باب 16- غزوة بدر الصغرى و سائر ما جرى في تلك السنة إلى غزوة الخندق

 الآيات النساء فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ اللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَ أَشَدُّ تَنْكِيلًا و قال تعالى النساء وَ لا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَ تَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ وَ كانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً تفسير قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قال الكلبي إن أبا سفيان لما رجع إلى مكة يوم أحد و أعد رسول الله ص موسم بدر الصغرى و هي سوق يقوم في ذي القعدة فلما بلغ الميعاد قال للناس اخرجوا إلى الميعاد فتثاقلوا و كرهوا ذلك كراهة شديدة أو بعضهم فأنزل الله عز و جل هذه الآية فحرض النبي ص المؤمنين فتثاقلوا عنه و لم يخرجوا فخرج رسول الله ص في سبعين راكبا حتى أتى موسم بدر فكفاهم الله بأس العدو و لم يوافهم أبو سفيان و لم يكن قتال يومئذ و انصرف رسول الله ص بمن معه سالمين لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ أي إلا فعل نفسك وَ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ على القتال أي و حثهم عليه عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي يمنع شدة الكفار و عسى من الله موجب وَ اللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً أي أشد نكاية في الأعداء وَ أَشَدُّ تَنْكِيلًا أي عقوبة و قيل التنكيل الشهرة بالأمور الفاضحة. و في قوله تعالى وَ لا تَهِنُوا قيل نزلت في الذهاب إلى بدر الصغرى لموعد أبي سفيان يوم أحد

 1-  عم، ]إعلام الورى[ ثم كانت بعد غزوة ذات الرقاع غزوة بدر الأخيرة في شعبان خرج رسول الله ص إلى بدر لميعاد أبي سفيان فأقام عليها ثمان ليال و خرج أبو سفيان في أهل تهامة فلما نزل الظهران بدا له في الرجوع و وافق رسول الله ص و أصحابه السوق فاشتروا و باعوا و أصابوا بها ربحا حسنا

 2-  أقول قال في المنتقى في سياق حوادث السنة الرابعة و فيها ولد الحسين ع لثلاث ليال خلون من شعبان و فيها كانت غزوة بدر الصغرى لهلال ذي القعدة و ذلك أن أبا سفيان لما أراد أن ينصرف يوم أحد نادى الموعد بيننا و بينكم بدر الصغرى رأس الحول نلتقي بها و نقتتل فقال رسول الله ص قولوا نعم إن شاء الله فافترق الناس على ذلك و تهيأت قريش للخروج فلما دنا الموعد كره أبو سفيان الخروج و قدم نعيم بن مسعود الأشجعي مكة فقال له أبو سفيان إني قد واعدت محمدا و أصحابه أن نلتقي ببدر و قد جاء ذلك الوقت و هذا عام جدب و إنما يصلحنا عام خصب و أكره أن يخرج محمد و لا أخرج فيجترئ علينا فنجعل لك فريضة يضمنها لك سهيل بن عمرو على أن تقدم المدينة و تعوقهم عن الخروج فقدم المدينة و أخبرهم بجمع أبي سفيان و ما معه من العدة و السلاح فقال رسول الله ص و الذي نفسي بيده لأخرجن و إن لم يخرج معي أحد و استخلف على المدينة عبد الله بن رواحة و حمل لواءه علي ع و سار معه ألف و خمسمائة و الخيل عشرة أفراس و خرجوا ببضائع لهم و تجارات و كانت بدر الصغرى مجتمعا تجتمع فيه العرب و سوقا يقوم لهلال ذي القعدة إلى ثمان تخلو منه ثم تتفرق الناس إلى بلادهم فانتهوا إلى بدر ليلة هلال ذي القعدة و قامت السوق صبيحة الهلال فأقاموا بها ثمانية أيام و باعوا تجارتهم فربحوا للدرهم درهما و انصرفوا و قد سمع الناس بمسيرهم و خرج أبو سفيان من مكة في قريش و هم ألفان و معه خمسون فرسا حتى انتهوا إلى مر الظهران ثم قال ارجعوا فإنه لا يصلحنا إلا عام خصب يرعى فيه الشجر و يشرب فيه اللبن و هذا عام جدب فسمى أهل مكة ذلك الجيش جيش السويق يقولون خرجوا يشربون السويق فقال صفوان بن أمية لأبي سفيان قد نهيتك أن تعد القوم قد اجترءوا علينا و رأونا قد أخلفناهم ثم أخذوا في الكيد و التهيؤ لغزوة الخندق و فيها رجم رسول الله ص اليهودي و اليهودية في ذي القعدة و نزل قوله تعالى وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ و فيها حرمت الخمر و جملة القول في تحريم الخمر أن الله تعالى أنزل في الخمر أربع آيات نزلت بمكة وَ مِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَ الْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَ رِزْقاً حَسَناً فكان المسلمون يشربونها و هي لهم حلال يومئذ ثم نزلت في مسألة عمر و معاذ بن جبل يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ

 الآية فتركها قوم لقوله إِثْمٌ كَبِيرٌ و شربها قوم لقوله وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ إلى أن صنع عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعا ناسا من أصحاب رسول الله ص و أتاهم بخمر فشربوا و سكروا فحضرت صلاة المغرب فقدموا بعضهم ليصلي بهم فقرأ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ أعبد ما تعبدون هكذا إلى آخر السورة بحذف لا فأنزل الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى الآية فحرم السكر في أوقات الصلوات فلما نزلت في هذه الآية تركها قوم و قالوا لا خير في شي‏ء يحول بيننا و بين الصلاة و تركها قوم في أوقات الصلاة و شربوها في غير حين الصلاة حتى كان الرجل يشرب بعد صلاة العشاء فيصبح و قد زال عنه السكر و يشرب بعد الصبح فيصحو إذا جاء وقت الظهر و دعا عتبان بن مالك رجالا من المسلمين فيهم سعد بن أبي وقاص و كان قد شوى لهم رأس بعير فأكلوا منه و شربوا الخمر حتى سكروا منها ثم إنهم افتخروا عند ذلك و انتسبوا و تناشدوا الأشعار فأنشد سعد قصيدة فيها هجاء الأنصار و فخر لقومه فأخذ رجل من الأنصار لحي البعير فضرب به رأس سعد فشجه موضحة فانطلق سعد إلى رسول الله ص و شكا إليه الأنصاري فقال عمر اللهم بين لنا رأيك في الخمر بيانا شافيا فأنزل الله تعالى إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ الآية و فيها سرق ابن أبيرق. أقول سيأتي شرح القصة في باب أحوال أصحابه ص ثم قال و فيها تزوج رسول الله ص أم سلمة في شوالها و اسمها هند بنت أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم و كانت قبله ص عند أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد فولدت له سلمة و عمر و زينب ثم توفي فخلف عليها رسول الله ص. روي أن أبا سلمة جاء إلى أم سلمة فقال لقد سمعت رسول الله ص حديثا أحب إلي من كذا و كذا سمعته يقول لا يصاب أحد بمصيبة فيسترجع عند ذلك و يقول اللهم عندك أحتسب مصيبتي هذه اللهم اخلفني فيها خيرا منها إلا أعطاه الله عز و جل قالت أم سلمة فلما أصبت بأبي سلمة قلت اللهم عندك أحتسب مصيبتي و لم تطب نفسي أن أقول اللهم اخلفني فيها خيرا منها ثم قلت من خير من أبي سلمة أ ليس ثم قلت ذلك فلما انقضت عدتها أرسل إليها أبو بكر يخطبها فأبت ثم أرسل إليها عمر يخطبها فأبت ثم أرسل إليها رسول الله ص فقالت مرحبا برسول الله ص و قال الهيثم بن عدي أول من هلك من أزواج النبي ص زينب هلكت في خلافة عمر و آخر من هلك منهن أم سلمة هلكت زمن يزيد بن معاوية سنه ثنتين و ستين. و فيها توفت زينب بنت خزيمة أم المؤمنين و توفي عبد الله بن عثمان من رقية بنت رسول الله ص ولد في الإسلام فاكتنى به عثمان فبلغ ست سنين فنقره ديك في عينه فمرض فمات في جمادى الأولى و صلى عليه رسول الله ص و فيها توفي أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال و فيها توفت فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف أم علي ع و كانت صالحة و كان رسول الله ص يزورها و يقيل في بيتها و لما توفيت نزع رسول الله ص قميصه فألبسها إياه