باب 18- غزوة بني المصطلق في المريسيع و سائر الغزوات و الحوادث إلى غزوة الحديبية

الآيات سورة المنافقين إلى آخرها. تفسير قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ نزلت الآيات في عبد الله بن أبي المنافق و أصحابه و ذلك أن رسول الله ص بلغه أن بني المصطلق يجمعون لحربه و قائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية زوج النبي ص فلما سمع بهم رسول الله ص خرج إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له المريسيع من ناحية قديد إلى الساحل فتزاحف الناس و اقتتلوا فهزم الله بني المصطلق و قتل منهم من قتل و نفل رسول الله ص أبناءهم و نساءهم و أموالهم فبينا الناس على ذلك الماء إذ وردت واردة الناس و مع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار يقال له جهجاه بن سعيد يقود له فرسه فازدحم جهجاه و سنان الجهني من بني عوف بن الخزرج على الماء فاقتتلا فصرخ الجهني يا معشر الأنصار و صرخ الغفاري يا معشر المهاجرين فأعان الغفاري رجل من المهاجرين يقال له جعال و كان فقيرا فقال عبد الله بن أبي لجعال و إنك لهناك فقال و ما يمنعني أن أفعل ذلك و اشتد لسان جعال على عبد الله فقال عبد الله و الذي يحلف به لأذرنك و يهمك غير هذا و غضب ابن أبي و عنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم حديث السن فقال ابن أبي قد نافرونا و كاثرونا في بلادنا و الله ما مثلنا و مثلهم إلا كما قال القائل سمن كلبك يأكلك أما و الله لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ يعني بالأعز نفسه و بالأذل رسول الله ص ثم أقبل على من حضره من قومه فقال هذا ما فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم و قاسمتموهم أموالكم أما و الله لو أمسكتم عن جعال و ذويه فضل الطعام لم يركبوا رقابكم و لأوشكوا أن يتحولوا من بلادكم و يلحقوا بعشائرهم و مواليهم فقال زيد بن أرقم أنت و الله الذليل القليل المبغض في قومك و محمد في عز من الرحمن و مودة من المسلمين و الله لا أحبك بعد كلامك هذا فقال عبد الله اسكت فإنما كنت ألعب فمشى زيد بن أرقم إلى رسول الله ص و ذلك بعد فراغه من الغزو فأخبره الخبر فأمر رسول الله ص بالرحيل و أرسل إلى عبد الله فأتاه فقال ما هذا الذي بلغني عنك فقال عبد الله و الذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئا من ذلك قط و إن زيدا لكاذب و قال من حضر من الأنصار يا رسول الله شيخنا و كبيرنا لا تصدق عليه كلام غلام من غلمان الأنصار عسى أن يكون هذا الغلام وهم في حديثه فعذره ص و فشت الملامة من الأنصار لزيد و لما استقل رسول الله فسار لقيه أسيد بن حضير فحياه بتحية النبوة ثم قال يا رسول الله لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح فيها فقال له رسول الله ص أ و ما بلغك ما قال صاحبكم زعم أنه إن رجع إلى المدينة أخرج الأعز منها الأذل فقال أسيد فأنت و الله يا رسول الله تخرجه إن شئت هو و الله الذليل و أنت العزيز ثم قال يا رسول الله ارفق به فو الله لقد جاء الله بك و إن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه و إنه ليرى أنك قد استلبته ملكا و بلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي ما كان من أمر أبيه فأتى رسول الله ص فقال يا رسول الله إنه قد بلغني أنك تريد قتل أبي فإن كنت لا بد فاعلا فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه فو الله لقد علمت الخزرج ما كان بها رجل أبر بوالديه مني و إني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي أن يمشي في الناس فأقتله فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار فقال ص بل ترفق به و تحسن صحبته ما بقي معنا. قالوا و سار رسول الله ص بالناس يومهم ذلك حتى أمسى و ليلتهم حتى أصبح و صدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس ثم نزل بالناس فلم يكن إلا أن

