باب 4- منشئه و رضاعه و ما ظهر من إعجازه عند ذلك إلى نبوته ص

1-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي أنه لما ولد النبي ص قدمت حليمة بنت أبي ذؤيب في نسوة من بني سعد بن بكر تلتمس الرضعاء بمكة قالت فخرجت معهن على أتان و معي زوجي و معنا شارف لنا ما بيض بقطرة من لبن و معنا ولد ما نجد في ثديي ما نعلله به و ما نام ليلنا جوعا فلما قدمنا مكة لم تبق منا امرأة إلا عرض عليها محمد فكرهناه فقلنا يتيم و إنما يكرم الظئر الوالد فكل صواحبي أخذن رضيعا و لم آخذ شيئا فلما لم أجد غيره رجعت إليه فأخذته فأتيت به الرحل فأمسيت و أقبل ثدياي باللبن حتى أرويته و أرويت ولدي أيضا و قام زوجي إلى شارفنا تلك يلمسها بيده فإذا هي حافل فحلبها و أرواني من لبنها و روى الغلمان فقال يا حليمة لقد أصبنا نسمة مباركة فبتنا بخير و رجعنا فركبت أتاني ثم حملت محمدا معي فو الذي نفس حليمة بيده لقد طفت بالركب حتى أن النسوة يقلن يا حليمة أمسكي علينا أ هذه أتانك التي خرجت عليها قلت نعم ما شأنها قلن حملت غلاما مباركا و يزيدنا الله كل يوم و ليلة خيرا و البلاد قحط و الرعاة يسرحون ثم يريحون فتروح أغنام بني سعد جياعا و تروح غنمي شباعا بطانا حفلاء فتحلب و تشرب

 بيان الشارف المسنة من النوق قوله ما بيض أي الإناء قال الجوهري بيضت الإناء أي ملأته من الماء أو اللبن و الأصوب أنه ما تبض بالتاء ثم الباء التحتانية الموحدة المكسورة ثم الضاد المشددة قال الجزري فيه ما تبض ببلال أي ما يقطر منها لبن يقال بض الماء إذا قطر و سال و قال الجوهري ضرع حافل أي ممتلئ لبنا

 2-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ ذكرت حليمة بنت أبي ذؤيب عبد الله بن الحارث من مضر زوجة الحارث بن عبد العزى المضري أن البوادي أجدبت و حملنا الجهد على دخول البلد فدخلت مكة و نساء بني سعد قد سبقن إلى مراضعهن فسألت مرضعا فدلوني على عبد المطلب و ذكر أن له مولودا يحتاج إلى مرضع له فأتيت إليه فقال يا هذه عندي بني لي يتيم اسمه محمد فحملته ففتح عينيه لينظر إلي بهما فسطع منهما نور فشرب من ثديي الأيمن ساعة و لم يرغب في الأيسر أصلا و استعمل في رضاعه عدلا فناصف فيه شريكه و اختار اليمين اليمين و كان ابني لا يشرب حتى يشرب رسول الله ص فحملته على الأتان و كانت قد ضعفت عند قدومي مكة فجعلت تبادر سائر الحمر إسراعا قوة و نشاطا و استقبلت الكعبة و سجدت لها ثلاث مرات و قالت برأت من مرضي و سلمت من غثي و علي سيد المرسلين و خاتم النبيين و خير الأولين و الآخرين فكان الناس يتعجبون منها و من سمني و برئي و در لبني فلما انتهينا إلى غار خرج رجل يتلألأ نوره إلى عنان السماء و سلم عليه و قال إن الله تعالى وكلني برعايته و قابلنا ظبا و قلن يا حليمة لا تعرفين من تربين هو أطيب الطيبين و أطهر الطاهرين و ما علونا تلعة و لا هبطنا واديا إلا سلموا عليه فعرفت البركة و الزيادة في معاشنا و رياشنا حتى أثرينا و كثرت مواشينا و أموالنا و لم يحدث في ثيابه و لم تبد عورته و لم يحتج في يوم إلا مرة و كان مسرورا مختونا و كنت أرى شابا على فراشه يعدله ثيابه فربيته خمس سنين و يومين فقال لي يوما أين يذهب إخواني كل يوم قلت يرعون غنما فقال إنني اليوم أوافقهم فلما ذهب معهم أخذه ملائكة و علوه على قلة جبل و قاموا بغسله و تنظيفه فأتاني ابني و قال أدركي محمدا فإنه قد سلب فأتيته فإذا هو بنور يسطع في السماء فقبلته فقلت ما أصابك قال لا تحزني إن الله معنا و قص عليها قصته فانتشر منه فوح مسك أذفر و قال الناس غلبت عليه الشياطين و هو يقول ما أصابني شي‏ء و ما علي من بأس فرآه كاهن و صاح و قال هذا الذي يقهر الملوك و يفرق العرب

 إيضاح قوله و اختار اليمين أي صاحب اليمن و البركة و الغث المهزول و المراد هنا المصدر و يقال أثري الرجل إذا كثرت أمواله

 3-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ روي عن حليمة أنه جلس محمد و هو ابن ثلاثة أشهر و لعب مع الصبيان و هو ابن تسعة و طلب مني أن يسير مع الغنم يرعى و هو ابن عشرة و ناضل الغلمان بالنبل و هو ابن خمسة عشر و صارع الغلمان و هو ابن ثلاثين ثم رددته إلى جده

 ابن عباس أنه كان يقرب إلى الصبيان تصبيحهم فيخلسون و يكف و يصبح الصبيان غمصا رمصا و يصبح صقيلا دهينا و نادى شيخ على الكعبة يا عبد المطلب إن حليمة امرأة عربية و قد فقدت ابنا اسمه محمد فغضب عبد المطلب و كان إذا غضب خاف الناس منه فنادى يا بني هاشم و يا بني غالب اركبوا فقد محمد و حلف أن لا أنزل حتى أجد محمدا أو أقتل ألف أعرابي و مائة قرشي و كان يطوف حول الكعبة و ينشد أشعارا منها

يا رب رد راكبي محمدا رد إلي و اتخذ عندي يدايا رب إن محمدا لن يوجدا تصبح قريش كلهم مبددا

فسمع نداء أن الله لا يضيع محمدا فقال أين هو قال في وادي فلان تحت شجرة أم غيلان قال ابن مسعود فأتينا الوادي فرأيناه يأكل الرطب من أم غيلان و حوله شابان فلما قربنا منه ذهب الشابان و كانا جبرئيل و ميكائيل ع فسألناه من أنت و ما ذا تصنع قال أنا ابن عبد الله بن عبد المطلب فحمله عبد المطلب على عنقه و طاف به حول الكعبة و كانت النساء اجتمعن عند آمنة على مصيبته فلما رآها تمسك بها و ما التفت إلى أحد و كان عبد المطلب أرسل رسول الله ص إلى رعاته في إبل قد ندت له يجمعها فلما أبطأ عليه نفذ وراءه في كل طريق و كل شعب و أخذ بحلقة باب الكعبة و هو يقول يا رب إن تهلك آلك إن تفعل فأمر ما بدا لك فجاء رسول الله ص بالإبل فلما رآه أخذه فقبله فقال بأبي لا وجهتك بعد هذا في شي‏ء فإني أخاف أن تغتال فتقتل

 بيان قال الجزري في حديث المولد إنه كان يتيما في حجر أبي طالب و كان يقرب إلى الصبيان تصبيحهم فيختلسون و يكف أي غداءهم و هو اسم على تفعيل كالترغيب و التنوير و قال حديث ابن عباس كان الصبيان غمصا رمصا و يصبح رسول الله صقيلا دهينا يقال غمصت عينيه مثل رمصت يقال غمصت العين و رمصت من الغمص و الرمص و هو البياض الذي يجمع في زوايا الأجفان فالرمص الرطب و الغمص اليابس و الغمص و الرمص جمع أغمص و أرمص و انتصبا على الحال لا على الخبر لأن أصبح تامة و هي بمعنى الدخول في الصباح قاله الزمخشري

 4-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ عن ابن عباس قال قال أبو طالب لأخيه يا عباس أخبرك عن محمد أني ضممته فلم أفارقه ساعة من ليل أو نهار فلم آتمن أحدا حتى نومته في فراشي فأمرته أن يخلع ثيابه و ينام معي فرأيت في وجهه الكراهية فقال يا عماه اصرف بوجهك عني حتى أخلع ثيابي و أدخل فراشي فقلت له و لم ذاك فقال لا ينبغي لأحد أن ينظر إلى جسدي فتعجبت من قوله و صرفت بصري عنه حتى دخل فراشه فإذا دخلت أنا الفراش إذا بيني و بينه ثوب و الله ما أدخلته في فراشي فأمسه فإذا هو ألين ثوب ثم شممته كأنه غمس في مسك و كنت إذا أصبحت فقدت الثوب فكان هذا دأبي و دأبه و كنت كثيرا ما أفتقده في فراشي فإذا قمت لأطلبه بادرني من فراشي ها أنا ذا يا عم فارجع إلى مكانك و كان النبي ص يأتي زمزم فيشرب منها شربة فربما عرض عليه أبو طالب الغداء فيقول لا أريده أنا شبعان و كان أبو طالب إذا أراد أن يعشي أولاده أو يغديهم يقول كما أنتم حتى يحضر ابني فيأتي رسول الله فيأكل معهم فيبقى الطعام

 5-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ القاضي المعتمد في تفسيره قال أبو طالب لقد كنت كثيرا ما أسمع منه إذا ذهب من الليل كلاما يعجبني و كنا لا نسمي على الطعام و لا على الشراب حتى سمعته يقول بسم الله الأحد ثم يأكل فإذا فرغ من طعامه قال الحمد لله كثيرا فتعجبت منه و كنت ربما أتيت غفلة فأرى من لدن رأسه نورا ممدودا قد بلغ السماء ثم لم أر منه كذبة قط و لا جاهلية قط و لا رأيته يضحك في موضع الضحك و لا وقف مع صبيان في لعب و لا التفت إليهم و كان الوحدة أحب إليه و التواضع و كان النبي ابن سبع سنين فقالت اليهود وجدنا في كتبنا أن محمدا يجنبه ربه من الحرام و الشبهات فجربوه فقدموا إلى أبي طالب دجاجة مسمنة فكانت قريش يأكلون منها و الرسول تعدل يده عنها فقالوا ما لك قال أراها حراما يصونني ربي عنها فقالوا هي حلال فنلقمك قال فافعلوا إن قدرتم فكانت أيديهم يعدل بها إلى الجهات فجاءوه بدجاجة أخرى قد أخذوها لجار لهم غائب على أن يؤدوا ثمنها إذا جاء فتناول منها لقمة فسقطت من يده فقال ع و ما أراها إلا من شبهة يصونني ربي عنها فقالوا نلقمك منها فكلما تناولوا منها ثقلت في أيديهم فقالوا لهذا شأن عظيم و لما ظهر أمره ص عاداه أبو جهل و جمع صبيان بني مخزوم و قال أنا أميركم و انعقد صبيان بني هاشم و بني عبد المطلب على النبي و قالوا أنت الأمير قالت أم علي ع و كان في صحن داري شجرة قد يبست و خاست و لها زمان يابسة فأتى النبي ص يوما إلى الشجرة فمسها بكفه فصارت من وقتها و ساعتها خضراء و حملت الرطب فكنت في كل يوم أجمع له الرطب في دوخلة فإذا كانت وقت ضاحي النهار يدخل يقول يا أماه أعطيني ديوان العسكر و كان يأخذ الدوخلة ثم يخرج و يقسم الرطب على صبيان بني هاشم فلما كان بعض الأيام دخل و قال يا أماه أعطيني ديوان العسكر فقلت يا ولدي اعلم أن النخلة ما أعطتنا اليوم شيئا قالت فو حق نور وجهه لقد رأيته و قد تقدم نحو النخلة و تكلم بكلمات و إذا بالنخلة قد انحنت حتى صار رأسها عنده فأخذ من الرطب ما أراد ثم عادت النخلة إلى ما كانت فمن ذلك اليوم قلت اللهم رب السماء ارزقني ولدا ذكرا يكون أخا لمحمد ففي تلك الليلة واقعني أبو طالب فحملت بعلي بن أبي طالب فرزقته فما كان يقرب صنما و لا يسجد لوثن كل ذلك ببركة محمد ص

  بيان خاست أي لم تثمر من قولهم خاس بوعده إذا أخلفه أو فسدت من قولهم خاس الشي‏ء إذا فسد و الدوخلة بالتشديد كالزنبيل يعمل من الخوص و القوصرة يترك فيها التمر و غيره و في الخبر غرابة من جهة أن الحمل بأمير المؤمنين ع إنما كان بعد ثلاثين من سنه ص و يظهر منه أنه كان في صباه

 6-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ كتاب العروس و تاريخ الطبري أنه أرضعته ثويبة مولاة أبي لهب بلبن ابنها مسروح أياما و توفيت مسلمة سنة سبع من الهجرة و مات ابنها قبلها ثم أرضعته حليمة السعدية فلبث فيهم خمس سنين و كانت أرضعت قبله حمزة و بعده أبا سلمة المخزومي و خرج مع أبي طالب في تجارته و هو ابن تسع سنين و يقال ابن اثنتي عشرة سنة و خرج إلى الشام في تجارة لخديجة و له خمس و عشرون سنة

 7-  كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن النعمان عن سعيد بن عبد الله الأعرج عن أبي عبد الله ع قال إن قريشا في الجاهلية هدموا البيت فلما أرادوا بناءه حيل بينهم و بينه و ألقي في روعهم حتى قال قائل منهم ليأتي كل رجل منكم بأطيب ماله و لا تأتوا بمال اكتسبتموه من قطيعة رحم أو حرام ففعلوا فخلى بينهم و بين بنائه فبنوه حتى انتهوا إلى موضع الحجر الأسود فتشاجروا فيهم أيهم يضع الحجر الأسود في موضعه حتى كاد أن يكون بينهم شر فحكموا أول من يدخل من باب المسجد فدخل رسول الله ص فلما أتاهم أمر بثوب فبسط ثم وضع الحجر في وسطه ثم أخذت القبائل بجوانب الثوب فرفعوه ثم تناوله ص فوضعه في موضعه فخصه الله به

 8-  كا، ]الكافي[ علي بن إبراهيم و غيره بأسانيد مختلفة رفعوه قالوا إنما هدمت قريش الكعبة لأن السيل كان يأتيهم من أعلى مكة فيدخلها فانصدعت و سرق من الكعبة غزال من ذهب رجلاه جوهر و كان حائطها قصيرا و كان ذلك قبل مبعث النبي ص بثلاثين سنة فأرادت قريش أن يهدموا الكعبة و يبنوها و يزيدوا في عرصتها ثم أشفقوا من ذلك و خافوا إن وضعوا فيها المعاول أن تنزل عليهم عقوبة فقال الوليد بن المغيرة دعوني أبدأ فإن كان لله رضى لم يصبني شي‏ء و إن كان غير ذلك كففت فصعد على الكعبة و حرك منها حجرا فخرجت عليه حية و انكسفت الشمس فلما رأوا ذلك بكوا و تضرعوا و قالوا اللهم إنا لا نريد إلا الصلاح فغابت عنهم الحية فهدموه و نحوا حجارته حوله حتى بلغوا القواعد التي وضعها إبراهيم ع فلما أرادوا أن يزيدوا في عرصته و حركوا القواعد التي وضعها إبراهيم ع أصابتهم زلزلة شديدة و ظلمة فكفوا عنه و كان بنيان إبراهيم ع الطول ثلاثون ذراعا و العرض اثنان و عشرون ذراعا و السمك تسعة أذرع فقالت قريش نزيد في سمكها فبنوها فلما بلغ البناء إلى موضع الحجر الأسود تشاجرت قريش في وضعه قال كل قبيلة نحن أولى به و نحن نضعه فلما كثر بينهم تراضوا بقضاء من يدخل من باب بني شيبة فطلع رسول الله ص فقالوا هذا الأمين قد جاء فحكموه فبسط رداءه و قال بعضهم كساء طاروني كان له و وضع الحجر فيه ثم قال يأتي من كل ربع من قريش رجل فكانوا عتبة بن ربيعة من عبد شمس و الأسود بن المطلب من بني أسد بن عبد العزى و أبو حذيفة بن المغيرة من بني مخزوم و قيس بن عدي من بني سهم فرفعوه و وضعه النبي ص في موضعه و قد كان بعث ملك الروم بسفينة فيها سقوف و آلات و خشب و قوم من الفعلة إلى الحبشة ليبني له هناك بيعة فطرحتها الريح إلى ساحل الشريعة فبطحت فبلغ قريشا خبرها فخرجوا إلى الساحل فوجدوا ما يصلح للكعبة من خشب و زينة و غير ذلك فابتاعوه و صاروا به إلى مكة فوافق ذلك ذرع الخشب البناء ما خلا الحجر فلما بنوها كسوها الوصائل و هي الأردية

 بيان الطاروني ضرب من الخز و الربع المحلة و يحتمل الضم قوله ع فبطحت على بناء المجهول أي انقلبت يقال بطحه أي ألقاه على وجهه و قوله ذرع الخشب بيان لقوله ذلك و البناء مفعول وافق و قوله ما خلا الحجر لعل المراد به الأحجار المنصوبة في ظاهر البيت أي كان طول الخشب موافقا لطول بناء البيت إلا بقدر الحجر المنصوب في الجانبين لئلا تظهر رءوس الأخشاب من خارج و يحتمل على بعد أن يقرأ الحجر بالكسر أي لم يكن حجر إسماعيل داخلا في طول الخشب و قال الجوهري الوصائل ثياب مخططة يمانية و في بعض النسخ بالدال أي الثياب المنسوخة قال في القاموس الوصد محركة النسج و الأول أظهر

 9-  كا، ]الكافي[ علي بن إبراهيم عن أبيه عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن داود بن سرحان عن أبي عبد الله ع قال إن رسول الله ص ساهم قريشا في بناء البيت فصار لرسول الله من باب الكعبة إلى النصف ما بين الركن اليماني إلى الحجر الأسود و في رواية أخرى كان لبني هاشم من الحجر الأسود إلى الركن الشامي

 بيان قوله ع ما بين الركن اليماني أي إلى منتصف الضلع الذي بين الركن اليماني و الحجر و الرواية الأخرى تنافي ذلك إذ لو كان المراد جميع بني هاشم فكان ينبغي أن يدخل فيه جميع ما كان للنبي ص مع أنه لا يدخل فيه إلا ما كان منه بين الحجر و الباب و إن كان المراد سائر بني هاشم غيره ص فكان ينبغي أن لا يدخل فيه ما بين الحجر إلى الباب إلا أن يتكلف بأنهم كانوا أشركوه مع بني هاشم في هذا الضلع و خصوه من الضلع الآخر بالنصف فجعل بنو هاشم له ص ما بين الحجر و الباب و في بعض النسخ بدل الشامي اليماني و الإشكال و التوجيه مشتركان

 10-  كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن أبي عبيدة قال سمعت أبا عبد الله ع يقول لا تنكح المرأة على عمتها و لا على خالتها و لا على أختها من الرضاعة و قال إن عليا ع ذكر لرسول الله ص ابنة حمزة فقال رسول الله ص أ ما علمت أنها ابنة أخي من الرضاعة و كان رسول الله ص و عمه حمزة ع قد رضعا من امرأة

 11-  كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن سعد بن عبد الله عن إبراهيم بن محمد الثقفي عن علي بن المعلى عن أخيه محمد عن درست بن أبي منصور عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال لما ولد النبي ص مكث أياما ليس له لبن فألقاه أبو طالب على ثدي نفسه فأنزل الله فيه لبنا فرضع منه أياما حتى وقع أبو طالب على حليمة السعدية فدفعه إليها

 قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ عنه ع مثله

 12-  د، ]العدد القوية[ قالت حليمة السعدية كانت في بني سعد شجرة يابسة ما حملت قط فنزلنا يوما عندها و رسول الله ص في حجري فما قمت حتى اخضرت و أثمرت ببركة منه و ما أعلم أني جلست موضعا قط إلا كان له أثر إما نبات و إما خصب و لقد دخلت على امرأة من بني سعد يقال لها أم مسكين و كانت سيئة الحال فحملته فأدخلته منزلها فإذا هي قد أخصبت و حسن حالها فكانت تجي‏ء كل يوم فتقبل رأسه قالت حليمة ما نظرت في وجه رسول الله ص و هو نائم إلا و رأيت عينيه مفتوحتين كأنه يضحك و كان لا يصيبه حر و لا برد قالت حليمة ما تمنيت شيئا قط في منزلي إلا أعطيته من الغد و لقد أخذ ذئب عنيزة لي فتداخلني من ذلك حزن شديد فرأيت النبي ص رافعا رأسه إلى السماء فما شعرت إلا و الذئب و العنيزة على ظهره قد ردها علي ما عقر منها شيئا قالت حليمة ما أخرجته قط في شمس إلا و سحابة تظله و لا في مطر إلا و سحابة تكنه من المطر قالت حليمة فما زال من خيمتي نور ممدود بين السماء و الأرض و لقد كان الناس يصيبهم الحر و البرد فما أصابني حر و لا برد منذ كان عندي و لقد هممت يوما أن أغسل رأسه فجئته و قد غسل رأسه و دهن و طيب و ما غسلت له ثوبا قط و كلما هممت بغسل ثوبه سبقت إليه فوجدت عليه ثوبا غيره جديدا قالت ما كنت أخرج لمحمد ثديي إلا و سمعت له نغمة و لا شرب قط إلا و سمعته ينطق بشي‏ء فتعجبت منه حتى إذا نطق و عقد كان يقول بسم الله رب محمد إذا أكل و في آخر ما يفرغ من أكله و شربه يقول الحمد لله رب محمد

