتناول الخلق كقوله إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ قال القاضي هذا بعيد لأنه متى قيل الرسول داخل تحت هذا الخطاب فقد عاد السؤال. السابع أن لفظ إن للنفي يعني لا نأمرك بالسؤال لأنك شاك لكن لتزداد يقينا كما ازداد إبراهيم ع بمعاينة إحياء الموتى يقينا و أما الوجه الثاني و هو أن يقال هذا الخطاب ليس مع الرسول و تقريره أن الناس في زمانه كانوا فرقا ثلاثة المصدقون به و المكذبون له و المتوقفون في أمره فخاطبهم الله تعالى بهذا الخطاب فقال فإن كنت أيها الإنسان في شك مما أنزلنا إليك من الهدى على لسان محمد ص فاسأل أهل الكتاب ليدلوك على صحة نبوته و إنما وحد الله تعالى و هو يريد الجمع

   كما في قوله يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ و يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ و لما ذكر لهم ما يزل ذلك الشك عنهم حذرهم من أن يلتحقوا بالقسم الثاني و هم المكذبون فقال وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ ثم اختلفوا في أن المسئول عنه من هم فقال المحققون هم الذين آمنوا من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام و عبد الله بن صوريا و تميم الداري و كعب الأحبار لأنهم هم الذين يوثق بخبرهم و منهم من قال الكل سواء كانوا من المسلمين أو الكفار لأنهم إذا بلغوا عدد التواتر ثم قرءوا آية من التوراة و الإنجيل و تلك الآية دالة على البشارة بمحمد ص فقد حصل الغرض. فإن قيل إذا كان مذهبكم أن هذه الكتب قد دخلها التحريف و التغيير فكيف يمكن التعويل عليها قلت إنما حرفوها بسبب إخفاء الآيات الدالة على نبوة محمد ص فإن بقيت فيها آيات دالة على نبوته ص كان ذلك من أقوى الدلائل على صحة نبوته لأنها لما بقيت مع توفر دواعيهم على إزالتها دل ذلك على أنها كانت في غاية الظهور و أما أن المقصود من ذلك السؤال معرفة أي الأشياء ففيه قولان الأول أنه القرآن و معرفة نبوة الرسول ص. و الثاني أنه رجع ذلك إلى قوله تعالى فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ و الأول أولى لأنه هو الأهم و الحاجة إلى معرفته أتم. و اعلم أنه تعالى لما بين هذا الطريق قال بعده لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ و المعنى ثبت عندك بالآيات و البراهين القاطعة أن ما أتاك هو  الحق الذي لا مدخل فيه للمرية فلا تكونن من الممترين وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ أي أثبت و دم على ما أنت عليه من انتفاء المرية عنك و انتفاء التكذيب و يجوز أن يكون ذلك على سبيل التهييج و إظهار التسدد و لذلك قال ص عند نزوله لا أشك و لا أسأل أشهد أنه الحق انتهى. و ذكر الطبرسي رحمه الله أكثر تلك الوجوه و قال بعد إيراد الوجه الأول من الوجوه الذي ذكره الرازي و روي عن الحسن و قتادة و سعيد بن جبير أنهم قالوا إن النبي ص لم يشك و لم يسأل و هو المروي أيضا عن أبي عبد الله ع و قال بعد إيراد الوجوه في سؤال أهل الكتاب و قال الزهري إن هذه الآية نزلت في السماء فإن صح ذلك فقد كفى المئونة و رواه أصحابنا أيضا عن أبي عبد الله ع و قيل أيضا إن المراد بالشك الضيق و الشدة بما يعاينه من تعنتهم و أذاهم أي إن ضقت ذرعا بما تلقى من أذى قومك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك كيف صبر الأنبياء على أذى قومهم فاصبر كذلك. قوله تعالى فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ أي في شك و قد مر الكلام في أن النهي عن المرية لا يدل على حصولها مع إمكان الخطاب العام أو توجه الخطاب واقعا إلى الغير مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ أنه باطل و أن مصير من يعبدهم إلى النار ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ أي من جهة التقليد بلا حجة وَ إِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ من العذاب غَيْرَ مَنْقُوصٍ أي على مقدار ما يستحقونه فآيسهم سبحانه بهذا القول عن العفو و المغفرة فَاسْتَقِمْ أي على الوعظ و الإنذار و التمسك بالطاعة و الأمر بها و الدعاء إليها كَما أُمِرْتَ في القرآن و غيره وَ مَنْ تابَ مَعَكَ أي و ليستقم من تاب معك من الشرك كما أمروا أو من رجع إلى الله و إلى نبيه و قيل استقم أنت على الأداء و ليستقيموا على القبول وَ لا تَطْغَوْا أي لا تجاوزوا أمر الله بالزيادة و النقصان فتخرجوا عن حد الاستقامة.

   قال الطبرسي رحمه الله قال ابن عباس ما نزل على رسول الله ص آية كانت أشد عليه و لا أشق من هذه الآية و لذلك قال لأصحابه حين قالوا له أسرع إليك الشيب يا رسول الله شيبتني هود و الواقعة. قوله تعالى وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ قد مر الكلام في مثله فلا نعيده قال الطبرسي رحمه الله خطاب للنبي ص و المراد به الأمة مِنْ وَلِيٍّ أي ناصر يعينك عليه و يمنعك من عذابه وَ لا واقٍ يقيك منه قوله تعالى لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ قال الرازي قال المفسرون هذا في الظاهر خطاب للنبي ص و لكن المعنى عام لجميع المكلفين و يحتمل أيضا أن يكون الخطاب للإنسان كأنه قيل أيها الإنسان لا تجعل مع الله إلها آخر و هذا الاحتمال عندي أولى لأنه تعالى عطف عليه قوله وَ قَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ إلى قوله إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما و هذا لا يليق بالنبي ص لأن أبويه ما بلغا الكبر عنده فعلمنا أن المخاطب بهذا هو نوع الإنسان و أما قوله فَتَقْعُدَ ففيه وجوه. الأول أن معناه المكث أي فتمكث في الناس مَذْمُوماً مَخْذُولًا و هذا معنى شائع لهذا اللفظ في عرف العرب و الفرس. الثاني أن من شأن المذموم المخذول أن يقعد نادما متفكرا على ما فرط منه الثالث أن المتمكن من تحصيل الخيرات يسعى في تحصيلها و السعي إنما يتأتى بالقيام و أما العاجز عن تحصيلها فإنه لا يسعى بل يبقى جالسا قاعدا عن الطلب  فالقعود كناية عن العجز و الضعف انتهى. و الكلام في الآية الثانية كالكلام في الأولى. قوله مَدْحُوراً أي مطرودا مبعدا عن رحمة الله. قوله تعالى وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ قال الطبرسي رحمه الله في سبب نزوله أقوال أحدها أن قريشا قالت للنبي ص لا ندعك تستلم الحجر حتى تلم بآلهتنا فحدث نفسه و قال ما علي في أن ألم بها و الله يعلم أني لها لكاره و يدعونني أستلم الحجر فنزلت عن ابن جبير. و ثانيها أنهم قالوا كف عن شتم آلهتنا و تسفيه أحلامنا و اطرد هؤلاء العبيد و السقاط الذين رائحتهم رائحة الضأن حتى نجالسك و نسمع منك فطمع في إسلامهم فنزلت. ثالثها أن رسول الله ص أخرج الأصنام من المسجد فطلبت إليه قريش أن يترك صنما كان على المروة فهم بتركه ثم أمر بكسره فنزلت و رواه العياشي بإسناده. و رابعها أنها نزلت في وفد ثقيف قالوا نبايعك على أن تعطينا ثلاث خصال لا تنحني يعنون الصلاة و لا تكسر أصنامنا بأيدينا و تمتعنا باللات سنة فقال ص لا خير في دين ليس فيه ركوع و لا سجود فأما كسر أصنامكم بأيديكم فذاك لكم و أما الطاغية اللات فإني غير ممتعكم بها و قام رسول الله ص و توضأ فقال عمر ما بالكم آذيتم رسول الله ص إنه لا يدع الأصنام في أرض العرب فما زالوا به حتى أنزل الله هذه الآيات عن ابن عباس. و خامسها أن وفد ثقيف قالوا أجلنا سنة حتى نقبض ما يهدى لآلهتنا فإذا  قبضنا ذلك كسرناها و أسلمنا فهم بتأجيلهم فنزلت عن الكلبي فقال وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ إن مخففة عن الثقيلة و المعنى أن المشركين هموا و قاربوا أن يزيلوك و يصرفوك عن حكم القرآن لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ أي لتخترع علينا غير ما أوحيناه إليك و المعنى لتحل محل المفتري لأنك تخبر أنك لا تنطق إلا عن وحي فإذا اتبعت أهواءهم أوهمت أنك تفعله بأمر الله فكنت كالمفتري وَ إِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا أي لتولوك و أظهروا صداقتك وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ أي ثبتنا قلبك على الحق و الرشد بالنبوة و العصمة و المعجزات و قيل بالألطاف الخفية لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا أي لقد قاربت أن تسكن إليهم بعض السكون يقال كدت أفعل كذا أي قاربت أن أفعله و لم أفعله