  وجدوا مس الأرض وقعوا نياما و إنما فعل ذلك ليشتغل الناس عن الحديث الذي خرج من ابن أبي ثم راح بالناس حتى نزل على ماء بالحجاز فويق البقيع يقال له بقعاء فهاجت ريح شديدة آذتهم و تخوفوها و ضلت ناقة رسول الله و ذلك ليلا فقال ص مات اليوم منافق عظيم النفاق بالمدينة قيل من هو قال رفاعة فقال رجل من المنافقين كيف يزعم أنه يعلم الغيب و لا يعلم مكان ناقته أ لا يخبره الذي يأتيه بالوحي فأتاه جبرئيل فأخبره بقول المنافق و بمكان الناقة و أخبر رسول الله بذلك أصحابه و قال ما أزعم أني أعلم الغيب و ما أعلمه و لكن الله تعالى أخبرني بقول المنافق و بمكان ناقتي هي في الشعب فإذا هي كما قال فجاءوا بها و آمن ذلك المنافق فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد في التابوت أحد بني قينقاع و كان من عظماء اليهود قد مات ذلك اليوم. قال زيد بن أرقم فلما وافى رسول الله ص المدينة جلست في البيت لما بي من الهم و الحياء فنزلت سورة المنافقين في تصديق زيد و تكذيب عبد الله ثم أخذ رسول الله ص بأذن زيد فرفعه عن الرحل ثم قال يا غلام صدق فوك و وعت أذناك و وعى قلبك و قد أنزل الله فيما قلت قرآنا. و كان عبد الله بن أبي بقرب المدينة فلما أراد أن يدخلها جاء ابنه عبد الله بن عبد الله حتى أناخ على مجامع طرق المدينة فقال ما لك ويلك قال و الله لا تدخلها إلا بإذن رسول الله ص و لتعلمن اليوم من الأعز و من الأذل فشكا عبد الله ابنه إلى رسول الله ص فأرسل إليه أن خل عنه يدخل فقال أما إذا جاء أمر رسول الله فنعم فدخل فلم يلبث إلا أياما قلائل حتى اشتكى و مات فلما نزلت هذه الآيات و بان كذب عبد الله قيل له إنه نزل فيك آي شداد فاذهب إلى رسول الله ص يستغفر لك فلوى رأسه ثم قال أمرتموني أن أؤمن فقد آمنت و أمرتموني أن أعطي زكاة مالي فقد أعطيت فما بقي إلا أن أسجد لمحمد فنزل وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا أي هلموا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ أي أكثروا تحريكها استهزاء و قيل أمالوها إعراضا عن الحق وَ رَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ عن سبيل الحق وَ هُمْ مُسْتَكْبِرُونَ مظهرون أنه لا حاجة لهم إلى استغفاره سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ أي يتساوى الاستغفار لهم و عدمه لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ لأنهم يبطنون الكفر إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ أي لا يهدي القوم الخارجين عن الدين و الإيمان إلى طريق الجنة قال الحسن أخبره سبحانه أنهم يموتون على الكفر فلم يستغفر لهم هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ من المؤمنين المحتاجين حَتَّى يَنْفَضُّوا أي يتفرقوا عنه وَ لِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ و ما بينهما من الأرزاق و الأموال و الأعلاق فلو شاء لأغناهم و لكنه تعالى يفعل ما هو الأصلح لهم و يمتحنهم بالفقر و يتعبدهم بالصبر ليصبروا فيؤجروا و ينالوا الثواب و كريم المآب وَ لكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ ذلك لجهلهم بوجوه الحكمة يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ من غزوة بني المصطلق لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ يعنون نفوسهم مِنْهَا الْأَذَلَّ يعنون رسول الله ص و المؤمنين وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ بإعلاء الله كلمته و إظهار دينه على الأديان وَ لِلْمُؤْمِنِينَ بنصرته إياهم في الدنيا و إدخالهم الجنة في العقبي وَ لكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ فيظنون أن العزة لهم

 1-  فس، ]تفسير القمي[ إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَ اللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ قال نزلت في غزوة المريسيع و هي غزوة بني المصطلق في سنة خمس من الهجرة و كان رسول الله ص خرج إليها فلما رجع منها نزل على بئر و كان الماء قليلا فيها و كان أنس بن سيار حليف الأنصار و كان جهجاه بن سعيد الغفاري أجيرا لعمر بن الخطاب فاجتمعوا على البئر فتعلق دلو سيار بدلو جهجاه فقال سيار دلوي و قال جهجاه دلوي فضرب جهجاه يده على وجه سيار فسال منه الدم فنادى سيار بالخزرج و نادى جهجاه بالقريش و أخذ الناس السلاح و كاد أن تقع الفتنة فسمع عبد الله بن أبي النداء فقال ما هذا فأخبروه الخبر فغضب غضبا شديدا ثم قال قد كنت كارها لهذا المسير إني لأذل العرب ما ظننت أني أبقى إلى أن أسمع مثل هذا فلا يكون عندي تغيير ثم أقبل على أصحابه فقال هذا عملكم أنزلتموهم منازلكم و واسيتموهم بأموالكم و وقيتموهم بأنفسكم و أبرزتم نحوركم للقتل فأرمل نساءكم و أيتم صبيانكم و لو أخرجتموهم لكانوا عيالا على غيركم ثم قال لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ و كان في القوم زيد بن أرقم و كان غلام قد راهق و كان رسول الله ص في ظل شجرة في وقت الهاجرة و عنده قوم من أصحابه من المهاجرين و الأنصار فجاء زيد فأخبره بما قال عبد الله بن أبي فقال رسول الله ص لعلك وهمت يا غلام قال لا و الله ما وهمت فقال فلعلك غضبت عليه قال لا و الله ما غضبت عليه قال فلعله سفه عليك قال لا و الله فقال رسول الله ص لشقران مولاه احدج فحدج راحلته و ركب و تسامع الناس بذلك فقالوا ما كان رسول الله ص ليرحل في مثل هذا الوقت فرحل الناس و لحقه سعد بن عبادة فقال السلام عليك يا رسول الله و رحمة الله و بركاته فقال و عليكم السلام فقال ما كنت لترحل في مثل هذا الوقت فقال أ و ما سمعت قولا قال صاحبكم قال و أي صاحب لنا غيرك يا رسول الله قال عبد الله بن أبي زعم أنه إن رجع إلى المدينة لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ فقال يا رسول الله فأنت و أصحابك الأعز و هو و أصحابه الأذل فسار رسول الله يومه كله لا يكلمه أحد فأقبلت الخزرج على عبد الله بن أبي يعذلونه فحلف عبد الله أنه لم يقل شيئا من ذلك فقالوا فقم بنا إلى رسول الله ص حتى تعتذر إليه فلوى عنقه فلما جن الليل سار رسول الله ص ليله كله و النهار فلم ينزلوا إلا للصلاة فلما كان من الغد نزل رسول الله ص و نزل أصحابه و قد أمهدهم الأرض من السهر الذي أصابهم فجاء عبد الله بن أبي إلى رسول الله ص فحلف له أنه لم يقل ذلك و إنه ليشهد أن لا إله إلا الله و إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ و إن زيدا قد كذب علي فقبل رسول الله منه و أقبلت الخزرج على زيد بن أرقم يشتمونه و يقولون له كذبت على عبد الله سيدنا فلما رحل رسول الله ص كان زيد معه يقول اللهم إنك لتعلم أني لم أكذب على عبد الله بن أبي فما سار إلا قليلا حتى أخذ رسول الله ص ما كان يأخذه من البرحاء عند نزول الوحي عليه فثقل حتى كادت ناقته تبرك من ثقل الوحي فسري عن رسول الله ص و هو يسلت العرق عن جبهته ثم أخذ بأذن زيد فرفعه من الرحل ثم قال يا غلام صدق قولك و وعى قلبك و أنزل الله فيما قلت قرآنا فلما نزل جمع أصحابه و قرأ عليهم سورة المنافقين  بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَ اللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ إلى قوله وَ لكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ ففضح الله عبد الله بن أبي