 13-  يل، ]الفضائل لابن شاذان[ قال الواقدي فلما أتى على رسول الله ص أربعة أشهر ماتت أمه آمنة رضي الله عنها فبقي ص بلا أب و لا أم و هو من أبناء أربعة أشهر فبقي يتيما في حجر جده عبد المطلب فاشتد عليه موت آمنة ليتم محمد ص و لم يأكل و لم يشرب ثلاثة أيام فبعث عبد المطلب إلى بنتيه عاتكة و صفية و قال لهما خذا محمدا ص و النبي ص لا يزداد إلا بكاء و لا يسكن و كانت عاتكة تلعقه عسلا صافيا مع الثريد و هو لا يزداد إلا تماديا في البكاء. قال الواقدي فضجر عبد المطلب فقال لعاتكة فلعله يقبل ثدي واحدة منهن و يرضعن ولدي و قرة عيني فبعثت عاتكة بالجواري و العبيد نحو نساء بني هاشم و قريش و دعتهن إلى رضاع النبي ص فجئن إلى عاتكة و اجتمعن عندها في أربعمائة و ستين جارية من بنات صناديد قريش فتقدمت كل واحدة منهن و وضعن ثديهن في فم رسول الله ص فما قبل منهن أحدا و بقين متحيرات و كان عبد المطلب جالسا فأمر بإخراجهن و النبي ص لا يزداد إلا بكاء و حزنا فخرج عبد المطلب مهموما و قعد عند ستارة الكعبة و رأسه بين ركبتيه كأنه امرأة ثكلاء و إذا بعقيل بن أبي وقاص و قد أقبل و هو شيخ قريش و أسنهم فلما رأى عبد المطلب مغموما قال له يا أبا الحارث ما لي أراك مغموما قال يا سيد قريش إن نافلتي يبكي و لا يسكن شوقا إلى اللبن من حين ماتت أمه و أنا لا أتهنأ بطعام و لا شراب و عرضت عليه نساء قريش و بني هاشم فلم يقبل ثدي واحدة منهن فتحيرت و انقطعت حيلتي فقال عقيل يا أبا الحارث إني لأعرف في أربعة و أربعين صنديدا من صناديد العرب امرأة عاقلة هي أفصح لسانا و أصبح وجها و أرفع حسبا و نسبا و هي حليمة بنت أبي ذؤيب عبد الله بن الحارث بن سخنة بن ناصر بن سعد بن بكر بن زهر بن منصور بن عكرمة بن قيس بن غيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أكدد بن يشخب بن يعرب بن نبت بن إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن فقال عبد المطلب يا سيد قريش لقد نبهتني لأمر عظيم و فرجت عني ثم دعا عبد المطلب بغلام اسمه شمردل و قال له قم يا غلام و اركب ناقتك و اخرج نحو حي بني سعد بن بكر و ادع لي أبا ذؤيب عبد الله بن الحارث العدوي فذهب الغلام و استوى على ظهر ناقته و كان حي بني سعد من مكة على ثمانية عشر ميلا في طريق جدة قال فذهب الغلام نحو حي بني سعد فلحق بهم و إذا خيمتهم من مسح و خوص و كذلك خيم الأعراب و البوادي فدخل شمردل الحي و سأل عن خيمة عبد الله بن الحارث فأعطوه الأثر فذهب شمردل إلى الخيمة فإذا بخيمة عظيمة و إذا على باب الخيمة غلام أسود فاستأذن شمردل في الدخول فدخل الغلام و قال أنعم صباحا يا أبا ذؤيب قال فحياه عبد الله و قال له ما الخبر يا شمردل فقال اعلم يا سيدي أن مولاي أبا الحارث عبد المطلب قد وجهني نحوك و هو يدعوك فإن رأيت يا سيدي أن تجيبه فافعل قال عبد الله السمع و الطاعة و قام عبد الله من ساعته و دعا بمفتاح الخزانة فأعطي المفتاح ففتح باب الخزانة و أخرج منها جوشنه فأفرغها على نفسه و أخرج بعد ذلك درعا فاضلا فأفرغه على نفسه فوق جوشنه و استخرج بيضة عادية فقلبها على رأسه و تقلد بسيفين و اعتقل رمحا و دعا بنجيب فركبه و جاء نحو عبد المطلب فلما دخل تقدم شمردل و أخبر عبد المطلب

  و كان جالسا مع رؤساء مكة مثل عتبة بن ربيعة و الوليد بن عتبة و عقبة بن أبي معيط و جماعة من قريش فلما رأى عبد المطلب عبد الله قام على قدميه و استقبله و عانقه و صافحه و أقعده إلى جنبه و ألزق ركبتيه بركبتيه و لم يتكلم حتى استراح ثم قال له عبد المطلب يا أبا ذؤيب أ تدري بما دعوتك قال يا سيدي و سيد قريش و رئيس بني هاشم حتى تقول فأسمع منك و أعمل بأحسنه قال اعلم يا أبا ذؤيب أن نافلتي محمد بن عبد الله مات أبوه و لم يبن عليه أثره ثم ماتت أمه و هو ابن أربعة أشهر و هو لا يسكن من البكاء عيمة إلى اللبن و قد أحضرت عنده أربعمائة و ستين جارية من أشرف و أجل بني هاشم فلم يقبل من واحدة منهن لبنا و الآن سمعنا أن لك بنتا ذات لبن فإن رأيت أن تنفذها لترضع ولدي محمدا فإن قبل لبنها فقد جاءتك الدنيا بأسرها و على غناك و غنى أهلك و عشيرتك و إن كان غير ذلك ترى مما رأيت من النساء غيرها فافعل ففرح عبد الله فرحا شديدا ثم قال يا أبا الحارث إن لي بنتين فأيتهما تريد قال عبد المطلب أريد أكملهما عقلا و أكثرهما لبنا و أصونهما عرضا فقال عبد الله هاتيك حليمة لم تكن كأخواتها بل خلقها الله تعالى أكمل عقلا و أتم فهما و أفصح لسانا و أثج لبنا و أصدق لهجة و أرحم قلبا منهن جمع. قال الواقدي فقال عبد المطلب إني و رب السماء ما أريد إلا ذلك فقال عبد الله السمع و الطاعة فقام من ساعته و استوى على متن جواده و أخذ نحو بني سعد بعد أن أضافه فلما أن وصل إلى منزله دخل على ابنته حليمة و قال لها أبشري فقد جاءتك الدنيا بأسرها فقالت حليمة ما الخبر قال عبد الله اعلمي أن عبد المطلب رئيس قريش و سيد بني هاشم سألني إنفاذك إليه لترضعي ولده و تبشري بالعطاء الجزيل ففرحت حليمة بذلك و قامت من وقتها و ساعتها و اغتسلت و تطيبت و تبخرت و فرغت من زينتها فلما ذهب من الليل نصفه قام عبد الله و زين ناقته فركبت عليها حليمة و ركب عبد الله فرسه و كذلك زوجها بكر بن سعد السعدي و خرجوا من دارهم في داج من الليل فلما أصبحوا كانوا على باب مكة و دخلوها و ذهبت إلى دار عاتكة و كانت تلاطف محمدا و تعلقه العسل و الزبد الطري فلما دخلت الدار و سمع عبد المطلب بمجيئها جاء من ساعته و دخل الدار و وقف بين يدي حليمة ففتحت حليمة جيبها و أخرجت ثديها الأيسر و أخذت رسول الله ص فوضعته في حجرها و وضعت ثديها في فمه و النبي ص ترك ثديها الأيسر و اضطرب إلى ثديها الأيمن فأخذت حليمة ثديها الأيمن من يد النبي ص و وضعت ثديها الأيسر في فمه و ذلك أن ثديها الأيمن كان جهاما لم يكن فيه لبن و خافت حليمة أن النبي ص إذا مص الثدي و لم يجد فيه شيئا لا يأخذه بعده الأيسر فيأمر عبد المطلب بإخراجها من الدار فلما ألحت على النبي ص أن يأخذ الأيسر و النبي يميل إلى الأيمن فصاحت عليه و قالت يا ولدي مص الأيمن حتى تعلم أنه جهام يابس لا شي‏ء فيه قال فلما مص النبي الأيمن امتلأ فانفتح باللبن حتى ملأ شدقيه بأمر الله تعالى و ببركته فضجت حليمة و قالت وا عجباه منك يا ولدي و حق رب السماء ربيت بثدي الأيسر اثني عشر ولدا و ما ذاقوا من ثديي الأيمن شيئا و الآن قد انفتح ببركتك و أخبرت بذلك عبد الله فأمرها بكتمان ذلك فقال عبد المطلب تكونين عندي فآمر لك بإفراغ قصر بجنب قصري و أعطيك كل شهر ألف درهم بيض و دست ثياب رومية و كل يوم عشرة أمنان خبز حوارى و لحما مشويا قال فلما سمع أبوها عبد الله ذلك أوحى لها أن لا تقيمي عنده قالت يا أبا الحارث لو جعلت لي مال الدنيا ما أقمت عندك و لا تركت الزوج و الأولاد قال عبد المطلب فإن كان هكذا فأدفع إليك محمدا على شرطين قالت و ما الشرطين قال عبد المطلب أن تحسني إليه و تنوميه إلى جنبك و تدثريه

  بيمينك و توسد به بيسارك و لا تنبذيه وراء ظهرك قالت حليمة و حق رب السماء إني منذ وقع عليه نظري قد ثبت حبه في فؤادي فلك السمع و الطاعة يا أبا الحارث ثم قال و أما الشرط الثاني أن تحمليه إلي في كل جمعة حتى أتمتع برؤيته فإني لا أقدر على مفارقته قالت أفعل ذلك إن شاء الله تعالى فأمر عبد المطلب أن تغسل رأس محمد ص فغسلت رأسه و لففته في خرق السندس ثم إن عبد المطلب دفعه إليها و أخذ أربعة آلاف درهم و قال لها يا حليمة نمضي إلى بيت الله حتى أسلمه إليك فيه فحمله على ساعده و دخل و طاف بالنبي ص سبعا و هو على ساعده ملففا بخرق السندس ثم إنه دفعه إليها و أربعة آلاف درهم بيض و أربعين ثوبا من خواص كسوته و وهب لها أربع جوار رومية و حلل سندس ثم إن عبد الله بن الحارث أتى بالناقة فركبتها حليمة و أخذت رسول الله ص في حجرها و شيعه عبد المطلب إلى خارج مكة ثم أخذت حليمة رسول الله ص إلى جنبها من داخل خمارها فلما بلغت حليمة حي بني سعد كشفت عن وجه رسول الله ص فأبرق من وجناته نور فارتفع في الهواء طولا و عرضا إلى أعنان السماء قال الواقدي فلما رأى الخلق ذلك لم يبق في حي بني سعد صغير و لا كبير و لا شيخ و لا شاب إلا استقبلوا حليمة و هنئوها بما رزقها الله تعالى من الكرامة الكبرى فذهبت حليمة إلى باب خيمتها و بركت الناقة و النبي ص في حجرها فما وضعته عند الصغير إلا حمله الكبير و ما وضعته عند الكبير إلا و أخذه الصغير و ذلك كله لمحبة النبي ص. قال الواقدي فبقي النبي ص عند حليمة ترضعه و كانت تقول يا ولدي و رب السماء إنك لعندي أعز من ولدي ضمرة و قرة عيني أ ترى أعيش حتى أراك كبيرا كما رأيتك صغيرا و كانت تؤثر محمدا على أولادها جدا و لا تفارقه ساعة. قال الواقدي قالت حليمة و الله ما غسلت لمحمد ثوبا من بول و لا غائط بل كان إذا جاء وقت حاجته ينقلب من جنب إلى جنب حتى تعلم حليمة بذلك و تأخذه و تخدمه حتى تقضي حاجته و لا شممت و رب السماء من محمد رائحة النتن قط بل كان إذا خرج من قبله أو دبره شي‏ء يفوح منه رائحة المسك و الكافور قالت حليمة فلما أتى على النبي ص تسعة أشهر ما رأيت ما يخرج من دبره لأن الأرض كانت تبتلع ما يخرج منه فلهذا لم أره. قال الواقدي و لما كملت له عشرة أشهر قامت حليمة يوم الخميس و قعدت على باب الخيمة منتظرة لانتباه النبي ص لتزينه و تحمله إلى عند جده عبد المطلب قال فلم ينتبه النبي ص و أبطأ الخروج من الخيمة إلى حليمة فلم يخرج إلا بعد أربع ساعات فخرج رسول الله مغسول الرأس مسرح الذوائب و قد زوق جبينه و ذقنه و عليه ألوان الثياب من السندس و الإستبرق فتعجبت حليمة من زينة النبي ص و من لباسه مما رأت عليه فقالت يا ولدي من أين لك هذه الثياب الفاخرة و الزينة الكاملة فقال لها محمد ص أما الثياب فمن الجنة و أما الزينة فمن الملائكة قال فتعجبت حليمة من ذلك عجبا شديدا ثم حملته إلى جده في يوم الجمعة فلما نظر إليه عبد المطلب قام إليه و اعتنقه و أخذه إلى حجره فقال له يا ولدي من أين لك هذه الثياب الفاخرة و الزينة الكاملة فقال له النبي ص يا جد استخبر ذلك من حليمة فكلمته حليمة و قالت ليس ذلك من أفعالنا فأمر عبد المطلب حليمة أن تكتم ذلك و أمر لها بألف درهم بيض و عشرة دسوت ثياب و جارية رومية فخرجت حليمة من عنده فرحة مسرورة إلى حيها. قال الواقدي فلما أتى على النبي خمسة عشر شهرا كان إذا نظر إليه الناظر يتوهم أنه من أبناء خمس سنين لإتمام وقارة جسمه و ملاحة بدنه.

  قال الواقدي فلما حملت حليمة النبي ص إلى حيها حين أخذته من عند عبد المطلب و كان لها اثنان و عشرون رأسا من المواشي فوضعت في تلك السنة كل شاة توأما ببركة النبي ص و خرج من عندها و لها ألف و ثلاثون رأسا من الشاغية و الراغية. قال الواقدي و كان لرسول الله ص إخوة من الرضاعة يخرجون بالنهار إلى الرعاية و يعودون بالليل إلى منازلهم فرجعوا ذات ليلة مغمومين فلما دخلوا الدار قالت لهم حليمة ما لي أراكم مغمومين قالوا يا أمنا إن في هذا اليوم جاء ذئب و أخذ شاتين من شياهنا و ذهب بهما فقالت حليمة الخلف و الخير على الله تعالى فسمع النبي قولهم فقال لهم لا عليكم فإني أسترجع الشاتين من الذئب بمشية الله تعالى فقال ضمرة وا عجبا منك يا أخي قد أخذهما بالأمس فكيف تسترجعهما باليوم فقال النبي ص إنه صغير في قدرة الله تعالى فلما أصبحوا قام ضمرة و أخذ رسول الله على كتفه فقال النبي ص مر بي إلى الموضع الذي أخذ الذئب فيه الشاتين قال فذهب برسول الله ص إلى ذلك الموضع فعند ذلك نزل النبي ص عن كتف أخيه ضمرة و سجد سجدة لله تعالى و قال إلهي و سيدي و مولاي تعلم حق حليمة علي و قد تعدى ذئب على مواشيها فأسألك أن تلزم الذئب برد المواشي إلي قال فما استتم دعاءه حتى أوحى الله تعالى إلى الذئب أن يرد المواشي إلى صاحبها. قال الواقدي إن الذئب لما ذهب بالشاتين حين أخذهما نادى مناد يا أيها الذئب احذر الله و بأسه و عقوبته و احفظ الشاتين اللتين أخذتهما حتى تردهما على خير الأنبياء و المرسلين محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ص فلما سمع الذئب النداء تحير و دهش و وكل بهما راعيا يرعاهما إلى الصباح فلما حضر النبي ع و دعا بدعائه قام الذئب و ردهما و قبل قدم النبي ص و قال يا محمد اعذرني فإني لم أعلم أنهما لك فأخذ ضمرة الشاتين و لم ينقص منهما شي‏ء فقال ضمرة يا محمد ما أعجب شأنك و أنفذ أمرك فبلغ ذلك عبد المطلب فأمرهم بكتمانه فكتموه مخافة أن يحسده قريش. قال الواقدي فبقي رسول الله ص سنتين و نظر إلى حليمة و قال لها ما لي لا أرى إخوتي بالنهار و أراهم بالليل فقالت له يا سيدي سألتني عن إخوتك و هم يخرجون في النهار إلى الرعاء فقال لها النبي ص يا أماه أحب أن أخرج معهم إلى الرعاء و أنظر إلى البر و السهل و الجبل و أنظر إلى الإبل كيف تشرب اللبن من أمهاتها و أنظر إلى القطائع و إلى عجائب الله تعالى في أرضه و أعتبر من ذلك و أعرف المنفعة من المضرة فقالت له حليمة أ فتحب يا ولدي ذلك قال نعم فلما أصبحوا اليوم الثاني قامت حليمة فغسلت رأس محمد ص و سرحت شعره و دهنته و مشطته و ألبسته ثيابا فاخرة و جعلت في رجليه نعلين من حذاء مكة و عمدت إلى سلة و جعلت فيها أطعمة جيدة و بعثته مع أولادها و قالت لهم يا أولادي أوصيكم بسيدي محمد ص أن تحفظوه و إذا جاع فأطعموه و إذا عطش فاسقوه فإذا عي فأقعدوه حتى يستريح فخرج النبي ص و على يمينه عبد الله بن الحارث و عن يساره ضمرة و قرة قدامه و النبي ص بينهم كالبدر بين النجوم فما بقي حجر و لا مدر إلا و هم ينادون السلام عليك يا محمد السلام عليك يا أحمد السلام عليك يا حامد السلام عليك يا محمود السلام عليك يا صاحب القول العدل لا إله إلا الله محمد رسول الله طوبى لمن آمن بك و الويل لمن كفر بك و رد عليك حرفا تأتي به من عند ربك و النبي ص يرد عليهم السلام و قد تحير الذين معه مما يرون من العجائب ثم إن النبي ص أصابه حر الشمس فأوحى الله تعالى إلى إستحيائيل أن مد فوق رأس محمد ص سحابة بيضاء فمدها فأرسلت عزاليها كأفواه القرب و رش القطر على السهل و الجبل و لم تقطر على رأس

  محمد ص قطرة و سالت من ذلك المطر الأودية و صار الوحل في الأرض ما خلا طريق محمد ص و كان ينزل من تلك السحابة ريش الزعفران و سنابل المسك و كان في تلك البرية نخلة يابسة عادية قد يبست أغصانها و تناثرت أوراقها منذ سنتين فاستند النبي ص إليها فأورقت و أرطبت و أثمرت و أرسلت ثمارها من ثلاثة أجناس أخضر و أحمر و أصفر و قعد النبي ص هنالك يكلم إخوته و رأى النبي ص روضة خضراء فقال يا إخوتي أريد أن أمر بهذه الروضة و كان وراء الروضة تل كئود و عليه أنواع النباتات فقال يا إخوتي ما ذلك التل فقالوا له يا محمد وراء ذلك التل البراري و المفاوز فقال النبي ص إني قد اشتهيت أن أنظر إليه فقال القوم نحن نمضي معك إليه فقال لهم النبي ص بل اشتغلوا أنتم بأعمالكم و أنا أمضي وحدي و أرجع إليكم سريعا إن شاء الله تعالى فقالوا جميعا مر يا محمد فإن قلوبنا متفكرة بسببك. قال الواقدي ثم إن النبي ص مر في تلك الروضة وحده و نظر إلى تلك البراري و المفاوز و هو يعتبر و يتعجب من الروضة حتى بلغ التل و نظر إلى جبل شاهق في الهواء كالحائط و لا يتهيأ له صعوده لاعتداله و ارتفاعه في الهواء فقال النبي ص في نفسه إني أريد أن أصعد هذا التل فأنظر إلى ما وراءه من العجائب قال الواقدي فأراد النبي ص أن يصعد الجبل فلم يتهيأ له ذلك لاستوائه في الهواء فصاح إستحيائيل في الجبل صيحة أرعشته فاهتز اهتزازا و قال له أيها الجبل ويحك أطع محمدا ص خير المرسلين فإنه يريد أن يصعد عليك ففرح الجبل و تراكم بعضه إلى بعض كما يتراكم الجلد في النار فصعد النبي ص أعلاه و كانت تحت هذا الجبل حيات كثيرة من ألوان شتى و عقارب كالبغال فلما هم النبي ص بالنزول إلى تحت الجبل صاح الملك إستحيائيل صيحة عظيمة و قال أيتها الحيات و العقارب غيبوا أنفسكم في جحوركم و تحت صخوركم لا يراكم سيد الأولين و الآخرين فسارع الحيات و العقارب إلى ما أمرهم إستحيائيل و غيبوا أنفسهم في كل جحر و تحت كل حجر و نزل النبي ص من الجبل فرأى عين ماء بارد أحلى من العسل و ألين من الزبد فقعد النبي ص عند العين فنزل جبرئيل ع في ذلك الموضع و ميكائيل و إسرافيل و دردائيل فقال جبرئيل السلام عليك يا محمد السلام عليك يا أحمد السلام عليك يا حامد السلام عليك يا محمود السلام عليك يا طه السلام عليك يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ السلام عليك يا أيها المليح السلام عليك يا طاب طاب السلام عليك يا سيد يا سيد السلام عليك يا فارقليط السلام عليك يا طس السلام عليك يا طسم السلام عليك يا شمس الدنيا السلام عليك يا قمر الآخرة السلام عليك يا نور الدنيا و الآخرة السلام عليك يا شمس القيامة السلام عليك يا خاتم النبيين السلام عليك يا زهرة الملائكة السلام عليك يا شفيع المذنبين السلام عليك يا صاحب التاج و الهراوة السلام عليك يا صاحب القرآن و الناقة السلام عليك يا صاحب الحج و الزيارة السلام عليك يا صاحب الركن و المقام السلام عليك يا صاحب السيف القاطع السلام عليك يا صاحب الرمح الطاعن السلام عليك يا صاحب السهم النافذ السلام عليك يا صاحب المساعي السلام عليك يا أبا القاسم السلام عليك يا مفتاح الجنة السلام عليك يا مصباح الدين السلام عليك يا صاحب الحوض المورود السلام عليك يا قائد المسلمين السلام عليك يا مبطل عبادة الأوثان السلام عليك يا قائد المرسلين السلام عليك يا مظهر الإسلام السلام عليك يا صاحب قول لا إله إلا الله محمد رسول الله طوبى لمن آمن بك و الويل لمن كفر بك و رد عليك حرفا مما تأتي به من عند ربك و النبي ص يرد عليه السلام فقال لهم من

