باب 4- الهجرة إلى الحبشة و ذكر بعض أحوال جعفر ع و النجاشي رحمه الله

الآيات آل عمران وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ المائدة لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا وَ لَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَ رُهْباناً وَ أَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ وَ إِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ وَ ما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ ما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَ نَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ

 تفسير قوله تعالى وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ قال الطبرسي رحمه الله اختلفوا في نزولها فقيل نزلت في النجاشي ملك الحبشة و اسمه أصحمة و هو بالعربية عطية و ذلك أنه لما مات نعاه جبرئيل لرسول الله ص في اليوم الذي مات فيه فقال رسول الله ص أخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم قالوا و من هو قال النجاشي فخرج رسول الله ص إلى البقيع و كشف له من المدينة إلى أرض الحبشة فأبصر سرير النجاشي و صلى عليه. فقال المنافقون انظروا إلى هذا يصلي على علج نصراني حبشي لم يره قط و ليس على دينه فأنزل الله هذه الآية عن جابر بن عبد الله و ابن عباس و أنس و قتادة و قيل نزلت في أربعين رجلا من أهل نجران من بني الحارث بن كعب و اثنين و ثلاثين من أرض الحبشة و ثمانية من الروم كانوا على دين عيسى ع فآمنوا بالنبي ص عن عطاء و قيل نزلت في جماعة من اليهود كانوا أسلموا منهم عبد الله بن سلام و من معه عن ابن جريح و ابن زيد و ابن إسحاق و قيل نزلت في مؤمني أهل الكتاب كلهم لأن الآية قد نزلت على سبب و تكون عامة في كل ما يتناوله عن مجاهد. و قال رحمه الله في قوله وَ لَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً قال المفسرون ائتمرت قريش أن يفتنوا المؤمنين عن دينهم فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين يؤذونهم و يعذبونهم فافتتن من افتتن و عصم الله منهم من شاء و منع الله رسوله بعمه أبي طالب فلما رأى رسول الله ما بأصحابه و لم يقدر على منعهم و لم يؤمر بعد بالجهاد أمرهم بالخروج إلى أرض الحبشة و قال إن بها ملكا صالحا لا يظلم و لا يظلم عنده أحد فأخرجوا إليه حتى يجعل الله عز و جل للمسلمين فرجا و أراد به النجاشي و اسمه أصحمة و إنما النجاشي اسم الملك كقولهم كسرى و قيصر فخرج إليها سرا أحد عشر رجلا و أربع نسوة و هم عثمان بن عفان و امرأته رقية بنت رسول الله ص و الزبير بن العوام و عبد الله بن مسعود و عبد الرحمن بن عوف و أبو حذيفة بن عتبة و امرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو و مصعب بن عمير و أبو سلمة بن عبد الأسد و امرأته أم سلمة بنت أبي أمية و عثمان بن مظعون و عامر بن ربيعة و امرأته ليلى بنت أبي خيثمة و حاطب بن عمرو و سهيل بن بيضاء فخرجوا إلى البحر و أخذوا سفينة إلى أرض الحبشة بنصف دينار و ذلك في رجب في السنة الخامسة من مبعث رسول الله و هذه هي الهجرة الأولى ثم خرج جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه و تتابع المسلمون إليها و كان جميع من هاجر من المسلمين إلى الحبشة اثنين و ثمانين رجلا سوى النساء و الصبيان فلما علمت قريش بذلك وجهوا عمرو بن العاص و صاحبه عمارة بن الوليد بالهدايا إلى النجاشي و إلى بطارقته ليردوهم إليهم و كان عمارة بن الوليد شابا حسن الوجه و أخرج عمرو بن العاص أهله معه فلما ركبوا السفينة شربوا الخمر فقال عمارة لعمرو بن العاص قل لأهلك تقبلني فأبى فلما انتشى عمرو دفعه عمارة في الماء و نشب عمرو في صدر السفينة و أخرج من الماء و ألقى الله بينهما العداوة في مسيرهما قبل أن يقدما إلى النجاشي ثم وردا على النجاشي فقال عمرو بن العاص أيها الملك إن قوما خالفونا في ديننا و سبوا آلهتنا و صاروا إليك فردهم إلينا فبعث النجاشي إلى جعفر فجاء و قال أيها الملك سلهم أ نحن عبيد لهم فقال لا بل أحرار فقال سلهم أ لهم علينا ديون يطالبوننا بها قال لا ما لنا