 حدثنا محمد بن أحمد بن ثابت قال حدثنا أحمد بن ميثم عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبان بن عثمان قال سار رسول الله ص يوما و ليلة و من الغد حتى ارتفع الضحى فنزل و نزل الناس فرموا بأنفسهم نياما و إنما أراد رسول الله ص أن يكف الناس عن الكلام و إن ولد عبد الله بن أبي أتى رسول الله ص فقال يا رسول الله إن كنت عزمت على قتله فمرني أن أكون أنا الذي أحمل إليك رأسه فو الله لقد علمت الأوس و الخزرج أني أبرهم ولدا بوالد فإني أخاف أن تأمر غيري فيقتله فلا تطيب نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار فقال رسول الله ص بل نحن لك صاحبه ما دام معنا و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يقول لا يسمعون و لا يعقلون قوله يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ يعني كل صوت هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ فلما نعتهم الله لرسوله و عرفه مشى إليهم عشائرهم فقالوا لهم قد افتضحتم ويلكم فأتوا نبي الله يستغفر لكم فلووا رءوسهم و زهدوا في الاستغفار يقول الله وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ

 بيان قال الفيروزآبادي المريسيع مصغر مرسوع بئر أو ماء لخزاعة على يوم من الفرع و إليه تضاف غزوة بني المصطلق و قال الجزري الحدج شد الأحمال و توثيقها و شد الحداجة و هي القتب بأداته و العذل الملامة كالتعذيل قوله و قد أمهدهم الأرض أي صارت لهم مهادا فلما وقعوا عليها ناموا و برحاء الحمى و غيرها شدة الأذى و سري عنه الهم على بناء المجهول مشددا و انسرى انكشف و يقال سلت الدم أماطه

 2-  شا، ]الإرشاد[ ثم كان من بلائه ص ببني المصطلق ما اشتهر عند العلماء و كان الفتح له في هذه الغزاة بعد أن أصيب يومئذ ناس من بني عبد المطلب فقتل أمير المؤمنين ع رجلين من القوم و هما مالك و ابنه و أصاب رسول الله ص منهم سبيا كثيرا و قسمه في المسلمين و كان ممن أصيب يومئذ من السبايا جويرية بنت الحارث أبي ضرار و كان شعار المسلمين يوم بني المصطلق يا منصور أمت و كان الذي سبى جويرية أمير المؤمنين ع فجاء بها إلى النبي ص فاصطفاها النبي ص فجاء أبوها إلى النبي ص بعد إسلام بقية القوم فقال يا رسول الله إن ابنتي لا تسبى لأنها امرأة كريمة فقال له اذهب فخيرها قال أحسنت و أجملت و جاء إليها أبوها فقال لها يا بنية لا تفضحي قومك فقالت قد اخترت الله و رسوله فقال لها أبوها فعل الله بك و فعل فأعتقها رسول الله ص و جعلها في جملة أزواجه