  أنتم قالوا نحن عباد الله و قعدوا حوله قال فنظر النبي ص إلى جبرائيل ع قال ما اسمك قال عبد الله و نظر إلى إسرافيل و قال له ما اسمك قال اسمي عبد الله و نظر إلى ميكائيل و قال له ما اسمك قال عبد الجبار و نظر إلى دردائيل و قال له ما اسمك قال عبد الرحمن فقال النبي ص كلنا عباد الله و كان مع جبرئيل طست من ياقوت أحمر و مع ميكائيل إبريق من ياقوت أخضر و في الإبريق ماء من الجنة فتقدم جبرئيل ع و وضع فمه على فم محمد ص إلى أن ذهبت ثلاث ساعات من النهار ثم قال يا محمد اعلم و افهم ما بينته لك قال نعم إن شاء الله تعالى و قد ملأ جوفه علما و فهما و حكما و برهانا و زاد الله تعالى في نور وجهه سبعة و سبعين ضعفا فلم يتهيأ لأحد أن يملأ بصره من رسول الله ص فقال له جبرائيل ع لا تخف يا محمد فقال له النبي ص و مثلي من يخاف و عزة ربي و جلاله و جوده و كرمه و ارتفاعه في علو مكانه لو علمت شيئا دون جلال عظمته لقلت لم أعرف ربي قط قال و نزل جبرائيل إلى ميكائيل و قال حق لربنا أن يتخذ مثل هذا حبيبا و يجعله سيد ولد آدم ثم إن جبرائيل ع ألقى رسول الله ص على قفاه و رفع أثوابه فقال له النبي ص ما تريد تصنع يا أخي جبرائيل فقال جبرائيل لا بأس عليك فأخرج جناحه و شق بطن النبي ص و أدخل جناحه في بطنه و خرق قلبه و شق المقلبة و أظهر نكتة سوداء فأخذها جبرائيل ع فغسلها و ميكائيل يصب الماء عليه فنادى مناد من السماء يقول يا جبرائيل لا تقشر قلب محمد ص فتوجعه و لكن اغسله بزغبك و الزغب هو الريش الذي تحت الجناح فأخذ جبرئيل زغبة و غسل بها قلب محمد ص ثم رد المقلبة إلى القلب و القلب إلى الصدر فقال عبد الله بن العباس ذات يوم و النبي ص قد بلغ مبلغ الرجال سألت النبي ص بأي شي‏ء غسل قبلك يا رسول الله و من أي شي‏ء قال غسل من الشك و اليقين لا من الكفر فإني لم أكن كافرا قط لأني كنت مؤمنا بالله من قبل أن أكون في صلب آدم ع فقال له عمر بن الخطاب متى نبئت يا رسول الله قال يا أبا حفص نبئت و آدم بين الروح و الجسد. قال الواقدي فقال إسرافيل لمحمد ص ما اسمك يا فتى فقال النبي ص أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف و لي اسم غير هذا قال إسرافيل صدقت يا محمد و لكني أمرت بأمر فأفعل قال النبي ص افعل ما أمرت به فقام إسرافيل إلى رسول الله ص و حل أزرار قميصه و ألقاه على قفاه و أخرج خاتما كان معه و عليه سطران الأول لا إله إلا الله و الثاني محمد رسول الله و ذلك خاتم النبوة فوضع الخاتم بين كتفي النبي ص فصار الخاتم بين كتفيه كالهلال الطالع بجسمه و استبان السطران بين كتفيه كالشامة يقرؤهما كل عربي كاتب ثم دنا دردائيل و قال يا محمد تنام الساعة فقال له نعم فوضع النبي ص رأسه في حجر دردائيل و غفا غفوة فرأى في المنام كأن شجرة نابتة فوق رأسه و على الشجرة أغصان غلاظ مستويات كلها و على كل غصن من أغصانها غصن و غصنان و ثلاثة و أربعة أغصان و رأى عند ساق الشجرة من الحشيش ما لا يتهيأ وصفه و كانت الشجرة عظيمة غليظة الساق ذاهبة في الهواء ثابتة الأصل باسقة الفرع فنادى مناديا يا محمد أ تدري ما هذه الشجرة فقال

  النبي ص لا يا أخي قال اعلم أن هذه الشجرة أنت و الأغصان أهل بيتك و الذي تحتها محبوك و مواليك فأبشر يا محمد بالنبوة الأثيرة و الرئاسة الخطيرة ثم إن دردائيل أخرج ميزانا عظيما كل كفة منه ما بين السماء و الأرض فأخذ النبي ص و وضعه في كفة و وضع مائة من أصحابه في كفة فرجح بهم النبي ص ثم عمد إلى ألف رجل من خواص أمته فوضعهم في الكفة الثانية فرجح بهم النبي ص ثم عمد إلى أربعة آلاف رجل من أمته فوضعهم في الكفة فرجح بهم النبي ص ثم عمد إلى نصف أمته فرجح بهم النبي ثم عمد إلى أمته كلهم ثم الأنبياء و المرسلين ثم الملائكة كلهم أجمعين ثم الجبال و البحار ثم الرمال ثم الأشجار ثم الأمطار ثم جميع ما خلق الله تعالى فوزن بهم النبي ص فلم يعدلوه و رجح النبي ص بهم فلهذا قال خير الخلق محمد ص لأنه رجح بالخلق أجمعين و هذا كله يراه بين النوم و اليقظة فقال دردائيل يا محمد طوبى لك ثم طوبى لك و لأمتك و حسن مآب و الويل كل الويل لمن كفر بك و رد عليك حرفا مما تأتي به من عند ربك ثم عرج الملائكة إلى السماء. قال الواقدي فلما طال مكث النبي طلبه في تلك المفاوز إخوته أولاد حليمة فلم يجدوه فرجعوا إلى حليمة فأعلموها بقصته فقامت ذاهلة العقل تصيح في حي بني سعد فوقعت الصيحة في حي بني سعد أن محمدا قد افتقد فقامت حليمة و مزقت أثوابها و خدشت وجهها و كشفت شعرها و هي تعدو في البراري و المفاوز و القفار حافية القدم و الشوك يدخل في رجليها و الدم يسيل منهما و هي تنادي وا ولداه وا قرة عيناه وا ثمرة فؤاداه و معها نساء بني سعد يبكين معها مكشفات الشعور مخدشات الوجوه و حليمة تسقط مرة و تقوم أخرى و ما بقي في الحي شيخ و لا شاب و لا حر و لا عبد إلا يعدو في البرية في طلب محمد ص و هم يبكون كلهم بقلب محترق و ركب عبد الله بن الحارث و ركب معه آل بني سعد و حلف إن لا وجدت محمدا ص الساعة وضعت سيفي في آل بني سعد و غطفان و أقتلهم عن آخرهم و أطلب بدم محمد ص و ذهبت حليمة على حالتها مع نساء بني سعد نحو مكة و دخلها و كان عبد المطلب قاعدا عند أستار الكعبة مع رؤساء قريش و بني هاشم فلما نظر إلى حليمة على تلك الحالة ارتعدت فرائصه و صاح و قال ما الخبر فقالت حليمة اعلم أن محمدا قد فقدناه منذ أمس و قد تفرق آل سعد في طلبه قال فغشي عليه ساعة ثم أفاق و قال كلمة لا يخذل قائلها لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم قال يا غلام هات فرسي و سيفي و جوشني فقام عبد المطلب و صعد إلى أعلى الكعبة و نادى يا آل غالب يا آل عدنان يا آل فهر يا آل نزار يا آل كنانة يا آل مضر يا آل مالك فاجتمع عليه بطون العرب و رؤساء بني هاشم و قالوا له ما الخبر يا سيدنا فقال لهم عبد المطلب إن محمدا ص لا يرى منذ أمس فاركبوا و تسلحوا فركب ذلك اليوم مع عبد المطلب عشرة آلاف رجل فبكى الخلق كلهم رحمة لعبد المطلب و قامت الصيحة و البكاء في كل جانب حتى المخدرات خرجن من الستور مرافقة لعبد المطلب مع القوم إلى حي بني سعد و سائر الأطراف و انجذب عبد المطلب نحو حي عبد الله بن الحارث و أصحابه باكين العيون ممزقين الثياب فلما نظر عبد الله إلى عبد المطلب رفع صوته بالبكاء و قال يا أبا الحارث و اللات و العزى و أثاف و نائلة إن لم أجد محمدا

  وضعت سيفي في حي بني سعد و غطفان و أقتلهم عن آخرهم قال فرق قلب عبد المطلب على حي آل سعد و قال ارجعوا أنتم إلى حيكم إن لم أجد محمدا الساعة رجعت إلى مكة و لا أدع فيها يهوديا و لا يهودية و لا أحدا ممن أتهمه بمحمد فأمدهم تحت سيفي مدا طلبا لدم محمد ص قال الواقدي و أقبل من اليمن أبو مسعود الثقفي و ورقة بن نوفل و عقيل بن أبي وقاص و جازوا على الطريق الذي فيه محمد ص و إذا بشجرة نابتة في الوادي فقال ورقة لأبي مسعود إني سلكت هذا الطريق ثلاثين مرة و ما رأيت قط هاهنا هذه الشجرة قال عقيل صدقت فمروا بنا حتى ننظر ما هي قال فذهبوا جميعا و تركوا الطريق الأول فلما قربوا من الشجرة رأوا تحت الشجرة غلاما أمرد ما رأى الراءون مثله كأنه قمر فقال عقيل و ورقة ما هو إلا جني فقال أبو مسعود ما هو إلا من الملائكة و هم يقولون و النبي ص يسمع كلامهم فاستوى قاعدا فرأى القوم وراءه فقال أبو مسعود من أنت يا غلام أ جني أنت أم إنسي فقال النبي ص بل أنا إنسي فقال ما اسمك قال محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف فقال أبو مسعود أنت نافلة عبد المطلب قال نعم قال كيف وقعت هاهنا فقص عليهم القصة من أولها إلى آخرها فنزل أبو مسعود عن ظهر ناقته و قال له أ تريد أن أمر بك إلى جدك فقال النبي ص نعم فأخذه على قربوس سرجه و مروا جميعا حتى بلغوا قريبا من حي بني سعد فنظر النبي ص في البرية فرأى جده عبد المطلب و أصحابه لا يرونه فقالوا يا محمد إنا لا نراه و ذلك أن نظرته نظرة الأنبياء ع فقال لهم مروا حتى أراكم فمروا و إذا عبد المطلب مقبل هو و أصحابه فلما نظر عبد المطلب إلى محمد ص وثب عن فرسه و أخذ رسول الله ص إلى سرجه و قال له أين كنت يا ولدي و قد كنت عزمت أن أقتل أهل مكة جميعا فقص النبي ص القصة على جده من أولها إلى آخرها ففرح عبد المطلب فرحا شديدا و خرج من خيله و رجله و دخل مكة و دفع إلى أبي مسعود خمسين ناقة و إلى ورقة بن نوفل و عقيل ستين ناقة قال و ذهبت حليمة إلى عبد المطلب و قالت له ادفع إلي محمدا ص فقال عبد المطلب يا حليمة إني أحببت أن تكوني معنا بمكة و إلا ما كنت بالذي أسلمه إليك مرة أخرى فوهب لعبد الله بن الحارث أبيها ألف مثقال ذهب أحمر و عشرة آلاف درهم بيض و وهب لبكر بن سعد جملة بغير وزن و وهب لإخوان النبي ص أولاد حليمة و هما ضمرة و قرة أخواه من الرضاعة مائتي ناقة و أذن لهم بالرجوع إلى حيهم. بيان اعتقل رمحه أي جعله بين ركابه و ساقه و العيمة شهوة اللبن و الثج السيلان و الجهام بالفتح السحاب لا ماء فيه و الحوارى بالضم و تشديد الواو و الراء المفتوحة ما حور من الطعام أي بيض و الوحي الإشارة و الكلام الخفي و التزويق التزيين و التحسين و النقش و الثاغية الشاة و الراغية البعير و لعل المقلبة ما في جوف القلب و لم أجده في كتب اللغة و الأثيرة المكرمة المختارة. أقول هذا الخبر و إن لم نعتمد عليه كثيرا لكونه من طرق المخالفين إنما أوردته لما فيه من الغرائب التي لا تأبى عنها العقول و لذكره في مؤلفات أصحابنا

 14-  د، ]العدد القوية[ عن آمنة بنت أبي سعيد السهمي قالت امتنع أبو طالب من إتيان اللات و العزى بعد رجوعه من الشام في المرة الأولى حتى وقع بينه و بين قريش كلام كثير فقال لهم أبو طالب إنه لا يمكنني أن أفارق هذا الغلام و لا مخالفته و إنه يأبى أن يصير إليهما و لا يقدر أن يسمع بذكرهما و يكره أن آتيهما أنا قالوا فلا تدعه و أدبه حتى يفعل و يعتاد عبادتهما فقال أبو طالب هيهات ما أظنكم تجدونه و لا ترونه يفعل هذا أبدا قالوا و لم ذاك قال لأني سمعت بالشام جميع الرهبان يقولون هلاك الأصنام على يد هذا الغلام قالوا فهل رأيت يا أبا طالب منه شيئا غير هذا الذي تحكيه عن الرهبان فإنه غير كائن أبدا أو نهلك جميعا قال نعم نزلنا تحت شجرة يابسة فاخضرت و أثمرت فلما ارتحلنا و سرنا نثرت على رأسه جميع ثمرها و نطقت فما رأيت شجرة قط تنطق قبلها و هي تقول يا أطيب الناس فرعا و أزكاهم عودا امسح بيديك المباركتين علي لأبقى خضراء إلى يوم القيامة قال فمسح يده عليها فازدادت الضعف نورا و خضرة فلما رجعنا للانصراف و مررنا عليها و نزلنا تحتها فإذا كل طير على ظهر الأرض له فيها عش و فرخ و لها بعدد كل صنف من الطير أغصان كأعظم الأشجار على ظهور الأرضين قال فما بقي طير إلا استقبله يمد جناحه على رأسه قال فسمعت صوتا من فوقها و هي تقول ببركتك يا سيد النبيين و المرسلين قد صارت هذه الشجرة لنا مأوى فهذا ما رأيت فضحكت قريش في وجهه و هم يقولون أ ترى يطمع أبو طالب أن يكون ابن أخيه ملك هذا الزمان

 15-  د، ]العدد القوية[ عن أبي جعفر محمد الباقر ع قال لما أتى على رسول الله ص اثنان و عشرون شهرا من يوم ولادته رمدت عيناه فقال عبد المطلب لأبي طالب اذهب بابن أخيك إلى عراف الجحفة و كان بها راهب طبيب في صومعته فحمله غلام له في سفط هندي حتى أتى به الراهب فوضعه تحت الصومعة ثم ناداه أبو طالب يا راهب فأشرف عليه فنظر حول الصومعة إلى نور ساطع و سمع حفيف أجنحة الملائكة فقال له من أنت قال أبو طالب بن عبد المطلب جئتك بابن أخي لتداوي عينه فقال و أين هو قال في السفط قد غطيته من الشمس قال اكشف عنه فكشف عنه فإذا هو بنور ساطع في وجهه قد أذعر الراهب فقال له غطه فغطاه ثم أدخل الراهب رأسه في صومعته فقال أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله حقا حقا و أنك الذي بشر به في التوراة و الإنجيل على لسان موسى و عيسى ع فأشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسوله ثم أخرج رأسه و قال يا بني انطلق به فليس عليه بأس فقال له أبو طالب ويلك يا راهب لقد سمعت منك قولا عظيما فقال يا بني شأن ابن أخيك أعظم مما سمعت مني و أنت معينة على ذلك و مانعة ممن يريد قتله من قريش قال فأتى أبو طالب عبد المطلب فأخبره بذلك فقال له عبد المطلب اسكت يا بني لا يسمع هذا الكلام منك أحد فو الله ما يموت محمد حتى يسود العرب و العجم

 16-  د، ]العدد القوية[ حدث بكر بن عبد الله الأشجعي عن آبائه قالوا خرج سنة خرج رسول الله ص إلى الشام عبد مناف بن كنانة و نوفل بن معاوية بن عروة تجارا إلى الشام فلقاهما أبو المويهب الراهب فقال لهما من أنتما قالا نحن تجار من أهل الحرم من قريش قال لهما من أي قريش فأخبراه فقال لهما هل قدم معكما من قريش غيركما قالا نعم شاب من بني هاشم اسمه محمد فقال أبو المويهب إياه و الله أردت فقالا و الله ما في قريش أخمل ذكرا منه إنما يسمونه يتيم قريش و هو أجير لامرأة منا يقال لها خديجة فما حاجتك إليه فأخذ يحرك رأسه و يقول هو هو فقال لهما تدلاني عليه فقالا تركناه في سوق بصرى فبينما هم في الكلام إذ طلع عليهم رسول الله ص فقال هو هذا فخلا به ساعة يناجيه و يكلمه ثم أخذ يقبل بين عينيه و أخرج شيئا من كمه لا ندري ما هو و رسول الله ص يأبى أن يقبله فلما فارقه قال لنا تسمعان مني هذا و الله نبي هذا الزمان سيخرج إلى قريب يدعو الناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله فإذا رأيتم ذلك فاتبعوه ثم قال هل ولد لعمه أبي طالب ولد يقال له علي فقلنا لا قال إما أن يكون قد ولد أو يولد في سنته و هو أول من يؤمن به نعرفه و إنا لنجد صفته عندنا في الوصية كما نجد صفة محمد بالنبوة و إنه سيد العرب و ربانيها و ذو قرينها يعطي السيف حقه اسمه في الملإ الأعلى علي هو أعلى الخلائق يوم القيامة بعد الأنبياء ذكرا و تسميه الملائكة البطل الأزهر المفلح لا يتوجه إلى وجه إلا أفلح و ظفر و الله لهو أعرف بين أصحابه في السماوات من الشمس الطالعة

 و حدث العباس عن أبي طالب قال أبو طالب يا عباس أ لا أخبرك عن محمد ص بما رأيت منه قلت بلى قال إني ضممته إلي فلم أفارقه في ليل و لا نهار و كنت أنومه في فراشي و آمره أن يخلع ثيابه و ينام معي فرأيت في وجهه الكراهة و كره أن يخالفني فقال يا عماه اصرف وجهك عني حتى أخلع ثيابي و أدخل فراشي قلت له و لم ذلك قال لا ينبغي لأحد من الناس أن ينظر إلى جسدي قال فتعجبت من ذلك و صرفت بصري عنه حتى دخل فراشه فلما دخلت أنا الفراش إذا بيني و بينه ثوب ألين ثوب مسسته قط ثم شممته فإذا كأنه قد غمس في المسك فكنت إذا أصبحت افتقدت الثوب فلم أجده فكان هذا دأبي و دأبه فجهدت و تعمدت أن أنظر إلى جسده فو الله ما رأيت له جسدا و لقد كنت كثيرا ما أسمع إذا ذهب من الليل شي‏ء كلاما يعجبني و كنت ربما آتيته غفلة فأرى من لدن رأسه نورا ممدودا قد بلغ السماء فهذا ما رأيت يا عباس

 قال ليث بن أبي نعيم حدثني أبي عن جدي عن أبي طالب قال كنا لا نسمي على الطعام و لا على الشراب و لا ندري ما هو حتى ضممت محمدا ص إلي فأول ما سمعته يقول بسم الله الأحد ثم يأكل فإذا فرغ من طعامه قال الحمد لله كثيرا فتعجبنا منه و كان يقول ما رأيت جسد محمد قط و كان لا يفارقني الليل و النهار و كان ينام معي في فراشي فأفقده من فراشه فإذا قمت لأطلبه بادرني من فراشه فيقول ها أنا يا عم ارجع إلى مكانك و لقد رأيت ذئبا يوما قد جاءه و شمه و بصبص حوله ثم ربض بين يديه ثم انصرف عنه و لقد دخل ليلا البيت فأضاء ما حوله و لم أر منه نجوا قط و لا رأيته يضحك في غير موضع الضحك و لا وقف مع صبيان في لعب و لا التفت إليهم و كان الوحدة أحب إليه و التواضع و لقد كنت أرى أحيانا رجلا أحسن الناس وجها يجي‏ء حتى يمسح على رأسه و يدعو له ثم يغيب و لقد رأيت رؤيا في أمره ما رأيتها قط رأيته و كان الدنيا قد سيقت إليه و جميع الناس يذكرونه و رأيته و قد رفع فوق الناس كلهم و هو يدخل في السماء و لقد غاب عني يوما فذهبت في طلبه فإذا أنا به يجي‏ء و معه رجل لم أر مثله قط فقلت له يا بني أ ليس قد نهيتك أن تفارقني فقال الرجل إذا فارقك كنت أنا معه أحفظه فلم أر منه في كل يوم إلا ما أحب حتى شب و خرج يدعو إلى الدين

 17-  سر، ]السرائر[ من جامع البزنطي عن زرارة قال سمعت أبا جعفر و أبا عبد الله ع يقولان حج رسول الله ص عشرين حجة مستسرا منها عشرة حجج أو قال سبعة الوهم من الراوي قبل النبوة و قد كان صلى قبل ذلك و هو ابن أربع سنين و هو مع أبي طالب في أرض بصرى و هو موضع كانت قريش تتجر إليه من مكة

 18-  نهج، ]نهج البلاغة[ في وصف الرسول ص و لقد قرن الله به من لدن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم و محاسن أخلاق العالم ليله و نهاره و لقد كنت معه أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه يرفع لي في كل يوم علما من أخلاقه و يأمرني بالاقتداء به و لقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه و لا يراه غيري و لم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله و خديجة و أنا ثالثهما أرى نور الوحي و الرسالة و أشم ريح النبوة