  عليكم ديون قال فلكم في أعناقنا دماء تطالبوننا بها قال عمرو لا قال فما تريدون منا آذيتمونا فخرجنا من دياركم ثم قال أيها الملك بعث الله فينا نبيا أمرنا بخلع الأنداد و ترك الاستقسام بالأزلام و أمرنا بالصلاة و الزكاة و العدل و الإحسان و إيتاء ذي القربى و نهانا عن الفحشاء و المنكر و البغي فقال النجاشي بهذا بعث الله عيسى ع ثم قال النجاشي لجعفر هل تحفظ مما أنزل الله على نبيك شيئا قال نعم فقرأ سورة مريم فلما بلغ قوله وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا قال هذا و الله هو الحق فقال عمرو إنه مخالف لنا فرده إلينا فرفع النجاشي يده و ضرب وجه عمرو قال اسكت و الله إن ذكرته بسوء لأفعلن بك و قال أرجعوا إلى هذا هديته و قال لجعفر و أصحابه امكثوا فإنكم سيوم و السيوم الآمنون و أمر لهم بما يصلحهم من الرزق فانصرف عمرو و أقام المسلمون هناك بخير دار و أحسن جوار إلى أن هاجر رسول الله ص و علا أمره و هادن قريشا و فتح خيبر فوافى جعفر إلى رسول الله ص بجميع من كانوا معه فقال رسول الله ص لا أدري أنا بفتح خيبر أسر أم بقدوم جعفر و وافى جعفر و أصحاب رسول الله ص في سبعين رجلا منهم اثنان و ستون من الحبشة و ثمانية من أهل الشام فيهم بحيرا الراهب فقرأ عليهم رسول الله ص سورة يس إلى آخرها فبكوا حين سمعوا القرآن و آمنوا و قالوا ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى ع فأنزل الله فيهم هذه الآيات و قال مقاتل و الكلبي كانوا أربعين رجلا اثنان و ثلاثون من الحبشة و ثمانية روميون من أهل الشام لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ وصف اليهود و المشركين بأنهم أشد الناس عداوة للمؤمنين لأن اليهود ظاهروا المشركين على المؤمنين مع أن المؤمنين يؤمنون بنبوة موسى و التوراة التي أتى بها فكان ينبغي أن يكونوا إلى من وافقهم في الإيمان بنبيهم و كتابهم أقرب و إنما فعلوا ذلك حسدا للنبي ص وَ لَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ إلى قوله إِنَّا نَصارى يعني النجاشي و أصحابه أو الذين جاءوا مع جعفر مسلمين قِسِّيسِينَ أي عبادا أو علماء وَ رُهْباناً أي أصحاب الصوامع وَ أَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ عن اتباع الحق و الانقياد له مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ أي لمعرفتهم أن المتلو عليهم كلام الله تعالى و أنه الحق مَعَ الشَّاهِدِينَ أي مع محمد و أمته الذين يشهدون بالحق و قيل مع الذين يشهدون بالإيمان وَ ما لَنا لا نُؤْمِنُ معناه لأي عذر لا نؤمن بالله و هذا جواب لمن قال لهم من قومهم تعنيفا لهم لم آمنتم أو عن سؤال مقدر

