باب 4- تفسير قوله تعالى فطفق مسحا بالسوق و الأعناق و قوله عز و جل وَ أَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ

 الآيات ص وَ وَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَ الْأَعْناقِ وَ لَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَ أَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ تفسير قال الطبرسي رحمه الله نِعْمَ الْعَبْدُ أي سليمان إِنَّهُ أَوَّابٌ أي رجاع إلى الله تعالى في أموره ابتغاء مرضاته إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ متعلق بنعم أو بأذكر المقدر بِالْعَشِيِّ أي بعد زوال الشمس حُبَّ الْخَيْرِ أي الخيل أو المال عَنْ ذِكْرِ رَبِّي أي آثرته على ذكر ربي

 1-  فس، ]تفسير القمي[ قال علي بن إبراهيم في قوله وَ وَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ إلى قوله حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ و ذلك أن سليمان ع كان يحب الخيل  و يستعرضها فعرضت عليه يوما إلى أن غابت الشمس و فاتته صلاة العصر فاغتم من ذلك غما شديدا فدعا الله عز و جل أن يرد عليه الشمس حتى يصلي العصر فرد الله سبحانه عليه الشمس إلى وقت صلاة العصر حتى صلاها ثم دعا بالخيل فأقبل يضرب أعناقها و سوقها بالسيف حتى قتلها كلها و هو قوله عز اسمه رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَ الْأَعْناقِ وَ لَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَ أَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ إلى قوله إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ و هو أن سليمان لما تزوج باليمانية ولد منها ابن و كان يحبه فنزل ملك الموت على سليمان و كان كثيرا ما ينزل عليه فنظر إلى ابنه نظرا حديدا ففزع سليمان من ذلك فقال لأمه إن ملك الموت نظر إلى ابني نظرة أظنه قد أمر بقبض روحه فقال للجن و الشياطين هل لكم حيلة في أن تفروه من الموت فقال واحد منهم أنا أضعه تحت عين الشمس في المشرق فقال سليمان إن ملك الموت يخرج ما بين المشرق و المغرب فقال واحد منهم أنا أضعه في الأرضين السابعة فقال إن ملك الموت يبلغ ذلك فقال آخر أنا أضعه في السحاب و الهواء فرفعه و وضعه في السحاب فجاء ملك الموت فقبض روحه في السحاب فوقع ميتا على كرسي سليمان فعلم أنه قد أخطأ فحكى الله ذلك في قوله وَ أَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ فقال رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ و الرخاء اللينة وَ الشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَ غَوَّاصٍ أي في البحر وَ آخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ يعني مقيدين قد شد بعضهم إلى بعض و هم الذين عصوا سليمان ع حين سلبه الله عز و جل ملكه و قال الصادق ع جعل الله عز و جل ملك سليمان ع في خاتمه فكان إذا لبسه حضرته الجن و الإنس و الشياطين و جميع الطير و الوحش و أطاعوه فيقعد على كرسيه و يبعث الله عز و جل ريحا تحمل الكرسي بجميع ما عليه من الشياطين و الطير و الإنس و الدواب و الخيل فتمر بها في الهواء إلى موضع يريده سليمان ع و كان يصلي الغداة