 و قد صح عنه ص قوله وضع عن أمتي ما حدثت به نفسها ما لم يعمل به أو يتكلم

قال ابن عباس يريد حيث سكت عن جوابهم و الله أعلم بنيته ثم توعده سبحانه على ذلك لو فعله فقال إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَ ضِعْفَ الْمَماتِ أي لو فعلت ذلك لعذبناك ضعف عذاب الحياة و ضعف عذاب الممات لأن ذنبك أعظم و قيل المراد بالضعف العذاب المضاعف ألمه قال ابن عباس رسول الله ص معصوم و لكن هذا تخفيف لأمته لئلا يركن أحد من المؤمنين إلى أحد من المشركين في شي‏ء من أحكام الله و شرائعه ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً أي ناصرا ينصرك. و قال الرازي احتج الطاعنون في عصمة الأنبياء ع بهذه الآية بوجوه  الأول أنها دلت على أنه ص قرب من أن يفتري على الله و الفرية على الله من أعظم الذنوب. الثاني أنها تدل على أنه لو لا أن الله تعالى ثبته و عصمه لقرب أن يركن إلى دينهم. الثالث أنه لو لا سبق جرم و جناية لم يحتج إلى ذكر هذا الوعيد الشديد. و الجواب عن الأول أن كاد معناه المقاربة فكان معنى الآية أنه قرب وقوعه في الفتنة و هذا لا يدل على الوقوع. و عن الثاني أن كلمة لو لا تفيد انتفاء الشي‏ء لثبوت غيره تقول لو لا علي لهلك عمر و معناه أن وجود علي ع منع من حصول الهلاك لعمر فكذلك هاهنا فقوله وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ معناه لو لا حصل تثبيت الله لك يا محمد فكان تثبيت الله مانعا من حصول ذلك الركون. و عن الثالث أن التهديد على المعصية لا يدل على الإقدام عليها و الدليل عليه آيات منها قوله تعالى وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ الآيات و قوله تعالى لَئِنْ أَشْرَكْتَ و قوله وَ لا تُطِعِ الْكافِرِينَ انتهى و قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى وَ لَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ يعني القرآن و معناه أني أقدر أن آخذ ما أعطيتك كما منعته غيرك و لكن دبرتك بالرحمة لك فأعطيتك ما تحتاج إليه و منعتك ما لا تحتاج إلى النص عليه ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلًا أي ثم لو فعلنا ذلك لم تجد علينا وكيلا يستوفي ذلك منا.  قوله تعالى وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ قال الرازي ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية أن الرسول لما رأى إعراض قومه عنه شق عليه ما رأى من مباعدتهم عما جاءهم به تمنى في نفسه أن يأتيهم من الله ما يقارب بينه و بين قومه و ذلك لحرصه على إيمانهم فجلس ذات يوم في ناد من أندية قريش كثير أهله و أحب يومئذ أن لا يأتيه من الله شي‏ء ينفروا عنه و تمنى ذلك فأنزل تعالى سورة النَّجْمِ إِذا هَوى فقرأها رسول الله ص حتى بلغ أَ فَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَ الْعُزَّى وَ مَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى ألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلى. منها الشفاعة ترتجى. فلما سمعت قريش فرحوا و مضى رسول الله ص في قراءته و قرأ السورة كلها فسجد المسلمون لسجوده و سجد جميع من في المسجد من المشركين فلم يبق في المسجد مؤمن و لا كافر إلا سجد سوى الوليد بن المغيرة و سعيد بن العاص فإنهما أخذا حفنة من البطحاء و رفعاها إلى جبهتيهما و سجدا عليها لأنهما كانا شيخين كبيرين لم يستطيعا السجود و تفرقت قريش و قد سرهم ما سمعوا و قالوا قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر فلما أمسى رسول الله ص أتاه جبرئيل ع فقال ما ذا صنعت تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله و قلت ما لم أقل

   لك فحزن رسول الله ص حزنا شديدا و خاف من الله خوفا عظيما حتى نزل قوله وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ الآية هذا رواية عامة المفسرين الظاهريين و أما أهل التحقيق فقد قالوا هذه الرواية باطلة موضوعة و احتجوا بالقرآن و السنة و المعقول أما القرآن فوجوه. أحدها قوله تعالى وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ. و ثانيها قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ. و ثالثها قوله وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى فلو أنه قرأ عقيب هذه الآية تلك الغرانيق العلى لكان قد أظهر كذب الله تعالى في الحال و ذلك لا يقول به مسلم. و رابعها قوله تعالى وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ و كاد معناه قرب أن يكون الأمر كذلك مع أنه لم يحصل. و خامسها قوله وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ و كلمة لو لا تفيد انتفاء الشي‏ء لانتفاء غيره فدل على أن الركون القليل لم يحصل. و سادسها قوله كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ. و سابعها قوله سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى.  و أما السنة فهي أنه روي عن محمد بن إسحاق بن خزيمة أنه سئل عن هذه القصة قال هذا من وضع الزنادقة و صنف فيه كتابا. و قال الإمام أبو بكر البيهقي هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل ثم أخذ يتكلم في أن رواة هذه القصة مطعونون و أيضا فقد روى البخاري في صحيحه أنه ص قرأ سورة و النجم و سجد فيها المسلمون و المشركون و الإنس و الجن و ليس فيه حديث الغرانيق و روي هذا الحديث من طرق كثيرة و ليس فيها البتة حديث الغرانيق. و أما المعقول فمن وجوه أحدها أن من جوز على الرسول ص تعظيم الأوثان فقد كفر لأن من المعلوم بالضرورة أن أعظم سعيه ص كان في نفي الأوثان. و ثانيها أنه ص ما كان يمكنه في أول الأمر أن يصلي و يقرأ القرآن عند الكعبة آمنا لأذى المشركين له حتى كانوا ربما مدوا أيديهم إليه و إنما كان يصلي إذا لم يحضروها ليلا أو في أوقات خلوة و ذلك يبطل قولهم. و ثالثها أن معاداتهم للرسول ص كانت أعظم من أن يقروا بهذا القدر من القراءة دون أن يقفوا على حقيقة الأمر فكيف أجمعوا على أنه عظم آلهتهم حتى خروا سجدا مع أنه لم يظهر عندهم موافقته لهم. و رابعها قوله فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ و ذلك أن إحكام الآيات بإزالة تلقية الشيطان عن الرسول أقوى من نسخه بهذه الآيات التي تنتفي الشبهة معها فإذا أراد الله تعالى إحكام الآيات لئلا يلتبس ما ليس بقرآن قرآنا فبأن يمنع الشيطان من ذلك أصلا أولى. و خامسها و هو أقوى الوجوه أنا لو جوزنا ذلك ارتفع الأمان عن شرعه و جوزنا  في كل واحد من الأحكام و الشرائع أن يكون كذلك و يبطل قوله تعالى بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فإنه لا فرق بين النقصان عن الوحي و بين الزيادة فيه فبهذه الوجوه عرفنا على سبيل الإجمال أن هذه القصة موضوعة أكثر ما في الباب أن جمعا من المفسرين ذكروها لكنهم ما بلغوا حد التواتر و خبر الواحد لا يعارض الدلائل العقلية و النقلية المتواترة و لنشرع الآن في التفصيل فنقول التمني جاء في اللغة لأمرين أحدهما تمني القلب و الثاني القراءة قال الله تعالى وَ مِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ أي إلا قراءة لأن الأمي لا يعلم القرآن من المصحف و إنما يعلمه قراءة و قال حسان

تمنى كتاب الله أول ليلة و آخرها لاقى الحمام المقادر

 فأما إذا فسرنا بالقراءة ففيه قولان. الأول أنه تعالى أراد بذلك ما يجوز أن يسهو الرسول فيه و يشتبه على القاري دون ما رووه من قوله تلك الغرانيق العلى. الثاني المراد فيه وقوع هذه الكلمة في قراءته ثم اختلف القائلون بهذا على وجوه. الأول أن النبي ص لم يتكلم بقوله تلك الغرانيق العلى و لا الشيطان تكلم به و لا أحد تكلم به لكنه ص لما قرأ سورة النجم اشتبه الأمر على الكفار فحسبوا بعض ألفاظه ما رووه و ذلك على حسب ما جرت العادة به من توهم بعض الكلمات على غير ما يقال و هو ضعيف لوجوه. أحدها أن التوهم في مثل ذلك إنما يصح فيما قد جرت العادة بسماعه فأما غير المسموع فلا يقع ذلك فيه. و ثانيها أنه لو كان كذلك لوقع هذا التوهم لبعض السامعين دون البعض فإن العادة  مانعة من اتفاق الجمع العظيم في الساعة الواحدة على حال واحدة في المحسوسات. و ثالثها لو كان كذلك لم يكن مضافا إلى الشيطان. الوجه الثاني قالوا إن ذلك الكلام كلام شيطان الجن و ذلك بأن تكلم بكلام من تلقاء نفسه أوقعه في درج تلك التلاوة ليظن أنه من جنس الكلام المسموع من الرسول قالوا و الذي يؤكده أنه لا خلاف أن الجن و الشيطان متكلمون فلا يمتنع أن يأتي الشيطان بصوت مثل صوت الرسول ص فيتكلم بهذه الكلمات في أثناء كلام الرسول ص و عند سكوته فإذا سمع الحاضرون ظنوا أنه كلام الرسول ثم لا يكون هذا قادحا في النبوة لما لم يكن فعلا له و هذا أيضا ضعيف فإنك إذا جوزت أن يتكلم الشيطان في أثناء كلام الرسول ص بما يشتبه على السامعين كونه كلاما للرسول بقي هذا الاحتمال في كل ما يتكلم به الرسول فيفضي إلى ارتفاع الوثوق عن كل الشرع. فإن قيل هذا الاحتمال قائم في الكل لكنه لو وقع لوجب في حكمة الله أن يشرح الحال فيه كما في هذه الواقعة إزالة للتلبيس. قلنا لا يجب على الله إزالة الاحتمالات كما في المتشابهات و إذا لم يجب على الله ذلك يمكن الاحتمال في الكل. الوجه الثالث أن يقال المتكلم بذلك بعض شياطين الإنس و هم الكفرة فإنه ص لما انتهى في قراءة هذه السورة إلى هذا الموضع و ذكر أسماء آلهتهم و قد علموا من عادته أنه يعيبها فقال بعض من حضر تلك الغرانيق العلى فاشتبه الأمر على القوم لكثرة لغط القوم و كثرة صياحهم و طلبهم تغليطه و إخفاء قراءته و لعل  ذلك في صلاته لأنهم كانوا يقربون منه في حال صلاته و يسمعون قراءته و يلغون فيها و قيل إنه ص كان إذا تلا القرآن على قريش توقف في فصول الآيات فألقى بعض الحاضرين ذلك الكلام في تلك الوقفات فتوهم القوم أنه من قراءة الرسول ص ثم أضاف الله ذلك إلى الشيطان لأنه بوسوسته يحصل أولا أو لأنه سبحانه جعل ذلك المتكلم نفسه شيطانا و هذا أيضا ضعيف لوجهين أحدهما أنه لو كان كذلك لكان يجب على الرسول ص إزالة الشبهة و تصريح الحق و تبكيت ذلك القائل و إظهار أن هذه الكلمة منه صدرت و لو فعل ذلك كان ذلك أولى بالنقل. فإن قيل إنما لم يفعل الرسول ص ذلك لأنه كان قد أدى السورة بكمالها إلى الأمة دون هذه الزيادة فلم يكن ذلك مؤديا إلى التلبيس كما لم يؤد سهوه في الصلاة بعد أن وصفها إلى اللبس. قلنا إن القرآن لم يكن مستقرا على حالة واحدة في زمن حياته لأنه كان تأتيه الآيات فيلحقها بالسور فلم يكن تأدية تلك السورة بدون هذه الزيادة سببا لزوال اللبس و أيضا فلو كان كذلك لما استحق العقاب من الله على ما رواه القوم. الوجه الرابع و هو أن المتكلم بهذا هو الرسول ص ثم إن هذا يحتمل ثلاثة أوجه فإنه إما أن يكون قال هذه الكلمة سهوا أو قسرا أو اختيارا أما الأول فكما يروى عن قتادة و مقاتل أنه ص كان يصلي عند المقام فسها و جرى على لسانه هاتان الكلمتان فلما فرغ من السورة سجد و سجد كل من في المسجد و فرح المشركون مما سمعوا فأتاه جبرئيل ع فاستقرأه فلما انتهى إلى الغرانيق قال