 1-  فس، ]تفسير القمي[ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا وَ لَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى فإنه كان سبب نزولها أنه لما اشتدت قريش في أذى رسول الله ص و أصحابه الذين آمنوا بمكة قبل الهجرة أمرهم رسول الله ص أن يخرجوا إلى الحبشة و أمر جعفر بن أبي طالب أن يخرج معهم فخرج جعفر و معه سبعون رجلا من المسلمين حتى ركبوا البحر فلما بلغ قريشا خروجهم بعثوا عمرو بن العاص و عمارة بن الوليد إلى النجاشي ليردهم إليهم و كان عمرو و عمارة متعاديين فقالت قريش كيف نبعث رجلين متعاديين فبرئت بنو مخزوم من جناية عمارة و برئت بنو سهم من جناية عمرو بن العاص فخرج عمارة و كان حسن الوجه شابا مترفا فأخرج عمرو بن العاص أهله معه فلما ركبوا السفينة شربوا الخمر فقال عمارة لعمرو بن العاص قل لأهلك تقبلني فقال عمرو أ يجوز سبحان الله فسكت عمارة فلما انتشى عمرو و كان على صدر السفينة فدفعه عمارة و ألقاه في البحر فتشبث عمرو بصدر السفينة و أدركوه و أخرجوه فوردوا على النجاشي و قد كانوا حملوا إليه هدايا فقبلها منهم فقال عمرو بن العاص أيها الملك إن قوما منا خالفونا في ديننا و سبوا آلهتنا و صاروا إليك فردهم إلينا فبعث النجاشي إلى جعفر فجاء فقال يا جعفر ما يقول هؤلاء فقال جعفر أيها الملك و ما يقولون قال يسألون أن أردكم إليهم قال أيها الملك سلهم أ عبيد نحن لهم قال عمرو لا بل أحرار كرام قال فاسألهم أ لهم علينا ديون يطالبوننا بها فقال لا ما لنا عليكم ديون قال فلكم في أعناقنا دماء تطالبوننا بذحول فقال عمرو لا قال فما تريدون منا آذيتمونا فخرجنا من بلادكم فقال عمرو بن العاص أيها الملك خالفونا في ديننا و سبوا آلهتنا و أفسدوا شباننا و فرقوا جماعتنا فردهم إلينا لنجمع أمرنا فقال جعفر نعم أيها الملك خالفناهم بعث الله فينا نبيا أمرنا بخلع الأنداد و ترك الاستقسام بالأزلام و أمرنا بالصلاة و الزكاة و حرم الظلم و الجور و سفك الدماء بغير حقها و الزنا و الربا و الميتة و الدم و أمرنا بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى و نهانا عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ فقال النجاشي بهذا بعث الله عيسى ابن مريم ع ثم قال النجاشي يا جعفر هل تحفظ مما أنزل الله على نبيك شيئا قال نعم فقرأ عليه سورة مريم فلما بلغ إلى قوله وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا فَكُلِي وَ اشْرَبِي وَ قَرِّي عَيْناً فلما سمع النجاشي بهذا بكى بكاء شديدا و قال هذا و الله هو الحق و قال عمرو بن العاص أيها الملك إن هذا مخالف لنا فرده إلينا فرفع النجاشي يده فضرب بها وجه عمرو ثم قال اسكت و الله لئن ذكرته بسوء لأفقدنك نفسك فقام عمرو بن العاص من عنده و الدماء تسيل على وجهه و هو يقول إن كان هذا كما تقول أيها الملك فإنا لا نتعرض له و كانت على رأس النجاشي وصيفة له تذب عنه فنظرت إلى عمارة بن الوليد و كان فتى جميلا فأحبته فلما رجع عمرو بن العاص إلى منزله قال لعمارة لو راسلت جارية الملك فراسلها فأجابته فقال عمرو قل لها تبعث إليك من طيب الملك شيئا فقال لها فبعثت إليه فأخذ عمرو من ذلك الطيب و كان الذي فعل به عمارة في قلبه حين ألقاه في البحر فأدخل الطيب على النجاشي فقال أيها الملك إن حرمة الملك عندنا و طاعته علينا عظيم و يلزمنا إذا دخلنا بلاده و نأمن فيه أن لا نغشه و لا نريبه و إن صاحبي هذا الذي معي قد راسل إلى حرمتك و خدعها و بعثت إليه من طيبك ثم