 أقول قال عبد الحميد بن أبي الحديد روي أن بعض أصحاب أبي جعفر محمد بن علي الباقر ع سأله عن قول الله تعالى إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَداً فقال ع يوكل الله تعالى بأنبيائه ملائكة يحصون أعمالهم و يؤدون إليهم تبليغهم الرسالة و وكل بمحمد ملكا عظيما منذ فصل عن الرضاع يرشده إلى الخيرات و مكارم الأخلاق و يصده عن الشر و مساوي الأخلاق و هو الذي كان يناديه السلام عليك يا محمد يا رسول الله و هو شاب لم يبلغ درجة الرسالة بعد فيظن أن ذلك من الحجر و الأرض فيتأمل فلا يرى شيئا

 و روى الطبري في التاريخ عن محمد بن الحنفية عن أبيه علي ع قال سمعت رسول الله ص يقول ما هممت بشي‏ء مما كان أهل الجاهلية يعملون به غير مرتين كل ذلك يحول الله بيني و بين ما أريد من ذلك ثم ما هممت بسوء حتى أكرمني الله برسالته قلت ليلة لغلام من قريش كان يرعى معي بأعلى مكة لو أبصرت لي غنمي حتى أدخل مكة فأسمر بها كما يسمر الشباب فخرجت أريد ذلك حتى إذا جئت أول دار من دور مكة سمعت عزفا بالدف و المزامير فقلت ما هذا قالوا هذا فلان تزوج ابنة فلان فجلست أنظر إليهم فضرب الله على أذني فكنت فما أيقظني إلا مس الشمس فجئت إلى صاحبي فقال ما فعلت فقلت ما صنعت شيئا ثم أخبرته الخبر ثم قلت له ليلة أخرى مثل ذلك فقال افعل فخرجت فسمعت حين دخلت مكة مثل ما سمعت حين دخلتها تلك الليلة فجلست أنظر فضرب الله على أذني فما أيقظني إلا مس الشمس فرجعت إلى صاحبي فأخبرته الخبر ثم ما هممت بعدها بسوء حتى أكرمني الله برسالته

 و روى محمد بن حبيب في أماليه قال قال رسول الله ص أذكر و أنا غلام ابن سبع سنين و قد بنى ابن جذعان دارا له بمكة فجئت مع الغلمان نأخذ التراب و المدر في حجورنا فننقله فملأت حجري ترابا فانكشفت عورتي فسمعت نداء من فوق رأسي يا محمد أرخ إزارك فجعلت أرفع رأسي فلا أرى شيئا إلا أني أسمع الصوت فتماسكت لم أرخه فكأن إنسانا ضربني على ظهري فخررت لوجهي و انحل إزاري و سقط التراب إلى الأرض فقمت إلى دار أبي طالب عمي و لم أعد

 فأما حديث مجاورته ص بحراء فمشهور و قد ورد في الكتب الصحاح أنه كان يجاور في حراء من كل سنة شهرا و كان يطعم في ذلك الشهر من جاءه من المساكين فإذا قضى جواره من حراء كان أول ما يبدأ به إذا انصرف أن يأتي باب الكعبة قبل أن يدخل بيته فيطوف بها سبعا أو ما شاء الله من ذلك ثم يرجع إلى بيته حتى جاءت السنة التي أكرمه الله تعالى فيها بالرسالة فجاور في حراء في شهر رمضان و معه أهله خديجة و علي بن أبي طالب و خادم لهم فجاءه جبرئيل بالرسالة

 قال ص جاءني و أنا نائم بنمط فيه كتاب فقال اقرأ قلت ما أقرأ ففتني حتى ظننت أنه الموت ثم أرسلني فقال اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ إلى قوله عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ فقرأته ثم انصرف عني فهببت من نومي و كأنما كتب في قلبي كتاب و ذكر تمام الحديث

و أما حديث أن الإسلام لم يجتمع عليه بيت واحد يومئذ إلا النبي و هو عليهما السلام و خديجة فخبر عفيف الكندي مشهور و قد ذكرناه من قبل و أن أبا طالب قال له أ تدري من هذا قال لا قال هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب و هذا ابني علي بن أبي طالب و هذه المرأة خلفهما خديجة بنت خويلد زوجة محمد ابن أخي و ايم الله ما أعلم على الأرض كلها أحدا على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة و قال أيضا روى محمد بن إسحاق بن يسار في كتاب السيرة النبوية و رواه أيضا محمد بن جرير الطبري في تاريخه قال كانت حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية أم رسول الله ص أرضعته تحدث أنها خرجت من بلدها و معها زوجها و ابن لها ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر يلتمس الرضعاء بمكة في سنة شهباء لم تبق شيئا قالت فخرجت على أتان لنا قمراء عجفاء و معنا شارف لنا ما تبض بقطرة و لا ننام ليلنا أجمع من بكاء صبينا الذي معنا من الجوع ما في ثديي ما يغنيه و لا في شارفنا ما يغذيه و لكنا نرجو الغيث و الفرج فخرجت على أتاني تلك و لقد راثت بالركب ضعفا و عجفا حتى شق ذلك عليهم حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء فما منا امرأة إلا و قد عرض عليها محمد فتأباه إذا قيل لها إنه يتيم و ذلك أنا إنما كنا نرجو المعروف من أبي الصبي فكنا نقول يتيم ما عسى أن تصنع أمه و جده فكنا نكرهه لذلك فما بقيت امرأة ذهبت معي إلا أخذت رضيعا غيري فلما اجتمعنا للانطلاق قلت لصاحبي و الله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي لم آخذ رضيعا و الله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فآخذنه قال لا عليك أن تفعلي و عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة فذهبت إليه فأخذته و ما يحملني على أخذه إلا أني لم أجد غيره قالت فلما أخذته رجعت إلى رحلي فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن فرضع حتى روي و شرب معه أخوه حتى روي و ما كنا ننام قبل ذلك من بكاء صبينا جوعا فنام و قام زوجي إلى شارفنا تلك فنظر إليها فإذا أنها حافل فحلب منها ما شرب و شربت حتى انتهينا ريا و شعبا فبتنا بخير ليلة قالت يقول صاحبي حين أصبحنا تعلمين و الله يا حليمة لقد أخذت نسمة مباركة فقلت و الله إني لأرجو ذلك ثم خرجنا و ركبت أتاني تلك و حملته معي عليها فو الله لقطعت بالركب ما يقدر عليها شي‏ء من حميرهم حتى أن صواحبي ليقلن لي

  ويحك يا بنت أبي ذؤيب اربعي علينا أ ليس هذه أتانك التي كنت خرجت عليها فأقول لهن بلى و الله إنها لهي فيقلن و الله إن لها لشأنا قالت ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد و ما أعلم أرضا من أرض العرب أجدب منها فكانت غنمي تروح علي حين قدمنا به معنا شباعا ملاء لبنا فكنا نحتلب و نشرب و ما يحلب إنسان قطرة لبن و لا يجدها في ضرع حتى أن الحاضر من قومنا ليقولون لرعاتهم ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعي ابنة أبي ذؤيب فيفعلون فيروح أغنامهم جياعا ما تبض بقطرة و تروح غنمي شباعا لبنا فلم نزل نعرف من الله الزيادة و الخير به حتى مضت سنتاه و فصلته فكان يشب شبابا لا يشبه الغلمان حتى كان غلاما جفرا فقدمنا به على أمه آمنة بنت وهب و نحن أحرص شي‏ء على مكثه فينا لما كنا نرى من بركته فكلمنا أمه و قلنا لها لو تركتيه عندنا حتى يغلظ فإنا نخشى عليه وباء مكة فلم نزل بها حتى ردته معنا فرجعنا به إلى بلاد بني سعد فو الله إنه لبعد ما قدمنا بأشهر مع أخيه في بهم لنا خلف بيوتنا إذ أتانا أخوه يشد فقال لي و لأبيه ها هو ذاك أخي القرشي قد جاءه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه و شقا بطنه فهما يسوطانه قالت فخرجت أنا و أبوه نشتد نحوه فوجدناه قائما منتقعا وجهه فالتزمته و التزمه أبوه و قلنا ما لك يا بني قال جاءني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني ثم شقا بطني فالتمسا فيه شيئا لا أدري ما هو قالت فرجعنا به إلى خبائنا و قال لي أبوه يا حليمة لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أصيب فألحقيه بأهله قالت فاحتملته حتى قدمت به على أمه فقالت ما أقدمك به يا ظئر و قد كنت حريصة عليه و على مكثه عندك فقلت لها قد بلغ الله بابني و قضيت الذي علي و تخوفت عليه الأحداث و أديته إليك كما تحبين قالت ما هذا شأنك فاصدقيني خبرك قالت فلم تدعني حتى أخبرتها الخبر قالت أ فتخوفت عليه الشيطان قلت نعم قالت كلا و الله ما للشيطان عليه من سبيل و إن لابني لشأنا أ فلا أخبرك خبره قلت بلى قالت رأيته حين حملت به أنه خرج مني نور أضاءت له قصور بصرى من الشام ثم حملت به فو الله ما رأيت حملا قط كان أخف و لا أيسر منه ثم وقع حين ولدته و إنه واضع يديه بالأرض و رافع رأسه إلى السماء دعيه عنك و انطلقي راشدة.

 و روى الطبري في تاريخه عن شداد بن أوس قال سمعت رسول الله ص يحدث عن نفسه و يذكر ما جرى له و هو طفل في أرض بني سعد بن بكر قال لما ولدت استرضعت في بني سعد فبينا أنا ذات يوم منتبذا من أهلي في بطن واد مع أتراب لي من الصبيان نتقاذف بالجلة إذ أتاني رهط ثلاثة معهم طست من ذهب مملوة ثلجا فأخذوني من بين أصحابي فخرج أصحابي هرابا حتى انتهوا إلى شفير الوادي ثم عادوا إلى الرهط فقالوا ما رابكم إلى هذا الغلام فإنه ليس منا هذا ابن سيد قريش و هو مسترضع فينا غلام يتيم ليس له أب فما ذا يرد عليكم قتله و ما ذا تصيبون من ذلك و لكن إن كنتم لا بد قاتليه فاختاروا منا أينا شئتم فاقتلوه مكانه و دعوا هذا الغلام فإنه يتيم فلما رأى الصبيان أن القوم لا يحيرون لهم جوابا انطلقوا هرابا مسرعين إلى الحي يؤذنوهم و يستصرخونهم على القوم فعمد أحدهم فأضجعني إضجاعا لطيفا ثم شق ما بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي و أنا أنظر إليه فلم أجد لذلك مسا ثم أخرج أحشاء بطني فغسلها بذلك الثلج فأنعم غسلها ثم أعادها مكانها ثم قام الثاني منهم فقال لصاحبه تنح فنحاه عني ثم أدخل يده في جوفي و أخرج قلبي و أنا أنظر إليه فصدعه ثم أخرج منه مضغة سوداء فرماها ثم قال بيده يمنة منه و كأنه يتناول شيئا فإذا في يده خاتم من نور تحار أبصار الناظرين دونه فختم به قلبي ثم أعاده مكانه فوجدت برد ذلك الخاتم في قلبي دهرا ثم قال الثالث لصاحبه تنح عنه فأمر يده ما بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي فالتأم ذلك الشق ثم أخذ بيدي فأنهضني من مكاني إنهاضا لطيفا و قال للأول الذي شق بطني زنه بعشرة من أمته فوزنني بهم فرجحتهم فقال دعوه فلو وزنتموه بأمته كلها لرجحهم ثم ضموني إلى صدورهم و قبلوا رأسي و ما بين عيني و قالوا يا حبيب لا ترع إنك لو تدري ما يراد بك من الخير لقرت عيناك فبينا أنا كذلك إذا أنا بالحي قد جاءوا بحذافيرهم و إذا أمي و هي ظئري أمام الحي تهتف بأعلى صوتها و تقول يا ضعيفاه فانكب علي أولئك الرهط فقبلوا رأسي و بين عيني و قالوا حبذا أنت من ضعيف ثم قالت ظئري يا وحيداه فانكبوا علي و ضموني إلى صدورهم و قبلوا رأسي و بين عيني ثم قالوا حبذا أنت من وحيد و ما أنت بوحيد إن الله و ملائكته معك و المؤمنين من أهل الأرض ثم قالت ظئري يا يتيماه استضعفت من بين أصحابك فقتلت لضعفك فانكبوا علي و ضموني إلى صدورهم و قبلوا رأسي و ما بين عيني و قالوا حبذا أنت من يتيم ما أكرمك على الله لو تعلم ما يراد بك من الخير قال فوصل الحي إلى شفير الوادي فلما بصرت بي أمي و هي ظئري قالت يا بني لا أراك حيا بعد فجاءت حتى انكبت علي و ضمتني إلى صدرها فو الذي نفسي بيده إني لفي حجرها قد ضمتني إليها و إن يدي لفي يد بعضهم فجعلت ألتفت إليهم و ظننت أن القوم يبصرونهم فإذا هم لا يبصرونهم فيقول بعض القوم إن هذا الغلام قد أصابه لمم أو طائف من الجن فانطلقوا به إلى كاهن بني فلان حتى ينظر إليه و يداويه فقلت ما بي شي‏ء مما يذكر إن نفسي سليمة و إن فؤادي صحيح ليست بي قلبة فقال أبي و هو زوج ظئري أ لا ترون كلامه صحيحا إني لأرجو أن لا يكون على ابني بأس فاتفقوا على أن يذهبوا بي إلى الكاهن فاحتملوني حتى ذهبوا بي إليه فقصوا عليه قصتي فقال اسكتوا حتى أسمع من الغلام فهو أعلم بأمره منكم فسألني فقصصت عليه أمري و أنا يومئذ ابن خمس سنين فلما سمع قولي وثب و قال يا للعرب اقتلوا هذا الغلام فهو و اللات و العزى لئن عاش ليبدلن دينكم و ليخالفن أمركم و ليأتينكم بما لم تسمعوا به قط فانتزعتني ظئري من حجره و قالت لو علمت أن هذا يكون من قولك ما أتيتك به ثم احتملوني فأصبحت و قد صار في جسدي أثر الشق ما بين صدري إلى منتهى عانتي كأنه الشراك

بيان أقول رواه الكازروني في المنتقى بأسانيد و لنشرح بعض ألفاظها الرضعاء جمع رضيع و قال الجزري في حديث حليمة في سنة شهباء أي ذات قحط و جدب و قال القمراء الشديدة البياض قولها راثت من الريث بمعنى الإبطاء و في أكثر رواياتهم و لقد أذمت قال الجزري و منه حديث حليمة فلقد أذمت بالركب أي حبستهم لانقطاع سيرها كأنها حملت الناس على ذمها انتهى و العجف الهزال حتى انتهينا ريا أي بلغنا غايته لقطعت بالركب أي من سرعة سيرها و شدة تقدمها انقطع الركب عنها و اربعي أي ارفقي بنا و انتظري بنا و اللبن بمعنى اللبون. و قال الجزري في حديث حليمة كان يشب في اليوم شباب الصبي في الشهر فبلغ ستا و هو جفر استجفر الصبي إذا قوي على الأكل و أصله في أولاد المعز إذا بلغ أربعة أشهر و فصل عن أمه و أخذ في الرعي قيل له جفر و الأنثى جفرة انتهى. و البهم جمع بهمة و هي أولاد الضأنو السوط خلط الشي‏ء بعضه ببعض و المسواط ما يساط به القدر ليختلط بعضه ببعض قوله منتقعا أي متغيرا و الجلة بالفتح البعر قوله ما رابكم أي ما شككم و معناه هاهنا ما دعاكم إلى أخذ هذا قوله ما ذا يرد عليكم أي ما ينفعكم ذلك قوله فأنعم غسلها أي بالغ فيه قوله ثم قال بيده يمنة أي إشارة بيده أو مدها إلى جانب يمينه و القلبة الداء

 19-  د، ]العدد القوية[ كتاب التذكرة ولد ص مختونا مسرورا فأعجب جده عبد المطلب و قال ليكونن لابني هذا شأن فكان له أعظم شأن و أرفعه أمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهير بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب شهد الفجار و هي حرب كانت بين قريش و قيس و هو ابن عشرين سنة و بنيت الكعبة بعد الفجار بخمس عشرة سنة فرضيت به قريش في نصب الحجر الأسود و كان طول الكعبة قبل ذلك تسعة أذرع و لم تكن تسقف فبنتها قريش ثمانية عشر ذراعا و سقفتها و كان يدعى في قريش بالصادق الأمين و خرج مع عمه أبي طالب في تجارة إلى الشام و له تسع سنين و قيل اثنتا عشرة سنة و نظر إليه بحيرا الراهب فقال احفظوا به فإنه نبي و خرج إلى الشام في تجارة لخديجة بنت خويلد و له خمس و عشرون سنة و تزوجها بعد ذلك بشهرين و أيام و دفعه جده عبد المطلب إلى الحارث بن عبد العزى بن رفاعة السعدي زوج حليمة التي أرضعته و هي بنت أبي ذؤيب عبد الله بن الحارث و أخته أسماء و هي التي كانت تحضنه و سبيت يوم حنين و مات عبد المطلب و له ثمان سنين و أوصى به إلى أبي طالب و دخل الشعب مع بني هاشم بعد خمس سنين من مبعثه و قيل بعد سبع لما حصرتهم قريش و خرج منه سنة تسع من مبعثه ثم رجع إلى مكة في جوار مطعم بن عدي ثم كانت بيعة العقبة مع الأنصار ثم كان من حديثها أنه خرج في موسم من المواسم يعرض نفسه و يدعو الناس إلى الإسلام فلقي ستة نفر من الأنصار و هم أبو أمامة أسعد بن زرارة و عقبة بن عامر بن ناي و قطنة بن عامر و عون بن الحارث و رافع بن مالك و جابر بن عبد الله ثم كانت بيعة العقبة الأولى بايعه اثنا عشر رجلا منهم ثم بيعة العقبة الثانية و كانوا سبعين رجلا و امرأتين و اختار ص منهم اثني عشر نقيبا ليكونوا كفلاء قومه جابر بن عبد الله و البراء بن معرور و عبادة بن الصامت و عبد الله بن عمرو بن حزام و أبو ساعدة سعد بن عبادة و المنذر بن عمرو و عبد الله بن رواحة و سعد بن الربيع و رافع بن مالك العجلان و أبو عبد الأشهل أسيد بن حضير و أبو الهيثم بن التيهان حليف بني عمرو بن عوف و سعد بن خثيمة فكانوا تسعة من الخزرج و ثلاثة من الأوس و أول من بايع منهم البراء بن معرور ثم تبايع الناس ثم هاجر إلى المدينة و معه أبو بكر و عامر بن فهر مولى أبي بكر و عبد الله بن أريقط و خلف علي بن أبي طالب آخر ليلة من صفر و أقام في الغار ثلاثة أيام و دخوله إلى المدينة يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول فنزل بقباء في بني عمرو بن عوف على كلثوم بن الهرم فأقام إلى يوم الجمعة و دخل المدينة فجمع في بني سالم فكانت أول جمعة جمعها ص في الإسلام و يقال إنهم كانوا مائة رجل و يقال بل كانوا أربعين ثم نزل على أبي أيوب الأنصاري فأقام عنده سبعة أيام ثم بنى المسجد فكان يبنيه بنفسه و يبني معه المهاجرون و الأنصار ثم بنى البيوت و كان يصلي حين قدم المدينة ركعتين ركعتين فأمر بإتمام أربع للمقيم و ذلك في يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الثاني بعد مقدمه بشهر

 20-  أقول قال أبو الحسن البكري في كتاب الأنوار حدثنا أشياخنا و أسلافنا الرواة لهذه الأحاديث أنه كان من عادة أهل مكة إذا تم للمولود سبعة أيام التمسوا له مرضعة ترضعه فذكر الناس لعبد المطلب انظر لابنك مرضعة ترضعه فتطاولت النساء لرضاعته و تربيته و كانت آمنة يوما نائمة إلى جانب ولدها فهتف بها هاتف يا آمنة إن أردت مرضعة لابنك ففي نساء بني سعد امرأة تسمى حليمة بنت أبي ذؤيب فتطاولت آمنة إلى ذلك و كان كلما أتتها من النساء تسألهن عن أسمائهن فلم تسمع بذكر حليمة بنت أبي ذؤيب و كان سبب تحريك حليمة لرضاعة رسول الله ص أن البلاد التي تلي مكة أصابها قحط و جدب إلا مكة فإنها كانت مخصبة زاهرة ببركة رسول الله ص و كانت العرب تدخل و تنزل بنواحيها من كل مكان فخرجت حليمة مع نساء من بني سعد قالت حليمة كنا نبقى اليوم و اليومين لانقتات فيه بشي‏ء و كنا قد شاركنا المواشي في مراعيها فكنتذات ليلة بين النوم و اليقظة و إذا قد أتاني آت و رماني في نهر ماء أبيض من اللبن و أحلى من العسل و قال لي اشربي فشربت ثم ردني إلى مكاني و قال لي يا حليمة عليك ببطحاء مكة فإن لك بها رزقا واسعا و سوف تسعدين ببركة مولود ولد بها و ضرب بيده على صدري و قال أدر الله لك اللبن و جنبك المحق و المحن قالت حليمة فانتبهت و أنا لا أطيق حمل ثديي من كثرة اللبن و اكتسيت حسنا و جمالا و أصبحت بحالة غير الحالة الأولى ففزعت إلي نساء قومي و قلن يا حليمة قد عجبنا من حالك فما الذي حل بك و من أين لك هذا الحسن و الجمال الذي ظهر فيك قالت فكتمت أمري عليهن فتركنني و هن أحسد الناس لي ثم بعد يومين هتف بي هاتف فسمعه بنو سعد عن آخرهم و هو يقول يا نساء بني سعد نزلت عليكم البركات و زالت عنكم الترحات برضاعة مولود ولد بمكة فضله الواحد الأحد فهنيئا لمن له قصد فلما سمعوا ما قاله الهاتف قالوا إن لهذا المولود شأنا عظيما فرحل بنو سعد عن آخرهم إلى مكة قالت حليمة و لم يبق أحد إلا و قد خرج إلى مكة قالت و كنا أهل بيت فقر و لم يك عندنا شي‏ء نحمل عليه و قد ماتت مواشينا من القحط و كانت حليمة من أطهر نساء قومها و أعفهن و لذلك ارتضاها الله تعالى لترضع رسول الله ص و كانت النساء إذا دخلن على آمنة تسألهن عن أسمائهن فإذا لم تسمع بذكر حليمة تقول ولدي يتيم لا أب له و لا مال فيذهبن عنها فأقبلت حليمة مع بعلها و دخلت مكة و خلفت بعلها خارج البلد و قالت له مكانك حتى أدخل مكة و أسأل عن هذا المولود الذي بشرنا به فلما دخلت حليمة مكة أرشدها