   لم آتك بهذا فحزن رسول الله ص إلى أن نزلت هذه الآية و هذا أيضا ضعيف من وجوه أحدها أنه لو جاز هذا السهو لجاز في سائر المواضع و حينئذ تزول الثقة عن الشرع. و ثانيها أن الساهي لا يجوز أن يقع منه مثل هذه الألفاظ المطابقة لوزن السورة و طريقتها و معناها فإنا نعلم بالضرورة أن واحدا لو أنشد قصيدة لما جاز أن يسهو حتى يتفق منه بيت شعر في وزنها و معناها و طريقتها. و ثالثها هب أنه تكلم بذلك سهوا فكيف لم ينتبه لذلك حين قرأها على جبرئيل ع و ذلك ظاهر. و أما الوجه الثاني فهو أنه ص تكلم قسرا بذلك فهو الذي قال قوم إن الشيطان أجبر النبي ص على التكلم به و هذا أيضا فاسد لوجوه. أحدها أن الشيطان لو قدر على ذلك في حق النبي ص لكان اقتداره علينا أكثر فوجب أن يزيل الشيطان الناس عن الدين و لجاز في أكثر ما يتكلم به الواحد منا أن يكون ذلك بإجبار الشيطان. و ثانيها أن الشيطان لو قدر على هذا الإجبار لارتفع الأمان عن الوحي لقيام هذا الاحتمال. و ثالثها أنه باطل بدلالة قوله تعالى حاكيا عن الشيطان وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ و قال تعالى إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ و قال إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ و لا شك أنه ص كان سيد المخلصين. و أما الوجه الثالث و هو أنه ص تكلم بذلك اختيارا و هاهنا وجهان.  أحدهما أن نقول إن هذه الكلمة باطلة. و الثاني أن نقول إنها ليست كلمة باطلة أما على الوجه الأول فذكروا فيه طريقين الأول

 قال ابن عباس في رواية عطاء إن شيطانا يقال له الأبيض أتاه على صورة جبرئيل ع و ألقى عليه هذه الكلمة فقرأها فسمع المشركون ذلك و أعجبهم فجاءه جبرئيل ع و استعرضه فقرأ السورة فلما بلغ إلى تلك الكلمة قال جبرئيل ع أنا ما جئتك بهذه قال رسول الله ص إنه أتاني آت على صورتك فألقاه على لساني

الطريق الثاني قال بعض الجهال إنه ص لشدة حرصه على إيمان القوم أدخل هذه الكلمة من عند نفسه ثم رجع عنها و هذان القولان لا يرغب فيهما مسلم البتة لأن الأول يقتضي أنه ص ما كان يميز بين الملك المعصوم و الشيطان الخبيث. و الثاني يقتضي أنه كان خائنا في الوحي و كل واحد منهما خروج عن الدين. و أما الوجه الثاني و هو أن هذه الكلمة ليست باطلة فههنا أيضا طرق الأول أن يقال الغرانيق هم الملائكة و قد كان ذلك قرآنا منزلا في وصف الملائكة فلما توهم المشركون أنه يريد آلهتهم نسخ الله تلاوته. الثاني أن يقال إن المراد منه الاستفهام على سبيل الإنكار فكأنه قال أ شفاعتهن ترتجى. الثالث أنه تعالى ذكر الإثبات و أراد النفي كقوله تعالى يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا أي لا تضلوا كما يذكر النفي و يريد به الإثبات كقوله تعالى قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ و المعنى أن تشركوا و هذان الوجهان الأخيران يعترض عليهما بأنه لو جاز ذلك بناء على هذا التأويل فلم لا يجوز أن يظهروا كلمة الكفر في جملة القرآن أو في الصلاة بناء على التأويل و لكن الأصل في الدين أن  لا نجوز عليهم شيئا من ذلك لأن الله تعالى قد نصبهم حجة و اصطفاهم للرسالة فلا يجوز عليهم ما يطعن في ذلك أو ينفر و مثل ذلك في النفر أعظم من الأمور التي جنبه الله تعالى كنحو الكتابة و الفظاظة و قول الشعر فهذه الوجوه المذكورة في قوله تلك الغرانيق العلى و قد ظهر على القطع كذبها فهذا كله إذا فسرنا التمني بالتلاوة أما إذا فسرناها بالخاطر و تمني القلب فالمعنى أن النبي ص متى تمنى بعض ما يتمناه من الأمور وسوس الشيطان إليه بالباطل و يدعوه إلى ما لا ينبغي ثم إن الله تعالى ينسخ ذلك و يبطله و يهديه إلى ترك الالتفات إلى وسوسته ثم اختلفوا في كيفية تلك الوسوسة على وجوه. أحدها أنه ما يتقرب به إلى المشركين من ذكر آلهتهم قالوا إنه ص كان يحب أن يتألفهم و كان يتردد ذلك في نفسه فعند ما لحقه النعاس زاد تلك الزيادة من حيث كانت في نفسه و هذا أيضا خروج عن الدين و بيانه ما تقدم. و ثانيها ما قال مجاهد من أنه ص كان يتمنى إنزال الوحي عليه على سرعة دون تأخير فنسخ الله ذلك بأن عرفه أن إنزال ذلك بحسب المصالح في الحوادث و النوازل و غيرها. و ثالثها يحتمل أنه ص عند نزول الوحي كان يتفكر في تأويله إذا كان محتملا فيلقي الشيطان في جملته ما لم يرده فبين تعالى أنه ينسخ ذلك بالإبطال و يحكم ما أراده بأدلته و آياته. و رابعها معنى الآية إذا تمنى أراد فعلا تقربا إلى الله ألقى الشيطان في ذكره

   ما يخالفه فيرجع إلى الله في ذلك و هو كقوله إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ و كقوله تعالى وَ إِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ و من الناس من قال لا يجوز حمل الأمنية على تمني القلب لأنه لو كان كذلك لم يكن ما يخطر ببال رسول الله ص فتنة للكفار و ذلك يبطله قوله لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ. و الجواب لا يبعد أنه إذا قوي التمني اشتغل الخاطر به فحصل به السهو في الأفعال الظاهرة بسببه فيصير ذلك فتنة للكفار انتهى كلامه و قال السيد المرتضى قدس الله روحه في التنزيه بعد نقل بعض الروايات السابقة قلنا أما الآية فلا دلالة في ظاهرها على هذه الخرافة التي قصوا بها و ليس يقتضي الظاهر إلا أحد أمرين إما أن يريد بالتمني التلاوة كما قال حسان أو تمني القلب فإن أراد التلاوة كان المراد أن من أرسل قبلك من الرسل كان إذا تلا ما يؤديه إلى قومه حرفوا عليه و زادوا فيما يقوله و نقصوا كما فعلت اليهود في الكذب على نبيهم ع فأضاف ذلك إلى الشيطان لأنه يقع بوسوسته و غروره ثم بين أن الله تعالى يزيل ذلك و يدحضه بظهور حججه و ينسخه و يحسم مادة الشبهة به و إنما خرجت الآية على هذا الوجه مخرج التسلية له ص لما كذب المشركون عليه و أضافوا إلى تلاوته من مدح آلهتهم ما لم يكن فيها و إن كان المراد تمني القلب فالوجه في الآية أن الشيطان متى تمنى بقلبه بعض ما يتمناه من الأمور يوسوس إليه بالباطل و يحدثه  بالمعاصي و يغريه بها و يدعوه إليها و أن الله تعالى ينسخ ذلك و يبطله بما يرشده إليه من مخالفة الشيطان و عصيانه و ترك استماع غروره فأما الأحاديث المروية في هذا الباب فلا يلتفت إليها من حيث تضمنت ما قد نزهت العقول الرسل ع عنه هذا لو لم تكن في أنفسها مطعونة مضعفة عند أصحاب الحديث بما يستغني عن ذكره و كيف يجيز ذلك على النبي ص من يسمع الله يقول كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ يعني القرآن و قوله تعالى وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا الآيات و قوله تعالى سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى على أن من يجيز السهو على الأنبياء ع يجب أن لا يجيز ما تضمنته هذه الرواية المنكرة لما فيه من غاية التنفير عن النبي ص لأن الله تعالى قد جنب نبيه ص من الأمور الخارجة عن باب المعاصي كالغلظة و الفظاظة و قول الشعر و غير ذلك مما هو دون مدح الأصنام المعبودة دون الله تعالى على أنه ص لا يخلو وحوشي مما قرف به من أن يكون تعمد ما حكوه و فعله قاصدا أو فعله ساهيا و لا حاجة بنا إلى إبطال القصد في هذا الباب و العمد لظهوره و إن كان فعله ساهيا فالساهي لا يجوز أن يقع منه مثل هذه الألفاظ المطابقة لوزن السورة و طريقتها ثم بمعنى ما تقدمها من الكلام لأنا نعلم ضرورة أن شاعرا لو أنشد قصيدة لما جاز أن يسهو حتى يتفق منه بيت شعر في وزنها و في معنى البيت الذي تقدمه و على الوجه الذي يقتضيه فائدته و هو مع ذلك يظن أنه من القصيدة التي ينشدها و هذا ظاهر في بطلان هذه الدعوى على النبي ص على أن بعض أهل العلم قد قال يمكن أن يكون وجه التباس الأمر أن رسول الله ص