 وضع الطيب بين يديه فغضب النجاشي و هم بقتل عمارة ثم قال لا يجوز قتله فإنهم دخلوا بلادي بأمان فدعا النجاشي السحرة فقال لهم اعملوا به شيئا أشد عليه من القتل فأخذوه و نفخوا في إحليله الزيبق فصار مع الوحش يغدو و يروح و كان لا يأنس بالناس فبعثت قريش بعد ذلك فكمنوا له في موضع حتى ورد الماء مع الوحش فأخذوه فما زال يضطرب في أيديهم و يصيح حتى مات و رجع عمرو إلى قريش فأخبرهم أن جعفرا في أرض الحبشة في أكرم كرامة فلم يزل بها حتى هادن رسول الله ص قريشا و صالحهم و فتح خيبر أتى بجميع من معه و ولد لجعفر بالحبشة من أسماء بنت عميس عبد الله بن جعفر و ولد للنجاشي ابنا فسماه النجاشي محمدا و كانت أم حبيب بنت أبي سفيان تحت عبد الله فكتب رسول الله ص إلى النجاشي يخطب أم حبيب فبعث إليها النجاشي فخطبها لرسول الله ص فأجابته فزوجها منه و أصدقها أربعمائة دينار و ساقها عن رسول الله ص و بعث إليها بثياب و طيب كثير و جهزها و بعثها إلى رسول الله ص و بعث إليه بمارية القبطية أم إبراهيم و بعث إليه بثياب و طيب و فرس و بعث ثلاثين رجلا من القسيسين فقال لهم انظروا إلى كلامه و إلى مقعده و مشربه و مصلاه فلما وافوا المدينة دعاهم رسول الله ص إلى الإسلام و قرأ عليهم القرآن إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَ عَلى والِدَتِكَ إلى قوله فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ فلما سمعوا ذلك من رسول الله بكوا و آمنوا و رجعوا إلى النجاشي و أخبروه خبر رسول الله ص و قرءوا عليه ما قرأ عليهم فبكى النجاشي و بكى القسيسون و أسلم النجاشي و لم يظهر للحبشة إسلامه و خافهم على نفسه و خرج من بلاد الحبشة يريد النبي ص فلما عبر البحر توفي فأنزل الله على رسوله لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ إلى قوله وَ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ

  عم، ]إعلام الورى[ لما اشتد قريش في أذى رسول الله ص إلى قوله فسماه محمدا و سقته أسماء من لبنها

 بيان المترف الذي أترفته النعمة و سعة العيش أي أطغته و أبطرته و الانتشاء أول السكر و الذحل الوتر و طلب المكافاة بجناية جنيت عليه من قتل أو جرح و المهادنة المصالحة و عبد الله زوج أم حبيب هو عبد الله بن جحش الأسدي كان قد هاجر إلى الحبشة مع زوجته فتنصر هناك و مات

 2-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن أحمد بن الحسين بن أسامة عن عبيد الله بن محمد الواسطي عن أبي جعفر محمد بن يحيى عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن جعفر عن أبيه ع أنه قال أرسل النجاشي ملك الحبشة إلى جعفر بن أبي طالب و أصحابه فدخلوا عليه و هو في بيت له جالس على التراب و عليه خلقان الثياب قال فقال جعفر بن أبي طالب فأشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحال فلما رأى ما بنا و تغير وجوهنا قال الحمد لله الذي نصر محمدا و أقر عيني به أ لا أبشركم فقلت بلى أيها الملك فقال إنه جاءني الساعة من نحو أرضكم عين من عيوني هناك و أخبرني أن الله قد نصر نبيه محمدا ص و أهلك عدوه و أسر فلان و فلان و قتل فلان و فلان التقوا بواد يقال له بدر كأني أنظر إليه حيث كنت أرعى لسيدي هناك و هو رجل من بني ضمرة فقال له جعفر أيها الملك الصالح ما لي أراك جالسا على التراب و عليك هذه الخلقان فقال يا جعفر إنا نجد فيما أنزل على عيسى صلى الله عليه أن من حق الله على عباده أن يحدثوا لله تواضعا عند ما يحدث لهم من نعمة فلما أحدث الله تعالى لي نعمة بنبيه محمد ص أحدثت لله هذا التواضع قال فلما بلغ النبي ص ذلك قال لأصحابه إن الصدقة تزيد صاحبها كثرة فتصدقوا يرحمكم الله و إن التواضع يزيد صاحبه رفعة فتواضعوا يرفعكم الله و إن العفو يزيد صاحبه عزا فاعفوا يعزكم الله

 كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن هارون مثله

 3-  ل، ]الخصال[ ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ المفسر بإسناده إلى أبي محمد العسكري عن آبائه عن علي ع قال إن رسول الله ص لما أتاه جبرئيل بنعي النجاشي بكى بكاء حزين عليه و قال إن أخاكم أصحمة و هو اسم النجاشي مات ثم خرج إلى الجبانة و كبر سبعا فخفض الله له كل مرتفع حتى رأى جنازته و هو بالحبشة

 4-  عم، ]إعلام الورى[ ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ قال أبو طالب يحض النجاشي على نصرة النبي ص و أتباعه و أشياعه