  الله تعالى إلى أن دخلت على عبد المطلب و هو جالس بالصفا و كان له سرير منصوب عند الكعبة يجلس عليه للقضاء بين الناس فلما أتته قالت له نعمت صباحا أيها السيد فقال لها من أين أنت أيتها المرأة قالت من بني سعد أتينا نطلب رضيعا نتعيش من أجرته و قد أرشدت إليك فقال نعم عندي ولد لم تلد النساء مثله أبدا غير أنه يتيم من أبيه و أنا جده أقوم مقام أبيه فإن أردت أن ترضعيه دفعته إليك و أعطيتك كفايتك فلما سمعت ذلك أمسكت عن الكلام ثم قالت يا سيد بني عبد مناف لي بعل بظهر مكة و هو مالك أمري و أنا أرجع إليه أشاوره في ذلك فإن أمرني بأخذه رجعت إليه و أخذته فقال لها عبد المطلب شأنك فوصلت إلى بعلها و قالت له إني وردت على عبد المطلب فقال عندي مولود أبوه ميت و أنا أقوم مقامه فما تقول قال يرجعن نساء بني سعد بالإحسان و الإكرام و ترجعين أنت بصبي يتيم و كانت جملة نساء بني سعد قد دخلن مكة فمنهن من حصل لها رضيع و منهن من لم يحصل لها شي‏ء فقالت حليمة ترجع نساء بني سعد بالغنائم و أرجع أنا خائبة و أسبلت عبرتها فقال بعلها ارجعي إلى هذا الطفل اليتيم و خذيه فعسى أن يجعل الله فيه خيرا كثيرا فإن جده مشكور بالإحسان فرجعت حليمة فوجدته في مكانه الأول فذكرت له قول زوجها فقام عبد المطلب و مضى بها إلى منزل آمنة و أخبرها بذلك و أعلمها باسمها و قومها فقالت هذه التي أمرت أن أدفع إليها ولدي فقالت لها آمنة أبشري يا حليمة بولدي هذا فو الله ما أخصبت بلادنا إلا ببركة ولدي هذا ثم أدخلتها آمنة البيت الذي فيه المصطفى ص فقالت حليمة أ توقدين يا آمنة مع ولدك المصباح في النهار قالت لا فو الله من حيث ولد ما أوقدت عنده النار بل هو يغنيني عن المصباح فنظرت حليمة إلى رسول الله ص و هو ملفوف في ثوب من صوف أبيض يفوح منه رائحة المسك و العنبر فوقعت في قلبها محبة محمد ص و فرحت و سرت به سرورا عظيما و كان نائما فأشفقت عليه أن توقظه من نومه فأمسكت عنه ساعة فخشيت أن تبطئ على بعلها فمدت يدها إليه لتوقظه ففتح عينيه و جعل يهش لها و يضحك في وجهها فخرج من فمه نور فتعجبت حليمة من ذلك ثم ناولته ثديها اليمنى فرضع فناولته الأخرى فلم يرضع و كان ذلك إلهاما من الله عز و جل ألهمه العدل و الإنصاف من صغره إذ كان لها ابن ترضعه و كان لا يرضع حتى يرضع أخوه ضمرة فرجعت حليمة بمحمد ص فقال لها عبد المطلب مهلا يا حليمة حتى نزودك قالت حسبي من الزاد هذا المولود و هو أحب إلي من الذهب و الفضة و من جميع الأطعمة و أعطاها من المال و الزاد و الكسوة فوق الطاقة و الكفاية و أعطتها آمنة كذلك فأخذت عند ذلك آمنة ولدها و قبلته و بكت لفراقه فربط الله على قلبها فدفعته إلى حليمة و قالت يا حليمة احفظي نور عيني و ثمرة فؤادي ثم خرجت حليمة من بيت آمنة و شيعها عبد المطلب قالت حليمة و الله ما مررت بحجر و لا مدر إلا و يهنئوني بما وصل إلي فلما أقبلت على بعلها نظر إلى النور يشرق في غرته فتعجب من ذلك و ألقى الله في قلبه الرحمة له فقال لها يا حليمة قد فضلنا الله بهذا المولود على سائر العالم فلا شك أنه من أبناء الملوك فلما ارتحلت القافلة ركبت حليمة على أتان و جعلت تقول لزوجها لقد سعدنا بهذا المولود سعادة الدنيا و الآخرة. و سمعت آمنة هاتفا يقول.

قفي ساعة حتى نشاهد حسنه. قليلا و نمسي في وصال و في قرب.فأين ذهاب الركب عن ساكن الحمى. و أين رواح الصب عن ساكن الشعب.إذا جئت واديه و جئت خيامه. و عاينت بدر الحسن في طيبه قف بي.و طف بالمطايا حول حجره حسنة. و عند طواف العيس يا صاحبي طف بي.

 فعند مليح اللون مهجتي التي. براها الأسى وجدا كما عنده قلبي.قفي يا حليمة ساعة فلعلني. أناشده إذ كان ذا شخصه قربي.إذا طفت يا عيني اليمين تقربا. إلى الله يوم الحج يا مهجتي طف بي.طواف شجي القلب لا شي‏ء مثله. فإن دموعي جاريات من السحب.ألا أيها الركب الميمم قاصدا. إلى ساكن الأحباب هل عندكم حبي

 قالت حليمة فصارت الأتان تمر كالريح العاصف فبينا نحن سائرون إذ مررنا على أربعين راهبا من نصارى نجران و إذا بواحد يصف لهم النبي ص و يقول إنه يظهر في هذا الزمان أو قد ظهر بمكة مولود من صفاته كذا و كذا يكون على يده خراب دياركم و قطع آثاركم و إذا إبليس قد تصور لهم في صورة إنسان و قال لهم الذي تذكرونه مع هذه المرأة التي مرت بكم قالت حليمة فقاموا إليه و نظروا و إذا النور يخرج من وجهه ثم زعق بهم الشيطان و قال لهم اقتلوه فشهروا سيوفهم و قصدوني فرفع ولدي محمد رأسه إلى السماء شاخصا فإذا هم بداهية عظيمة كالرعد العاصف نزلت إلى الأرض و فتحت أبواب السماء و نزلت منها نيران و إذا بهاتف يقول خاب سعي الكهان قالت حليمة فعاينت نارا قد نزلت فخفت على ولدي منها فنزلت على واديهم فأحرقته و من فيه عن آخرهم فخفت و كدت أن أسقط عن الأتان و كان ذلك أول ما ظهر من فضائله ص. قال صاحب الحديث إن أول ليلة نزل رسول الله ص بحي بني سعد اخضرت أرضهم و أثمرت أشجارهم و كانوا في قحط عظيم و كانوا يحبونه لذلك محبة عظيمة و كان إذا مرض منهم مريض يأتون به إليه فيشفى و كثرت معجزاته فكان بنو سعيد يقولون يا حليمة لقد أسعدنا الله بولدك هذا قالت و الله ما غسلت له ثوبا قط من نجاسة و كان له وقت يتوضأ فيه و لا يعود إلا إلى الغداة و كنت أسمع منه الحكمة فلما كبر و ترعرع كان يقول الحمد لله الذي أخرجني من أفضل نبات من الشجرة التي خلق منها الأنبياء و كنت أتعجب منه و من كلامه و كان يصبح صغيرا و يمسي كبيرا و يزيد في اليوم مثل ما يزيد غيره في الشهر و يزيد في الشهر مثل ما يزيد غيره في السنة حتى كبر و نشأ و لم يكن في زمانه أحسن منه خلقا و لا أيسر منه مئونة و لقد كنا نجعل القليل من الطعام قدامنا و نجتمع عليه و نأخذ يده و نضعها فيه فنأكل و يبقى أكثر الطعام فلما صار ابن سبع سنين قال لأمه حليمة يا أمي أين إخوتي قالت يا بني إنهم يرعون الغنم التي رزقنا الله إياها ببركتك قال يا أماه ما أنصفتني قالت كيف ذلك يا ولدي قال أكون أنا في الظل و إخوتي في الشمس و الحر الشديد و أنا أشرب منها اللبن قالت يا بني أخشى عليك من الحساد و أخاف أن يطرقك طارق فيطلبني بك جدك قال لها لا تخشى علي يا أماه من شي‏ء و لكن إذا كان غداة غد أخرج مع إخوتي فلما رأته و قد عزم على الخروج و هي خائفة عليه عمدت إليه و شدته من وسطه و جعلت في رجليه نعلين و أخذ بيده عكازا و خرج مع إخوته فلما رأى أهل الحي أتوا مسرعين إلى حليمة فقالوا لها كيف يطيب قلبك بخروج هذا البدر و ما يصلح له الرعاية قالت يا قوم ما الذي تأمرونني به و لقد نهيته فلم ينته فأسأل الله تعالى أن يصرف عنه السوء ثم قالت شعرا.

يا رب بارك في الغلام الفاضل. محمد سليل ذي الأفاضل.و أبلغه في الأعوام غير آفل. حتى يكون سيد المحافل.

 فلما كان وقت العشاء أقبل مع إخوته كأنه البدر الطالع فقالت له يا ولدي لقد اشتغلت قلبي بخروجك عني في هذه البرية قالت حليمة و كان في الغنم شاة قد ضربها ولدي ضمرة فكسر رجلها فأقبلت إلى ولدي محمد ص تلوذ به كأنها تشكو إليه فمسح عليها بيده و جعل يتكلم عليها حتى انطلقت مع الأغنام كأنها غزال و كان كل يوم يظهر منه آيات و معجزات و كان إذا قال للغنم سيري سارت و إذا أمرها بالوقوف وقفت و هي مطيعة له فخرج في بعض الأيام مع إخوته و قد وصلوا إلى واد عشيب و كانت الرعاة تهابه لكثرة سباعه و إذا قد أقبل عليهم أسد و هو يزمجر هائل الخلقة فلما وصل إلى الأغنام فتح فاه و هم أن يهجم عليها فتقدم إليه محمد رسول الله ص فلما نظر إليه الأسد نكس رأسه و ولى هاربا فعند ذلك تقدم إخوته إليه فقال لهم ما شأنكم قالوا لقد خفنا عليك من هذا الأسد و أنت ما خفت منه و كنت تكلمه قال نعم كنت أقول له لا تعود بقرب هذا الوادي بعد هذا اليوم فلما كان بعد ذلك رأت حليمة رؤيا و انتبهت فزعة مرعوبة و قالت لبعلها إن سمعت مني أحمل محمدا إلى جده فإني أخشى أن يطرقه طارق فيعظم مصيبتنا عند جده و لقد رأيت كان ولدي محمدا مع إخوته كما كان يخرج كل يوم إذ أتاه رجلان عظيمان لم أر أعظم منهما عليهما ثياب من إستبرق و قصداه فجاءه واحد منهما بخنجر و شق به جوفه فانتبهت فزعة مرعوبة و الرأي عندي أن تحمله إلى جده فقال لها إن الذي تذكرينه في حق محمد ممتنع فإنه معصوم من الله تعالى و لقد رأيت الرهبان و الأسد و غيره قالت نعم و لكن لكل شي‏ء آخر و نهاية فكم كبير مات و صغير عاش فقال لها إن منامك الذي رأيتها أضغاث أحلام ثم لما أصبح الصباح و أراد محمد ص أن يخرج مع إخوته على العادة قالت لا تخرج اليوم يا قرة عيني فإني أحب أن تكون معي هذا اليوم حتى أشبع من النظر إليك فإنك في كل يوم تخرج بكرة و لا تأتي إلا عشية فقال لها و كيف ذلك يا أماه و أي شي‏ء خفت علي منه لا تخافي علي من شي‏ء فلم يقدر أحد أن يصل إلي بسوء و لا ضر و لا نفع إلا الله ربي فخرج مع إخوته و هي راعبة عليه فلما كان وقت القائلة أقبل أولاد حليمة يبكون فخرجت حليمة تعثر في أذيالها حيث سمعت أولادها يبكون و حثت التراب على وجهها و شعرها و شهرت بنفسها فقالت ما الذي دهاكم أخبروني قالوا خرجنا نحن و أخونا محمد ص و جلسنا تحت شجرة و إذا قد أقبل عليه رجلان عظيمان لم نر مثلهما فلما وصلا إلينا أخذ أخانا محمدا ص من بيننا و مضيا به إلى أعلى الجبل فأضجعه واحد منهما و أخذ سكينا و شق بطنه و أخرج قلبه و أمعاءه و لا شك أنك لا تلحقيه إلا هالكا فعند ذلك لطمت خدها و قالت هذا تأويل رؤياي البارحة وا أسفي عليك يا محمداه وا جزعي عليك يا ولداه يا قرة عيني ثم صرخت في الحي و خرجت و خرج بنو سعد كلهم في أثرها و خرج زوجها الحارث يجر قناته و بيده حربة فلما أشرفوا على رسول الله ص وجدوه جالسا و الأغنام حوله محيطة به فتبادر القوم إليه و رفعوه و أتوا به و هم يقولون كل شي‏ء تلقاه نحن و أولادنا و أموالنا فداك فجاءت إليه حليمة و أخذته و قبلته و هي تبكي بكاء عظيما و كشفت عن بطنه فلم تر أثرا فيه و لم تر في أثوابه دما فرجعت إلى أولادها و قالت كيف كذبتم على أخيكم فقال رسول الله ص لا تلوميهم فإني كنت عندهم إذ أتاني رجلان و أخذاني و أضجعاني و أخذ واحد منهما سكينا فشق بها فؤادي و أخرج منه نكتة سوداء و رمى بها و قال لي هذا حظ الشيطان منك يا محمد ثم غسلا فؤادي بالماء و أعاداه كما كان ثم أخرج أحدهما خاتما يشرق منه النور فختم به فؤادي ثم مسح على ما شقه فعاد كما كان ثم قالا لي يا محمد لو علمت ما لله عليك من السابقة لقرت عيناك ثم قال أحدهما للآخر زنه فوزنني بعشرة من أمتي

  فرجحت بهم ثم زاد عشرة فرجحت بهم ثم قال لو وزنته بجميع الأمم لرجح بهم ثم عرجا نحو السماء و أنا أنظر إليهما فقالت حليمة لبعلها الرأي أنا نحمل محمدا إلى جده فقال يمنعني من ذلك خبث نفسي من فراقنا له و إنه أعز عندنا من الأولاد فلما سمعت كلام بعلها قالت ما يوصل هذا الصبي إلى جده إلا أنا بنفسي ثم أقبلت إليه و قالت يا ولدي إن جدك إليك مشتاق و عمومتك فهل لك أن تسير إليهم قال نعم فقامت حليمة و شدت على راحلتها و ركبت و أخذت محمدا قدامها و سارت طالبة مكة و كان عبد المطلب قد أنفذ إليها أن تحمل ولده إليه فكانت إذا نزلت في هبوط ضمته إليها و إذا رأت راكبا غمته خوفا عليه إلى أن وصلت حيا من أحياء العرب و كان عندهم كاهن و قد سقط حاجباه على عينيه من طول السنين و الناس عاكفون عليه فلما جازت عليهم غشي عليه فلما أفاق قال يا ويلكم بادروا إلى المرأة التي مرت راكبة و خذوا منها الصبي الذي عندها و اقتلوه قبل أن يخرب بلادكم قالت حليمة و إذا أنا بالرجال قد أقبلوا إلي فوقعت عليهم ريح صرعتهم في الحال فسرت عنهم و لم أحفل بهم و جعلت أسير حتى بلغت إلى مكة فوضعت ولدي محمدا ص عند أناس جلوس و مضيت عنه ناحية لحاجة فسمعت وجبة و صوتا عاليا فالتفت إلى ولدي فلم أره فسألت عنه القوم الذين كانوا جلوسا قالوا ما رأيناه فسألوني عن اسمه فقلت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف فقلت و حق الكعبة و المقام لئن لم أجده رميت بنفسي من أعلى هذا الحائط حتى أموت و سألتهم و أخذت في جد السؤال فلم تعط خبرا فأخذت جيبها و مزقت أثوابها و لطمت وجهها و بكت و أكثرت البكاء و حثت التراب على رأسها و جعلت تقول وا ولداه وا قرة عيناه وا ثمرة فؤاداه وا محمداه فبينا هي كذلك إذ خرج إليها شيخ كبير يتوكأ على عصا فقال لها ما قصتك أيتها المرأة فقالت فقدت ولدي محمدا و لم أدر أين مضى قال لها لا تبكين أنا أدلك على من يعلم أين ذهب قالت افعل يا سيدي فمضى قدامها إلى أن أتى الكعبة و طاف على صنم يقال له هبل و قال يا هبل أين محمد فسقط الصنم لما ذكر محمدا فخرج الرجال خائفا قالت حليمة فحسست في نفسي أنه قد أخذه آخذ و ذهب به إلى جده فقصدته مسرعة فلما رآني قال ما قصتك قلت ولدك محمد أتيت به و وضعته على باب مكة أقضي حاجة فرجعت فلم أره فقال إني أخشى أن يكون أخذه بعض الكهان فنادى عبد المطلب يا آل غالب و كانوا يتباركون بهذه الكلمة فلما سمع قريش صوت عبد المطلب أجابوه من كل مكان فقال لهم إن حليمة قد أقبلت بولدي محمد و طرحته على باب الكعبة و مضت لقضاء حاجة لها و عادت فلم تره و أنا أخاف عليه أن يغتاله ساحر أو كاهن فقالوا نحن معك سر بنا أين شئت إن خضت بحرا خضناه و إن ركبت برا ركبناه ثم ركبوا و ساروا فلم يقفوا له على خبر فأتى عبد المطلب إلى الكعبة و طاف بها سبعا و تعلق بأستارها ثم دعا و تضرع في دعائه فسمع هاتفا يقول يا عبد المطلب لا تخف على ولدك و لكن اطلبه بوادي دعاية عند شجرة الموز فمضى عبد المطلب إلى المكان المذكور فوجده قاعدا تحت الشجرة و قد تدلت عليه أثمارها فبادر إليه جده فأخذه و قبله و قال له يا ولدي من أتى بك إلى هذا الموضع قال اختطف بي طير أبيض و حملني على

  جناحه و أتى بي إلى هاهنا و قد جعت و عطشت فأكلت من ثمرة هذه الشجرة و شربت من الماء و كان الطائر جبريل ع. ثم إن حليمة قالت لعبد المطلب إن ولدك قد صار له عندنا كذا و كذا قال يا حليمة لا بأس عليك امضي إلى أمه و أخبريها بذلك فإنها أخبرتني يوم ولد أنه سطع منه نور صعد إلى السماء. و ذلك قوله تعالى أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ الآية ثم إن عبد المطلب كفل النبي ص إلى أن رمد النبي ص رمدة شديدة و كان بالجحفة طبيب فوطأ له جده راحلة و سار به إلى الجحفة فلما دخل صاح عبد المطلب أيها الطبيب عندي غلام أريد أن تطب عينه فرفع رأسه و قال له اكشف لي عن وجهه فلما كشف عن وجهه سقطت الصومعة فرفع الراهب رأسه و نادى بالشهادتين و الإقرار بنبوة محمد ص ثم قال و ما عسى أن أقول فيه لا بأس عليه مما نزل به و لكن أيها الشيخ اسمع ما أقول لك إنه سيد العرب بل سيد الأولين و الآخرين و المشفع فيهم يوم الدين تنصره الملائكة المقربون و يأمره الله أن يقاتل من يخالفه و ينصره الله نصرا عزيزا و أشد الناس عليه قومه فقال عبد المطلب يا راهب ما تقول فقال و الذي لا إله إلا هو لئن أدركت زمانه لأنصرنه فاحفظ ولدك فرجع بولده إلى مكة فأقام بها حتى حضرته الوفاة فأوصى به إلى عمه أبي طالب فكفله أبو طالب و أقبل به إلى منزله و دعا بزوجته فاطمة بنت أسد و كانت شديدة المحبة لرسول الله ص شفيقة عليه فقال لها أبو طالب اعلمي أن هذا ابن أخي و هو أعز عندي من نفسي و مالي و إياك أن يتعرض عليه أحد فيما يريد فتبسمت فاطمة من قوله و كانت تؤثره على سائر أولادها و كان لها عقيل و جعفر فقالت له توصيني في ولدي محمد و إنه أحب إلي من نفسي و أولادي ففرح أبو طالب بذلك فجعلت تكرمه على جملة أولادها و لا تجعله يخرج عنها طرفة عين أبدا و كان يطعم منيريد فلا يمنع و قد كان يشب في اليوم ما يشب غيره في السنة و ينمو فتعجب أهل مكة من ذلك و حسنه و جماله فلما نظر أبو طالب إلى حسنه و جماله قال شعرا.

نور وجهك الذي فاق في الحسن. علي نور شمسنا و الهلال.أنت و الله يا مناي و سؤلي. الذي فاق نوره المتعالي.أنت نور الأنام من هاشم الغر. فقت كل العلا و كل الكمال.و علو الفخار و المجد أيضا. و لقد فقت أهل كل المعالي.