 بالشام و الظهر بفارس و كان يأمر الشياطين أن يحملوا الحجارة من فارس يبيعونها بالشام فلما مسح أعناق الخيل و سوقها بالسيف سلبه الله ملكه و كان إذا دخل الخلاء دفع خاتمه إلى بعض من يخدمه فجاء شيطان فخدع خادمه و أخذ من يده الخاتم و لبسه فخرت عليه الشياطين و الجن و الإنس و الطير و الوحش و خرج سليمان ع في طلب الخاتم فلم يجده فهرب و مر على ساحل البحر و أنكرت بنو إسرائيل الشيطان الذي تصور في صورة سليمان و صاروا إلى أمه فقالوا لها أ تنكرين من سليمان شيئا فقالت كان أبر الناس بي و هو اليوم يعصيني و صاروا إلى جواريه و نسائه و قالوا أ تنكرن من سليمان شيئا قلن لم يكن يأتينا في الحيض و هو يأتينا في الحيض فلما خاف الشيطان أن يفطنوا به ألقى الخاتم في البحر فبعث الله سمكة فالتقمته و هرب الشيطان فبقوا بنو إسرائيل يطلبون سليمان ع أربعين يوما و كان سليمان ع يمر على ساحل البحر تائبا إلى الله مما كان منه فلما كان بعد أربعين يوما مر بصياد يصيد السمك فقال له أعينك على أن تعطيني من السمك شيئا قال نعم فأعانه سليمان ع فلما اصطاد دفع إلى سليمان ع سمكة فأخذها فشق بطنها و ذهب يغسلها فوجد الخاتم في بطنها فلبسه و حوت عليه الشياطين و الجن و الإنس و الطير و الوحوش و رجع إلى ما كان و طلب ذلك الشيطان و جنوده الذين كانوا معه فقيدهم و حبس بعضهم في جوف الماء و بعضهم في جوف الصخر بأسامي الله فهم محبوسون معذبون إلى يوم القيامة قال و لما رجع سليمان إلى ملكه قال لآصف بن برخيا و كان آصف كاتب سليمان و هو الذي كان عنده علم من الكتاب قد عذرت الناس بجهالتهم فكيف أعذرك فقال لا تعذرني فلقد عرفت الحوت الذي أخذ خاتمك و أباه و أمه و عمه و خاله و لقد قال لي اكتب لي فقلت له إن قلمي لا يجري بالجور فقال اجلس و لا تكتب فكنت أجلس و لا أكتب شيئا و لكن أخبرني عنك يا سليمان صرت تحب الهدهد و هو أخس الطير منتنا و أخبثه ريحا قال إنه يبصر الماء من وراء الصفا الأصم فقال و كيف يبصر الماء من وراء الصفا و إنما يواري عنه الفخ بكف من تراب حتى يأخذ بعقبه فقال سليمان قف يا وقاف إنه إذا جاء القدر حال دون البصر

 بيان قوله حتى يأخذ بعقبه أي يأخذ الفخ برجله و في بعض النسخ بعنقه و في بعضها رقبته أي يأخذ الفخ أو الصائد رقبته. و قال الفيروزآبادي الوقاف المتأني و المحجم عن القتال. أقول ما ذكره علي بن إبراهيم في تأويل تلك الآيات كلها موافقة لروايات المخالفين و إنما أولها علماؤنا على وجوه أخر

 قال الصدوق رحمه الله في الفقيه، قال زرارة و الفضيل قلنا لأبي جعفر ع أ رأيت قول الله عز و جل إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً قال يعني كتابا مفروضا و ليس يعني وقت فوتها إن جاز ذلك الوقت ثم صلاها لم تكن صلاة مؤداة و لو كان ذلك كذلك لهلك سليمان بن داود ع حين صلاها بغير وقتها و لكنه متى ذكرها صلاها

ثم قال رحمه الله إن الجهال من أهل الخلاف يزعمون أن سليمان ع اشتغل ذات يوم بعرض الخيل حتى توارت الشمس بالحجاب ثم أمر برد الخيل و أمر بضرب سوقها و أعناقها و قال إنها شغلتني عن ذكر ربي و ليس كما يقولون جل نبي الله سليمان ع عن مثل هذا الفعل لأنه لم يكن للخيل ذنب فيضرب سوقها و أعناقها لأنها لم تعرض نفسها عليه و لم تشغله و إنما عرضت عليه و هي بهائم غير مكلفة