 3-  عم، ]إعلام الورى[ كانت بعد غزوة بني قريظة غزوة بني المصطلق من خزاعة و رأسهم الحارث بن أبي ضرار و قد تهيأ للمسير إلى رسول الله ص و هي غزوة المريسيع و هو ماء وقعت في شعبان سنة خمس و قيل في شعبان سنة ست و الله أعلم قالت جويرية بنت الحارث زوجة الرسول أتانا رسول الله ص و نحن على المريسيع فأسمع أبي و هو يقول أتانا ما لا قبل لنا به قالت و كنت أرى من الناس و الخيل و السلاح ما لا أصف من الكثرة فلما أن أسلمت و تزوجني رسول الله ص و رجعنا جعلت أنظر إلى المسلمين فليسوا كما كنت أراه فعرفت أنه رعب من الله عز و جل يلقيه في قلوب المشركين قالت و رأيت قبل قدوم النبي ص بثلاث ليال كأن القمر يسير من يثرب حتى وقع في حجري فكرهت أن أخبر بها أحدا من الناس فلما سبينا رجوت الرؤيا فأعتقني رسول الله ص و تزوجني و أمر رسول الله ص أصحابه أن يحملوا عليهم حملة رجل واحد فما أفلت منهم إنسان و قتل عشرة منهم و أسر سائرهم و كان شعار المسلمين يومئذ يا منصور أمت و سبى رسول الله ص الرجال و النساء و الذراري و النعم و الشاء فلما بلغ الناس أن رسول الله ص تزوج جويرية بنت الحارث قالوا أصهار رسول الله ص فأرسلوا ما كان في أيديهم من بني المصطلق فما علم امرأة أعظم بركة على قومها منها. و في هذه الغزوة قال عبد الله بن أبي لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ و أنزلت الآيات. و فيها كانت قصة إفك عائشة. و بعث رسول الله ص في سنة ست في شهر ربيع الأول عكاشة بن محصن في أربعين رجلا إلى الغمرة و بكر القوم فهربوا و أصاب مائتي بعير لهم فساقها إلى المدينة. و فيها بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى القصة في أربعين رجلا فأغار عليهم و أعجزهم هربا في الجبال و أصابوا رجلا واحدا فأسلم. و فيها كانت سرية زيد بن حارثة إلى الجموم من أرض بني سليم فأصابوا نعما و شاء و أسرى. و فيها كانت سرية زيد بن حارثة إلى العيص في جمادى الأولى. و فيها سرية زيد بن حارثة إلى الطرف إلى بني ثعلبة في خمسة عشر رجلا فهربوا و أصاب منهم عشرين بعيرا. و فيها كانت غزوة علي بن أبي طالب ع إلى بني عبد الله بن سعد من أهل فدك و ذلك أنه بلغ رسول الله ص أن لهم جمعا يريدون أن يمدوا يهود خيبر. و فيها سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل في شعبان و قال له رسول الله ص إن أطاعوا فتزوج ابنة ملكهم فأسلم القوم و تزوج عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ و كان أبوها رأسهم و ملكهم. و فيها بعث رسول الله ص في قول الواقدي إلى العرينين الذين قتلوا راعي رسول الله ص و استاقوا الإبل عشرين فارسا فأتي بهم فأمر بقطع أيديهم و أرجلهم و سمل أعينهم و تركوا بالحرة حتى ماتوا. و عن جابر بن عبد الله أن رسول الله ص دعا عليهم فقال اللهم أعم عليهم الطريق قال فعمي عليهم الطريق. و فيها أخذت أموال أبي العاص بن الربيع و قد خرج تاجرا إلى الشام و معه بضائع قريش فلقيته سرية لرسول الله و استاقوا عيره و أفلت و قدموا على رسول الله ص فقسمه بينهم و أتى أبو العاص فاستجار بزينب بنت رسول الله ص و سألها أن تطلب من رسول الله ص رد ماله عليه و ما كان معه من أموال الناس فدعا رسول الله ص السرية و قال إن هذا الرجل منا بحيث قد علمتم فإن رأيتم تردوا عليه فافعلوا فردوا عليه ما أصابوا ثم خرج و قدم مكة و رد على الناس بضائعهم ثم قال أما و الله ما منعني أن أسلم قبل أن أقدم عليكم إلا توقيا

  أن تظنوا أني أسلمت لأذهب بأموالكم و إني أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله

 4-  أقول قال الكازروني في حوادث السنة الخامسة في هذه السنة كانت غزاة المريسيع و ذلك أن بني المصطلق كانوا ينزلون على بئر يقال لها المريسيع و كان سيدهم الحارث بن أبي ضرار فسار في قومه و من قدر عليه فدعاهم إلى حرب رسول الله ص فأجابوه و تهيئوا للمسير معه فبلغ ذلك رسول الله ص فأرسل بريدة بن الحصيب ليعلم علم ذلك فأتاهم و لقي الحارث بن أبي ضرار و كلمه و رجع إلى رسول الله ص فأخبره فندب رسول الله ص الناس إليهم فأسرعوا الخروج و معهم ثلاثون فرسا و خرج معهم جماعة من المنافقين و استخلف رسول الله ص على المدينة زيد بن حارثة و خرج يوم الإثنين لليلتين خلتا من شعبان و بلغ الحارث بن أبي ضرار و من معه مسير رسول الله ص و أنه قتل عينه الذي كان يأتيه بخبر رسول الله ص فسي‏ء بذلك و خاف و تفرق من معه من العرب و انتهى رسول الله ص إلى المريسيع و ضرب عليه قبته و معه عائشة و أم سلمة فتهيئوا للقتال و صف رسول الله ص و أصحابه فتراموا بالنبل ساعة ثم أمر رسول الله ص أصحابه فحملوا حملة رجل واحد فقتل عشرة من العدو و أسر الباقون و سبى رسول الله ص الرجال و النساء و الذرية و النعم و الشاء و كانت الإبل ألفي بعير و الشاء خمسة آلاف و السبي مائتي أهل بيت سوى رجل واحد و لما رجع المسلمون بالسبي قدم أهاليهم فافتدوهم و خلصت جويرة بنت الحارث في سهم ثابت بن قيس و ابن عم له فكاتباها فسألت رسول الله ص في كتابتها فأدى عنها و تزوجها و سماها برة و قيل إنه جعل صداقها عتق أربعين من قومها و بعث رسول الله ص أبا نضلة الطائي بشيرا إلى المدينة بفتح المريسيع. و روي عن عائشة أنها قالت أصاب رسول الله ص نساء بني المصطلق فأخرج الخمس منه ثم قسمه بين الناس فأعطى الفارس سهمين فوقعت جويرية بنت الحارث في سهم ثابت بن قيس و كانت تحت ابن عم لها يقال له صفوان بن مالك فقتل عنها و كاتبها ثابت بن قيس على تسع أواق و كانت امرأة حلوة لا يكاد يراها أحد إلا أخذت بنفسه فبينا النبي ص عندي إذ دخلت عليه جويرية تسأله في كتابتها فو الله ما هو إلا أن رأيتها فكرهت دخولها على النبي ص و عرفت أنه سيرى منها مثل الذي رأيت فقالت يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث سيد قومه و قد أصابني من الأمر ما قد علمت فوقعت في سهم ثابت بن قيس و كاتبني على تسع أواق فأعني في فكاكي فقال أ و خير من ذلك فقالت و ما هو فقال أؤدي عنك كتابتك و أتزوجك فقالت نعم يا رسول الله فقال قد فعلت و خرج الخبر إلى الناس فقالوا أصهار رسول الله ص يسترقون فأعتقوا ما كان في أيديهم من نساء بني المصطلق فبلغ عتقهم مائة أهل بيت بتزويجه إياها و لا أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها. و في هذه الغزاة نزلت آية التيمم. و فيها كان حديث الإفك. و فيها تزوج رسول الله ص زينب بنت جحش بن رباب و أمها أميمة بنت عبد المطلب و كانت ممن هاجر مع رسول الله ص فخطبها رسول الله ص لزيد فقالت لا أرضاه لنفسي قال فإني قد رضيته لك فتزوجها زيد بن حارثة ثم تزوجها رسول الله ص لهلال ذي القعدة سنة خمس من الهجرة و هي يومئذ بنت خمس و ثلاثين سنة.