 ثم بعد ذلك شاع ذكره في البلاد ثم إنه توجه يوما إلى نحو الكعبة و أهل مكة حولها و كان قد عمروا فيها عمارة و شالوا الحجر الأسود من مكانه فلما عزموا أن يردوه إلى مكانه الأول اختلفوا فيمن يرده فكان كل منهم يقول أنا أرده يريد الفخر لنفسه فقال لهم ابن المغيرة يا قوم حكموا في أمركم من يدخل من هذا الباب و أجمعوا على ذلك و إذا بالنبي ص قد أقبل عليهم فقالوا هذا محمد نعم الصادق الأمين ذو الشرف الأصيل ثم نادوه فأقبل عليهم فقالوا قد حكمناك في أمرنا من يحمل الحجر الأسود إلى محله فقال ص هذه فتنة ايتوني بثوب فأتوه به فقال ضعوا الحجر فوقه و ارفعوه من كل طرف قبيلة فرفعوه إلى مكانه و النبي ص هو الذي وضعه في مكانه فتعجبت القبائل من فعله. بيان الزعق الصياح و الزمجرة الصوت قوله غمته أي غطته

 21-  أقول روى الكازروني في المنتقى عن برة قال أول من أرضع رسول الله ص ثويبة بلبن ابن لها يقال له مسروح أياما قبل أن تقدم حليمة و كانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب و أرضعت بعده أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي و كانت تدخل على رسول الله ص فيكرمها و كان رسول الله ص يبعث إليها بعد الهجرة بكسوة و صلة حتى ماتت بعد فتح خيبر

 22-  و أورد الحافظ أبو القاسم الأصبهاني في دلائل النبوة مسندا عن العباس بن عبد المطلب قال قلت يا رسول الله دعاني إلى الدخول في دينك أمارة لنبوتك رأيتك في المهد تناغي القمر و تشير إليه بإصبعك فحيث أشرت إليه مال قال إني كنت أحدثه و يحدثني و يلهيني عن البكاء و أسمع وجبته يسجد تحت الكرسي

 قوله وجبته أي سقطته

 23-  و روي عن مجاهد قال قلت لابن عباس و قد تنازعت الظئر في رضاع محمد ص قال إي و الله و كل نساء الجن و ذلك لما رد إلى آمنة من السماوات نادى الملك في سماء الدنيا هذا محمد سيد الأنبياء فطوبى لثدي أرضعته فتنافست الطير و الجن في رضاعه قال فنوديت كلها أن كفوا فقد أجرى الله ذلك على أيدي الإنس فخص الله بذلك حليمة

 24-  و روي أنه لما مضى على رسول الله ص شهران و هو عند حليمة ترضعه خرج عبد المطلب فأتى إليها فقال لها ادفعي إلي ابني فقالت له جعلني الله فداك يا عبد المطلب دعه عندي فإنه قد ألفني قال كيف لم تريديه قبل اليوم و تمتسكين به الآن قالت لأنه و الله نسمة مباركة قد بورك لنا في جميع أبداننا و أموالنا فدعه عندي لا أريد منك عليه شيئا أبدا فتركه عندها و انصرف عبد المطلب فمكثت حليمة لا تدخل في الليل إلى بيتها إلا و نظرت إلى الستر قد انفجر و نزل عليه القمر يناغيه فيقول زوجها إن لهذا الغلام لشأنا عظيما ليسودن العرب كلها

 25-  و روي حديث حليمة برواية أخرى عن ابن عباس أوردتها أيضا لفوائد فيها و هي أنه روي أنه كان من سببها أن الله أجدب البلاد و الزمان فدخل ذلك على عامة الناس و كانت حليمة تحدث عن زمانها و تقول كان الناس في زمان رسول الله ص في جهد شديد و كنا أهل بيت مجدبين و كنت امرأة طوافة أطوف البراري و الجبال ألتمس الحشيش و النبات فكنت لا أمر على شي‏ء من النبات إلا قلت الحمد لله الذي أنزل بي هذا الجهد و البلاء و لما ولد النبي ص خرجت إلى ناحية مكة و لم أكن ذقت شيئا منذ ثلاثة أيام و كنت ألتوي كما تلتوي الحية و كنت ولدت ليلتي تلك غلاما فلم أدر أ جهد الولادة أشكو أم جهد نفسي فلما بت ليلتي تلك أتاني رجل في منامي فحملني حتى قذفني في ماء أشد بياضا من اللبن و قال يا حليمة أكثري من شرب هذا الماء ليكثر لبنك فقد أتاك العز و غناء الدهر تعرفينني قلت لا قال أنا الحمد لله الذي كنت تحمدينه في سرائك و ضرائك فانطلقي إلى بطحاء مكة فإن لك فيها رزقا واسعا اكتمي شأنك و لا تخبري أحدا ثم ضرب بيده على صدري فقال أدر الله لك اللبن و أكثر لك الرزق فانتبهت و أنا أجمل نساء بني سعد لا أطيق أن أسبل ثديي كأنهما الجر العظيم يتسيب منهما لبن و أرى الناس حولي من نساء بني سعد و رجالهم في جهد من العيش إنما كنا نرى البطون لازقة بالظهور و الألوان شاحبة متغيرة لا نرى في الجبال الراسيات شيئا و لا في الأرض شجرا و إنما كنا نسمع من كل جانب أنينا كأنين المرضى و كادت العرب أن تهلك هزالا و جوعا فلما أصبحت حليمة و إنها لفي جهد من العيش و تغير من الحال و قد أصبحت اليوم تشبه بنات الملوك قلن إن لها شأنا عظيما ثم أحدقن بي يسألنني عن قصتي فكنت لا أحير جوابا فكتمت شأني لأني بذلك كنت أمرت و لم تبق امرأة في بني سعد ذات زوج إلا وضعت غلاما و رأيت الرءوس المشتعلة بالشيب قد عادت سودا لبركة مولد رسول الله ص فبينا نحن كذلك إذ سمعنا صوتا ينادي ألا إن قريشا قد وضعت العام كل بطونها و إن الله قد

 حرم على نساء العام أن يلدن البنات من أجل مولد في قريش و شمس النهار و قمر الليل فطوبى لثدي أرضعته ألا فبادرن إليه يا نساء بني سعد قالت فنزلنا في جبل و عزمنا على الخروج إلى مكة فخرج نساء بني سعد على جهد منهن و مخمصة و خرجت أنا مع بني لي على أتان لي معناق تسمع لها في جوفها خضخضة قد بدا عظامها من سوء حالها و كانت تخفضني طورا و ترفعني آخر و معي زوجي فكنت في طريقي أسمع العجائب من كل ناحية لا أمر بشي‏ء إلا استطال إلي فرحا و قال لي طوبى لثديك يا حليمة انطلقي فإنك ستأتين بالنور الساطع و الهلال البدري فاكتمي شأنك و كوني من وراء القوم فقد نزلت بشاراتك قالت فكنت أقول لصاحبي تسمع ما أسمع فيقول لا ما لي أراك كالخائفة الوجلة تلتفتين يمنة و يسرة مري أمامك فقد تقدم نساء بني سعد و إني أخاف أن يسبقني إلى كل مولود بمكة قالت فجعلنا نجد في المسير و الأتان كأنها تنزع حوافرها من الظهر نزعا فبينا أنا في مسيري إذا أنا برجل في بياض الثلج و طول النخلة الباسقة ينادي من الجبل يا حليمة مري أمامك فقد أمرني الله عز و جل أن أدفع عنك كل شيطان رجيم قالت حتى إذا صرنا على فرسخين من مكة بتنا ليلتنا تلك فرأيت في منامي كأن على رأسي شجرة خضراء قد ألقت بأغصانها حولي و رأيت في فروعها شجرة كالنخلة قد حملت من أنواع الرطب و كان جميع من خرج معي من نساء بني سعد حولي فقلن يا حليمة أنت الملكة علينا فبينا أنا كذلك إذ سقطت من تلك الشجرة في حجري تمرة فتناولتها و وضعتها في فمي فوجدت لها حلاوة كحلاوة العسل فلم أزل أجد طعم ذلك في فمي حتى فارقني رسول الله ص فلما أصبحت كتمت شأني قلت إن قضى الله لي أمرا فسوف يكون ثم ارتحلنا حتى نزلنا مكة يوم الإثنين و قد سبقني نساء بني سعد و كان الصبي الذي معي قد ولدته لا يبكي و لا يتحرك و لا يطلب لبنا فكنت أقول لصاحبي هذا الصبي ميت لا محالة فكنت إذا قلت ذلك يلتفت إلى الصبي فيفتح عينيه و يضحك في وجهي و أنا متعجبة من ذلك فلما توسطنا مكة قلت لصاحبي سل من أعظم الناس قدرا بمكة فسأل عن ذلك فقيل له عبد المطلب بن هاشم فقلت له سل من أعظم قريش ممن ولد له في عامه هذا فقيل لي آل مخزوم قالت فأجلست صاحبي في الرحل و انطلقت إلى بني مخزوم فإذا أنا بجميع نساء بني سعد قد سبقنني إلى كل مولود بمكة فبقيت لا أدري ما أقول و ندمت على دخولي مكة فبينا أنا كذلك إذا بعبد المطلب و جمته تضرب منكبه ينادي بنفسه بأعلى صوته هل بقي من الرضاع أحد فإن عندي بنيا لي يتيما و ما عند اليتيم من الخير إنما يلتمس كرامة الآباء قالت فوقفت لعبد المطلب و هو يومئذ كالنخلة طولا فقلت أنعم صباحا أيها الملك المنادي عندك رضيع أرضعه فقال هلمي فدنوت منه فقال لي من أين أنت فقلت امرأة من بني سعد فقال لي إيه إيه كرم و زجر ثم قال لي ما اسمك فقلت حليمة فضحك و قال بخ بخ خلتان حسنتان سعد و حلم هاتان خلتان فيها غنى الدهر ويحك يا حليمة عندي بني لي يتيم اسمه محمد و قد عرضته على جميع نساء بني سعد فأبين أن يقبلنه و أنا أرجو أن تسعدي به قالت فقلت له إني منطلقة إلى صاحبي و مشاورته في ذلك قال لي إنك لترضعين غير كارهة قالت قلت بالله لأرجعن إليك قالت فرجعت إلى صاحبي فلما أخبرته الخبر كان الله قد قذف في قلبه فرحا ثم قال لي يا حليمة بادري إليه لا يسبقك إليه أحد قالت و كان معي ابن أخت لي يتيم قال هيهات إني أراكم لا تصيبون في سفركم هذا خيرا هؤلاء نساء بني سعد يرجعن بالرضاع و الشرف و ترجعون أنتم باليتيم قالت فأردت و الله لأرجع إليه فكان الله قذف في قلبي إن فارقك محمد لا تفلحين و أخذتني الحمية و قلت هؤلاء نساء بني سعد يرجعن بالرضاع و الشرف و أرجع أنا بلا رضاع و الله لأخذنه و إن كان يتيما فلعل الله أن يجعل فيه خيرا قالت فرجعت إلى عبد المطلب فقلت له

 أيها الملك الكريم هلم الصبي قال هل نشطت لأخذه قالت قلت نعم فخر عبد المطلب ساجدا و رفع رأسه إلى السماء و هو يقول اللهم رب المروة و الحطيم أسعدها بمحمد ثم مر بين يدي يجر حلته فرحا حتى دخل بي على آمنة أم رسول الله ص فإذا أنا بامرأة ما رأيت في الآدميين أجمل وجها منها هلالية بدرية فلما نظرت إلي ضحكت في وجهي و قالت ادخلي يا حليمة فدخلت الدار فأخذت بيدي فأدخلتني بيتا كان فيه رسول الله ص فإذا أنا به و وجهه كالشمس إذا طلعت في يوم ديجانها فلما رأيته على هذه الصفة استدر كل عرق في جسدي بالضربان فناولتني النبي ص فلما أن وضعته في حجري فتح عينيه لينظر إلي فسطع منهما نور كنور البرق إذا خرج من خلال السحاب فألقمته ثديي الأيمن فشرب منه ساعة ثم حولته إلى الأيسر فلم يقبله و جعل يميل إلى اليمنى فكان ابن عباس يقول ألهم العدل في رضاعه علم أن له شريكا فناصفه عدلا و كانت الثدي اليمنى تدر لرسول الله ص و الثدي اليسرى تدر لابني و كان ابني لا يشرب حتى ينظر إلى محمد ص قد شرب و كنت كثيرا ما أسبق إلى مسح شفتيه فكنت أسبق إلى ذلك فنام في حجري فجعلت أنظر إلى وجهه فرأيت عينيه مفتوحتين و هو كالنائم فلم أتمالك فرحا و أخذتني العجلة بالرجوع إلى صاحبي فلما أن نظر إليه صاحبي لم يتمالك أن قام و سجد و قال يا حليمة ما رأيت في الآدميين أجمل وجها من هذا قالت فلما كان في الليل و طاب النوم و هدأت الأصوات انتبهت فإذا به و قد خرج منه نور متلألئ و إذا أنا برجل قائم عند رأسه عليه ثوب أخضر فأنبهت صاحبي و قلت ويحك أ لا ترى إلى هذا المولود قالت فرفع رأسه فلما نظر إليه قال لي يا حليمة اكتمي شأنه فقد أخذت شجرة كريمة لا يذهب رسمها أبدا قالت فأقمنا بمكة سبعة أيام بلياليهن ما من يوم إلا و أنا أدخل على آمنة فلما عزمنا على الخروج دعتني آمنة فقالت لا تخرجي من بطحاء مكة حتى تعلميني فإن لي فيك وصايا أوصيك بها قالت فبتنا فلما كان في بعض الليل انتبهت لأقضي حاجة فإذا برجل عليه ثياب خضر قاعد عند رأسه يقبل بين عينيه فأنبهت صاحبي رويدا فقلت انظر إلى العجب العجيب قال اسكتي و اكتمي شأنك فمنذ ولد هذا الغلام قد أصبحت أحبار الدنيا على أقدامها قياما لا يهنئها عيش النهار و لا نوم الليل و ما رجع أحد من البلاد أغنى منا فلما أصبحنا من الغد و عزمنا على الخروج ركبت أتاني و حملت بين يدي محمدا ص و خرجت معي آمنة تشيعني فجعلت الأتان تضرب بيدها و رجلها الأرض و ترفع رأسها إلى السماء فرحة مستبشرة ثم تحولت بي نحو الكعبة فسجدت ثلاث سجدات حتى استوينا مع الركب سبقت الأتان كل دوابهم فقالت نساء بني سعد يا بنت أبي ذؤيب أ ليس هذا أتانك التي كانت تخفضك طورا و ترفعك آخر فقلت نعم فقلن بالله إن لها لشأنا عظيما فكنت أسمع الأتان تقول إي و الله إن لي لشأنا ثم شأنا أحياني الله عز و جل بعد موتي و رد علي سمني بعد هزالي ويحكن يا نساء بني سعد إنكن لفي غفلة أ تدرين من حملت حملت سيد العرب محمدا رسول الله رب العالمين هذا ربيع الدنيا و زهرة الآخرة و أنا أنادي من كل جانب استغنيت يا حليمة آخر دهرك فأنت سيدة نساء بني سعد قالت فمررت براع يرعى غنما له فلما نظرت الغنم إلي جعلن يستقبلن و تعدو إلي كما تعدو سخالها فسمعت من بينها قائلا يقول أقر الله عينك يا حليمة أ تدرين ما حملت هذا محمد رسول رب العالمين إلى كل ولد آدم من الأولين و الآخرين قالت فشيعتني أمه ساعة و أوصتني فيه بوصايا و رجعت كالباكية قالت و ليس كل الذي رأيت في طريقي أحسن وصفه إلا أني لم أنزل منزلا إلا أنبت الله عز و جل فيه عشبا و خيرا كثيرا و أشجارا قد حملت من أنواع الثمر حتى أتيت به منزل بني سعد و ما نعلم و الله أن أرضا كانت أجدب منها و لا أقل خيرا و كانت لنا غنيمات دبرات مهزولات فلما صار رسول الله ص في منزلي صارت غنمي تروح شباعا حافلة تحمل و تضع و تدر و تحلب و لا تدر في بني سعد لأحد من الناس غيري فجمعت بنو سعد رعاتها

 و قالوا لهم ما بال أغنام حليمة بنت أبي ذؤيب تحمل و تضع و تدر و تحلب و أغنامنا لا تحمل و لا تضع و لا تأتي بخير اسرحوا حيث تسرح رعاة بنت أبي ذؤيب حتى تروح غنمكم شباعا حافلة قالت فلم نزل نتعرف من الله الزيادة و البركة و الفضل و الخير ببركة النبي ص حتى كنا نتفضل على قومنا و صاروا يعيشون في أكنافنا فكنت أرى من يومه عجبا ما رأيت له بولا قط و لا غسلت له وضوءا قط طهارة و نظافة و ذلك أني كنت أسبق إلى ذلك و كان له في كل يوم وقت واحد يتوضأ فيه و لا يعود إلى وقته من الغد و لم يكن شي‏ء أبغض إليه من أن يرى جسده مكشوفا فكنت إذا كشفت عن جسده يصيح حتى أستر عليه فانتبهت ليلة من الليالي فسمعته يتكلم بكلام لم أسمع كلاما قط أحسن منه يقول لا إله إلا الله قدوسا قدوسا و قد نامت العيون و الرحمن لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ و هو عند أول ما تكلم فكنت أتعجب من ذلك و كان يشب شبابا لا يشبه الغلمان و لم يبك قط و لم يسئ خلقه و لم يتناول بيساره و كان يتناول بيمينه فلما بلغ المنطق لم يمس شيئا إلا قال بسم الله فكنت معه في كل دعة و عيش و سرور و كنت قد اجتنبت الزوج لا أغتسل منه هيبة لرسول الله ص حتى تمت له سنتان كاملتان و قد ثمر الله لنا الأموال و أكثر لنا من الخير فكانت تحمل لنا الأغنام و تنبت لنا الأرض و قد ألقى الله محبته على كل من رآه فبينا هو قاعد في حجري إذا مرت به غنيماتي فأقبلت شاة من الغنم حتى سجدت له و قبلت رأسه فرجعت إلى صويحباتها و كان ينزل عليه في كل يوم نور كنور الشمس فيغشاه ثم ينجلي عنه و كان أخواه من الرضاعة يخرجان فيمران بالغلمان فيلعبان معهم و إذا رآهم محمد ص احتنبهم و أخذ بيد أخويه ثم قال لهما إنا لم نخلق لهذا فلما

 تم له ثلاث سنين قال لي يوما يا أماه ما لي لا أرى أخوي بالنهار قلت له يا بني إنهما يرعيان غنيمات قال فما لي لا أخرج معهما قلت له تحب ذلك قال نعم فلما أصبح دهنته و كحلته و علقت في عنقه خيطا فيه جزع يمانية فنزعها ثم قال لي مهلا يا أماه فإن معي من يحفظني قالت ثم دعوت بابني فقلت لهما أوصيكما بمحمد خيرا لا تفارقاه و ليكن نصب أعينكما قالت فخرج مع أخويه في الغنم فبينا هم يترامون بالجلة يعني البعر إذ هبط جبرائيل و ميكائيل و معهما طست من ذهب فيه ماء و ثلج فاستخرجاه من الغنم و الصبية فأضجعاه و شقا بطنه و شرحا صدره فاستخرجا منه نكتة سوداء و غسلاه بذلك الماء و الثلج و حشيا بطنه نورا و مسحا عليه فعاد كما كان قالت فلما رأى أخواه ذلك أقبل أحدهما اسمه ضمرة يعدو و قد علاه النفس و هو يقول يا أمه أدركي أخي محمدا و ما أراك تدركينه قالت فقلت و ما ذاك قال أتاه رجلان عليهما ثياب خضر فاستخرجاه من بيننا و بين الغنم فأضجعاه و شقا بطنه و هما يتوطئانه قالت فخرجت أنا و أبوه و نسوة من الحي فإذا أنا به قائما ينظر إلى السماء كأن الشمس تطلع من وجهه فالتزمته و التزمه أبوه و و الله لكأنما غمس في المسك غمسة و قال له أبوه يا بني ما لك قال خير يا أبه أتاني رجلان انقضا علي من السماء كما ينقض الطير فأضجعاني و شقا بطني و حشياه بشي‏ء كان معهما ما رأيت ألين منه و لا أطيب ريحا و مسحا على بطني فعدت كما كنت ثم وزناني بعشرة من أمتي فرجحتهم فقال أحدهما فلو وزنته بأمته كلها لرجح و طارا كذلك حتى دخلا السماء قالت فحملناه إلى خيم لنا فقال الناس اذهبوا به إلى كاهن حتى ينظر إليه و يداويه فقال محمد ما بي شي‏ء مما تذكرون و إني أرى نفسي سليمة و فؤادي صحيحا بحمد الله فقال الناس أصابه لمم أو طائف من الجن قالت فغلبوني على رأيي حتى انطلقت به إلى كاهن فقصصت قصته قال دعيني أن أسمع من الغلام فإن الغلام أبصر بأمره منكم تكلم يا غلام قالت حليمة فقص ابني محمد ص قصته من أولها إلى آخرها فوثب الكاهن قائما على قدميه و ضمه إلى صدره و نادى بأعلى صوته يا آل العرب يا آل العرب من شر قد اقترب اقتلوا هذا الغلام و اقتلوني معه فإنكم إن تركتموه و أدرك مدرك الرجال ليسفهن أحلامكم و ليبدلن أديانكم و ليدعونكم إلى رب لا تعرفونه و دين تنكرونه قالت فلما سمعت مقالته انتزعته من يده و قلت أنت أعته و أجن من ابني و لو علمت أن هذا يكون منك ما أتيتك به اطلب لنفسك من يقتلك فإنا لا نقتل محمدا فاحتملته و أتيت به منزلي فما بقي يومئذ في بني سعد بيت إلا و وجد منه ريح المسك. و كان ينقض عليه كل يوم طيران أبيضان يغيبان في ثيابه و لا يظهران فلما رأى أبوه ذلك قال لي يا حليمة إنا لا نأمن على هذا الغلام و قد خشيت عليه من تباع الكهنة فألحقيه بأهله قبل أن يصيبه عندنا شي‏ء قالت فلما عزمت على ذلك سمعت صوتا في جوف الليل ينادي ذهب ربيع الخير و أمان بني سعد هنيئا لبطحاء مكة إذا كان مثلك فيها يا محمد فالآن قد أمنت أن تخرب أو يصيبها بؤس بدخولك إليها يا خير البشر قالت فلما أصبحت ركبت أتاني و وضعت النبي ص بين يدي فلم أكن أقدر أفارقه مما كنت أنادي يمنة و يسرة حتى انتهيت به إلى الباب الأعظم من أبواب مكة و عليه جماعة مجتمعون فنزلت لأقضي حاجة و أنزلت النبي ص فغشيتني كالسحابة البيضاء و سمعت وجبة شديدة ففزعت و جعلت ألتفت يمنة و يسرة و نظرت فلم أر النبي ص فصحت يا معشر قريش الغلام الغلام قالوا و من الغلام قلت محمد بن آمنة قالوا و من أين كان معك محمد لعلك تحلمين أو منك هذيان قلت لا و الله ما حلمت و إني لفي يقين من أمري فجعلت أبكي و أنادي وا محمداه فبينا أنا كذلك إذا أنا بشيخ كبير فقال لي أيتها السعدية