   لما تلا هذه السورة في ناد غاص بأهله و كان أكثر الحاضرين من قريش المشركين فانتهى إلى قوله تعالى أَ فَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَ الْعُزَّى و علم من قرب من مكانه من قريش أنه سيورد بعدها ما يقدح فيهن قال كالمعارض له و الراد عليه تلك الغرانيق العلى و إن شفاعتهن لترجى فظن كثير من حضر أن ذلك من قوله ص و اشتبه عليه الأمر لأنهم كانوا يلفظون عند قراءته ص و يكثر كلامهم و ضجاجهم طلبا لتغليطه و إخفاء قراءته و يمكن أن يكون هذا أيضا في الصلاة لأنهم كانوا يقربون منه في حال صلاته عند الكعبة و يسمعون قراءته و يلغون فيها و قيل أيضا إنه ص كان إذا تلا القرآن على قريش توقف في فصول الآيات و أتى بكلام على سبيل الحجاج لهم فلما تلا أَ فَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَ الْعُزَّى وَ مَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى قال ص تلك الغرانيق العلى و منها الشفاعة ترتجى على سبيل الإنكار عليهم و أن الأمر بخلاف ما ظنوه من ذلك و ليس يمتنع أن يكون هذا في صلاة لأن الكلام في الصلاة حينئذ كان مباحا و إنما نسخ من بعد و قيل إن المراد بالغرانيق الملائكة و قد جاء مثل هذا في بعض الحديث فتوهم المشركون أنه يريد آلهتهم و قيل إن ذلك كان قرآنا منزلا في وصف الملائكة تلاه الرسول ص فلما ظن المشركون أن المراد به آلهتهم نسخت تلاوته و كل هذا يطابق ما ذكرناه من تأويل قوله تعالى إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ لأن بغرور الشيطان و وسوسته أضيف إلى تلاوته ص ما لم يرده بها و كل هذا واضح بحمد الله انتهى. و قال القاضي عياض في الشفاء بعد توهين الحديث و القدح في سنده بوجوه شتى  و قد قررنا بالبرهان و الإجماع عصمته ص من جريان الكفر على قلبه أو لسانه لا عمدا و لا سهوا أو أن يتشبه عليه ما يلقيه الملك مما يلقي الشيطان أو أن يكون للشيطان عليه سبيل أو أن يتقول على الله لا عمدا و لا سهوا ما لم ينزل عليه ثم قال و وجه ثان و هو استحالة هذه القصة نظرا و عرفا و ذلك أن الكلام لو كان كما روي لكان بعيد الالتيام متناقض الأقسام ممتزج المدح بالذم متخاذل التأليف و النظم و لما كان النبي ص و لا من بحضرته من المسلمين و صناديد قريش من المشركين ممن يخفى عليه ذلك و هذا لا يخفى على أدنى متأمل فكيف بمن رجح حلمه و اتسع في باب البيان و معرفة فصيح الكلام علمه. و وجه ثالث أنه قد علم من عادة المنافقين و معاندي المشركين و ضعفة القلوب و الجهلة من المسلمين نفورهم لأول وهلة و تخليط العدو على النبي ص لأقل فتنة و ارتداد من في قلبه مرض ممن أظهر الإسلام لأدنى شبهة و لم يحك أحد في هذه القصة شيئا سوى هذه الرواية الضعيفة الأصل و لو كان ذلك لوجدت قريش على المسلمين الصولة و لأقامت بها اليهود عليهم الحجة كما فعلوه مكابرة في قضية الإسراء حتى كانت في ذلك لبعض الضعفاء ردة و كذلك ما روي في قصة القضية و لا فتنة أعظم من هذه البلية لو وجدت و لا تشغيب للمعادي حينئذ أشد من هذه الحادثة لو أمكنت فما روي عن معاند فيها كلمة و لا عن مسلم بسببها شبهة فدل على بطلها و اجتثاث أصلها ثم ذكر أكثر الوجوه التي ذكرها السيد و الرازي.

   و قال الطبرسي رحمه الله بعد نقل ملخص كلام السيد و قال البلخي و يجوز أن يكون النبي ص سمع هاتين الكلمتين من قومه و حفظهما فلما قرأها ألقاهما الشيطان في ذكره فكاد أن يجريها على لسانه فعصمه الله و نبهه و نسخ وسواس الشيطان و أحكم آياته بأن قرأها النبي ص محكمة سليمة مما أراد الشيطان و الغرانيق جمع غرنوق و هو الحسن الجميل يقال شاب غرنوق و غرانق إذا كان ممتليا ريانا ثم يحكم آياته أي يبقي آياته و دلائله و أوامره محكمة لا سهو فيها و لا غلط لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ إلى قوله وَ الْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ أي ليجعل ذلك تشديدا في التعبد و امتحانا على الذين في قلوبهم شك و على الذين قست قلوبهم من الكفار فيلزمهم الدلالة على الفرق بين ما يحكمه الله و بين ما يلقيه الشيطان لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ أي في معاداة و مخالفة بعيدة عن الحق وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ بالله و توحيده و حكمته أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ أي أن القرآن حق لا يجوز عليه التغيير و التبديل فَيُؤْمِنُوا بِهِ أي فيثبتوا على إيمانهم و قيل يزدادوا إيمانا فتخبت له قلوبهم أي تخشع و تتواضع لقوة إيمانهم. و قال رحمه الله في قوله تعالى فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ المراد به سائر المكلفين و إنما أفرده بالخطاب ليعلم أن العظيم الشأن إذا أوعد فمن دونه كيف حاله و إذا حذر هو فغيره أولى بالتحذير. قوله تعالى وَ ما كُنْتَ تَرْجُوا قال الرازي في كلمة إلا وجهان أحدهما أنها للاستثناء ثم قال صاحب الكشاف هذا كلام محمول على المعنى كأنه قيل و ما ألقي إليك الكتاب إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ و يمكن أيضا إجراؤه على ظاهره أي و ما كنت ترجو إلا أن يرحمك الله رحمة فينعم عليك بذلك أي و ما كنت ترجو إلا على هذا الوجه و الثاني أن إلا بمعنى لكن أي و لكن رحمة من ربك ألقي إليك ثم إنه كلفه بأمور أحدها أن لا يكون مظاهرا للكفار.  و ثانيها وَ لا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللَّهِ قال الضحاك و ذلك حين دعوه إلى دين آبائه ليزوجوه و يقاسموه شطرا من مالهم أي لا تلتفت إلى هؤلاء و لا تركن إلى قولهم فيصدك عن اتباع آيات الله. و ثالثها قوله وَ ادْعُ إِلى رَبِّكَ أي إلى دين ربك و أراد التشديد في الدعاء للكفار و المشركين فلذلك قال وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لأن من رضي بطريقتهم أو مال إليهم كان منهم. و رابعها قوله وَ لا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ و هذا و إن كان واجبا على الكل إلا أنه تعالى خاطبه به خصوصا لأجل التعظيم فإن قيل الرسول كان معلوما منه أن لا يفعل شيئا من ذلك البتة فما الفائدة في هذا النهي. قلت لعل الخطاب معه و لكن المراد غيره و يجوز أن يكون المعنى لا تعتمد على غير الله و لا تتخذ غيره وكيلا في أمورك فإنه من وكل بغير الله فكأنه لم يكمل طريقه في التوحيد انتهى. و قال البيضاوي هذا و ما قبله للتهييج و قطعه أطماع المشركين عن مساعدته لهم. أقول سيأتي تأويل قوله تعالى وَ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ في باب تزويج زينب إن شاء الله. و قال الطبرسي رحمه الله قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ عن الحق كما تدعون فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي أي فإنما يرجع وبال ضلالي علي لأني مأخوذ به دون غيري وَ إِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي أي فبفضل ربي حيث أوحى إلي فله المنة بذلك علي دون خلقه إِنَّهُ سَمِيعٌ لأقوالنا قَرِيبٌ منا فلا يخفى عليه المحق و المبطل.

   قوله تعالى لَئِنْ أَشْرَكْتَ قال السيد رضي الله عنه قد قيل في هذه الآية أن الخطاب للنبي ص و المراد به أمته و قد روي عن ابن عباس أنه قال نزل القرآن علي إياك أعني و اسمعي يا جارة و جواب آخر أن هذا خبر يتضمن الوعيد و ليس يمتنع أن يتوعد الله على العموم و على سبيل الخصوص من يعلم أنه لا يقع منه ما تناوله الوعيد لكنه لا بد أن يكون مقدورا له و جائزا بمعنى الصحة لا بمعنى الشك و لهذا يجعل جميع وعيد القرآن عاما لمن يقع منه ما تناوله الوعيد و لمن علم الله تعالى أنه لا يقع منه و ليس قوله تعالى لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ على سبيل التقدير و الشرط بأكثر من قوله تعالى لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا لأن استحالة وجود ثان معه إذا لم يمنع من تقدير ذلك و بيان حكمه فأولى أن يسوغ تقدير وقوع الشرك الذي هو مقدور ممكن و بيان حكمه. و الشيعة لها في هذه الآية جواب تتفرد به و هو أن النبي ص لما نص على أمير المؤمنين ع بالإمامة في ابتداء الأمر جاءه قوم من قريش فقالوا له يا رسول الله إن الناس قريبو عهد بالإسلام و لا يرضون أن تكون النبوة فيك و الخلافة في ابن عمك فلو عدلت بها إلى غيره لكان أولى فقال لهم النبي ص ما فعلت ذلك برأيي فأتخير فيه لكن الله تعالى أمرني به و فرضه علي فقالوا له فإذا لم تفعل ذلك مخافة الخلاف على ربك تعالى فأشرك معه في الخلافة رجلا من قريش تسكن الناس إليه ليتم لك أمرك و لا يخالف الناس عليك فنزلت الآية و المعنى فيها لَئِنْ أَشْرَكْتَ في الخلافة مع أمير المؤمنين ع غيره لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ و على هذا التأويل السؤال قائم لأنه إذا كان  قد علم الله تعالى أنه ص لا يفعل ذلك و لا يخالف أمره لعصمته فما الوجه في الوعيد فلا بد من الرجوع إلى ما ذكرنا. و قال البيضاوي أَمْ يَقُولُونَ بل أ يقولون افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً افترى محمد بدعوى النبوة و القرآن فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ استبعاد للافتراء عن مثله بالإشعار على أنه إنما يجترئ عليه من كان مختوما على قلبه جاهلا بربه فأما من كان ذا بصيرة و معرفة فلا فكأنه قال إن يشأ الله خذلانك يختم على قلبك لتجترئ بالافتراء عليه و قيل يختم على قلبك يمسك القرآن و الوحي عنه فكيف تقدر على أن تفتري أو يربط عليه بالصبر فلا يشق عليك أذاهم. قوله تعالى وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا قال الرازي و الطبرسي أي أمم من أرسلنا و المراد مؤمنو أهل الكتاب فإنهم سيخبرونك أنه لم يرد في دين أحد من الأنبياء عبادة الأصنام و إذا كان هذا متفقا عليه بين كل الأنبياء و الرسل وجب أن لا يجعلوه سبب بغض محمد ص و الخطاب و إن توجه إلى النبي ص فالمراد به الأمة. و القول الثاني قال عطاء عن ابن عباس لما أسري بالنبي ص إلى المسجد الأقصى بعث الله تعالى له آدم ع و جميع المرسلين من ولده ع فأذن جبرئيل ثم أقام و قال يا محمد تقدم فصل بهم فلما فرغ رسول الله ص من الصلاة قال له جبرئيل ع سل يا محمد مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا الآية فقال ص لا أسأل لأني لست شاكا فيه. و القول الثالث أن ذكر السؤال في موضع لا يمكن السؤال فيه يكون المراد منه