  أقول ستأتي قصتها في أبواب أحوال أزواجه ص. ثم قال و في هذه السنة في ذي الحجة ركب رسول الله ص فرسا إلى الغابة فسقط عنه فجحش فخذه الأيمن فأقام في البيت خمسا يصلي قاعدا. و في هذه السنة نزلت فريضة الحج و أخره رسول الله ص من غير مانع فإنه خرج إلى مكة سنة سبع لقضاء العمرة و لم يحج و فتح مكة سنة ثمان و بعث أبا بكر على الحاج سنة تسع و حج رسول الله سنة عشر. و قال عند ذكر حوادث السنة السادسة فيها زار رسول الله ص أمه مرجعه من غزاة بني لحيان و كانوا بناحية عسفان و كانت في ربيع الأول سنة ست فسمعت بنو لحيان فهربوا في رءوس الجبال فلم يقدروا على أحد منهم فجاز على قبر أمه. و فيها كانت غزاة رسول الله ص الغابة و هي على بريد من المدينة بطريق الشام في ربيع الأول روي عن سلمة بن الأكوع قال خرجت قبل أن يؤذن بالأولى و كانت لقاح رسول الله ص ترعى بذي قرد قال فلقيني غلام لعبد الرحمن بن عوف فقال أخذت لقاح رسول الله ص فقلت من أخذها قال غطفان قال فصرخت ثلاث صرخات يا صباحاه فأسمعت ما بين لابتي المدينة ثم اندفعت على وجهي حتى أدركتهم و قد أخذوا يستقون من الماء فجعلت أرميهم بنبل و كنت راميا و أقول

أنا ابن الأكوع . و اليوم يوم الرضع.

 و أرتجز حتى استنقذت اللقاح منهم و استلبت منهم ثلاثين بردة قال و جاء النبي ص و الناس فقلت يا رسول الله قد حميت الماء و هم عطاش فابعث إليهم الساعة فقال يا ابن الأكوع إذا ملكت فأسجح قال ثم رجعنا و يردفني رسول الله ص على ناقته حتى دخلنا المدينة. و في هذه السنة صلى رسول الله ص صلاة الاستسقاء بالإسناد عن الزهري عن أنس قال قحل الناس على عهد رسول الله ص فأتاه المسلمون فقالوا يا رسول الله قحط المطر و يبس الشجر و هلكت المواشي و أسنت الناس فاستسق لنا ربك عز و جل فقال إذا كان يوم كذا و كذا فاخرجوا و أخرجوا معكم بصدقات قال فلما كان ذلك اليوم خرج رسول الله ص و الناس معه يمشي و يمشون عليهم السكينة و الوقار حتى أتوا المصلى فتقدم النبي ص فصلى بهم ركعتين يجهر فيهما بالقراءة و كان ص يقرأ في العيدين و الاستسقاء في الأولى بفاتحة الكتاب و الأعلى و في الثانية بفاتحة الكتاب و الغاشية فلما قضى صلاته استقبل القوم بوجهه و قلب رداءه لكي ينقلب القحط إلى الخصب ثم جثا على ركبتيه و رفع يديه و كبر تكبيرة قبل أن يستسقي ثم قال اللهم اسقنا و أغثنا غيثا مغيثا و حيا ربيعا و جدا طبقا غدقا مغدقا عاما هنيئا مريئا مريعا وابلا شاملا مسبلا مجلجلا دائما دررا نافعا غير ضار عاجلا غير رائث غيثا اللهم تحيي به البلاد و تغيث به العباد و تجعله بلاغا للحاضر منا و الباد اللهم أنزل في أرضنا زينتها و أنزل عليها سكنها اللهم أنزل علينا من السماء ماء طهورا تحيي به بلدة ميتا و اسقه مما خلقت أَنْعاماً وَ أَناسِيَّ كَثِيراً قال فما برحنا حتى أقبل قزع من السحاب فالتأم بعضه إلى بعض ثم مطرت عليهم سبعة أيام و لياليهن لا تقلع عن المدينة فأتاه المسلمون فقالوا يا رسول الله قد غرقت الأرض و تهدمت البيوت و انقطعت السبل فادع الله تعالى أن يصرفها عنها فضحك رسول الله ص و هو على المنبر حتى بدت نواجذه تعجبا لسرعة ملالة ابن آدم ثم رفع يديه ثم قال حوالينا و لا علينا اللهم على رءوس الظراب و منابت الشجر و بطون الأودية و ظهور الآكام فتصدعت عن المدينة حتى كانت في مثل الترس عليها كالفسطاط تمطر مراعيها و لا تمطر فيها قطرة. و في بعض الروايات أنه لما صارت المدينة كالفسطاط ضحك رسول الله ص حتى بدت نواجذه ثم قال لله أبي طالب لو كان حيا قرت عيناه من الذي ينشدنا قوله فقام علي بن أبي طالب ع فقال يا رسول الله كأنك أردت