 و الصحيح في ذلك ما روي عن الصادق ع أنه قال إن سليمان بن داود ع عرض عليه ذات يوم بالعشي الخيل فاشتغل بالنظر إليها حَتَّى تَوارَتْ الشمس بِالْحِجابِ فقال للملائكة ردوا الشمس علي حتى أصلي صلاتي في وقتها فردوها فقام فطفق مسح ساقيه و عنقه و أمر أصحابه الذين فاتتهم الصلاة معه بمثل ذلك و كان ذلك وضوؤهم للصلاة ثم قام فصلى فلما فرغ غابت الشمس و طلعت النجوم و ذلك قول الله عز و جل وَ وَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ إلى قوله فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَ الْأَعْناقِ

و قد أخرجت هذا الحديث مسندا في كتاب الفوائد انتهى. و قال الطبرسي رحمه الله الصَّافِناتُ الخيل الواقفة على ثلاث قوائم الواضعة أطراف السنبك الرابع على الأرض الْجِيادُ السريعة المشي الواسعة الخطو قال مقاتل إنه ورث من أبيه ألف فرس و كان أبوه قد أصاب ذلك من العمالقة و قال الكلبي غزا سليمان دمشق و نصيبين فأصاب ألف فرس و قال الحسن كانت خيلا خرجت من البحر لها أجنحة و قال المراد بالخير الخيل هنا فإن العرب تسمي الخيل الخير و قيل معناه حب المال و كان سليمان ع قد صلى الصلاة الأولى و قعد على كرسيه و الخيل تعرض عليه حتى غابت الشمس. و في روايات أصحابنا أنه فاته أول الوقت و قال الجبائي لم يفته الفرض و إنما فاته نفل كان يفعله آخر النهار لاشتغاله بالخيل و قيل إن ذكر ربي كناية عن كتاب التوراة انتهى. و لنذكر بعض ما ذكر من وجوه التأويل في تلك الآيات قال السيد المرتضى قدس الله روحه ظاهر الآية لا يدل على إضافة قبيح إلى النبي و الرواية إذا كانت مخالفة لما تقتضيه الأدلة لا يلتفت إليها لو كانت قوية ظاهرة فكيف إذا كانت ضعيفة واهية و الذي يدل على ما ذكرناه على سبيل الجملة أن الله تعالى ابتدأ الآية بمدحه و الثناء عليه فقال نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ و ليس يجوز أن يثني عليه بهذا الثناء ثم يتبعه من غير فصل بإضافة القبيح إليه و أنه تلهى بعرض الخيل عن فعل المفروض عليه من الصلاة و الذي يقتضيه الظاهر أن حبه للخيل و شغفه بها كان عن إذن ربه و أمره و بتذكيره إياه لأن الله تعالى قد أمرنا بارتباط الخيل و إعدادها لمحاربة الأعداء فلا ينكر أن يكون سليمان ع مأمورا بمثل ذلك انتهى. ثم اعلم أنهم اختلفوا في مرجع الضمير في قوله تَوارَتْ بِالْحِجابِ و قوله رُدُّوها عَلَيَّ إذ يجوز بحسب ظاهر اللفظ إرجاع الضميرين إلى الشمس و إن لم يجر لها ذكر بقرينة المقام و لذكر ما له تعلق بها و هو العشي و إلى الخيل و الأول إلى الشمس و الثاني إلى الخيل و بالعكس فقيل بإرجاعهما جميعا إلى الشمس كما مر فيما رواه الصدوق

 و روى الطبرسي رحمه الله عن ابن عباس أنه قال سألت عليا ع عن هذه الآية فقال ما بلغك فيها يا ابن عباس فقلت سمعت كعبا يقول اشتغل سليمان بعرض الأفراس حتى فاتته الصلاة فقال رُدُّوها عَلَيَّ يعني الأفراس و كانت أربعة عشر فأمر بضرب سوقها و أعناقها بالسيف فقتلها فسلبه الله ملكه أربعة عشر يوما لأنه ظلم الخيل بقتلها فقال علي ع كذب كعب لكن اشتغل سليمان بعرض الأفراس ذات يوم لأنه أراد جهاد العدو حَتَّى تَوارَتْ الشمس بِالْحِجابِ فقال بأمر الله تعالى للملائكة الموكلين بالشمس رُدُّوها عَلَيَّ فردت فصلى العصر في وقتها و إن أنبياء الله لا يظلمون و لا يأمرون بالظلم لأنهم معصومون مطهرون