تعلم مليك الحبش أن محمدا نبي كموسى و المسيح ابن مريم‏أتى بالهدى مثل الذي أتيا به و كل بحمد الله يهدي و يعصم‏و إنكم تتلونه في كتابكم بصدق حديث لا حديث المرجم‏و لا تجعلوا لله ندا و أسلموا فإن طريق الحق ليس بمظلم

 5-  عم، ]إعلام الورى[ ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ فيما رواه أبو عبد الله الحافظ عن محمد بن إسحاق أن رسول الله ص بعث عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي في شأن جعفر بن أبي طالب و أصحابه و كتب معه كتابا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من محمد رسول الله إلى النجاشي الأصحم صاحب الحبشة سلام عليك إني أحمد إليك الله الملك القدوس المؤمن المهيمن و أشهد أن عيسى ابن مريم روح الله وَ كَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ البتول الطيبة الحصينة فحملت بعيسى فخلقه من روحه و نفخه كما خلق آدم بيده و نفخه فيه و إني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له و الموالاة على طاعته و أن تتبعني و تؤمن بي و بالذي جاءني فإني رسول الله قد بعثت إليكم ابن عمي جعفر بن أبي طالب معه نفر من المسلمين فإذا جاءوك فاقرهم و دع التجبر فإني أدعوك و جيرتك إلى الله تعالى و قد بلغت و نصحت فاقبلوا نصيحتي و السلام على من اتبع الهدى فكتب إليه النجاشي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إلى محمد رسول الله من النجاشي الأصحم بن أبحر سلام عليك يا نبي الله من الله و رحمة الله و بركاته لا إله إلا هو الذي هداني إلى الإسلام و قد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى فو رب السماء و الأرض إن عيسى ما يزيد على ما ذكرت و قد عرفنا ما بعثت به إلينا و قد قرينا ابن عمك و أصحابه و أشهد أنك رسول الله صادقا مصدقا و قد بايعتك و بايعت ابن عمك و أسلمت على يديه لله رب العالمين و قد بعثت إليك يا رسول الله أريحا بن الأصحم بن أبحر فإني لا أملك إلا نفسي إن شئت أن آتيك فعلت يا رسول الله إني أشهد أن ما تقول حق ثم بعث إلى رسول الله هدايا و بعث إليه بمارية القبطية أم إبراهيم و بعث إليه بثياب و طيب كثير و فرس و بعث إليه بثلاثين رجلا من القسيسين لينظروا إلى كلامه و مقعده و مشربه فوافوا المدينة و دعاهم رسول الله ص إلى الإسلام فآمنوا و رجعوا إلى النجاشي

 6-  عم، ]إعلام الورى[ و في حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله ص صلى على النجاشي

 7-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي أن النبي ص قال يوما توفي أصحمة رجل صالح من الحبشة فقوموا و صلوا عليه فكان كذلك

 8-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ و روي عن ابن مسعود قال بعثنا رسول الله ص إلى أرض النجاشي و نحن ثمانون رجلا و معنا جعفر بن أبي طالب و بعث قريش خلفنا عمارة بن الوليد و عمرو بن العاص مع هدايا فأتوه بها فقبلها و سجدوا له و قالوا إن قوما منا رغبوا عن ديننا و هم في أرضك فابعث إلينا فقال لنا جعفر لا يتكلم أحد منكم أنا خطيبكم اليوم فانتهينا إلى النجاشي فقال عمرو و عمارة إنهم لا يسجدون لك فلما انتهينا إليه زبرنا الرهبان أن اسجدوا للملك فقال لهم جعفر لا نسجد إلا لله فقال النجاشي و ما ذلك قال إن الله بعث فينا رسوله و هو الذي بشر به عيسى اسمه أحمد فأمرنا أن نعبد الله و لا نشرك به شيئا و أن نقيم الصلاة و أن نؤتي الزكاة و أمرنا بالمعروف و نهانا عن المنكر فأعجب النجاشي قوله فلما رأى ذلك عمرو قال أصلح الله الملك إنهم يخالفونك في ابن مريم فقال النجاشي ما يقول صاحبك في ابن مريم قال يقول فيه قول الله هو روح الله وَ كَلِمَتُهُ أخرجه من العذراء البتول التي لم يقربها بشر فتناول النجاشي عودا من الأرض فقال يا معشر القسيسين و الرهبان ما يزيد هؤلاء على ما تقولون في ابن مريم ما يزن هذا ثم قال النجاشي لجعفر أ تقرأ شيئا مما جاء به محمد قال نعم قال له اقرأ و أمر الرهبان أن ينظروا في كتبهم فقرأ جعفر كهيعص إلى آخر قصة عيسى ع فكانوا يبكون ثم قال النجاشي مرحبا بكم و بمن جئتم من عنده فأنا أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و أنه الذي بشر به عيسى ابن مريم و لو لا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أحمل نعليه اذهبوا أنتم سيوم أي آمنون و أمر لنا بطعام و كسوة و قال ردوا على هذين هديتهما و كان عمرو قصيرا و عمارة جميلا و شربا في البحر فقال عمارة لعمرو قل لامرأتك تقبلني و كانت معه فلم يفعل عمرو فرمى به عمارة في البحر فناشده حتى خلاه فحقد عليه عمرو فقال للنجاشي إذا خرجت خلف عمارة في أهلك فنفخ في إحليله فطار مع الوحش