و أبيض يستسقى الغمام بوجهه. ثمال اليتامى عصمة للأرامل.يلوذ به الهلاك من آل هاشم. فهم عنده في نعمة و فواضل.كذبتم و بيت الله يبزى محمد. و لما نقاتل دونه و نناضل.و نسلمه حتى نصرع حوله. و نذهل عن أبنائنا و الحلائل.

 فقال رسول الله ص أجل فقام رجل من كنانة فقال

لك الحمد و الشكر ممن شكر. سقينا بوجه النبي المطر.دعا الله خالقه دعوة. إليه و أشخص منه البصر.فلم يك إلا كإلقا الردا. و أسرع حتى رأينا المطر.دفاق العزائل جم البعاق. أغاث به الله عليا مضر.و كان كما قاله عمه. أبو طالب أبيض ذو غرر.

 به الله يسقي صوب الغمام. و هذا العيان لذاك الخبر.فمن يشكر الله يلقى المزيد. و من يكفر الله يلقى الغير.

 فقال رسول الله ص إن يك شاعر أحسن فقد أحسنت. بيان الجحش سحج الجلد أي تقشره قوله يوم الرضع بضم الراء و تشديد الضاد جمع راضع و هو اللئيم أي خذ الرمية و اليوم يوم هلاك اللئام قوله فأسجح أي فسهل و أحسن العفو قوله قحل الناس قال الجزري أي يبسوا من شدة القحط و قد قحل يقحل قحلا إذا التزق جلده بعظمه من الهزال. و أسنت الناس أي دخلوا في السنة و هي القحط و الحيا مقصورا المطر و قيل الخصب و ما يحيا به الناس و الجدا بالقصر أيضا المطر العام و الطبق الذي يطبق الأرض أي يعم وجهها و الغدق الكبير القطر. قوله ص مريعا أي عاما يغني عن الارتياد و النجعة فالناس يربعون حيث شاءوا أي يقيمون و لا يحتاجون إلى الانتقال في طلب الكلإ أو من أربع الغيث إذا أنبت الربيع و يروى مرتعا بالتاء المثناة من فوق من رتعت الإبل إذا رعت و أرتعها الله أي أنبت لها ما ترتع فيه و الوابل المطر الشديد الكبير القطر و المسبل من السبل و هو المطر أيضا و المجلل الذي يستر الأرض بمائه أو بالنبات الذي ينبت بمائه كأنه يكسوها ذلك قوله ص دائما و في بعض النسخ ديما و هي جمع ديمة و هي مطر يدوم في سكون و الدرر جمع الدرة و درة السحاب صبه و الرائث البطي‏ء. قوله بلاغا أي ما يكفي أهل حضرنا و بدونا و زينة الأرض حياتها بنباتها و السكن القوت الذي يسكن به في الدار كالنزل و هو الطعام الذي ينزل عليه و يكتفى به. قوله حوالينا في موضع نصب أي أمطر حوالينا و لا تمطر علينا و الظراب جمع ظرب ككتف و هي الجبال الصغار و القزع بالتحريك قطع من السحاب رقيقة الواحدة قزعة و هو ما يفرق بين جمعه و واحده بالتاء كما يقال سحاب و سحابة و قوله عليها أي على المدينة و كلمة في كأنها زائدة أي حتى كانت المدينة أو السماء مثل الترس وسط السحاب و السحاب عليها كالفسطاط و هي الخيمة و الثمال بالكسر الملجأ و الغياث أو المطعم في الشدة و عصمة للأرامل أي يمنعهن من الضياع و الحاجة و يبزى أي يقهر و يغلب. قوله ممن شكر أي الذي يحمد الله إنما يشكره بما أولاه من نعمه أو الحمد بتوفيق الله الذي شكر من عباده العمل اليسير في جنب النعمة الكثيرة قوله إليه أي إلى إنزال الغيث قوله كإلقا الرداء هذا من الممدود الذي قصر لأجل الشعر كما يمد المقصور للشعر و الدفاق المطر الواسع الكثير المندفق و العزائل مقلوب من العزالي جمع العزلاء و هي فم المزادة شبه ما يمطر من السحاب بما يتدفق من فم المزادة و البعاق بالضم السحاب الذي يتبعق بالماء أي يتصبب و قيل البعاق المطر العظيم و الجم الكثير قوله به الله يسقي فيه انكسار اللفظ و الوزن و يرويه بعضهم به الله أنزل و الصوب نزول المطر و الغير التغير و من يكفر الله في نعمه تغير حاله. قال و في هذه السنة كانت سرية عبد الله بن عتيك لقتل أبي رافع عبد الله بن أبي الحقيق و قيل سلام بن أبي الحقيق بإسنادي في سماع البخاري إليه بإسناده عن البراء قال بعث رسول الله ص إلى أبي رافع اليهودي جماعة من الأنصار و أمر عليهم عبد الله و كان أبو رافع يؤذي رسول الله ص و يعين عليه و كان في حصن له بأرض الحجاز فلما دنوا منه و قد غربت الشمس و راح الناس بسرحهم قال عبد الله لأصحابه اجلسوا مكانكم فإني منطلق و متلطف للبواب لعلي أدخل فأقبل حتى دنا من الباب ثم تقنع بثوبه كأنه يقضي حاجته و قد دخل الناس فهتف به البواب