   النظر و الاستدلال كقول من قال سل الأرض من شق أنهارك و غرس أشجارك و جنى ثمارك فإنها إن لم تجبك جهارا أجابتك اعتبارا و هاهنا سؤال النبي ص عن الأنبياء الذين كانوا قبله ممتنع و كان المراد منه انظر في هذه المسألة بعقلك و تدبر فيه بنفسك و الله أعلم. قوله تعالى فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ قال الطبرسي رحمه الله فيه أقوال أحدها إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ على زعمكم فأنا أول من عبد الله وحده و أنكر قولكم. و ثانيها أن إن بمعنى ما و المعنى ما كان للرحمن ولد فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ لله المقرين بذلك. و ثالثها أن معناه لو كان له ولد لكنت أنا أول الآنفين من عبادته لأن من يكون له ولد لا يكون إلا جسما محدثا و من كان كذلك لا يستحق العبادة من قولهم عبدت من الأمر أي أنفت منه. و رابعها أنه يقول كما أني لست أول من عبد الله فكذلك ليس لله ولد. و خامسها أن معناه لو كان له ولد لكنت أول من يعبده بأن له ولدا و لكن لا ولد له فهذا تحقيق لنفي الولد و تبعيد له لأنه تعليق محال بمحال. و قال البيضاوي عَلى شَرِيعَةٍ على طريقة مِنَ الْأَمْرِ أمر الدين فَاتَّبِعْها فاتبع شريعتك الثابتة بالحجج وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ آراء الجهال التابعة للشهوات و هم رؤساء قريش قالوا ارجع إلى دين آبائك إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً مما أراد بك. قوله لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ قال السيد المرتضى رضي الله عنه في التنزيه أما من نفى عنه ص صغائر الذنوب مضافا إلى كبائرها فله عن هذه الآية أجوبة منها أنه أراد تعالى  بإضافة الذنب إليه ذنب أبيه آدم ع و حسنت هذه الإضافة للاتصال و القربى و غفره له من حيث أقسم على الله تعالى به فأبر قسمه فهذا الذنب المتقدم و الذنب المتأخر هو ذنب شيعته و شيعة أخيه ع و هذا الجواب يعترضه أن صاحبه نفى عن نبي ذنبا و أضافه إلى آخر و السؤال عنه فيمن أضافه إليه كالسؤال فيمن نفاه عنه و يمكن إذا أردنا نصرة هذا الجواب أن نجعل الذنوب كلها لأمته ص و يكون ذكر التقدم و التأخر إنما أراد به ما تقدم زمانه و ما تأخر كما يقول القائل مؤكدا قد غفرت لك ما قدمت و ما أخرت و صفحت عن السالف و الآنف من ذنوبك و لإضافة أمته إليه وجه في الاستعمال معروف لأن القائل قد يقول لمن حضره من بني تميم أو غيرهم من القبائل أنتم فعلتم كذا و كذا و قتلتم فلانا و إن كان الحاضرون ما شهدوا ذلك و لا فعلوه و حسنت الإضافة للاتصال و النسب و لا سبب أوكد مما بين الرسول ع و أمته و قد يجوز توسعا و تجوزا أن يضاف ذنوبهم إليه. و منها أنه سمي تركه الندب ذنبا و حسن ذلك أنه ص ممن لا يخالف الأوامر إلا هذا الضرب من الخلاف و لعظم منزلته و قدره جاز أن يسمى الذنب منه ما إذا وقع من غيره لم يسم ذنبا. و منها أن القول خرج مخرج التعظيم و حسن الخطاب كما قلناه في قوله تعالى عَفَا اللَّهُ عَنْكَ و ليس هذا بشي‏ء لأن العادة جرت فيما يخرج هذا المخرج من الألفاظ أن يجري مجرى الدعاء مثل قولهم غفر الله لك و يغفر الله لك و ما أشبه ذلك و لفظ الآية بخلاف هذا لأن المغفرة جرت فيها مجرى الجزاء و الغرض في الفتح و قد كنا

   ذكرنا في هذه الآية وجها اخترناه و هو أشبه بالظاهر مما تقدم و هو أن يكون المراد بقوله ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ الذنوب إليك لأن الذنب مصدر و المصدر يجوز إضافته إلى الفاعل و المفعول معا ألا ترى أنهم يقولون أعجبني ضرب زيد عمرو إذا أضافوه إلى المفعول و معنى المغفرة على هذا التأويل هي الإزالة و الفسخ و النسخ لأحكام أعدائه من المشركين عليه و ذنوبهم إليه في منعهم إياه عن مكة و صدهم له عن المسجد الحرام و هذا التأويل يطابق ظاهر الكلام حتى تكون المغفرة غرضا في الفتح و وجها له و إلا فإذا أراد مغفرة ذنوبه لم يكن لقوله إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ معنى معقول لأن المغفرة للذنوب لا تعلق لها بالفتح و ليست غرضا فيه فأما قوله ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ فلا يمتنع أن يريد به ما تقدم زمانه من فعلهم القبيح بك و بقومك و ما تأخر و ليس لأحد أن يقول إن سورة الفتح نزلت على رسول الله ص بين مكة و المدينة و قد انصرف من الحديبية و قال قوم من المفسرين إن الفتح أراد به فتح خيبر لأنه كان تاليا لتلك الحال و قال آخرون بل أراد به أنا قضينا لك في الحديبية قضاء حسنا فكيف تقولون ما لم يقله أحد من أن المراد بالآية فتح مكة و السورة قبل ذلك بمدة طويلة و ذلك أن السورة و إن كانت نزلت في الوقت الذي ذكر و هو قبل فتح مكة فغير ممتنع أن يريد بقوله تعالى إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً فتح مكة و يكون على طريق البشارة له و الحكم له بأنه سيدخل مكة و ينصره الله على أهلها و لهذا نظائر في القرآن و مما يقوي أن الفتح في السورة أراد به فتح مكة قوله تعالى لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً و الفتح القريب هاهنا هو فتح خيبر فأما حمل الفتح على القضاء الذي قضاه في الحديبية فهو خلاف الظاهر و مقتضى الآية لأن الفتح بالإطلاق الظاهر منه الظفر و النصر و يشهد له قوله تعالى وَ يَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً.  فإن قيل ليس يعرف إضافة المصدر إلى المفعول إلا إذا كان المصدر متعديا بنفسه مثل قولهم أعجبني ضرب زيد عمرو و إضافة مصدر غير متعد إلى مفعوله غير معروفة. قلنا هذا تحكم في اللسان و على أهله لأنهم في كتب العربية كلها أطلقوا أن المصدر يضاف إلى الفاعل و المفعول معا و لم يستثنوا متعديا من غيره و لو كان بينهما فرق لبينوه و فصلوه كما فعلوا ذلك في غيره و ليس قلة الاستعمال معتبرة في هذا الباب لأن الكلام إذا كان له أصل في العربية استعمل عليه و إن كان قليل الاستعمال و بعد فإن ذنبهم هاهنا إليه إنما هو صدهم له عن المسجد الحرام و منعهم إياه عن دخوله فمعنى الذنب متعد و إن كان معنى المصدر متعديا جاز أن يجري مجرى ما يتعدى بلفظه فإن من عادتهم أن يحملوا الكلام تارة على معناه و أخرى على لفظه انتهى. و قال الطبرسي رحمه الله لأصحابنا فيه وجهان أحدهما أن المراد ليغفر لك الله ما تقدم من ذنب أمتك و ما تأخر بشفاعتك و يؤيده ما رواه المفضل بن عمر عن الصادق ع قال سأله رجل عن هذه الآية فقال و الله ما كان له ذنب و لكن الله ضمن له أن يغفر ذنوب شيعة علي ع ما تقدم من ذنبهم و ما تأخر.

 و روى عمر بن يزيد قال قلت لأبي عبد الله ع قول الله عز و جل لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ قال ما كان له ذنب و لا هم بذنب و لكن الله حمله ذنوب شيعته ثم غفرها له

ثم ذكر سائر الوجوه التي ذكرها السيد رحمه الله و سيأتي تأويلها في الأخبار و تأويل آية التحريم في باب أحوال أزواج النبي ص. قوله تعالى عَبَسَ وَ تَوَلَّى قال الطبرسي رحمه الله قيل نزلت الآيات في عبد الله ابن أم مكتوم و ذلك أنه أتى رسول الله ص و هو يناجي عتبة بن ربيعة و أبا جهل بن هشام و العباس بن عبد المطلب و أبيا و أمية ابني خلف يدعوهم إلى الله و يرجو إسلامهم فقال يا رسول الله أقرئني و علمني مما علمك الله فجعل يناديه و يكرر النداء و لا يدري أنه مشتغل مقبل على غيره حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله ص لقطعه  كلامه و قال في نفسه يقول هؤلاء الصناديد إنما أتباعه العميان و العبيد فأعرض عنه و أقبل على القوم الذين يكلمهم فنزلت الآيات فكان رسول الله ص بعد ذلك يكرمه و إذا رآه قال مرحبا بمن عاتبني فيه ربي و يقول هل لك من حاجة و استخلفه على المدينة مرتين في غزوتين ثم قال بعد نقل ما سيأتي من كلام السيد رحمه الله و قيل إن ما فعله الأعمى كان نوعا من سوء الأدب فحسن تأديبه بالإعراض عنه إلا أنه كان يجوز أن يتوهم أنه إنما أعرض عنه لفقره و أقبل عليهم لرئاستهم تعظيما لهم فعاتبه الله سبحانه على ذلك و روي عن الصادق ع أنه قال كان رسول الله ص إذا رأى عبد الله ابن أم مكتوم قال مرحبا مرحبا لا و الله لا يعاتبني الله فيك أبدا و كان يصنع فيه من اللطف حتى كان يكف عن النبي ص مما يفعل به. عَبَسَ أي بسر و قبض وجهه وَ تَوَلَّى أي أعرض بوجهه أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى أي لأن جاءه وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ أي لعل هذا الأعمى يَزَّكَّى يتطهر بالعمل الصالح و ما يتعلمه منك أَوْ يَذَّكَّرُ أي يتذكر فيتعظ بما تعلمه من مواعظ القرآن فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى في دينه قالوا و في هذا لطف عظيم لنبيه ص إذ لم يخاطبه في باب العبوس فلم يقل عبست فلما جاوز العبوس عاد إلى الخطاب أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى أي من كان عظيما في قومه و استغنى بالمال فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى أي تتعرض له و تقبل عليه بوجهك وَ ما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى أي أي شي‏ء يلزمك إن لم يسلم فإنه ليس عليك إلا البلاغ وَ أَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى أي يعمل في الخير يعني ابن أم مكتوم وَ هُوَ يَخْشى الله عز و جل فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى أي تتغافل و تشتغل عنه بغيره كَلَّا أي لا تعد لذلك و انزجر عنه إِنَّها تَذْكِرَةٌ أي إن آيات القرآن تذكير و موعظة للخلق فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ أي ذكر التنزيل أو القرآن أو الوعظ انتهى. و قال السيد رضي الله عنه في التنزيه أما ظاهر الآية فغير دال على توجهها إلى النبي ص و لا فيها ما يدل على أنها خطاب له بل هي خبر محض لم يصرح بالمخبر عنه و فيها ما يدل عند التأمل على أن المعني بها غير النبي ص لأنه وصفه بالعبوس  و ليس هذا من صفات النبي ص في قرآن و لا خبر مع الأعداء المباينين فضلا عن المؤمنين المسترشدين ثم وصفه بأنه يتصدى للأغنياء و يتلهى عن الفقراء و هذا مما لا يصف به نبينا ص من يعرفه فليس هذا مشبها لأخلاقه الواسعة و تحننه إلى قومه و تعطفه و كيف يقول له ص وَ ما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى و هو ص مبعوث للدعاء و التنبيه و كيف لا يكون ذلك عليه و كان هذا القول إغراء بترك الحرص على إيمان قومه و قد قيل إن هذه السورة نزلت في رجل من أصحاب رسول الله ص كان منه هذا الفعل المنعوت فيها و نحن و إن شككنا في عين من نزلت فيه فلا ينبغي أن نشك في أنها لم يعن بها النبي صلى الله عليه و آله و أي تنفير أبلغ من العبوس في وجوه المؤمنين و التلهي عنهم و الإقبال على الأغنياء الكافرين و قد نزه الله تعالى النبي ص عما دون هذا في التنفير بكثير انتهى. أقول بعد تسليم نزولها فيه ص كان العتاب على ترك الأولى أو المقصود منه إيذاء الكفار و قطع أطماعهم عن موافقة النبي ص لهم و ذمهم على تحقير المؤمنين كما مر مرارا