 إن لك لقصة عجيبة قالت قلت إي و الله لقصتي عجيبة محمد بن آمنة أرضعته ثلاثة أحوال لا أفارقه ليله و نهاره فنعشني الله به و أنضر وجهي و من علي و أفضل ببركته حتى إذا ظننت أني قد بلغت به الغاية أديت إلى أمه الأمانة لأخرج من عهدي و أمانتي فاختلس مني اختلاسا قبل أن يمس قدمه الأرض و إني أحلف بإله إبراهيم لئن لم أجده لأرمين بنفسي من حالق الجبل قالت و قال لي الشيخ لا تبكي أيتها السعدية ادخلي على هبل فتضرعي إليه فلعله يرده عليك فإنه القوي على ذلك العالم بأمره قالت فقلت له أيها الشيخ كأنك لم تشهد ولادة محمد ليلة ولد ما نزل باللات و العزى فقال لي أيتها السعدية إني أراك جزعة فأنا أدخل على هبل و أذكر أمرك له فقد قطعت أكبادنا ببكائك ما لأحد من الناس على هذا صبر قالت فقعدت مكاني متحيرة و دخل الشيخ على هبل و عيناه تذرفان بالدموع فسجد له طويلا و طاف به أسبوعا ثم نادى يا عظيم المن يا قويا في الأمور إن منتك على قريش لكثيرة و هذه السعدية رضيعة محمد تبكي قد قطع بكاؤها الأنياط و أبرز العذارى فإن رأيت أن ترده عليها إن شئت قالت فارتج و الله الصنم و تنكس و مشى على رأسه و سمعت منه صوتا يقول أيها الشيخ أنت في غرور ما لي و لمحمد و إنما يكون هلاكنا على يديه و إن رب محمد لم يكن ليضيعه و يحفظه أبلغ عبدة الأوثان أن معه الذبح الأكبر إلا أن يدخلوا في دينه قالت فخرج الشيخ فزعا مرعوبا نسمع لسنه قعقعة و لركبتيه اصطكاكا يقول لي يا حليمة ما رأيت من هبل مثل هذا فاطلبي ابنك إني أرى لهذا الغلام شأنا عظيما قالت فقلت لنفسي كم تكتم من أمره عبد المطلب أبلغه الخبر قبل أن يأتيه من غيري قالت فدخلت على عبد المطلب فلما نظر إلي قال لي يا حليمة ما لي أراك جزعة باكية و لا أرى معك محمدا قالت قلت يا أبا الحارث جئت بمحمد أسر ما كان فلما صرت على الباب الأعظم من أبواب مكة نزلت لأقضي حاجة فاختلس مني اختلاسا قبل أن يمس قدمه الأرض فقال لي اقعدي يا حليمة قالت ثم علا الصفا فنادى يا آل غالب يعني يا آل قريش فاجتمع إليه الرجال فقالوا له قل يا أبا الحارث فقد أجبناك فقال لهم إن ابني محمدا قد فقد قالوا له فاركب يا أبا الحارث حتى نركب معك قالت فدعا عبد المطلب براحلته فركبها و ركب الناس معه فأخذ أعلى مكة و انحدر على أسفلها فلما أن لم ير شيئا ترك الناس و اتزر بثوب و ارتدى بآخر و أقبل إلى البيت الحرام فطاف به أسبوعا و أنشأ يقول شعر.

يا رب رد راكبي محمدا. رد إلي و اتخذ عندي يدا.أنت الذي جعلته لي عضدا. يا رب إن محمدا لم يوجدا.فجمع قومي كلهم تبددا.

قال فسمعنا مناديا ينادي من جو الهواء معاشر الناس لا تضجوا فإن لمحمد ربا لا يضيعه و لا يخذله قال عبد المطلب يا أيها الهاتف من لنا به و أين هو قال بوادي تهامة فأقبل عبد المطلب راكبا متسلحا فلما صار في بعض الطريق تلقاه ورقة بن نوفل فصارا جميعا يسيران فبينما هم كذلك إذا النبي ص تحت شجرة و قال بعضهم بينا أبو مسعود الثقفي و عمرو بن نوفل يدوران على رواحلهما إذا هما برسول الله قائما عند شجرة الطلحة و هي الموز يتناول من ورقها فقال أبو مسعود لعمرو شأنك بالغلام فأقبل إليه عمرو و هو لا يعرفه فقال له من أنت يا غلام فقال أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم فاحتمله بين يديه على الراحلة حتى أتى به عبد المطلب. قال إسحاق فحدثني سلمة عن محمد عن يزيد عن ابن عباس أنه قال لما أن رد الله محمدا على عبد المطلب تصدق ذلك اليوم على فقراء قريش بألف ناقة كوماء و خمسين رطلا من ذهب ثم جهز حليمة بأفضل الجهاز

 26-  و روي أنه لما سلمته أمه إلى حليمة السعدية لترضعه و قامت سوق عكاظ انطلقت به إلى عراف من هذيل يريه الناس صبيانهم فلما نظر إليه صاح يا معشر هذيل يا معشر العرب فاجتمع الناس من أهل المواسم فقال اقتلوا هذا الصبي فانسلت به حليمة فجعل الناس يقولون أي صبي فيقول هذا الصبي فلا يرون شيئا قد انطلقت به أمه فيقال ما هو فيقول رأيت غلاما و آلهته ليقتلن أهل دينكم و ليكسرن آلهتكم و ليظهرن أمره عليكم فطلب بعكاظ فلم يوجد و رجعت به حليمة إلى منزلها فكانت بعد لا تعرضه لعراف و لا لأحد من الناس

 27-  و روي بإسناد ذكره عن شداد بن أوس قال بينا رسول الله ص يحدثنا على باب الحجرات إذ أقبل شيخ من بني عامر هو مدرة قومه و سيدهم شيخ كبير يتوكأ على عصاه فمثل بين يدي رسول الله ص و نسبه إلى جده فقال يا ابن عبد المطلب إني أنبئت أنك رسول الله إلى الناس أرسلك بما أرسل به إبراهيم و موسى و عيسى و غيرهم من الأنبياء ع ألا و إنك تفوهت بعظيم إنما كانت الأنبياء و الخلفاء في بيتين من بيوت بني إسرائيل بيت خلافة و بيت نبوة فلا أنت من أهل هذا البيت و لا من أهل هذا البيت إنما أنت رجل من العرب ممن كان يعبد هذه الحجارة و الأوثان فما لك و للنبوة و لكن لكل قول حقيقة فأتني بحقيقة قولك و بدء شأنك فأعجب النبي ص مساءلته ثم قال يا أخا بني عامر إن للحديث الذي تسأل عنه نبأ فاجلس فسل فثنى رجله و برك كما يبرك البعير فاستقبله رسول الله ص بالحديث فقال يا أخا بني عامر إن حقيقة قولي و بدء شأني أني دعوة إبراهيم ع و بشرى أخي عيسى ابن مريم ع و إني كنت بكر أمي و إنها حملتني كأثقل ما تحمل النساء حتى جعلت تشتكي إلى صواحباتها ثقل ما تجد ثم إن أمي رأت في المنام أن الذي في بطنها نور حتى أضاءت له مشارق الأرض و مغاربها ثم إنها ولدتني فلما نشأت بغضت إلي الأوثان و بغض إلي الشعر و كنت مسترضعا في بني بكر فبينا أنا ذات يوم مع أتراب لي من الصبيان في بطن واد و إذا أنا برهط معهم طشت من ذهب ملئان ثلجا فأخذوني من بين أصحابي و انطلقوا أصحابي هرابا حتى إذا انتهوا إلى شفير الوادي أقبلوا على الرهط فقالوا ما رابكم إلى هذا الغلام فإنه ليس منا هذا ابن سيد قريش و هو مسترضع فينا من غلام ليس له أب و لا أم فما ذا يرد عليكم قتله و ما تصيبون من ذلك فإن كنتم لا بد قاتليه فاختاروا منا أينا شئتم فاقتلوه مكانه و دعوا هذا الغلام فلما رأى الصبيان أن القوم لا يحيرون إليهم جوابا انطلقوا هرابا مسرعين إلى الحي يؤذنونهم بي و يستصرخونهم على القوم فعمد أحدهم فأضجعني على الأرض إضجاعا لطيفا ثم شق ما بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي و أنا أنظر إليه لا أجد لذلك مسا ثم أخرج أحشاء بطني فغسلها بذلك الثلج فأنعم غسلها ثم أعادها مكانها ثم قام الثاني منهم فقال لصاحبه تنح فنحاه عني ثم أدخل يده في جوفي فأخرج قلبي فصدعه فأخرج منه مضغة سوداء فرمى بها ثم قال بيده يمنة منه كأنه تناول شيئا فإذا أنا في يده بخاتم نور تحار أبصار الناظرين دونه فختم به قلبي فامتلأ نورا و ذلك نور النبوة و الحكمة ثم أعاده إلى مكانه فوجدت برد ذلك الخاتم ثم قام الثالث منهم فقال لصاحبه تنح فنحاه عني و أمر يده ما بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي فالتأم ذلك الشق بإذن الله عز و جل ثم أخذ بيدي فأنهضني من مكاني إنهاضا لطيفا ثم قال للأول الذي شق بطني زنه بعشرة من أمته فوزنني بهم فرجحتهم ثم قال زنه بمائة من أمته فوزنني بهم فرجحتهم ثم قال زنه بألف من أمته فوزنني بهم فرجحتهم فقال دعوه فلو وزنتموه بأمته كلها

 رجحهم ثم انكبوا علي فضموني إلى صدورهم فقبلوا رأسي و ما بين عيني ثم قالوا يا حبيب لم ترع إنك لو تدري ما يراد بك من الخير لقرت عينك فبينا نحن كذلك إذا نحن بالحي قد جاءوا بحذافيرهم و إذا أمي و هي ظئري أمام الحي تهتف بأعلى صوتها و هي تقول يا ضعيفاه استضعفت من بين أصحابك فقتلت لضعفك فانكبوا علي و ضموني إلى صدورهم و قبلوا رأسي و ما بين عيني و قالوا حبذا أنت من ضعيف قالت ظئري يا وحيداه فانكبوا علي و قالوا حبذا أنت من وحيد و ما أنت بوحيد إن الله عز و جل معك و الملائكة و المؤمنون من أهل الأرض ثم قالت ظئري يا يتيماه فانكبوا علي و قالوا حبذا أنت من يتيم ما أكرمك على الله عز و جل و لو تدري ما يراد بك من الخير فلما بصرت بي أمي و هي ظئري قالت يا بني لا أراك حيا بعد فجاءت فأخذتني و ضمتني إلى صدرها و أجلستني في حجرها فو الذي نفسي بيده إني لفي حجرها و إن يدي لفي يد بعضهم فجعلت ألتفت إليهم فظننت أنهم يبصرونهم فإذا هم لا يبصرونهم فيقول بعض القوم قد أصاب هذا الغلام لمم أو طيف من الجن فاذهبوا به إلى كاهننا حتى ينظر إليه و يداويه فقلت يا هذا ما بي شي‏ء مما تذكرون إني لأرى نفسي سليمة و فؤادي صحيحا ليس بي قلبة فقال أبي و هو زوج ظئري أ لا ترون إلى كلامه صحيحا إني لأرجو أن لا يكون بابني بأس فأتوا بي كاهنهم فقصوا عليه قصتي فقال اسكتوا حتى أسمع من الغلام أمره فهو أعلم بأمره منكم فسألني فقصصت عليه أمري من أوله إلى آخره فوثب إلي و ضمني إلى صدره ثم نادى بأعلى صوته يا للعرب مرتين اقتلوا هذا الغلام و اقتلوني معه فو اللات و العزى لئن تركتموه و أدرك ليخالفن أمركم و ليسفهن عقولكم و عقول آبائكم و ليبدلن دينكم و ليأتينكم بدين لم تسمعوا بمثله فعمدت ظئري فانتزعتني من حجره و قالت لأنت أعته و أجن من ابني هذا و لو علمت أن هذا قولك ما آتيتك به فاطلب لنفسك من يقتلك فإنا غير قاتل هذا الغلام ثم احتملوني فأدوني إلى أهلي و أصبحت معرى مما فعل بي و أصبح أثر الشق ما بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي كأنه الشراك فذاك يا أخا بني عامر حقيقة أمري و بدء نشأتي فقال العامري أشهد بالله الذي لا إله غيره أن أمرك حق فأنبئني عن أشياء أسألك عنها قال سل عنك كلمه بلغة عامر قال يا ابن عبد المطلب ما ذا يزيد في العلم قال التعلم قال فما يزيد في الشر قال التمادي قال هل ينفع البر بعد الفجور قال نعم التوبة تغسل الحوبة و الحسنات يذهبن السيئات و إذا ذكر العبد ربه عز و جل في الرخاء أجابه عند البلاء قال يا ابن عبد المطلب و كيف ذاك قال لأن الله عز و جل يقول و عزتي و جلالي لا أجمع أبدا لعبدي أمنين و لا أجمع عليه أبدا خوفين إن هو آمنني في الدنيا خافني يوم أجمع فيه عبادي لميقات يوم معلوم فيدوم له خوفه و إن هو خافني في الدنيا آمنني يوم أجمع فيه عبادي في حظيرة القدس فيدوم له أمنه و لا أمحقه فيمن أمحق قال يا ابن عبد المطلب فإلى ما تدعو قال أدعو إلى عبادة الله عز و جل وحده لا شريك له و أن تخلع الأنداد و تكفر باللات و العزى و تقر بما جاء به الله عز و جل من كتاب أو رسول و تصلي الصلوات الخمس بحقائقهن و تؤدي زكاة مالك يطهرك الله عز و جل و يطهر لك مالك و تصوم شهرا من السنة و تحج البيت إذا وجدت إليه سبيلا و تغتسل من الجنابة و تؤمن بالموت و بالبعث بعد الموت و بالجنة و النار قال يا ابن عبد المطلب فإذا فعلت ذلك فما لي قال جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ ذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى قال يا ابن عبد المطلب فهل مع هذا شي‏ء من الدنيا فإنه يعجبني الوطاءة في العيش قال نعم النصر و التمكين في البلاد فأحاب و أناب

  هذا حديث حسن غريب بهذا السياق يعد في إفراد محمد بن يعلى. و مدرة القوم خطيبهم و المتكلم عنهم و قوله فمثل أي قام و تفوهت أي تكلمت و قوله دعوة إبراهيم هي قول الله عز و جل عن إبراهيم ع رَبَّنا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ و قوله تعالى قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي و قوله إني كنت بكر أمي أي أول ولد ولدته و في نسخة كنت في بطن أمي و قوله ما رابكم أي ما شكككم و معناه هاهنا ما دعاكم إلى أخذ هذا الغلام و قوله فما ذا يرد عليكم قتله أي ما ينفعكم ذلك و لا يحيرون أي لا يرجعون و لا يردون و يؤذنونهم يعلمونهم و يستصرخون أي يستغيثون بهم و قوله فأنعم غسلها أي بالغ فيه و قوله فصدعه أي فشقه و قوله ثم قال بيده يمنة منه أي أشار بيده إلى جانب يمينه قوله فإذا أنا في يده بخاتم نور أي رأيت حينئذ ذلك في يده و قوله رجحهم أي رجح بهم و عليهم و قوله لم ترع أي لا تخف و جواب قوله و لو تدري ما يراد بك في المرة الأخيرة محذوف تقديره لقرت عينك و القلبة الداء و اللام في يا للعرب للاستغاثة و قوله معرى من العرواء و هي الرعدة و قوله سل عنك و في رواية أخرى قال كان النبي ص يقول للسائلين قبل ذلك سل عما شئت و عما بدا لك فقال للعامري سل عنك لأنها لغة بني عامر فكلمه بما يعرف قوله فأتيني بحقيقة ذلك و في رواية فأنبئني و الحوبة الإثم و الوطء النعمة

 28-  كنز الكراجكي، روي عن حليمة السعدية قالت لما تمت للنبي ص سنة تكلم بكلام لم أسمع أحسن منه سمعته يقول قدوس قدوس نامت العيون و الرحمن لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ و لقد ناولتني امرأة كف تمر من صدقة فناولته منه و هو ابن ثلاث سنين فرده علي و قال يا أمة لا تأكلي الصدقة فقد عظمت نعمتك و كثر خيرك فإني لا آكل الصدقة قالت فو الله ما قبلتها بعد ذلك

 29-  ثم قال الكازروني روي أن شق صدره ص كان في سنة ثلاث من مولده و قيل في سنة أربع على ما روي عن محمد بن سعد عن محمد بن عمر عن أصحابه قال مكث ص عندهم سنتين حتى فطم و كان ابن أربع سنين فقدموا به على أمه زائرين لها به و أخبرتها حليمة خبره و ما رأوا من بركته فقالت آمنة ارجعي بابني فإني أخاف عليه وباء مكة فو الله ليكونن له شأن فرجعت به و لما بلغ أربع سنين أتاه الملكان فشقا بطنه ثم نزلت به إلى آمنة و أخبرتها خبره ثم رجعت به أيضا و كان عندها سنة و نحوها لا تدعه يذهب مكانا بعيدا ثم رأت غمامة تظله إذا وقف وقفت و إذا سار سارت فأفزعها ذلك أيضا من أمره فقدمت به إلى أمه لترده و هو ابن خمس سنين فأضلته في الناس فالتمسته فلم تجده و ذكر نحو ما تقدم. و قد روي أن عبد المطلب بعثه ص في حاجة و ضاع و في الأخبار أن حليمة قدمت على رسول الله ص بمكة و قد تزوج بخديجة فشكت إليه جدب البلاد و هلاك الماشية فكلم رسول الله ص خديجة فأعطتها أربعين شاة و بعيرا و انصرفت إلى أهلها ثم قدمت عليه ص بعد الإسلام فأسلمت هي و زوجها. و روي في الحديث استأذنت امرأة على النبي ص كانت أرضعته فلما دخلت عليه قال أمي أمي و عمد إلى ردائه فبسطه لها فقعدت عليه. و روي عن أبي حازم قال قدم كاهن مكة و رسول الله ابن خمس سنين و قد قدمت به ظئره إلى عبد المطلب و كانت تأتيه به في كل عام فنظر إليه الكاهن مع عبد المطلب فقال يا معشر قريش اقتلوا هذا الصبي فإنه يفرقكم و يقتلكم فهرب به عبد المطلب فلم يزل قريش تخشى من أمره ما كان الكاهن حذرهم من أمره. و في سنة ست من مولده ص ماتت أمه كما مر ذكره. و لنذكر ما حدث في سنة سبع من مولده ص روي عن نافع بن حسين قال كان رسول الله ص يكون مع أمه آمنة فلما توفيت قبضه إليه جده عبد المطلب و ضمه و رق عليه رقة لم يرقها على ولده و كان يقر به منه و يدنيه و يدخل عليه إذا خلا و إذا نام و كان يجلس على فراشه فيقول عبد المطلب إذا رأى ذلك دعوا ابني فإنه يؤنس ملكا و قال قوم من بني مدلج لعبد المطلب احتفظ به فإنا لم نر قدما أشبه بالقدم التي في المقام منه فقال عبد المطلب لأبي طالب اسمع ما يقول هؤلاء فكان أبو طالب يحتفظه و قال عبد المطلب لأم أيمن و كانت تحضن رسول الله ص يا بركة لا تغفلي عن ابني فإن أهل الكتاب يزعمون أن ابني نبي هذه الأمة و كان عبد المطلب لا يأكل طعاما إلا قال علي بابني فيؤتى به إليه فلما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصى أبا طالب بحفظ رسول الله ص و حياطته. و مما وقع في تلك السنة ما روي أنه أصاب رسول الله ص رمد شديد فعولج بمكة فلم يغن عنه فقيل لعبد المطلب إن في ناحية عكاظ راهبا يعالج الأعين فركب إليه فناداه و ديره مغلق فلم يجب فتزلزل به ديره حتى خاف أن يسقط عليه فخرج مبادرا فقال يا عبد المطلب إن هذا الغلام نبي هذه الأمة و لو لم أخرج إليك لخر علي ديري فارجع به و احفظه لا يغتاله بعض أهل الكتاب ثم عالجه و أعطاه ما يعالج به و ألقى الله له المحبة في قلوب قومه و كل من يراه. و من ذلك خروج عبد المطلب برسول الله ص يستسقون كما روي بإسناد ذكره عن رقيقة بنت صيفي بن هاشم قالت تتابعت على قريش سنون أقحلت الضرع و أرمت العظم و يروى و أرقت و أدقت فبينا أنا راقدة اللهم أو مهومة و معي صنوي فإذا أنا بهاتف صيت يصرخ بصوت صحل يقول يا معشر قريش إن هذا النبي المبعوث منكم هذا إبان نجومه فحي هلا بالحيا و الخصب ألا فانظروا رجلا منكم طوالا عظاما أبيض بضا أشم العرنين سهل الخدين له فخر يكظم عليه و يروى رجلا وسيطا عظاما جساما أوطف الأهداب ألا فليخلص هو و ولده و ليدلف إليه من كل بطن رجل ألا فليشنوا من الماء و ليمسوا من الطيب و ليطوفوا بالبيتسبعا ألا و فيهم الطيب الطاهر لداته ألا فليستسق الرجل و ليؤمن القوم ألا فغثتم إذا ما شئتم و عشتم

  قالت فأصبحت مذعورة قد قف جلدي و دله عقلي و اقتصصت رؤياي فو الحرمة و الحرم إن بقي أبطحي إلا قال هذا شيبة الحمد و تتامت عنده قريش و انقض إليه من كل بطن رجل فشنوا و مسوا و استلموا و طوفوا ثم ارتقوا أبا قبيس و طفق القوم يدفون حوله ما إن يدرك سعيهم مهله حتى قروا بذروة الجبل و استكفوا جنابيه فقام عبد المطلب فاعتضد ابن ابنه محمدا فرفعه على عاتقه و هو يومئذ غلام قد أيفع أو كرب ثم قال اللهم ساد الخلة و كاشف الكربة أنت عالم غير معلم مسئول غير مبخل و هذه عبداؤك و إماؤك بعذرات حرمك يشكون إليك سنتهم التي أذهبت الخف و الظلف فاسمعن اللهم و أمطرن علينا غيثا مريعا مغدقا فما راموا البيت حتى انفجرت السماء بمائها و كظ الوادي بثجيجه فسمعت شيخان العرب و جلها عبد الله بن جدعان و حرب بن أمية و شهاب بن المغيرة يقولون لعبد المطلب هنيئا لك أبا البطحاء و في ذلك قالت رقيقة شعر.