  يا عبد الله إن كنت تريد أن تدخل فادخل فإني أريد أن أغلق الباب فدخلت فكمنت فلما دخل الناس أغلق الباب ثم علق الأغاليق على ود قال فقمت على الأقاليد فأخذتها ففتحت الباب و كان أبو رافع يسمر عنده و كان في علالي فلما ذهب عنه أهل سمره صعدت إليه فجعلت كلما فتحت بابا أغلق علي من داخل فقلت إن القوم نذروا بي لم يخلصوا إلي حتى أقتله فانتهيت إليه فإذا هو في بيت مظلم وسط عياله لا أدري أين هو من البيت قلت أبا رافع قال من هذا فأهويت نحو الصوت فأضربه ضربة بالسيف و أنا دهش فما أغنيت شيئا و صاح فخرجت من البيت فأمكث غير بعيد ثم دخلت إليه فقلت ما هذا الصوت يا با رافع فقال لأمك الويل إن معي رجلا في البيت ضربني قبل بالسيف قال فأضربه ضربة أثخنته و لم أقتله ثم وضعت ظبة السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره فعرفت أني قتلته فجعلت أفتح الأبواب بابا بابا حتى انتهيت إلى درجة له فوضعت رجلي و أنا أرى أني قد انتهيت إلى الأرض فوقعت في ليلة مقمرة فانكسرت ساقي فعصبتها بعمامتي ثم انطلقت حتى جلست على الباب فقلت لا أخرج الليلة حتى أعلم أ قتلته فلما صاح الديك قام الناعي على السور فقال أنعى أبا رافع تاجر أهل الحجاز فانطلقت إلى أصحابي فقلت النجاء فقد قتل الله أبا رافع فانتهيت إلى النبي ص فحدثته فقال ابسط رجلك فبسطت رجلي فمسحها و كأنما لم أشتكها قط. السرح الإبل و المواشي تسرح للرعي بالغداة و الأغاليق المفاتيح و الأقاليد جمع إقليد و هو المفتاح في لغة اليمن و الود بفتح الواو الوتد و هي لغة تميم و العلالي جمع علية و هي الغرفة قوله نذروا بكسر الذال أي علموا. و في هذه السنة كان قصة العرنيين في شوالها قالوا قدم نفر من عرنية ثمانية على رسول الله ص فأسلموا و اجتووا المدينة فأمر بهم رسول الله ص إلى لقاحه و قال لو خرجتم إلى ذود لنا فشربتم من ألبانها فقتلوا الراعي و قطعوا يده و رجله و غرسوا الشوك في لسانه و عينيه حتى مات و بلغ رسول الله ص الخبر فبعث في أثرهم عشرين فارسا و استعمل عليهم كرز بن جابر الفهري فأدركهم فأحاطوا بهم و أسروهم و ربطوهم حتى قدموا بهم المدينة و كان رسول الله ص بالغابة فخرجوا بهم نحوه فأمرهم فقطعت أيديهم و أرجلهم و سمل أعينهم و صلبوا هناك و كانت اللقاح خمس عشرة لقحة فردوها إلا واحدة نحروها

  -5  أقول و قال ابن الأثير في الكامل في حوادث السنة السادسة كانت غزوة بني لحيان في جمادى الأولى منها خرج رسول الله ص إلى بني لحيان يطلب بأصحاب الرجيع خبيب بن عدي و أصحابه و أظهر أنه يريد الشام ليصيب من القوم غرة و أغذ السير حتى نزل على عرار منازل بني لحيان فوجدهم قد حذروا و تمنعوا في رءوس الجبال فلما أخطأه ما أراد منهم خرج في مائتي راكب حتى نزل عسفان تخويفا لأهل مكة و أرسل فارسين من الصحابة حتى بلغا كراع الغميم ثم عادوا ثم ذكر بعد ذلك غزوة ذي قرد كما ذكرناها سابقا و قال و الرواية الصحيحة عن سلمة أنها كانت بعد مقدمه المدينة منصرفا من الحديبية