و قيل بإرجاعهما معا إلى الخيل و فيه وجهان الأول أنه أمر بإجراء الخيل حتى غابت عن بصره فأمر بردها فمسح سوقها و أعناقها صيانة لها و إكراما لما رأى من حسنها فمن عادة من عرضت عليه الخيل أن يمر يده على أعرافها و أعناقها و قوائمها و يمكن أن يكون الغرض من ذلك المسح بيان أن إكرامها و حفظها مما يرغب فيه لكونها من أعظم الأعوان على دفع العدو أو أنه أراد أن يظهر أنه في ضبط السياسة و الملك يتصنع إلى حيث يباشر أكثر الأمور بنفسه أو أنه كان أعلم بأحوال الخيل و أمراضها و عيوبها فكان يمسحها و يمسح سوقها و أعناقها حتى يعلم هل فيها ما يدل على المرض. الثاني أن يكون المسح هاهنا هو الغسل فإن العرب تسمي الغسل مسحا فكأنه لما رأى حسنها أراد صيانتها و إكرامها فغسل قوائمها و أعناقها. و قيل بإرجاع الأول إلى الشمس و الثاني إلى الخيل و هذا يحتمل وجوها الأول ما ذكره السيد رضي الله عنه أن المراد أنه عرقبها و مسح سوقها و أعناقها بالسيف من حيث شغلته عن النافلة و لم يكن ذلك على سبيل العقوبة لها لكن حتى لا يتشاغل في المستقبل بها عن الطاعات لأن للإنسان أن يذبح فرسه لأكل لحمه فكيف إذا انضاف إلى ذلك وجه آخر لحسنه. و قد قيل إنه يجوز أن يكون لما كانت الخيل أعز ماله أراد أن يكفر عن تفريطه في النافلة بذبحها و التصدق بلحمها على المساكين قالوا فلما رأى حسن الخيل و راقته و أعجبته أراد أن يتقرب إلى الله بالمعجب له الرائق في عينه و يشهد بصحة هذا المذهب قوله تعالى لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ. الثاني أنه مسح سوقها و أعناقها و جعلها مسبلة في سبيل الله. الثالث أن يكون قوله حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ بيانا لغاية عرض الخيل و استعادته بها من غير أن يكون فات عنه بسببها شي‏ء و إنما أمر بردها إكراما لها كما مر و على هذا فقوله أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي يحتمل وجهين ذكرهما الرازي في تفسيره. الأول أن يضمن أحببت معنى فعل يتعدى بعن كأنه قيل أبنت حب الخير عن ذكر ربي و هو التوراة لأن ارتباط الخيل كما أنه في القرآن ممدوح فكذلك في التوراة ممدوح. الثاني أن الإنسان قد يحب شيئا و لكنه لا يحب أن يحبه كالمريض الذي يشتهي ما يضره في مرضه و أما من أحب شيئا و أحب أن يحبه كان ذلك غاية المحبة فقوله أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ أي أحببت حبي لهذه الخيل ثم قال عَنْ ذِكْرِ رَبِّي بمعنى أن هذه المحبة الشديدة إنما حصلت عن ذكر الله و أمره لا عن الشهوة و الهوى و أما الاحتمال الرابع فلم يقل به أحد و إن أمكن توجيهه ببعض الوجوه السابقة فإذا