 9-  كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن يحيى الحلبي عن هارون بن خارجة عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله لجعفر يا جعفر أ لا أمنحك أ لا أعطيك أ لا أحبوك فقال له جعفر بلى يا رسول الله قال فظن الناس أنه يعطيه ذهبا أو فضة فتشرف الناس لذلك فقال له إني أعطيك شيئا إن أنت صنعته في كل يوم كان خيرا لك من الدنيا و ما فيها و إن صنعته بين يومين غفر لك ما بينهما أو كل جمعة أو كل شهر أو كل سنة غفر لك ما بينهما فعلمه صلاة جعفر على ما سيأتي في أخبار كثيرة في كتاب الصلاة

 10-  ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ محمد بن سنان عن بسطام الزيات عن أبي عبد الله ع قال لما قدم جعفر بن أبي طالب من الحبشة قال لرسول الله ص أحدثك يا رسول الله دخلت على النجاشي يوما من الأيام و هو في غير مجلس الملك و في غير رياشه و في غير زيه قال فحييته بتحية الملك و قلت له يا أيها الملك ما لي أراك في غير مجلس الملك و في غير رياشه و في غير زيه فقال إنا نجد في الإنجيل من أنعم الله عليه بنعمة فليشكر الله و نجد في الإنجيل أن ليس من الشكر لله شي‏ء يعدله مثل التواضع و أنه ورد علي في ليلتي هذه أن ابن عمك محمد قد أظفره الله بمشركي أهل بدر فأحببت أن أشكر الله بما ترى

 11-  أقول قال في المنتقى، من جملة ما كان في السنة الخامسة الهجرة إلى أرض الحبشة و ذلك أنه لما ظهر رسول الله ص بالنبوة لم ينكر عليه قريش فلما سب آلهتهم أنكروا و بالغوا في أذى المسلمين فأمرهم رسول الله ص بالخروج إلى الحبشة فخرج قوم و ستر الباقون إسلامهم فخرج في الهجرة الأولى أحد عشر رجلا و أربع نسوة متسللين سرا فصادف وصولهم إلى البحر سفينتين للتجار فحملوهم فيها إلى أرض الحبشة و كان مخرجهم في رجب في الخامسة و خرجت قريش في آثارهم ففاتوهم فأقاموا عند النجاشي آمنين فأقاموا شعبان و رمضان و قدموا في شوال فلم يدخل أحد منهم مكة إلا بجواز إلا ابن مسعود فإنه مكث قليلا ثم رجع إلى أرض الحبشة فسطت بهم عشائرهم و آذوهم فأذن لهم رسول الله ص في الخروج مرة أخرى إلى أرض الحبشة فخرج خلق كثير

 قال محمد بن إسحاق جميع من لحق بأرض الحبشة من المسلمين سوى أبنائهم الذين خرجوا بهم صغارا أو ولدوا بها نيف و ثمانون رجلا و من النساء إحدى عشرة فلما سمعوا بمهاجر النبي ص إلى المدينة رجع منهم ثلاثة و ثلاثون رجلا و ثمان نسوة فمات منهم رجلان بمكة و حبس منهم سبعة و شهد بدرا منهم أربعة و عشرون