 1-  فس، ]تفسير القمي[ قوله إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ الآية فإنه كان سبب نزولها أن قوما من الأنصار من بني أبيرق إخوة ثلاثة كانوا منافقين بشير و مبشر و بشر فنقبوا على عم قتادة بن النعمان و كان قتادة بدريا و أخرجوا طعاما كان أعده لعياله و سيفا و درعا فشكا قتادة ذلك إلى رسول الله ص فقال يا رسول الله ص إن قوما أنقبوا على عمي و أخذوا طعاما كان أعده لعياله و درعا و سيفا و هم أهل بيت سوء و كان معهم في الرأي رجل مؤمن يقال له لبيد بن سهل فقال بنو أبيرق لقتادة هذا عمل لبيد بن سهل فبلغ ذلك  لبيدا فأخذ سيفه و خرج عليهم فقال يا بني أبيرق أ ترمونني بالسرق و أنتم أولى به مني و أنتم المنافقون تهجون رسول الله ص و تنسبونه إلى قريش لتبينن ذلك أو لأملأن سيفي منكم فداروه فقالوا له ارجع رحمك الله فإنك بري‏ء من ذلك فمشى بنو أبيرق إلى رجل من رهطهم يقال له أسيد بن عروة و كان منطيقا بليغا فمشى إلى رسول الله ص فقال يا رسول الله إن قتادة بن النعمان عمد إلى أهل بيت منا أهل شرف و حسب و نسب فرماهم بالسرق و أنبهم بما ليس فيهم فاغتم رسول الله ص من ذلك و جاء إليه قتادة فأقبل عليه رسول الله ص فقال له عمدت إلى أهل بيت شرف و حسب و نسب فرميتهم بالسرقة فعاتبه عتابا شديدا فاغتم قتادة من ذلك و رجع إلى عمه و قال ليتني مت و لم أكلم رسول الله ص فقد كلمني بما كرهته فقال عمه الله المستعان فأنزل الله في ذلك على نبيه ص إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ إلى قوله وَ هُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ يعني الفعل فوقع القول مقام الفعل ثم قال ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً لبيد بن سهل

 و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع قال إن أناسا من رهط بشير الأدنين قالوا انطلقوا إلى رسول الله ص نكلمه في صاحبنا و نعذره فإن صاحبنا بري‏ء فلما أنزل الله يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَ هُوَ مَعَهُمْ إلى قوله وَكِيلًا فأقبلت رهط بشير فقالوا يا بشير استغفر الله و تب من الذنب فقال و الذي أحلف به ما سرقها إلا لبيد فنزلت وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً  ثم إن بشيرا كفر و لحق بمكة و أنزل الله في النفر الذين أعذروا بشيرا و أتوا النبي ص ليعذروه وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَ رَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَ ما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْ‏ءٍ وَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَ كانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً فنزل في بشير و هو بمكة وَ مَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصِيراً

 و في تفسير النعماني بإسناده الذي يأتي في كتاب القرآن عن أمير المؤمنين ع قال إن قوما من الأنصار كانوا يعرفون ببني أبيرق و ساق الحديث نحوا مما رواه علي بن إبراهيم أولا

   -2  فس، ]تفسير القمي[ في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله تعالى وَ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ قال كان رسول الله ص يحب إسلام الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف دعاه رسول الله ص و جهد به أن يسلم فغلب عليه الشقاء فشق ذلك على رسول الله ص فأنزل الله وَ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ إلى قوله نَفَقاً فِي الْأَرْضِ يقول سربا و قال علي بن إبراهيم في قوله نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ قال إن قدرت أن تحفر الأرض أو تصعد السماء أي لا تقدر على ذلك ثم قال وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى أي جعلهم كلهم مؤمنين و قوله فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ مخاطبة للنبي ص و المعنى للناس

 3-  فس، ]تفسير القمي[ قوله وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ الآية فإنه كان سبب نزولها أنه كان بالمدينة قوم فقراء مؤمنون يسمون أصحاب الصفة و كان رسول الله ص أمرهم أن يكونوا في صفة يأوون إليها و كان رسول الله ص يتعاهدهم بنفسه و ربما حمل إليهم ما يأكلون و كانوا يختلفون إلى رسول الله ص فيقربهم و يقعد معهم و يؤنسهم و كان إذا جاء الأغنياء و المترفون من أصحابه ينكروا عليه ذلك و يقولوا له اطردهم عنك فجاء يوما رجل من الأنصار إلى رسول الله ص و عنده رجل من  أصحاب الصفة قد لزق برسول الله ص و رسول الله يحدثه فقعد الأنصاري بالبعد منهما فقال له رسول الله ص تقدم فلم يفعل فقال له رسول الله ص لعلك خفت أن يلزق فقره بك فقال الأنصاري اطرد هؤلاء عنك فأنزل الله وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ الآية ثم قال وَ كَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ أي اختبرنا الأغنياء بالغنى لننظر كيف مواساتهم للفقراء و كيف يخرجون ما فرض الله عليهم في أموالهم و اختبرنا الفقراء لننظر كيف صبرهم على الفقر و عما في أيدي الأغنياء لِيَقُولُوا أي الفقراء أَ هؤُلاءِ الأغنياء مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ثم فرض الله على رسوله أن يسلم على التوابين الذين عملوا السيئات ثم تابوا فقال وَ إِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ يعني أجب الرحمة لمن تاب و الدليل على ذلك قوله أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ

 4-  فس، ]تفسير القمي[ وَ إِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ قال إن عرض في قلبك منه شي‏ء و وسوسة

 5-  فس، ]تفسير القمي[ في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ تَعْلَمَ الْكاذِبِينَ يقول تعرف أهل العذر و الذين جلسوا بغير عذر

 6-  فس، ]تفسير القمي[ أبي عن عمرو بن سعيد الراشدي عن ابن مسكان عن أبي عبد الله ع قال لما أسري برسول الله ص إلى السماء و أوحى الله إليه في علي ع  ما أوحى من شرفه و عظمه عند الله و رد إلى البيت المعمور و جمع له النبيين و صلوا خلفه عرض في نفسه من عظم ما أوحى إليه في علي ع فأنزل الله فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ يعني الأنبياء فقد أنزلنا عليهم في كتبهم من فضله ما أنزلنا في كتابك لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ فقال الصادق ع فو الله ما شك و لا سأل

 7-  فس، ]تفسير القمي[ لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولًا أي في النار و هو مخاطبة للنبي ص و المعنى للناس و هو قول الصادق ع إن الله بعث نبيه بإياك أعني و اسمعي يا جارة

 8-  فس، ]تفسير القمي[ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً فالمخاطبة للنبي ص و المعنى للناس قوله وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ قال يعني أمير المؤمنين ع وَ إِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا أي صديقا لو أقمت غيره ثم قال وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَ ضِعْفَ الْمَماتِ من يوم الموت إلى أن تقوم الساعة

 9-  فس، ]تفسير القمي[ وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ إلى قوله مِنَ الْخاسِرِينَ فهذه مخاطبة للنبي ص و المعنى لأمته و الدليل على ذلك قوله بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَ كُنْ مِنَ  الشَّاكِرِينَ و قد علم أن نبيه ص يعبده و يشكره و لكن استعبد نبيه ص بالدعاء إليه تأديبا لأمته

 حدثنا جعفر بن أحمد عن عبد الكريم بن عبد الرحيم عن محمد بن علي عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفر ع قال سألته عن قول الله لنبيه ص لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ قال تفسيرها لئن أمرت بولاية أحد مع ولاية علي ع من بعدك لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ

 10-  فس، ]تفسير القمي[ أبي عن الحسن بن محبوب عن الثمالي عن أبي الربيع قال سأل نافع أبا جعفر ع فقال أخبرني عن قول الله وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَ جَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ من الذي سأل محمد ص و كان بينه و بين عيسى ع خمسمائة سنة قال فتلا أبو جعفر ع هذه الآية سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا فكان من الآيات التي أراها الله محمدا ص حين أسرى به إلى بيت المقدس أن حشر الله الأولين و الآخرين من النبيين و المرسلين ثم أمر جبرئيل فأذن شفعا و أقام شفعا ثم قال في إقامته حي على خير العمل ثم تقدم محمد ص فصلى بالقوم فأنزل الله عليه وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَ جَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ فقال لهم رسول الله ص علام تشهدون و ما كنتم تعبدون قالوا نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أنك رسول الله أخذت على ذلك مواثيقنا و عهودنا قال نافع صدقت يا أبا جعفر

   -11  فس، ]تفسير القمي[ قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ يعني أول الآنفين له أن يكون له ولد

 12-  فس، ]تفسير القمي[ قال علي بن إبراهيم في قوله تعالى ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ إلى قوله لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً فهذا تأديب لرسول الله ص و المعنى لأمته

 13-  فس، ]تفسير القمي[ عَبَسَ وَ تَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى قال نزلت في عثمان و ابن أم مكتوم و كان ابن أم مكتوم مؤذن رسول الله ص و كان أعمى و جاء إلى رسول الله ص و عنده أصحابه و عثمان عنده فقدمه رسول الله ص على عثمان فعبس عثمان وجهه و تولى عنه فأنزل الله عَبَسَ وَ تَوَلَّى يعني عثمان أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أي يكون طاهرا أزكى أَوْ يَذَّكَّرُ قال يذكره رسول الله ص فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى ثم خاطب عثمان فقال أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى قال أنت إذا جاءك غني تتصدى له و ترفعه وَ ما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى أي لا تبالي زكيا كان أو غير زكي إذا كان غنيا وَ أَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى يعني ابن أم مكتوم وَ هُوَ يَخْشى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى أي تلهو و لا تلتفت إليه