  أحطت خبرا بما حكيته لك علمت أنه يمكن تأويلها بوجوه كثيرة لا يتضمن شي‏ء منها إثبات ذنب له ع. و أما قوله تعالى وَ لَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ فاختلف العلماء في فتنته و زلته و الجسد الذي ألقي على كرسيه على أقوال. الأول ما ذكره الرازي عن بعض رواة المخالفين أن سليمان بلغه خبر مدينة في البحر فخرج إليها بجنوده تحمله الريح فأخذها و قتل ملكها و أخذ بنتا له اسمها جرادة من أحسن الناس وجها فاصطفاها لنفسه و أسلمت فأحبها و كانت تبكي على أبيها فأمر سليمان الشيطان فمثل لها صورة أبيها فكستها مثل كسوته و كانت تذهب إلى تلك الصورة بكرة و عشيا مع جواريها يسجدن له فأخبر آصف سليمان بذلك فكسر الصورة و عاقب المرأة ثم خرج وحده إلى بلاده و فرش الرماد و جلس عليه تائبا إلى الله تعالى و كانت له أم ولد يقال لها أمينة إذا دخل للطهارة أو لإصابة امرأة وضع خاتمه عندها فوضعه عندها يوما و أتاها الشيطان صاحب البحر على صورة سليمان و قال يا أمينة خاتمي فتختم به و جلس على كرسي سليمان فأتاه الطير و الجن و الإنس و تغيرت هيئة سليمان فأتى أمينة لطلب الخاتم فأنكرته فطردته فعرف أن الخطيئة قد أدركته فكان يدور على البيوت و يتكفف و إذا قال أنا سليمان حثوا عليه التراب و سبوه ثم أخذ بخدم الصيادين ينقل لهم السمك فيعطونه كل يوم سمكتين فمكث على هذه الحالة أربعين يوما عدد ما عبد الوثن في بيته فأنكر آصف و عظماء بني إسرائيل حكم الشيطان و سأل آصف نساء سليمان فقلن ما يدع امرأة منا في دمها و لا يغتسل من جنابة و قيل كان نفذ حكمه في كل شي‏ء إلا فيهن ثم طار الشيطان و قذف الخاتم في البحر فابتلعته سمكة و وقعت السمكة في يد سليمان فبقر بطنها فإذا هو بالخاتم فتختم به و وقع ساجدا لله و رجع إلى ملكه و أخذ ذلك الشيطان فحبسها في صخرة و ألقاها في البحر فهؤلاء قالوا قوله وَ أَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً هو جلوس ذلك الشيطان على كرسيه عقوبة له ثم قال و اعلم أن أهل التحقيق استبعدوا هذا الكلام من وجوه الأول أن الشيطان لو قدر على أن يتشبه بالصورة و الخلقة بالأنبياء فحينئذ لا يبقى اعتماد على شي‏ء قطعا فلعل هؤلاء الذين رأوهم الناس في صورة محمد و موسى و عيسى ع ما كانوا أولئك بل كانوا شياطين تشبهوا بهم في الصورة و معلوم أن ذلك يبطل الدين بالكلية. الثاني أن الشيطان لو قدر على أن يعامل نبي الله تعالى بمثل هذه المعاملة لوجب أن يقدر على مثلها مع جميع العلماء و الزهاد و حينئذ وجب أن يقتلهم و يمزق تصانيفهم و يخرب ديارهم. الثالث كيف يليق بحكمة الله و إحسانه أن يسلط الشيطان على أزواج سليمان و لا شك أنه قبيح. الرابع لو قلنا إن سليمان ع أذن لتلك المرأة في عبادة تلك الصورة فهذا كفر منه و إن لم يأذن فيه و إن لم يأذن فالذنب على تلك المرأة فكيف يؤاخذ الله سليمان ع بفعل لم يصدر عنه و قال السيد قدس الله روحه أما ما رواه القصاص الجهال في هذا الباب فليس مما يذهب على عاقل بطلانه و أن مثله لا يجوز على الأنبياء ع و أن النبوة لا تكون في خاتم يسلبها الجني و أن الله تعالى لا يمكن الجني من التمثل بصورة النبي و لا غير ذلك مما افتروا به على النبي. أقول ثم ذكر رحمه الله وجوها ذكر الطبرسي رحمة الله عليه مختصرا منها مع غيرها منها أن سليمان ع قال يوما في مجلسه لأطوفن الليلة على سبعين امرأة تلد كل امرأة منهن غلاما يضرب بالسيف في سبيل الله و لم يقل إن شاء الله فطاف عليهن فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق ولد