 6-  فس وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً إلى قوله وَ لا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً فإنها نزلت في أشجع و بني ضمرة و كان خبره أنه لما خرج رسول الله ص إلى بدر لموعد مر قريبا من بلادهم و قد كان رسول الله ص صادر بني ضمرة و وادعهم قبل ذلك فقال أصحاب رسول الله ص يا رسول الله هذه بنو ضمرة قريبا منا و نخاف أن يخالفونا إلى المدينة أو يعينوا علينا قريشا فلو بدأنا بهم فقال رسول الله ص كلا إنهم أبر العرب بالوالدين و أوصلهم للرحم و أوفاهم بالعهد و كان أشجع بلادهم قريبا من بلاد بني ضمرة و هم بطن من كنانة و كانت أشجع بينهم و بين بني ضمرة حلف بالمراعاة و الأمان فأجدبت بلاد أشجع و أخصبت بلاد بني ضمرة فصارت أشجع إلى بلاد بني ضمرة فلما بلغ رسول الله مسيرهم إلى بني ضمرة تهيأ للمسير إلى أشجع فيغزوهم للموادعة التي كانت بينه و بين بني ضمرة فأنزل الله وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا الآية ثم استثنى بأشجع فقال إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ إلى قوله فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا و كانت أشجع محالها البيضاء و الحل و المستباح و قد كانوا قربوا من رسول الله ص فهابوا لقربهم من رسول الله ص أن يبعث إليهم من يغزوهم و كان رسول الله ص قد خافهم أن يصيبوا من أطرافه شيئا فهم بالمسير إليهم فبينا هو على ذلك إذ جاءت أشجع و رئيسها مسعود بن رجيلة و هم سبعمائة فنزلوا شعب سلع و ذلك في شهر ربيع الآخر سنة ست فدعا رسول الله ص أسيد بن حصين فقال له اذهب في نفر من أصحابك حتى تنظر ما أقدم أشجع فخرج أسيد و معه ثلاثة نفر من أصحابه فوقف عليهم فقال ما أقدمكم فقام إليه مسعود بن رجيلة و هو رئيس أشجع فسلم على أسيد و على أصحابه و قالوا جئنا لنوادع محمدا فرجع أسيد إلى رسول الله ص فأخبره فقال رسول الله ص خاف القوم أن أغزوهم فأرادوا الصلح بيني و بينهم ثم بعث إليهم بعشرة أحمال تمر فقدمها أمامه ثم قال نعم الشي‏ء الهدية أمام الحاجة ثم أتاهم فقال يا معشر أشجع ما أقدمكم قالوا قربت دارنا منك و ليس في قومنا أقل عددا منا فضقنا بحربك لقرب دارنا منك و ضقنا لحرب قومنا لقلتنا فيهم فجئنا لنوادعك فقبل النبي ص ذلك منهم و وادعهم فأقاموا يومهم ثم رجعوا إلى بلادهم و فيهم نزلت هذه الآية إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ الآية

 7-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ ثم بعد غزاة بني قريظة بعث رسول الله ص عبد الله بن عتيك إلى خيبر فقتل أبا رافع بن أبي الحقيق بنو المصطلق من خزاعة و هو المريسيع غزاهم علي ع في شعبان و رأسهم الحارث بن أبي ضرار و أصيب يومئذ ناس من بني عبد المطلب فقتل علي ع مالكا و ابنه فأصاب النبي ص سبيا كثيرا و كان سبى علي ع جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار فاصطفاها النبي ص فجاء أبوها إلى النبي ص بفداء ابنته فسأله النبي ص عن جملين خبأهما في شعب كذا فقال الرجل أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله و الله ما عرفهما أحد سواي ثم قال يا رسول الله إن ابنتي لا تسبى إنها امرأة كريمة قال فاذهب فخيرها قال قد أحسنت و أجملت و جاء إليها أبوها فقال لها يا بنية لا تفضحي قومك فقالت قد اخترت الله و رسوله فدعا عليها أبوها فأعتقها رسول الله ص و جعلها في جملة أزواجه و في هذه الغزاة نزلت إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ و فيها قال عبد الله بن أبي لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ

 8-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ سنة ست في شهر ربيع الأول بعث عكاشة بن محصن في أربعين رجلا إلى الغمرة فهربوا و أصاب مائتي بعير و فيها بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى القصة في أربعين رجلا فأغار عليهم و فيها سرية زيد بن حارثة إلى الجموم من أرض بني سليم فأصابوا و وصلوا إلى بني ثعلبة في خمسة عشر رجلا فهربوا و أصاب منهم عشرين بعيرا و غزوة زيد إلى العيص في جمادى الأولى و غزوة بني قرد و ذلك أن أناسا من الأعراب قدموا و ساقوا الإبل فخرج إليهم رسول الله ص و قدم أبا قتادة الأنصاري مع جماعة فاسترد منهم و بعث محمد بن مسلمة إلى قوم من هوازن فكمن القوم لهم و أفلت محمد و قتل أصحابه ذات السلاسل و هو حصن و ذلك أن أعرابيا جاء إلى النبي ص فقال إن لي نصيحة قال و ما نصيحتك قال اجتمع بنو سليم بوادي الرمل عند الحرة على أن يبيتوك بها القصة و فيها غزوة علي بن أبي طالب ع إلى بني عبد الله بن سعد من أهل فدك و ذلك أنه بلغ رسول الله ص لهم جمعا يريدون أن يمدوا يهود خيبر و فيها سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل في شعبان و سرية العرنيين الذين قتلوا راعي النبي ص و استاقوا الإبل و كانوا عشرين فارسا و فيها أخذت أموال أبي العاص بن الربيع و فيها غزوة الغابة