 14-  فس، ]تفسير القمي[ وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ إلى قوله وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ فإن العامة رووا أن رسول الله ص كان في الصلاة فقرأ سورة النجم في المسجد الحرام و قريش يستمعون لقراءته فلما انتهى إلى هذه الآية أَ فَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَ الْعُزَّى وَ مَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى أجرى إبليس على لسانه فإنها الغرانيق العلى و إن شفاعتهن لترتجى ففرحت قريش و سجدوا و كان في القوم الوليد بن المغيرة المخزومي و هو شيخ كبير فأخذ كفا من حصى فسجد عليه و هو قاعد و قالت قريش قد أقر محمد بشفاعة  اللات و العزى قال فنزل جبرئيل ع فقال له قرأت ما لم أنزل عليك و أنزل عليه وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ

 و أما الخاصة فإنه روى عن أبي عبد الله ع أن رسول الله ص أصابه خصاصة فجاء إلى رجل من الأنصار فقال له هل عندك من طعام فقال نعم يا رسول الله و ذبح له عناقا و شواه فلما أدناه منه تمنى رسول الله ص أن يكون معه علي و فاطمة و الحسن و الحسين ع فجاء أبو بكر و عمر ثم جاء علي ع بعدهما فأنزل الله في ذلك و ما أرسلنا من قبلك من رسول و لا نبي و لا محدث إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته يعني أبا بكر و عمر فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ يعني لما جاء علي ع بعدهما ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ للناس يعني ينصر الله أمير المؤمنين ع ثم قال لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً يعني فلانا و فلانا لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ يعني إلى الإمام المستقيم ثم قال وَ لا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ أي في شك من أمير المؤمنين حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ قال العقيم الذي لا مثل له في الأيام ثم قال الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا قال و لم يؤمنوا بولاية أمير المؤمنين و الأئمة ع فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ

 بيان قال في النهاية الغرانيق هاهنا الأصنام و هي في الأصل الذكور من طير الماء واحدها غرنوق و غرنيق سمي به لبياضه و قيل هو الكركي و الغرنوق أيضا  الشاب الناعم الأبيض و كانوا يزعمون أن الأصنام تقربهم من الله تعالى و تشفع لهم فشبهت بالطيور التي تعلو في السماء و ترتفع قوله يعني إلى الإمام المستقيم كذا فيما عندنا من النسخ و لعل فيه سقطا و الظاهر أنه تفسير لقوله وَ إِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ بأن المراد بالصراط المستقيم الإمام المستقيم على الحق و يحتمل أن يكون تفسيرا لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ أي قسا قلوبهم عن الميل إلى الإمام المستقيم و قبول ولايته

 15-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ قال علم الهدى و الناصر للحق في رواياتهم إن النبي ص لما بلغ إلى قوله أَ فَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَ الْعُزَّى وَ مَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى ألقى الشيطان في تلاوته تلك الغرانيق العلى و إن شفاعتهن لترتجى فسر بذلك المشركون فلما انتهى إلى السجدة سجد المسلمون و المشركون معا إن صح هذا الخبر فمحمول على أنه كان يتلو القرآن فلما بلغ إلى هذا الموضع قال بعض المشركين ذلك فألقى في تلاوته فأضافه الله إلى الشيطان لأنه إنما حصل بإغرائه و وسوسته و هو الصحيح لأن المفسرين رووا في قوله وَ ما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً كان النبي ص في المسجد الحرام فقام رجلان من عبد الدار عن يمينه يصفران و رجلان عن يساره يصفقان بأيديهما فيخلطان عليه صلاته فقتلهم الله جميعا ببدر قوله فَذُوقُوا الْعَذابَ

 و روي في قوله وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي قال رؤساؤهم من قريش لأتباعهم لما عجزوا عن معارضة القرآن لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَ الْغَوْا فِيهِ أي عارضوه باللغو و الباطل و المكاء و رفع الصوت بالشعر لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ باللغو

 16-  ع، ]علل الشرائع[ ابن الوليد عن ابن أبان عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى  عن إبراهيم بن عمير رفعه إلى أحدهما ع في قول الله عز و جل لنبيه ص فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ قال قال رسول الله ص لا شك و لا أشك

 17-  ع، ]علل الشرائع[ المظفر العلوي عن ابن العياشي عن أبيه عن علي بن عبد الله عن بكر بن صالح عن أبي الخير عن محمد بن حسان عن محمد بن عيسى عن محمد بن إسماعيل الداري عن محمد بن سعيد الإذخري و كان ممن يصحب موسى بن محمد بن الرضا ع أن موسى أخبره أن يحيى بن أكثم كتب إليه يسأله عن مسائل فيها و أخبرني عن قول الله عز و جل فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ من المخاطب بالآية فإن كان المخاطب به النبي ص أ ليس قد شك فيما أنزل الله عز و جل إليه و إن كان المخاطب به غيره فعلى غيره إذا أنزل الكتاب قال موسى فسألت أخي علي بن محمد ع عن ذلك قال أما قوله فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ فإن المخاطب بذلك رسول الله ص و لم يكن في شك مما أنزل الله عز و جل و لكن قالت الجهلة كيف لا يبعث إلينا نبيا من الملائكة إنه لم يفرق بينه و بين غيره في الاستغناء عن المأكل و المشرب و المشي في الأسواق فأوحى الله عز و جل إلى نبيه ص فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ بمحضر من الجهلة هل بعث الله رسولا قبلك إلا و هو يأكل الطعام و يمشي في الأسواق و لك بهم أسوة و إنما  قال فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ و لم يكن و لكن لينصفهم كما قال له ص فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ و لو قال تعالوا نبتهل فنجعل لعنة الله عليكم لم يكونوا يجيبون للمباهلة و قد عرف أن نبيه ص مؤد عنه رسالته و ما هو من الكاذبين و كذلك عرف النبي ص أنه صادق فيما يقول و لكن أحب أن ينصف من نفسه

 ف، ]تحف العقول[ مرسلا مثله شي، ]تفسير العياشي[ عن محمد بن سعيد مثله

 18-  شي، ]تفسير العياشي[ عن عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد الله ع في قول الله فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ قال لما أسري بالنبي ص ففرغ من مناجات ربه رد إلى البيت المعمور و هو بيت في السماء الرابعة بحذاء الكعبة فجمع الله النبيين و الرسل و الملائكة و أمر جبرئيل فأذن و أقام و تقدم بهم فصلى فلما فرغ التفت إليه فقال فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ إلى قوله مِنَ الْمُهْتَدِينَ

 19-  فس، ]تفسير القمي[ محمد بن جعفر عن محمد بن أحمد عن محمد بن الحسين عن علي بن النعمان عن علي بن أيوب عن عمر بن يزيد بياع السابري قال قلت لأبي عبد الله ع قول الله في كتابه لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ قال ما كان له ذنب و لا هم بذنب و لكن الله حمله ذنوب شيعته ثم غفرها له

 20-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ تميم القرشي عن أبيه عن حمدان بن سليمان عن علي بن محمد بن الجهم قال سأل المأمون الرضا ع عن قول الله عز و جل لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ  ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ قال الرضا ع لم يكن أحد عند مشركي أهل مكة أعظم ذنبا من رسول الله ص لأنهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة و ستين صنما فلما جاءهم بالدعوة إلى كلمة الإخلاص كبر ذلك عليهم و عظم و قالوا أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْ‏ءٌ عُجابٌ وَ انْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَ اصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْ‏ءٌ يُرادُ ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ فلما فتح الله عز و جل على نبيه محمد ص مكة قال له يا محمد إِنَّا فَتَحْنا لَكَ مكة فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ عند مشركي أهل مكة بدعائك إلى توحيد الله عز و جل فيما تقدم و ما تأخر لأن مشركي مكة أسلم بعضهم و خرج بعضهم عن مكة و من بقي منهم لم يقدر على إنكار التوحيد عليه إذا دعا الناس إليه فصار ذنبه عندهم في ذلك مغفورا بظهوره عليهم فقال المأمون لله درك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز و جل عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ قال الرضا ع هذا مما نزل بإياك أعني و اسمعي يا جارة خاطب الله عز و جل بذلك نبيه ص و أراد به أمته و كذلك قوله عز و جل لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ و قوله عز و جل وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا قال صدقت يا ابن رسول الله الخبر

 21-  فر، ]تفسير فرات بن إبراهيم[ جعفر بن محمد بن بشرويه القطان عن محمد بن إبراهيم الرازي عن ابن مسكان عن ابن سنان عن أبي عبد الله عن أمير المؤمنين علي ع قال لما نزلت على رسول الله ص لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ قال يا جبرئيل ما الذنب الماضي و ما الذنب الباقي قال جبرئيل ليس لك ذنب يغفرها لك

   بيان لعل المعنى أنه ليس المراد ذنبك إذ ليس لك ذنب بل ذنوب أمتك أو نسبتهم إليك بالذنب أو غير ذلك مما مر. أقول قد مضت دلائل عصمته ص في كتاب أحوال الأنبياء ع و سيأتي في كتاب الإمامة و سائر أبواب هذا المجلد مشحون بالأخبار و الآيات الدالة عليها و الأمر أوضح من أن يحتاج إلى البيان فلذا اكتفينا في هذا الباب بتأويل بعض ما يوهم خلاف ذلك وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ. تذنيب قال السيد المرتضى قدس الله روحه في التنزيه فإن قيل ما معنى قوله تعالى وَ وَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى قلنا في معنى هذه الآية أجوبة. أولها أنه أراد وجدك ضالا عن النبوة فهداك إليها أو عن شريعة الإسلام التي نزلت عليه و أمر بتبليغها إلى الخلق و بإرشاده ص إلى ما ذكرناه أعظم النعمة عليه فالكلام في الآية خارج مخرج الامتنان و التذكير بالنعم. و ثانيها أن يكون أراد الضلال عن المعيشة و طريق التكسب يقال للرجل الذي لا يهتدي طريق معيشته و وجه مكسبه هو ضال لا يدري ما يصنع و لا أين يذهب فامتن الله عليه بأن رزقه و أغناه و كفاه. و ثالثها وجدك ضالا بين مكة و المدينة عند الهجرة فهداك و سلمك من أعدائك و هذا الوجه قريب لو لا أن السورة مكية إلا أن يحمل على أن المراد سيجدك على مذهب القرب في حمل الماضي على المستقبل. و رابعها وجدك مضلولا عنك في قوم لا يعرفون حقك فهداهم إلى معرفتك يقال فلان ضال في قومه و بين أهله إذا كان مضلولا عنه.  و خامسها أنه روي في قراءة هذه الآية الرفع أ لم يجدك يتيم فآوى و وجدك ضال فهدى على أن اليتيم وجده و كذا الضال و هذا الوجه ضعيف لأن القراءة غير معروفة لأن الكلام يفسد أكثر معانيه. فإن قيل ما معنى وَ وَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ قلنا أما الوزر في أصل اللغة فهو الثقل و إنما سميت الذنوب بأنها أوزار لأنها يثقل كاسبها و حاملها و إذا كان أصل الوزر ما ذكرناه فكل شي‏ء أثقل الإنسان و غمه و كده و جهده جاز أن يسمى وزرا تشبيها بالوزر الذي هو الثقل الحقيقي و ليس يمتنع أن يكون الوزر في الآية إنما أراد به غمه و همه ص بما كان عليه قومه من الشرك بأنه كان هو و أصحابه بينهم مستضعفا مقهورا مغمورا فكل ذلك مما يتعب الفكر و يكد النفس فلما أن أعلى الله كلمته و نشر دعوته و بسط يده خاطبه بهذا الخطاب تذكيرا له بموقع النعمة عليه ليقابله بالشكر و الثناء و الحمد و يقوي هذا التأويل قوله تعالى وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ و قوله جل و عز فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً و العسر بالشدائد و الغموم أشبه و كذلك اليسر بتفريج الكرب و إزالة الهموم و الغموم أشبه. فإن قيل هذا التأويل يبطله أن هذه السورة مكية نزلت على النبي ص و هو في الحال الذي ذكرتم أنها كانت تغمه من ضعف الكلمة و شدة الخوف من الأعداء. قلنا عن هذا السؤال جوابين أحدهما أنه تعالى لما بشره بأنه يعلي دينه على الدين كله و يظهره عليه و يشفي من أعدائه غيظه و غيظ المؤمنين به كان بذلك واضعا عنه ثقل غمه بما كان يلحقه من قومه و مطيبا لنفسه و مبدلا عسره يسرا لأنه يثق