 رواه أبو هريرة عن النبي ص قال ثم قال فو الذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا

فالجسد الذي ألقي على كرسيه كان هذا ثم أناب إلى الله تعالى و فرغ إلى الصلاة و الدعاء على وجه الانقطاع إليه سبحانه و هذا لا يقتضي أنه وقع منه معصية صغيرة و لا كبيرة لأنه ع و إن لم يستثن ذكره لفظا فلا بد من أن يكون استثناه ضميرا و اعتقادا إذ لو كان قاطعا للقول بذلك لكان مطلقا لما لا يأمن أن يكون كذبا إلا أنه لما لم يذكر لفظة الاستثناء عوتب على ذلك من حيث ترك ما هو مندوب إليه. و منها ما روي أن الجن و الشياطين لما ولد لسليمان ع ابن قال بعضهم لبعض إن عاش له ولد لنلقين منه ما لقينا من أبيه من البلاء فأشفق ع منهم عليه فاسترضعه في المزن و هو السحاب فلم يشعر إلا و قد وضع على كرسيه ميتا تنبيها على أن الحذر لا ينفع عن القدر و إنما عوتب ع على خوفه من الشياطين عن الشعبي و هو المروي عن أبي عبد الله ع. و منها أنه ولد له ميت جسد بلا روح فألقي على سريره عن الجبائي. و منها أن الجسد المذكور هو جسد سليمان لمرض امتحنه الله تعالى به و تقدير الكلام و ألقيناه على كرسيه جسدا لشدة المرض فيكون جسدا منصوبا على الحال و العرب يقول في الإنسان إذا كان ضعيفا هو جسد بلا روح و لحم على وضم ثُمَّ أَنابَ أي رجع إلى حال الصحة عن أبي مسلم و أما ما ذكر عن ابن عباس أنه ألقي شيطان اسمه صخر على كرسيه و كان ماردا عظيما لا يقوى عليه جميع الشياطين و كان نبي الله سليمان لا يدخل الكنيف بخاتمه فجاء صخر في صورة سليمان حتى أخذ الخاتم من امرأة من نسائه و أقام أربعين يوما في ملكه و سليمان هارب و عن مجاهد أن شيطانا اسمه آصف قال له سليمان كيف تفتنون الناس قال أرني خاتمك أخبرك بذلك فلما أعطاه إياه نبذه في البحر فذهب ملكه و قعد الشيطان على كرسيه و منعه الله تعالى نساء سليمان فلم يقربهن و كان سليمان يستطعم فلا يطعم حتى أعطته امرأته يوما حوتا فشق بطنه فوجد خاتمه فيه فرد الله ملكه و عن السدي أن اسم ذلك الشيطان خيفيق و ما ذكر أن السبب في ذلك أن الله سبحانه أمره أن لا يتزوج في غير بني إسرائيل فتزوج من غيرهم و قيل بل السبب فيه أنه وطئ امرأة في حال الحيض فسأل منها الدم فوضع خاتمه و دخل الحمام فجاء الشيطان و أخذه و قيل تزوج امرأة مشركة و لم يستطع أن يكرهها على الإسلام فعبدت الصنم في داره أربعين يوما فابتلاه الله بحديث الشيطان و الخاتم أربعين يوما و قيل احتجب ثلاثة أيام و لم ينظر في أمر الناس فابتلي بذلك فإن جميع ذلك مما لا يعول عليه لأن النبوة لا تكون في الخاتم و لا يجوز أن يسلبها الله النبي و لا أن يمكن الشيطان من التمثل بصورة النبي و القعود على سريره و الحكم بين عباده و بالله التوفيق