بشيبة الحمد أسقى الله بلدتنا. فقد فقدنا الحيا و اجلوذ المطر.فجاد بالماء جوني له سبل. سحا فعاشت به الأنعام و الشجر.منا من الله بالميمون طائره. و خير من بشرت يوما به مضر.مبارك الاسم يستسقى الغمام به. ما في الأنام له عدل و لا خطر.

 قوله أقحلت من قحل قحولا إذا يبس راقدة أي نائمة مهومة يقال هوم أي هز رأسه من النعاس صيت فيعل من صات يصوت كالميت من مات و الصحل الذي في صوته ما يذهب بحدته من بحة و هو مستلذ في السمع إبان نجومه وقت ظهوره و هو فعلان من آب الشي‏ء إذا تهيأ و حي هلا أي ابدأ به و اعجل بذكره و الحيا بفتح الحاء مقصورا المطر لأنه حياة الأرض و طوال مبالغة في طويل و كذا عظام و جسام و فعال مبالغة في فعيل و فعال أبلغ منه نحو كرام و كرام و الكظم الإمساك و ترك الإبداء أي إنه من ذوي الحسب و الفخر و هو لا يبدي ذلك و البض بالباء الموحدة المفتوحة و الضاد المعجمة من البضاضة و هو رقة اللون و صفاء البشرة و العرنين بالكسر الأنف و قيل رأسه و الوسيط أفضل القوم من الوسط أوطف الأهداب طويلها فليخلص أي فليتميز هو و ولده من الناس من قوله تعالى خَلَصُوا نَجِيًّا و ليدلف إليه و ليقبل إليه من الدليف و هو المشي الرويد و التقدم في رفق و شن الماء صبه على رأسه و قيل الشن صب الماء متفرقا قوله لداته على وجهين أن يكون جمع لدة مصدر ولد نحو عدة و زنة يعني أن مولده و مواليد من مضى من آبائه كلها موصوف بالطهر و الذكاء و أن يراد أترابه و ذكر الأتراب أسلوب من أساليبهم في تثبيت الصفة و تمكينها لأنه إذا جعل من جماعة و أقران ذوي طهارة فذاك أثبت لطهارته و أدل على قدسه غثتم مطرتم بكسر الغين أو بضمه قف تقبض و اقشعر و القفة الرعدة دله دهش و تحير شيبة الحمد اسم لعبد المطلب عامر و إنما قيل له شيبة لشيبة كانت في رأسه حين ولد و قد مر سبب تسميته بعبد المطلب تتامت التتام التوافر يدفون الدفيف المر السريع و المهل بالإسكان التؤدة استكفوا أحدقوا من الكفة و هي ما استدار ككفة الميزان جنابيه أي جانبيه أيفع ارتفع كرب قرب من الإيفاع و منه الكروبيون المقربون من الملائكة و العبداء و العبدى بالمد و القصر العبيد و العذرة الفناء و كظيظ الوادي امتلاؤه و الثجيج الماء المثجوج أي المصبوب و الشيخان جمع شيخ كالضيفان في ضيف و قيل له أبو البطحاء لأن أهلها عاشوا به و انتعشوا كما يقال للطعام أبو الأضياف و اجلوذ أي كثر و امتد جوني سحاب

  أسود و سبل جار سحا أي منصبا و العدل المثل و كذلك الخطر. ثم قال و من ذلك خروج عبد المطلب لتهنئة سيف بن ذي يزن كما حدثنا إسماعيل بن المظفر بإسناده عن عفير بن زرعة بن سيف بن ذي يزن قال لما ظفر جدي سيف على الحبشة و ذلك بعد مولد النبي ص بسنتين أتت وفود العرب و أشرافها و شعراؤها لتهنئته و تذكر ما كان من بلائه و طلبه ثبار قومه. أقول و ساق الحديث مثل ما تقدم برواية الصدوق في باب البشائر. ثم قال هذا الحديث دال على أن الوفادة إلى ابن ذي يزن كان في سنة ثلاث من مولد رسول الله ص و الأصح أنها كانت سنة سبع لأنه يقول عبد المطلب توفي أبوه و أمه و كفلته أنا و عمه و أم رسول الله ص لم تمت حتى بلغ ست سنين. ثم قال و أما ما كان سنة ثمان من مولده ص فمن ذلك موت عبد المطلب رضي الله عنه و كان يوصي برسول الله ص عمه أبا طالب و ذلك أن أبا طالب و عبد الله أبا رسول الله ص كانا لأم و كان الزبير من أمهما أيضا لكن كانت كفالة أبي طالب له بسبب فيه ثلاثة أقوال أحدها وصية عبد المطلب لأبي طالب و الثاني أنهما اقترعا فخرجت القرعة لأبي طالب و الثالث أن رسول الله ص اختاره و مات عبد المطلب و هو يومئذ ابن ثنتين و ثمانين سنة و يقال ابن مائة و عشرين سنة و من ذلك كفالة أبي طالب رسول الله ص قالوا لما توفي عبد المطلب قبض أبو طالب رسول الله ص إليه فكان يكون معه و كان أبو طالب لا مال له و كان يحبه حبا شديدا لا يحب ولده كذلك و كان لا ينام إلا إلى جنبه و يخرج فيخرج معه و قد كان يخصه بالطعام و إذا أكل عيال أبي طالب جميعا أو فرادى لم يشبعوا و إذا أكل معهم رسول الله ص شبعوا فكان إذا أراد أن يغديهم قال كما أنتم حتى يحضر ابني فيأتي رسول الله ص فيأكل معهم و كانوا يفضلون من طعامهم و إذا لم يكن معهم لم يشبعوا فيقول أبوطالب إنك لمبارك و كان الصبيان يصبحون رمصا شعثا و يصبح رسول الله ص دهينا كحيلا و كان أبو طالب يلقي له وسادة يقعد عليها فجاء النبي ص فقعد عليها فقال أبو طالب و آله ربيعة إن ابن أخي ليحس بنعيم. و روي عن عمرو بن سعيد أن أبا طالب قال كنت بذي المجاز و معي ابن أخي يعني النبي ص فأدركني العطش فشكوت إليه فقلت يا ابن أخي قد عطشت و ما قلت له و أنا أرى أن عنده شيئا إلا الجزع قال فثنى وركه ثم برك فقال يا عم أ عطشت قال قلت نعم فأهوى بعقبيه إلى الأرض فإذا بالماء فقال اشرب يا عم فشربت و من ذلك هلاك حاتم الذي يضرب به المثل في الجود و الكرم. و من ذلك موت كسرى أنوشيروان و ولاية ابنه هرمز. و مما كان في سنة تسع من مولده ص ما روي في بعض الروايات أن أبا طالب خرج برسول الله ص إلى بصرى و هو ابن تسع سنين. و مما كان سنة عشر من مولده ص الفجار الأول و هو قتال وقع بعكاظ و كانت الحرب فيه ثلاثة أيام.

  و مما كان سنة إحدى عشرة من مولده ص ما روي عن أبي بن كعب قال إن أبا هريرة سأل رسول الله ص ما أول ما رأيت من أمر النبوة فاستوى جالسا و قال لقد سألت يا أبا هريرة إني لفي صحراء ابن عشر سنين و أشهر و إذا بكلام فوق رأسي و إذا رجل يقول لرجل أ هو هو فاستقبلاني بوجوه لم أرها لخلق قط و أرواح لم أجدها من خلق قط و ثياب لم أرها على خلق قط فأقبلا إلي يمشيان حتى أخذ كل واحد منهما بعضدي لا أجد لأخذهما مسا فقال أحدهما لصاحبه أضجعه فأضجعاني بلا قصر و لا هصر فقال أحدهما لصاحبه افلق صدره ففلق أحدهما صدري بلا دم و لا وجع فقال له أخرج الغل و الحسد فأخرج شيئا كرصة العلقة ثم نبذها فطرحها ثم قال له أدخل الرأفة و الرحمة فإذا مثل الذي أخرج شبه الفضة ثم هز إبهام رجلي فقال اعدوا بنبيكم فرجعت بهما أعدوا بهما رأفة على الصغير و رحمة للكبير. و أما ما كان سنة اثنتي عشرة من مولده ص إلى ثلاث عشرة منه فخروجه ص مع أبي طالب إلى الشام روي أنه لما أتت لرسول الله ص اثنتي عشرة سنة و شهران و عشرة أيام ارتحل به أبو طالب للخروج إلى الشام و ذلك أنه لما تهيأ للخروج أضب به رسول الله ص فرق له أبو طالب و في رواية لما تهيأ أبو طالب للرحيل و أجمع على السير هب له رسول الله ص فأخذ بزمام ناقته و قال يا عم إلى من تكلني لا أب لي و لا أم فرق فقال و الله لأخرجن به معي و لا يفارقني و لا أفارقه أبدا فخرج به معه فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام و بها راهب يقال له بحيرا في صومعة له و كان ذا علم في النصرانية و لم يزل في تلك الصومعة راهب يصير إليه علمهم من كتاب فيما يزعمون يتوارثون كابرا عن كابر. يقال أضب على ما في نفسه إذا أخرجه و أضب تكلم و يقال جاء فلان يضب لسانه أي اشتد حرصه. و روي عن داود بن الحصين قال لما خرج أبو طالب إلى الشام و خرج معه رسول الله ص في المرة الأولى و هو ابن اثنتي عشرة سنة فلما نزل الركب بصرى الشام و بها راهب يقال له بحيرا في صومعة له و كان علماء النصارى يكونون في تلك الصومعة يتوارثونها عن كتاب يدرسونه فلما نزلوا ببحيرا و كان كثيرا ما يمرون به لا يكلمهم حتى إذا كان ذلك العام و نزلوا منزلا قريبا من صومعته قد كانوا ينزلونه قبل ذلك كلما مروا فصنع لهم طعاما ثم دعاهم و إنما حمله على دعائهم أنه رأى حين طلعوا غمامة تظل رسول الله ص من بين القوم حتى نزلوا تحت الشجرة ثم نظر إلى تلك الغمامة أظلت تلك الشجرة و أخضلت أغصان الشجرة على النبي ص حين استظل تحتها فلما رأى بحيرا ذلك نزل من صومعته و أمر بذلك الطعام فأتي به فأرسل إليهم فقال إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش و أنا أحب أن تحضروه كلكم و لا تخلفون منكم صغيرا و لا كبيرا حرا و لا عبدا فإن هذا شي‏ء تكرموني به فقال له رجل إن لك لشأنا يا بحيرا ما كنت تصنع بنا هذا فما شأنك اليوم قال فإني أحببت أن أكرمكم و لكم حق فاجتمعوا إليه و تخلف رسول الله ص من بين القوم لحداثة سنه ليس في القوم أصغر منه في رحالهم تحت الشجرة فلما نظر بحيرا إلى القوم فلم ير الصفة التي يعرفها و يجدها عنده و جعل ينظر فلا يرى الغمامة على أحد من القوم و يراها متخلفة على رأس رسول الله ص قال بحيرا يا معشر قريش لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي قالوا ما تخلف أحد إلا غلام هو أحدث القوم سنا في رحالهم فقال ادعوه فليحضر طعامي فما أقبح أن تحضروا و يتخلف رجل واحد مع أني أراه من أنفسكم فقال القوم هو و الله

  أوسطنا نسبا و هو ابن أخي هذا الرجل يعنون أبا طالب و هو من ولد عبد المطلب فقام الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف و قال و الله أن كان بنا للوم أن يتخلف ابن عبد المطلب من بيننا ثم قام إليه فاحتضنه و أقبل به حتى أجلسه على الطعام و الغمامة تسير على رأسه و جعل بحيرا يلحظه لحظا شديدا و ينظر إلى أشياء في جسده قد كان يجدها عنده من صفته فلما تفرقوا عن طعامهم قام إليه الراهب فقال يا غلام أسألك بحق اللات و العزى إلا أخبرتني عما أسألك فقال رسول الله ص لا تسألني باللات و العزى فو الله ما أبغضت شيئا بغضهما قال بالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه قال سلني عما بدا لك فجعل يسأله عن أشياء من حاله حتى نومه فجعل رسول الله ص يخبره فيوافق ذلك ما عنده ثم جعل ينظر بين عينيه ثم كشف عن ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضع الصفة التي عنده فقبل موضع الخاتم و قالت قريش إن لمحمد ص عند هذا الراهب لقدرا و جعل أبو طالب لما يرى من الراهب يخاف على ابن أخيه قال الراهب لأبي طالب ما هذا الغلام منك قال أبو طالب ابني قال ما هو ابنك و ما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا قال فابن أخي قال فما فعل أبوه قال هلك و أمه حبلى به قال فما فعلت أمه قال توفيت قريبا قال صدقت ارجع بابن أخيك إلى بلده و احذر عليه اليهود فو الله لئن رأوه و عرفوا منه ما أعرف ليبلعنه غثا فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم نجده في كتبنا و ما روينا عن آبائنا و اعلم أني قد أديت إليك النصيحة فلما فرغوا من تجارتهم خرج به سريعا و كان رجال من يهود قد رأوا رسول الله ص و عرفوا صفته فأرادوا أن يغتالوه فذهبوا إلى بحيرا فذاكروه أمره فنهاهم أشد النهي و قال لهم أ تجدون صفته قالوا نعم قال فما لكم إليه سبيل فصدقوه و تركوه و رجع به أبو طالب فما خرج به سفرا بعد ذلك خوفا عليه و كان في سنة أربع عشرة من مولده ص الفجار الآخر بين هوازن و قريش و حضره رسول الله ص. و في سنة سبع عشرة وثبت العظماء و الأشراف بالمدائن فخلعوا هرمز و سملوا عينيه و تركوه. و في سنة تسع عشرة قتلوا هرمز بعد خلعه و فيها ولي ابنه برويز و كان يسمى كسرى. و في سنة ثلاث و عشرين كان هدم الكعبة و بنيانها في قول بعض العلماء. و في سنة خمس و عشرين كان تزويج خديجة رضي الله عنها كما سيأتي شرحه. و في سنة خمس و ثلاثين من مولده ص هدمت قريش الكعبة على الأصح قال ابن إسحاق كانت الكعبة رضمة فوق القامة فأرادت قريش رفعها و تسقيفها و كان نفر من قريش و غيرهم قد سرقوا كنز الكعبة و كان يكون في بئر في جوف الكعبة فهدموها لذلك و ذلك في سنة خمس و ثلاثين من مولده ص و قيل في سبب هدمها إنه كان الجرف يطل على مكة و كان السيل يدخل من أعلاها حتى يدخل البيت فانصدع فخافوا أن ينهدم و سرق منه حلية و غزال من ذهب كان عليه در و جوهر و لذلك هدم البيت ثم إن سفينة أقبلت في البحر من الروم و رأسهم بأقوم و كان بانيا فتحطمت السفينة بنواحي جدة فخرج الوليد بن المغيرة في نفر من قريش إلى السفينة فابتاعوا خشبها و كلموا الرومي بأقوم فقدم معهم و قالوا لو بنينا بيت ربنا فأمروا بالحجارة فجمعت فبينا رسول الله ص ينقل معهم و هو يومئذ ابن خمس و ثلاثين سنة و كانوا يضعون أزرهم على عواتقهم و يحملون الحجارة ففعل ذلك رسول الله ص فلبط به و نودي عورتك و كان ذلك أول ما نودي فقال له أبو طالب يا ابن أخي اجعل إزارك على رأسك قال ما أصابني ما أصابني إلا في التعري فما رئيت لرسول الله ع عورة. و في البخاري عن جابر بن عبد الله قال لما بنيت الكعبة ذهب النبي ص و عباس ينقلان الحجارة فقال العباس للنبي اجعل إزارك على رقبتك من الحجارة فخر إلى الأرض و طمحت عيناه إلى السماء ثم أفاق فقال إزاري إزاري فشد عليه إزاره ثم

  إنهم أخذوا في بنائها و ميزوا البيت و اقترعوا عليه فوقع لعبد مناف و زهرة ما بين الركن الأسود إلى ركن الحجر وجه البيت و وقع لبني أسد بن عبد العزى و بني عبد الدار ما بين الحجر إلى ركن الحجر الآخر و وقع لتيم ما بين ركن الحجر إلى الركن اليماني و وقع لسهم و جمح و عدي و عامر بن لؤي ما بين الركن اليماني إلى الركن الأسود فبنوا فلما انتهوا إلى حيث موضع الركن من البيت قالت كل قبيلة نحن أحق بوضعه فاختلفوا حتى خافوا القتال ثم جعلوا بينهم أول رجل يدخل من باب بني شيبة فيكون هو الذي يضعه فقالوا رضينا و سلمنا فكان رسول الله ص أول من دخل من باب بني شيبة فلما رأوه قالوا هذا الأمين قد رضينا بما قضى بيننا ثم أخبروه الخبر فوضع رسول الله ص رداءه و بسطه في الأرض ثم وضع الركن فيه ثم قال ليأت من كل ربع من أرباع قريش رجل و كان في ربع عبد مناف عتبة بن ربيعة و كان في الربع الثاني أبو زمعة و كان في الربع الثالث أبو حذيفة بن المغيرة و كان في الربع الرابع قيس بن عدي ثم قال رسول الله ص ليأخذ كل رجل منكم بزاوية من زوايا الثوب ثم ارفعوه جميعا فرفعوه ثم وضعه رسول الله ص بيده في موضعه ذلك فذهب رجل من أهل نجد ليناول النبي ص حجرا يسد به الركن فقال العباس بن عبد المطلب لا و نحاه و ناول العباس رسول الله ص حجرا فسد به الركن فغضب النجدي حين نحي فقال رسول الله ص إنه ليس يبني معنا في البيت إلا منا ثم بنوا حتى انتهوا إلى موضع الخشب و سقفوا البيت و بنوه على ستة أعمدة و أخرجوا الحجر من البيت. و في هذه السنة ولدت فاطمة ع بنت رسول الله ص و فيها مات زيد بن عمرو بن نفيل. و روي عن عامر بن ربيعة قال كان زيد بن عمرو بن نفيل يطلب الدين و كره النصرانية و اليهودية و عبادة الأوثان و الحجارة و أظهر خلاف قومه و اعتزل آلهتهم و ما كان يعبد آباؤهم و لا يأكل ذبائحهم فقال لي يا عامر إني خالفت قومي و اتبعت ملة إبراهيم ع و ما كان يعبده و إسماعيل ع من بعده فقال و كانوا يصلون إلى هذه القبلة و أنا أنتظر نبيا من ولد إسماعيل ع يبعث لا أراني أدركه و أنا أؤمن به و أصدقه و أشهد أنه نبي فإن طالت بك مدة فرأيته فأقرئه مني السلام قال عامر فلما نبئ رسول الله ص أسلمت و أخبرته بقول زيد و أقرأته منه السلام فرد عليه رسول الله ص السلام و ترحم عليه و قال قد رأيته في الجنة يسحب ذيولا رضي الله عنه. و أما ما كان سنة ثمان و ثلاثين من مولده ص ففي هذه السنة رأى الضوء و النور و كان يسمع الصوت و لا يدري ما هو. و أما سنة أربعين من مولده ص ففي هذه السنة قتل كسرى برويز النعمان بن المنذر لغضب كان له عليه قتله قبل المبعث بسبعة أشهر. بيان قوله ليحس بنعيم أي يرى و يعلم أن له ملكا و نعيما و الهصر الجذب و الإمالة و الكسر و الدفع و الإدناء و عطف شي‏ء رطب و يقال هصر ظهره أي ثناه إلى الركوع كرصة العلقة أي كعلقة ارتص و التزق بعضها ببعض أو التزقت بشي‏ء و هب أي نهض و أسرع و في القاموس الخضل ككتف و صاحب كل ندى يترشف نداه و اخضأل الشجر كاطمأن و اخضال كاحمار كثرت أغصانها ليبلعنه بالعين المهملة غثا بالغين المعجمة و الثاء المثلثة أي و إن كان مهزولا أو بالتاء المثناة من غت الماء إذا شرب جرعا بعد جرع من غير إبانة الإناء عن فمه و في بعض النسخ ليبلغنه عنتا و هو ظاهر و قال الجزري الرضمة واحدة الرضم و الرضام و هي دون الهضاب

  و قيل صخور بعضها على بعض قوله فلبط به على بناء المجهول أي صرع و سقط إلى الأرض. أقول إنما أوردت سياق هذه القصص مع عدم الوثوق عليها لاشتمالها على تعيين أوقات ما أسلفناه في الأخبار المتفرقة و كونها موضحة لبعض ما أبهم فيها