   بأن وعد الله تعالى حق لا يخلف فامتن الله عليه بنعمة سبقت الامتنان و تقدمته. و الوجه الآخر أن يكون اللفظ و إن كان ظاهره للماضي فالمراد به الاستقبال و لهذا نظائر كثيرة في القرآن و الاستعمال قال الله تعالى وَ نادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ و قال تعالى وَ نادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ إلى غير ذلك مما شهرته تغني عن ذكره. تذييل قال المحقق الطوسي قدس الله روحه في التجريد و لا تنافي العصمة القدرة. و قال العلامة نور الله ضريحه في شرحه اختلف القائلون بالعصمة في أن المعصوم هل يتمكن من فعل المعصية أم لا فذهب قوم منهم إلى عدم تمكنه من ذلك و ذهب آخرون إلى تمكنه منها أما الأولون فمنهم من قال إن المعصوم مختص في بدنه أو نفسه بخاصية تقتضي امتناع إقدامه على المعصية و منهم من قال إن العصمة هي القدرة على الطاعة و عدم القدرة على المعصية و هو قول أبي الحسين البصري و أما الآخرون الذين لم يسلبوا القدرة فمنهم من فسرها بأنه الأمر الذي يفعله الله تعالى بالعبد من الألطاف المقربة إلى الطاعات التي يعلم معها أنه لا يقدم على المعصية بشرط أن لا ينتهي ذلك الأمر إلى الإلجاء و منهم من فسرها بأنها ملكة نفسانية لا يصدر عن صاحبها معها المعاصي و آخرون قالوا العصمة لطف يفعله الله لصاحبها لا يكون له معه داع إلى ترك الطاعات و ارتكاب المعصية و أسباب هذا اللطف أمور أربعة. أحدها أن يكون لنفسه أو لبدنه خاصية تقتضي ملكة مانعة من الفجور و هذه الملكة مغايرة للفعل. الثاني أن يحصل له علم بمثالب المعاصي و مناقب الطاعات.  الثالث تأكيد هذه العلوم بتتابع الوحي أو الإلهام من الله تعالى. الرابع مؤاخذته على ترك الأولى بحيث يعلم أنه لا يترك مهملا بل يضيق عليه الأمر في غير الواجب من الأمور الحسنة فإذا اجتمعت هذه الأمور كان الإنسان معصوما و المصنف رحمه الله اختار المذهب الثاني و هو أن العصمة لا تنافي القدرة بل المعصوم قادر على فعل المعصية و إلا لما استحق المدح على ترك المعصية و لا الثواب و لبطل الثواب و العقاب في حقه فكان خارجا عن التكليف و ذلك باطل بالإجماع و بالنقل في قوله تعالى قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ انتهى. و قال السيد المرتضى رحمه الله في كتاب الغرر و الدرر ما حقيقة العصمة التي يعتقد وجوبها للأنبياء و الأئمة ع و هل هي معنى يضطر إلى الطاعة و يمتنع من المعصية أو معنى يضام الاختيار فإن كان معنى يضطر إلى الطاعة و يمتنع من المعصية فكيف يجوز الحمد و الذم لفاعلهما و إن كان معنى يضام الاختيار فاذكروه و دلوا على صحة مطابقته له و وجوب اختصاص المذكورين به دون من سواهم فقد قال بعض المعتزلة إن الله تعالى عصم أنبياءه بالشهادة لهم بالاستعصام كما ضلل قوما بنفس الشهادة فإن يكن ذلك هو المعتمد أنعم بذكره و دل على صحته و بطلان ما عساه فعله من الطعن عليه و إن يكن باطلا دل على بطلانه و صحة الوجه المعتمد فيه دون ما سواه. الجواب اعلم أن العصمة هي اللطف الذي يفعله الله تعالى فيختار العبد عنده الامتناع من فعل القبيح فيقال على هذا إن الله عصمه بأن فعل له ما اختار عنده العدول عن القبيح و يقال إن العبد معصوم لأنه اختار عند هذا الداعي الذي فعل له الامتناع من القبيح و أصل العصمة في موضوع اللغة المنع يقال عصمت فلانا من السوء إذا منعت من حلوله به غير أن المتكلمين أجروا هذه اللفظة على من امتنع باختياره عند اللطف الذي يفعله الله تعالى به لأنه إذا فعل به ما يعلم أنه يمتنع عنده من فعل القبيح

   فقد منعه من القبيح فأجروا عليه لفظة المانع قهرا و قسرا و أهل اللغة يتعارفون ذلك أيضا و يستعملونه لأنهم يقولون فيمن أشار على غيره برأي فقبله منه مختارا و احتمى بذلك من ضرر يلحقه و سوء يناله أنه حماه من ذلك الضرر و منعه و عصمه منه و إن كان ذلك على سبيل الاختيار. فإن قيل أ فتقولون فيمن لطف له بما اختار عنده الامتناع من فعل واحد قبيح أنه معصوم قلنا نقول ذلك مضافا و لا نطلقه فنقول إنه معصوم من كذا و لا نطلق فيوهم أنه معصوم من جميع القبائح و نطلق في الأنبياء و الأئمة ع العصمة بلا تقييد لأنهم لا يفعلون شيئا من القبائح بخلاف ما تقوله المعتزلة من نفي الكبائر عنهم دون الصغائر. فإن قيل فإذا كان تفسير العصمة ما ذكرتم فألا عصم الله جميع المكلفين و فعل بهم ما يختارون عنده الامتناع من القبائح قلنا كل من علم الله أن له لطفا يختار عنده الامتناع من القبائح فإنه لا بد أن يفعل به و إن لم يكن نبيا و لا إماما لأن التكليف يقتضي فعل اللطف على ما دل عليه في مواضع كثيرة غير أنه يكون في المكلفين من ليس في المعلوم أن شيئا متى فعل اختار عنده الامتناع من القبيح فيكون هذا المكلف لا عصمة له في المعلوم و لا لطف و تكليف من لا لطف له يحسن و لا يقبح و إنما القبيح منع اللطف فيمن له لطف مع ثبوت التكليف فأما قول بعضهم إن العصمة هي الشهادة من الله تعالى بالاستعصام فباطل لأن الشهادة لا تجعل الشي‏ء على ما هو به و إنما تتعلق به على ما هو عليه لأن الشهادة هي الخبر و الخبر عن كون الشي‏ء على صفة لا يؤثر في كونه عليها فتحتاج أولا إلى أن يتقدم لنا العلم بأن زيدا معصوم أو معتصم و نوضح عن معنى ذلك ثم تكون الشهادة من بعد مطابقة لهذا العلم و هذا بمنزلة من سأل عن حد المتحرك فقال هو الشهادة بأنه متحرك أو المعلوم أنه على هذه الصفة و في هذا البيان كفاية لمن تأمله انتهى.  و قال الصدوق رحمه الله في رسالة العقائد اعتقادنا في الأنبياء و الرسل و الملائكة و الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين أنهم معصومون مطهرون من كل دنس و أنهم لا يذنبون ذنبا صغيرا و لا كبيرا و لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ و من نفى العصمة عنهم في شي‏ء من أحوالهم فقد جهلهم و اعتقادنا فيهم أنهم موصوفون بالكمال و العلم من أوائل أمورهم إلى أواخرها لا يوصفون في شي‏ء من أحوالهم بنقص و لا جهل. و قال الشيخ المفيد رفع الله درجته في شرح هذا الكلام العصمة من الله لحججه هي التوفيق و اللطف و الاعتصام من الحجج بهما عن الذنوب و الغلط في دين الله و العصمة تفضل من الله تعالى على من علم أنه يتمسك بعصمته و الاعتصام فعل المعتصم و ليست العصمة مانعة من القدرة على القبيح و لا مضطرة للمعصوم إلى الحسن و لا ملجئة له إليه بل هي الشي‏ء الذي يعلم الله تعالى أنه إذا فعله بعبد من عبيده لم يؤثر معه معصية له و ليس كل الخلق يعلم هذا من حاله بل المعلوم منهم ذلك هم الصفوة و الأخيار قال الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى الآية و قال وَ لَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ و قال وَ إِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ و الأنبياء و الأئمة صلوات الله عليهم من بعدهم معصومون في حال نبوتهم و إمامتهم من الكبائر و الصغائر كلها و العقل يجوز عليهم ترك مندوب إليه على غير التعمد للتقصير و العصيان و لا يجوز عليهم ترك مفترض إلا أن نبينا ص و الأئمة صلوات الله عليهم من بعده كانوا سالمين من ترك المندوب و المفترض قبل حال إمامتهم ع و بعدها و أما الوصف لهم بالكمال في كل أحوالهم فإن المقطوع به كمالهم في جميع أحوالهم التي كانوا فيها حججا لله تعالى على خلقه و قد جاء الخبر بأن رسول الله ص و الأئمة من ذريته ع كانوا حججا لله تعالى منذ أكمل عقولهم إلى أن قبضهم و لم يكن لهم قبل أحوال التكليف أحوال نقص و جهل

   و أنهم يجرون مجرى عيسى و يحيى ع في حصول الكمال لهم مع صغر السن و قبل بلوغ الحلم و هذا أمر تجوزه العقول و لا تنكره و ليس إلى تكذيب الأخبار سبيل و الوجه أن نقطع على كمالهم ع في العلم و العصمة في أحوال النبوة و الإمامة و نتوقف في ما قبل ذلك و هل كانت أحوال نبوة و إمامة أم لا و نقطع على أن العصمة لازمة لهم منذ أكمل الله عقولهم إلى أن قبضهم ع انتهى. و سيأتي مزيد توضيح لتلك المقاصد في كتاب الإمامة إن شاء الله تعالى